وضوء عبد الله بن عباس

السيد علي الشهرستاني

وضوء عبد الله بن عباس

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-7635-78-8
الصفحات: ١٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: image001

١

٢

Description: image002

٣

٤



دليل الكتاب

المناقشة السندية و الدلالية للروايات الغسلية ...............................  ٩

المناقشة السندية و الدلالية للروايات المسحية .............................  ٢٣

نسبة الخبر إلى ابن عباس ................................................  ٤١

ظاهرة اختلاف النقل عن الصحابي الواحد ................................ ٤١

نماذج من اختلاف النهجين ..............................................  ٤٢

١ ـ المتعة ..............................................................  ٤٢

٢ ـ صلاة التراويح .....................................................  ٤٧

٣ ـ الصلاة بين الطلوعين و قبل الغروب ..................................  ٥١

٤ ـ بيع امهات الاولاد .................................................  ٥٥

٥ ـ المسح على الخفّين ..................................................  ٥٦

٦ ـ التكبيرة على الميت .................................................  ٦٢

نماذج من اختلافات ابن عباس و عثمان الفقهية ...........................  ٦٧

٥

مخالفة النهج الحاكم مع علي و ابن عبّاس .................................  ٨٥

تصحيح ابن عبّاس للمفاهيم الخاطئة .......................................  ٨٧

بكاء بعض الصحابة على الدين و دعوة الاخر منهم للتمسك بفقه الامراء .................................................................  ٨٩

معاداة الامويين حتى عمر بن عبدالعزيز ـ و العباسيين لفقه علي وابن عبّاس ..............................................................  ٩٢

موطأ مالك وصحاح القوم و موقفها من فقه علي و ابن عبّاس ................  ٩٩

معالم الوحدة و التضاد في مرويات ابن عبّاس الوضوئية ...................  ١٠٣

التدوين بين المانعين و المجيزين ..........................................  ١١١

حرق الشيخين للمدونات ومنعهم للتحديث ..............................  ١١٢

وضع أحاديث على النبيّ تدعى نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن التدوين ......................  ١١٥

محاولة حصر الرواية بما سُمِع في عهد الشيخين و جعل سيرتهما بجانب القرآن و السنة ..................................................  ١١٩

معاوية و ترسمه خطى الثلاثة في المنع ......................................  ١٢٤

المدونون و أخبار الوضوء عن ابن عبّاس ................................  ١٢٦

رواة الغسل عن ابن عبّاس ...............................................  ١٢٨

رواة المسح عن ابن عبّاس ...............................................  ١٣٢

فهرس المصادر ........................................................  ١٤١

٦

المقدمة :

ناقش المؤلف في كتابه « وضوء النبي / البحث الروائي » بشيء من التفصيل روايات عبدالله‏ بن عباس الغسلية و المسحية سنداً و دلالة ثم اصطلح بعد ذلك جملة ( نسبة الخبر إليه ).

وحيث أنّ معنى البحثين السنديّ و الدلاليّ قد عرفت ماهيته لدى الباحثين و الأعلام فلا حاجة بنا لتوضيحه ، و أما ما اصطلح عليه المؤلف بجملة « نسبة الخبر » فيجب توضيحه ؛ لأنّ الباحث بعد الفراغ من دراسة الأخبار سنداً و دلالة يجب عليه أن يأتي إلى دراسة حقيقة إمكان انتساب هذه الأخبار إلى ذلك الصحابي المنسوب إليه الخبر أم لا ؟ و هل يتوافق هذا المنسوب مع مرويأته الأخرى و سيرته العلمية و العملية أم لا ؟ بل ومدى تطابق هذا المنسوب مع الثوابت الحديثية الأخرى الصادرة عن رسول الله ‏؟ و أخيراً ترجيح أحد النقلين عن الصحابي عند التعارض.

وبمعنى آخر : البحث يكون عن جهة الصدور و الإلمام بأطراف الحدث الفقهي المراد دراسته من خلال الأخذ بجميع أطراف الشخصية المنسوب إليها الحدث ، أو التي يمكن أن ينسب إليها ، بناء على الكلّيات العامة التي عرفناها عنه ، مضافاً إلى دراسة الظروف المحيطة بالحدث ، ثمّ محاولة تطبيق المنسوب مع الحصيلة النهائية المستنتجة منها ، و مدى تلائم وانسجام تلك النسبة معه أو عدمها ؟

٧

فكان مطلوب المؤلف فيما اصطلح عليه هو الوصول إلى إمكان انتساب الواقعة الفقهية إلى الشخصية الفلانية و عدمه و ثبوتاً ـ كما يقول الأصوليون ـ بغضّ النظر عن ادّعاء وقوعه و عدم وقوعه في الخارج العملي ، ثمّ تطبيق هذه الحصيلة على النتائج المتوصّل إليها من خلال البحثين السندي و الدلالي ، للخروج بالنتيجة إثباتاً على الواقع الخارجي.

فالمؤلف طرح ـ بعد فراغه من مناقشة الأسانيد و المتون ـ بعض الكليات في تاريخ التشريع للاستعانة بها عند الترجيح بين النقولات ، فمثلاً رجّح المؤلّف نسبة المسح إلى ابن عباس و ذلك من خلال دراسة المباني الفقهية و الملابسات العقائدية و التاريخية المحيطة بابن عباس و مروياته ، وما نقل عنه في الوضوء على وجه الخصوص ، و بعد ذلك المخاض العسير علم من دراسته السندية و المتنية و ما قدّمه في نسبة الخبر إلى عبدالله‏ بن عباس من معطيات بصراحة أنّ مذهبه هو المسح لاغير ، و أنّ ما روي عنه في الغسل لا يمكن أن يعارض ما ثبت عنه من المسح ؛ لأنّه لا يعدو أن يكون إمّا منكراً أو شاذاً ، و أنّ المتبنّين للوضوء الغسلي ـ لمآرب لهم ـ نسبوا هذا الوضوء المبتدع إلى ابن عباس و هو منه براء ، و من المعلوم أنّ الرواية التي هذا حالها لا يمكنها أن تقاوم الصحيح المحفوظ عن ابن عباس ، والذي ينسجم تماماً مع شخصيته الفقهية و العقائدية و السياسية.

و إليك الآن خلاصة البحث حول ابن عباس و مذهبه الوضوئي ، لتقف على حقيقة الأمر ، و لتكون على بيّنة في معرفة ملابسات الأحكام الشرعية و تاريخ التشريع الإسلامي.

٨



المناقشة السندية و الدلالية للروايات الغسلية

و قبل أن نبحث نسبة الخبر إلى ابن عباس نقدّم للقارئ العزيز خلاصة ما تمخضت عنه البحوث السندية الراوية للوضوء عن ابن عباس غسلاً و مسحاً ، و مناقشة متونها ، فنقول :

إنّ ما روي في الصحاح و السنن عن عبدالله‏ بن عباس في الغسل منحصرٌ بخمسة أسانيد ترجع إلى طريقين.

الروايات الغسلية

١ ـ الطريق الأول و أسانيده = عطاء بن يسار عن ابن عباس

أ ـ قال البخاري : حدثنا محمد بن عبدالرحيم ، قال : أخبرنا أبوسلمة الخزاعي ـ منصور بن سلمة ـ قال : أخبرنا ابن بلال ـ يعني سليمان ـ عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عبّاس ، أنّه توضّأ فغسل

٩

وجهه ، أخذ غرفة من ماء فمضمض بها و استنشق ، ثمّ أخذ غرفة من ماء ، فجعل بها هكذا ، أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه ، ثمّ أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ، ثمّ أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ، ثمّ مسح برأسه ، ثم أخذ غرفة من ماء فرشّ على رجله اليمنى حتّى غسلها ، ثمّ أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله ـ يعني اليسرى ـ ثمّ قال : هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ (١).

ب ـ قال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، حدّثنا هشام بن سعد ، حدثنا زيد [ بن أسلم ] ، عن عطاء بن يسار ، قال : قال لنا ابن عباس : أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضأ ؟ فدعا بإناء فيه ماء ؛ فاغترف غرفة بيده اليمنى ، فتمضمض و استنشق ، ثمّ أخذ أخرى فجمع بها يديه ، ثمّ غسل وجهه ، ثمّ أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى ، ثمّ أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى ، ثمّ قبض قبضة من الماء ثمّ نفض يده ثمّ مسح بها رأسه و أُذُنيه ، ثمّ قبض قبضة أُخرى من الماء فرشَّ على رجله اليمنى و فيها النعل ثمّ مسحها بيديه ، يد فوق القدم و يد تحت النعل ، ثمّ صنع باليسرى مثل ذلك (٢).

ج‍ ـ قال النسائي : أخبرنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا عبدالله‏ بن إدريس ، قال : حدثنا ابن عجلان ، عن زيد بن أسـلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، قال : توضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فغرف غرفة فمضمض

_______________________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٤٧ باب غسل الوجه و اليدين من غرفة واحدة.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٣٤ / ح ١٣٧ باب الوضوء مرتين.

١٠

واستنشق ، ثمّ غرف غرفة فغسل وجهه ، ثمّ غرف غرفة فغسل يده اليمنى ، ثمّ غرف غرفة فغسل يده اليسرى ، ثمّ مسح برأسه و أُذنيه باطنهما بالسباحتين و ظاهرهما بابهاميه ، ثمّ غرف فغسل رجله اليمنى ، ثمّ غرف غرفة فغسل رجله اليسرى (١).

د ـ قال النسائي : أخبرنا الهيثم بن أيوب الطالقاني ، قال : حدثنا عبدالعزيز بن محمد [ الدراوردي ] ، قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله توضّأ فغسل يديه ثمّ تمضمض ، و استنشق من غرفة واحدة وغسل وجهه و غسل يديه مرّة مرة و مسح برأسه و أذنيه مرّة.

قال عبدالعزيز : و أخبرني مَنْ سمع ابن عجلان يقول في ذلك : و غَسَلَ رجليه (٢).

٢ ـ الطريق الثاني و سنده = سعيد بن جبير عن ابن عباس

قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عبّاد بن منصور ، عن عكرمة بن خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضأ فذكر الحديث كلّه ثلاثاً ثلاثاً ، قال : ومسح برأسه و أذنيه مسحة واحدة (٣).

_______________________________

(١) سنن النسائي ( المجتبى ) ١ : ٧٤ باب مسح الاذنين مع الرأس و ما يستدل به على أنهما من الرأس.

(٢) سنن النسائي ( المجتبى ) ١ : ٧٣ باب مسح الاذنين.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٣٢ / ح ١٣٣ باب صفة وضوء النبي.

١١

المناقشة السندية

فأمّا الإسناد « أ »

ففيه سليمان بن بلال الّذي أورده ابن حجر العسقلاني في المطعونين من رجال الصحيح (١) ، و دافع عنه بحجة واهية مفادها أنّ الجماعة اعتمدوا عليه ، مع أنّ الحق هو أنّه ليس مما يعتمد على حديثه كما نص على ذلك عثمان بن أبي شيبة (٢) ، و غاية ما يقال فيما يرويه أنّه لا يمكن الاحتجاج به إلاّ بعد النظر و الاعتبار.

وفي هذا الإسناد أيضاً زيد بن أسلم الذي كان قليل الحفظ (٣) ، مع أنّه هنا قد عنهن ـ « زيد بن أسلم عن عطاء » و لم يصرّح بالسماع ـ و هو من المدلّسين ، و قد دلّس عن أربعة من الصحابة (٤) ، و المدلّس إذا عنعن سقطت روايته عن الحجية (٥).

وأمّا الإسناد « ب »

ففيه زيد بن أسلم ، و قد مرّت خلاصة حاله.

كما إنّ فيه هشام بن سعد ، الذي لا يمكن أن يحتجّ به دون نظر

_______________________________

(١) انظر مقدمة فتح الباري : ٤٠٥.

(٢) الجرح و التعديل ٤ : الترجمة ٤٦٠.

(٣) تهذيب التهذيب ٣ : ٣٩٧.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) انظر الخلاصة للطيبي ١ : ٧ ، و معرفة علوم الحديث للحاكم : ٣٤ ، و اختصار علوم الحديث لابن كثير : ٤٦ ، و تقريب النووي : ٧ ، و فتح المغيث للعراقي و السخاوي ١ : ١٧٩ ، و تدريب الراوي للسيوطي : ١١٣ ، و مقدمة ابن الصلاح : ١٥٢ ، و ظفر الأماني للّكنوي : ٣٩٤ ، و قواعد الحديث للقاسمي : ١٢٧ ، و غيرهم.

١٢

و متابعة ، إذ لم يوثّقه أحدٌ من الرجاليين ، و غاية ما قالوه فيه أنّه ممدوح بما دون الوثاقة (١).

وأمّا الإسناد « ج‍ »

ففيه زيد بن أسلم أيضاً ، و قد مرّت خلاصة حاله.

كما إن فيه محمد بن عجلان الذي صرّح الإمام مالك بأنّه لم يكن يعرف الحديث و الرواية (٢) ، و لم يحتجّ به البخاري في صحيحه بل نقل الذهبي عن البخاري أنّه ذكره في الضعفاء (٣) ، و قد كان ابن عجلان سيّء الحفظ غير ضابطٍ (٤) و قد روى عن أناس لم يسمع منهم كالنعمان بن أبي عياش (٥) و صالح مولى التؤمة (٦) ، و قد عنعن في هذه الرواية و لم يصرّح بالسماع من زيد بن أسلم هنا و لا في مكان آخر (٧) ، فتسقط روايته عن الاعتبار. أضف إلى كل ذلك أنّ هذا الرجل بقي ثلاثة أو أربعة أعوام في بطن أمّه حتّى نبتت أسنانه (٨) !!! و تزوّج امرأة في الاسكندرية فأتاها

_______________________________

(١) انظر في ذلك تهذيب الكمال ٣٠ : ٢٠٥ ، و الجرح و التعديل ٩ : الترجمة ٢٤١ ، و ميزان الاعتدال ٤ : الترجمة ٩٢٢٤ ، و فتح الباري ١ : ١٩٤.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٦٤٤ الترجمة ٧٩٣٨.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٦٤٥. و انظر تهذيب الكمال ٢٦ : ١٠٨.

(٤) انظر ميزان الاعتدال ٣ : ٦٤٤ ـ ٦٤٧ ، و مقدمة فتح الباري : ٣٥١.

(٥) هذا قول الدارقطني في العلل ٣ الورقة ١٧٩.

(٦) المراسيل ، لابن حبان : ١٩٤.

(٧) راجع رواياته لتعرف ذلك.

(٨) انظر تهذيب الكمال ٢٦ : ١٠٧ ، و ميزان الاعتدال ٣ : ٦٤٦ ، و تذكرة الحفاظ ١ : ١٦٦.

١٣

في دبرها ، فشكته إلى أهلها فشاع ذلك ، فصاحوا به فخرج من الاسكندرية (١) !!!

وأمّا الإسناد « د »

ففيه زيد بن أسلم أيضاً ، و قد مرّت خلاصة حاله.

كما إنّ فيه عبدالعزيز الدراوردي ، السيّء الحفظ (٢) الكثير الوَهَم (٣) ، الذي صرّح الإمام أحمد بن حنبل بأنّه إذا حدّث من حفظه جاء ببواطيل (٤) ، و الذي كان يلحن لحناً منكراً (٥) ، و الذي صرّح أبو حاتم الرازي بأنّه لا يحتج به (٦).

وأما الطريق الثاني و سنده

ففيه الحسن بن علي ، و هو مردّد بين الواسطي و الخلاّل الحلواني (٧) ، و قد صرّح السهارنفوري في بذل المجهود بأنّه الخلاّل الحلوانيّ (٨) ، الذي

_______________________________

(١) تهذيب الكمال ٢٦ : ١٠٧ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٣٤٢.

(٢) الجرح و التعديل ٥ : ٣٩٦ ، تهذيب الكمال ١٨ : ١٩٤.

(٣) تهذيب الكمال ١٨ : ١٩٣ ، الجرح و التعديل ٥ : ٣٩ ، تهذيب التهذيب ٦ : ٣٥٥ ( عن الساجي ) ، سير أعلام النبلاء ٨ : ١٩٤ ( عن أحمد ).

(٤) ميزان الاعتدال ٢ : ٦٣٤.

(٥) ميزان الاعتدال ٢ : ٦٣٤ ، حكاه عياش بن المغيرة.

(٦) انظر سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٦٧.

(٧) انظر ترجمة الواسطي في تهذيب الكمال ٦ : ٢١٥ ، و ترجمة الخلاّل الحلوانيّ في تهذيب الكمال ٦ : ٢٥٩.

(٨) بذل المجهود ١ : ٣٢٥.

١٤

صرّح الإمام أحمد بأنّ أهل الثغر غير راضين عنه ، و أنّه لا يعرفه بطلب الحديث و لا رآه يطلب الحديث (١) ، و لمّا سُئل أبو سلمة بن شبيب عن علم الحلواني قال : يُرمى في الحُشّ (٢) ، و أحسن ما يقال عنه أنّه يُتوقّف وينظر فيه ، فإذا عارضه الثقات فإنه لا يحتج بما يروي ، و سيأتيك أنّ الثقات لم يرووا عن ابن عباس إلاّ المسح.

كما إنّ في هذا الإسناد عباد بن منصور ، الذي كان قدريّاً (٣) ، بل داعية إلى مذهب القدر كما صرّح بذلك ابن حبّان (٤) ، و الداعيةُ لا يحتجّ به أصلاً (٥) ، كما أنّه كان مدلّساً (٦) ، و قد تغيَّر بأَخَرَة (٧) ، و قد قال بشّار عواد في حقّه : ضعيف ، ضعّفه يحيى بن معين ، و أبو زرعة ، و أبو حاتم الرازيان ، و العقيلي ، و أبو داود ، و النسائي ، و ابن سعد ، و أبو بكر بن أبي شيبة ، و وهب بن جرير ، و علي بن المديني ، و إبراهيم بن يعقوب

_______________________________

(١) تهذيب الكمال ٦ : ٢٦٢ ، تاريخ الخطيب ٧ : ٢٦٥ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٢٠٣.

(٢) المصدر نفسه ، و الحش : البستان و الكنيف و هو كناية عن عدم أخذهم به وجرحهم له.

(٣) ميزان الاعتدال ٢ ٦ ٣٧٦ ، و انظر هامش تهذيب الكمال ١٤ : ١٦٠ عن تاريخ الدوري ٢ : ٢٩٣.

(٤) ميزان الاعتدال ٢ : ٣٧٨ الترجمة ٤١٤١ ، المجروحين ، لابن حبان ٢ : ١٦٥.

(٥) انظر مقدمة ابن الصلاح : ٢٣٠ ، و الخلاصة : ٩١ ، و فتح الباري : ٣٨٢ ، و تدريب الراوي ١ : ٢٢٥ ، و مقدمة فتح الباري : ٣٨٢ ، و تقريب النووي : ١٣.

(٦) هذا ما قاله الساجي. انظر ميزان الاعتدال ٢ : ٣٧٦ الترجمة ٤١٤١ ، و تهذيب التهذيب ٥ : ١٠٥.

(٧) هذا ما قاله النسائي. انظر الضفعاء و المتروكين له : الترجمة ٤١٤ ، و تهذيب الكمال ١٤ : ١٦٠ ، و ميزان الاعتدال ٢ : ٣٧٦.

١٥

الجوزجاني ، و يعقوب بن سفيان ، و ابن حبان ... فهذا بحكم المجمع على تضعيفه (١).

وحال هذه الأسانيد الخمسة ـ المنتظِمة تحت طريقين ـ و حال رواتها ، واضحٌ عدم صلاحها لإلقاء عهدة الوضوء الغسلي على عاتق ابن عباس و هو منه براء ، إذ الثابت بالأسانيد الصحيحة أنّ ابن عباس كان يروي الوضوء الثنائي المسحي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا غير.

المناقشة الدلالية

إنّ المتتبع لمرويّات زيد بن أسلم عن عطاء الغسليّة ، يشاهد الاضطراب واضحاً فيها ؛ إذ ورد في إسناد أبي داود الأوّل « ب » ـ خبر هشام بن سعد ـ قوله : « قبض قبضة أخرى من الماء فرشّ على رجله اليمنى وفيها النعل ، ثمّ مسحها بيديه ، يد فوق القدم و يد تحت النعل ، ثمّ صنع باليسرى مثل ذلك ... ».

وأخرج الحاكم بسنده إلى هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم قوله « ... أنّه أغرف غَرفة ، فرشّ على رجله اليمنى و فيها النعل ، و اليسرى مثل ذلك ، و مسح بأسفل النعلين » (٢).

وأخرج الطبراني بسنده إلى روح بن القاسم ، عن زيد بن أسلم ، عنه عطاء ، عن ابن عبّاس : أنّه أخذ بيده ماءً فنضحه على قدميه ،

_______________________________

(١) تحرير تقريب التهذيب ٢ : ١٨٠ ـ ١٨١.

(٢) المستدرك للحاكم ١ : ١٤٧.

١٦

وعليه النعلان (١).

وأخرج البخاري بسنده إلى سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس أنّه رشّ على رجله اليمنى حتّى غسلها ، ثمّ أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله ـ يعني اليسرى.

وأخرج النّسائي بسنده إلى الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس خبر الوضوء ، و ليس فيه ذكر للقدمين.

وأخرج الطحاوي بسنده إلى الدراوردي أيضاً عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عبّاس ، قال : توضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ مل‏ء كفّه ماء فرشّ به على قدميه و هو متنعّل (٢).

فالّذي رواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء إذن لا يتّفق مع ما أخرجه البخاري عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم ، لأنَّ الموجود في خبر هشام « رشّ على رجله اليمنى و فيها النّعل ثمّ مسحها بيديه ، يد فوق القدم و يد تحت النعل » ، و أمّا خبر سليمان بن بلال ففيه « ثمّ أخذ غرفة من ماء فرشّ على رجله اليمنى حتى غسلها » و المسح غير الغسل في لغة العرب.

والروايات كلّها ـ عدا رواية البخاري ـ إن لم تكن ظاهرة في مسح الرجلين بماء جديد ، فهي ليست ظاهرة في غسلهما ، و لذلك حاول بعض

_______________________________

(١) المعجم الأوسط ١ : ٢٢ / الحديث ٧١٨. و لروح خبر آخر ـ سيأتي في المرويات المسحية ـ قد روى فيه عن ابن عبّاس المسح ، و هو إسناد حسن كما في زوائد ابن ماجة ، فكيف يمكن الجمع بين النقلين عن ابن عبّاس ، يا ترى ؟!

(٢) شرح معاني الآثار ١ : ٣٥ / الحديث ١٥٨.

١٧

الأعلام جاهدين صرف هذا الظهور و حمله على الغسل بوجوه بعيدة واحتمالات متكلفة.

والحاصل : إِنّ هناك اضطراباً في هذا الحديث ـ ذي الطريق الواحد ـ كما بيّنّا ، و هذا الاضطراب يُستشعر بملاحظة متونهِ المتضاربة المتنافية الّتي لا يمكن ترجيح بعضها على بعض ، و وجوه الاضطراب كالآتي :

فأما أوّلاً : فلأن ما أخرجه أبو داود من أنّ ابن عبّاس « رشّ على رجلهِ اليمنى و فيها النعل ثمّ مسحها بيديه ، يد فوق القدم و يد تحت النعل » ، أمرٌ لا يمكن الأخذ به ، لكون مسح ابن عبّاس رجله اليمنى تحت النعل يستلزم أن يكون المُوضَّأ النَّعل لا الرجل ، أي أن المسح يكون لظاهر القدم و أسفل النّعل !! ، هذا مضافا إلى أنّ إحدى اليدين إذا كانت تحت النعل فلا يبقى مجال لصدق غسل الرِّجل بكلتا يديه ، فالتفصيل إذن ينافي الإجمال ، لأنّ الإجمال يدّعي مسح الرجل باليدين معاً و التفصيل يضع إحدى اليدين على القدم و الأخرى تحت النعل !!

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مبتن على المجاز ، فيكون المقصود من أنّ يده الثانية تحت النعل ، أي تحت موضع النعل ، و هو أسفل القدم و باطنها !

فإن قيل هكذا ، قلنا : إنّ الأصل هو الحقيقة ، و لا يقال بالمجاز إلاّ بدليل أو قرينة حالية أو مقالية ، و الجميع مفقود في المقام.

إنّ القيد الأخير في خبر هشام الذي رواه أبو داود « يد فوق القدم ويد تحت النعل » ، و في رواية الحاكم « و مسح بأسفل النعلين » فهو حكم لم يقل به أحد من فقهاء الإسلام ، لأنّ الثّابت عندهم هو عدم جواز المسح

١٨

على ظاهر النعلين ـ بما هما نعلانِ ـ فكيف بأسفلهما ؟!!

ولذلك صرّح ابن حجر في الفتح ، و صاحبا عون المعبود و بذل المجهود ، بأنّ هذه الرواية إن لم تحمل على التجوّز عن القدم فهي شاذة (١).

و ثانياً : إنّ ما رواه أبو داود و الحاكم و الطبراني جميعاً عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، من أنّ عبّاس « رشّ ثمّ مسح » ، يخالف ما ذكره البخاري من أنّه « رشّ حتّى غسل » ، و هو اضطراب واضح في النقل عن زيد بن أسلم.

وثالثاً : إنّ رواية أبي داود و الحاكم و الطبراني و الطحاوي ذكرت : أنّ قدمي ابن عبّاس ـ حكاية عن صفة قدمي النّبي في الوضوء ـ كانتا في النعل ، و أما رواية البخاري فهي خالية عن ذكر النعلين ، و هذا الاختلال في متن رواية طريقها واحد ـ و هو زيد بن أسلم عن عطاء عن بن عبّاس ـ يسقطها عن الحجية.

ورابعاً : إنّ ما رواه النّسائي من رواية الدراودي « د » هي رواية خالية من حكم الرجلين ، و هي لا تتفق مع ما روي عن ابن عبّاس من مسحه ما تحت النعلين تارة ، و غسله للقدمين أخرى ، و مسحه لهما ثالثة و ... كما أنّها لا تتفق مع ما أخرجه الطحاوي عن الدراوردي أيضاً من أنّ ابن عبّاس نقل هذا الوضوء عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رشّ على قدميه وهو متنعّل » فلم يُذكر فيها مسح و لا غسل !!

وهذا لعمري عين الاضطراب الّذي يعنيه علماء الدراية في بحوثهم.

_______________________________

(١) اُنظر عمدة القاري ٢ : ٢٦٤ ، وعون المعبود ١ : ١٥٩ ، و بذل المجهود ١ : ٣٤١.

١٩

والإنصاف إنّ الاستدلال بما رواه زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس في الغسل من أشكل المشكلات سنداً و متناً ، و لعلّ هذا هو الّذي حدا بابن حجر و غيره من الأعلام أن يتردّدوا بما رواه أبو داود في الإسناد الأوّل « ب » عن هشام بن سعد ، لأنّ الاضطراب في المتن جعلتهم يتوقفون عن البتّ بضرس قاطع في معناها ، بل جدّوا في تأويلها و القول بأنّ جملة « وضع يده الأخرى تحت النعل » هي استعمال مجازي للكلمة. أريد منه باطن القدم ، فلو كانوا جازمين بما يقولون لَما تردّدوا في كلامهم. وعليه تكون الروايات الغسليّة عن ابن عبّاس مضطربة متناً ، و هذا الاضطراب ما يُستشعر من كلام ابن حجر حيث قال : ( ... و أمّا قوله « تحت النعل » فإن لم يحمل على التجوّز عن القدم ، و إلاّ فهي رواية شاذّة ، وراويها هشام بن سعد لا يحتجّ بما تفرّد به ، فكيف إذا خالف ) (١).

نعم ، إنّ البيهقي نقل خبر هشام و الروايات الغسليّة عن ابن عبّاس ، ثمّ قال : ( ... فهذه الروايات اتفقت على أنّه غسلهما ، و حديث الدراوردي يحتمل أن يكون موافقاً ، بأن يكون غسلهما في النّعل ، و هشام بن سعد ليس بالحافظ جداً فلا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات الأثبات ، كيف و هم عدد و هو واحد ) (٢).

وعلّق ابن التركماني على قول البيهقي بقوله :

( ... قلت : حديث هشام أيضاً يحتمل أن يكون موافقاً لها ؛ بأن يكون

_______________________________

(١) فتح الباري ١ : ١٩٤.

(٢) السنن الكبرى ، للبيهقي ١ : ٧٣.

٢٠