عصمة الأنبياء

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

عصمة الأنبياء

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٤٤

( الثاني ) هو أن هذا من كلام المرأة لا من كلام يوسف عليه السلام بدليل أن هذا مسوق إلى كلام المرأة فإنه تعالى قال ( قٰالَتِ اِمْرَأَةُ اَلْعَزِيزِ اَلْآنَ حَصْحَصَ اَلْحَقُّ أَنَا رٰاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ اَلصّٰادِقِينَ ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَهْدِي كَيْدَ اَلْخٰائِنِينَ وَمٰا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّٰارَةٌ بِالسُّوءِ ) (١) الكلام على كلام المرأة فقوله تعالى ( ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) من كلام المرأة لا من كلام يوسف. والمكنى عنه في قوله ( لَمْ أَخُنْهُ ) هو يوسف. وهو غائب في السجن ، ولم أقل فيه لما سئلت عن قصتي إلا الحق ، وليس في القرآن ما يدل على أن ذلك من قول يوسف عليه السلام. ومهما جعل ذلك من قول يوسف عليه السلام احتيج إلى حذف طويل من رجوع الرسول إلى يوسف عليه السلام ، وإخباره بما قاله له حتى يجيبه يوسف عليه السلام ، ثم رجوع الرسول إلى الملك ثانيا وإخباره إياه بمقالة يوسف عليه السلام حتى يقول الملك ( اِئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ) (٢) وهذا محال لا يجوز مثله في القرآن ولا في الشعر. ولو جعلنا ذلك من قول يوسف عليه السلام لم يوجب ذلك إلحاق الفاحشة به ، بل هو أدل دليل على براءة ساحته وذلك لأنه قال ( لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) ولا خيانة أعظم من الهم بامرأته والقعود منها مقعد الرجل من امرأته.

( الشبهة الرابعة ) أنهم سجنوا يوسف عليه السلام ، وذلك معصية بالاتفاق وأنه عليه السلام قال (رَبِّ اَلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّٰا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (٣) فيدل ذلك على محبته لتلك المعصية ، ومحبتها معصية.

( الجواب ) من وجهين :

__________________

١ ـ سورة يوسف الآيات ٥١ ـ ٥٢ ـ ٥٣.

٢ ـ سورة يوسف الآية ٥٤.

٣ ـ سورة يوسف الآية ٣٣.

٨١

( الأول ) : المراد من الأحب الأخف والأسهل فهذا كمن يخير بين شيئين مكروهين جدا ، فيقول إن كذا أحب إلي ، أي أخف.

( الثاني ) أن توطين النفس على تحمل مشقة السجن أحب إلي من مواقعتي المعصية. فأما قوله : ( وَإِلاّٰ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ ) (١) فهو تصريح بأن شيئا من الطاعات لا يتم إلا بمعونة اللّه تعالى ولطفه.

( الشبهة الخامسة ) : كيف يجوز على يوسف مع نبوته أن يعول على غير اللّه في الخلاص من السجن في قوله للذي كان معه ( اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) (٢) حتى وردت الروايات أنه إنما طال مقامه في الحبس لأنه عول على غير اللّه؟

( الجواب ) : أن الدنيا دار الأسباب ، فالتمسك بالأسباب لا ينافي حقيقة التوكل (٣).

( الشبهة السادسة ) : ما الحكمة في طلب أخيه من إخوته ، ثم حبسه عن الرجوع إلى أبيه مع علمه بما يلحق أباه من الحزن؟ وهل هذا إلا ضرر بأبيه؟

( الجواب ) : إنما فعل ذلك بوحي من اللّه تعالى إليه زيادة في امتحان أبيه. والمراد من قوله ( سَنُرٰاوِدُ عَنْهُ أَبٰاهُ ) (٤) ليس الخداع والكذب بل اللطف والاحتيال.

__________________

١ ـ سورة يوسف الآية ٣٣.

٢ ـ سورة يوسف الآية ٤٢.

٣ ـ قال المؤلف في تفسيره ٥ / ١٣٦ : الا أن الأولى بالصديقين أن يقطعوا نظرهم عن الاسباب بالكلية وان لا يشتغلوا الا بحسب الاسباب.

٤ ـ سورة يوسف الآية ٦١.

٨٢

( الشبهة السابعة ) : فما معنى جعل السقاية في رحل أخيه؟

( الجواب ) أما جعل السقاية في رحل أخيه فالغرض منه التسبب إلى احتباس أخيه عنده. ويجوز أن يكون ذلك بأمر اللّه تعالى. وروي أنه أعلم أخاه بذلك ليجعله طريقا إلى التمسك به. وعلى هذا الوجه لا يكون ذلك سببا لإدخال الغم في قلب أخيه.

( فإن قلت ) فلا أقل من أن يكون ذلك سببا لتعريض أخيه لتهمة السرقة؟

( قلت ) لا نسلم فإن وجود السقاية في رحل أخيه يحتمل وجوها كثيرة ، فمن صرفه إلى السرقة كان هو المقصر. وأما نداء المنادي ـ أنهم سارقون ـ ففيه ثلاثة أوجه :

( الأول ) : أنه ما كان بأمره عليه السلام ، بل نادى بذلك واحد من القوم لما فقدوا الصواع.

( الثاني ) : هب أنه كان بأمره لكنه لم يناد بأنهم سرقوا الصواع بل نادى بأنهم سارقون ، فلعل المراد أنهم سرقوا يوسف من أبيه.

( الثالث ) : أن الكلام خارج على معنى الاستفهام ، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر كأنه قال : أإنكم لسارقون؟ فأسقط همزة الاستفهام كما أسقطت في قوله (هٰذٰا رَبِّي).

( الشبهة الثامنة ) : ما بال يوسف لم يعلم أباه خبره حتى تسكن نفسه ويزول حزنه؟

( والجواب ) : لعله امتنع عنه بأمر اللّه تشديدا على يعقوب عليه السلام.

( الشبهة التاسعة ) : قال اللّه تعالى ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى اَلْعَرْشِ

٨٣

وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) (١) وكيف رضي بأن يسجدوا له والسجود لا يكون إلا للّه ، وكيف رضي باستخدام الأبوين؟

( الجواب ) : المعنى خروا لأجله سجدا للّه.

( فإن قلت ) : هذا التأويل يفسده قوله تعالى ( يٰا أَبَتِ هٰذٰا تَأْوِيلُ رُءْيٰايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهٰا رَبِّي حَقًّا ) (٢)

( قلت ) : لا نسلم ، فإن تأويل رؤياه : بلوغه أرفع المنازل ، فلما رأى أبويه على أشرف الحالات في الدارين كان ذلك مصدقا لرؤياه المتقدمة.

( الشبهة العاشرة ) : ما معنى قوله تعالى حكاية عنه (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ اَلشَّيْطٰانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (٣).

( جوابه ) أن النزغ الشيطاني كان منهم إليه لا منه إليهم ، وهو كقول القائل : كان بيني وبين فلان شر ، وإن كان من أحدهما دون الثاني.

( الشبهة الحادية عشرة ) : ما معنى قوله عليه السلام ( اِجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ اَلْأَرْضِ ) (٤) وكيف يجوز أن يطلب الولاية من قبل الظالم؟

( جوابه ) إنما التمس بتمكينه من خزائن الأرض ليحكم فيها بالعدل لأنه بسبب نبوته كان مستحقا لذلك وللمستحق أن يتوصل إلى حقه بأي طريق كان.

__________________

١ ـ سورة يوسف الآية ١٠٠.

٢ ـ سورة يوسف الآية ١٠٠.

٣ ـ سورة يوسف الآية ١٠٠.

٤ ـ سورة يوسف الآية ٥٥.

٨٤

قصة أيوب عليه السلام

حكى اللّه تعالى أنه قال ( مَسَّنِيَ اَلشَّيْطٰانُ بِنُصْبٍ وَعَذٰابٍ ) (١) والعذاب لا يكون إلا جزاءا كالعقاب ، فدل على كونه مذنبا ، وروى جمع من المفسرين أن اللّه تعالى إنما عاقبه بذلك البلاء لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

( جوابه ) : لا نسلم أن العذاب لا يكون إلا جزاءا. ولهذا يقال للظالم المبتدئ بالظلم : إنه يعذب الناس فأما إضافة ذلك إلى الشيطان فنقول : إنه عليه السلام ما أضاف المرض إلى الشيطان ، وإنما أضاف إليه ما كان يشعر به من وسوسته وتذكيره له مما كان فيه من النعم والعافية ودعائه له إلى التضجر ، ولأنه كان يوسوس إلى قومه بأن يستقذروه ، لما كان عليه من الأمراض البشعة المنظر ، وأيضا فإن اللّه تعالى مدحه في آخر الآية بقوله ( إِنّٰا وَجَدْنٰاهُ صٰابِراً نِعْمَ اَلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ ) (٢) فلو كان أول الآية دالا على كونه مذنبا لكان مدحه عقيب ذلك موهما أنه مدحه على ذنبه وهو غير جائز. واللّه الموفق.

__________________

١ ـ سورة ص الآية ٤١.

٢ ـ سورة ص الآية ٤٤.

٨٥

قصة شعيب عليه السلام

( وفيها شبه ثلاث )

( الشبهة الأولى ) ما معنى قوله ( وَاِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) (١) والشيء لا يعطف على نفسه لا سيما بالحرف الذي يقتضي التراخي وهو ( ثم ) ، ( جوابه ) من وجوه ثلاثة :

( الأول ) أن يكون المعنى اجعلوا المغفرة غرضكم الذي تتوجهون إليه ، ثم توصلوا إليها بالتوبة. فالمغفرة أول في الطلب وآخر في السبب.

( الثاني ) استغفروا ربكم أي سلوه للمؤمنين المغفرة بالمعونة عليها ، ثم توبوا إليه ، والشيء لا يعطف لأن المسألة للتوفيق ينبغي أن يكون قبل التوبة.

( الثالث ) وهو أن للتخلص من ضرر الذنب طريقين : ( أحدهما ) مغفرته تعالى وعونه. وذلك إنما يكون عند تقارب الذنب. ( والثاني ) التوبة الماحية للذنب ، فكأنه عليه السلام أرسل إلى طلب التخلص من تلك المعاصي بجميع الطرق الممكنة.

( الشبهة الثانية ) ما معنى قول شعيب عليه السلام لموسى عليه السلام :

__________________

١ ـ سورة هود الآية ٩٠.

٨٦

( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى اِبْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) (١) فكيف يجوز في الصداق التخيير؟ وأي فائدة للبنت فيما شرطه هو لنفسه وليس يعود عليها من ذلك نفع؟ (٢)

( جوابه ) من وجهين :

( الأول ) يجوز أن تكون الغنم كانت لشعيب عليه السلام وكانت الفائدة لاستئجار من يرعاها عائدة إليه إلا أنه عوض ابنته عن قيمة رعيتها فيكون ذلك رعيا لها ، وأما التخيير فلم يكن إلا فيما زاد على ثماني حجج وذلك الزائد لم يكن من الصداق ، ويجوز أيضا أن تكون الغنم للبنت وكان الأب متوليا لأمرها ، قابضا لصداقها.

( الثاني ) يجوز أن يكون من شريعته العقد على التراضي من غير صداق معين ، ويكون قوله : ( عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ ) على غير وجه الصداق.

( الشبهة الثالثة ) قوله : ( لَنُخْرِجَنَّكَ يٰا شُعَيْبُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا ) الآيتين (٣). فاعترف شعيب على أنه تعالى نجاه من ملتهم التي هي الكفر ولا يعود فيها والعائد إلى الشيء هو من كان فيه ، فيرجع إليه بعد مفارقته وكذلك سبيل النجاة.

__________________

١ ـ سورة القصص الآية ٣٧.

٢ ـ كون شعيبا هو الشيخ الكبير أمر مشكوك فيه لقول شعيب لقومه ( وَمٰا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ) أي أنه كان قبل زمان موسى بمدة طويلة ، وما روى من أحاديث بهذا الشأن قال عنهما ابن كثير في تفسيره « هو ما لا يصح اسناده » (٣ / ٣٨٤) وقد حقق الموضوع عبد الوهاب النجار في « قصص الأنبياء » ص ١٦٩ فلينظر.

٣ ـ سورة الاعراف ، الآية ٨٨ ـ ٨٩.

٨٧

( جوابه ) : العود إلى الشيء قد يستعمل فيما لم يكن فيه قط ، فإن اللّه تعالى سمى القيامة معادا وإن لم تكن فيها ، وكذلك النجاة قد تستعمل فيما لم تكن فيه ، فإن السالم مما ابتلى به غيره قد يقول : الحمد للّه الذي نجانا مما ابتلى به فلانا.

( وجه آخر ) : وهو أن الكناية في قوله : ( بَعْدَ إِذْ نَجّٰانَا اَللّٰهُ مِنْهٰا ) يرجع إلى الملة ، ويجوز أن يكون شعيب قبل الوحي مكلفا بتلك الملة ، ثم صارت منسوخة ، فدعوه إليها مرة أخرى فأجابهم شعيب عليه السلام بأنه ليس له أن يعود إليها بعد نسخها.

٨٨

قصة موسى عليه السلام

( فيها شبه ستة ) ( الشبهة الأولى ) : تمسكوا بقوله تعالى : ( فَوَكَزَهُ مُوسىٰ فَقَضىٰ عَلَيْه ِ) (١) فإن ذلك القبطي إما أن يكون مستحقا للقتل أو لا.

فإن كان الأول فلم قال ( هٰذٰا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ ) و ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ) الآية (٢) و (فَعَلْتُهٰا إِذاً وَأَنَا مِنَ اَلضّٰالِّينَ) (٣)؟ وإن كان الثاني كان عاصيا في قتله.

( جوابه ) يحتمل أن يقال : إنه لكفره كان مستحقا للقتل وإنه لم يكن لكن موسى قتله خطأ ، وأنه لم يقصد إلا تخليص الذي من شيعته من ذلك القبطي. فتأدى به ذلك إلى القتل من غير قصد.

وأما الآيات فمن جوز الصغيرة حملها عليه فإن الاستغفار والتوبة تجب من الصغيرة كما تجب من الكبيرة ومن أباها فلم يحملها عليه.

وأما قوله : ( هٰذٰا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ ) ففيه وجهان :

( الأول ) أن اللّه تعالى ندبه إلى تأخير قتل أولئك الكفار إلى

__________________

١ ـ سورة القصص ، الآية ١٥.

٢ ـ سورة القصص ، ١٥ ـ ١٦.

٣ ـ سورة الشعراء ، الآية ٢٠.

٨٩

حال القدرة فلما قتل فقد ترك المندوب ، فقوله : (هٰذٰا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ) معناه إقدامي على ترك المندوب من عمل الشيطان.

( الثاني ) أن يكون المراد أن عمل المقتول عمل الشيطان ، والمراد بيان كونه مخالفا للّه تعالى مستحقا للقتل ، ويكون قوله : (هذا) إشارة إلى المقتول بمعنى أنه من جند الشيطان وحزبه ، يقال : فلان من عمل الشيطان أي من أصحابه. فأما قوله : ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) فعلى نهج قول آدم : ( ظَلَمْنٰا أَنْفُسَنٰا ) (١) والمراد أحد الوجهين إما على سبيل الانقطاع إلى اللّه تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإن لم يكن هناك ذنب قط ، أو من حيث حرم نفسه الثواب على فعل المندوب ، وأما قوله : ( فَاغْفِرْ لِي ) فالمراد اقبل مني هذه الطاعة والانقطاع إليك. وأما قوله : ( فَعَلْتُهٰا إِذاً وَأَنَا مِنَ اَلضّٰالِّينَ ) فلم يقل : إني صرت بذلك ضالا ولكن فرعون لما ادعى أنه كان كافرا إلى حال القتل نفى عن نفسه كونه كافرا في ذلك الوقت فاعترف بأنه كان ضالا أي متحيرا لا يدري ما يجب عليه أن يفعله وما يريده في ذلك واللّه أعلم (٢).

( الشبهة الثانية ) كيف لموسى عليه السلام أن يقول لرجل من شيعته يستصرخه ( إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ) (٣)؟

( جوابه ) : إن قوم موسى عليه السلام كانوا غلاظا جفاة. ألا ترى إلى قولهم بعد مشاهدة الآيات ( اِجْعَلْ لَنٰا إِلٰهاً كَمٰا لَهُمْ آلِهَةٌ ) (٤) وكان المراد ذلك.

__________________

١ ـ سورة الاعراف ، الآية ٢٣.

٢ ـ وقد زاد المؤلف جوابا على ذلك في تفسيره (٦ / ٤٦٧) : وان سلمنا أن هذه معصية لكن لا دليل على انه كان رسولا في ذلك الوقت.

٣ ـ سورة القصص ، الآية ١٨.

٤ ـ سورة الاعراف ، الآية ١٣٨.

٩٠

( الشبهة الثالثة ) : لما قال اللّه تعالى ( أَنِ اِئْتِ اَلْقَوْمَ اَلظّٰالِمِينَ ) فلم قال في جوابه ( إِنِّي أَخٰافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاٰ يَنْطَلِقُ لِسٰانِي فَأَرْسِلْ إِلىٰ هٰارُونَ ) (١) وهذا استغناء عن الرسالة؟

( جوابه ) : ليس هذا استغناء عن الرسالة ، ولكنه إذن في أن يسأل ضم أخيه إليه في الرسالة على ما ذكره اللّه تعالى في قوله في سورة طه (٢) ( وَهَلْ أَتٰاكَ حَدِيثُ مُوسىٰ ) إلى قوله ( وَاِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) فقال اللّه تعالى ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰا مُوسىٰ ) وكان في ذلك السؤال مأذونا فاندفع السؤال.

( الشبهة الرابعة ) : كيف جاز لموسى أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصي وذلك سحر وتلبيس وكفر ، والأمر بمثله لا يجوز؟

( جوابه ) : ذلك الأمر كان مشروطا والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ، كما في قوله تعالى ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (٣) أي إن كنتم قادرين ، وأيضا لما تعين ذلك طريقا إلى كشف الشبهة صار جائزا.

( الشبهة الخامسة ) ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ) (٤) أو ليس خوفه يقتضي شكه فيما أتى به؟

( جوابه ) لعله خاف لأنه رأى من قوة التلبيس ما أشفق عنده من وقوع الشبهة على بعض الناس فآمنه اللّه منه وبين أن حجته تتضح للقوم بقوله تعالى ( لاٰ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْأَعْلىٰ ) (٥).

__________________

١ ـ الآيات في هذه الشبهة ١٠ ـ ١٣ من الشعراء.

٢ ـ سورة طه ، الآية ٩ ـ ٣٦.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية ٢٣.

٤ ـ سورة طه ، الآية ٦٧.

٥ ـ سورة طه ، الآية ٦٨.

٩١

( الشبهة السادسة ) ( وَأَلْقَى اَلْأَلْوٰاحَ ) الآية (١) ، فلا يخلو إما أن يكون قد صدر الذنب عن هارون عليه السلام ما استحق به ذلك التأديب أو لم يصدر عنه فصدر عن موسى عليه السلام ، وأيضا فلأن هارون نهى موسى في قوله ( لاٰ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ) (٢) فإن كان موسى عليه السلام مصيبا فيما فعله كان هارون عاصيا في منعه عن فعل الصواب.

وإن كان هارون عليه السلام مصيبا في ذلك المنع كان موسى عليه السلام عاصيا في ذلك الفعل.

( جوابه ) أما من جوز الصغائر عليهم فقد حمل الواقعة عليه وزال السؤال.

وأما من أباها فله وجهان :

( الأول ) أن موسى أقبل وهو غضبان على قومه ، فأخذ برأس أخيه وجره إليه كما يفعل الإنسان بنفسه في مثل ذلك الغضب ، فإن المفكر الغضبان قد يعض على شفتيه ويقلب أصابعه ويقبض على لحييه ، فأجرى موسى عليه السلام أخاه مجرى نفسه لأنه كان شريكه فصنع به ما يصنع الرجل بنفسه في حال الفكر والغضب. وأما قوله (لاٰ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي) فلا يمتنع أن يكون هارون خاف أن يتوهم بنو إسرائيل بسوء ظنهم أنه منكر عليه معاتب له ، ثم أخذ في شرح القصة ، وقال في موضع آخر ( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ ) (٣) وفي موضع آخر ( اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي ) (٤)

__________________

١ ـ سورة الاعراف ، الآية ١٥٠.

٢ ـ سورة طه ، الآية ٩٤.

٣ ـ سورة طه ، الآية ٩٤.

٤ ـ سورة الاعراف ، الآية ١٥٠.

٩٢

( الثاني ) إن بني إسرائيل كانوا في نهاية سوء الظن بموسى حتى أن هارون عليه السلام غاب عنهم غيبة فقالوا لموسى : أنت قتلته فلما واعد اللّه موسى عليه السلام ثلاثين ليلة وأتمها بعشر وكتب له في الألواح من كل شيء رجع فرأى في قومه ما رأى فأخذ برأس أخيه ليدنيه فيتفحص كيفية الواقعة فخاف هارون أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له ، فقال إشفاقا على موسى عليه السلام ( لاٰ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ) لئلا يظن القوم بك ما لا يليق.

٩٣

قصة موسى والخضر عليهما السلام

( وفيها بحثان ) ( البحث الأول ) ما يتعلق بموسى عليه السلام وهو من وجوه :

( الأول ) أنه عليه السلام قال ( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ) (٢) و ( شَيْئاً فُكرَا ) (١) مع أن ذلك الفعل في نفسه ما كان كذلك ، والحكم على ما ليس بمنكر بأنه منكر خطأ ، فكان مخطئا.

( الثاني ) أنه نعت نفس الغلام بأنها زاكية مع أنها لم تكن كذلك.

( الثالث ) قوله ( لاٰ تُؤٰاخِذْنِي بِمٰا نَسِيتُ ) (٣) وعندنا النسيان غير جائز على الأنبياء.

( البحث الثاني ) ما يتعلق بالخضر ، وهو من وجوه.

__________________

١ ـ سورة الكهف ، الآية ٧١.

٢ ـ سورة الكهف ، الآية ٧٤.

٣ ـ سورة الكهف ، الآية ٧٣.

٩٤

( الأول ) قوله تعالى : ( أَمَّا اَلسَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ ) (١) والسفينة البحرية تساوي المال العظيم فكيف يسمى مالكها المسكين.

( الثاني ) قوله ( وَكٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ ) (٢) ومن كان وراءهم فقد سلموا منه ، وإنما كان خوفهم مما كان قدامهم.

( الثالث ) قوله ( فَخَشِينٰا أَنْ يُرْهِقَهُمٰا طُغْيٰاناً وَكُفْراً ) (٣) فكيف استباح دم الغلام لأجل الخشية مع أن الخشية لا تقتضي علما ولا يقينا؟

( الجواب ) عن الأول : أما قوله (شيئا إمرا) أي عجبا ، قيل : منكرا ، فإن حملناه على الأول ولا إشكال؛ وإن حملناه على الثاني كان الجواب عنه وعن (نكرا) واحدا. وفيه وجوه :

( الأول ) أن ظاهره منكر ، ومن يشاهده ينكره قبل أن يعرف علته.

( الثاني ) أن يكون حذف حرف الشرط فكأنه قال : إن كنت قتلته ظالما فقد جئت شيئا نكرا.

( الثالث ) أن يكون قوله ( نكرا ) أي عجيبا ، فإنهم يقولون فيما يستغربونه ويجهلون علته : إنه نكر ومنكر.

وعن الثاني : أنه وصف النفس بكونها زاكية على سبيل الاستفهام لا على سبيل الإخبار ، وأيضا فلأنه تكلم بما ذكره إجراء للأمر على ظاهره وذلك جائز لقوله عليه السلام « نحن نحكم بالظاهر » (٤).

__________________

١ و ٢ ـ سورة الكهف ، الآية ٧٩.

٣ ـ سورة الكهف ، الآية ٨٠.

٤ ـ ليس هذا اللفظ معروفا ، والمشهور « أمرت أن أحكم بالظاهر » ، قال السيوطي

٩٥

وعن الثالث أنا لا نجوز عليه النسيان فيما يتعلق بالتبليغ والشرع وأما في غيره فجائز.

وعن الرابع إن تلك السفينة كانت ملكا لقوم ، فلعل كل واحد منهم كان قليل المال جدا.

وعن الخامس إن لفظ الوراء يعبر به عن الخلف والقدام فهي هاهنا بمعنى القدام ، كما في قوله تعالى ( مِنْ وَرٰائِهِمْ جَهَنَّمُ ) (١) يعني من قدامهم.

وعن السادس : لعل اللّه أوحى إليه بقتل الشخص فلذلك أقدم علمه (٢).

__________________

في اللآلي : هو غير ثابت بهذا اللفظ. ولعله مروى بالمعنى من أحاديث صحيحة. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة : أشتهر بين الاصوليين والفقهاء ، بل وقع في شرح مسلم للنووي في قوله « اني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم » ما نصه : معناه اني أمرت بالحكم بالظاهر واللّه يتولى السرائر كما قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة. وجزم العراقي والمزي بأنه لا أصل له.

١ ـ سورة الجاثية ، الآية ١٠.

٢ ـ غريب جدا أن يغيب عن المصنف أن ذلك انما كان بوحي من اللّه بعد ما ورد من النص الصريح على ذلك في قوله ( وما فعلته عن أمري ) فهل بعد هذا تصريح بأن الخضر انما كان نبيا يتلقى الوحي بما فعل من عند اللّه تعالى ، وانما كانت هذه الوقائع بهذه الصورة لانها درس لموسى عليه السلام يتعلم منه التمهل والتروي. فان سبب ذلك كما جاء في صحيح البخاري. وغيره أن موسى عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل من أعلم الناس؟ فقال : أنا ولم يرد العلم الى اللّه فعاتبه اللّه في ذلك ، وأمره أن يلحق بعبده خضر الخ القصة.

٩٦

قصة داود عليه السلام

( وفيها شبهتان )

( الأولى ) قوله ( وَهَلْ أَتٰاكَ نَبَأُ اَلْخَصْمِ ) الآيات (١).

فاعلم أن الذي أقطع به عدم دلالة هذه الآية على صدور الكبيرة من داود عليه السلام. وبيانه من وجوه :

( الأول ) أن الذي حكاه المفسرون عن داود وهو أنه عشق امرأة أوريا فاحتال حتى قتل زوجها فتزوجها ، لا يليق بالأنبياء بل لو وصف به أفسق الملوك لكان منكرا.

( الثاني ) أن الدخول في دم أوريا أعظم من التزوج بامرأته فكيف ترك اللّه الذنب الأعظم واقتصر على ذكر الأخف؟

( الثالث ) أن السورة من أولها إلى آخرها في حاجة منكرى النبوة فكيف يلائمها القدح في بعض أكابر الأنبياء بهذا الفسق القبيح؟

( الرابع ) أن اللّه تعالى وصف داود عليه السلام في ابتداء القصة بأوصاف حميدة. وذلك ينافي ما ذكروه في الحكاية بيان وصفه تعالى بأوصاف حميدة من وجوه :

( الأول ) قوله تعالى : ( ذَا اَلْأَيْدِ ) (٢) والأيد القوة ولا شك أن المراد منه القوة في الدين ، لأن القوة في غير الدين كانت موجودة في

__________________

١ ـ سورة ص ، الآية ٢١ ـ ٢٦.

٢ ـ سورة ص ، الآية ١٧.

٩٧

الملوك الكفار ، وما استحقوا بها مدحا ، إنما المستحق للمدح هو القوة في الدين.

( الثاني ) أنه لما ثبت كونه موصوفا بالقوة في الدين ولا معنى للقوة في الدين إلا العزم الشديد على أداء الواجبات واجتناب المحظورات فكان داود عليه السلام من أولى العزم. وقد قال اللّه تعالى : ( فَاصْبِرْ كَمٰا صَبَرَ أُولُوا اَلْعَزْمِ مِنَ اَلرُّسُلِ ) (١) وأمر محمدا عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بأولى العزم ، فإذا كان داود عليه السلام من أولى العزم ما كان قد أمر محمدا بالاقتداء بداود عليه السلام. وهذه درجة لا توازيها درجة.

( الثالث ) أنه لما وصف بالقوة فأي قوة لمن لم يملك نفسه عن الفجور والقتل؟

( الرابع ) أنه وصفه بكونه أوابا والأواب هو الرجاع والرجاع إلى ذكر اللّه يستحيل أن يكون مواظبا على أعظم الكبائر.

( الخامس ) قال : ( سَخَّرْنَا اَلْجِبٰالَ مَعَهُ ) الآيتين (٢) ، أفترى أنه سخر له ذلك ليتخذه وسيلة إلى القتل والزنا؟ وقيل : إنه كان محرما عليه صيد كل شيء فكانت الطيور تأمنه ، فكيف يجوز أن تأمنه الطير ولا يأمنه المسلم على زوجته؟

( السادس ) قوله ( وَشَدَدْنٰا مُلْكَهُ ) (٣) ومحال أن يكون المراد منه شدة ملكه بالمال والعسكر مع كونه مسلما من طريق الدنيا لا من طريق الدين لأن ذلك سبيل الملوك الكفرة ، لأن قوله : ( وَشَدَدْنٰا مُلْكَهُ ) عام في الدين والدنيا.

( السابع ) قوله : ( وَآتَيْنٰاهُ اَلْحِكْمَةَ ) (٤) والحكمة اسم جامع

__________________

١ ـ سورة الاحقاف ، الآية ٣٥.

٢ ـ سورة ص ، الآية ١٨ ـ ١٩.

٣ ـ سورة ص ، الآية ٢٠.

٤ ـ سورة ص ، الآية ٢٠.

٩٨

لكل ما ينبغي علما وعملا ، فكيف يجوز أن يقول اللّه ( وَآتَيْنٰاهُ اَلْحِكْمَةَ ) مع إصراره على ما يستنكفه أخبث الشياطين من مزاحمة أفضل أصحابه وأحبائه في الزوج والمنكوح.

فبان أن اللّه تعالى لما وصفه بهذه الصفة كان القول بما ذكروه من الفاحشة باطلا ، إذ ما قبل تلك الصفة هي هذه الممادح ، وما بعدها قوله تعالى ( يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً ) (١) وهذا أيضا من أجل الممادح فلو توسطها ما يدل على أفحش المقابح لجرى ذلك مجرى قول من يقول فلان عظيم الدرجة في الدين على الرتبة في طاعة اللّه ، يقتل ويزني ويلوط وقد جعله اللّه تعالى خليفة لنفسه وصوبه في أحكامه ، وأمر أكابر الأنبياء بالاقتداء به فكما أن هذا الكلام لا يليق بعاقل فكذا هاهنا.

( الثامن ) أنه قال بعد تمام القصة ( جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ ) وترتيب الحكم على الوصف مشعر بكون الوصف علة لذلك الحكم فعلى ما ذكروه يلزم أن يكون تفويض خلافة الأرض إليه بسبب إقدامه على القتل والفسق ، وذلك مما لا يقول به عاقل.

( التاسع ) أنه قال في حق الرسل ( إِنّٰا أَخْلَصْنٰاهُمْ بِخٰالِصَةٍ ذِكْرَى اَلدّٰارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنٰا لَمِنَ اَلْمُصْطَفَيْنَ اَلْأَخْيٰارِ ) (٢) وكلّ ذلك ينافي وصفهم بالإقدام على الكبيرة والفاحشة.

( العاشر ) أنهم ذكروا في روايتهم أن داود عليه السلام تمنى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب قال « رب إن آبائي قد ذهبوا بالخير كله فأوحى إليه : إنهم إنما وجدوا ذلك لأنهم لما ابتلوا صبروا فسأل

__________________

١ ـ سورة ص ، الآية ٢٦.

٢ ـ سورة ص ، آية ٤٦ ـ ٤٧.

٩٩

الابتلاء فأوحى اللّه إليه : إنك لمبتلى في يوم كذا فاحترس » ثم وقع فيما وقع فيه إلى آخر القصة ، فدل أول حكايتهم على أن اللّه تعالى ابتلاه بالبلاء الذي يزيد في منقبته ، فكيف يليق العشق والقتل بذلك؟

( الحادي عشر ) قول داود عليه السلام ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ اَلْخُلَطٰاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ وَقَلِيلٌ مٰا هُمْ ) (١) استثنى الذين آمنوا من هذا البغي فإن كان هو الفاعل لذلك وجب أن يكون حاكما على نفسه بعدم الإيمان.

( الثاني عشر ) أن قوله تعالى ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنٰا لَزُلْفىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ) (٢) لا يلائم العشق والقتل.

فثبت بهذه الوجوه براءة نبي اللّه داود عما نسبه إليه الجهال.

( فإن قلت ) إن كثيرا من المحدثين روى هذه الحكاية (٣) ( قلت )

__________________

١ ـ سورة ص ، الآية ٢٤.

٢ ـ سورة ص ، الآية ٤٠.

٣ ـ أما هذه الدعوى الباطلة فهي مردودة على من ينسب ذلك الى أرباب الحديث فان أحدا من أصحاب الكتب الصحيحة لم يذكرها ولم يعرج عليها فليس من الانصاف العلمي أن يتهم المحدثون بهذه التهمة الشنيعة ، فان ذلك انما يصدر من قلب موغور عليهم مملوء بالضغينة لهم ، والقصة انما ذكرها المفسرون عن الاسرائيليات. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره قد ذكر المفسرون هاهنا قصة اكثرها مأخوذ عن الاسرائيليات ، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه. ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده لانه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس. ويزيد وان كان من الصالحين ولكنه ضعيف الحديث جدا عند الأئمة ا ه‍ فانظر أيها المنصف الى كلام أهل العلم الذين لا يلقون القول جزافا ولا يقدمون آراءهم على العلم بدعوى خبر الآحاد وانه لا يفيد الا الدعاوى الواهنة ولعل المصنف أراد بلفظ المحدثين ـ بضم الميم وسكون الحاء وفتح الدال. وقال الامام أبو محمد بن حزم ـ بعد أن ساق الآيات ـ : وهذا قول صادق صحيح لا يدل على شيء مما قاله المستهزءون الكاذبون المتعلقون بخرافات ولدها اليهود ، وانما

١٠٠