موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ١

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-01-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-00-3

الصفحات: ٥٧٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وكذلك قوله : ( لِصَاحِبِهِ ) ليست فيها فضيلة ، فالصحبة قد تكون بين المؤمن والكافر ، قال الله تعالى : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ) (١) ، وقال تعالى مخاطباً المشركين : ( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (٢) ، وقال تعالى في قصّة يوسف مع أصدقائه المشركين : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) (٣) .

بل يمكن إطلاق الصحبة بين العاقل وغير العاقل كقوله :

إنّ الحمار مع الحمير مطية

فإذا خلوت به فبئس الصاحب

فإذاً لفظ الصحبة ليس فيه فضيلة .

وكذلك قوله : ( لَا تَحْزَنْ ) ليس فيه فضيلة ، لأنّ الحزن ليس أمراً حسناً ومرغوباً بلحاظ نهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه .

وكذلك قوله : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ليس فيه فضيلة ؛ لأنّه يريد أن ينبهه على أنّ الله تعالى لا يغفل عنهم وهو معهم ، فلا داعي ولا مبرّر للحزن .

وأمّا قوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فالضمير يعود للنبيّ لئلا يلزم التفكيك بين ضمائر الآية المتقدّمة والمتأخّرة ، فثبت أنّ الآية ليس فيها فضيلة لأبي بكر بتاتاً .

ونقول أيضاً : إنّ السكينة بما أنّها جاءت بلفظ المفرد ، وثبت رجوعها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وحده ، فهي إذاً لا تشمل أبا بكر ، وإلّا لو كانت شاملة له لثنّاها الله تعالى كما في الآيات الأُخرى ، كقوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ) (٤) .

______________________

(١) الكهف : ٣٧ .

(٢) التكوير : ٢٢ .

(٣) يوسف : ٣٩ .

(٤) الفتح : ٢٦ .

١٤١

وقال تعالى : ( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) (١) .

فلو كان أبو بكر مقصوداً مع الرسول فضلاً عمّا إذا كان وحده ـ لثنّى بالآية وقال : فأنزل الله سكينته عليهما ، مع أنّه أفرد الضمير ، فإذاً أبو بكر لا يدخل في الآية مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فضلاً عن أن يكون الضمير راجع له فقط .

وقد حاول الآلوسي دفع هذا الكلام بكلام أطال فيه من دون جدوى أو معنى ، وأتعب نفسه في موطن لا يستحقّ فيه ذلك لوضوح المعنى وظهوره ، من شاء فليراجعه (٢) .

ونضيف إلى ذلك أمراً آخر وهو : إنّ أهل السنّة في آية التطهير وهي قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) ، قالوا بأنّها نازلة في أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ سياق الآية يتحدّث حولهن وما يلزمهن ، قال تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) (٤) .

فيستدلّ أهل السنّة بوحدة السياق على نزول الآية في نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودخول بقية أهل البيت في الآية دخولاً حكيماً ! مع أنّ الآية واضحة في تبدّل الصورة الفنية فيها واللحن الخطابي إذ إنّ سياق الآيات هو سياق نصح وإرشاد وتهديد ، وانتهاء الآية بنون النسوة ، بخلاف آية التطهير فإنّ الكلام فيها تلطيف وأريحية

______________________

(١) التوبة : ٢٦ .

(٢) روح المعاني ٥ / ٢٨٩ .

(٣) الأحزاب : ٣٣ .

(٤) الأحزاب : ٣٢ ـ ٣٤ .

١٤٢

في جوّها وعدم ذكر ضمير النسوة ، وإنّما أوتي بضمير المذكّر .

أقول : أهل السنّة استدلّوا بوحدة السياق لإثبات أنّ آية التطهير واردة في نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورفضوا ما ذكر من الأدلّة على عدم ورودها في حقّ نساء النبيّ ، بينما هنا في آية الغار يعكسون الأمر تماماً ، فيخرجون الآية من سياقها وصورتها القرآنية الفنية ، والجوّ المشحون بالارتباط بين الله ورسوله ، وإنزال السكينة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأجل ذلك الارتباط مع الله تعالى ، يخرجون ذلك كلّه ويجعلونه في حقّ أبي بكر ، مع أنّ وحدة سياق الآية وصورتها الفنية واضحة الدلالة على أنّ السكينة نزلت على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط دون غيره !! فما لكم كيف تحكمون ؟ وبأيّ ميزان تكيلون !

« كميل ـ الكويت ـ ... »

من روى قوله : وددت أنّي لم أكشف ... :

س : أجد الكثير من الروايات التي لا أعلم مدى صحّتها عند أهل السنّة ، فأرجو تزويدي بالمصادر الموثّقة عندنا ، أو عند أهل السنّة ، حتّى تتمّ الحجّة عليهم :

قول أبي بكر قبيل وفاته : « إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتهن ، ووددت أنّي تركتهن ... ، وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ... » ، ولكم منّا جزيل الشكر والامتنان .

ج : قد روى هذا القول الطبري في تاريخه (١) ، والطبراني في معجمه (٢) ، والهيثمي في معجمه (٣) ، وغيرهم من كبار علماء أهل السنّة (٤) .

______________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦١٩ .

(٢) المعجم الكبير ١ / ٦٢ .

(٣) مجمع الزوائد ٥ / ٢٠٣ .

(٤) أُنظر : شرح نهج البلاغة ٢ / ٤٦ و ١٧ / ١٦٤ ، كنز العمّال ٥ / ٦٣١ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٤١٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٣٧ .

١٤٣

« أبو محمّد ـ البحرين ـ ... »

قول ينفي وجوده في الغار :

س : بعد الشكر الجزيل والدعاء لكم بالتوفيق ، أرجو أن تتفضّلوا علينا بمعلومات ، عن كتاب الشيخ نجاح الطائي ، الذي يثبت فيه عدم وجود أبو بكر في الغار مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهل الكتاب موجود في سجل الكتب في صفحة العقائد ؟

ج :بالنسبة للكتاب فهو غير موجود في موقعنا على الإنترنت ، والكتاب عبارة عن طرح نظرية تقول : بأنّ أبا بكر لم يكن مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ، وهذا القول هو أحد الأقوال في المسألة ، لا نجزم بصحّته ولا ننفيه ، مادام له مؤيّدات ، وقابل للبحث والنقد والأخذ والردّ .

« كميل ـ الكويت ـ ... »

ليس هو الصدّيق الأكبر :

س : بارك الله جهودكم ، ووفّقكم لنصرة الحقّ .

أحببت أن أعرف : ما أصل تسمية أبو بكر بالصدّيق ؟ هل كان ذلك في زمن الرسول أم بعده ؟ وهل كما يقول أهل السنّة : سمّي بذلك لتصديقه الرسول ؟ مع خالص الشكر والامتنان .

ج : وردت عدّة روايات تذكر أنّ الصدّيق هو الإمام علي عليه‌السلام .

فعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب ، وهو أفضلهم » (١) .

______________________

(١) الرسالة السعدية : ٢٤ ، مسند زيد بن علي : ٤٠٦ ، العمدة : ٢٢١ ، الطرائف : ٤٠٥ ، ذخائر العقبى : ٥٦ ، الجامع الصغير ٢ / ١١٥ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠١ ، فيض القدير ٤ / ٣١٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٠٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣ و ٣١٣ ، جواهر المطالب ١ / ٢٩ ، ينابيع المودّة ٢ / ٩٥ و ١٤٤ و ٤٠٠ .

١٤٤

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « صدّيق هذه الأُمّة علي بن أبي طالب ، وهو الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم » (١) .

وعن الإمام علي عليه‌السلام : « أنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب » (٢) .

وهكذا وردت عدّة روايات في كتب الفريقين في تفسير قوله تعالى : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (٣) ، أنّ الذي جاء بالصدق هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي صدّق به هو علي عليه‌السلام (٤) .

وقوله تعالى : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٥) أنّ مع الصادقين هو الإمام علي عليه‌السلام (٦) .

وقوله تعالى : ( أُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ) (٧) ، إنّ من الصدّيقين الإمام علي عليه‌السلام (٨) ، وعليه ثبت أنّ علياً عليه‌السلام

______________________

(١) اليقين : ٤١٣ ، نهج الإيمان : ٥١٥ .

(٢) الخصال : ٤٠٢ ، الفصول المختارة : ٢٩٧ ، كنز الفوائد : ١٢٥ ، الصراط المستقيم ١ / ٢٨٢ و ٣ / ٢٣٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٨ ، الآحاد والمثاني ١ / ١٤٨ ، كتاب السنّة : ٥٨٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٠٧ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٦ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٢ ، فيض القدير ١ / ٦٩ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٥١٤ ، البداية والنهاية ٣ / ٣٦ .

(٣) الزمر : ٣٣ .

(٤) مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٨ و ٣ / ٥٥ ، العمدة : ٣٥٣ ، الطرائف : ٧٩ ، معاني القرآن ٦ / ١٧٥ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٧٨ ، فتح القدير ٤ / ٤٦٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٣٥٩ .

(٥) التوبة : ١١٩ .

(٦) كمال الدين وتمام النعمة : ٢٧٨ ، المسترشد : ٦٤٧ ، شرح الأخبار ٢ / ٣٤٣ ، الأمالي للشيخ الطوسي : ٢٥٥ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٨ ، تفسير القمّي ١ / ٣٠٧ ، تفسير فرات الكوفي : ١٧٣ ، خصائص الوحي المبين : ٢٣٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٤١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٦١ .

(٧) النساء : ٦٩ .

(٨) كفاية الأثر : ١٨٣ ، المسترشد : ٣٢٥ ، شرح الأخبار ٢ / ٣٥٠ ، مناقب آل أبي طالب ١ / ٢٤٣ و ٣ / ٢٨ ، الصراط المستقيم ٢ / ١٢٢ ، تفسير القمّي ١ / ١٤٢ ، شواهد التنزيل ١ / ١٩٦ .

١٤٥

هو الصادق والمصدّق والصدّيق .

ولكن أعداءه عليه‌السلام وبالخصوص بني أُمية لم يتحمّلوا هذه المنقبة لعلي عليه‌السلام ، فأخذوا يفترون أحاديث على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذباً وزوراً ، ويثبتون هذه المنقبة لأبي بكر منها : « إنّ الله جعل أبا بكر في السماء صادقاً ، وفي الأرضيين صدّيقاً » (١) .

ولكن السيوطي جعل هذا الحديث من الموضوعات في كتابه (٢) .

وممّا تقدم يظهر أنّ تسمية أبي بكر بالصدّيق لم تكن في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل ولا في زمانه ، وإلّا لاستفاد من هذه المنقبة في إثبات خلافته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واثبات صحّة تصرّفه في فدك ، بل جاءت التسمية له بعد وفاته .

« معاذ الأردن ـ سنّي ـ ٣٣ سنة ـ طالب جامعة »

علّة معيّته مع النبيّ في الغار :

س : إنّكم تفترضون سوء النية سلفاً في أبي بكر ، فأدّى هذا الأمر بكم إلى شطحات مضحكة ، لا يتقبّلها عاقل ، من قبيل : إنّ الرسول اصطحب أبا بكر معه لخوفه منه ، أو أنّه وجده في الطريق !

فلماذا لم يفضح الرسول أمر أبا بكر حينما وصل المدينة ؟ وقوي أمره ؟

أمّا قول : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، وأنّ الخطاب للرسول بصيغة الجمع ، فإنّ أيّ مطّلع على بديهيات اللغة العربية يرى من الآية أنّ الخطاب هو من الرسول لأبي بكر .

فالرجاء أن تبقوا ضمن حدود المنطق ، ولا تجنحوا بعيداً بسبب حقدكم الغريب على أبي بكر وعمر .

ج : إنّ الشيعة ليست لديها أحكام مسبقة على الآخرين من دون تقييم أعمالهم ، فما صدر عنهم فهو عن دليل وبرهان ، قد لا يخضع له المتعصّب ،

______________________

(١) شوارق النصوص ١ / ٣٦٥ .

(٢) كتاب المناقب ، كما عنه في شوارق النصوص ١ / ٣٦٦ .

١٤٦

ولكن يرتضيه العقل السليم .

وبالنسبة لقصّة الغار ، فلسنا الوحيدين في هذا المجال ، فقد جاء على لسان بعض علماء أهل السنّة ما يلي : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر علياً فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلهم عليه ، فأخذه معه ، ومضى إلى الغار (١) .

وأيضاً يذكر الطبري في تاريخه : « إنّ أبا بكر كان لا يعلم بهجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعندما سأل الإمام علي عليه‌السلام ، أخبره بذلك ، أسرع ليلتقي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرآه في الطريق ، فأخذه النبيّ معه » (٢) ، فترى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما أخذ أبا بكر على غير ميعاد .

وأمّا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لماذا لم يفضح أمر أبي بكر في المدينة ؟ فهذا يدخل في ضمن المصالح التي كان يراعيها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقابل المنافقين ، لأجل الحفاظ على المجتمع الإسلامي من خطر التشتت والانهيار ، إذ كان الناس جديدي عهد بالدين ، فلم يكن من مصلحتهم أن يبادرهم بهذا الأمر .

ثمّ تلك الفقرة من الآية : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) لا تدلّ على فضيلة ثابتة ، أو منقبة خاصّة ، بل قد ثبت عند علماء المعاني والبيان : أنّ التأكيد يدلّ على شكّ المخاطب ، وعدم يقينه للموضوع ، أو توهّمه خلاف ذلك ، والآية مؤكّدة بـ « أنّ » ، فيظهر أنّ مخاطب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان شاكّاً في الحقّ ، وهذا أيضاً من بديهيات اللغة العربية !!

« سلمان ـ البحرين ـ ... »

حديث الصادق : ولدني أبو بكر مرّتين :

س : سؤالي بالنسبة لقول الإمام جعفر الصادق : « ولدني الصدّيق مرّتين » ، هل هذا حديث صحيح ؟

______________________

(١) النور والبرهان ، كما في ليالي بيشاور : ٣٥٤ .

(٢) تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ١٠٠ .

١٤٧

وثانياً : لو كان صحيحاً فهل يعتبر فضيلة لأبي بكر ؟ ودمتم رمزاً للحقّ والعدالة ؟

ج : إنّ قول الإمام الصادق عليه‌السلام : « ولدني أبو بكر مرّتين » يتناقله العامّة عند ذكر فضائل أبي بكر .

والحديث ينقله صاحب كتاب « كشف الغمّة » للأربلي ـ وهو من الإمامية ـ إلا أنّه صرّح في مقدّمة كتابه فقال : واعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور ، ليكون أدعى لتقبّله بالقبول .

فنقل في كتابه « كشف الغمّة » : وقال الحافظ عبد العزيز الأخضر الجنابذي وهو من العامّة في ذكر أُمّ الإمام جعفر الصادق ... ، ولذا قال جعفر : « ولدني أبو بكر مرّتين » (١) .

ولكن عندما نقل الفضل بن روزبهان الحديث عن « كشف الغمّة » أضاف إليه الصدّيق ، فصار الحديث : « ولدني أبو بكر الصدّيق مرّتين » ، وهذا شأنهم لرفع فضائل أصحابهم .

ومع التسليم أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام قاله ، فلا دلالة في كلامه هذا على الثناء والتعظيم ، بل الظاهر أنّه ذكر ذلك عند تفصيل حال الآباء والأُمّهات ، لأنّ أُمّ الإمام عليه‌السلام هي أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فيكون أبو بكر جدّاً لأُمّ فروة من جهة الأب ومن جهة الأُمّ ، فعبّر الإمام عليه‌السلام بهذا التعبير ، ولا يكون فضلاً ، لأنّ الله تعالى يقول : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (٢) .

فإنّ أبا بكر وإنّ كان ما كان فإنّه يخرجُ الخبيث من الطيّب ، ويخرج الطيّب من الخبيث ، فهذا سام بن نبيّ الله نوح عليه‌السلام ، ما ضرّ أبوه عمله ، ولا

______________________

(١) كشف الغمّة ٢ : ٣٧٤ .

(٢) المدثر : ٣٨ .

١٤٨

نفعه قربه من أبيه ، بل الذي ينفع هو قوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) .

ثمّ إنّ نفس محمّد بن أبي بكر على طرف نقيض مع أبيه ، فهو من خلّص أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقتل في سبيل الدفاع عن أمير المؤمنين ، ولعلّه يكون السبب في التناسب بين الإمام عليه‌السلام وبين أبناء محمّد بن أبي بكر .

وخلو الحديث لو سلّمنا به عن لفظة الصدّيق ، أو أيّ لفظة أُخرى سوى أبو بكر يشعر بعدم إرادة المدح .

« أحمد ـ البحرين ـ ٤٢ سنة ـ طالب أكاديمي »

صلاته :

س : هل لكم أن تذكروا الرواية التي تقول : إنّ أبا بكر لم يخرج للصلاة بأمر النبيّ ، وأنّ النبيّ لما سمع ذلك خرج وصلّى بالناس ، ونحّى أبا بكر ، وياليت أن تذكروا سندها ، ودمتم سالمين .

ج : ورد في كتاب « بحار الأنوار » (٢) وكتب أُخرى : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأمر أبا بكر بالصلاة ، وهكذا ورد في بعض كتب أهل السنّة ، مثل « شرح نهج البلاغة » (٣) .

ودعوى أنّ ذلك كان بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعوى باطلة من وجوه :

الأوّل : إنّ الاتفاق واقع على أنّ الأمر الذي خرج إلى بلال ـ قل لأبي بكر يصلّي بالناس ، أو قل للناس : صلّوا خلف أبي بكر ـ كان بواسطة بينهما ، لأنّ بلالاً لم يحصل له الإذن في ذلك الوقت بالدخول على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو على الحالة التي كان عليها من شدّة المرض ، وإذا كان بواسطة احتمل كذب

______________________

(١) الحجرات : ١٣ .

(٢) بحار الأنوار ٢٨ / ١٣٥ .

(٣) شرح نهج البلاغة ٩ / ١٩٧ .

١٤٩

الواسطة ، لأنّ الواسطة غير معصوم عن الكذب ، والخبر المحتمل الكذب لا يكون حجّة ، لجواز أن يكون بغير أمر النبيّ ولا علمه كما تذهب إليه ، ويدلّ عليه خروج النبيّ في الحال لمّا علم ، وعزله أبا بكر وتوليه الصلاة بنفسه .

الثاني : إنّه لو كان بأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لكان خروج النبيّ مع ضعفه بالمرض وتنحيته أبا بكر عن المحراب ، وتوليه الصلاة بنفسه بعد صدور أمره بتقديمه ، مناقضة صريحة لا تليق بشأن من لا ينطق عن الهوى ، لأنّ الاتفاق واقع على أنّ أبا بكر لم يتمّ الصلاة بالناس ، وقد رواه أهل السنّة في كثير من مصنّفاتهم .

الثالث : لو سلّمنا جميع ذلك ، يعني أنّ الأمر من الرسول مشافهة ، وأنّه يدلّ على الإمامة ، لكان خروج النبيّ في مرضه وعزله له مبطل لتلك الإمامة ، لأنّه نسخها بنفسه ، فكيف يكون ما نسخه النبيّ بنفسه حجّة على ثبوته ؟!

ثمّ إنّ عزل النبيّ له بعد تقديمه إنّما كان لإظهار نقصه عند الأُمّة ، وعدم صلاحيته للتقديم في شيء أصلاً ، فإنّ من لا يصلح أن يكون إماماً للصلاة ، كيف يصلح أن يكون إماماً عامّاً ، ورئيساً مطلقاً مطاعاً لجميع الخلق ؟!

وإنّما كان قصده صلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان الأمر صدر منه أن يظهر نقصه ، وأنّه غير صالح للتقديم للناس ليكون ذلك حجّة عليهم ، ولئلا يكون لهم عذر غداً عند الله بجهلهم حال هذا الرجل ، وما أشبه هذه القصّة بإعطاء سورة براءة وعزله عنها ، وإنفاذه بالراية يوم خيبر ، فإنّ ذلك كلّه كان لإظهار نقصه ، وبيان أنّه لا يصلح لشيء من الأشياء ، ولا لأمر من الأُمور البتة ، وأراد الله ورسوله إظهار نقصه للناس ليعرفوه فلا يغتروا به ، وإلّا فكيف يأمره بتبليغ آيات من القرآن ، ثمّ يعزله عنها ؟ أتظنّ أنّ ذلك كان تشهّياً من رسول الله ؟ كلّا فما كان أمره وعزله إلّا بوحي من ربّه ، لا ينطق عن الهوى .

والعجب ، كيف يستدلّون على إمامته بالصلاة التي عزل عنها ، ولم يتمّها بالإجماع ، ولا يستدلّون على إمامة علي عليه‌السلام باستخلاف النبيّ له على المدينة يوم غزوة تبوك ، المتّفق على نقله عنه ، وحصوله منه صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي ، وعدم عزله عنها بالاتفاق ؟!

١٥٠

« يونس مطر سلمان ـ البحرين ـ ١٧ سنة ـ طالب ثانوية »

لا يمكن أن يكون من المصطفين :

س : قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ... ) ، ويقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « ولدني أبو بكر مرّتين ... » وهذا حديث صحيح ، والكلّ يعرف أنّ هذه الآية نزلت في حقّ أهل البيت والأئمّة من ذرّيتهم .

ولو رجعنا للإمام جعفر الصادق نرى أنّ أُمّه تنتسب إلى أبي بكر ، معنى ذلك أنّ أبا بكر ذرّية بعضها من بعض ، ونور على نور ، ما هو تفسيركم لهذا ؟! أرجو الردّ مشكورين ، ودمتم موفّقين في رعاية الله .

ج : قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (١) .

إنّ الكلام في هذه الآية على من اصطفاه الله من الرسل والأنبياء والأوصياء على بقية الخلق ( الْعَالَمِينَ ) ، وأنّ من اصطفاهم ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) ، فلا يزال في الناس من آل إبراهيم مصطفى مادام هناك من يحتاج إلى إمام وحجّة على الأرض ، وقلنا : إنّ هذا المصطفى من آل إبراهيم لقوله تعالى : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) ، وقد ثبت في موضعه بما لا يقبل الشكّ أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وأولاده المعصومين عليهم‌السلام هم المصطفون من آل إبراهيم .

فبعد إبراهيم أصطفى إسماعيل وهكذا ، حتّى وصلت إلى هاشم وعبد المطّلب ، ثمّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام ، ثمّ الحسن والحسين ، ثمّ بقية الأئمّة عليهم‌السلام ، فكلّهم ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) .

ثمّ ليس كلّ ذرّية الأنبياء مصطفون ، وإنّما يصطفي الله من اختاره منهم خاصّة .

ولا يمكن أن يكون أبو بكر من المصطفين ، فإنّه وأباه كانا مشركين ، ولأنّه سيكون من بطن دون بطنهم جميعاً ، فلا تصدق فيه ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن

______________________

(١) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤ .

١٥١

بَعْضٍ ) إذ لا يصدق بين أبي بكر والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلاً ذرّية بعضها من بعض ، ولاحظ قوله : ( بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) أي بعض الذرّية وهي المصطفاة من بعض الآباء وهم من اصطفي من الأنبياء والرسل والأوصياء السابقين .

فإنّ الوصاية والعلم وميراث النبوّة كان ينتقل في بيوت الأنبياء ، من بيت إلى بيت في ذرّيتهم ، ليس كلّ ذرّيتهم ، وإنّما البيوت المصطفاة ، قال الله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ... ) (١) ، وهي بيوت الأنبياء والرسل والأوصياء .

فإبراهيم عليه‌السلام هو أصل الشجرة الواردة في القرآن ، وقد ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها هو وأهل بيته ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (٢) .

وإلّا إذا ادعى مدّع أنّ ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) تشمل كلّ ذرّية الأنبياء ، فالبشر كلّهم ولد آدم ، وهو من المصطفين ، فهل البشر كلّهم مصطفون ؟ وأيّ اختصاص إذاً لآل إبراهيم وآل عمران ؟!

ثمّ هل تقول : أنّ أُمّهات الإمام الصادق عليه‌السلام كن من الرسل أو الأنبياء أو الأوصياء ؟!

ثمّ إنّ التوالد في الذرّية بلحاظ انتقال النطفة من الأصلاب والأرحام ، وهو لا يشمل نسب الأُمّ ، لأنّ قبل الرحم كان في صلب الأب ورحم أُمّ الأب ، وقبله في صلب أب الأب وهكذا ، بنحو دوري لا بنحو مستقيم ممتد في جانب الأُمّهات .

« أبو فاطمة ـ ... ـ ... »

ما نقل من مدح علي له ضعيف :

س : الوهّابية يستدلّون بهذا القول علينا في المنتديات الحوارية ، بما ورد في « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري

______________________

(١) النور : ٣٦ .

(٢) النور : ٣٥ .

١٥٢

البغدادي ، أنّه قال : جاء أبو سفيان إلى علي عليه‌السلام فقال : ولّيتم على هذا الأمر أذلّ بيت في قريش ... على أبي فضيل خيلاً ورجالاً ، فقال علي عليه‌السلام : « طالما غششت الإسلام وأهله ، فما ضررتهم شيئاً ، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجالك ، لولا أنّا رأينا أبا بكر لها أهلاً ما تركناه » (١) ، سأستشيركم قبل الردّ عليهم الأفكار التي لدي حالياً ، هي :

١ ـ رغم أنّ كتاب شرح النهج هو حجّة عليهم أكثر منّا ، لأنّ شارحه ـ وهو ابن أبي الحديد معتزلي وليس شيعياً ، ولكنّهم غير مقتنعين .

٢ ـ راجعت كتاب السقيفة وفدك للجوهري البغدادي ، وأطلعت على ما ذكره المحقّق هادي الأميني ، من أنّ كلّ ما ذكره ابن أبي الحديد هو من كتب أهل السنّة ، وليس من كتبنا .

٣ ـ ذكر المحقّق بأنّ النصّ المذكور موجود في تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٢ ، عن محمّد بن عثمان بن صفوان الثقفي ، وقد قال عنه أبو حاتم كما في ميزان الاعتدال ٣ / ٦٤١ : منكر الحديث .

٤ ـ أنّا حالياً لم أطلع على ما جاء في « تاريخ الطبري » ، ولكن يوجد اسمان متشابهان عندي ، وأنّا وقعت في حيرة من أمري والاسمان هما :

أ ـ محمّد بن عثمان بن صفوان بن أُمية بن خلف القرشي الجمحي المكّي .

ب ـ محمّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي أبو عبد الله ، وقيل أبو صفوان البصري .

فلو تلاحظ سيّدي هناك ابن صفوان ، وابن أبي صفوان ، وهذا هو الثقفي ابن صفوان ، هو من قيل عنه : منكر الحديث ، ابن أبي صفوان هو ثقة ـ وثّقه ابن أبي حاتم ـ الذي شغل انتباهي هو الثقفي ، فهل هو ابن أبي صفوان ، فقد جاء في كتاب السقيفة وفدك بأنّه الثقفي .

٥ ـ أنا إلى الآن لم أرد عليهم ، فأنّا أنتظر سماحتكم في الردّ عليهم ، وأنا بمشيئة الله تعالى سأبحث عن ما هو الاسم بالضبط من خلال الاطلاع على

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٤٥ .

١٥٣

كتاب « تاريخ الطبري » من خلال المكتبات .

٦ ـ الإمام علي عليه‌السلام لم يبايع إلّا بعد ستة أشهر ، وقول ابن أبي سفيان هو قبل ذلك ، هذا في اعتقادي ولم آتي بدليل على ذلك ! وأشكركم على الإنصات لي ، والله الموفّق .

ج : إنّ البيعة بمعناها المصافقة والالتزام والتعهّد ، لم تصدر من الإمام علي عليه‌السلام ، إنّما الذي ثبت هو هدنته معهم ، وإشاعتهم وتلقيهم ذلك منه بمنزلة البيعة ، وهذا لم يحصل إلّا بعد ستة أشهر ، كما روى ذلك البخاري والطبري وغيرهما ، ويكفي البخاري ، لأنّ كتابه أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى عندهم .

فقد روى البخاري بسنده إلى عائشة : « أنّ فاطمة عليها‌السلام بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا أفاء عليه بالمدينة وفدك ، وما بقى من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا نورّث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال » ، وإنّي والله لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ، والله لآتينهم ، فدخل عليه أبو بكر ... » (١) .

______________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٨٢ .

١٥٤

من أنّ علياً لم يبايع إلّا بعد وفاة فاطمة عليها‌السلام (١) ، بل وفي الحديث ورد : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتّى بايعه علي .

وهناك مصادر أُخرى نحن في غنى عن ذكرها بعد رواية البخاري ومسلم وغيرهما لها ، لأنّها تدلّ على صحّة هذه الرواية ، وأنّ علياً لم يبايع إلّا بعد ستة أشهر ، فكان رافضاً للأمر وغير راضٍ به أصلاً .

فهذه شهادة صريحة بعدّة أُمور :

١ ـ إنّ علياً عليه‌السلام كان رافضاً وغير راضٍ بها ، وكان سنده في هذا الرفض فاطمة عليها‌السلام ، فلمّا توفّيت حاك القوم الحبائل للإيقاع به ، فلذلك اضطرّ إلى البيعة .

٢ ـ إنّ علياً عليه‌السلام يكره عمر بن الخطّاب ، ويكره حضوره .

٣ ـ إنّ علياً عليه‌السلام استدعى أبا بكر إلى بيته ، وقال : ننظر في الأمر ، فالبيعة غير معلومة أصلاً .

٤ ـ إنّ العداوة واضحة بين الإمام علي عليه‌السلام وبين الخلفاء ، فلذلك ترى عمر يرفض بشدّة ذهاب أبي بكر إلى بيت علي وحده !! وهذا من الغرائب ، لأنّ بيت علي وفاطمة هو بيت الوصي ، فلماذا يخاف عمر ويرتاب ؟ وخصوصاً قوله : فما عسى أن يفعلوا بي ، أي عمر يخاف منه ، فما سرّ هذا الخوف ؟! وما هو السبب فيه ؟!

إنّ ذلك واضح جدّاً ، حيث إنّ عمر وأبا بكر قد انقلبا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغصبا حقّ فاطمة وهجما عليها .

والإمام علي عليه‌السلام إذا كان قد بايع فهو مضطرّ إلى البيعة ، لأنّه ذكر أنّ

______________________

(١) صحيح مسلم ٥ / ١٥٤ ، صحيح ابن حبّان ١١ / ١٥٣ و ١٤ / ٥٧٣ ، مسند الشاميين ٤ / ١٩٨ ، البداية والنهاية ٥ / ٣٠٧ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٥٦٨ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٢ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣١ .

١٥٥

سبب بيعته أنّ راجعة الإسلام قد رجعت ، قال الإمام علي عليه‌السلام : « فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر ، وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ، ورأيت أنّي أحقّ بمقام محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس ، ممّن تولّى الأمر من بعده ، فلبث بذلك ما شاء الله ، حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين الله ، وملّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أُموركم ، التي هي إنّما متاع أيّام قلائل ... » (١) .

فهذه الخطبة تبيّن سبب مهادنته وإصلاح الوضع القائم ، بما يصبّ في مصلحة ذات الإسلام ، أمّا أنّه هل مدح خلافة أبي بكر ؟ ـ كما نقلتم في السؤال ـ فلم تذكره هذه الخطبة الشريفة ، وإنّما بيّنت فقط سبب البيعة ، وأنّه لماذا بايع ، هذا أوّلاً .

وثانياً : ذكر ابن أبي الحديد ما هو خلاف ذلك ، حيث قال : « ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي عليه‌السلام : وأعهدك أمس تحمل عقيلة بيتك ليلاً على حمار ، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصدّيق ، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلّا دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدليت إليهم بابنيك ... ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حرّكك وهيّجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ، فما يوم المسلمين منك بواحد ... » (٢) .

فهذا يدلّ على أنّ علياً عليه‌السلام أجاب خلاف ذلك الذي ذكرتموه ، والذي نقله الطبري ، فهذا صريح في أنّ الإمام علي عليه‌السلام كان رافضاً للبيعة ، وكأنّه لم يقم لعدم وجود الناصر ، ولم يؤيّد بيعة أبي بكر ، كما رواه الجوهري البغدادي .

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٦ / ٩٥ ، الإمامة والسياسة ١ / ١٧٥ .

(٢) شرح نهج البلاغة ٢ / ٤٧ .

١٥٦

وثالثاً : نقل ابن أبي الحديد قولاً آخر ، أجاب به علي عليه‌السلام أبا سفيان ، حيث قال : مرّ أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام فوقف وأنشد :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

ولاسيّما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكم وإليكم

وليس لها إلّا أبو الحسن علي

فقال علي لأبي سفيان : « إنّك تريد أمراً لسنا من أصحابه ، وقد عهد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهداً فإنّا عليه » (١) .

فإذاً ، الإمام علي عليه‌السلام أجاب بجواب آخر غير ما نقله الجوهري ـ كما ذكرتم ـ وما نقله الطبري .

وأمّا رواية الجوهري التي ذكرتموها فهي ساقطة سنداً ، لأنّ الجوهري ومن يروي عنه غير موثّق في كتب الشيعة ، بل هو موثّق عند أهل السنّة ، لأنّه عالم ومؤرّخ سنّي وليس شيعياً ، وهو غير موثّق عند الشيعة .

قال السيّد الخوئي قدس‌سره بعد أن نقل عبارة ابن أبي الحديد : أنّه يعتمد في أخبار السيرة على غير نقول الشيعة ، قال : « أقول : صريح كلام ابن أبي الحديد أنّ الرجل من أهل السنّة ... وعلى كلّ حال فالرجل لم تثبت وثاقته ، إذ لا اعتداد بتوثيق ابن أبي الحديد ... » (٢) .

وصرّح السيّد شرف الدين قدس‌سره في كتابه : بأنّه من إثبات الجمهور وأعلامهم ـ أي من أهل السنّة ـ (٣) ، وممّا يدلّ على أنّه شيء له روايات جمّة في كتب السنّة .

وهذا المزّي ينقل عن أبي أحمد العسكري في شرح التصحيف في حقّ أبي بكر الجوهري : « وكان ضابطاً صحيح العلم » (٤) .

______________________

(١) المصدر السابق ٦ / ١٧ .

(٢) معجم رجال الحديث ٢ / ١٤٢ .

(٣) أبو هريرة : ١٣٩ .

(٤) تهذيب الكمال ١١ / ٣١٨ .

١٥٧

وكذلك من يروي عنهم أبو بكر الجوهري ، فجميعهم من أعلام السنّة لا الشيعة ، فكيف يحتجّ علينا بما يرويه أهل السنّة ؟! إذ لابدّ أن يكون الاحتجاج علينا بما يرويه الشيعة الإمامية لا غير .

وأمّا كون ابن أبي الحديد شيعي فهذه مغالطة ، لأنّ التشيّع تارة يراد به تقديم علي بن أبي طالب على الشيخين ، وتفضيله عليهما ، مع الاعتقاد بصحّة خلافتهما ، وبأنّهما من العدول المؤمنين ، وهذا يسمّى تشيّع عند الذهبي (١) ، وكذلك عند الألباني في « سلسلة الأحاديث الصحيحة » .

وتارة يراد بالتشيّع هو الإيمان بخلافة علي عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه الخليفة الشرعي ، وغيره باطلة خلافته ولا تصحّ ، وهذا يسمّى رفضاً عند جميع أهل الحديث من أهل السنّة ، وخصوصاً السلفية ، كابن حجر والذهبي والألباني والغماري ، وغيرهم .

وعندنا استعمال معاصر لمعنى التشيّع حصل نتيجة كثرة الاستعمال أو الوجود الخارجي ، وهو أن يكون الشيعي مساوي للإيمان بإمامة علي وولده المعصومين عليهم‌السلام ، والاعتقاد ببطلان خلافة غيرهم .

فهذه استعمالات ثلاثة ، فمن يقول بأنّ ابن أبي الحديد شيعي يغالط في ذلك ، إذ تشيّع ابن أبي الحديد باصطلاح المحدّثين بالمعنى الأوّل ـ وهو من يقدّم علي على الشيخين ـ حيث إنّ المعنى الأوّل عند المحدّثين للشيعي هو تقديم علي على الشيخين ـ خلافاً لابن حجر العسقلاني حيث عنده تقديم علي على معاوية يعني التشيّع ـ وأمّا تقديمه على الشيخين فهو الرفض الذي يذمّ صاحبه ذمّاً شديداً ، بحيث لا تصحّ روايته ، وهو مبتدع .

وأمّا من يقدّم علي على معاوية فغالباً مطعون فيه لأنّ ابن أبي الحديد يؤمن بأنّ علياً عليه‌السلام أفضل من أبي بكر وعمر ، إذ قال في أوّل خطبة نهج البلاغة :

______________________

(١) ميزان الاعتدال ١ / ٥ ترجمة أبان بن تغلب .

١٥٨

« الحمد لله الذي تفرّد بالكمال ... وقدّم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، واختصّ الأفضل من جلائل المآثر بنفائس المفاخر ... » .

فباعتبار أنّه يؤمن بأنّ علياً أفضل من أبي بكر وعمر ، وأنّهما مفضولان ، فأصبح شيعياً باصطلاح المحدّثين ، لأنّ الأفضل هو المقدّم ، فعلي عليه‌السلام هو المقدّم ، كأنّه لم يقدّم لمصلحة ـ كما يقول ابن أبي الحديد ـ فعليه يكون ابن أبي الحديد شيعي باصطلاح المحدّثين الأوّل ، وهو من يقدّم علي عليه‌السلام على الشيخين .

لكن ابن أبي الحديد لا يكون شيعياً باصطلاح الثاني للمحدّثين ـ وهو الإيمان بخلافة علي وبطلان خلافة غيره ـ لأنّ ابن أبي الحديد من المؤمنين بصحّة خلافة الشيخين والداعمين لها ، وهذا ما يذكره من أوّل الشرح إلى آخره .

وكذلك لا يكون شيعي بهذا المعنى الحديث ـ وهو الإيمان بالإمامة ، وأنّ علياً إماماً وولده أئمّة ـ فإنّه بين هذه العقيدة وبين ما يؤمن ـ كما هو واضح في شرح النهج ـ بعد المشرقين .

فإذاً من يقول بأنّ ابن أبي الحديد شيعي يغالط في ذلك ، فتصوّر السامع أنّ ابن أبي الحديد شيعي إمامي أو زيدي ، كما ينصرف له هذا اللفظ عند السماع ، مع أنّ القائل يقصد ـ مغالطة ـ المعنى الذي يستخدمه المحدّثون ، وهو تفضيل علي عليه‌السلام على الشيخين ، فانتبه لهذا ، ولا تكن في غفلة عنه ، لأنّ هذا حتّى السلفية لم يفهموه بعد .

وأمّا الرواية التي وردت في « تاريخ الطبري » ، فهي أيضاً ساقطة سنداً ، لكن اشتبه محقّق الكتاب فقال : والحديث ليس بصحيح ، سنده محمّد بن عثمان بن صفوان ، ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ٦٤١ ، وقال : « قال أبو حاتم : منكر الحديث » (١) .

وفي كلام محقّق الكتاب خطأ ، لأنّ هناك :

______________________

(١) السقيفة وفدك : ٤٠ .

١٥٩

١ ـ محمّد بن عثمان بن صفوان بن أُمية بن خلف الجمحي الكوفي المكّي .

٢ ـ محمّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي .

أمّا الأوّل فهو الذي قال عنه أبو حاتم بأنّه منكر الحديث ، وكذلك قال الدارقطني عنه : « ليس بقوي » (١) ، وصرّح في « تقريب التهذيب » : أنّه ضعيف (٢) .

وهو لم يقع في سند رواية الطبري أصلاً ، وهنا وقع المحقّق هادي الأميني في خلل .

وأمّا الثاني فهو ابن أبي صفوان وهو ثقة ، كما قال عنه ذلك ابن حجر في « تقريب التهذيب » (٣) ، ولعلّه هو المراد في رواية الطبري ، لأنّ الذي ورد عن الطبري محمّد بن عثمان بن صفوان الثقفي غير موجود ، وإنّما الموجود ابن أبي صفوان الثقفي وهو الثقة ، كما قال عنه ابن حجر .

نعم في سند رواية الطبري مالك بن المغول ، وهو متّهم بالميل عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقد روى ابن عدي في « الكامل » (٤) في ترجمة عبد الله بن شريك ، قلت لشريك : هل لك من أخ تعوده ؟

قال : من ؟ قلت : مالك بن مغول .

قال : ليس لي بأخ من أزري على علي وعمّار بن ياسر .

إذاً ، في سند الرواية من هو متّهم بالميل عن علي عليه‌السلام فلا يمكن الأخذ بها .

مضافاً إلى أنّ رواتها كلّهم من أهل السنّة ، وليس لهم ذكر في كتب الشيعة وتراجمهم ، فلا يمكن الاعتماد عليها .

ثمّ لو تنزّلنا وقلنا : إنّ علياً عليه‌السلام قد ذكر هذا الكلام وبايع ، فإنّما ذكره ردّاً على أبي سفيان ، لأنّه رأس الطلقاء الذين كانوا يتربّصون بالإسلام الدوائر ،

______________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ / ٣٠٠ .

(٢) تقريب التهذيب ٢ / ١١٢ .

(٣) نفس المصدر السابق .

(٤) الكامل في التاريخ ٤ / ١٠ .

١٦٠