موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-01-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-00-3

الصفحات: ٥٧٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ويريدون محو الإسلام واستئصال جذوره من الأساس ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام لا يردّ ذلك على حساب الخلافة ، لأنّ الخلافة أمر واجب على الناس ، وليس على علي عليه‌السلام ، لأنّ هناك إمامة وخلافة ، والإمامة ينصّبها الله ، وعلي عليه‌السلام إمام بتنصيب الله تعالى ، ومن وظائف الإمامة الخلافة ـ أي أنّ مقام الخلافة الأحق به الإمام ـ وهذه الخلافة مشروطة بالنصرة ، وأن يبايع الناس علياً ، فيجب على الناس أن يعيّنوا علياً عليه‌السلام خليفة عليهم وأن ينصرونه ، فعندما خذلوه وعصوا الحكم الشرعي بوجوب نصبه خليفة ، ما كان على علي عليه‌السلام إلّا المحافظة على بيضة الإسلام من أهل النفاق ، ومن الطلقاء ، ومن الأعراب الذين ارتدوا ، فلذلك كان علياً عليه‌السلام يهمّه الإسلام أكثر من الخلافة ، إذ الخلافة تجب على الناس أن يعطوها لعلي عليه‌السلام ، فلمّا عصوا فلم يبق أمام الإمام علي عليه‌السلام إلّا نصر الدين والمحافظة عليه ، مادام الناس تراجعوا وتقهقروا عن واجبهم الشرعي ـ وهو نصب من نصّبه الله ـ فلذلك قال : « فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أُموركم ، التي هي إنّما متاع أيام قلائل » .

والشاهد على أنّ أبا سفيان كان يبغي ضرب الإسلام ما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج حيث قال : « لمّا اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر ، أقبل أبو سفيان وهو يقول : أما والله إنّي لا أرى عجاجة لا يطفئها إلّا الدم ، يا لعبد مناف فيم أبو بكر من أمركم ! أين المستضعفان ؟ أين الأذلّان ! ـ يعني علياً والعباس ـ ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش ؟ ثمّ قال لعلي : أبسط يدك أبايعك ، فو الله إن شئت لأملأنها على أبي فضل ـ يعني أبا بكر ـ خيلاً ورجالاً » (١) .

فانظر إلى خبث هذا الرجل ، فهو يريد أن يضرب المسلمين بعضهم ببعض ، حتّى يخلوا له الجوّ ، ويرجع إلى الجاهلية ، وأنظر إلى الخيل والرجال التي توعّد

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٢١ .

١٦١

بها ، فما هي إلّا الاتفاق بينه وبين المنافقين ، وبين من تقدّم من عندهم عندما قدم ووجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد توفّي .

« علي ـ لبنان ـ ٢٥ سنة ـ إجازة في الحقوق »

روايات صلاته متضاربة ومختلفة :

س : هل هناك دليل واضح على تنحية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر عن صلاة الجماعة المزعومة من كتب أهل السنّة ؟ وفي حال وجد ما هو الحديث ؟ وشكراً .

ج : يمكن أن يقال في ردِّ من يحاول الاستدلال بصلاة أبي بكر بالناس ـ إن ثبت ـ في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي مسجده للخلافة :

أوّلاً ـ ليست إمامة الجماعة لدى أبناء العامّة منصباً خطيراً ومهمّاً ، أو قيادة شعبية أو دينية في عرف الإسلام ، ولذلك روي في كتبهم القول : صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر ، ولو صحّ أنّ أبا بكر أمّ الناس ، فلم يكن ذلك كاشفاً حسب الموازين ـ التي يعترفون بها لإمامة الجماعة ـ أنّ الرجل ذو أهلية ، ويحمل مزية يصلح بها للزعامّة الدينية والسياسية ، بل جملة منهم لا يشترطون البلوغ في إمام الجماعة .

ثانياً ـ إنّ سحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر من الله آيات من سورة البراءة ، التي كان أبو بكر مكلّفاً منه صلى‌الله‌عليه‌وآله بقراءتها على الناس في موسم الحجّ الأكبر شاهد على أنّ الرجل لا يصلح لأية قيادة وأية زعامة ، وكذلك فشله في فتح قلعة خيبر .

ثالثاً ـ إنّ الروايات التي رويت من طرق أبناء العامّة في هذا الشأن مختلفة ، بحيث لا يمكن القول بأنّها تحكي عن معنى واحد ، فإليك بعض منها :

« روى الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن مطلب بن أسد قال : لمّا استعز برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا عنده في نفر من المسلمين ، قال : دعا بلال للصلاة فقال : « مروا من يصلّي بالناس » ، قال : فخرجت فإذا عمر في

١٦٢

الناس ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت : قم يا عمر فصلّي بالناس ! قال : فقام ، فلمّا كبّر عمر سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوته ، وكان عمر رجلاً مجهراً ، فقال رسول الله : « فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون » ، قال : فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة ، فصلّى بالناس ... » (١) .

هكذا روى ابن زمعة من طريق آخر : « فلمّا سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صوت عمر ، خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى اطلع رأسه من وراء حجرته ، ثمّ قال : « لا لا ليصل بالناس ابن أبي قحافة » ، يقول ذلك مغضباً » (٢) .

ورويت قصّة الصلاة بنحو آخر عن عائشة : « قال الأسود : كنّا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها .

قالت : لمّا مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه ، فحضرت الصلاة ، فقال : « مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، فقيل له : أنّا أبا بكر رجل أسيف ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلّي بالناس ، وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة ، فقال : « إنّكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، فخرج أبو بكر فصلّى ، فوجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجُلين ، كأنّي أنظر إلى رجليه يخطّان الأرض من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخّر ، فأومئ إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن مكانك ، ثمّ أُوتي به حتّى جلس إلى جنبه .

فقيل للأعمش : وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي وأبو بكر يصلّي بصلاته ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه : نعم » (٣) .

وقال ابن كثير : « وقد رواه البخاري في غير موضع من كتابه ، ومسلم والنسائي وابن ماجة ، من طرق متعدّدة عن الأعمش به .

______________________

(١) مسند أحمد ٤ / ٣٢٢ .

(٢) كتاب السنّة : ٥٤٠ .

(٣) صحيح البخاري ١ / ١٦٢ .

١٦٣

منها : ما رواه البخاري عن قتيبة ، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن يحيى ، عن أبي معاوية به » (١) .

فينبغي أن تلتفت : إنّ هذا الخبر مع هذه التأكيدات في السند إنّما يثبت إمامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واقتداء أبو بكر به صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ودعوى أنّ أبا بكر كان إمام الناس لا يعقل ، إذ يعني ذلك أنّ هناك إمامين في صلاة واحدة شخصية .

وقال ابن كثير : « وقال البخاري : ... عن عائشة أنّها قالت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه : « مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، قال ابن شهاب : فأخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنّها قالت : لقد عاودت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ، وما حملني على معاودته إلّا أنّي خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر ، وإلّا أنّي علمت أنّه لن يقوم مقامه أحد إلّا تشاءم الناس به ، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أبي بكر إلى غيره » (٢) .

ملاحظة : أترى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يريد أن يتشاءم به الناس ، وعائشة لا تريد ذلك ؟!

ورويت قصّة الصلاة بطريق آخر مختلف عمّا تقدّم ، مع فيما تقدّم من التباين والاختلاف .

عن عبيد الله بن عبد الله قال : دخلت على عائشة فقلت : ألا تحدّثيني عن مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقالت : بلى ، ثقل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه فقال : « أصلى الناس » ؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، فقال : « صبّوا إليّ ماءً في المخضب » ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟

______________________

(١) السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤٦١ .

(٢) نفس المصدر السابق .

١٦٤

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، قال : « ضعوا لي ماءً في المخضب » ، ففعلنا فأغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، قال : « ضعوا لي ماءً في المخضب » ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله لصلاة العشاء ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أبي بكر بأن يصلّي بالناس ، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً ، فقال : يا عمر صلّ بالناس ، فقال : أنت أحقّ بالناس ، فصلّى بهم تلك الأيّام .

ثمّ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجد خفّة ، فخرج بين رجلين ، أحدهما العباس لصلاة الظهر ، فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر ، فأومئ إليه أن لا يتأخّر ، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه ، وجعل أبو بكر يصلّي قائماً ورسول الله يصلّي قاعداً ... ، إلى أن قال ابن كثير : وفي رواية : فجعل أبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله وهو قائم ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر ، ورسول الله قاعد ... (١) .

ورواية أُخرى ذكرها ابن كثير عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس قال : « لمّا مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، ثمّ وجد خفّة فخرج ، فلمّا أحسّ به أبو بكر أراد أن ينكص ، فأومأ إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره ، واستفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر .

ثمّ رواه أيضاً عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم عن ابن عباس بأطول من هذا ، وقال وكيع مرّة : فكان أبو بكر يأتم بالنبيّ ، والناس يأتمون بأبي بكر » (٢) .

ورواية أُخرى تعطي عكس ذلك .

______________________

(١) المصدر السابق ٤ / ٢٥٤ .

(٢) نفس المصدر السابق .

١٦٥

وعن مسروق عن عائشة قالت : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلف أبي بكر قاعداً في مرضه الذي مات فيه (١) .

وفي رواية أُخرى : « آخر صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع القوم في ثوب واحد ملتحفاً به ، خلف أبي بكر » (٢) .

وهكذا روايات متعدّدة ، لن تجد روايتين منها تتّفق في المعنى ، فضلاً عن اللفظ ، وذلك دليل على اختلاق القصّة ، والذي روي عن طريق الخاصّة :

عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام يرويه عيسى الضرير : قال : فسألته وقلت : جعلت فداك ، قد أكثر الناس قولهم في أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة ، ثمّ أمر عمر ، فأطرق عنّي طويلاً ، ثمّ قال : « ليس كما ذكر الناس ، ولكنّك يا عيسى كثير البحث عن الأُمور ، لا ترضى إلّا بكشفها » .

فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، من أسأل عمّا انتفع به في ديني ، وتهتدي به نفسي مخافة أن أضلّ غيرك ، وهل أجد أحداً يكشف لي المشكلات مثلك ؟

فقال : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا ثقل في مرضه ، دعا علياً عليه‌السلام ، فوضع رأسه في حجره وأُغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأذّن بها ، فخرجت عائشة فقالت : يا عمر أخرج فصلّ بالناس ، فقال لها : أبوك أولى بها منّي ، فقالت : صدقت ، ولكنّه رجل لين ، وأكره أن يواثبه القوم ، فصلّ أنت ، فقال لها : بل يصلّي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب ، أو تحرّك متحرّك ، مع أنّ رسول الله مغمى عليه لا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به ، لا يقدر أن يفارقه ـ يعني علياً عليه‌السلام ـ فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق ، فإنّه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة ، وقد سمعت مناجاته منذ الليلة ، وفي آخر كلامه يقول لعلي عليه‌السلام : الصلاة ، الصلاة » .

قال : « فخرج أبو بكر يصلّي بالناس ، فظنّوا أنّه بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكبّر حتّى أفاق صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : ادعوا لي عمّي ـ يعني العباس ـ فدعي له فحمله وعلي عليه‌السلام حتّى أخرجاه وصلّى بالناس وإنّه لقاعد ، ثمّ حمل فوضع على المنبر

______________________

(١) مسند أحمد ٦ / ١٥٩ .

(٢) البداية والنهاية ٥ / ٢٥٥ .

١٦٦

بعد ذلك ، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتّى برزت العواتق من خدورها ، فبين باك وصائح ، ومسترجع وواجم ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب ساعة ، ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ، ومن حضر في يومي هذا ، وفي ساعتي هذه من الإنس والجنّ ليبلغ شاهدكم غائبكم ، ألا أنّي قد خلّفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شيء ، حجّة الله عليكم وحجّتي وحجّة ولي ، وخلّفت فيكم العلم الأكبر ، علم الدين ، ونور الهدى وضياءه ، وهو علي بن أبي طالب ، ألا هو حبل الله فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخواناً ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدون .

أيّها الناس هذا علي من أحبّه وتولّاه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله ، ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى ولا حجّة له عند الله ... » (١) .

فقد اتضح لك أيّها الأخ الكريم تضارب روايات القوم في هذه القصّة ، وأنّه دليل على أنّها مختلقة ، وقد قلنا : إنّه إن ثبت لم يكن في ذلك فضل لأبي بكر ، مادام حكم القوم في إمام الجماعة ما قد عرفت .

« محمّد جعفر ـ ... ـ ... »

لم يصل على جنازة فاطمة :

س : إنّ أبا بكر لم يؤذن لحضور جنازة فاطمة عليها‌السلام ، ليس لأنّه منع من ذلك ، ولكن لأنّ الإمام علي عليه‌السلام ظنّ أنّ أبا بكر كان يعلم ، لأنّ أسماء بنت عميس ـ زوجة أبي بكر ـ كانت قد ساعدت على غسل فاطمة عليها‌السلام ، فكيف

______________________

(١) خصائص الأئمّة : ٧٤ .

١٦٧

ترجع إلى بيتها ولا تخبر أبا بكر ؟ هذا ما قاله لي أحد أهل السنّة ، فما هو الجواب ؟

ج : ظنّ الإمام علي عليه‌السلام لا يكون دليلاً ، على عدم خروج أبي بكر ، والأصل الذي ذكره لا أصل له ، والصحيح عندنا أنّ أبا بكر منع من الحضور على جنازتها عليها‌السلام بوصية منها .

فقد نقل ابن فتال النيسابوري وصيّتها عليها‌السلام لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، حيث قالت : « أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، وأخذوا حقّي ، فإنّهم أعدائي وأعداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن لا يصلّي عليّ أحد منهم ، ولا من اتباعهم ، وادفني في الليل ، إذا هدأت العيون ونامت الأبصار » .

« ثمّ توفّيت ... واجتمع الناس فجلسوا ، وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة ، فيصلّون عليها ، وخرج أبو ذر فقال : انصرفوا فإنّ ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخّر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا ، فلمّا أن هدأت العيون ، ومضى من الليل ، أخرجها علي والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وعمّار والمقداد ، وعقيل والزبير ، وأبو ذر وسلمان وبريدة ، ونفر من بني هاشم وخواصّه ، صلّوا عليها ودفنوها في جوف الليل ، وسوّى علي حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتّى لا يعرف قبرها ... » (١) .

قال الأصبغ بن نباتة : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن علّة دفن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال عليه‌السلام : « إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها » (٢) .

ويؤيّد هذا ما رواه الصنعاني عن عائشة : « إنّ علياً دفن فاطمة ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر » (٣) .

______________________

(١) روضة الواعظين : ١٥١ .

(٢) المصدر السابق : ١٥٣ .

(٣) المصنّف للصنعاني ٣ / ٥٢١ .

١٦٨

وما رواه ابن شبة النميري عن عائشة : « إنّ علياً رضي‌الله‌عنه دفن فاطمة ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر » (١) .

ولا يخفى أنّ الإمام علي عليه‌السلام قد صلّى عليها في بيته لا في المسجد للوصية التي أوصت بها عليها‌السلام .

« حسن أحمد عبد الرزاق ـ البحرين ـ ... »

شرب الخمر بعد تحريمها :

س : هل إنّ أبا بكر كان عادلاً في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وفي زمان خلافته ؟

ج : إنّ عدالة الصحابي أو عدمها تتبع أعماله وتصرّفاته في حياته ، فلا أصل في المقام لعدالة الصحابة بدون قيد أو شرط ، بل يدخل جميعهم في دائرة التعديل والتجريح .

ثمّ إنّ تصرّفات كلّ شخص وتقلّباته في مختلف شؤون حياته خير دليل على الحكم عليه ، وفي مورد السؤال نذكر لك سيئةً واحدة ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تكفي في معرفة الرجل ، وهي شربه للخمر بعد تحريمها (٢) .

نعم ، قد حاول البعض تبرير هذا العمل بأنّه كان قبل نزول التحريم .

ولكن يردّه أوّلاً : إنّ التحقيق يدلّنا على أنّ التحريم قد نزل قبله بمدّة ، فإنّ عملية شرب الخمر قد حصلت في عام الفتح ـ سنة ثمانية من الهجرة ـ باتفاق أهل الحديث والسير ، والتحريم قد نزل : إمّا في أوائل البعثة أو الهجرة (٣) ، وإمّا في سنة أربع من الهجرة (٤) ، وإمّا في سنة ست من الهجرة (٥) .

______________________

(١) تاريخ المدينة ١ / ١١٠ .

(٢) فتح الباري ١٠ / ٣١ ، عمدة القاري ٢١ / ٢٥١ ، وغيرهما .

(٣) تاريخ بغداد ٨ / ٣٥٣ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٦٣ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٥ / ٥٠٩ و ٨ / ٣٥١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٣٣ .

(٤) فتح الباري ١٠ / ٢٥ .

(٥) نفس المصدر السابق .

١٦٩

وأمّا القول بنزول التحريم في سنة الفتح ، عام ثمانية من الهجرة يوم الشرب المذكور ، فلا يدعمه ـ على قول البعض ـ إلّا حديث أحمد ، الذي جاء فيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أعرض على شخص كان بصدد إهداء الخمر أو بيعه (١) .

وقصارى ما يستفاد من هذا الحديث أنّ التحريم بلغ هذا الرجل عام الفتح ، لا أنّ التحريم قد نزل فيه ، فلا يعارض الأقوال التي تصرّح بنزول التحريم قبله ، خصوصاً أنّ الرجل المذكور ـ على ما في حديث أحمد ـ كان من أعراب البوادي ، فيحتمل قوياً عدم وصول التحريم إليه .

ثانياً : إنّ ذيل رواية شرب الخمر المذكورة خير شاهد على نزول التحريم قبل تلك الواقعة ، إذ جاء فيه أنّ الأمر قد بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام يجر إزاره حتّى دخل عليهم مغضباً ، وهمّ أن يضرب بعضهم .

وهنا نتساءل : بأنّ التحريم لو لم يسبق هذه الواقعة فما هو معنى غضب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسألة ؟ إذ لو كان مباحاً لم يتأثّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الشكل .

وبالجملة ، فلا ينبغي التأمّل في صدق ارتكاب الفواحش والموبقات بالنسبة إليه في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا بعد حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمخالفته الوصية بإمامة وخلافة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام لهو دليل واضح لانحراف الشخص وعدوله عن الخطّ المستقيم ، ومن ثمّ زلّة لا تغتفر ، أضف إلى ذلك مبادرته وتأييده الاعتداء على بيت الزهراء عليها‌السلام ، وضربها وكسر ضلعها ، وإسقاط جنينها ، خير شاهد على فسق الرجل ، ممّا أدّى ذلك إلى غضب فاطمة عليها‌السلام عليه بصريح البخاري وغيره (٢) .

فمن مجموع هذه الموارد ـ وموارد أُخرى لم يسعنا التطرّق إليها في هذا المختصر ـ لا يبقى لدينا أيّ شكّ أو ريب في ثبوت عدم عدالته .

______________________

(١) مسند أحمد ١ / ٢٣٠ .

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٣ .

١٧٠

« محمّد علي الشحي ـ الإمارات ـ سنّي ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعي »

لم يكن ثرياً :

س : فيمن نزلت الآية : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ) ؟

ج : إنّ الآيتين في مجال بيان نتيجة التقوى ، ومزاولتها في اجتناب النار وعذابها ، فهي مطلقة بمنطوقها ، وإن اختلفت الآراء في تأويلها وتطبيقها .

أمّا أهل السنّة فعلى رأيين في شأن نزولها ، إذ أكثرهم يرى أنّها نزلت في أبي بكر ، وبعضهم يصرّح بأنّ مورد نزولها كان أبا الدحداح (١) .

وأمّا الشيعة ، فلا ترى صحّة نزولها في حقّ أبي بكر لما يلي :

أوّلاً : إنّ الروايات المزعومة متعارضة مع الأحاديث الواردة التي تقول : بأنّها نزلت في حقّ الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أو حتّى التي تشير بأنّ شأن النزول كان في مورد أبي الدحداح .

ثانياً : إنّ القول بثروة أبي بكر قول بلا دليل ، بل تردّه القرائن والأدلّة الحافّة بالموضوع ، فمثلاً أنّ أباه ـ أبا قحافة ـ كان فقيراً مدقعاً سيئ الحال (٢) فهل يعقل وجود هذه الحالة مع ثراء الابن ؟ أليس الأولى للولد أن يكون بارّاً لأبيه قبل الآخرين ؟!

وقد ورد في مصادرهم المعتبرة ما ينقض دعواهم غناء أبي بكر ، فعن أبي هريرة قال : « خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال : « ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة » ؟ قالا : الجوع يا رسول الله .

قال : « وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ، قوموا » ، فقاموا معه ... » (٣) .

______________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٩٠ .

(٢) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٧٠ .

(٣) صحيح مسلم ٦ / ١١٦ ، وأغرب ما في الباب أنّ النووي في شرحه لمسلم ١٣ / ٢١٢ ، لمّا التفت للتناقض الموجود بين غناء أبي بكر وهذه الرواية الواضحة في فقره ، فلذلك حاول لَي عنقها

١٧١

وهذه الرواية واضحة أنّها بعد فتح الفتوح لأنّ الراوي أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر ، وهي تبطل دعواهم أنّ أبا بكر كان ينفق على مسطح بن أثاثة وقطعها بعد حادثة الأفك ، ثمّ رجع إليها .

وأيضاً فإنّ التقوّل بإغناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بماله زخرف وباطل ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد استغنى بماله ، ومال كفيله وعمّه أبي طالب ، ومال خديجة عليها‌السلام في مكّة ، ولمّا هاجر إلى المدينة ، فتحت عليه الفتوح والغنائم ، ففي أيّ مقطع من الزمن كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يحتاج إلى ثروة أبي بكر ؟!

ولعلّ لتكلّف هذه المحاولات في شأن النزول المزعوم ، تردّد الآلوسي في تتمّة كلامه في قبول استدلال ابن أبي حاتم ، على ردّ قول الشيعة في هذا المجال ، إذ قال أخيراً : « ... وأطال الكلام ـ ابن أبي حاتم ـ في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل وقال » (١) .

« ... ـ الجزائر ـ سنّي ـ ٢٥ سنة »

لم يكن ناصراً :

س : قرأت كثيراً عن ذمّكم ، بل وتكفيركم للخليفة أبي بكر .

أتساءل فقط بيني وبين نفسي ، هل يعقل أن يتحوّل ناصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل رجل أسلم في التاريخ ، ولو عدّدت مناقبه على قلّة اطلاعي ما انتهيت ... إلى رجل يسلب حقّاً من حقوق آل البيت ؟

لعمري لولا أبا بكر لهلكت الأُمّة بعد رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنا والله أعلم لا أظنّ أنّ

______________________

وتفسيرها بأبعد ما يكون فقال : وأمّا قولهما : أخرجنا الجوع ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما » ، فمعناه : أنّهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ، ولزوم طاعته والاشتغال به ، فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجهما ويقلقلهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة ، وتمام التلذّذ بها سعياً في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به ، وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات .

(١) روح المعاني ١٥ / ٣٧١ .

١٧٢

الأُمور تسير بعبثية مطلقة ، أن يسخّر الله رجلاً لنصرة الإسلام ، ثمّ يتنافس على الدنيا ومتعها ؟ لا ، بل ويسلب حقّاً من حقوق آل البيت ؟

هذه بعض من تساؤلاتي أرجو أن تأخذ بعين الاعتبار ، بصّرنا الله بعيوبنا ، وهدانا لنعمل كما عمل صحابة الصادق المصدّق لنصرة دين الله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

ج : في بادئ الأمر نحن لا نذمّ أبا بكر ، أو نتجاوز عليه بغير حقّ ، وإنّما كلّ ما هنالك أنّنا ننقل عن المصادر المعتبرة عند المسلمين أفعاله وأقواله ، وهي خاضعة للنقد والتمحيص وفق الضوابط الشرعية ، حالها حال أفعال وأقوال بقية العباد .

ثمّ لم يتحقّق عندنا موارد النصرة التي تذكرها عن أبي بكر ، فلم نشهد لأبي بكر موقفاً ، أو مواقف في حروب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمكن ذكرها أو الإشارة إليها ، وكذلك لم تثبت دعوى أنّه أوّل رجل أسلم في الإسلام .

فقد ورد من طرق أهل السنّة بروايات صحيحة أنّ أوّل من أسلم هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فمن ذلك ما ذكره ابن ماجة من قول الإمام علي عليه‌السلام : « أنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كاذب ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين » .

في الزوائد : « هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال ، وقال : صحيح على شرط الشيخين » (١) .

هذا ، وقد ثبت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه حذَّر أصحابه التنافس في الدنيا من بعده : « والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخافوا عليكم أن تنافسوا فيها » (٢) ، الذي يدلّ مع مجموع أحاديث الحوض الواردة في موضوع الصحابة : أنّ هناك إحداثاً سيحدثها أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ستؤثّر على موقفهم الشرعي أمام الله تعالى ، لذا يلزم البحث والتفحّص الدقيق عن مواقف

______________________

(١) سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ .

(٢) صحيح البخاري ٢ / ٩٤ .

١٧٣

الأصحاب بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليصحّ تبنّي موقف شرعي كامل منهم .

« ... ـ استراليا ـ ٢١ سنة »

اسمه وأنّ إسلامه كان طمعاً :

س : ما اسم أبو بكر ؟ وهل كان من اتباع رسول الله ؟

ج : اسم أبي بكر هو عبد الله ، وقيل عبد الكعبة ، وقد ذكر أهل النسب وأكثر المحدّثين : أنّ اسمه عتيق ، وعلى أية حال ، فهو ابن أبي قحافة ، عثمان ابن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تميم .

هناك روايات وردت في كتب أهل السنّة تشير إلى أنّه أوّل من أسلم ، ولكن العلماء المحقّقين ردّوا هذه الدعوى بالتحقيق والبيّنات ، ويمكنك مراجعة كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني في الجزء الخامس عن أبي بكر وإسلامه وفضائله ، لتتابع هذه التحقيقات بدقّة وشمولية ، وأيضاً يمكنك في الجزء المذكور أن تتابع التحقيق حول فرية الفضائل المنسوبة إليه ، وإدراك البعد السياسي لتدوينها وتسويد الوريقات من أجلها .

وفي رواياتنا : أنّه أسلم طمعاً بعد أن أخبره كهان الجزيرة بأنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله سيظهر على كلّ العرب ، وخير دليل على ذلك ما فعله بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فمن المعلوم : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد بعثه مع سرية أُسامة قبل وفاته ، وأمره وجمع من كبار الصحابة بالخروج من المدينة للقتال مع أُسامة بن زيد ، ولكنّه تخلّف عن السرية ، وبقي في المدينة ، ولم يمتثل لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بلغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، فقال قولته المشهورة : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه » (١) .

وهناك أحداث جليلة جرت بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في عقد البيعة له من قبل عمر

______________________

(١) الملل والنحل ١ / ٢٣ .

١٧٤

ابن الخطّاب في سقيفة بني ساعده من دون نصّ من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو مشورة للصحابة الكبار ، كعلي عليه‌السلام والعباس عمّ النبيّ ، وسلمان وعمّار ، وأبي ذر والمقداد ، والزبير وغيرهم ، ممّن تخلّفوا عن هذه البيعة ، ولم يشهدوها .

وأيضاً أخذه لفدك نحلة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للزهراء عليها‌السلام ، فهجرته فلم تكلّمه حتّى ماتت ـ أي ماتت غاضبة عليه كما يذكر البخاري (١) ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث معروف : « إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (٢) .

ومخالفاته الكثيرة للكتاب والسنّة ، كمنعه لتدوين الحديث ، وقتله مانعي الزكاة ، وتركه إقامة الحدود ، إلى غير ذلك من الحقائق والوقائع التي تجعل الرجل في مقام المؤاخذة والسؤال ، وإلى درجة أنّ عمر وهو أوّل من بايعه ـ قد استنكر مبايعته ، أو دعا لقتل من عاد إلى مثل تلك البيعة ، كما يذكر البخاري عنه : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وأنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرها (٣) ، وفي رواية : « فمن عاد لمثلها اقتلوه » (٤) .

« ... ـ ... ـ ... »

لم يحجّ في العام التاسع للهجرة :

س : أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر حجّ بالناس في العام التاسع للهجرة ؟

ج : قد اختلفت الروايات عند أهل السنّة أنفسهم في إثبات ذلك ، فالمتّفق عليه بحسب رواياتهم هو : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل أبا بكر لتبليغ آيات البراءة لمشركي مكّة في موسم الحجّ ، وبعد ذهابه بأيّام أمر جبرائيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبعث علياً

______________________

(١) صحيح البخاري ٨ / ٣ .

(٢) ينابيع المودّة ٢ / ٥٦ .

(٣) صحيح البخاري ٨ / ٢٦ .

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٨ .

١٧٥

لتبليغها ، فأخذها الإمام علي عليه‌السلام من أبي بكر ، فذهب فبلّغها .

ثمّ يبدأ الاختلاف في الروايات ، فأكثرها تثبت رجوع أبي بكر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كئيباً أو خائفاً ، أو مستفسراً مستغرباً ، وهو يقول : « أنزل فيّ شيء » ؟ (١) .

فعلى هذه الروايات يكون أبو بكر قد رجع ولم يحجّ ، لعدم سهولة الذهاب والإيّاب ، للحوق الإمام علي عليه‌السلام بهم بعد مسير ثلاثة أيّام ، ثمّ الذهاب إلى المدينة والرجوع إليهم ، مع سيرهم وعدم توقّفهم ، إضافة لعدم ورود النقل بذهابه وإيابه في أية رواية من الروايات الكثيرة جدّاً ولو بإسناد ضعيف .

وهناك روايات أُخر تذكر بأنّ أبا بكر لمّا رأى علياً عليه‌السلام قد التحق بهم ، وعلى ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأله : أمير أم مأمور ؟ قال الإمام علي عليه‌السلام : « بل مأمور » (٢) .

فهذه الرواية ـ إن صحّت ـ فإنّهم يستدلّون بها على مواصلة أبي بكر لأمر الحجّ ، وتركه لأمر تبليغ البراءة لعلي عليه‌السلام ، ولكن حتّى لو صحّت ، فإنّه يرد على الاحتجاج بها ـ بمجرد هذه الرواية بمواصلة أبي بكر الحجّ وجعله تحت إمرة أبي بكر ـ بأنّنا لو دقّقنا في المعنى من ذلك القول ، وقارناه بقوله في رواية أُخرى : « أمير أم رسول » ؟ (٣) ، فإنّه يحتمل أنّ أبا بكر قد سأله : هل أنت بأمرك من يريد أخذ آيات براءة وتبليغها ، أم أنّك رسول ومأمور من قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

______________________

(١) السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٢٨ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩١ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٠٥ و ٣١٢ و ٣١٧ .

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٨ / ٦٧ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٤٧ ، البداية والنهاية ٥ / ٤٥ ، السيرة النبوية لابن هشام ٤ / ٩٧٢ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٦٩ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٧٤ .

(٣) ذخائر العقبى : ٦٩ ، سنن الدارمي ٢ / ٦٧ ، سنن النسائي ٥ / ٢٤٧ ، السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٤١٦ و ٥ / ١٢٩ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٢ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٢٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٣١٧ ، جواهر المطالب ١ / ٩٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٦١ .

١٧٦

فأجابه عليه‌السلام بأنّه رسول ومأمور ، لا آمر بنفسي ومجتهد برأيي ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أرسله على ناقته المعروفة ، والتي لا يستغني عنها بحال ، لكيلا يكذّب أمير المؤمنين ، أو يشكّك بدعوته الإرسال والأمر بذلك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وبالنظر في الروايات والمواقف الأُخرى فإنّنا نستطيع قول ما يلي :

١ ـ ما يرجّح كفّة الروايات التي تذكر رجوع أبي بكر فور وصول الإمام علي عليه‌السلام كونها أكثر عدداً وطرقاً ، ممّا يقوّي ويصحّح صدورها ، دون التي تذكر بقاء أبي بكر واستمراره ، ولا نستطيع الجمع بين الروايتين ، لأنّ الحادثة واحدة ، والفعل واحد ، ومتون الروايات متعارضة بل متناقضة ، فينبغي ترجيح إحداهما على الأُخرى ، وخصوصاً بما ذكرناه من قوّة وكثرة أسانيدها وطرقها ، وأكثرها تصرّح : بأنّ علياً عليه‌السلام أخذها منه حينما لحق به ، وذهب بها إلى مكّة ليبلغها ، ولم تذكر الرواية الحجّ أو الطاعة لأبي بكر ، أو المسير معه وتحت إمرته .

٢ ـ وكذلك عدم وجود أيّ حادثة سابقة أو بعثة أو غزوة أو مهمّة يكون فيها أمير المؤمنين علي عليه‌السلام مأموراً ، وليس أميراً وقائداً ، إلّا تحت إمارة وقيادة وإمامة النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خلاف أبي بكر وغيره ، فإنّه قد تأمّر عليهم غيرهم ، ممّا يجعلنا نجزم بعدم إمارة أبي بكر في تلك الحجّة ، وعلي موجود فيهم ، وإلّا لأرسله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله معهم منذ البداية ، أو لبيّنت جميع أو أغلب الروايات ذلك الأمر المهمّ من إمارة أبي بكر للحجّ ولعلي عليه‌السلام .

٣ ـ لم يذكر أحد المفضّلين لأبي بكر على علي عليه‌السلام أنّه كان أميراً عليه في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو في الحجّ ، ممّا يدلّ على عدم وجود هذا الأمر ، بل إنّهم كانوا بأمسّ الحاجة لذلك يوم السقيفة ، ولم يستدلّوا على فضل أبي بكر لا بالحجّ بالناس ولا بالإمرة على علي عليه‌السلام ، بل ينقض عليهم سقيفتهم عزله حينئذ وعدم كفاءته ، وعدم خلافته لمقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

والأحاديث تنصّ بوجوب كون التبليغ من قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من هو منه

١٧٧

كي يؤدّي عنه ، ومعنى « منّي » يستعملها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كثيراً ، بمعنى مشابهته واتباع طريقته وسنّته ، والتزامه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دائماً ومطلقاً ، وقد أكّد ذلك سابقاً بقوله لعلي عليه‌السلام : « أنت منّي وأنا منك » (١) .

وفي حديث آخر : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » (٢) .

٤ ـ إنّ الروايات عموماً تنصّ على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر بتبليغ آيات براءة ، ولم تذكر الروايات على بعثه كأمير للحجّ ، وخصوصاً كون الحجّ في ذلك العام مختلطاً ، فيه المسلم والمشرك ، والمتستّرون والعراة ، وكذلك أحكام الحجّ كانت غير متكاملة ، بل مشابهة لحجّ الجاهلية ، بل لم يكن الغرض منها إلّا التبليغ ، والتهيئة لحجّة الوداع ، ولذلك أردفها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بحجّة الوداع ، دعا لها جميع المسلمين ، وقال عندها : « خذوا عنّي مناسككم » (٣) ،

______________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ١٦٨ ، خصائص أمير المؤمنين : ٨٨ و ١٥١ ، فتح الباري ٧ / ٣٩٠ ، تحفة الأحوذي ٦ / ٢٦ ، المصنّف للصنعاني ١١ / ٢٢٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٢٧ و ١٦٨ ، صحيح ابن حبّان ١١ / ٢٣٠ ، نظم درر السمطين : ٩٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩٩ و ١٣ / ٢٥٨ ، كشف الخفاء ١ / ٢٠٥ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٤٣ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٤٧٥ و ٤ / ٢١٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٣ و ٦٣ و ١٧٩ ، تهذيب الكمال ٥ / ٥٤ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٦٧ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ٤٤٣ ، سبل الهدى والرشاد ٥ / ١٩٥ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٠٤ و ٣ / ٢٧٨ .

(٢) فضائل الصحابة : ١٥ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٥٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ، الآحاد والمثاني ٣ / ١٨٣ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٢٨ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٠ ، المعجم الكبير ٤ / ١٦ ، نظم درر السمطين : ٧٩ ، الجامع الصغير ٢ / ١٧٧ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ ، كشف الخفاء ١ / ٢٠٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٣١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٥ ، تهذيب الكمال ٥ / ٣٥٠ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ٢١٢ ، الجوهرة : ٦٣ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٣٢ و ٧ / ٣٩٤ ، ينابيع المودّة ٢ / ٧٨ و ٩٦ و ٣ / ١٤٣ .

(٣) شرح مسلم ٩ / ٢١ ، فتح الباري ١ / ١٩٣ و ٤١٩ و ٣ / ٣٨٨ و ٤٦٤ ، تحفة الأحوذي ٣ / ٤٧٩ و ٥٥١ ، كشف الخفاء ١ / ٣٧٩ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ / ١٨٤ و ٤١٠ و ٤٢٩ ، فتح القدير ١ / ٢٠٤ ، سير أعلام النبلاء ٦ / ٣٤٣ ، الإصابة ١ / ٤٢ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٠٣ و ٢٣٤ ، سبل الهدى والرشاد ٨ / ٤٧٥ .

١٧٨

فأيّ حجّ وأيّ مناسك قام بها أبو بكر ، وتشرّف بإحيائها ، أو نشرها ، أو علّمها للمسلمين ؟!

فقد نقل ابن كثير عن ابن إسحاق رواية فيها : « ثمّ مضيا ـ أبو بكر وعلي ـ فأقام أبو بكر للناس الحجّ إذ ذاك في تلك السنّة على منازلهم من الحجّ التي كانوا عليها في الجاهلية » (١) .

فالحجّ لم يكن مقصوداً ، بل لأنّه يجتمع فيه المشركون ، فأوقعه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الموسم ، ليسمعوا البراءة والأحكام الجديدة في عدم جواز الطواف بعد العام بالبيت عراةً وغير ذلك ، تمهيداً وتوطئة لحَجّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في العام القادم ، وقد أقيلَ أبو بكر عن تبليغ البراءة ، فماذا بقي له ليستمر به ؟!

٥ ـ ما روي من ذكر إمرة أبي بكر في الحجّ ، فمداره والعمدة في إثباته على حديثين ، أحدهما موقوف على تابعي ، وهو حميد بن عبد الرحمن ، يقول : إنّ أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذّنين يوم النحر ، نؤذّن بمنى أن لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .

قال حميد بن عبد الرحمن : ثمّ أردف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً ، فأمره أن يؤذّن ببراءة ، قال أبو هريرة : « فأذّن معنا علي في أهل منى يوم النحر : لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان » (٢) .

رواه البخاري عن أبي هريرة ، وهو يتعارض مع رواية غير البخاري لحديث أبي هريرة ، مثل رواية محرر بن أبي هريرة عن أبيه قال : « جئت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مكّة ببراءة ، قال : ما كنتم تنادون ، قال : كنّا ننادي : أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ... » (٣) .

______________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٤٧ .

(٢) صحيح البخاري ١ / ٩٧ .

(٣) سنن النسائي ٥ / ٢٣٤ ، فتح القدير ٢ / ٣٣٤ .

١٧٩

فتلك الرواية لم يخرجها سوى البخاري ، وأمّا رواية محرر هذه ، فقد أخرجها وصحّحها كثير من أئمّة الحديث ، والكتب المعتبرة غير البخاري ! فلا أدري من أين جاء البخاري بهذه الرواية لينفرد بها عن أقرانه من سائر المحدّثين ؟!

وأمّا الرواية الثانية ، وهي رواية النسائي (١) التي تصرّح ببقاء أبي بكر في الحجّ ، فقد رواها عن أبي الزبير عن جابر ، وأبو الزبير معروف بالتدليس المعيب المسقط للرواية ، فهي ساقطة كرواية البخاري عن أبي هريرة .

وكذلك يرد ويشكل على رواية أبي هريرة ما قاله الطحاوي في مشكل الآثار : « هذا مشكل ... فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه بالتأذين ، مع صرف الأمر عنه في ذلك إلى علي » ! وهذا يبيّن كذب رواية البخاري عن أبي هريرة لمخالفتها مشهور الروايات .

وأمّا رواية جابر ، فيشكل الاستدلال بها أيضاً ، لأنّها لا تنصّ على إمارة أبي بكر على علي عليه‌السلام ، لقوله فيها : فقال له أبو بكر : أمير أم رسول ؟ قال : « لا بل أرسلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببراءة أقرؤها على الناس ... » (٢) .

٦ ـ وأمّا الروايات التي تذكر رجوع أبي بكر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيظهر منها المباشرة وعدم تأخّره إلى ما بعد إتمام مراسم الحجّ ، فإنّ أدوات العطف المستعملة فيها لا تدلّ على التراخي ، وإنّما المباشرة والاتصال في الأحداث ، كقولهم : فرجع أبو بكر ، فأخذ منه الكتاب ، فانصرف إلى المدينة وهو كئيب ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... ، وهذا ما أثبته ابن حجر في فتح الباري بقوله : « قال العماد بن كثير : ليس المراد بأنّ أبا بكر رجع من فوره ، بل المراد رجع من حجّته ، قلت : ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة » (٣) .

______________________

(١) سنن النسائي ٥ / ٢٤٧ .

(٢) سنن النسائي ٥ / ٢٤٧ .

(٣) فتح الباري ٨ / ٢٤١ .

١٨٠