موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-01-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-00-3

الصفحات: ٥٧٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

كما أنّي أهملت التصريح بمرامي في مواضع عديدة من الكتاب ، حتّى لا تسدّد نحوي سهام العتاب والملامة ، بل صرّحت غفلة بخلافه ، وإنّما اكتفيت بالتلميح إلى مرامي في ص ٢٢ بالقول : إذ المهمّ حصول اليقين بعدم وجود بقية للمجموع بين الدفتين ، كما نقلنا هذا العنوان عن الشيخ المفيد ص ٢٦ » (١) .

هذا رأينا في الكتاب ، أمّا رأينا في صاحبه ، فيقول الشيخ لطف الله الصافي : « لم نر في علماء الإمامية ومشايخهم من يعتني بكتاب فصل الخطاب ، ويستند إليه ، وليس بينهم من يعظّم المحدّث النوري لهذا التأليف ، ولو لم يصنّف هذا الكتاب لكان تقدير العلماء عن جهوده في تأليفه غيره من المآثر الرائعة ، كالمستدرك وكشف الأستار وغيرهما ، أزيد من ذلك بكثير ، ولنال من التقدير والإكبار أكثر ما حازه من العلماء وأهل الفضل ، وليست جلالة قدر الرجل في العلم والتتبع والإحاطة بالحديث ممّا يقبل الإنكار » (٢) .

« ... ـ البحرين ـ ١٣ سنة ـ طالبة »

موقفنا من الجزائري وما ورد في كتابه :

س : ما هو موقف الشيعة من مقولة السيّد نعمة الله الجزائري صاحب كتاب « الأنوار النعمانية » ، حيث يقول فيه : « أنّنا لا نشترك معهم في إله ولا نبيّ » ؟ يقصد أهل السنّة ، وأشكر حسن تعاونكم .

ج : لقد أوضح السيّد نعمة الله الجزائري مراده في نفس الصفحة ، هو : « إنّ الأشاعرة لم يعرفوا ربّهم بوجه صحيح ، بل عرفوه بوجه غير صحيح ، فلا فرق بين معرفتهم هذه ، وبين معرفة باقي الكفّار ، لأنّه ما من قوم ولا ملّة إلّا وهم يدينون بالله سبحانه ويثبتونه ، وأنّه الخالق ، سوى شرذمة شاذّة وهم الدهرية ، وأسوأ الناس حالاً المشركون أهل عبادة الأوثان ، ومع هذا فهم إنّما يعبدون

______________________

(١) أعلام الشيعة ١ من القسم الثاني / ٥٥٠ .

(٢) مع الخطيب في خطوطه العريضة : ٨٧ .

٤٢١

الأصنام لتقرّبهم إلى الله سبحانه زلفى ، فقد عرفوا الله سبحانه بهذا الباطل ، وهو كون الأصنام مقرّبة إليه ، وكذلك اليهود ، حيث قالوا : عزير ابن الله ، والنصارى حيث قالوا : المسيح ابن الله ، فهما قد عرفاه سبحانه بأنّه ربّ ذو ولد ، فقد عرفاه بهذا العنوان ، وكذلك من قال بالجسم والصورة والتخطيط ، و ... .

فقد تباينا وانفصلنا عنهم في الربوبية ، فربّنا من تفرّد بالقدم والأزل ، وربّهم من كان شركاؤه في القدم ثمانية .

وكذلك الحال بالنبوّة ، فالنبيّ الذي خليفته أبو بكر ليس نبيّنا ، بل نبيّنا الذي أوصى بالإمامة بعده لعلي عليه‌السلام ، فهذا النبيّ الذي تصفونه بهذه المواصفات التي لا تنطبق على المواصفات التي نقولها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هي التي جعلتنا لا نقول بذلك النبيّ مع تلك المواصفات » .

أمّا رأينا في السيّد الجزائري فهو من محدّثي الطائفة الذين دأبوا على جمع الأخبار والتعليق عليها ، والعلماء ينظرون إليه بالامتنان للجهود التي بذلها في إيصال الأخبار إلينا ، وهم غير ملزمين بالأخذ بكلّ ما يقوله المحدّث الجزائري من آرائه العلمية ، بل هو ثقة في نقله الأخبار .

٤٢٢

إقامة المجالس لإحياء أمر أهل البيت عليهم‌السلام :

« قاسم لاجوردي نيا ـ إيران ـ ... »

أسباب إقامتها :

س : لماذا نقيم العزاء على الإمام الحسين عليه‌السلام ؟

ج : إنّ المثل العليا والقيم الساعية التي جسّدها الإمام الحسين عليه‌السلام في الطفّ ، جعلت السائرين على نهجه ، والمرتبطين به يحيون ذكراه ، وينشرون مآثره ، باعتبارها خير أسوة يتأسّى بها الناس .

فإحياء الذكريات التي تمثّل منعطفاً بارزاً ، وتحوّلاً نوعياً في حياة الأُمم ، أمر طبيعي وغير مستهجن ، لأنّه نابع من ذات الإنسان ، ومتصل بفطرته ، كما أنّ الأيّام تعتبر مزدهرة وخالدة ، ومتّصفة بالتميّز لوقوع الأحداث العظيمة فيها ، وأيّ حادثة أعظم من واقعة كربلاء ؟!

لقد بقيت هذه الواقعة معلماً شاخصاً في التاريخ ، لما جرى فيها من فجائع من جهة ، ولما رسمت فيها من صور مشرّفة من جهة أُخرى .

فالشيعة يقيمون هذه المآتم ، ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق ، ومن منطلقات أُخرى ، منها :

١ ـ امتثال أمر الله تعالى ، والقاضي بمودّة العترة الطاهرة ، حيث قال تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) ، ومواساة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على

______________________

(١) الشورى : ٢٣ .

٤٢٣

الإمام الحسين عليه‌السلام ، وهو لم يزل في سني الطفولة .

فقد ورد عن عائشة أنّها قالت : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أصحابه ، والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وحذيفة ، وعمار ، وأبو ذر ، وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟! فقال : « أخبرني جبرائيل ، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني أنّ فيها مضجعه » (١) .

٢ ـ نحن نقيم هذه الشعائر لأنّ فيها نصراً للحقّ وإحياءً له ، وخذلاناً للباطل وإماتة له ، وهذا الأمر من أجله أوجب الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

٣ ـ إنّ إحياءنا لهذه الذكرى ، حفظ لها من الضياع ، وصون لمبادئها من التزييف ، ولولا ذلك لاضمحلت ، وخبت جذوتها ، ولأنكرها المخالفون ، كما حاولوا إنكار غيرها !!

٤ ـ بإقامتنا لهذه الشعائر ـ لاسيّما المجالس الحسينية ـ نكشف عن منهج مدرستنا ، هذه المدرسة الجامعة لمختلف الطبقات والفئات ، حيث يعرض التفسير والتاريخ ، والفقه والأدب ، و ... فهي مؤتمرات دينية ، تطرح فيها مختلف المعارف والعلوم .

٥ ـ إنّ إحياءنا لهذه الشعائر ، هو أفضل وأبسط وأنجح وسيلة لنشر الإسلام الأصيل ، لأنّها حية وغير معقّدة ، ولذلك كانت ولا زالت أشدّ تأثيراً في النفوس !

فالإحياء والمشاركة ، والتنمية لشعائر الحسين عليه‌السلام إحياء لذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه قال : « حسين منّي وأنا من حسين » (٢) فهما عليهما‌السلام من سنخ واحد ،

______________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٨٨ ، المعجم الكبير ٣ / ١٠٧ ، كنز العمّال ١٢ / ١٢٣ فيض القدير ١ / ٢٦٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٧٣ ، ينابيع المودّة ٣ / ١٠ .

(٢) كامل الزيارات : ١١٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٧ ، نظم درر السمطين : ٢٠٨ ، كشف اليقين : ٣٠٥ ، الناصريات : ٩٠ ، شرح الأخبار ٣ / ١١٢ ، أوائل المقالات : ١٧٨ ،

٤٢٤

وإحياء ذكرى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إحياء للدين ، باعتباره الرمز الأوّل للإسلام .

وهناك أسباب كثيرة توجب علينا إقامة هذه الشعائر ، فمن أرادها فليطلبها من مضانّها .

« أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية »

إقامتها ليست بدعة :

س : ما ردّكم على من يعتبر لطم الصدور ومواكب العزاء بدعة ؟

ج : إنّ مجالس العزاء التي تقام لأهل البيت عليهم‌السلام ـ خصوصاً للإمام الحسين عليه‌السلام ـ بشكل عامّ ، أو التي تقام لذوي الفضل والفضيلة بشكل خاصّ ليست ببدعة .

لأنّ البدعة هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين ، ومجالس العزاء لذوي الفضل والفضيلة ـ فضلاً عن أهل البيت عليهم‌السلام والحسين عليه‌السلام ـ من الدين ، لوجود النصوص الشرعية من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام ، على استحباب إقامتها ورجحانها ، منها :

١ ـ روى البخاري في صحيحه ، في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن ، بسنده عن عائشة قالت : « لمّا جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل ابن حارثة ، وجعفر وابن رواحه ، جلس يعرف فيه الحزن ... » (١) .

قال القسطلاني في الشرح بعد قوله : « جلس ، أي في المسجد ، كما في رواية أبي داود » (٢) .

______________________

الإرشاد ٢ / ١٧٢ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥١٥ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٤٢٨ ، المعجم الكبير ٣ / ٣٣ و ٢ / ٢٧٤ ، موارد الظمآن : ٥٥٤ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٤٩ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٢ و ١٠ / ٤٢٧ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢٩٩ ، البداية والنهاية ٨ / ٢٢٤ ، إعلام الورى ١ / ٤٢٥ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٧٢ و ٤٤٥ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٤ و ٢٠٧ و ٤٨٢ .

(١) صحيح البخاري ٢ / ٨٣ .

(٢) إرشاد الساري ٣ / ٤٢١ .

٤٢٥

٢ ـ روى البخاري في صحيحه ، في الباب المذكور ، بسنده عن أنس قال : « قنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهراً حين قتل القرّاء ، فما رأيت رسول الله حزن حزناً قط أشدّ منه » (١) .

فإذا جاز القنوت شهراً لإظهار الحزن عليهم ، جاز الجلوس لذلك ، ولنقتصر على هذا القدر من الروايات ، وإن أردتم التفصيل فعليكم بمراجعة كتاب « سيرتنا وسنّتنا » للعلّامة الأميني قدس‌سره .

وأمّا اللطم على الصدور ، فهو من حيث الأصل مباح شرعاً ، إذا كان القيام به لهدف مشروع ، وغرض عقلائي ، ولم يترتّب عليه ضرر كبير .

ودليلنا الشرعي على جوازه ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (٢) ، وأيضاً ذكره الشهيد في الذكرى (٣) .

وهناك وجوه تدلّ على حسنه وصحّته ، نذكر أهمّها :

الأوّل : توقّع الثواب من الله سبحانه وتعالى والأجر ، حيث إنّ اللطم على الصدور هو مصداق من مصاديق إظهار الحزن ، وعلامة من علامات الحبّ والولاء الشديد لأهل البيت عليهم‌السلام المظلومين وللإمام الحسين عليه‌السلام ، الذي ضحّى بكلّ شيء من أجل الدين .

الثاني : تعظيم شعائر أهل البيت عليهم‌السلام ، وتعزيز عظمتهم وتكريم مقامهم أمام الرأي العام .

الثالث : يرمز إلى تأييد الإمام الحسين عليه‌السلام في ثورته المباركة ، وإعلان الثورة العاطفية على الظلم والظالمين ، والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار

______________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ٨٤ .

(٢) تهذيب الأحكام ٨ / ٣٢٥ .

(٣) الذكرى : ٧٢ .

٤٢٦

والسخط ضدّ أعداء الحقّ والعدل .

إذاً ظهر من هذا أنّ اللطم على الصدور ليس ببدعة ، بل هو أمر جائز ، بل راجح إذا كان لأجل مظلومية أهل البيت عليه‌السلام ، لاسيّما الإمام الحسين عليه‌السلام .

« موسى ـ السعودية ـ ... »

الأئمّة يقيمون العزاء على الحسين :

س : لو سمحتم أن توردوا لنا مصادر ـ سواء من كتبنا أو من كتب العامّة ـ على أنّ الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، أو أحد الأئمّة عليهم‌السلام نصب عزاءً للإمام الحسين عليه‌السلام ، وأنّه كرّر ذكر مظلوميته في كلّ سنة ، وشكراً جزيلاً لكم .

ج : أوّلاً : إنّ أوّل مجلس نصبه الإمام زين العابدين عليه‌السلام هو في الشام ، عندما خطب في ذلك الحشد ، وأخذ ينعى ويعدّد صفات أبيه ومظلوميته ، والناس من حوله تبكي ، فهذا مجلس عزاء أقامه الإمام زين العابدين عليه‌السلام في الجامع الأموي (١) .

ثانياً : ما كان يفعله الإمام زين العابدين عليه‌السلام عند مروره بالقصّابين ، وتذكيرهم بمصاب الإمام الحسين عليه‌السلام ، وأخذه البكاء أمامهم ، فإنّ هذا عزاء لأبيه الحسين عليه‌السلام في الملأ العام ، وليس فقط تذكير .

ثالثاً : روى العلّامة المجلسي عن بعض مؤلّفات المتأخّرين أنّه قال : « حكى دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيّدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام في مثل هذه الأيّام ـ يعني محرّم ـ فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه من حوله ، فلمّا رآني مقبلاً قال لي : « مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه » ، ثمّ وسّع لي في مجلسه ، وأجلسني إلى جانبه ، ثمّ قال لي : « أن تنشدني شعراً ، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيّام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصاً بني أُمية ، يا دعبل من بكى وأبكى على

______________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٣٨ .

٤٢٧

مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله ، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا ، يا دعبل من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة » ، ثمّ إنّه عليه‌السلام نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه‌السلام ، ثمّ التفت إليّ وقال لي : « يا دعبل إرث الحسين عليه‌السلام فأنت ناصرنا ، ومادحنا ما دمت حيّاً ، فلا تقصّر عن نصرتنا ما استطعت » ، قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي ، وأنشأت أقول :

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً

وقد مات عطشاناً بشط فراتِ

إذاً للطمت الخدّ عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات » (١)

فهنا الإمام عليه‌السلام عقد مجلساً لذكر جدّه الإمام الحسين عليه‌السلام ، وأمر بضرب الحجاب حتّى يسمع أهل بيته .

رابعاً : روى العلّامة المجلسي عن بعض المؤلّفات ، أنّه لمّا أخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته فاطمة عليها‌السلام بقتل ولدها الحسين عليه‌السلام ، وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمة بكاءً شديداً ، وقالت : « يا أبت متى يكون ذلك » ؟ قال : « في زمان خالٍ منّي ومنك ومن علي » ، فاشتدّ بكاؤها وقالت : « يا أبت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له » ؟

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا فاطمة إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة ، فإذا كان القيامة ، تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال ، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده ، وأدخلناه الجنّة » (٢) .

خامساً : روى الشيخ الصدوق قدس‌سره بسنده عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ

______________________

(١) بحار الأنوار ٤٥ / ٢٥٦ .

(٢) المصدر السابق ٤٤ / ٢٩٢ .

٤٢٨

المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ... » .

ثمّ قال عليه‌السلام : « كان أبي (صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى تمضي عشرة أيّام منه ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه‌السلام » (١) .

فالإمام عليه‌السلام أقام العزاء للإمام الحسين عليه‌السلام ، وجدّد مصيبته في كلّ محرّم بحزنه وبكائه ، وتغيّر لونه .

وهناك روايات كثيرة واردة في أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرّم ، نعم تبقى مسألة لابدّ من الالتفات إليها ، وهي حالة الأئمّة عليهم‌السلام وما كانوا عليه من المطاردة والمحاصرة ، والمراقبة المشدّدة من قبل الدولتين الأُموية ـ هي التي وقعت فيها معركة كربلاء ـ والعباسية ، ومعلوم موقف الدولتين من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، فلذلك لا تجد أنّ الإمام يقيم العزاء العام ، ويدعو الناس إليه كما يقام الآن ، لأنّه في رقابة وفي محاصرة تامّة من قبل السلطة ، ويريد أن يحفظ نفسه ، ويقوم بما هو المطلوب منه ، فلذلك لا نجد هذا الأمر بالكيفية التي عليها نحن اليوم .

« عبد العزيز ـ الكويت ـ ٢٧ سنة ـ خرّيج معهد التكنلوجيا »

الأدلّة على جواز الاحتفال بمولد النبيّ :

س : ما هو الدليل على جواز إقامة الاحتفالات في أفراح محمّد وآل محمّد ؟ على أن يكون الجواب من المصادر السنّية ، جزاكم الله خير الجزاء .

______________________

(١) الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩٠ .

٤٢٩

ج : هناك استدلالات عديدة لجواز الاحتفال بمولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته عليهم‌السلام ، استدلّ بها علماء الفريقين ردّاً على الوهّابية ، التي ترى أنّ الاحتفال بمولده صلى‌الله‌عليه‌وآله بدعة ، من الأدلّة :

١ ـ قوله تعالى : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) ، باعتبار أنّ شعائر الله تعالى هي أعلام دينه ، خصوصاً ما يرتبط منها بالحجّ ، لأنّ أكثر أعمال الحجّ إنّما هي تكرار لعمل تاريخي ، وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد إبراهيم عليه‌السلام ، وشعائر الله مفهوم عامّ شامل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولغيره ، فتعظيمه صلى‌الله‌عليه‌وآله لازم .

ومن أساليب تعظيمه ، إقامة الذكرى في يوم مولده ونحو ذلك ، فكما أنّ ذكرى ما جرى لإبراهيم عليه‌السلام من تعظيم شعائر الله سبحانه ، كذلك تعظيم ما جرى للنبيّ الأعظم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون من تعظيم شعائر الله سبحانه .

٢ ـ قوله تعالى : ( وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ) (٢) ، فإنّ المقصود بأيّام الله ، أيّام غلبة الحقّ على الباطل ، وظهور الحقّ ، وما نحن فيه من مصاديق الآية الشريفة ، فإنّ إقامة الذكريات والمواسم فيها تذكير بأيّام الله سبحانه .

٣ ـ قوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) (٣) ، إذ من المصاديق الجلية لرحمة الله سبحانه ، هو ولادة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، فالفرح بمناسبة ميلاده صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلوب ومراد .

٤ ـ قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (٤) ، فإنّ الاحتفالات بميلاده صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هي إلّا رفع لذكره ، وإعلاء لمقامه .

______________________

(١) الحجّ : ٣٢ .

(٢) إبراهيم : ٥ .

(٣) يونس : ٥٨ .

(٤) الانشراح : ٤ .

٤٣٠

٥ ـ قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) ، بأنّ مودّة ذوي القربى مطلوبة شرعاً ، وقد أمر بها القرآن صراحة ، فإقامة الاحتفالات للتحدّث عمّا جرى للأئمّة عليهم‌السلام ، لا يكون إلّا مودّةً لهم ، إلّا أن يدّعى أنّ المراد بالمودّة الحبّ القلبي ، ولا يجوز الإظهار .

٦ ـ قوله تعالى : ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ) (٢) ، باعتبار أنّ إقامة الاحتفال للتحدّث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه نوع من التعظيم والنصرة له .

٧ ـ قوله تعالى : ( رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٣) ، فقد اعتبر يوم نزول المائدة السماوية عيداً وآية ، مع أنّها لأجل إشباع البطون .

فيوم ميلاده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويوم بعثته ، الذي هو مبدأ تكامل فكر الأُمم على مدى التاريخ ؛ أعظم من هذه الآية ، وأجل من ذلك العيد ، فاتخاذه عيداً يكون بطريق أولى .

٨ ـ قوله تعالى : ( وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) ، فقد قال الحلبي : « أي وقد أقسم الله بليلة مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله تعالى : ( وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) ، وقيل أراد بالليل ليلة الإسراء ، ولا مانع أن يكون الإقسام وقع بهما ، أي استعمل الليل فيهما » (٤) .

٩ ـ إنّ الاحتفال بالمولد سنّة حسنة ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها » (٥) .

١٠ ـ بأنّ جلّ أعمال مناسك الحجّ ما هي إلّا احتفالات بذكرى الأنبياء ،

______________________

(١) الشورى : ٢٣ .

(٢) الأعراف : ١٥٧ .

(٣) المائدة : ١١٤ .

(٤) السيرة الحلبية ١ / ٨٦ ، السيرة النبوية لزيني دحلان ١ / ٢١ .

(٥) مسند أحمد ٤ / ٣٦٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٥٤٤ .

٤٣١

فأمر الله تعالى باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى إحياء لذكرى شيخ الأنبياء إبراهيم عليه‌السلام ، أمّا السعي بين الصفا والمروة فهو تخليد لذكرى هاجر حينما عطشت هي وابنها إسماعيل ، فكانت تسعى بين الصفا والمروة ، وتصعد عليهما لتنظر ، هل ترى من أحد .

ورمي الجمار تخليد لذكرى إبراهيم عليه‌السلام ، حينما ذهب به جبرائيل إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع أحجار فساخ .

وذبح الفداء ، إنّما هو تخليد لذكرى إبراهيم عليه‌السلام أيضاً ، حينما أُمر بذبح ولده إسماعيل ، ففداه الله بذبح عظيم .

وفي بعض الأخبار : إنّ أفعال الحجّ إنّما هي احتفال بذكرى آدم ، حيث تاب الله عليه عصر التاسع من ذي الحجّة بعرفات ، فأفاض به جبرائيل حتّى وافى إلى المشعر الحرام فبات فيه ، فلمّا أصبح أفاض إلى منى ، فحلق رأسه إمارة على قبول توبته ، وعتقه من الذنوب ، فجعل الله ذلك اليوم عيداً لذرّيته .

فأفعال الحجّ كلّها تصير احتفالات ، وأعياداً بذكرى الأنبياء ، ومن ينتسب إليهم ، وهي باقية أبد الدهر .

وأخيراً : أكمل الأدلّة على جواز إقامة الاحتفال بمولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو دليل الفطرة والدين والشرع منسجم تماماً مع مقتضيات الفطرة ومتطلّباتها ـ فقد اعتاد الناس انطلاقاً من احترامهم للمثل والقيم التي يؤمنون بها ، على احترام الأشخاص الذين بشرّوا بها ، وضحّوا في سبيلها ، وارتبطوا بهم عاطفيّاً وروحيّاً كذلك .

ورأوا : أنّ إحياء الذكرى لهؤلاء الأشخاص ، لم يكن من أجل ذواتهم كأشخاص ، وإنّما من أجل أنّهم بذلك يحيون تلك القيم والمثل في نفوسهم ، وتشدّ الذكرى من قوّة هذا الارتباط فيما بينهم وبينها ، وترسّخها في نفوسهم ، وتعيدهم إلى واقعهم .

وهكذا يقال بالنسبة للاحترام الذي يخصّون به بعض الأيّام ، أو بعض الأماكن ، وقديماً قيل :

٤٣٢

مررت على الديار ديار ليلى

أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفن قلبي

ولكن حبّ من سكن الديارا

ويلاحظ : إنّ الاهتمام بإقامة الذكريات والاحتفال بالمناسبات ، التي تمثّل تحوّلاً من نوع ما في حياة الناس عامّة لا يقتصر على فئة دون فئة ، ولا يختصّ بفريق دون فريق ، فالكبير والصغير ، والغني والفقير ، والملك والسوقة ، والعالم والجاهل ، والمؤمن والكافر ، وغيرهم ، الكلّ يشارك في إقامة الذكريات للمثل والقيم ، ومن يمثلها حسب قدراته وإمكاناته .

فهذه الشمولية تعطينا : إنّ هذا الأمر لا يعدو عن أن يكون تلبية لحاجة فطرية ، تنبع من داخل الإنسان ، ومن ذاته ، وتتصل بفطرته وسجيته ، حينما يشعر أنّه بحاجة إلى أن يعيش مع ذكرياته وآماله ، وإلى أن يتفاعل مع ما يجسّد له طموحاته .

فيوم ولادة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو يوم فرح المسلمين ، ويوم عيد وبهجة لهم ، ولابدّ وأن يستجيب الإسلام لنداء الفطرة ، ويلبّي رغباتها مادامت منسجمة مع منطلقاته وأهدافه ، ولا يحرمها من عطاء رحمته وبرّه ... مادام أنّه دين الفطرة ، الذي يوازن بين جميع مقتضياتها ، ويعطيها حجمها الطبيعي من دون أن يكون ثمّة إهمال مضرّ ، أو طغيان مدمّر .

وهذه هي عظمة تعاليم الإسلام ، وهذا هو رمز الخلود له ، وفّقنا الله للسير على هدى هذا الدين ، والالتزام بشريعة ربّ العالمين ، إنّه خير مأمول ، وأكرم مسؤول .

« يعرب البحراني ـ الإمارات ـ ... »

الأدلّة على جواز اللطم ونشوئه :

س : اللطم أثناء المأتم الحسيني ، ما هو الدليل الشرعي عليه ؟ وبداية نشوئه في أيّ فترة من التاريخ الإسلامي ؟

ج : من الأدلّة على جواز اللطم في المجالس الحسينية هو الحديث الوارد عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا

٤٣٣

البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما‌السلام فإنّه فيه مأجور » (١) ، واللطم نوع من الجزع .

ولا يخفى عليكم ، أنّ النهي عن الجزع نهي تشريعي ، وليس نهياً تكوينياً ، وبالتالي فهو قابل للتخصيص ، وقد ورد تخصيص من الشارع المقدّس لعموم النهي عن الجزع ، هذا أوّلاً .

وثانياً : لأصالة الإباحة ، فطالما لم يكن في اللطم ضرر ، فمقتضى أصل الإباحة هو عدم الإشكال في اللطم ما لم يرد نهي .

وثالثاً : اللطم على مصائب أهل البيت عليهم‌السلام يدخل في باب تعظيم الشعائر ، وشدّ الناس إلى قضية الإمام الحسين عليه‌السلام التي هي قضية الإسلام .

وأمّا بداية نشوئه ، فالظاهر أنّه عريق ، كما يبدو من بعض الحوادث التي يذكرها ابن الأثير في تاريخه ، حيث ذكر في الحوادث الواقعة في القرن الرابع والخامس هجري ، أنّه وقع خلاف وصدام بين الشيعة والسنّة ، بسبب بعض أعمال يوم عاشوراء من اللطم وغيره .

« هند ـ المغرب ـ ١٩ سنة ـ طالبة ثانوية »

الشيعة تحيي الذكريات :

س : من فضلكم أُريد أن اعرف هل الشيعة يقيمون عزاءً في ذكرى موت كلّ واحد ؟

ج : إنّ الشيعة تحيي الذكريات ، وتعتقد بأنّ في إحيائها الأجر والثواب ، وإنّها من مصاديق تعظيم شعائر الله ، فتحيي ذكريات الأعياد والفرح ، كيوم مولد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمبعث الشريف ، ومواليد الأئمّة عليهم‌السلام من أهل البيت ، كما تحيي الشيعة ذكريات الحزن ، كيوم وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام .

______________________

(١) كامل الزيارات : ٢٠١ .

٤٣٤

والشيعة تؤكّد على إقامة مراسيم العزاء على الميت ، وذلك بالحضور في التشييع ، وإقامة مجالس يقرأ فيها القرآن ، ويهدى ثوابه إلى الميت ، وكذلك الذهاب إلى القبر ، وقراءة القرآن عنده ، وإهداؤه إلى صاحب القبر ، وعمل الأعمال الصالحات ، وإهداؤها إلى روح الميت .

« أحمد ـ السعودية ـ ... »

الضرر في التطبير :

س : البعض يقولون : كيف نتطبّر مع أنّ التطبير مضرّ ؟ وإن لم يكن مضرّاً ، فهو ممّا لا يعقل دخوله ضمن الدين وشعائره ؟

ج : إنّ موضوع التطبير له بحث خاصّ من الناحية الشرعية ، ولا نريد أن ندخل فعلاً في هذا الباب ، ولكن الذي نودّ أن نذكّر به في مورد السؤال هو : أنّه لا دليل على حرمة مطلق الضرر ، وإلّا لكان أكثر المباح حراماً ، وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به .

وأمّا دخوله ضمن الشعائر فهو يتبع مشروعية العمل أوّلاً ، وتأثيره الإيجابي عند الناس ثانياً .

ولا نقول حينئذ إنّه من صميم الدين ، بل هو من مصاديق الشعائر الحسينية ، التي تشدّ المؤمنين بواقعة كربلاء ، وتحثّهم على التضحية والفداء في سبيل عقيدتهم .

« عصام الحسيني ـ العراق ـ ٣٠ سنة ـ طالب جامعة »

تعقيب على الجواب السابق :

عظّم الله لكم الأجر بمصاب الإمام الحسين عليه‌السلام ، وجعلكم الله من الطالبين بثأره مع إمام منصور من أهل بيت النبوّة عليهم‌السلام .

أمّا بالنسبة إلى مسألة التطبير ، فإنّها من الأُمور التي جعلها العلماء من المستحبّات ، هذا من الناحية الفقهية ، فإنّنا نجد البعض ـ ومنهم بعض الشيعة ـ

٤٣٥

ينتقدوننا على هذا العمل ، وذلك لجهلهم الفائدة المتوخّاة من ذلك من جهة ، ولما يؤثّره الإعلام الوهّابي ومن كان على شاكلتهم من جهة أُخرى .

فأقول إلى أخوتي الشيعة : لا تتسرّعوا بالحكم على شيء لا تعرفون أبعاده .

وأمّا بالنسبة إلى صحّته ، فنقول :

١ ـ ضرب السيّدة زينب عليها‌السلام بمحمل الرحل ، وسيل الدماء من تحت القناع أمام الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، عندما رأت أهل الكوفة خرجوا ينظرون إليهم ، ولم يمنعها الإمام عليه‌السلام من ذلك .

٢ ـ ذكر الأئمّة عليهم‌السلام : « إنّ يوم الحسين عليه‌السلام أقرح جفوننا ، وأسبل عيوننا ... » (١) ، وأنّ في القرح ألم للناس ، فلو كان الحرمة في ذلك لنهو الناس .

٣ ـ قول الإمام الحجّة المنتظر عليه‌السلام في زيارة الناحية : « لأبكين عليك بدل الدموع دماً » (٢) ، فلو كان الإدماء حرام فلماذا يفعل ذلك الإمام عليه‌السلام ؟

٤ ـ إنّه ليس كلّ ما يؤلم الإنسان حرام ، وإلّا لحرم الختان للصبيان ، وثقب الأذن والأنف .

٥ ـ إنّ في التطبير تأسّي بالإمام الحسين عليه‌السلام الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجلنا ، والذي لم يبق مكان في جسده إلّا وقد أدمي ، وهو ينادي : « وا قلّة ناصراه » ، فلو خرج من قبره لوجد هذه الحشود التي تلبس الأكفان ، ومخضّبة بالدماء جنوداً مجنّدة تحت رايته ، فهذه الدماء أسوة بدماء الحسين عليه‌السلام ، وما أجمل هذه الأسوة من أجل رجل قدّم كلّ ما يملك من أجل رضا الله .

واعلموا أنّ في التطبير رضا لله تعالى ، ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وللإمام عليه‌السلام كما قال أحد المراجع .

وهناك أسباب عديدة للتطبير ، يطول المقام لذكرها ، وعظّم الله لكم الأجر .

______________________

(١) الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩٠ .

(٢) المزار الكبير : ٥٠١ .

٤٣٦

« ... ـ السويد ـ ٢٤ سنة »

تعقيب على الجواب السابق :

إنّ التطبير من الحجامة فلا إشكال فيه ، كذلك إنّ الأصل في الأشياء الحلّ ، ولم يأتي دليل بتحريمه .

والعقيلة زينب عليها‌السلام حين ضربت برأسها مقدّم المحمل أمام الإمام زين العابدين عليه‌السلام لم ينهاها ، وكذلك أنّ الفاطميات خمشن وجوههن ، وأنّ التطبير لا يوهن المذهب مثله ، مثل رمي الجمرات في الحجّ مثلاً ، وأنّ قضية الضرر وما يترتّب عليها ما ورد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة من بعده عليهم‌السلام ورد عن بعضهم القيام في الليل حتّى تتفطّر أقدامهم ، وما ورد من أنّ بعض الأئمّة عليهم‌السلام حجّ ماشياً ـ كالإمام السجّاد عليه‌السلام ـ حتّى تورّمت قدماه .

ألا يكون هذا فعل جائز مع وقوع الضرر في فعله ، فيكون كذلك التطبير فيه ضرر ، ولكن جائز الفعل مثله مثل القيام في الليل حتّى تتفطّر القدم ، ويحصل الضرر ؟!

وورد في زيارة الناحية المقدّسة : « ولأبكين عليك بدل الدموع دماً » (١) .

كما ورد في الروايات : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما‌السلام فإنّه فيه مأجور » (٢) فيكون هنا خصوصية لجواز فعل التطبير ، بل واستحبابه .

وما ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « رحم الله من أحيا أمرنا » (٣) ، وما ورد عن الإمام الرضا عليه‌السلام : « إنّ يوم الحسين عليه‌السلام أقرح جفوننا ، وأسبل عيوننا ... » (٤) ، وما ورد عن الإمام السجّاد عليه‌السلام من أنّه كان يبكي حتّى يمتزج في الإناء دموعه مع دم خارج من عينه .

______________________

(١) المزار الكبير : ٥٠١ .

(٢) كامل الزيارات : ٢٠١ .

(٣) الأمالي للشيخ الطوسي : ١٣٥ .

(٤) الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩٠ .

٤٣٧

وما ورد عن الإمام السجّاد عليه‌السلام من أنّه يقوم الليل حتّى تتفطّر قدماه ، وهذا فيه ضرر ، مع ذلك لم يترك هذا الأمر ، إذ ليس كلّ أمر فيه ضرر يكون محرّماً .

« علي ـ ... ـ ... »

اللطم على الصدور :

س : ما هو التفسير الديني والعلمي للطم الصدور ؟ ودمتم لنا بألف خير .

ج : لا يخفى عليكم أنّ أوّل من أقام العزاء على الإمام الحسين عليه‌السلام ، هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعن أُمّ الفضل بنت الحارث ، أنّها دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : يا رسول الله ، إنّي رأيت الليلة حلماً منكراً ، قال : « وما هو » ؟ قالت : إنّه لشديد ، قال : « وما هو » ؟

قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ، ووضعت في حجري .

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً ، فيكون في حجرك » .

فولدت فاطمة عليها‌السلام الحسين ، فقالت : فكان في حجري ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخلت به يوماً على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة ، فإذا عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تهراقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله ، مالك ؟

قال : « أتاني جبرائيل عليه‌السلام فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » (١) .

وعن أُمّ سلمة قالت : ( كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في

______________________

(١) الإرشاد ٢ / ١٢٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٦ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٩٦ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٥٨ ، ينابيع المودّة ٣ / ٧ .

٤٣٨

بيتي ، فنزل جبرائيل فقال : يا محمّد ، إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا أُمّ سلمة وديعة عندك هذه التربة » ، فشمّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « ريح كرب وبلاء » .

قالت : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا أُمّ سلمة ، إذا تحوّلت هذه التربة دماً ، فاعلمي أنّ ابني قد قتل » ) (١) ، وهناك روايات أُخرى كثيرة في هذا المجال .

وهكذا تجد أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، أقاموا العزاء على الحسين عليه‌السلام ، وأمرونا بذلك ، وبإظهار الحزن .

ومن هذا المنطلق ، أخذت الشيعة الإمامية تعمل بهذه الوصية ، فتظهر مختلف علامات الحزن والعزاء على الإمام الحسين عليه‌السلام ، كلّ بحسب منطقته ، وعاداته وتقاليده .

فبعضهم اتّخذ مثلاً اللطم على الصدور طريقة من طرق إظهار الحزن ، ليظهر من خلاله حبّه وولائه الشديد للإمام الحسين عليه‌السلام ، واعتبروه عملاً راجحاً ، يتوقّعون فيه الأجر والثواب من الله تعالى .

ودليلهم على جوازه إجماع علماء الطائفة الشيعية عليه ، وبعض الروايات .

« موالي ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : في جوابكم للأخ علي حول قضية اللطم ، ذكرتم الروايتين ، ولكن هناك روايات في قضية منع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك لدى العامّة ، فكيف نردّ على هذه الروايات ؟ وكيف نثبت جواز اللطم على بقية المعصومين عليهم‌السلام ؟

______________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ١٠٨ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٩٢ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٨ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٠ .

٤٣٩

ج : إنّ الروايات المانعة التي أشرتم إليها عند العامّة ـ إن صحّت سنداً ـ فإنّها تدلّ على المنع من البكاء على الميّت على نحو الإطلاق ، فيمكن الذبّ والدفاع عن الروايات المجوّزة ـ كالتي وردت في جواب بعض الإخوة ـ بأنّ هذه الأحاديث خاصّة في مورد الإمام الحسين عليه‌السلام ، فتخصّص تلك الاطلاقات بهذه المخصّصات ، وهذا أسلوب مألوف في علم الأُصول ـ كما هو ثابت في محلّه ـ للجمع بين الأدلّة ونفي التعارض بينها .

على أنّ الروايات المانعة المشار إليها هي بنفسها ـ مع غضّ النظر عن الأخبار الواردة في شأن الإمام الحسين عليه‌السلام ـ متعارضة مع روايات أُخرى في مصادر أهل السنّة ، فورد في بعضها : أنّ عائشة ردّت هذه الروايات ، ونقلت صور أُخرى ، لا تدلّ على المنع (١) .

ويؤيّد رواية عائشة ، ما ورد في سنن الترمذي ، من أنّ منع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في مجال بكاء اليهود على أمواتهم (٢) .

وأمّا تعميم الحكم لباقي المعصومين عليهم‌السلام ، فأوّلاً : بالاطلاقات الواردة ، لتسرّي الأحكام من بعض المعصومين عليهم‌السلام على جميعهم ـ إلّا إذا ورد خطاب يخصّص بعضهم دون بعض ـ .

وثانياً : بنفس الرواية التي أوردناها في جواب بعض الإخوة ، إذ جاء فيها : « وعلى مثله ـ أي الإمام الحسين عليه‌السلام ـ تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (٣) .

ولا ريب ، أنّ المثيل الأوّل والأخير للمعصوم ، هو المعصوم عليه‌السلام .

وبالجملة : نستنتج جواز ، بل استحباب إقامة كافّة أنواع العزاء ـ ومنها اللطم ـ على الإمام الحسين عليه‌السلام ، وباقي الأئمّة عليهم‌السلام .

______________________

(١) مسند أحمد ١ / ٤١ ، صحيح البخاري ٥ / ٩ ، صحيح مسلم ٣ / ٤٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٣٨١ ، الدرّ المنثور ٣ / ٦٧ .

(٢) الجامع الكبير ٢ / ٢٣٦ .

(٣) تهذيب الأحكام ٨ / ٣٢٥ .

٤٤٠