تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

إنّما يجب في العين ، ثمّ أورد عليه بأنّه إنّما يقتضي اعتبار التمكّن من التصرف وقت الوجوب لا توقّف جريانه في الحول عليه. قال : والمسألة محلّ إشكال.

وللنظر فيها مجال.

ويمكن المناقشة فيما ذكره بما قد يقال من أن المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب أن ما هو مانع من وجوب الزكاة حال حلول الحول مانع من جريانه في الحول أيضا.

ويمكن الإيراد عليه بوجه آخر : نظرا إلى الفرق بين تعلّق الزكاة بالمال ووجوب الإخراج عنه ، والمتوقف على التمكّن من التصرف إنما هو الثاني دون الأوّل ، فأيّ مانع من تعلّق الزكاة ووجوب الإخراج عنه (٧) بالعين حال عدم التمكّن منه؟ فيجب عليه الإخراج مع المكنة ولو بعد مدّة أو جاز (٨) استقلال الحاكم أو العامل بالأخذ عند التسلط عليه.

نعم ، لو ثبت المنع الشرعي من التصرف فيه مطلقا صحّ ذلك ، وهو إنّما يحصل في بعض الفروض. كيف وقد أجمعوا على وجوب الزكاة في مال النائم والغافل حين تعلّق الوجوب مع أنّه غير مأمور حينئذ بالإخراج.

فالأولى الاحتجاج بما قدّمناه.

ثمّ إنّ المراد بالتمكّن من التصرف في المقام يعمّ التمكّن الشرعي والعادي ، والتمكّن من التصرّف في العين والمنافع بالجملة ، كما هو ظاهر من ملاحظة ما فرّعوا عليه ، لكن لا يعتبر فيه التمكّن من جميع التصرّفات.

وكأنّ المدار فيه على صدق العرف بعد قيام الدليل على اعتباره ؛ إذ لا تحديد له الشرع.

ولا يبعد البناء في محلّ الشك على الأخذ بالإطلاقات حتى يتبيّن وجود المانع.

وقد يبنى فيه على أصالة البراءة من جهة الشك في وجود الشرط القاضي بالشك في

__________________

(٧) ليس في ( د ) : « ووجوب الإخراج عنه ».

(٨) في ( ألف ) : « جار ».

٦١

حصول المشروط.

وهو ضعيف

[ مسائل ]

ثمّ إنّ المسائل المتفرعة على اعتبار الشرط المذكور كثيرة لا بأس بالإشارة إلى جملة منها :

ومنها (١) : أنّه لا زكاة في المغصوب.

وعليه الإجماع في التذكرة (٢) كما مرّ.

وفي المنتهى (٣) : إنّ عليه فتوى علمائنا. وقد مرّ ما في الخلاف من الإجماع على عدم ثبوت الزكاة في المال الغائب أو ما كان ممنوعا منه.

وفي الذخيرة (٤) : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ثمّ إنّ قضيّة القاعدة المتقدّمة وظاهر كلام الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين ما يعتبر فيه الحول أو ما لا يعتبر فيه. والعبرة في الثاني بحال تعلّق الوجوب ، فسبق الغصبيّة وتأخرها لا يمنع من الوجوب قطعا.

وقد نبّه على التعميم المذكور في المسالك (٥) ، واستشكل فيه في المدارك (٦) ، وتبعه صاحب الذخيرة ؛ لعدم وضوح مأخذه نظرا إلى اختصاص الأدلّة بما يعتبر فيه الحول.

وأراد بذلك ما دلّ عليه من الأخبار كصحيحة عبد الله بن سنان : « ولا على المال الغائب

__________________

(١) كذا ، والظاهر : « فمنها » أو « منها ».

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٨.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٤٧٥.

(٤) الذخيرة ٣ / ٤٢٤.

(٥) مسالك الإفهام ١ / ٣٦٢.

(٦) مدارك الأحكام ٥ / ٣٤.

٦٢

عنك حتى يقع في يديك » (١).

ومرسلة ابن بكير : في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكاه لعام واحد » (٢).

ويدفعه بعد ما عرفت من القاعدة والإجماعات المحكيّة أنّهما لا يقولان بوجوب الزكاة فيه في وقت الوجوب ، وإنّما يحكمان بوجوبها عند ارتفاع الغصب ، وهو غير متّجه.

أو مع عدم ثبوت حق الفقراء فيه حال تعلّق الوجوب لا دليل على ثبوتها فيه بعد ذلك ؛ إذ ظاهر الإطلاقات الواردة هو تعلّق الوجوب من أوّل الأمر ، فإذا التزم بتقييد تلك الأدلّة باعتبار انتفاء التمكّن من التصرّف في النصاب في تلك الحال قضى الاستصحاب بعدم تعلّق الوجوب بعد ذلك.

وشمول الإطلاقات لما بعد ذلك غير معلوم.

مضافا إلى أنّه قد يخرج النصاب عن ملكه ببيعه على الغاصب أو على من يقدر على استنقاذه ، فلا يبقى النصاب ليتعلق به الزكاة.

وكذا الحال لو تلفه الغاصب.

والتفصيل بين ما إذا بقي عين النصاب وعدمه بعيد جدا.

ولو وقع الغصب في أثناء الحول استأنف الحول من حين ارتفاعه ، ولا فرق بين طول زمان الغصب وقصره إلّا أن يكون بحيث لا ينافي كونه متمكّنا من التصرّف فيه عرفا.

ولو أمكنه استنقاذ المغصوب ببذل بعضه للغاصب أو لغيره فهل تثبت الزكاة في الباقي نظرا إلى تمكّنه من التصرف فيه لقدرته على استخلاصه الذي هو مقدمة لذلك ، وكذا لو أمكنه ذلك البذل من غيره مع عدم استيفائه لقيمته؟ وجهان.

وفي المدارك (٣) تبعا لما في الروضة : وإنّما يسقط الزكاة في المغصوب ونحوه إذا تمكن تخليصه

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ / ٣١ ، باب زكاة مال الغائب ح ٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ٣١ / باب زكاة مال الغائب ح ١.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ٣٤.

٦٣

ولو ببعضه ، فيجب فيما زاد على الفداء.

وتبعه في الذخيرة (١).

ويستشكل بصدق الغصب وعدم التمكّن من التصرّف قبل البذل.

وبمجرّد كونه قادرا على تحصيل التمكّن لا يعدّ متمكّنا منه في العرف.

كيف ، ولو وجبت الزكاة في المقام لوجب عليه بذل الفداء أو ضمان الزكاة ولو من مال آخر ، وكلّ منها تكليف زائد منفيّ بالأصل.

وظاهر الشرع يأبى عن إلزام المالك بمثله ، والبناء على استحقاق الفقير فيه حينئذ من غير وجوب الدفع على المالك مخالف لما مرّت الإشارة إليه من بنائه على كونها حكما تكليفيا وجعل الحكم الوضعي تابعا لذلك ؛ إذ قضيّة ذلك عدم استحقاق الفقير مع سقوط التكليف عن المالك.

وتنظّر الشهيد في البيان (٢) في إجرائه مجرى التمكّن.

وعلى ما ذكروه فالظاهر اعتبار بلوغ الثاني حدّ النصاب.

ولو كان الاستنقاذ من غيره فهل يلاحظ النصاب بعد إخراج ما يقابله أو يخرج الزكاة من تمام المال؟ وجهان ؛ أجودهما الأوّل.

وإن توقف استنقاذه على بذل الوجه عند الغاصب أو غيره ، فإن اشتمل على غضاضة لا يتحمل مثله مثلها في العادة لم يبعد السقوط ، وإلّا فإن أمكن ذلك بسهولة من غير طول مدّة احتمل بقاء التمكّن.

ولو أمكنه الاسترداد (٣) في الحال بمدافعة الغاصب كان تمكّنا من المال إن لم يتوقف على حرج أو بذل مال. ولو توقف المدافعة على زمان طويل فالظاهر انقطاع الحول وأمكنه التوصّل إلى الحاكم في الاسترداد ففي كونه تمكنا من المال وجهان.

__________________

(١) ذخيرة المعاد ١ / ٤٢٤.

(٢) البيان : ١٦٧.

(٣) في ( د ) : « استراد ».

٦٤

وقد يفصّل بين ما إذا تمكّن منه من دون عسر ومشقّة ومضى مدّة طويلة إذا (١) توقف على أحد الأمرين.

وفصّل في البيان (٢) بين ما إذا كان الحاكم جائرا أو عادلا فانتظر (٣) في صدق التمكّن في الأوّل وقطع به في الثاني.

ويشكل فيما إذا توقّف على المرافعة وإقامة البيّنة عنده وتزكية الشهود وبذل المال في تحصيل تلك المقدمات والحلف ؛ إذ (٤) صدق التمكّن عرفا مع الحاجة إلى جميع ذلك بعيد جدا.

ومنها : المال المحجور (٥). وقد مرّ حكاية الإجماع عليه عن التذكرة (٦) والخلاف في الدرهم والدنانير.

وأسنده في المنتهى (٧) أيضا إلى علمائنا إلّا أنّه قيّده في التذكرة (٨) بصورة انتفاء البيّنة.

وربّما يومي ذلك بثبوت الزكاة فيه مع وجودها (٩). وهو على إطلاقه مشكل سيّما إذا توقف الإثبات إلى مضيّ زمان يعتدّ به.

ولو توقّف على الحلف كما إذا كانت الدعوى على الميّت أو كان هناك شاهد واحد أو لم يكن هناك بيّنة لكن ردّ المدعى عليه (١٠) الحلف ففي جري الحكم إشكال.

وكأنّ الأظهر في جميع ذلك عدم حصول التمكّن منه بالفعل كما يشهد به التأمّل في العرف إذا قضى ما يلزم من ذلك القدرة على تحصيل التمكن من التصرف.

__________________

(١) في ( د ) : « وما إذا ».

(٢) البيان : ١٦٧.

(٣) في ( ألف ) : « لانتظر ».

(٤) في ( ألف ) : « إذا ».

(٥) كذا ، والظاهر : « المجحود ».

(٦) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٨.

(٧) منتهى المطلب ١ / ٤٧٦.

(٨) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٨.

(٩) في ( ألف ) : « وجوبها ».

(١٠) في ( د ) : « المدعى عليه عليه ».

٦٥

والفرق بينه وبين نفس التمكّن من التصرّف المعتبر في المقام ظاهر ، والمعتبر هو صدق التمكّن من التصرّف فيه في الحال الحاضر بحسب العرف ، فإن عدّ غير متمكّن منه في الحال انتفى الحكم ، وإن حصل له التمكّن منه بعد ذلك فإنّه يستأنف الحول عند حصوله.

ولا فرق في الجحد بين أن يكون على جهة العصيان وعدمه بأن يكون مستندا إلى جهة شرعيّة موجبة لجوازه ومع علمه بالحال ، أو حجّة قائمة باعثة على اشتباهه.

ولو تمكّن المالك على انتزاعه منه قهرا ولو مع تمسّك الجاحد بحجّة شرعيّة كان تمكّنا من المال ، وإن لم يكن هناك بيّنة إلّا أن يكون هناك غضاضة عرفية أو تعريض للتهمة أو خوف على ماله ، ولو أمكن تخليصه ببذل المال جرى فيه ما تقدّم في المغصوب.

ومنها : الضالّ ، وفي معناها المدفون مع ضياعه محل الدفن.

وقد دلّ عليه خصوص إجماع التذكرة (١). ونفى عنه الخلاف في الخلاف في الدراهم والدنانير.

واسنده في المنتهى (٢) إلى علمائنا.

ويدلّ على خصوص الأخير حسنة سدير ، عن الباقر عليه‌السلام : ما تقول في رجل له مال فانطلق به فدفنه في موضع ، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الّذي ظنّ أن المال فيه مدفون ، فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثمّ إنّه احتفر الموضع من جوانبه كلّه ، فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال : « يزكّيه لسنة واحدة لأنّه كان غائبا عنه ، وإن كان احتسبه » (٣).

والتعليل يعمّ الضالّ والمسروق وغيرهما من وجوه الغياب عن المالك.

ولا فرق بين ما يرجى عوده والعثور عليه وغيره إلّا أن يكون بحيث لا ينافي صدق التمكّن منه بحسب العادة ، ولا بين أن يصل تمام النصاب أو بعضه ، ولا بين عوده إليه بعد ذلك

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٨.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٤٧٥.

(٣) الكافي ٣ / ٥١٩ ، باب زكاة مال الغائب والدين والوديعة ح ١.

٦٦

وعدمه فيستأنف الحول بعد العود.

وفي المبسوط (١) : من كانت عنده أربعون شاة فضلّت واحدة ثمّ عادت قبل حول الحول أو بعده وجبت عليه شاة لأنّ النصاب والملك وحول الحول قد حصل فيه ، فان لم تعد إليه أصلا فقد انقطع الحول.

والتعليل كما ترى سيّما إذا كان عوده بعد حلول الحول ولذا (٢) رجع منه أخيرا حيث قال بعد ذلك : ولو قلنا إنّها حين ضلّت (٣) انقطع الحول ؛ لأنّه لم يتمكّن من التصرّف فيه مثل مال الغائب كان قويّا.

هذا هو المتّجه ، وقد نصّ عليه في المنتهى (٤) تفريعا على اعتبار التمكّن من التصرّف أنّه لا زكاة في الموروث عن غائب حتّى يصل إلى الوارث أو وكيله.

وأسنده إلى علمائنا.

وقد دلّ عليه بعد ذلك عدّة من النصوص :

منها : الصحيح : « لا صدقة على الدين ، وعلى المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك » (٥).

ومنها : الموثق : عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو؟ ومات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه؟ قال : « يعزل حتى يجي‌ء ». قلت : فعلى ماله زكاة؟ فقال : « لا حتى يجي‌ء » قلت : فإذا هو جاء أيزكّيه؟ فقال : « لا حتى يحول عليه الحول في يده » (٦).

ومنها : الخبر عن رجل ورث مالا والرجل غائب هل عليه زكاة؟ قال : « لا حتّى

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٠٣.

(٢) في ( ألف ) : « وإذا ».

(٣) في ( ألف ) : « شكّ ».

(٤) منتهى المطلب ١ / ٤٧٥.

(٥) تهذيب الأحكام ٤ / ٣١ ، باب زكاة مال الغائب ح ٣.

(٦) الكافي ٣ / ٥٢٤ ، باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه ح ١.

٦٧

يقدم ». قلت : أيزكّيه حين يقدم؟ قال : « لا حتّى يحول عليه الحول وهو عنده » (١).

وإطلاق هذه الأخبار وإن أفاد انتفاء الزكاة عن المال الغائب إلى أن يصل إلى المالك سواء قدر على أخذه والتصرف فيه أو لا ، فيكون المناط عدم كونه مقبوضا له وواصلا إليه دون عدم قدرته عليه.

إلّا أنّ في بعض أخبار الباب تقييد (٢) ذلك بعدم قدرته عليه : ففي الموثق ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام : أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال : « لا زكاة عليه حتّى يخرج عليه ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين (٣).

فلا بد إذن من حمل غيره من المطلقات كالأخبار المتقدمة وما دلّ على أنّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء فيه على ذلك.

مضافا إلى اعتضاده بسائر عمومات الزكاة ، وظاهر فتوى الأصحاب بلا خلاف ظاهر بينهم سوى ما يوجد في كلام بعض المتأخرين من نفي البعد عن عدم وجوب الزكاة في مال الغائب مطلقا ؛ لتقييدهم الحكم بعدم وجوب الزكاة في المال الغائب بما إذا لم يقدر عليه ، أو تفريعهم ذلك على اشتراط إمكان التصرّف كما هو ظاهر من تتّبع كلماتهم ، وما يوجد في كلام بعضهم من إطلاق سقوط الزكاة عن المال الغائب إذا لم يكن في الوكيل أو الولي محمول على الغاصب من عدم حصول إمكان التصرّف حينئذ.

كيف ، وتفريع ذلك على اعتبار التمكّن من التصرّف كما في الشرائع (٤) وغيره من أقوى الشواهد عليه.

وفي الخلاف : إن المال الغائب إذا كان متمكّنا منه يلزمه الزكاة بلا خلاف بينهم.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٢٧ ، باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه ح ٥.

(٢) في ( ألف ) : « تقييده ».

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ٣١ ، باب زكاة مال الغائب ح ١.

(٤) شرائع الإسلام ١ / ١٠٧.

٦٨

وفي الرياض (١) : إنّه لا خلاف فيه.

في المدارك (٢) : إنّ عبارات الأصحاب ناطقة بوجوب الزكاة في المال الغائب إذا كان صاحبه متمكّنا منه.

فما ذكره العلامة المجلسي من أنّ عبارات الأصحاب لا تخلو عن تشويش في ذلك.

وظاهر كلام أكثرهم عدم وجوب الزكاة إلّا (٣) إذا كان في يده أو يد وكيله كما ترى.

ولو لا مخافة الإطناب لذكرنا جملة وافية من عبائرهم في المقام ليتّضح به حقيقة المرام إلّا أنّ فيما أشرنا إليه كفاية.

وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا عبرة بمجرّد الغياب وعدم الوصول إلى المالك مع قطع النظر عن عدم إمكان التصرف ، ولا لعدم علم المالك به أو ببقائه وإلّا لجرى في كلّ موضع لم يعلم ببقاء المال.

كيف والاستصحاب حجة شرعية لا مدافع له في المقام.

نعم ، لو كان الجهل بانتقال المال إليه مانعا من التمكّن من التصرف فيه قضي بانتفاء الزكاة من تلك الجهة ولو كان المال في يده ، كما لو سرق مال أبيه فانتقل إليه بالميراث من غير علمه بالحال.

ولو كان وكيلا (٤) عن أبيه احتمل ثبوت الزكاة فيه ؛ لدورانه بين كونه وكيلا أو مالكا.

وعلى الوجهين يثبت الزكاة فيه.

والأظهر عدم الوجوب لعدم تمكّنه من التصرّف فيه على سبيل الاستقلال.

__________________

(١) رياض المسائل ٥ / ٤٥.

(٢) مدارك الأحكام ٥ / ٣٥.

(٣) لم ترد في ( ب ) : « إلّا ».

(٤) في ( ألف ) : « وكيل ».

٦٩

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على امور :

أحدها : أنّه لا فرق في قدرته على التصرّف في الغياب بين قدرته عليه بنفسه أو بوكيله. وهل قدرة الوكيل على التصرّف كاف في تحقّق قدرته ولو تسامح الوكيل في قبضه أو التصرّف فيه؟ وجهان ؛ من أنّ الوكيل بمنزلة الموكّل ، وأنّ المفروض عدم قدرة الموكّل بنفسه وعدم إتيان الوكيل بما وكّل فيه ، فهو غير متمكّن منه بالذات ولو بالواسطة لإباء عن ذلك.

ثانيها : أنّه لو (١) لم يتمكّن من التصرّف في المال الغائب إلّا بعد مدّة نظرا إلى طول المسافة فلا زكاة ؛ لانتفاء قدرته على التصرّف في الحال ، فلا يندرج في الحول ( فإن تسامح في الوصول اليه أو بعث وكيلا بقبضه فتأخر لذلك قدرته على التصرف ضه لم يندرج في الحول ) (٢) نظرا إلى القدرة المتقدّمة لارتفاعها بالتأخير ، فغاية الأمر استناد انتفاء القدرة إلى اختياره ، وهو لا يقضي بتنزيله منزلة التمكّن والاختيار.

كيف ، وكثير من صور انتفاء القدرة إنّما يكون المالك هو الباعث عليه على سبيل الاختيار كالارتهان والنذر وغيرهما.

ومنه يظهر الوجه في إطلاق الخبرين الواردين في ميراث الغائب مع أن للغائب (٣) إمكان التعجيل في المجي‌ء أو بعث وكيل للقبض.

ثالثها : لو كان المال الغائب عند وكيله كان بمنزلة كونه عنده ، فتمكّن الوكيل حينئذ من التصرف فيه كتمكّنه منه سواء تصرّف فيه أو لا ، وهذا بخلاف ما لو قدر الوكيل على قبضه أو التصرّف فيه من غير أن يكون في يده كما مرّ.

وأمّا لو كان عند المستعير (٤) والودعي مع عدم تمكّنه من الاسترداد منهما فالظاهر عدم

__________________

(١) لفظة « لو » لم توجد في ( ألف ).

(٢) ما بين الهلالين أورجت في المتن من نسخة ( د ).

(٣) في ( د ) : « الغائب ».

(٤) في ( د ) : « أو ».

٧٠

جريان الحكم ، وكذا الحال في المستأجر والأجير ونحوهما (١).

أو كون الودعي في الحقيقة وكيلا عنه في الحفظ وكون المال أمانة من قبله عند المذكورين لا يقضي بوجوب الزكاة ؛ إذ لا يعدّ بمجرد ذلك متمكّنا من التصرف فيه. والفرق بين هؤلاء وبين الوكيل ظاهر ؛ لاستنابته له في التصرفات بخلاف غيره.

وفي الصحيح : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما ، متى يجب الزكاة؟ قال : « إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي » (٢).

رابعها : لو مضى على المال الغائب سنون لا يتمكّن من التصرّف فيه ثمّ عاد إليه استحبت زكاته لسنة واحدة على المعروف من المذهب.

وفي المنتهى (٣) : لو عاد المغصوب أو الضالّ إلى ربّه استحبّ أن يزكّيه لسنة واحدة (٤).

وذهب إليه علماؤنا. وفي التذكره (٥) : في المغصوب إذا عاد إليه انّه يزكيه لحول واحد. وهو على الاستحباب عندنا ، وذكر الخلاف فيه عن العامّة.

وظاهر هاتين العبارتين يومي إلى الإجماع عليه.

وفي المدارك (٦) بعد ما ذكر ما أفتى به المحقّق من استحباب الزكاة لسنة واحدة إذا مضى على المفقود (٧) أو الضالّ سنون ثمّ عاد إلى مالكه : إنّ ذلك مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.

وفي النهاية (٨) : وإن لم يكن متمكنا وغاب سنين ثمّ حصل عنده زكّاه لسنة واحدة. وظاهره يعطي الوجوب.

__________________

(١) كذا ، والظهر : « و ».

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ٣٤ باب ٩ ح ١٢.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٤٧٥.

(٤) ليس في ( د ) : « واو ».

(٥) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٩.

(٦) مدارك الاحكام ٥ / ٣٨.

(٧) كذا ، والظاهر : « المغصوب ».

(٨) النهاية : ١٧٦.

٧١

وعن ظاهر بعض فضلاء متأخّري المتأخرين القول به ؛ لظاهر الأمر الوارد في الأخبار.

وفي الحدائق (١) : إنه أحوط.

وأنت خبير بأنّ القول بوجوب ذلك موهون جدّا ؛ لما عرفت من الدليل القائم على اعتبار التمكّن من التصرف في النصاب سيّما بالنسبة إلى المال الغائب.

وتنزيل (٢) عبارة الشيخ على إرادة الاستحباب قريب جدا. ويومي إليه إطلاقه عقيب ما ذكر الحكم بسقوط الزكاة من المال الغائب الموروث إذا لم يصل إلى الوارث إلّا بعد مضيّ حول أو أحوال. وهل يعتبر في ثبوت الاستحباب في المقام مضي سنين على المال؟ فظاهر الوسيلة والسرائر (٣) والشرائع (٤) والنافع والإرشاد ونهاية الإحكام ذلك.

وأطلق في المعتبر (٥) والتحرير (٦) استحباب زكاته لسنة واحدة إذا عاد إليه من غير تقييد بمضي الأعوام.

هو قضية إطلاق العبارة المتقدمة عن المنتهى (٧) ، وكذا عن التذكره (٨). إلّا أنّه ذكر فيه أيضا أنّه لو مضى على المفقود سنون ثمّ عاد زكّاه لسنة استحبابا.

وفي المدارك (٩) : وأطلق العلّامة في المنتهى استحباب تزكية المغصوب والضالّ مع العود لسنة واحدة ، ولا بأس به.

وظاهر كلامه كغيره ممّن أطلق إطلاق الاستحباب ولو مضى عليه سنة واحدة.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢١.

(٢) لم ترد في ( ب ) : « وتنزيل .. المال الغائب ».

(٣) السرائر ١ / ٤٤٣.

(٤) شرائع الإسلام ١ / ١٠٧.

(٥) المعتبر ٢ / ٤٩١.

(٦) تحرير الأحكام ١ / ٣٥٠.

(٧) منتهى المطلب ١ / ٤٧٥.

(٨) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٠.

(٩) مدارك الأحكام ٥ / ٣٧.

٧٢

ونصّ في البيان باستحباب تزكية المال الغائب إذا مضى عليه سنتان فصاعدا ، وقد يحمل عليه عبائر المطلقين.

والأظهر الاقتصار على ما إذا مضت عليه أعوام ؛ إذ هو المفروض في حسنة سدير.

والمستفاد من موثقة زرارة ومرسلة ابن بكير كما يومي إليه قوله عليه‌السلام في (١) ذيل الرواية (٢) : « فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين (٣) » ؛ لكشفه عن فرض الحكم الأوّل في تلك الصورة أيضا.

والوجه في الإطلاق ظاهر ما يتراءى من إطلاق هاتين الروايتين.

وقد عرفت ما فيه ، مضافا إلى أنّ المستفاد من سياقهما زيادة القدر الماضي على العام الواحد ، وكأنّه الوجه في اعتبار عدم قصور الماضي عن السنتين.

وفيه أيضا ما عرفت.

ثمّ إن الحكم المذكور ثابت في المال الغائب عن صاحبه ممّا لا يتمكّن منه مطلقا ، فيندرج فيه الضالّ أيضا والمفقود والمجحود والمدفون والمغصوب.

وأمّا المغصوب الّذي لم يغب عنه المحجور عليه من التصرّف فيه من قبل الظالم بغير أخذه منه ، ففي إجراء الحكم فيه إشكال.

وقضية الأصل عدمه.

خامسها : أنّك قد عرفت وجوب الزكاة في المال الغائب إذا كان بيد وكيله لكونها بمنزلة يده. ولا فرق حينئذ بين ما إذا كان وكيلا مطلقا يفعل به ما شاء أو وكيلا في صرفه في مصرف مخصوص.

وقد يتوهم أنّ تعيين المصرف قاض بنقص سلطان الوكيل ، والمفروض عدم وصول الموكّل إليه ، فلا يكون المالك متمكّنا من التصرف فيه لا بنفسه ولا بوكيله :

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « في ذيل الرواية ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « في ذيل الرواية ».

(٣) الإستبصار ٢ / ٢٨ ، باب المال الغائب والدين إذا رجع إلى صاحبه هل يجب عليه الزكاة أم لا ، ح ٣.

٧٣

أما الأوّل فلأنّه المفروض ، وأما الثاني فلانحصار تصرّفه في أمر مخصوص.

وبمجرّد ذلك لا يعدّ متمكّنا من التصرّف حسبما ذكروه في مال المفلس والمنذور به للصدقة.

ويدفعه : أنّ المرجع في صدق التمكّن من التصرّف إلى العرف ، وهو حاصل في المقام.

ومنه يعرف أنّه لو حجر الظالم على المالك من التصرف إلّا على وجه خاص ليس فيه تضييع لماله ولا إضرار به لم يكن ذلك باعثا على ارتفاع تمكّنه من المال.

وكذا لو عيّن الشارع صرفه في مصرف خاص كأداء الدين وصرفه في نفقة من يجب الإنفاق عليه ونحو ذلك.

والفرق بين ذلك ومال المفلس والمنذور به للصدقة ظاهر ، ويأتي الإشارة إليه إن شاء الله.

ثمّ إنّه يجري الحكم ما دام الوكيل باقيا على وكالته ، فلو عزله جرى الحكم قبل بلوغ الخبر إليه.

وأما لو عزل نفسه من دون بلوغه إلى الموكّل احتمل سقوط الزكاة لانفساخ الوكالة بذلك وعدمه ؛ بناء على القول بجواز تصرفه من جهة الإذن.

ويجري الاحتمال المذكور في كلّ موضع قلنا فيه ببطلان الوكالة وبقاء الإذن.

ويجري حكم الوكيل في ولي السفيه من حاكم وأمينه وعدول المسلمين ؛ بناء على وجوب الزكاة في ماله كما هو الظاهر.

ولا يجري في وليّ الغاصب وإن كان حاكما ؛ إذ ليس ذلك ولاية على الحقيقة.

وإطلاقات الروايات المتقدمة قاضية بسقوط الزكاة عن مال الغائب ولو كان في يد الحاكم أو أمينه.

ثمّ إن المأمور بإخراج الزكاة هو المالك دون الوكيل إلّا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا عموما أو خصوصا.

وبعد حلول وقت الوجوب بمقتضى الأصل بطلان الوكالة بالنسبة إلى حقّ الزكاة ؛

٧٤

لتعلّقها بالعين.

ولو دفعها المالك أو الوكيل من عنده ففي بقاء الوكالة بالنسبة إلى حصّة الزكاة أو لزوم تجدّدها (١) بالنسبة إليها وجهان.

__________________

(١) في ( د ) : « تجديدها ».

٧٥

تبصرة

[ فيما إذا كان النصاب في موضع الحظر ]

إذا ملك نصابا وكانت ملكيته في عرضة الزوال ـ لاحتمال الطواري المزيلة لها كتملّك العين الموهوبة لجواز رجوع الواهب فيها ، وتملّك الأجرة لإمكان زوال العين المستأجر كلّا أو بعضا ، وتملّك الصداق المعرض للسقوط كلّا أو بعضا بطروّ الفسخ قبل الدخول أو الطلاق ـ لم يمنع ذلك من وجوب الزكاة (١) مع انكشاف بقائها عند تعلّق الوجوب.

نعم ، استشكل في المنتهى (٢) في وجوب الزكاة على المرأة في الصداق إذا أقبضه وحال عليه الحول ثمّ انفسخ النكاح لعيب ، لكنّه استقرب الوجوب.

وفي التحرير (٣) : إن الأقرب الوجوب بعد الحول. وفيه اشارة إلى ذلك.

وقضية ما ذكره جريان الإشكال في نظائره أيضا لكنّه إشكال ضعيف.

كيف ، ولو كان احتمال الزوال كافيا في ذلك لجرى في احتمال التلف سيّما مع حصول المظنّة كما إذا كان النصاب في موضع الحظر.

وحينئذ فإن لم ينفسخ الملكيّة فلا كلام ، وكذا مع انفساخها قبل تعلّق الوجوب ، وإن كان بعده قبل الدفع لم يزاحم ذلك وجوب الزكاة.

وليس للآخر إلزامه بإخراج الزكاة من غيره ليسلم له العين لما تقرّر من تعلّق الزكاة بالعين وضمانه لها مع بقاء عينها إنّما يكون باختياره.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « بل لا خلاف فيه ظاهرا ؛ لحصول الملكية لحصول سببها ، واحتمال زوالها لا يمنع من وجوب الزكاة ».

(٢) منتهى المطلب ١ / ٤٧٦.

(٣) تحرير الأحكام ١ / ٣٥١.

٧٦

نعم ، لو كان بحيث يجب عليه تخليص العين للآخر بعد الانفساخ مع الإمكان.

كأن شرطه (١) عليه ذلك في ضمن عقد لازم وجب عليه ذلك ، وحينئذ فلو دفع العين في الزكاة احتمل فساد الدفع من جهة النهي.

وذلك ظاهر فيما لا يكون الدفع إليه مبنيّا على الضمان كما في الهبة ، ولا يلتزم بعد رجوع الواهب بالدفع من غيره ليخلص له العين قطعا ؛ وأمّا في العقود المبنيّة على الضمان كالبيع والإجارة والنكاح مع طروّ الفسخ (٢) والانفساخ فالظاهر أيضا ذلك ؛ نظرا إلى قضاء الفسخ أو الانفساخ بالرجوع إلى العين مع الامكان. وحيث إنّ المفروض انتقالها عن الآخر لتعلق الزكاة بالعين على نحو الشركة حسبما سيجي‌ء الكلام فيه لا يمكنه الرجوع إليها.

وتمكّن الآخر من تخليصها بدفع الزكاة من غيرها غير مفيد في المقام ؛ إذ هو إنّما يثمر لو قام دليل على وجوب التخليص عليه ، ولا مستند له سوى ما قد يقال من بناء الدفع إليه على الضمان ، ومقتضاه وجوب دفع العين بعد الانفساخ مع الإمكان ، ثمّ دفع عوضه من المثل أو القيمة ، فإذا فرض تمكّنه من تخليص العين قضى ذلك بوجوبه عليه من باب المقدّمة.

ويدفعه أنّ قضيّة انفساخ المعاملة رجوع كلّ من العوضين إلى مالكه مع إمكانه أو بدله مع امتناعه ، فينتقل الحق إلى ذمة الآخر ، والمفروض (٣) امتناع الرجوع إلى نفس العين قبل الضمان لحصول المانع ، فلا بدّ من انتقال عوضه إليه في ذمة الآخر. وحينئذ فبعد تملكه لبدله في الذمة لا مقتضى لوجوب دفع العين.

نعم ، لو انفسخ بعد ضمانه للزكاة أو انتقاله إليه ثانيا بعد دفعه في الزكاة احتمل قويا تعين دفع العين لارتفاع المانع مع احتمال عدمه لقضاء الفسخ بإزالة الانتقال الحاصل بالعقد المفسوخ دون غيره ، والمفروض كون الانتقال المذكور حاصلا بسبب آخر.

وكأنّ هذا هو الأظهر.

__________________

(١) في ( د ) : « شرط عليه ».

(٢) في ( د ) : « أو ».

(٣) لم ترد في ( ب ) : « والمفروض .. ذمّة الآخر ».

٧٧

ولو انتقل إليه العين بالضمان أو غيره بعد الانفساخ وقبل دفع العوض ففي وجوب دفعه أيضا وجهان ؛ من قضاء الاستصحاب بوجوب دفع البدل ، ومن أنّه إنّما وجب دفع البدل لحصول المانع في المبدل ، فإذا ارتفع المانع لزم دفعه.

وفيه : أنّ القدر الثابت هو وجوب دفع العين لو كانت منتقلة إليه بالانتقال الأوّل ، وأمّا (١) انتقاله إليه بوجه آخر فلا دليل على وجوب دفعه.

فعلى هذا لو أراد دفع العين إليه فهل له الإباء عنه والمطالبة بالعوض ؛ نظرا (٢) إلى أنّه حقّه ، أو يلزمه القبول (٣) ؛ إذ هو عين ماله وإنّما يستحقّ المثل أو القيمة عوضا عنه فإذا بذله له لم يكن له الامتناع منه؟ وكأنه الأوجه.

ثمّ بناء على لزوم دفع العين في المقام يقوم احتمال مطالبته لها لو انتقلت إليه بعد دفع العوض من المثل أو القيمة بناء على أنّه إنّما كان ذلك من جهة قيام المانع من الرجوع في العين ، فإذا خلص له ذلك رجع إلى عينه.

وهو (٤) نظير ما لو ضاعت العين المغصوبة فيرجع المالك إلى عوضها ثمّ وجدها الغاصب ، فإنّه لا يستحقّها بدفع العوض ، بل يرجعها إلى مالكها ويسترجع ما بذله من العوض.

ولا يخفى ما فيه.

والفرق بينه وبين العين المغصوبة ظاهر.

وأمّا (٥) إذا كان الفسخ أو الانفساخ بعد الدفع ، فإن لم يكن الانتقال إليه من الضمان كما في الهبة فلا ضمان للمدفوع قطعا ، وإنّما له الرجوع في الباقي كما هو الحال في إتلاف بعض العين الموهوبة.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « مع ».

(٢) في ( د ) : « القول ».

(٣) في ( د ) : « نظر أنّه ».

(٤) في ( د ) : « فهو ».

(٥) في ( ألف ). « ولها ».

٧٨

وفي التحرير : الأقرب أن الموهوب لا يضمنه.

وفيه دلالة على قيام احتمال الضمان ، ولم يعلم الوجه فيه وإن كان مبنيّا على الضمان كما في البيع والإجارة والنكاح ونحوها ، فاللّازم الرجوع إلى المثل أو القيمة لتعذر العين.

وربّما يتخيّل في المقام أيضا وجوب التخليص أيضا مع إمكانه ؛ نظرا إلى ما مرّ.

ولا يخفى بعده. وليس للمالك تتبع العين ؛ إذ المفروض صحّة الدفع.

هذا ، ولو اختص الانفساخ ببعض النصاب فإن كان بعد الدفع جرى ما ذكرناه فيما يخصه من الحصة لإشاعة الحصّة المنفسخة من الموجود ؛ حملا له على الوجه الصحيح ، فلو رجع الواهب في نصف ما وهبه مع (١) تلف النصف انصرف إلى النصف الباقي.

وفيه إشكال.

نعم ، لو علم الواهب بالتلف قوي القول به ، وكذا لو طلب منه ردّ نصف ما أعطاه. أما لو رجع في النصف المشاع ممّا وهبه مع عدم علمه بتلف شي‌ء منه أو غفلته عنه ، فالأظهر فيه ما قدّمناه ، وإن كان قبل الدفع احتمل فيه أيضا ما ذكرناه ؛ أخذا بظاهر الإشاعة.

ويمكن القول بانصرافه إلى غير حصة الزكاة فيأخذ الحصة المنفسخة كمّلا من عين الباقي ؛ إذ لا تدافع بين الحقين مع إشاعتهما ووفاء الكلّ بهما ، فلا داعى إلى التقسيط ، فلو تلف نصف المبيع قبل القبض بعد حلول الحول على الثمن عند البائع استحق المشتري نصف عين الثمن ، وكان عليه إخراج الزكاة من النصف الباقي ؛ لما عرفت من كونهما حقّين وردا على المال مع وفائه بهما. مضافا إلى أنّ قضية الانفساخ هو الرجوع إلى العين.

وإنّما يرجع إلى المثل أو القيمة مع تعذر الرجوع إلى العين ، وهو غير حاصل في المقام.

وأيضا انتقال الحق إلى الذمة غير معلوم ، وقضية الأصل عدمه.

فظهر بما قرّرناه قوة الوجه الأخير.

وقد أشار الأصحاب إلى بعض جزئيات المسألة :

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « وهبه مع ... ردّ نصف ».

٧٩

منها : ما إذا طلّق زوجته قبل الدخول وكان المهر عينا خارجية من أحد النصب الزكويّة وقد اختلفوا فيه ، فذهب الشيخ في المبسوط (١) والمحقق في المعتبر وظاهر الجامع (٢) والعلّامة في المنتهى (٣) والتحرير (٤) والقواعد (٥) إلى رجوعه إليها حين النصف كمّلا من غير أن يخرج منه شي‌ء بإزاء الزكاة ليرجع على الزوجة بعوضه من مثله وقيمته.

وحكم بذلك في التذكرة أيضا إلّا أنّه قال بعد ذلك : إنّ الوجه عندي الرجوع في نصف الموجود والمطالبة بعوض الزكاة من المثل أو القيمة.

وظاهر كلامه فرض الحكم في صورة إخراج الزكاة قبل وقوع الطلاق. وقد وافقه في ذلك الشهيد في البيان (٦) حيث إنّه نصّ على أن الأقوى حينئذ أخذ الزوج بنصف الباقي ونصف قيمة المخرج. قال : وإن طلّق قبل الإخراج احتمل أن لها الإخراج من العين ، وتضمن للزوج. وما قواه من عدم انحصار حق الزوج حينئذ في الباقي بل له نصف الباقي عوض نصف المخرج هو الأقوى أخذا بقضية إشاعة حقه في نصف ما وقع العقد عليه ، فيكون الباقي لهما والذاهب (٧) منهما ، وإن رجع بعوضه عليها ؛ لكون الانتقال إليها مبنيّا على ضمانها. ولا دليل على احتساب حق الزوج من عين الباقي سوى ما يتخيّل من إمكان رجوعه إلى العين ، فلا داعي إلى رجوعه بالعوض.

وقد عرفت ضعفه.

وأمّا لو كان ذلك قبل الإخراج فالقول باستحقاقه لعين النصف هو المتّجه.

ومجرّد تعلّق الزكاة بالعين أيضا لا يقضي بانتقال حقه في نصف الزكاة إلى الذمّة ؛ إذ

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٠٧.

(٢) جامع المقاصد ٣ / ٩.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٤٧٦.

(٤) تحرير الأحكام ١ / ٣٥٢.

(٥) قواعد الأحكام ١ / ٣٣٢.

(٦) البيان : ١٧٠.

(٧) لم ترد في ( ب ) : « لهما والذاهب .. عين الباقي ».

٨٠