تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

المفروض إشاعة العين ووفاء (١) المال بهما ، فلا تدافع بينهما حسبما ما أشرنا إليه.

وأمّا ما يظهر من البيان من احتمال تسلّطها حينئذ على الإخراج من العين ولو من دون إذن الزوج ففيه تأمّل يأتي الإشارة إليه.

والحكم بضمانها حينئذ لحصّة الزوج غير جار (٢) على القواعد ؛ إذ غاية ما يعلم حينئذ تسلطها على إقرار حق الزكاة من دون إذن الزوج ، وهو لا يقضي بانتقال ما يستحقّه الزوج بمقتضى الإشاعة في العين المخرجة إلى الذمة ، بل قضية الإقرار تعيينه في الباقي ، فتأمل.

ومما قرّرنا ظهر أن ما أطلقه الجماعة المتقدمة غير جار على القواعد المقررة.

[ فروع ]

وينبغي التنبيه على فروع :

أحدها : أنه لا أشكال في جواز دفعها الزكاة من العين قبل الطلاق ( وإن كان هناك مظنة لقبوله (٣) ؛ إذ لا قصور إذن في ملكها ). (٤) وأما بعد الطلاق فلا إشكال أيضا في جواز دفعها بالقيمة. وأما إخراجها من العني من دون اذن الزوج فمشكل ؛ نظرا إلى المنع من التصرف في المال المشترك من دون إذن الشريك كما هو الحال في سائر الأموال المشتركة ؛ إذ أوجب الزكاة فيها ، فلا يجوز إخراجها إلّا بإذنه او بعد قطع شركته ، وإلا كان الدفع باطلا من جهة النهي القاضي بفساد العبادة.

وقد نبّه على ذلك في المنتهى (٥) والتحرير (٦) حيث ذكر فيهما أنه لو طلّقها قبل الدخول وبعد الحول وقبل الإخراج لم يخرج من العين إلّا بعد القسمة لأنه مشترك بينهما.

__________________

(١) في ( د ) : « وقاء ».

(٢) من قوله « غير جار » إلى قوله « على سبيل الإشاعة كالزكاة » غير موجود في ( ألف ).

(٣) الكلمة هناك مطموسة عليها قرأناها كذلك.

(٤) ما بين الهلالين ليس إلّا في ( د ).

(٥) منتهى المطلب ١ / ٤٧٧.

(٦) تحرير الأحكام ٤ / ٤٦٨.

٨١

وقد تقدم عن البيان (١) احتمال تسلط الزوجة على الإخراج من العين وضمانها للزوج.

وظاهره عدم الحاجة في ذلك إلى إذن الزوج.

وكأنّ الوجه فيه سبق تعلق الزكاة ، فيقدّم في الأول ، ولثبوت التخيير لها في الأداء قبل تعلّق حق الزوج فيستصحب.

ولا يخفى ما فيهما.

ثانيها : لو تلف نصف الصداق فهل يتعيّن النصف الباقي للزوج وينتقل الزكاة إلى ذمة الزوجة؟ أو إنها تتعلق بعين الباقي إلا أن يرجع الزوج عليها إذا قبضها الساعي من العين؟ قولان ؛ ففي المعتبر : إنه لو تلف نصف الصداق فالنصف الباقي للزوج وعليها الزكاة.

وفي ح (٢) : إنه لو هلك النصف أخذ الساعي الزكاة من نصيب الزوج ؛ لأنها تجب في العين ويرجع الزوج عليها.

وفي التذكرة (٣) والقواعد (٤) والنهاية (٥) : لو تلف النصف بتفريطها تعلق حق الساعي بالعين ، وضمنت للزوج.

وإنما فرض المسألة في صورة التفريط لسقوط الزكاة بالنسبة مع عدم التفريط في الحفظ والأداء ، وإن جرى الكلام المذكور إذن في النصف الباقي.

وكأن الوجه في الأول ما مرّت الإشارة إليه من آن حق الزوج إنما يتعلق بالعين مع بقائها على سبيل التعيين بخلاف حق الزكاة لتعلقه بها على سبيل التخيير بين الإخراج منها أو من غيرها ، فيقدم الأول عند التعارض.

وفيه : أن قضية الزكاة بالعين على سبيل الإشاعة كون الثابت في ذمة المرأة هو نصف

__________________

(١) البيان : ١٧٠.

(٢) قال المحقق في الشرائع ١ / ١١٢ : لو هلك النصف بتفريط كان للساعي أن يأخذ حقه من العين ويرجع الزوج عليها به ؛ لأنه مضمون عليها. وانظر المسالك ١ / ٣٧٩.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٩.

(٤) قواعد الأحكام ١ / ٣٣٢.

(٥) نهاية الإحكام ٢ / ٣٠٧.

٨٢

الزكاة على المتلف من النصاب ، فيكون النصف الأخير باقيا في العين الباقية ، فلا وجه لانتقالها إلى الزوج مع استحقاق الفقراء لها.

على أن الظاهر استحقاق الفقراء تمام الزكاة في العين الباقية إذا كانت وافية بها حسبما يأتي الإشارة إليه إن شاء الله.

وحينئذ يكون تمام الزكاة في النصف الباقي.

هذا إذا كان التلف عن تفريط منها في الحفظ أو الدفع ، وأما مع عدمه فيسقط النصف ويبقى النصف الآخر متعلقا بالعين.

فظهر مما ذكرنا قوّة القول الثاني.

ثالثها : أنه هل يتوقف قسمة الصداق بينهما على تخليص المال من الزكاة بإخراجها من العين أو بدفع القيمة من الخارج أو يصح من دونه؟ وجهان ؛ والمنصوص به في المنتهى والمبسوط هو الثانى.

وقوّاه الشهيد في البيان وتنظّر فيه في الدروس ، لكن استقرب الجواز.

وقد نص هؤلاء بتعيين الزكاة في نصيب الزوجة.

والوجه في صحة القسمة أن الخيرة في دفع الزكاة إلى المالك ، فإذا عيّن حصة الزوج في أعيان مخصوصة فقد جعل الزكاة في غيرها مما بقي له ؛ لوجوبها عليه دون الزوج ، فاشتراك المال بينهما وبين الفقراء لا يمنع من صحة القسمة كما توهمه بعض العامة.

والظاهر هر انه لا فرق بين أن ينوي تعيين حصة الفقراء في حصته أو لا ؛ لحصوله با لالتزام مع الإطلاق.

ولو نوت خلافه فإن زيد في نصيب الزوج ما يفي بالزكاة قل مانع ، وإلا فالظاهر بطلان القسمة ؛ لعدم تعادل السهام.

ثم إن ادّت الزكاة من العين أو القيمة فلا كلام ، وإن ادّت الزكاة من العين أو القيمة فلا كلام ، وان تعذر الأخذ منها أخذها الساعي من نصيب الزوج ويرجع الزوج إليها. وقد نص

٨٣

على ذلك في الدروس (١).

وفي البيان (٢) : لو أفلست فله الرجوع على الزوج ثم هو يرجع إليها.

وكأنه أراد بذلك ما إذا قضى إفلاسها بتعذر الأخذ منها.

ويدل على جواز الأخذ من نصيب الزوج حينئذ ما سيأتي إن شاء الله من أن للساعي تتبع العين إذا ضمن المالك وامتنع من الأداء.

وفي المبسوط (٣) : فإن هلك نصيبها وبقي نصيب الزوج كان للساعي أن يأخذ حقّه من نصيب الزوج.

ونحوه ما في المنتهى (٤).

وظاهر الإطلاق المذكور يقضي بجواز الرجوع إلى الزوج مع إمكان الرجوع إلى الزوجة بالعوض ، بل ولو مع بذلها.

وهو غير متّجه ؛ إذ قضية الحكم بتعلق الحق بحصة الزوج هو الرجوع إليها في أخذ العين أو العوض مع الإمكان وقد يكتفى فيه بمجرد امتناع الزوجة عن الاداء.

وسيأتي توضيح القول فيه في محله إن شاء الله. ولو تلف نصيب الزوج أو أتلفه فهل للساعي تعزيمه؟ وجهان.

وقضية الرجوع عليه بالعين مع وجودها هو الرجوع عليه بعوضها مع تلفها.

ثم إن الرجوع بها على الزوج هل يقضي بفساد القسمة؟ وجهان.

واستقرب في التحرير صحتها. وهو الأظهر ؛ استصحابا للصحة الثابتة.

رابعها : أنه لو أطلقها حينئذ قبل تمكنها من الإخراج فهل يقسط عنها الزكاة بالنسبة إلى نصف الصداق الراجع إلى زوجها أو لا؟ قولان ؛ اختار اولهما العلامة في التحرير.

__________________

(١) الدروس ٣ / ٣٩١.

(٢) البيان : ١٧٠ ، وانظر : قواعد الأحكام ٢ / ١١٢ ، جامع المقاصد ٥ / ٧١.

(٣) المبسوط ١ / ٢٠٨.

(٤) منتهى المطلب ١ / ٤٧٧ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٨.

٨٤

والوجه فيه أنه من قبيل ما لو تلف بعض النصاب قبل تمكن المالك من الإخراج ، فيسقط نصيبه من الزكاة ؛ لتعلقها بالعين.

واختار ثانيهما في التذكرة والدروس والبيان.

وقد أطلق في المنتهى والقواعد ونهاية الإحكام وجوب الزكاة عليها بتمامها بعد سقوط النصف بالطلاق ، فيعمّ ما إذا تمكّنت قبله من الإخراج أولا.

وكذا أطلق الشيخ والمحقق وغيرهما.

والوجه فيه رجوع عوض الساقط على البضع إليها ، فليس ذلك من قبيل تلف بعض النصاب ، بل هو من قبيل انتقال بعضه عنه في مقابلة العوض كما لو أخذه الديّان تقاصّا في موضع يجوز له ذلك : إذ لا يسقط بسببه شي‌ء من الزكاة قطعا.

وكذا لو وقع فسخ البيع من صاحب الخيار بعد حلول الحول قبل تمكنه من الإخراج ؛ فإن ذلك لا يقضي بسقوط شي‌ء من الزكاة كما سنشير إليه إن شاء الله.

وربّما يستشكل فيه بأن العوض الواصل إليها ليس مالا على الحقيقة ليصدق عود مال إليها عوض الذاهب ، وليس المراد بتمليك البضع هو التمليك المتعارف في سائر المعاوضات ، ولذا لا يعدّ المهر ركنا في النكاح ليفسد العقد بفساده كما في غير من المعاوضات المعروضة.

وفيه : أنه وإن لم يكن البضع مالا على الحقيقة إلا أنه يقابل بالمال ، وهو كاف في المقام.

نعم ، قد يشكل الحلال في ذلك بأن السر في السقوط من الزكاة بنسبة التالف تعلق الزكاة بالعين ، فإذا تلف منها شي‌ء بغير تفريط المالك سقط من الزكاة تبلك النسبة ؛ أخذا بمقتضى الإشاعة. وذلك بعينه جار في صورة عود العوض إليه أيضا ؛ إذ المفروض وجوب الزكاة في الذاهب دون عوضه الراجع إليه ، فإذا ذهب ذلك عنه بغير تفريطه واختياره لزمه سقوط الزكاة تبلك النسبة ؛ إذ لا مقتضى لتعلّق ما يخصه من الزكاة بالذمة أو بالتتمة.

ويدفعه أن حق الزوج في المقام إنما تعلّق بالمال على سبيل الإشاعة كالزكاة. ولا معارضة بينهما في المقام ليقضي بسقوط شي‌ء من الزكاة حسبما عرفت ، ومع عدم وفاء المال بهما كما إذا تلف ما زاد على النصف لا نقول بانتقال ما يخصّه من الزكاة إلى الزوج ، وإنّما يضمنه

٨٥

الزوجة له كما مرّ.

والحاصل أنّ حق الغير إنّما يتعلق بالعين إذا كان المحل قابلا ، وأمّا مع انتفاء قابليّته ـ كما هو المفروض في المقام لسبق تعلّق الزكاة ـ فلا يمكن تعلّقه بالمجموع ، وإنّما (١) يتعلّق بغير القدر المذكور على سبيل الإشاعة ، وذلك لا يقضي بسقوط شي‌ء من الزكاة ؛ إذ لا معارضة بينهما كما قرّرنا.

فتنزيل ذلك منزلة التلف ممّا لا وجه له أصلا. نعم ، على القول بتعيّن النصف الباقي من الصداق للزوج ـ كما مرّت الإشارة إليه ـ يمكن القول بسقوط ما يخصّ ذلك من الزكاة ، إلّا أنّك قد عرفت ضعفه.

فظهر بذلك أن المتّجه عدم سقوط شي‌ء من الزكاة في المقام إلّا أنّه لا يتّجه تعليل الحكم المذكور ويعود العوض إليها كما في التذكرة والدروس (٢) والبيان.

ثمّ على القول الأوّل ينبغي تقييد الحكم بما إذا لم يكن إطلاقها مستندا إلى اختيارها ؛ إذ مع استناد التلف إليها لا وجه لسقوط الزكاة فيها.

خامسها : قال في التذكرة (٣) : لو كان الصداق نصابا فحال عليه الحول ثمّ سقط نصفه وقبضت (٤) النصف فعليها زكاة المقبوض ؛ لأنّ الزكاة وجبت فيه ثمّ سقطت عن نصفه لمعنى أخصّ به ، فاختصّ السقوط به.

ولو مضى عليه حول ثمّ قبضه كلّه زكّته لما مضى كلّه. انتهى.

ويشكل ذلك بأنّ حكمه بوجوب الزكاة في النصف الواصل إليها مع فرض حولان الحول عليها قبل قبضها مبني (٥) على كون المهر عينا والزوج باذلا كما هو المفروض في كلامه قبل

__________________

(١) في ( ب ) : « بالمجموع ولذا » بدل : « وإنّما ».

(٢) الدروس ١ / ٢٣١.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٦.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « وقبضت .. عن نصفه ».

(٥) في ( ب ) : « جنى ».

٨٦

الفرع المذكور ؛ إذ هو المتعيّن على مذهبه من عدم وجوب الزكاة في الدين ، وإن كان في عبارته بعد ذلك ما ربّما ينافي ذلك إلّا أنّه لا بدّ من تنزيله عليه لما عرفت.

وحينئذ فحكمه بسقوط زكاة النصف الساقط بالطلاق غير متّجه ؛ إذ لا قاضي به بعد وجوبها عليه سوى تنزيل رجوع النصف إلى الزوج منزلة التلف ، وهو مع عدم قضائه بالسقوط على القول به إلّا مع عدم تفريطها في الأداء أنه رحمة الله لا يقول بذلك ؛ لقطعه بعد ذلك بعدم سقوط شي‌ء من الزكاة إذا طلّقها قبل الدخول بها وتمكّنها من الأداء.

ومجرّد عدم قبضها مع كون الزوج باذلا لا يقضي بشي‌ء ، بل لا بدّ من القول باخراجها تمام الزكاة من نصفها أو من جميع (١) المال ورجوع الزوج إليها بنصف الزكاة كما (٢) هو الحال فيما إذا قبضتها أجمع ، ثمّ طلقها قبل الدخول.

ولو حملت العبارة على ما هو الظاهر من إطلاقها عمّت ما لو كان الصداق عينا أو دينا ، فيرد عليه الإشكالان معا.

وقد ينزل عبارته على ما إذا كان الصداق دينا كما يدلّ عليه بعض تعليلاته ، فيكون حكمه ثبوت الزكاة في النصف تفريعا على القول بوجوب الزكاة في الدين أو اختيارا له ؛ إذ ليس في كلامه في التذكرة تصريح بعدم وجوب الزكاة في الدين وإن لم يحكم بثبوتها فيه أيضا.

وهو بعيد عن ظاهر الأدلّة سيّما بملاحظة ما تقدّمه.

مضافا إلى نصّه على الفرع المذكور قبل ذلك بأسطر بناء على القول بوجوب الزكاة في الدين.

سادسها : لو انفسخ نكاحها قبل الدخول بعد حولان الحول ، فإن كان ذلك بعد إخراج الزكاة فلا إشكال في صحّة الإخراج وضمانها ذلك للزوج ، وإن كان قبله جرى فيه الوجهان الماضيان من تعيين حقّ الزوج في العين فتضمن الزكاة في ذمّتها ، ومن وجوبها في العين فتضمن للزوج مقدار ما إذا دفعتها من العين.

__________________

(١) في ( ب ) : « جمع ».

(٢) لفظة « كما » من ( د ).

٨٧

والأظهر فيه الأخير حسبما مرّ.

وعلى الأوّل لو أفلست أو امتنعت من الأداء تتبع الساعي العين فيرجع الزوج عليها ، ولو كان ذلك قبل تمكّنها من الإخراج جرى فيه احتمال سقوط الزكاة بالمرة حسبما ذهب إليه في التحرير (١) في مسألة الطلاق إلّا إذا كان الفسخ من قبل الزوجة بارتدادها أو فسخها العقد لأحد الأسباب الموجبة لخيارها ؛ لاستناد التلف حينئذ إليها كما مرّ.

والأظهر هنا أيضا عدم السقوط مطلقا ؛ لعين ما قرّرناه في مسألة الطلاق.

وفي المنتهى : إنّه لو انفسخ النكاح لعيب قبل الدخول وكان الصداق مقبوضا ففي وجوب الزكاة إشكال أقربه الوجوب وتضمن هى المأخوذة في الزكاة.

ونحوه ما في التحرير إلّا أنّه لم يصرح فيه بالإشكال.

وأنت خبير بأنّه لا إشكال مع تفريطه في الأداء إذا قضاه إن ينزل ذلك منزلة التلف ، ولا وجه لاحتمال سقوط الزكاة به مطلقا.

ثمّ ظاهر إطلاقه الحكم بالوجوب يعم ما إذا لم يتمكّن من أدائها قبل الانفساخ ، وهو ينافي ما ذهب إليه في التحرير من السقوط حينئذ في مسألة الطلاق.

ومنها : أنّه لو آجر شيئا أحوالا وقبض الأجرة أو كانت عينا موجودة عند المستأجر الباذل وجبت عليه زكاتها عند حولان الحول عليها.

ولبعض العامة هنا خلاف ؛ نظرا إلى كون الأجرة في معرض السقوط بتلف العين المستأجرة. وهو ضعيف موهون بما قدّمناه.

وعلى ما قلناه لو انفسخت بعد ذلك لأحد الدواعي الباعثة عليه يرجع إلى المستأجر من الأجرة بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، فيجري فيه الفروع المذكورة في الصداق إلّا أنّه لو انفسخ قبل تمكّنه من إخراج الزكاة ولم يكن الانفساخ حاصلا من اختياره احتمل سقوط الزكاة بالنسبة إذا كان الانفساخ بتلف العين المستأجرة.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ / ٣٥٢.

٨٨

ونحوه بناء على تعليل الحكم بعدم السقوط هناك بوصول عوض التالف إلى الزوجة.

على ما بيّنّاه فلا وجه لسقوط الزكاة مطلقا.

ويجري الكلام فيما إذا كان الانفساخ قبل مضي شي‌ء من المدّة.

ومنها : أنه لو انفسخ عقد البيع لتلف المبيع قبل القبض بعد حلول الحول على الثمن مع قبض البائع إيّاه أو كونه عينا مقدورا على قبضها لم يقض ذلك بسقوط الزكاة عنه.

ويجري حينئذ في جواز إخراجها من عينه مطلقا ، وتعين (١) الإخراج من غيره مع إمكانه ما مرّ.

والأقوى فيه أيضا هو الأوّل ؛ لتعلّق الزكاة بالعين ، ولكن يتوقّف إخراجها من العين على إذن المشتري لإشاعة الحق أو يستقلّ به البائع استصحابا للحالة السابقة ، الأقرب الثاني. وليس ذلك تصرفا في المال المشترك بدون إذن الشريك ، بل هو تعيين للحقّ المبهم في المال المفوّض إليه تعيينه ، وبعد تعيينه يتعيّن الحق فيه ، فيجب بذله على مستحقه.

وعلى الأوّل لو اختلفا في التعيين فهل يقدّم اختيار البائع ؛ إذ هو المكلف بالإخراج أو المشتري ؛ لانتقال المال إليه؟ وجهان.

والذي يقتضيه الأصل حينئذ تقديم الثاني ، فيجب على البائع اختياريّا مختاره إذا كان نصفه الواجب. ويجري ذلك في كلّ صورة ينتقل النصاب إلى غير من وجبت عليه الزكاة كما إذا باعه قبل إخراج الزكاة أو جعله ثمنا أو عوضا في الإجارة أو انتقل عنه بالميراث وأوصى إلى غيره بالإخراج ، ونحو ذلك.

وإذا كان المبيع زكويا وكان المشتري متمكّنا من قبضه ثبت فيه الزكاة أيضا. ولا تسقط عنه بذلك فيضمنها المشتري ، وإن كانت بيد البائع ؛ لأنّه المكلّف بإخراجها مع تقصيره فيه.

نعم ، لو كان التلف قبل تمكّنه من الأداء سقط إن لم يكن مفرطا في وضعها عند البائع بعد تعلّق الوجوب.

__________________

(١) في ( د ) : « يعيّن ».

٨٩

ويجري ما ذكرناه في الفسخ الحاصل من البائع أو المشتري لحصول الخيار ، ولو كان بعد القبض.

وهل يسقط الخيار بتعلّق حق الزكاة بالمال فيما يسقط التصرّف من الخيارات أو مع دفعه في الزكاة دون ما إذا كان قبل الدفع أو مع عدم ضمانه للزكاة دون ما إذا ضمنه وانتقل الحق إلى ذمته أو لا يسقط بذلك مطلقا؟ وجوه.

وهل يرجع على الآخر بتمام عوضه المقابل له ويضمن له حصة الزكاة بالمثل أو القيمة أو يسقط منه ما قابل حصّة الزكاة؟ وجهان ؛ أقربهما الأوّل ، والثاني مختار العلّامة في التذكرة حيث قال في الفرض المذكور : إنّ الزكاة على المشتري ، ويسقط من الثمن ما قابل الفريضة.

وفيه : أن ذلك لا يزيد على الإتلاف ، ومع حصوله وبقاء الخيار لا ريب في الرجوع بعد الفسخ إلى المثل أو القيمة لا سقوط ما يقابله من العوض.

هذا إذا دفع الزكاة من العين ، وأمّا إذا ضمنه ففي تعيّن دفعه العين لخلوها عن المانع تأمّل مرّت الإشارة إلى وجهه.

ومنها : أنّه لو وهبه نصابا فحال عليه الحول عند المتّهب فإنّه يجب عليه الزكاة كما مرّ. وحينئذ فلو رجع الواهب بعد أداء الزكاة لم يكن له تغريم المتهب ؛ لعدم بناء الهبة على الضمان ، وإن كان قبله لم يصحّ رجوعه بالنسبة إلى مقدار الزكاة ؛ لتعلّق الحق بالعين.

وفصّل في التذكرة (١) بين ما إذا تمكن المتّهب من إخراج الزكاة ففرط فيه ، وما إذا لم يتمكّن منه ؛ فحكم في الثاني بسقوط الزكاة عن المتّهب وعدم وجوبه على الواهب أيضا ، بخلاف الأوّل فيحكم منه (٢) بوجوب الزكاة في العين تقديما لحقّ الفقراء ، فلا يصحّ الرجوع بالنسبة إليه ولا يضمنه (٣) المتّهب كما لو تلف قبل الرجوع.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ لو كان تعلّق الحق بالعين مانعا من صحّة الرجوع بالنسبة إلى

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٢.

(٢) في ( د ) : « فيه ».

(٣) لم ترد في ( ب ) : « إليه ولا يضمنه .. الرجوع بالنسبة ».

٩٠

مقدار الزكاة جرى في الصورتين ، فلا وجه للحكم بسقوط الزكاة في الأوّل ، وإن لم يكن مانعا من الرجوع لم يمنع منه في الأخير أيضا ، غاية الأمر أن يكون المتّهب ضامنا للزكاة ؛ نظرا إلى تفريطه في الأداء كما يضمنها حينئذ في صورة هلاك المال.

مضافا إلى أنّ تعلّق حق الغير بالمال ليس من قبيل التلف ليصح الحكم بسقوط الزكاة من جهته إذا كان قبل التمكّن من الأداء ، حسبما مرّت الإشارة إليه.

فلو دفعها المتّهب من الخارج لم يؤثر ذلك في صحّة رجوعه بالنسبة إلى حصّة الزكاة.

نعم ، لو كان الرجوع بعد ضمانه للزكاة أمكن القول بصحّة الرجوع في الجميع إن قلنا بجواز الرجوع في العين الموهوبة بعد انتقال المال عن المتّهب ، ثمّ رجوعه إليه بالملك الجديد أو قلنا بعدم انتقال المال إلى الفقراء لينتقل إليه ثانيا بسبب الضمان.

ثمّ بناء على صحّة رجوعها في العين لو رجع فيها وامتنع المتّهب من الأداء (١) كان للساعي تتبّع العين.

وهل يرجع الواهب في ذلك على المتّهب وجهان.

__________________

(١) في ( ألف ) : « الأدلّة ».

٩١

تبصرة

[ في تعلّق الحق بعين النصاب ]

إذا تعلّق حقّ بعين النصاب يوجب صرفها في جهته سقط عنه الزكاة ؛ لعدم تمكّن المالك معه من التصرف فيه ، ولا يجري في الحول إلّا بعد خلوصه عنه سواء كان ذلك من حقّ الناس أو حقوقه تعالى.

أمّا القسم الأوّل فيندرج فيه أمور (١) :

ومنها (٢) : تعلّق الرهن به. وقد اختلف فيه كلمات الأصحاب ، فالمنصوص به في موضع من المبسوط (٣) وجوب الزكاة فيه مطلقا حيث قال : ومتى رهن قبل أن يجب فيه الزكاة ثم حال الحول وهو رهن ، وجبت الزكاة ؛ لأنّ ملكه حاصل. ثمّ فصل في إخراج الزكاة بين ما إذا كان للراهن مال سواه أو كان معسرا ، فعلى الأوّل حكم بوجوب إخراجها من غيره وحكم في الثاني بتعلّقها بعين الرهن ، قال : لأنّ حق المرتهن في الذمّة بدلالة أنّه لو هلك المال رجع على الراهن.

ونصّ ـ بعد ذلك بأوراق ـ على سقوط الزكاة عن الألف المرهونة بإزاء الألف المفروضة ؛ معلّلا بانتفاء التمكّن منه.

وظاهره عدم ثبوت الزكاة فيه مطلقا سواء تمكّن الراهن من فكّه أو لا ، بل ظاهر « المفروض » في كلامه هو صورة التمكّن من الفك ؛ لفرضه بقاء الألف المستقرضة.

والتعليل المذكور أيضا يعمّ الوجهين عند التأمّل ، واختاره المحقق في الشرائع والعلّامة في

__________________

(١) لفظة « أمور » من ( د ).

(٢) كذا ، والظاهر : « فمنها » أو « منها » بدون الواو.

(٣) في ( د ) : « فجرى ».

٩٢

القواعد والمنتهى والتذكرة (١) والتحرير ؛ معلّلا له في الثلاثة الأخيرة بما ذكره الشيخ.

وإليه ذهب المحقق الكركي مصرّحا بسقوطها مع التمكّن من الفك أيضا.

وحكم الشيخ في الخلاف (٢) أوّلا بعدم ثبوت الزكاة في الألف المرهونة بإزاء الألف المستقرضة ، ثمّ قال : ولو قلنا إنه يلزم المستقرض زكاة الألفين لكان قويّا.

وعلّل وجوب الزكاة في المرهونة بأنّه قادر على التصرّف فيها بأن يفكّ رهنها.

وظاهره التردد في المسألة كما عزاه إليه في المعتبر ، والظاهر أن تردّده في صورة قدرة الراهن على الفك.

ورجّح في المعتبر والمختلف ما قوّاه أخيرا. وعلّله في المعتبر (٣) بأنّه مال مملوك قادر على التصرّف فيه يجري (٤) مجرى المال الغائب في يد الوكيل.

وظاهر التعليل كظاهر الفرض يومي إلى اختصاص حكمه بوجوب الزكاة فيه بما إذا قدر على فكه ، وهو صريح المختلف حيث نصّ قبل ذلك بسقوط الزكاة في الرهن مع إعسار الراهن ؛ معلّلا بعدم تمكّنه من التصرّف فيه.

وقد صرّح بالتفصيل بين قدرته على الفك وعدمه كما إذا كان معسرا وكان الدين مؤجلا في نهاية الإحكام.

واختاره الشهيدان في الدروس والبيان والمسالك والروضة وابن فهد والصيمري وغيرهم.

ونصّ في المسالك والروضة بشمول الحكم لما إذا تمكّن من فكّه ببيعه. واستحسنه في المدارك إن ثبت أنّ عدم تمكّن الراهن من التصرّف في الرهن مسقط (٥) للوجوب ، وإلّا فإطلاق

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٤.

(٢) الخلاف ٢ / ١١١.

(٣) المعتبر ٢ / ٥٤٣.

(٤) في ( د ) : « فجرى ».

(٥) في ( ألف ) : « سقط ».

٩٣

وجوب الزكاة فيه أولى.

واستشكل فيه في الذخيرة.

والأظهر هو القول بسقوط الزكاة عنه مطلقا لانتفاء التمكن من التصرف فيه حالكونه مرهونا ، والقدرة على إمكان فكّه ليس قدرة بالفعل عرفا على التصرّف فيه ، بل هو قدرة على تحصيل القدرة عليه.

والفرق بين الأمرين ظاهر في ملاحظة العرف ، وإن كان الثاني بمنزلة الأوّل عند تدقيق العقل كما هو الوجه في القول بالتفصيل.

وأمّا الوجه في إطلاق وجوب الزكاة منه (١) فمبني على (٢) كون المنع من التصرّف مطلقا مانعا من تعلّق الزكاة حسبما أشرنا إليه من كلام السيّد في المدارك.

ومن الغريب ذهاب الشيخ إليه فيما حكيناه من عبارته في المبسوط ؛ معلّلا بأنّه ملك للراهن مع قطعه باعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة.

فروع

الأوّل : لا فرق بين أن يكون الرهن بإزاء حقّ ثابت في الشرع أو بإزاء محتمل كما في الرهن بإزاء درك المبيع ؛ لمنع المالك شرعا من التصرف فيه وإن لم يكن هناك حق بازائه بحسب الواقع.

الثاني : لا فرق بين أن يكون العين المرهونة من مال الراهن أو يكون مستعارا للرهن إلّا أنّ المعتبر حينئذ ـ بناء على التفصيل المذكور ـ قدرة المعير على فكّه دون المستعير. وقد نصّ عليه في المسالك وغيره.

الثالث : لو أذن المرتهن في تصرّف الراهن فيه كيف شاء احتمل وجوب الزكاة فيه ؛ لارتفاع المنع بذلك. والظاهر تعيّن ذلك فيما إذا شرط عليه في ضمن عقد لازم ؛ بناء على عدم

__________________

(١) في ( د ) : « فيه ».

(٢) في ( د ) زيادة « منع ».

٩٤

جواز رجوعه عنه.

ومنها : أن يكون الحاكم قد حجر عليه التصرّف في المال لحق الغرماء ؛ لعدم تمكّنه حينئذ من التصرّف في المال بغير إذنهم ؛ نظرا إلى تعلّق حقّهم بالعين.

وقد قطع بانتفاء الزكاة حينئذ في أمواله جماعة منهم الشيخ في المبسوط (١) والعلامة في عدة من كتبه كالقواعد (٢) والتذكرة (٣) والنهاية (٤) ، والشهيد في البيان (٥).

وربّما يستظهر من المنتهى (٦) ثبوت الزكاة في مال المحجور عليه حيث استدلّ على سقوط الزكاة من المكاتب بمنعه من التصرّف في ماله ، فملكيّته غير تامّة ، ثمّ قال : لا يقال : ينتقض بالمحجور عليه والمال المرهون ؛ لأنّا نقول : الفرق بينهما أن الملكيّة هناك تامّة والنقض (٧) إنّما حصل في التصرّف : أمّا في المحجور فلنقص تصرفه ، وأمّا في المرهون فالمنع بعقد ، فلا يسقط حقّ الله. انتهى.

وهو كما ترى ظاهر الدلالة على تعلّق الزكاة بعد حصول الحجر. وقد ينزل على خصوص حجر السفيه.

وظاهر الدروس التأمل فيه حيث أسند فيه مع حجر المفلّس (٨) إلى الشيخ.

وكأنّ الوجه فيه حصول الملكيّة ، ومنعه من التصرّف فيه إنّما هو لحق الغرماء فقد لا يمنع ذلك من وجوب الزكاة ؛ إذ ليس مجرّد انحصار وجه التصرّف باعثا على سقوط الزكاة وإلّا لم يجب فيما إذا انحصر أداء الدين في دفع النصاب إلى المديون. وليس كذلك إجماعا منّا.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٢٤.

(٢) قواعد الاحكام ١ / ٣٣١.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٩.

(٤) نهاية الإحكام ٢ / ٣٠٥.

(٥) البيان : ١٧٠.

(٦) منتهى المطلب ١ / ٤٧٣.

(٧) في ( د ) : « النقص ».

(٨) في ( د ) : « الفلس ».

٩٥

وضعفه ظاهر ممّا عرفت من اعتبار إمكان التصرّف في وجوب الزكاة وظهور انتفائه في المقام (١) انحصار وجه التصرف (٢) ( التصرف في ذلك بل تعلّق حقّ الغرماء بالعين ، فالفرق بينه وبين الفرض المذكور واضح.

ومنها : حجر الورثة عن التصرّف ) (٣) في التركة قبل أداء الدين وتفصيل القول في ذلك انّ الدين امّا أن يكون مستوعبا للتركة أو لا ، وعلى الثاني إمّا أن نقول بحجر الورثة عن التصرف في المال مطلقا قبل أداء الدين أو أنّه لا حجر عليهم فيما يزيد على مقداره.

ثمّ إنّ الزكاة إمّا أن يتعلّق بالمال في حياة المورث أو بعد وفاته ، وعلى الثاني فإمّا أن تكون العين الزكويّة موجودة في حياته أو تحصل بعد موته كما إذا أنتجت اغنامه بعد وفاته وحال الحول على النتاج قبل أداء الدين ، أو وجدت الثمرة بعد الموت.

فإن تعلّقت الزكاة بالعين في حياة المورّث ثمّ (٤) لم تسقط بموته فتخرج من أصل المال إجماعا معلوما ومنقولا في المدارك وغيره.

وإنّما خالف فيه بعض العامة ؛ لتوهّم كونها كسائر التكاليف الساقطة بالموت ، فلا يخرج من المال.

وفساده واضح. نعم ، هنا كلام في تقديم الزكاة على سائر الديون إذا لم تف التركة بالجميع وتوزيعها عليها ، فالمعروف تقديم الزكاة وإليه ذهب الفاضلان في الشرائع والتحرير والقواعد والإرشاد ، والشهيدان في الدروس والمسالك ، والسيد في المدارك ، وغيرهم.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى توزيعها على الزكاة والدين. وكأنّه مبنيّ على عدم تعلّق الزكاة بالعين تعلّق التركة ، أو على ظاهر ما في الصحيح من إطلاق الحكم بتنزيل ما عليه من

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « وجوب الزكاة وظهور انتفائه في المقام ».

(٢) زيادة في ( ب ) : « باعثا على سقوط الزكاة وإلّا لم يجب فيما إذا انحصر أداء الدّين في دفع النصاب إلى المديون. وليس كذلك إجماعا منّا. وضعفه ظاهر ممّا عرفت من اعتبار إمكان ».

(٣) ما بين الهلالين من ( ب ) و ( د ).

(٤) لم ترد في و ( د ) : « ثمّ ».

٩٦

الزكاة منزلة الدين.

ولا يخفى ما فيه ؛ لما سيجي‌ء إن شاء الله من تعلّق الزكاة بالعين على سبيل الشركة ، ولو قلنا بتعلّقها على سبيل حق الرهن بالعين أو الجناية بالعبد فكذلك أيضا ، وإن تعلّق حق الديان أيضا بالعين بسبق الأوّل على الموت وتأخّر الثاني فلا يصادف محلا قابلا بالنسبة إلى ما يقابل الزكاة.

فما في البيان من تفريع الحكم هنا على الحكم في كيفية تعلّق الزكاة فاستحسن الأوّل بناء على الأوّل وجعل الثاني أحسن بناء على أحد الوجهين الآخرين ليس على ما ينبغي.

وأمّا ما دلّ على تنزيله منزلة الدين فلا يبعد تنزيله على الزكاة المنتقلة إلى الذمّة ، بل الظاهر وروده في خصوص ذلك كما يومي إليه السؤال المفروض فيه.

وحينئذ فلا إشكال في التوزيع لصيرورتها بعد التعلّق بالذمّة كسائر الديون.

واستقرب الشهيد في شرح القواعد توزيعه عليها ، وحكى عن بعض الأصحاب قولا بتقديم الزكاة لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فدين الله أحقّ أن يقضى » (١) ، وبتقديم الدين لأنّ حقّ العباد مبني على التضييق ، وحق الله على المسامحة.

وهذان ضعيفان.

نعم ، لو كانت العين موجودة فللساعي منع العين في وجه قوي.

وإن تأخر زمان تعلّقها عن حياة المورث فإن كان الدين مستوعبا للتركة وكانت العين الزكوية موجودة حين الوفاة فلا زكاة أيضا ، أمّا على القول بعدم انتقال التركة إلى الورثة وبقائها على حكم مال الميت ـ كما ذهب إليه المحقق وغيره وحكى القول به عن الأكثر ـ فظاهر ؛ لعدم دخولها حينئذ في ملك الورثة ، ولا في ملك الديّان قطعا ، والميّت لا تكليف عليه. وإطلاقات الزكاة ـ بناء على القول بشمولها لأموال غير المكلفين ـ غير شاملة لتلك ، ولا أقل من الشكّ ، وهو كاف في المقام.

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ / ٢١٦.

٩٧

وأمّا على القول بانتقالها إلى الورثة فللحجر عليهم حينئذ في التصرف قبل أداء الدين ، فلا تمكّن لهم من التصرف في العين.

وفي المدارك (١) : إن (٢) وجوب الزكاة أوجه.

ثالثها : أنّه تمكّن من التصرف في النصاب ولو بأداء الدين من غير تركة وجبت الزكاة عليه ، وإلّا فلا.

وزاد في التذكرة (٣) وجها رابعا ، وهو أنّه إن كان للورثة مال يدفعونه في الزكاة ( وجب عليهم الإخراج منه ؛ لأن الواجب حصل في ملكهم ، وتعلق حق الغرماء به لا يمنع من وجوب الزكاة ) (٤) كالمرهون.

وإن لم يكن لهم ما يؤدّونه في الزكاة احتمل سقوطها لتعلّق الدين بالعين ، فيمنع من تعلّق الزكاة ووجوبها لتعلّق الزكاة أيضا بالعين ، فتقدّم على حقوق الغرماء.

والمختار عند جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (٥) والفاضلان في الشرائع والمعتبر والمنتهى والقواعد عدم تعلّق الزكاة (٦).

وهو الأظهر ، أمّا على القول بعدم انتقال المال إلى الوارث فظاهر حسبما عرفت ؛ وأمّا على القول بانتقاله إليه فللحجر عليهم من التصرف فيه.

ولو فرض قدرته على الافتكاك بدفع الدين من الخارج فهو لا يقضي بارتفاع الحجر قبل الدفع أو ما بمنزلته. ومع حصوله لا زكاة لمنعه من التصرف فيه المانع من تعلّق الزكاة.

وقد عرفت أنّه لا منافاة عرفا بين انتفاء القدرة على التصرّف وحصول القدرة على تحصيل القدرة عليه.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ / ١٥٤.

(٢) في ( د ) زيادة « في ».

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٦٠.

(٤) ما بين الهلالين ورد في ( د ).

(٥) المبسوط ١ / ٢٢٤.

(٦) في ( د ) زيادة « به ».

٩٨

وفي كلام المحقق الأردبيلى حكاية الإجماع على سقوط الزكاة. وهو غريب منه مع شيوع الخلاف فيه.

فظهر بما ذكرنا اندفاع احتمال التفصيل كما ذهب إليه في نهاية الإحكام وظاهر وجوب اخراج الزكاة من غيره لحجره عن التصرف فيه قبل أداء الدين. وهو خروج عن القاعدة كما سيجي‌ء الاشارة إليه.

وأضعف منه القول بوجوب الزكاة في المقام مطلقا كما هو ظاهر الذخيرة ؛ نظرا إلى منع كون المنع من التصرف مانعا مطلقا.

وذكر المحقق الكركي أنّه يحتمل قويا وجوبها مع الشرائط ؛ لأنّ تعلّق الدين بها أضعف من تعلّق الرهن ؛ لأنّ للوارث التصرّف بغير إذن من المدين.

وفي البيان : ويحتمل عندي الوجوب في متعلّق الدين على القول بملك الوارث ، لحصول السبب والشرط أعني إمكان التصرّف. وتعلّق الدين هنا أضعف من تعلّق الرهن.

فيه : أنّ كون تعلّق الدين أضعف من تعلّق الرهن على فرض تسليمه لا يقضي بقدرة الوارث على التصرف من دون أداء الدين سيّما مع عدم قدرة الوارث على الافتكاك ، فالاحتمال المذكور ضعيف.

وأضعف منه ما فصّله في التذكرة لتعلّق الزكاة على فرض وجوبها بالعين ، فلو لم تكن تعلّق حق الديّان مانعا من تعلّقها لوجب في العين وقضى ذلك بصحّة إخراجها منها ، وإلّا لم تجب.

وتملّك الوارث لما يؤديه في الزكاة وعدمه ممّا لا دخل له في تعلّق الزكاة بالمال المفروض ، سيّما مع إعساره وعدم إمكان فكّه بدفع الدين من غيره.

ثمّ إنّه على القول بوجوب الزكاة فيه وجواز الإخراج منه فهل على الوارث ضمان حصّة الزكاة للديّان؟ قولان.

٩٩

والمحكي عن البيان (١) استقراب غرمه له ؛ نظرا إلى سبق حقّ الديان.

وضعّفه في المدارك (٢) ، واستقرب عدم الغرم ، وعلّله بأنّ الوجوب قهريّ (٣) كنقص القيمة السوقيّة والنفقة على التركة.

ويضعّفه أنّه إنّما يتمّ إذا كان التأخير من جهة الديّان كما إذا لم يكن حاضرا أو وصّى بالتأخير ، وأمّا إذا كان لامتناع الورثة عن الدفع فلا ؛ لكونهم سببا (٤) للنقص على الديان (٥) ، وجعله من قبيل نقص القيمة السوقيّة ممّا لا وجه له.

وأمّا النفقة فلم يثبت كونها على التركة مطلقا ، ولو كان التأخير عن امتناع الورثة عن غير حق.

فالأظهر إذن إلحاق ذلك في الصورة المفروضة بإتلافهم لبعض التركة قبل الدفع إلى الديان.

ولا تأمّل هناك في الضمان.

ويمكن أن يفصّل في المقام بنحو آخر ، وذلك بالفرق بين ما إذا كانت الزكاة لازمة في المقام على تقدير الدفع إلى الديّان أيضا ، وما إذا لم يكن كذلك كما إذا كان النصاب ممّا يعتبر فيه الحول ؛ لهدمه بالدفع إليهم أو تعدد الديانة ولم يكن حصّة كلّ منهم بمقدار النصاب ، فلا غرم على الأوّل لكونها من لوازم المال دون الثاني.

وفيه : أن وجوب الزكاة على الديّان ودفعهم لها ، من أنفسهم غير وجوبها على الورثة ودفعهم لها فلا يسقط الضمان عنهم بمجرّد لزوم الزكاة على الوجهين.

مضافا إلى إمكان عدم وجوب الزكاة على الديّان ببيعه قبل تعلّق الوجوب.

__________________

(١) البيان : ١٦٩.

(٢) مدارك الأحكام ٥ / ١٥٤.

(٣) في ( د ) زيادة « فهو ».

(٤) زيادة « سببا » من ( د ).

(٥) زيادة الواو من ( د ).

١٠٠