موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-01-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-00-3

الصفحات: ٥٧٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

على خلاف الحال ، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة ، ومن وصفهم أنّهم راكعون ، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر ، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار ، لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة ، وصفهم بأنّهم راكعون ، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره ، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه ، استفدنا بها معنى زائداً ، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى » (١) .

« منار أحمد ـ السعودية ـ ٢٦ سنة ـ طالب »

احتجّ بها الإمام علي :

س : أُودّ أن أحصل على ردّ شافي على من يقول : إذا كنتم تحتجّون بآية الولاية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... ) على إمامة علي عليه‌السلام ، فلماذا لم يحتجّ بها الإمام علي ؟

ج : في الجواب نشير إلى مطالب :

أوّلاً : إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرة عقلاً ونقلاً تكاد لا تحصى ، وقد أُلّفت كتب مستقلّة في هذا المجال .

ولكنّ الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه ، هو أنّ الإمام عليه‌السلام لم يكن ملزماً ـ لا عقلاً ولا شرعاً بالاحتجاج والمناشدة بكافّة هذه الأدلّة ، بل بالمقدار الذي يلقي الحجّة على الناس ، وهذا هو الذي حدث بعد ما علمنا من احتجاجه عليه‌السلام بحديث الغدير ، وعدم رضوخ القوم لهذا الحقّ الصريح ، وبعده هل يبقى مجال لاحتمال تأثير أمثال آية الولاية في نفوسهم ؟!

ثانياً : لنفرض أنّ الاحتجاج بهذه الآية لم يصل إلينا ، فهل هذا دليل على عدم صدوره منه عليه‌السلام ؟ مع أنّ المتيقّن هو : عدم وصول أخبار وآثار كثيرة من لدن الصدر الأوّل إلينا ، خصوصاً ما كان منها يصطدم مع مصالح الخلفاء ، فإنّهم أخفوا

______________________

(١) الشافي في الإمامة ٢ / ٢٣٦ .

٨١

الكثير من فضائل ومناقب أهل البيت عليهم‌السلام ، فما ظهر منها فهو غيض من فيض .

ثالثاً : ثمّ لنفرض مرّة أُخرى ، أنّ الإمام عليه‌السلام لم يحتجّ بها واقعاً ، فهل هذا يدلّ بالالتزام على عدم دلالة الآية على إمامته عليه‌السلام ؟ إذ لا توجد ملازمة بين المسألتين .

رابعاً : هذه الشبهة هي في الأصل من الفخر الرازي في تفسيره للآية ، حيث قال : « فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل ، وليس للقوم أن يقولوا : إنّه تركه للتقية ، فإنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير ... » (١) .

فنقول ردّاً عليه : بأنّ الاحتجاج بالآية ورد في مصادر الشيعة (٢) ، وقد أشار إلى بعض الحديث جمع من مصادر أهل السنّة (٣) .

« آمنة ـ البحرين ـ ... »

رواية صحيحة تحكي واقعة التصدّق :

س : ما هي قصّة تصدّق الإمام علي عليه‌السلام بالخاتم؟

ج : إنّ تصدّق الإمام علي عليه‌السلام بالخاتم ، موضع اتفاق الشيعة وأهل السنّة ، وسنروي لك رواية صحيحة من طرق أهل السنّة تحكي واقعة التصدّق :

روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر ، وانصرف هو وأصحابه ، فلم يبق في المسجد غير علي قائماً ، يصلّي بين الظهر والعصر ، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين ، فلم ير في المسجد أحداً خلا علياً ، فأقبل نحوه فقال : يا ولي الله بالذي تصلّي له ، أن تتصدّق عليّ بما أمكنك ، وله خاتم عقيق يماني أحمر ، كان يلبسه في

______________________

(١) التفسير الكبير ٤ / ٣٨٥ .

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٠٢ ، أمالي الشيخ الطوسي : ٥٤٩ ، الخصال : ٥٨٠ .

(٣) أُنظر : المناقب للخوارزمي : ٣١٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٢ .

٨٢

الصلاة في يمينه ، فمدّ يده فوضعها على ظهره ، وأشار إلى السائل بنزعه ، فنزعه ودعا له ، ومضى ، وهبط جبرائيل ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : فقد باهى الله بك ملائكته اليوم ، اقرأ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... ) (١) .

« عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة »

في مصادر الشيعة والسنّة :

س : أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال ، ولكم جزيل الشكر .

أُريد أدلّة من كتبنا المعتبرة ، على أنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام قد تصدّق بالخاتم ، ثمّ أدلّة من كتب إخواننا أهل السنّة .

ج : إنّ الكثير من مصادرنا ذكرت حديث التصدّق بالخاتم ، فراجع الكافي والاحتجاج والخصال وغيرها من المصادر (٢) .

وبعض هذه الأحاديث في غاية الاعتبار من حيث السند ، كالتي وردت في « تفسير القمّي » ، وإن كانت استفاضتها تغنينا عن البحث في إسنادها .

وأما المصادر السنّية في الموضوع فقد تجاوزت العشرات ، بل المئات في المقام (٣) .

حتّى بعض علمائهم كالتفتازاني (٤) والقوشجي (٥) والقاضي الإيجي (٦)

______________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٢١٢ .

(٢) أُنظر : الكافي ١ / ٢٨٨ ، الاحتجاج ١ / ١٦١ ، الخصال : ٥٨٠ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٨٦ ح ١٩٣ ، تفسير القمّي ١ / ١٧٠ .

(٣) أُنظر : شواهد التنزيل ١ / ٢١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٥٧ ، أنساب الأشراف : ١٥٠ ح ١٥١ ، التفسير الكبير ٤ / ٣٨٣ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣ ، أحكام القرآن ٢ / ٥٥٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٠٧ ح ٣٦٣٥٤ .

(٤) شرح المقاصد ٥ / ٢٧٠ .

(٥) شرح تجريد العقائد : ٣٦٨ .

(٦) المواقف : ٤٠٥ .

٨٣

والجرجاني (١) وغيرهم يصرّحون : بأنّ آية الولاية نزلت في حقّ علي عليه‌السلام حين أعطى السائل خاتمه ، وهو راكع .

« حميد عبد الشهيد ـ البحرين ـ ... »

تصدّق علي بالخاتم أثناء الصلاة عبادة :

س : سؤالي هو : نحو تصدّق الإمام علي بالخاتم ، وهو يصلّي ، والمعروف على أنّ الإمام إذا صلّى لا تجلس روحه في الأرض ، ولكن تسبّح في ملكوت الله ، فكيف إذاً كانت حالة الإمام يوم أجاب دعوة الفقير ؟ لابدّ أنّ هناك يداً خفية في ذلك الوقت ، يوم كان الإمام يصلّي من حيث إجابة السائل .

وبودّي أنّ توضّحوا لي ماذا حدث ؟ هل توجد اجتهادات في حقيقة المسألة ؟ لأنّ ما يقال : إنّه كان في وقت عبادة ، والتصدّق عبادة هو كلام صحيح لا خلاف عليه ، لكن هذا الجواب لا يغنيني ، شاكرين لكم .

ج : للجواب على سؤالك نشير إلى عدّة نقاط :

١ ـ لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب علي عليه‌السلام .

٢ ـ هذا الالتفات من أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن إلى أمر دنيوي ، وإنّما كان عبادة في ضمن عبادة .

٣ ـ المعروف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه جمع في صفاته بين الأضداد ، حتّى إنّه لما سئل ابن الجوزي الحنبلي المتعصّب ـ الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ عن نفس هذا الأشكال الذي ذكرتموه أجاب ببيتين :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته

عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعَهُ سكرُهُ حتّى تمكّن من

فعل الصُحاة فهذا واحد الناس

______________________

(١) شرح المواقف ٨ / ٣٦٠ .

٨٤

كما نقله عنه الآلوسي في « روح المعاني » (١) .

« عثمان خليل ـ سنّي ـ ... »

في مصادر أهل السنّة :

س : أشكركم على الردّ على رسالتي السابقة ، أمّا بعد :

بعد نقاشي مع بعض الإخوة من الشيعة ، علمت أنّ الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، هي من الأدلّة التي يستدلّ بها الشيعة على إمامة علي رضي‌الله‌عنه ، وأنا عندي بعض الملاحظات على هذا الدليل :

١ ـ هل بالإمكان أن تزوّدوني بالمصادر التي تذكر أنّ الآية نزلت في علي ، على شرط أن تكون من كتب أهل السنّة ، وأن يكون سند الروايات صحيحاً ؟

٢ ـ هناك بعض الأُمور التي تثبت عدم نزولها في علي رضي‌الله‌عنه ، وهي :

أوّلاً : الآية جاءت في صيغة الجمع ( الَّذِينَ آمَنُوا ) ، فكيف تكون في علي ؟

ثانياً : يقول الله تعالى : ( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ، وأنتم تقولون : تصدّق علي بالخاتم ، وكما تعلمون هناك فرق بين الزكاة والصدقة ، وهذا يبطل ما ذهبتم إليه في شأن نزول الآية .

ثالثاً : ( إِنَّمَا ) أداة حصر كما تعلمون ، فلو سلّمنا أنّ الآية نزلت في علي ، فإنّ هذا يعني أنّ الولاية حصرت في الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي رضي‌الله‌عنه فقط ، وهذا ينفي إمامة باقي الأئمّة الذين تعتقدون بإمامتهم ، لذلك فإنّ استدلالكم بهذه الآية يخالف عقائدكم فضلاً عن عقائدنا ، وهذا أيضاً يبطل استدلالكم بالآية .

______________________

(١) روح المعاني ٣ / ٣٣٦ .

(٢) المائدة : ٥٥ .

٨٥

وأخيراً : أرجو أن يتّسع صدركم لهذه الأسئلة ، وجزاكم الله خيراً .

ج : إنّ هذه الآية ـ بضميمة شأن نزولها ـ من الأدلّة القاطعة على إمامة علي عليه‌السلام ، وأمّا الكلام على الملاحظات التي أبديتها فهو كما يلي :

١ ـ إنّ المصادر التي ذكرت هذا الموضوع كثيرة جدّاً عند الفريقين ، بحيث يصبح الموضوع متواتراً والتواتر آية اليقين والعلم ـ والإحاطة بجميع هذه الموارد غير يسيرة ، فلنكتف بالمقدار الأقلّ من كتب العامّة (١) .

والجدير بالذكر أنّ بعض العلماء من العامّة ينقل إجماع المفسّرين في المقام على هذا الموضوع (٢) ، ثمّ هل يبقى شكّ وريب في نزول هذه الآية في حقّ الإمام عليه‌السلام بعد هذا ؟!

٢ ـ إنّ الأُمور التي ذكرت أو قد تذكر هي أُمور وهمية ، وليس لها قيمة علمية ، لأنّ المشكوك يجب أن يفسّر على ضوء المقطوع والمتيقّن ، فإنّ شأن نزول الآية ممّا لاشكّ فيه .

وأمّا الجواب عن الموارد التي أشرت إليها ، فهي كما يلي :

أوّلاً : هذا المقام من الموارد التي يجوز فيها إطلاق صيغة الجمع وإرادة المفرد لأجل التفخيم والتعظيم .

وفي رأي الزمخشري صاحب « الكشّاف » ـ وهو من وجوه مفسّري العامّة

______________________

(١) أُنظر : شواهد التنزيل ١ / ٢١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٥٧ ، أنساب الأشراف : ١٥٠ ح ١٥١ ، التفسير الكبير ٤ / ٣٨٣ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣ ، أحكام القرآن ٢ / ٥٥٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٠٧ ح ٣٦٣٥٤ ، تفسير الثعالبي ٢ / ٣٩٦ ، جامع البيان ٦ / ٣٨٩ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٢٢١ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٧٧ ، مناقب الخوارزمي : ٢٠٠ و ٢٦٥ ، ذخائر العقبى : ١٠٢ ، ينابيع المودة ٢ / ١٩٢ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢١٨ ، زاد المسير ٢ / ٢٩٢ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٧٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٧ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٩ و ٢٧٠ ، نظم درر السمطين : ٨٦ ، أسباب نزول الآيات : ١٣٣ ، فتح القدير ٢ / ٥٣ ، روح المعاني ٣ / ٣٣٤ ، نور الأبصار : ١١٨ ، الرياض النضرة ٤ / ١٧٩ ، ومئات المصادر الأُخرى .

(٢) المواقف في علم الكلام : ٤٠٥ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٠ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٧٠ .

٨٦

أنّ المقصود من نزول الآية بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ، ليتبعوا علياً عليه‌السلام في هذا الأمر ، ويتعلّموا منه عليه‌السلام (١) .

هذا بالإضافة إلى أنّ القرآن فيه خطابات كثيرة ، استخدم فيها لفظ الجمع وأراد المفرد .

ثانياً : إطلاق ( الزَّكَاةَ ) على الصدقة المندوبة أمر سائغ وشائع عند أهل الاصطلاح ، فقد يطلق على الزكاة بأنّها صدقة واجبة ، وأُخرى يطلق على الصدقة المستحبّة بأنّها زكاة .

وعلى أيّ حال ، فإنّ المقصود في الآية بقرينة إعطائها في حال الركوع ـ هو الصدقة المندوبة والمستحبّة .

ثالثاً : إنّ ولاية وإمامة باقي الأئمّة عليهم‌السلام ثبتت بأدلّة قطعية اُخرى مذكورة في محلّها .

وأمّا مفاد ( إِنَّمَا ) في المقام هو حصر إضافي ، أي حصر بالنسبة للموجودين في حياة الإمام علي عليه‌السلام .

ثمّ إنّ هذه الولاية انتقلت بعد استشهاده إلى الأئمّة الأحد عشر من ولده عليهم‌السلام ، فلا ننفي الحصر في الآية ، ولكن نحصرها في حقّ من كان في زمن أمير المؤمنين عليه‌السلام .

« علي ـ أمريكا ـ ٢٧ سنة ـ طالب »

( إِنَّمَا ) فيها أداة حصر :

س : الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين

لدي سؤال أرجو مساعدتي في الإجابة عليه ، وجزاكم الله خير الجزاء :

إنّ آية الولاية التي جاءت في القران الكريم ، جاءت مقيّدة بأداة ( إِنَّمَا ) ،

______________________

(١) الكشّاف ١ : ٦٢٤ .

٨٧

والسؤال هو : هل أداة إنّما تستخدم أحياناً لأغراض أُخرى عدا الحصر ؟ وما هي هذه الأغراض ؟

ج :( إِنَّمَا ) أداة حصر على ما يظهر من تصريح أهل اللغة ، بل عن بعضهم أنّه لم يظهر مخالف فيه ، وعن آخر دعوى إجماع النحاة عليه ، وهو المنقول عن أئمّة التفسير ويقتضيه التبادر حيث لا إشكال في ظهورها في انحصار المتقدّم بالمتأخّر .

قال العلّامة الطباطبائي قدس‌سره : إنّ القصر في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ... ) (١) لقصر الإفراد ، كأنّ المخاطبين يظنّون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الآية وغيرهم ، فأفرد المذكورين للقصر ، ويمكن بوجه أن يُحمل على قصر القلب (٢) .

وعلى كلّ حال فالأداة ( إِنَّمَا ) أداة حصر هنا بل دائماً ـ كما ذكرنا آنفاً ـ عندما تكون متكوّنة من ( إنَّ ) المشبّهة بالفعل و ( ما ) الكافّة ، وهي تفيد قصر صفة على الموصوف أو العكس .

______________________

(١) المائدة : ٥٥ .

(٢) الميزان في تفسير القرآن ٦ / ١٤ .

٨٨

ابن تيمية :

« جمال ـ ماليزيا ـ ... »

آراء علماء المذاهب حوله :

س : الإخوة في شبكة العقائد الكرام .

تحيّة طيّبة مشكورة جهودكم الخيّرة في إيصال الحقائق لطالبيها ، سنكون ممتنين غاية الامتنان لو تفضّلتم بتفصيل آراء علماء المذاهب الإسلامية حول ابن تيمية ، مع خالص امتناننا وتقديرنا .

ج : أطبقت آراء علماء المذاهب الإسلامية على انحراف وضلالة ابن تيمية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض الموارد :

١ ـ قالوا : « كفاك لعنة اقتدائك بالشقي ابن تيمية ، أجمع علماء عصره على ضلاله وحبسه ، ونودي من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه » (١) .

٢ ـ « ولا زال ابن تيمية يتتبع الأكابر ، حتّى تمالا عليه أهل عصره ، ففسّقوه وبدّعوه ، بل كفّره كثير منهم » (٢) .

٣ ـ رفض مجموعة من علماء المذاهب المختلفة آراءه ومعتقداته ، مثل : الإمام صدر الدين بن الوكيل المعروف بابن المرحل الشافعي ، الإمام أبو حيّان ، الإمام عزّ الدين ابن جماعة ، الإمام كمال الدين الزملكاني الشافعي ، ملّا علي القاري الحنفي ، شهاب الدين الخفاجي الحنفي ، الإمام محمّد الزرقاني المالكي ، الإمام تقي الدين السبكي الشافعي ، الحافظ ابن حجر العسقلاني

______________________

(١) سيف الجبّار : ١٩ .

(٢) تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد : ١٠ .

٨٩

الشافعي ، الإمام عبد الرؤوف المنّاوي الشافعي ، الشيخ مصطفى الحنبلي الدمشقي ، الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر المكّي الشافعي ، الإمام صفي الدين الحنفي البخاري ، الحافظ عماد الدين بن كثير الشافعي ، شيخ الإسلام صالح البلقيني الشافعي ، الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي (١) .

٤ ـ إنّ شيخهم ابن تيمية ، قال عنه علّامة زمانه علاء الدين البخاري : إنّ ابن تيمية كافر ، كما قاله علّامة زمانه زين الدين الحنبلي ، إنّه يعتقد كفر ابن تيمية ، ويقول : « إنّ الإمام السبكي معذور بتكفير ابن تيمية ، لأنّه كفّر الأُمّة الإسلامية » (٢) .

٥ ـ قال علماء المذاهب : إنّ ابن تيمية زنديق ، وقال ابن حجر : إنّ ابن تيمية عبد خذله الله ، وأضلّه وأعماه ، وأصمّه وأذلّه ، وقال العلماء : إنّ ابن تيمية تبع مذهب الخوارج في تكفير الصحابة ، وقال الأئمّة الحفّاظ : « إنّ ابن تيمية من الخوارج ، كذّاب أشر أفّاك » (٣) .

٦ ـ فاعلم إنّي نظرت في كلام هذا الخبيث ـ ابن تيمية ـ الذي في قلبه مرض الزيغ المتتبع ما تشابه في الكتاب والسنّة ابتغاء الفتنة (٤) .

هذا جملة ممّا أردنا ذكره هنا بعد إعراضنا عن الكثير ممّا قيل في هذا المجال .

« الباحث عن الحقّ ـ سنّي »

اعتقاداته :

س : لقد قرأت معظم كتب ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهّاب ، فلم أجد

______________________

(١) أُنظر : شواهد الحقّ : ١٧٧ .

(٢) فضل الذاكرين والردّ على المنكرين : ٢٣ .

(٣) نفس المصدر السابق .

(٤) التوسّل بالنبيّ وبالصالحين : ٢١٦ .

٩٠

فيها كفراً ولا ضلالاً ، بل وجدت دعوتهما هي دعوة الحقّ التي أرسل بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

والسؤال : لماذا هذا الافتراء على هذين الشيخين ؟

ج : قبل التعرّض لكلمات شيخ المجسّمة ابن تيمية نقدّم كلام ابن الجوزي الحنبلي ، وما ذكره في حقّ الحنابلة لإيضاح الحقيقة أكثر .

قال ابن الجوزي : « ورأيت من أصحابنا من تكلّم في الأُصول بما لا يصلح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة : أبو عبد الله بن حامد ، وصاحبه القاضي ، وابن الزاغوني ، فصنّفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحسّ ، فسمعوا أنّ الله تعالى خلق آدم على صورته ، فاثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات ، وعينين ، وفماً ، ولهوات ، وأضراساً ، وأضواء لوجهه هي السبحات ، ويدين ، وأصابع ، وكفّاً ، وخنصراً ، وإبهاماً ، وصدراً ، وفخذاً ، وساقين ، ورجلين ، وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس .

وقالوا : يجوز أن يَمس ويُمس ، ويدني العبد من ذاته ، وقال بعضهم : ويتنفّس ، ثمّ يرضون العوام بقولهم : لا كما يعقل ! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات ، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظواهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا بأن يقولوا : صفة فعل ، حتّى قالوا : صفة ذات !

ثمّ لمّا اثبتوا أنّها صفات ذات قالوا : لا نحملها على توجيه اللغة مثل : يد على نعمة وقدرة ، ومجيء وإتيان على معنى برّ ولطف ، وساق على شدّة ، بل قالوا : نحملها على ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين ، والشيء إنّما يحمل على حقيقته إذا أمكن ، ثمّ يتحرّجون من التشبيه ، ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون : نحن أهل السنّة ! وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام .

٩١

وقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم : يا أصحابنا ، أنتم أصحاب نقل ، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل .

فإيّاكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ، ثمّ قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها ، فظاهر القدم الجارحة ، فإنّه لمّا قيل في عيسى روح الله اعتقدت النصارى أنّ لله صفة هي روح ولجت في مريم ؟! ومن قال : استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسّيات .

وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل ، فإنّا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم ، فلو إنّكم قلتم : نقرأ الأحاديث ونسكت ، لما أنكر عليكم أحد ، إنّما حملكم إيّاها على الظاهر قبيح .

فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه ، ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً ، حتّى صار لا يقال حنبلي إلّا المجسّم ، ثمّ زيّنتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية ، ولقد علمتم أنّ أصحاب المذهب أجاز لعنته ، وقد كان أبو محمّد التميمي يقول في بعض أئمّتكم : لقد شان المذهب شيناً قبيحاً لا يغسل إلى يوم القيامة » (١) .

فهذا حال الحنابلة من أمثال أبي يعلى وغيره فهم مجسّمة حقيقية ، ويثبتون لله تعالى صفات لا تجوز إلّا على المخلوقين ، ومن شاء يرجع إلى طبقات الحنابلة التي ألّفها أبو يعلى ليرى التجسيم طافحاً فيها وفي تراجمه التي ذكرها .

وبعد أن جاء ابن تيمية زاد الطين بلّة ، فبدل أن يغسل العار الذي شانه الحنابلة السابقين عن المذهب كحّله بأُمور وطامات عظيمة ، وإليك نزر يسير من التجسيم في كلمات ابن تيمية :

١ ـ يقول ابن بطّوطة : « وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين

______________________

(١) دفع شبه التشبيه : ٩٧ .

٩٢

ابن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلّا أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء ...

قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ الله ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر » ! (١) .

٢ ـ اعتقاده بأنّ الله تعالى في جهة ومكان :

يقول في ردّه على كلام العلّامة الحلّي : « وكذلك قوله : « كلّ ما هو في جهة فهو محدث » لم يذكر عليه دليلاً ، وغايته ما تقدّم أنّ الله لو كان في جهة لكان جسماً ، وكلّ جسم محدث ، لأنّ الجسم لا يخلو من الحوادث ، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث .

وكلّ هذه المقدّمات فيها نزاع : فمن الناس من يقول : قد يكون في الجهة ما ليس بجسم ، فإذا قيل له : هذا خلاف المعقول ؟ قال : هذا أقرب إلى العقل من قول من يقول : إنّه لا داخل العالم ولا خارجه ، فإن قبل العقل ذاك قبل هذا الطريق أولى ، وإن ردّ هذا ردّ ذاك بطريق أولى ، وإذا ردّ ذاك تعيّن أن يكون في الجهة ، فثبت أنّه في الجهة على التقديرين » (٢) .

وصريح كلامه في أنّ الله تعالى في جهة ومكان .

٣ ـ إيمانه بقيام الحوادث بالله تعالى :

قال في ردّه على العلّامة الحلّي : « وأمّا قوله : « وأنّ أمره ونهيه وإخباره حادث ، لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره » ، فيقال : هذه مسألة كلام الله تعالى والناس فيها مضطربون ، وقد بلغوا فيها إلى تسعة أقوال ... » (٣) .

______________________

(١) رحلة ابن بطوطة : ١١٢ .

(٢) منهاج السنّة ٢ / ٦٤٨ .

(٣) المصدر السابق ٢ / ٣٥٨ .

٩٣

فإن قلتم لنا : فقد قلتم بقيام الحوادث بالربّ ؟ قالوا لكم : نعم ، وهذا قولنا الذي دلّ عليه الشرع والعقل (١) .

وقال : وقد ظنّ من ذكر من هؤلاء كأبي علي وأبي الحسن بن الزاغوني أنّ الأُمّة قاطبة اتّفقت على أنّه لا تقوم به الحوادث ، وجعلوا ذلك الأصل الذي اعتمدوه ، وهذا مبلغهم من العلم .

وهذا الإجماع نظير غيره من الإجماعات الباطلة المدعاة في الكلام ونحوه وما أكثرها ، فمن تدبّرها وجد عامّة المقالات الفاسدة بينونتها على مقدّمات لا تثبت إلّا بإجماع مدّعى أو قياس ، وكلاهما على التحقيق يكون باطلاً (٢) .

٤ ـ إيمان ابن تيمية بقدم نوع العالم :

قال ابن تيمية في معرض ردّه : « نحن نقول : إنّه لم يزل مشتملاً على الحوادث ، والقديم هو أصل العالم كالأفلاك ، ونوع الحوادث مثل جنس حركات الأفلاك ... وحينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معيّن ، فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها ، بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها ، كما يقول أئمّة أهل السنّة منكم : إنّ الربّ لم يزل متكلّماً إذا شاء وكيف شاء » (٣) .

٥ ـ إنّ الله تعالى يتكلّم بصوت وحروف :

قال ابن تيمية : « وأنّ الله تعالى يتكلّم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح ، وليس ذلك كأصوات العباد ، لا صوت القارئ ولا غيره ، وأنّ الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته ، فكذلك لا تشبه كلامه كلام المخلوق ، ولا معانيه تشبه معانيه ، ولا حروفه يشبه حروفه ، ولا صوت الربّ

______________________

(١) المصدر السابق ٢ / ٣٨٠ .

(٢) الفتاوى الكبرى ٥ / ١٢٦ .

(٣) منهاج السنّة ١ / ٢١٥ .

٩٤

يشبه صوت العبد » (١) .

٦ ـ إنّ الله تعالى مركّب وله أبعاض :

قال ابن تيمية : « إذا قلنا : إنّ الله لم يزل بصفاته كلّها أليس إنّما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته ؟ وضربنا لهم مثلاً في ذلك فقلنا لهم : أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذوع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار ، واسمها اسم واحد وسمّيت نخلة بجميع صفاتها ، فكذلك الله وله المثل الأعلى بجميع صفاته » (٢) .

فيصوّر الله تعالى ذا أجزاء وأبعاض ، فاليدين التي يثبتها لله غير الساق ، والأصابع غير الصورة ، والصورة غير الوجه ، وهلم جرّا ، وما ذلك إلّا تجزئة للذات الإلهية المقدّسة وتبعيض لها ، وهذا هو التركّب الذي يستلزم حاجة المركّب إلى أجزائه .

٧ ـ تصوير احتياج الله تعالى إلى آلات يعمل بواسطتها :

قال ابن تيمية : « والصمد الذي لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهذه السورة هي نسب الرحمن أو هي الأصل في هذا الباب ، وقال في حقّ المسيح وأُمّه : ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ) ، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية ، فدلّ ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأُخرى .

والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب ، فالغنيّ المنزّه عن ذلك منزّه عن آلات ذلك ، بخلاف اليد فإنّها للعمل والفعل وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل » (٣) .

فيصوّر الله تعالى غنيّ عن الكبد والطحال لأنّه أخبر عن نفسه بأنّه صمد ، وأخبر عن عدم ألوهية عيسى عليه‌السلام بأنّه كان يأكل فإذن هو ليس إله ، فالله

______________________

(١) مجموع الفتاوى ١٢ / ٢٤٤ .

(٢) مجموع الفتاوى ١٧ / ٤٥٠ ، منهاج السنّة ٢ / ٤٨٤ ، الفتاوى الكبرى ٥ / ٦٢ و ٩٣ و ١١١ .

(٣) مجموع الفتاوى ٣ / ٨٦ .

٩٥

تعالى ليس محتاجاً للكبد والطحال لأنّه لا يأكل ، بينما هو محتاج إلى اليد لأنّه يعمل فيخلق ويرزق ، فإذن لابدّ من وجود يد له لحاجته إليها طبقاً لما وصف نفسه بها وطبقاً لكونه يعمل !!

فانظر إلى أيّ مدى وصل بهم التجسيم ؟ وإلى أيّ حدّ وصلت بهم الجرأة بتصوير الله المنزّه عن النقص أو الحاجة بأنّه محتاج إلى اليد ؟! سبحان الله عمّا يصفه المجسّمة والمشبّهون !

٨ ـ اعتقاده بأنّ الله تعالى ينزل نزولاً حقيقياً إلى الدنيا ، وإنّه يتحرّك وليس بساكن :

قال ابن تيمية : « وأمّا أحاديث النزول إلى السماء الدنيا كلّ ليلة فهي الأحاديث المعروفة الثابتة عند أهل العلم بالحديث ، وكذلك حديث دنوّه عشية عرفة رواه مسلم في صحيحه ، وأمّا النزول ليلة النصف من شعبان ففيه حديث أُختلف في إسناده .

ثمّ إنّ جمهور أهل السنّة يقولون : إنّه ينزل ولا يخلو منه العرش ، كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحمّاد بن زيد وغيرهما ، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدّد » (١) .

وقال : « وأمّا دعواك أنّ تفسير القيّوم الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرّك فلا يقبل منك هذا التفسير إلّا بأثر صحيح مأثور عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو عن بعض أصحابه أو التابعين ؟ لأنّ الحيّ القيّوم يفعل ما يشاء ويتحرّك إذا شاء ، ويهبط ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ؛ لأنّ أمارة بين الحيّ والميّت التحرّك ، كلّ حيّ متحرّك لا محالة ، وكلّ ميّت غير متحرّك لا محالة .

ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبيّ الرحمة ورسول ربّ

______________________

(١) منهاج السنّة ٢ / ٦٣٧ .

٩٦

العزّة إذ فسّر نزوله مشروحاً منصوصاً ، ووقّت لنزوله وقتاً مخصوصاً ، لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لُبساً ولا عويصاً » (١) .

ويقول أيضاً : « فهذا لا يصحّ إلّا بما ابتدعته الجهمية من قولهم : لا يتحرّك ولا تحلّ به الحوادث ، وبذلك نفوا أن يكون استوى على العرش بعد أن لم يكن مستوياً ، وأن يجيء يوم القيامة » (٢) .

وهنا طريفة لا يفوتنا الإشارة إليها وهي : إنّ الأرض كروية وهي تتحرّك خلافاً لابن باز الذي ينفي حركتها حول نفسها ، فهي دائماً لا تخلو من ليل ، وعليه فمتى ينزل الله تعالى ؟ ومتى يصعد ؟ إذ لازم ذلك إنّه دائماً في حالة صعود ونزول ، أو إنّه دائماً يكون نازلاً ولا يصعد لدوام الثلث الأخير من الليل في الأرض على مدى الأربعة والعشرين ساعة ؟

وقد التفت السلفيون إلى هذا الإشكال ، لكنّهم بقوا حيارى لا يستطيعون جواباً ؛ قال الشيخ ابن باز : « لا تعارض بين نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كلّ ليلة مع اختلاف الأقطار ، وبين استوائه عزّ وجلّ على العرش ؛ لأنّه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته ، ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء نزولاً يليق بجلاله في ثلث الليل الأخير بالنسبة إلى كلّ قُطر ، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش ؛ لأنّنا لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء ، بل ذلك مختصّ به سبحانه » (٣) .

فصال وجال لكنّه لم يأت بشيء سديد أو دفع مفيد ، وإنّما زاد الطين بلّة من حيث جعل الله مستوياً على عرشه ، وهو في هذا الحال ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وبما أنّ الكرة الأرضية ثلث الليل الأخير مستمر فيها فهو في حال نزول دائمي ، أو بالأحرى إنّه نازل ولا يصعد إلى العرش !! تنزّه

______________________

(١) درء التعارض ٢ / ٥١ .

(٢) الفتاوى الكبرى ٥ / ١٢٧ .

(٣) فتاوى اللجنة الدائمة ٣ / ١٨٦ .

٩٧

الله تعالى عمّا يقوله الحنابلة المجسّمة علوّاً كبيراً !

هذا نزر يسير ممّا وقع فيه ابن تيمية ومن حذا حذوه من الهفوات ، ولو أردنا الاسترسال لطال المقام بتأليف مصنّف مستقلّ .

وهنالك كلام لابن تيمية في حقّ أهل البيت عليهم‌السلام يدلّ على نصبه وتحامله الشديد عليهم ، والدفاع والنصرة لبني أُمية الذين قتلوا وسلبوا أهل البيت عليهم‌السلام ، وقبل ذلك نستعرض كلمات العلماء في ذلك ، ثمّ نعرّج على كلمات ابن تيمية :

١ ـ قال ابن حجر العسقلاني : « طالعت الردّ المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء ، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر ، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات ، لكنّه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها ؛ لأنّه كان لا تساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره ، والإنسان عامد للنسيان ، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص علي رضي‌الله‌عنه » (١) .

٢ ـ قال ابن حجر الهيتمي : « ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله » (٢) .

٣ ـ قال الشيخ محمّد زاهر الكوثري : « فتراه يحكم عليه هذا الحكم القاسي ، لأنّه صحّح حديث ردّ الشمس لعلي كرّم الله وجهه ، فيكون الاعتراف بصحّة هذا الحديث ينافي انحرافه عن علي رضي‌الله‌عنه ، وتبدو على كلامه آثار بغضه لعلي عليه‌السلام في كلّ خطوة من خطوات تحدّثه عنه » (٣) .

وقال : « ولولا شدّة ابن تيمية في ردّه على ابن المطهّر في منهاجه إلى أن بلغ به الأمر أن يتعرّض لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه على الوجه الذي تراه في

______________________

(١) لسان الميزان ٦ / ٣٢٠ .

(٢) شفاء السقام : ٣٨ نقلاً عن الفتاوى الحديثية .

(٣) الإشفاق على أحكام الطلاق : ٧٣ .

٩٨

أوائل الجزء الثالث منه بطريق يأباه الكثير من إقحام الخوارج ، مع توهين الأحاديث الجيّدة في هذا السبيل » (١) .

٤ ـ قال الشيخ عبد الله الغماري في معرض ردّه على الشيخ الألباني : وحاله في هذا كحال ابن تيمية ، تطاول على الناس ، فأكفر طائفة من العلماء ، وبدع طائفة أُخرى ، ثمّ اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما :

إحداهما : قوله بقدم العالم ، وهي بدعة كفرية والعياذ بالله تعالى .

والأُخرى : انحرافه عن علي عليه‌السلام ، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (٢) .

وأمّا الكلمات التي أطلقها ابن تيمية في حقّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، والتي يظهر منها التنقيص جليّاً وواضحاً فكثيرة ، وإليك شذر منها .

١ ـ طعنه في خلافة الإمام علي عليه‌السلام :

قال : « وأمّا علي فلم يتّفق المسلمون على مبايعته ، بل وقعت الفتنة تلك المدّة ، وكان السيف في تلك المدّة مكفوفاً عن الكفّار مسلولاً على أهل الإسلام » (٣) .

وقال : « ولم يكن في خلافة علي للمؤمنين الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان ، بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون ، ولم يكن لهم على الكفّار سيف ، بل الكفّار كانوا قد طمعوا فيهم ، وأخذوا منهم أموالاً وبلاداً » (٤) .

وقال أيضاً : « ومن ظنّ أنّ هؤلاء الاثني عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل ، فإنّ هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلّا علي بن أبي طالب ، ومع هذا فلم يتمكّن في خلافته من غزو الكفّار ، ولا فتح مدينة !

______________________

(١) المصدر السابق : ٧٣ .

(٢) إرغام المبتدع الغبي : ٢٢ .

(٣) منهاج السنّة ٤ / ١٦١ .

(٤) المصدر السابق ٤ / ٤٨٥ .

٩٩

ولا قتل كافراً ! بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض ، حتّى طمع فيهم الكفّار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب حتّى يقال : إنّهم أخذوا بعض بلاد المسلمين ، وإنّ بعض الكفّار كان يحمل إليه كلام حتّى يكف عن المسلمين ، فأيّ عزّ للإسلام في هذا » ؟! (١) .

وقال أيضاً طاعناً في خلافته : « فإنّ علياً قاتل على الولاية !! وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم ، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفّار ولا فتح لبلادهم ، ولا كان المسلمون في زيادة خير » (٢) .

وقال : « فلم تصف له قلوب كثير منهم ، ولا أمكنه هو قهرهم حتّى يطيعوه ، ولا اقتضى رأيه أن يكفّ عن القتال حتّى ينظر ما يؤول إليه الأمر ، بل اقتضى رأيه القتال ، وظنّ أنّه به تحصل الطاعة والجماعة ، فما زاد الأمر إلّا شدّة ، وجانبه إلّا ضعفاً ، وجانب من حاربه إلّا قوّة ، والأُمّة إلّا افتراقاً » (٣) .

٢ ـ جعل قتاله لأجل الملك لا الدين !

قال ابن تيمية : « وعلي يقاتل ليطاع ، ويتصرّف في النفوس والأموال ، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين » ؟ (٤) .

وقال أيضاً : « ثمّ يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالت لكم النواصب : علي قد استحلّ دماء المسلمين ، وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رئاسته ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » ، وقال : « لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » ، فيكون علي كافراً لذلك !! لم تكن حجّتكم أقوى من حجّتهم ، لأنّ الأحاديث التي احتجّوا بها صحيحة !!

وأيضاً فيقولون : قتل النفوس فساد ، فمن قتل النفوس على طاعته كان

______________________

(١) المصدر السابق ٨ / ٢٤١ .

(٢) المصدر السابق ٦ / ١٩١ .

(٣) المصدر السابق ٧ / ٤٥٢ .

(٤) المصدر السابق ٨ / ٣٢٩ .

١٠٠