موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-01-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-00-3

الصفحات: ٥٧٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

لأنّ الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوّة والتمام ، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان ، وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة ، وأحدهما خالق للآخر وموجد له .

فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً ، نعم حقيقة الوجود واحدة ، فهو ممّا لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه ، بل هو مذهب أكثر الفلاسفة ، بل ممّا اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ، ومطابق لظواهر الآيات والأدعية ، فترى إنّه عليه‌السلام يقول : « أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت الربّ وأنا المربوب » ، وغير ذلك من التعابير الدالّة على أنّ هناك موجودين متعدّدين ، أحدهما موجد وخالق للآخر ، ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامّي .

وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأوّل ، وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة ، وأنّه ليس هناك في الحقيقة إلّا موجود واحد ، ولكن له تطوّرات متكثّرة ، واعتبارات مختلفة ، لأنّه في الخالق خالق ، وفي المخلوق مخلوق ، كما إنّه في السماء سماء ، وفي الأرض أرض ، وهكذا .

وهذا هو الذي يقال له توحيد خاصّ الخاصّ ، وهذا القول نسبه صدر المتألّهين إلى بعض الجهلة من المتصوّفين وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى الله وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار ، فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ، ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟!

وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح ، وزندقة ظاهرة ، لأنّه إنكار للواجب ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلّا بالاعتبار ، وكذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو جهل ـ مثلاً ـ متّحدان في الحقيقة على هذا الأساس ، وإنّما يختلفان بحسب الاعتبار .

وأمّا إذا أراد القائل بوحدة الوجود أنّ الوجود واحد حقيقة ولا كثرة فيه من جهة ، وإنّما الموجود متعدّد ، ولكنّه فرق بيّن بين موجودية الموجود ، وموجودية

٥٢١

غيره من الماهيات الممكنة ، لأنّ إطلاق الموجود على الوجود من جهة أنّه نفس مبدأ الاشتقاق .

وأمّا إطلاقه على الماهيات الممكنة ، فإنّما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي ، الذي هو الوجود لا من أجل أنّها نفس مبدأ الاشتقاق ، ولا من جهة قيام الوجود بها ، حيث إنّ للمشتقّ اطلاقات : فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدأ به ، كما في زيد عالم أو ضارب ، لأنّه بمعنى من قام به العلم أو الضرب .

وأُخرى : يحمل عليه لأنّه نفس مبدأ الاشتقاق ، كما عرفته في الوجود والموجود .

وثالثة : من جهة إضافته إلى المبدأ نحو إضافة ، وهذا كما في اللابن والتامر ، لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببائعهما ، إلّا أنّ البائع لمّا كان مسنداً ومضافاً إليهما نحو إضافة ـ وهو كونه بائعاً ـ لهما صحّ إطلاق اللابن والتامر على بائع التمر واللبن ، وإطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل ، لأنّه بمعنى أنّها منتسبة ومضافة إلى الله سبحانه ، بإضافة يعبّر عنها بالإضافة الإشراقية ، فالموجود بالوجود الانتسابي متعدّد ، والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد .

وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألّهين ، فكأنّ القائل به بلغ أعلى مراتب التألّه ، حيث حصر الوجود بالواجب سبحانه ، ويسمّى هذا توحيداً خاصّياً .

ولقد اختار ذلك الأكابر ممّن عاصرناهم ، وأصرّ عليه غاية الإصرار ، مستشهداً بجملة وافرة من الآيات والأخبار ، حيث إنّه تعالى قد أطلق عليه الموجود في بعض الأدعية .

وهذا المدّعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه ، لابتنائه على أصالة الماهية ـ على ما تحقّق في محلّه ـ وهي فاسدة ، لأنّ الأصيل هو الوجود ، إلّا أنّه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق .

٥٢٢

بقي هناك احتمال آخر وهو : ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود ، وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما ، فيلتزم بوحدة الوجود والموجود ، وإنّه الواجب سبحانه ، إلّا أنّ الكثرات ظهورات نوره ، وشئونات ذاته ، وكُلّ منها نعت من نعوته ، ولمعة من لمعات صفاته ، ويسمّى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخصّ الخواص .

وهذا هو الذي حقّقه صدر المتألّهين ، ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين ، قائلاً : بأنّ الآن حصص الحقّ ، واضمحلت الكثرة الوهمية ، وارتفعت أغاليط الأوهام ، إلّا أنّه لم يظهر لنا ـ إلى الآن ـ حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام .

وكيف كان ، فالقائل بوحدة الوجود ـ بهذا المعنى الأخير ـ أيضاً غير محكوم بكفره ولا بنجاسته مادام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد » (١) .

« طالب نور ـ ... ـ ... »

حول الاسم الأعظم ولفظ الجلالة :

س : اسم الله الأعظم اسم يستودعه عند خاصّة أوليائه ؛ وهو نور يقذفه الله في قلوب عباده المؤمنين ـ الصادقين المخلصين العارفين ـ به ، وذلك لا يكون إلّا لمن بلغ ذروة من الكمال ، والترويض النفسي ، فقد قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ

______________________

(١) التنقيح في شرح العروة الوثقى ٢ / ٨١ .

٥٢٣

عَلِيمٌ ) (١) كيف يصل المؤمن إلى معرفة الاسم الأعظم ؟ وهل هو موجود في البسملة كما قيل ؟

وهل أن اسم الله الأعظم موجود في ( ألم ) الموجودة في سورة آل عمران ؟ ولماذا ؟

وما هو معنى كلمة الله ، فيقال إنّها ليست عربية الأصل ؛ مستشهدين بآية قرآنية إن وجدت ؟

ج : إنّ الاسم الأعظم أودع الله تعالى معرفته عند خاصّة أوليائه ، العارفين به ، المخلصين له ، وهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو اسم من ثلاث وسبعين حرف ، أودع الله تعالى عندهم عليهم‌السلام اثنين وسبعين حرفاً ، واختصّ بواحدٍ لنفسه .

فما قصدت بالمؤمنين في النصّ الذي ذكرته هم أئمّة آل البيت عليهم‌السلام بقرينة الصادقين المخلصين العارفين فأيّ أحد منّا عرف الله كما عرفه أهل البيت عليهم‌السلام ؟!

إذ المعرفة والصدق والإخلاص قيود احترازية عن دخول أيّ أحد في حدّ من عرف الاسم الأعظم ، فلا يشمل إذاً غيرهم ولا يتعدّى ذلك إلى سواهم .

ثانياً : البسملة لها شرفها ومنزلتها عند الله تعالى ، وهل هي الاسم الأعظم أم لا ؟

إنّ الاسم الأعظم كما قلنا هو سرّ الله تعالى الذي لا يطّلع عليه أحد إلّا أوليائه المعصومين عليهم‌السلام ، فلا أحد يستطيع المجازفة في الخوض بذلك .

نعم منزلة بسم الله الرحمن الرحيم كمنزلة الاسم الأعظم في سره وفي عظمته ، فعن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « إنّ بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها » (٢) .

______________________

(١) النور : ٣٥ .

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٢١ .

٥٢٤

فهذه المنزلة للبسملة وكونها كالاسم الأعظم يكشف لنا عظمتها عند الله تعالى ، واستخدامها كالاسم الأعظم يشترط فيه الإيمان والتصديق بأنّها كالاسم الأعظم ، ولذا فهذه الرواية ستقرّب لنا هذا المعنى ، وكون استخدام أيّ شيء مشروط بالإيمان به والتصديق والتسليم .

وجاء في « مناقب آل أبي طالب » : « وأبين إحدى يدي هشام بن عدي الهمداني في حرب صفّين ، فأخذ علي عليه‌السلام يده ، وقرأ شيئاً وألصقها ، فقال : يا أمير المؤمنين ما قرأت ؟ قال : « فاتحة الكتاب » ، كأنّه استقلّها ، فانفصلت يده نصفين ، فتركه عليٌّ ومضى » (١) .

وهذا يعني أنّ استخدام أيّ شيء مهما بلغ مشروط بالتسليم والتصديق به ، فكذلك هي البسملة وأمثالها من الأسماء ، والآيات والأدعية .

ثالثاً : إذا قلنا إنّ « ألم » وأمثالها من الاسم الأعظم ، فهذا لا يعني إمكانيتنا استخدام هذه الحروف كالاسم الأعظم ، فالاسم الأعظم كما قلنا أسراره مودعة عند أهل البيت عليهم‌السلام ، وللاسم الأعظم تأليف وترتيب يختصّ به من يحمله من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، فمعرفة كونه من الاسم الأعظم لا ينفع وحده دون معرفة تأليفه وترتيبه .

فقد ورد مثلاً : « ح م س ق » هو حروف من اسم الله الأعظم المقطوع ، يؤلّفه الرسول أو الإمام عليهما‌السلام ، فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله تعالى به أجاب .

فتأليف الاسم الأعظم من الحروف المقطّعة هو سرّ مودع لدى خاصّة أوليائه وأصفيائه ، وهم أئمّتنا عليهم‌السلام .

رابعاً : إنّ لفظ « الله » هو اسم علم للذات المقدّسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى .

______________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٦١ .

٥٢٥

قيل : هو غير مشتقّ من شيء بل هو علم ، وقيل عن سيبويه : هو مشتقّ وأصله « إله » دخلت عليه الألف واللام فبقي « الإله » ، ثمّ نقلت حركة الهمزة إلى اللام وسقطت فبقي « الله » ، فأسكنت اللام الأُولى وأُدغمت وفخّم تعظيماً ، لكنّه يترقّق مع كسرة ما قبله ، كما في قوله تعالى : ( يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) فهنا لفظ الله خفّف لسبقه بمجرور .

فأصله عربي كما علمت ، مشتقّ من « إله » أي معبود ، فقد ورد « كان إلهاً إذ لا مألوه » أي كان معبوداً قبل أن يعبد ، سبحان الله وتعالى عن كُلّ وصفٍ ومثل .

« حسين علي ـ الجزائر ـ ٢٦ سنة ـ ليسانس فلسفة »

الأدلّة النقلية لحدوث العالم :

س : أُريد معرفة رأي أهل البيت في قضية حدوث العالم أو قدمه ؟ مع العلم أنّ الشيخ الرئيس ابن سينا يقول بقدمه .

ج : إنّ حدوث العالم أمر متسالم عليه عند كُلّ أرباب الأديان والمذاهب السماوية ، ومنها الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ويؤيّده العقل السليم ، والقواعد الأساسية من علم الكلام ، وما خالف هذا الرأي مردود ، أو مؤوّل إن كان صاحبه يعتنق الإسلام .

ومن الأدلّة النقلية في المقام ورود الآيات الكريمة في خلق العالم والسماوات والأرضيين وغيرها ، فهي بصراحتها تدلّ على حدوثها ؛ وأيضاً الأحاديث والروايات الكثيرة في هذا الباب لا تعطي مجالاً للتفكير في قدم الخلق ، فمنها :

١ ـ قال الإمام علي عليه‌السلام : « الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ... مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته ... » (١) .

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٤٤ ، الاحتجاج ١ / ٣٠٥ .

٥٢٦

٢ ـ قال الإمام علي عليه‌السلام : « لم يزل ربّنا قبل الدنيا هو مدبّر الدنيا وعالم بالآخرة ... » (١) .

٣ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « الحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان ، لم يوجد لوصفه كان ... ، كان إذ لم يكن شيء ولم ينطق فيه ناطق فكان إذ لا كان ... » (٢) .

٤ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « لأنّ الذي يزول ويحوّل يجوز أن يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث ... وفي جواز التغيّر عليه خروجه من القدم كما بان في تغييره دخوله في الحدث ... » (٣) .

٥ ـ قال الإمام الرضا عليه‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلّت العاقل على أنّه لا شيء قبله ، ولا شيء معه في ديموميّته ، فقد بان لنا بإقرار العامّة مع معجزة الصفة لا شيء قبل الله ، ولا شيء مع الله في بقائه .

وبطل قول من زعم أنّه كان قبله ، أو كان معه شيء ، وذلك أنّه لو كان معه شيء فبقائه لم يجز أن يكون خالقاً له ، لأنّه لم يزل معه ، فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه ؟ ولو كان قبله شيء كان الأوّل ذلك الشيء لا هذا ... » (٤) .

وغيرها من الروايات الصريحة بهذا المعنى .

« محمّد باقر ـ البحرين ـ ... »

شبهة وجود الله في جهة معيّنة :

س : كيف تردّ على الشبهة التي تقول بوجود الله في جهة معيّنة ؟

ج : إنّ الله تعالى لو كان في جهة معيّنة ، يصدق أن يقال إنّه ليس في الجهة

______________________

(١) التوحيد : ٣١٦ .

(٢) المصدر السابق : ٦٠ .

(٣) المصدر السابق : ٢٩٧ ، الكافي ١ / ٧٧ .

(٤) المصدر السابق : ١٨٧ .

٥٢٧

الأُخرى ، وبذلك يكون محدوداً ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ومَن جهله فقد أشار إليه ، ومَن أشار إليه فقد حدّه ، ومَن حدّه فقد عدّه ، ومَن قال : « فيم » فقد ضمّنه ، ومن قال : « علام » فقد أخلى منه ، كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كُلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كُلّ شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ... » (١) .

وقال عليه‌السلام أيضاً : « لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد عنها غير مباين ... » (٢) .

وقال عليه‌السلام : « لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجوده ... » (٣) .

« السيّد محمّد السيّد حسن شرف ـ البحرين ـ ... »

صفة الخالق صفة فعلية :

س : نحن نقول على أنّ الله تعالى خالق ، وصفة خالق صفة أزلية لله عظم شأنه ، إذاً لابدّ من وجود مخلوقات أزلية تلازم هذه الصفة عند الله تعالى .

ج : إنّ صفة الخالقية والرازقية وماشابههما ليست من صفات الذات حتّى تكون أزلية وقديمة مع الذات ، بل هي صفات فعلية تنسب إلى الباري بعد قيامه عزّ وجلّ بها ، والله قادر على الخلق ، وما لم يخلق فلا يقال له خالق ، بل يقال له قادر على الخلق ، والقدرة هي من الصفات الذاتية الأزلية .

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ٧٢ .

(٢) المصدر السابق ١٠ / ٦٤ .

(٣) المصدر السابق ١٣ / ٤٤ .

٥٢٨

« أبو الزين ـ الأردن ـ ... »

عينية الصفات لذات الله :

س : في موضوع عينية الصفات يعلّق صديقي الأشعري بقوله : ظواهر الشريعة تصف الله تعالى بصفات عديدة ، كالقدرة والإرادة والعلم والحياة والكلام والسمع والبصر ، فهل يمنع العقل اتصاف ذات ما بصفات ما ؟ وهل اتصاف ذات بصفات يعد تكثراً في تلك الذات ؟

فالجوهر ذات ليست منقسمة ، ومع ذلك هي متّصفة بصفات عديدة ، ولم يدّعي أحد أنّ الجوهر يتكثّر عند وصفه بتلك الصفات ، بل وكثير من البسائط ، فهل اتصاف الله تعالى بالصفات الإلهية يستلزم التكثّر في الذات ؟

يقول هو : إنّ الإمامية خلطوا بين معنى الذات ومعنى الصفات ، ولم نسمع عن عاقل بقول بأنّ مفهوم الذات هو مفهوم الصفة ، فماذا تعنون بالعينية ؟ ويردف أنّ رأي المعتزلة أقرب إلى القبول من مذهبكم ؟

ج : رأي عينية الصفات لذات الله تعالى هو الرأي الحقّ الذي لا مناص عنه ، وبيانه : إنّ البسيط لو احتاج إلى غير ذاته فقد افتقر .

وهنا نتساءل : هل إنّ الله تعالى يحتاج في علمه ـ مثلاً ـ إلى خارج ذاته ؟ وإنّ الصفات المذكورة هي قديمة في جنب قدم ذاته ؟

فحذراً من هذين الإشكالين يتحتّم علينا أن نلتزم بعينية الصفات لذاته حتّى لا يحتاج ذاته تعالى لشيءٍ آخر خارج عنها ، وهذا المعنى هو المصرّح به على لسان الإمام علي عليه‌السلام : « وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كُلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كُلّ موصوف أنّه غير الصفة ... » (١) .

وأمّا التمثيل بالجوهر ، فهو في غير محلّه ، فإنّ الجوهر تعريف تحليلي لا يوجد له مصداق في الخارج ، بدون اتصافه بصفة أو مواصفة ، فمصداقية التعينية تحتاج وتتوقّف على اتصافه بالصفات ، إذ أين الجوهر بلا صفة حتّى نتكلّم عنه ؟!

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ٧٢ .

٥٢٩

ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الإمامية قد حقّقوا ودقّقوا بما لا مزيد عليه بأنّ ذات الله تعالى تختلف مفهوماً عن صفاته ، ولكنّها تتحدّ معها مصداقاً وخارجاً ، أي إنّ صفة العلم مثلاً من جهة مفهوم العلم تختلف عن ذات الباري عزّ وجلّ ، فليس الله تعالى هو بمعنى العلم ، ولكن مصداقهما ـ الذات والعلم ـ متحدّ في ذاته ، فليس الاتحاد والعينية في حوزة المفهوم حتّى يناقش ، بل الاندماج وعدم التمايز والتغاير هو في جهة المصداق ، أي إنّ الواقع في الخارج هو وجود واحد ، ولكن يتّصف أحياناً باسم الجلالة ، وتارةً بـ « العالم » .

وأمّا ما تقوله الأشاعرة فهو مردود عقلاً ونقلاً ، وحتّى إنّ ظواهر الشريعة التي تمسّكوا بها لا تدلّ على أزيد من اتصاف الذات بتلك الصفات ، وأمّا أنّ هذه الصفات تكون زائدةً على الذات فلا دلالة فيها ، بل الدليل العقلي والنقلي كما ذكر يؤكّد اتحاد الصفات مع الذات .

وأمّا رأي المعتزلة في المقام ، فهو وإن كان في بعض جزئياته أقرب إلى الواقع من رأي الأشاعرة ، ولكنّه أيضاً خلط وخطأ وقعوا فيه لتفادي الوقوع في محذور أشد ، وهو زيادة الصفات على الذات ، فهم عرفوا ـ خلافاً للأشاعرة ـ أنّ زيادة الصفات توجب إشكالاً عسيراً لا مخلص عنه ، فحذراً منه نفوا واقعية الصفات في مجال ذاته تعالى ، وأعطوا للذات النيابة عن الصفات .

ولكن يلاحظ عليهم : إنّ عدم زيادة الصفات على الذات لا يدلّ بالملازمة على نفي واقعية الصفات ، بل الحلّ أن نلتزم بوحدة الصفات مع الذات مصداقاً واختلافهما مفهوماً ، كما عليه الإمامية .

« هند ـ المغرب ـ ١٩ سنة ـ طالبة ثانوية »

كيف نتقرّب إلى الله تعالى :

س : أحسّ نفسي بعيدة عن ديني ، يمكن لكثرة مشاكلي ، أو لأنّي لست قوّية ، أرجو منك أن تساعدني ، كيف نقدر أن نتقرّب إلى الله ؟ كيف نقدر على أن نكون على الصواب ؟ وشكراً .

٥٣٠

ج : إنّ الابتعاد عن الله تعالى منشؤه عدم معرفة الله تعالى حقّ المعرفة ، فإذا عرفنا خالقنا حقّ المعرفة سنتقرّب إليه وسيتقرب إلينا ، فإذا خطونا خطوة واحدة لمعرفة الله والتقرّب إليه ، سيأخذ الله تعالى بأيدينا ويساعدنا على هذا ، وسيكون الله أقرب إلينا من حبل الوريد .

وأمّا أنّنا كيف يمكن لنا أن نعرف الله تعالى ونتقرّب إليه ؟ فهذا أمر سهل ، فما علينا إلّا أن نترك التعصّب الأعمى ، ونصفّي قلوبنا ، ونتبع من أمرنا الله تعالى باتباعهم ، نتبع نبيّه الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله بكُلّ ما جاء به ، ومن أوامره صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نتّبع أهل بيته ، فإذا عرفنا النبيّ وأهل البيت عليهم‌السلام ، وتعرّفنا على سلوكهم وسيرتهم ، وما رسموه لنا في حياتنا الدنيوية من تعاليم عبادية وأخلاقية ، وعملنا بكُلّ ما قالوه ، بهذا سنتقرّب إلى الله تعالى ، ولا نحسّ بأنّنا على بعد مع الله تعالى .

روى جميع المسلمين أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال وفي عدّة مواطن ، ومنها : قبيل وفاته في وصيّته لأُمّته : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (١) .

______________________

(١) مسند أحمد ٥ / ١٨٢ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، مسند ابن الجعد : ٣٩٧ ، المنتخب من مسند الصنعاني : ١٠٨ ، ما روى في الحوض والكوثر : ٨٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٢٩٧ و ٣٠٣ و ٣٧٦ ، المعجم الصغير ١ / ١٣١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٧٣ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٥ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ ، نظم درر السمطين : ٢٣١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٠٢ ، العهود المحمدية : ٦٣٥ ، كنز العمّال ٥ / ٢٩٠ و ١٣ / ١٠٤ و ١٤ / ٤٣٥ ، دفع شبه التشبيه : ١٠٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٢ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٣ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، الكامل ٦ / ٦٧ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢٠ و ٥٤ / ٩٢ ، سير أعلام النبلاء ٩ / ٣٦٥ ، أنساب الأشراف : ١١١ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ و ٧ / ٣٨٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٧ و ١٠٠ و ١١٣ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٥٠ و ٣٦٠ و ٢ / ٩٠ و ١١٢ و ٢٦٩ و ٢٧٣ و ٤٠٣ و ٤٣٧ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ .

٥٣١

فلكُلّ فعل طريق ، وطريق القرب من الله تعالى ، أن نحبّ من أحبّه الله ، وأن نبغض من أبغضه الله ، وأن نأتم بأوامر أولياء الله ، وأن نبتعد عن الطواغيت الذين لعنهم الله تعالى .

« وسيمة المدحوب ـ البحرين ـ ... »

لم يطلع العقول على تحديد صفته :

س : قال الإمام علي عليه‌السلام : « لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم يحجبها عن واجب معرفته ... » (١) ، إلى ماذا يشير الإمام عليه‌السلام بهذا الحديث ؟

وفي الختام ، نشكر جهودكم المبذولة في خدمة الإسلام والمذهب ، ونسأل الله لكم دوام الموفّقية والسداد ، ونسألكم الدعاء لنا بالتوفيق .

ج : إنّ الصفات لمّا كانت عين الذات ، فمن المستحيل معرفتها بشكلها وصورتها التفصيلية والحقيقية ، إذ معنى ذلك هو معرفة الله بكنهه وحقيقته ، وهذا محال كما ثبت في محلّه ، فالعقل قاصر عن إدراك كنه الله وصفاته ، التي هي عين ذاته ، لأنّه محدود ، ومن المستحيل إحاطة المحدود باللامحدود .

والعقل يمكن أن يدرك وجود الله تعالى ، وصفاته الملازمة له من كونه عالماً حيّاً متكلّماً ، ويمكن أن يعرف ويدرك العقل هذه الصفات بشكل يتناسب مع عظمة الله تعالى ، وعدم مادّيته وعدم حدوثه ، وما إلى ذلك من الملازمات ، فهذه هي المعرفة الواجبة التي يجب على كُلّ مكلّف معرفتها ، أمّا المعرفة بالشكل الأوّل ، فهي المعرفة المحرّمة بل المستحيلة في حدّ ذاتها .

وهذا من أوضح الأدلّة على بطلان قول المشبّهة والمعطّلة وصحّة المذهب الحقّ في التوحيد .

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢١٦ .

٥٣٢

« رباب ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة »

لماذا يعذّب الله تعالى المسلمين ؟

س : كيف يعذّب الله المسلمين بالنار وهو الرحمن الرحيم ؟ وكيف تكون النار رحمة للناس وتطهيراً ؟

ج : إنّ الإنسان ميّال إلى اللهو واللعب والراحة ، فلو خُلّي وطبعه زاغ عن جادّة الحقّ والصواب التي رسمها الله تعالى له ، وخصّه بها ودعاه إليها ، بانتخابه واختياره ، فمن أجل أن يسوقه إليها ، بلّغه على لسان أنبيائه بوعده ووعيده ، تحفيزاً له لنيل الثواب ، وتجنّب العقاب ، وبالتالي بلوغ السعادة المرجوّة .

ومن هنا يُعلم أنّ عقوبة الله تعالى للإنسان غير مقصودة بالذات ، لأنّ رحمته تعالى سبقت غضبه وانتقامه ، بل هي وسيلة لتحقّق ما يُصلِح الإنسان ، وينفعه في الدنيا والآخرة ، عبر الالتزام بأوامر الله تعالى ، والانتهاء عن نواهيه ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (١) .

« ... ـ الجزائر ـ ٣٣ سنة »

معرفة الله تعالى لكُلّ إنسان بمقدار عقله :

س : التعبّد المحض لله عن طريق ماذا يكون ؟ إذا علمنا أنّ معرفته مستحيلة لأنّه مجهول ، ما عرفناك حقّ معرفتك ، وكيف للعاجز أن يعرف الكامل ؟

ج : إنّ كُلّ إنسان مؤمن بالله تعالى ، معرفته به على قدر وسعه ، وعلى مقدار فهمه وعقله ، والتعبير عن الله تعالى بأنّه مجهول غير صحيح ، فإنّ كُلّ أحد يعلم بوجوده ، ويعتقد بقدرته وخالقيته ورازقيته ، وإلى آخره .

نعم ذات الله تعالى لا يتوصّل إليها أحد ، ولا يمكن الاطلاع عليها ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه العبارة يقول : « ما عرفناك حقّ معرفتك » (٢) ، فلم ينكر أصل

______________________

(١) الأنفال : ٢٤ .

(٢) التوحيد : ١١٤ .

٥٣٣

المعرفة ، إذاً حقّ المعرفة أمر ، وأصل المعرفة أمر آخر ، فكُلّ يعرف ربّه وخالقه ورازقه على قدر عقله وفهمه وإلى آخره .

« ... ـ ... ـ ... »

تعليق على الجواب السابق :

حقيقة الموضوع مهمّ جدّاً لأنّه عقائدي ، وله وجهان : الظاهر والباطن ، فظاهره يثير الفضول ، وباطنه يمحّص الإيمان .

أردت التدخّل لوجود شبهة في هذا الموضوع ، رؤية الله وهو طريق لا مفرّ منه ، وأضرب على ذلك مثال ، قال الرسول الأعظم : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » (١) .

وللجواب المقنع على هذا السؤال هو السير ، أي من العلم إلى الإيمان ، من الظاهر إلى الباطن ، وليس البقاء في الظاهر ، والسؤال على الباطن فمهما أجاب المجيب ، ووصف الباطن فمحال أن يصدق من هو في الظاهر ، ولو اقتنع بالأدلّة العقلية الجدلية المتناهية ، وخاض بحر التفلسف ، إنّك لا تهدي من أحببت .

إنّ الإمام عليه‌السلام أجاب بحسب ما يقتضيه ظاهر القوم : « خاطبوا الناس على قدر عقولهم » ، وفي كلامه سرّ لا يكشف ، وإن أظهره ، ففي إظهاره كتمانه على الباحث الطالب للحقّ حمل المفاتيح ، والسير حتّى الوصول إلى الله ، وهو سبب الوجود مرتبة الإنسانية .

والسلام والصلاة على محمّد وآله .

« السيّد حسين الجزائري ـ إيران »

معنى الله نور السماوات والأرض :

س : ما معنى هذه الآية الشريفة : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ؟

______________________

(١) بحار الأنوار ٥٠ / ١٣٤ .

٥٣٤

ج : ذكر العلّامة الطباطبائي قدس‌سره في تفسير هذه الآية ما نصّه :

« وقوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (١) النور معروف ، وهو الذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا ، فالأشياء ظاهرة به ، وهو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته ، فهو الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات للبصر .

هذا أوّل ما وضع عليه لفظ النور ، ثمّ عمّم لكُلّ ما ينكشف به شيء من المحسوسات على نحو الاستعارة ، أو الحقيقة الثانية ، فعدّ كُلّ من الحواس نوراً ، أو ذا نور ، يظهر به محسوساته كالسمع والشمّ والذوق واللمس .

ثمّ عمّم لغير المحسوس ، فعدّ العقل نوراً يظهر به المعقولات ، كُلّ ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره .

وإذ كان وجود الشيء هو الذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء ، كان مصداقاً تامّاً للنور ، ثمّ لمّا كانت الأشياء الممكنة الوجود ، إنّما هي موجودة بإيجاد الله تعالى ، كان هو المصداق الأتم للنور .

فهناك وجود ونور يتّصف به الأشياء ، وهو وجودها ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، ووجود ونور قائم بذاته ، يوجد ويستنير به الأشياء .

فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض ، وهذا هو المراد بقوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، حيث أُضيف النور إلى السماوات والأرض ، ثمّ حمل على اسم الجلالة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال : إنّ المعنى الله منوّر السماوات والأرض ، وعمدة الغرض منه ، أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها ، وهو الوجود الذي يحمل عليها ، تعالى الله عن ذلك وتقدّس .

ومن ذلك يستفاد ، أنّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء ، إذ ظهور كُلّ شيء لنفسه ، أو لغيره ، إنّما هو عن إظهاره تعالى ، فهو الظاهر بذاته له قبله ، وإلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي

______________________

(١) النور : ٣٥ .

٥٣٥

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (١) إذ لا معنى للتسبيح والعلم به ، وبالصلاة مع الجَهل بمن يصلّون له ويسبّحونه ، فهو نظير قوله : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (٢) .

وسيوافيك البحث عنه إن شاء الله .

فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العام ، الذي يستنير به كُلّ شيء ، وهو مساو لوجود كُلّ شيء وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامّة » (٣) .

كما ذكر قدس‌سره في بحثه الروائي ما نصّه :

في التوحيد ، بإسناده عن العباس بن هلال قال : ( سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فقال : « هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض » .

وفي رواية البرقي : « هدى من في السماوات وهدى من في الأرض » ) (٤) .

أقول : إذ كان المراد بالهداية الهداية الخاصّة ، وهي الهداية إلى السعادة الدينية ، كان من التفسير بمرتبة من المعنى ، وإن كان المراد بها الهداية العامّة ، وهي إيصال كُلّ شيء إلى كماله ، انطبق على ما تقدّم .

« ... ـ ... ـ ... »

معنى رضا وغضب الله تعالى :

س : كيف يمكن أن نفسّر غضب ورضا الله تعالى ، كقولنا : إنّ الله يغضب لغضب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويرضى لرضاه ؟

______________________

(١) النور : ٤١ .

(٢) الإسراء : ٤٤ .

(٣) الميزان في تفسير القرآن ١٥ / ١٢٢ .

(٤) التوحيد : ١٥٥ .

٥٣٦

ج : من الواضح أنّ الرضا والغضب من الصفات النفسانية للإنسان ، والله تعالى ليس بجسم فلا صفات نفسانية له ، ولذا يكون وصف الله تعالى بالغضب وصفاً مجازياً ، ومرادهم من هذا : إنّ الغضب من الله تعالى هو العذاب ، ومن الرضا الرحمة والثواب .

والحاصل : إطلاق مثل هذه العناوين على الله تعالى إطلاق مجازي ، والمراد من هذا الإطلاق هو أنّ الله تعالى يثيب كُلّ محسن إذا عمل له تعالى ، ويعذّب كُلّ من عصاه ، وخالف أوامره ونواهيه .

« شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة »

معنى الشرك عند الشيعة :

س : ما هي أنواع الشرك في العقيدة الشيعية ؟

ج : إنّ معنى الشرك هو : أن لا نعدل بالله شيئاً في العبادة ، أي أن لا نشرك مع الله تعالى في عبادتنا أحداً .

وعلى هذه القاعدة ، تتفرّع أنواع أُخرى من الشرك ، فكُلّ مورد وردت فيه القربة إلى الله تعالى ، إلّا أنّ الإنسان جعل في ذلك شريكاً في عبادته ، فقد بطلت القربة وتحقّق الشرك ، فالشرك بمعناه الاشتراك في الأمر ، فاشتراك أحد مع الله تعالى في أيّ موردٍ من الموارد ، يطلب فيه الخلوص إلى الله تعالى ، ثمّ يجعل الإنسان شريكاً في ذلك ، فقد تحقق الشرك .

روي في « الكافي » : « أكبر الكبائر الشرك بالله » (١) .

وقد عرّف الأئمّة عليهم‌السلام أنّ الشرك ظلم ، فعن الإمام الباقر عليه‌السلام في حديث طويل ، إلى أن قال : « فأمّا الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك » (٢) .

هذا هو الشرك عند الشيعة ، وليس شيء آخر يتعدّى هذه القاعدة ، التي

______________________

(١) الكافي ٢ / ٢٧٨ .

(٢) المصدر السابق ٢ / ٣٣١ .

٥٣٧

أثبتناها لكِ ، ثبتكِ الله على القول الثابت ، وهداكِ ووفقكِ .

« كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة »

معنى النور :

س : إذا كان النور يعني الإيجاد ، فما معنى الآية الكريمة : ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (١) و ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (٢) ؟

ج : النور مصطلح يستعمل في موارد مختلفة ، لبيان مفاهيم غامضة ، فيعطي صورة واضحة عن مراد المستعمل ، والحكمة في الموضوع ، أنّ معنى النور في اللغة ، هو المصدر الذي يضيء ، وفي نفس الوقت هو مضيء ، ومنه قد استعير في كُلّ مورد يحتوي على صفة من جهة ، وهو يعطي تلك الصفة من جهة أُخرى .

وعلى هذا الأساس ، تفسّر آية ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، فإنّ النور هنا الموجد الذي له الوجود ، إذ إنّ صفة الخالقية في الله تعالى ، تقتضي إعطاء الوجود للمخلوق ، مضافاً إلى كونه ـ الوجود ـ عنده تبارك وتعالى ، وهذا يمثل في عالم المادّة بالنور الذي يضيء ما حوله مع اضائته في نفسه .

وأمّا النور في الآيتين الأخريتين ، فهو بمعنى الهداية والصراط المستقيم ، وهنا أيضاً ، بما أنّ الله تعالى يعطي الهداية ، وهو مهتدٍ في نفس الوقت ، استعمل النور في تصوير معنى الهداية .

« عبد المنعم عبد الباقي الصادق ـ السعودية »

الفرق بين الاسم والصفة :

س : مع دعائي لكم بالتوفيق والسداد ، سؤالي هو : لله تعالى أسماء

______________________

(١) النور : ٣٥ .

(٢) البقرة : ٢٥٧ .

٥٣٨

وصفات ، فكيف نفرّق بين الاسم والصفة ؟ وما هي الأسماء ؟ وما هي الصفات ؟

ج : إنّ الفرق بين الصفة والاسم هو : أنّ الاسم يعني الذات مأخوذ بوصف من أوصاف تلك الذات ، فلفظ العالم اسم من أسماء الله تعالى ، يعني ذات مأخوذة بوصف العلم .

أمّا الصفة : فهي النظر إلى ذات الصفة من حيث هي صفة ، مع قطع النظر على اتصاف الذات بها .

ربما يتبيّن الفرق جيّداً بمقال نأخذه على الإنسان ، حيث يسمّى الإنسان من حيث هو هو حيواناً ناطقاً ، ولكن إذا نظرنا إليه من حيث صفة الطبابة ، أو النجارة ، فلا يسمّى إنساناً ، بل طبيباً ونجّاراً .

كما أنّ الفرق بين الصفة والاسم عبارة عن : أنّ الأوّل لا يحمل على الموضوع ، فلا يقال : زيد عِلم ، بخلاف الثاني ، فيحمل عليه ، ويقال : زيد عالم .

وعلى ذلك جرى الاصطلاح في أسمائه وصفاته سبحانه ، فالعلم والقدرة والحياة صفات ، والعالم والقادر والحيّ أسماؤه تعالى .

« محمّد ـ العراق ـ ... »

معنى عالم الغيب : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )

س : ما هو عالم الغيب والشهادة الذي ذكر في القرآن الكريم ؟

ج : إنّ المراد بعالم الغيب والشهادة هو الله تعالى ، كما في قوله : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (١) ، وإنّما ورفع ( عَالِمُ الْغَيْبِ ) لأنّه نعت لـ ( الَّذِي ) ، أو كونه فاعل لمن قرأ ( يُنفَخُ ) بالفتح .

______________________

(١) الأنعام : ٧٣ .

٥٣٩

والمراد منه : يعلم السرّ والعلانية ، وورد عن ابن عباس : « عالم الغيب والشهادة ، أي ما يشاهده الخلق وما لا يشاهدونه ، وما يعلمونه وما لا يعلمونه ، ولا يخفى عليه شيء من ذلك » (١) .

« عبد العزيز محمّد ـ السعودية ـ ... »

إرادة الخير للإنسان لا تعارض وجود الشرّ فيه :

س : كيف نوفّق بين قولنا : بأنّ الله تعالى يريد للإنسان خيراً ، مع خلقه تعالى للشيطان ، والنفس الأمّارة بالسوء ، والشهوات ، والتي تشكّل أسباباً مساعدة للانحراف والفجور والفسوق ؟

ج : إنّ مقتضى كون الإنسان مختاراً في سيره التكاملي يفرض عليه انتخاب أحد الطريقين ، ولابدّ عندها من مواجهة الشيطان ، والشهوات ، والهوى ، حتّى إذا ما تمكّن فيها وانتصر عليها استطاع أن يرتقي سُلّم كماله بنفسه ، ويحصل على لقب أشرف الموجودات بفضل صبره ، وتحمّله في طريق كان مليئاً بالاختبار ، والامتحان والمعاناة .

فالغرائز والشهوات المودعة عند الإنسان ـ كالشهوة الجنسية مثلاً ـ تلعب دوراً هامّاً في بقاء واستمرار الوجود الإنساني ، وهي بالإضافة إلى ذلك ، تشترك مع هوى النفس والشيطان ، باعتبارها عناصر فاعلة ومؤثّرة في معادلة تكامل الإنسان ، وقربه من الله تعالى .

ومن هنا : فإنّ الله تعالى لا يخلق إلّا الخير ، ولا يريد لعباده إلّا خيراً ، ولكن إيجاده للخير في كثير من الأحيان يلازمه ويرافقه وجود الشرّ .

نظير غريزة حبّ الأولاد ، فإنّ وجودها في حياة الإنسان ممّا لا يمكن الاستغناء عنها ، ولولاها لانعدمت الرعاية التي نلاحظها عند الأبوين ، فيما

______________________

(١) التبيان في تفسير القرآن ٤ / ١٧٤ .

٥٤٠