تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

جهته دون البائع سيّما إذا كان البائع جاهلا بالانتقال ، وتحمل القول بالرجوع نظرا إلى انتقال ملكه بمال البائع فعليه التفريغ ، ويتبعه استحقاق أرش النقصان اللاحق لماله من جهة تفريغه ، ولو كان البناء أو الغرس لثالث فالظاهر عدم سلطان المشتري على الإخراج مع تضرّر المالك به.

وأمّا لو كان للبائع أمكن القول بإلزامه به مع علمه بالحلال وأمّا مع جهله ففيه ما سبق من الإشكال.

وممّا قرّرنا يمكن استنباط الحال في سائر الفروض المذكورة فلا نطيل الكلام ببيانها.

ولو باع أرضا فظهر فيها معدن كان للمشتري ، فإنّه من لواحق الأرض كالصخور المخلوقة فيها ، وحينئذ فإن كان البائع قد ملكها بالإحياء تخيّر بين الفسخ والإمضاء على ما قطع به في التحرير (١).

ولو ملكها بالشراء ذكر فيه احتمالين : عدم الخيار لكون الحق للبائع الأوّل ، وثبوته نظرا إلى انتقاله إليه ، وكون الحق له بالفعل وإن كان للآخر مطالبته بعد علمه بالحال كما لو اشترى معيبا ثمّ باعه ولم يعلم بعيبه ، فإنّه يستحقّ الأرش وإن كان قد باعه بقيمة الصحيح.

وهذا هو الأظهر ؛ لخروجه على خلاف الوصف المشاهد أو الموصوف من جهة ظهور المعدن فيه سيّما إذا كان مغبونا بالنظر إلى حصول ذلك فيه.

غاية الأمر أن ثبت الخيار للبائع الأوّل أيضا.

ولو ظهر في الأرض كنز ونحوه لم يدخل في المبيع وكان باقيا على حاله كالحجار والصخور المدفونة فيه المعدّ للنقل ، ثم لو باعه فيه (٢) بجميع ما فيه على أن يكون ما فيه تابعا للمبيع في الانتقال حتى لا يضرّ الجهالة به على ما مرّ الكلام فيه تبعه ذلك في الانتقال لو كان ملكا للبائع.

ولا يدخل البناء والغرس في بيع الأرض بلا خلاف يعرف فيه.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ / ١٧٤.

(٢) في ( د ) : « منه ».

٤٢١

نعم ، لو غرس الأرض وباعها قبل أن يرسخ عروقه قال الشيخ (١) : انّه يدخل الغرس في البيع.

وفيه ضعف.

ولو باعها بحقوقها لم يندرج أيضا ؛ إذ ليس البناء والغرس من حقوق الأرض.

وعن الشيخ أيضا دخولهما حينئذ في المبيع.

ولا يخلو عن بعد.

نعم ، لو قامت هناك قرينة على إرادة ذلك فلا كلام ، وكذا لو ثبت فيه عرف خاص عند المتعاقدين.

ولو قال : وما أغلق عليه بابها ، ففي التحرير (٢) : إنّه يدخل فيه ذلك قطعا.

وهو متّجه وإن لم يكن له باب لكونه كناية عن جميع ما فيها حسبما مرّ.

ولو كان فيها زرع لم يندرج في المبيع أيضا ولو كان بذرا قبل اخضراره.

وعن الشيخ رحمه‌الله اندراج البذر في المبيع ، وقال فيما يجذّ مرات كالقب والنعناع (٣) انّه إن كان مجذوذا دخل الأصول في المبيع ، فتكون الجذّة الآتية للمشتري وإن لم يكن مجذوذا فالجذّة الأولى للبائع والباقي للمشتري.

والّذي يقتضيه ظاهر العرف في جميع ذلك الخروج عن المبيع إلّا أن يكون هناك شرط أو عرف خاصّ في المقام يقتضي ذلك حينئذ (٤) ، فإن كان المشتري عالما باشتغاله لم يكن قلعه إلّا مع الشرط لما فيه من إضرار البائع ، وليس له مطالبة الأجرة على الإبقاء أيضا كما نصّ عليه في التحرير وغيره فإن ذلك قضيّة تملك الزرع مع الإطلاق كما هو الحال فيما لو باعه الزرع وأطلق ، فكذا لو بقي على ملك المالك الأوّل.

__________________

(١) المبسوط ٢ / ١٠٩.

(٢) تحرير الأحكام ٢ / ٣٢٦.

(٣) في ( ألف ) : « والنقاع ».

(٤) في ( د ) : « وحينئذ ».

٤٢٢

ولا خيار له أيضا ؛ لإقدامه عليه عالما بالحال ، ولو كان جاهلا به بأنّ اشتراه بالوصف من دون أن تبيّن له ذلك (١) بالرؤية القديمة حال خلوها من (٢) ذلك ثبت له الخيار في فسخ العقد ؛ إذ لا سلطان له على قلع العين أيضا ؛ لما مرّ في الصورة الأولى ، وإبقاؤه فيه من دون أجرة ضرر عليه ، فينجبر (٣) ذلك بالخيار بحمل (٤) القول بتسليطه حينئذ على القلع ؛ لإقدام البائع على تسليطه على العين مع علمه بالحال ، بل وكذا مع جهله بها ؛ نظرا إلى وجوب التفريع. عليه إلّا أنّه ينجبر ذلك بانجباره أيضا صورة جهله.

ولا يخلو ذلك عن وجه ؛ نظرا إلى ظاهر الأصل إلّا أنّي لم أجد من أفتى بمقتضاه ، ومع (٥) البناء عليه له مطالبته بأجرة الأرض لو رضي ببقائه كذلك.

وكيف كان ، فلا سلطان له حينئذ على أخذ الأرش ؛ لعدم اندراج ذلك في العيب ودفع البائع إيّاه لا يسقط خياره كما هو الحال في نظائره من موارد الخيار ، فإن ذلك عطاء مستقلّ ، ولا يجب عليه القبول.

نعم ، لو رضي المشتري بإسقاط الخيار عند بذل العوض كان ذلك من قبيل الصلح على إسقاط الخيار ، وكان ذلك معاملة جديدة لا مانع منها بعد تراضيهما عليه.

ولو تركه البائع له احتمل في التذكرة (٦) سقوط الخيار به حاكيا له عن الشافعي قال : وعندي فيه إشكال.

ورجّحه بعض محقّقي المتأخرين مع ارتفاع الضرر به ، قال : ولعل استشكل العلّامة في غيره.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « أو ».

(٢) في ( د ) : « عن ».

(٣) في ( ألف ) : « فيجيز ».

(٤) في ( د ) : « يحتمل ».

(٥) في ( ألف ) : « مع » بدون الواو.

(٦) تذكرة الفقهاء ١٢ / ٤٨.

٤٢٣

قلت : والأظهر أنّ مجرّد تركه (١) لا يقتضي بسقوط خياره وإن ارتفع الضرر به ؛ لعدم وجوب القبول عليه.

نعم ، لو قطع النظر عنه وبنى عليه تفريغه وقلعه من دون أن يلحق المشتري ضرر بتفريغه سقط به خياره في وجه قوي.

ويجري جميع ما ذكرناه في صورة اشتغالها بالغرس أو البناء إلّا أن القول باستحقاقه أجرة الأرض من جهة اشتغالها بذلك في غاية القوة ولو كان عالما بالحال. وفي ذلك تأييد للحال لما ذكر احتملناه هناك.

ومنها : الشجر ، ويندرج فيه أصلها وأغصانها الرطبة واليابسة وعروقها كذلك ، وكذا أوراقها وإن كان الورق هو المقصود منها كورق التوت.

وكونه حينئذ نظير الثمرة لا يقضي بإلحاقها بها في الخروج مع اندراجه في الاسم دونها.

وتأمّل بعض محقّقي المتأخرين فيه ليس في محلّ بعد ما عرفت.

وفي دخول الورد الحاصل في الشجر سيّما إذا كان المطلوب منه هو الورد إشكال.

وقد نصّ بعضهم بعدم الدخول.

وقد ينضج عنده (٢) وعن الشيخ القول بالدخول حينئذ ولا يبعد القول بخروجه عن مسمّى الشجر لغة فإن لم يكن هناك شاهد عرفي على التبعيّة (٣) فالأظهر الخروج.

وأمّا الثمرة ونحوها فهي غير داخلة في الشجر من غير إشكال. وربّما ينتفي الخلاف عنه إلّا أنّه حكي عن الشيخ (٤) والقاضي (٥) اندراج نحو القطن بعد خروج جوزته وقبل الشقق في بيع الأصل.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « له ».

(٢) في ( د ) : « وأن ينفتح خبذه » بدل : « وقد ينضج عنده ».

(٣) في ( ألف ) : « البقية ».

(٤) المبسوط ٢ / ١٠٢.

(٥) المهذب ١ / ٣٧٤.

٤٢٤

وهو كذلك مع مساعدة العرف أو المقام ، وأمّا من دونهما فالظاهر عدم الاندراج.

وما ذكرناه ظاهر فيما إذا كانت الثمرة ظاهرة بعد تناثر الورد ، ولو كانت في الورد مع تفتحه وظهوره فالظاهر أيضا ذلك ، ولو كان قبل تفتح النور وظهور الثمرة في جريان الحكم المذكور وجهان.

واستشكل فيه في التحرير (١). والأظهر أن يقال : إنّه إن قيل بخروج الورد حينئذ فالظاهر عدم الإشكال في خروج الثمرة الحاصلة فيه ، وإلّا فالإشكال فيه متّجه.

هذا كلّه في غير ثمر النخل ، وأمّا في النخل فإن كانت مؤبرة لم يندرج في بيعها ، بل هو باق على ملك البائع على المعروف بين الأصحاب.

وعن التذكرة (٢) حكاية الإجماع عليه ؛ لما عرفت من الأصل نظرا إلى خروج الثمرة عن مفهوم الشجرة نخلا كانت أو غيرها.

والنصوص المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب والإجماع المنقول منها قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من باع نخلا قد أبر فتمرته (٣) للبائع إلّا أن يشترط المبتاع ». قال : « وصّى (٤) به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٥).

وفي آخر : « من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع إلّا أن يشترط المبتاع » (٦) ( أقضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي آخر : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ ثمر النخل للذي أبرها إلا أن يشترط المبتاع » ) (٧).

__________________

(١) تحرير الأحكام ٢ / ٣٣٢.

(٢) تذكرة الفقهاء ١٢ / ٧٤.

(٣) في المصدر : « أبره فثمرته ».

(٤) في المصدر : « قضى ».

(٥) الكافي ٥ / ١٧٧ ، باب بيع الثمار وشرائها ح ١٤.

(٦) الكافي ٥ / ١٧٧ ، باب بيع الثمار وشرائها ح ١٢.

(٧) ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).

٤٢٥

وقد خالف في ذلك الطوسي (١) ، ففصّل بين ما إذا كان البيع بعد بدوّ صلاح الثمرة وقبله ، فعلى الأوّل يكون للبائع ، وعلى الثاني للمشتري إلّا أن يشترط للآخر في الصورتين.

ولم نقف له على مستند. وقد يحتجّ له بكونها قبل بدوّ الصلاح بمنزلة جزء الشجرة ، ولا يعد شيئا آخر بخلاف ما إذا كان بعد البدو.

وهو كما ترى.

وإن لم تكن مؤبرة اندرجت في المبيع وكان للمشتري ، على المعروف بين الأصحاب.

والمخالف هنا أيضا هو القاضي (٢) في ظاهر كلامه حيث جعل المناط بدوّ الصلاح وعدمه.

ويدل على الحكم المذكور مفهوم القيد المأخوذ في المستفيضة المتقدمة المعتضدة بفهم الأصحاب والإجماع على المسألة ، حكاه في التذكرة (٣) والمختلف (٤).

ويظهر دعواه من (٥) جماعة. ونفى عنه الخلاف بعض الأجلّة ، فيخرج بذلك عن مقتضى الأصل المذكور ( من خروج الثمرة عن مفهوم الشجرة ، فلا يحكم باندراجها في المبيع من غير قيام دليل عليه ، فظهر بذلك اختصاص الحكم المذكور ) (٦) بالبيع ، فلا يجري في سائر وجوه الانتقالات من الصلح والهبة المعوضة وغيرها.

وجعله مهرا وعوضا من المنافع في الإجارة ونحوه مضافا إلى ما حكي عن البعض عن (٧) دعوى الإجماع عليه.

وقد خالف فيه الشيخ والقاضي (٨) فضماه إلى الأصل في الجميع ، قال الحلى : إنّه الدليل

__________________

(١) المبسوط ٢ / ١٠٢.

(٢) المهذب ١ / ٣٨٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ / ٥٧٣.

(٤) مختلف الشيعة ٥ / ٢٠١.

(٥) في ( د ) : « عن ».

(٦) ما بين الهلالين مما زيدت من ( د ).

(٧) في ( د ) : « من ».

(٨) المهذب ١ / ٣٧٤.

٤٢٦

سوى القياس.

ولو أبرتها الرياح بعد تشققها من نفسها ففي جريان حكم المؤبّر عليه وجهان ؛ من خروجه عن ظاهر الأخبار المذكورة وقضاء ظاهر التقييد بكونها للمشتري ، ومن (١) انّها في معنى التأبير ، فيجري حكم المؤبر عليها.

مضافا إلى ما عرفت من الأصل ، فإنّ القدر المتيقّن من غير المؤبر هو ما لم يقع عليه التأبير أصلا ، فلا بدّ من الرجوع في ذلك إلى مقتضى الأصل من كونها للبائع.

ولو كان بعض النخيل مؤبرة دون البعض كان لكلّ حكمه سواء كانت من نوع واحد أو أنواع مختلفة.

ولو كان البعض من شجرة واحدة مؤبرا دون البعض فهل يجري لكلّ حكمه أو يجعل غير المؤبر تابعا للمؤبّر؟ وجهان.

وتنظّر في التحرير (٢) في الحكم بالتبعية. وهو في محله.

ولو اشترى في نخلة مطلعة (٣) وكانت مؤبرة ولم يعلم المشتري بتأبيرها ، ثمّ علم به فذهب الشيخ في المبسوط (٤) إلى ثبوت الخيار له أو الثمرة حينئذ للبائع ويفوت على المشتري ثمر عامه ، فيتخيّر ذلك بخياره في الفسخ وعدمه.

والأظهر عدم ثبوت الخيار له كما استقر به في المختلف (٥) ؛ إذ المبيع إنّما هو النخلة دون الثمرة ، والمفروض تعلّق البيع به بعد بروز الطلع ، وهو أعم من كونها مؤبرة أو غيرها ، فلا إقدام في المقام على شي‌ء ظهر خلافه لتخيّره بالخيار.

غاية الأمر إقدامه على أمر دائر بين الوجهين ، فإن كان هناك مانع فإنّما هو من جهة

__________________

(١) في ( ألف ) : « من ».

(٢) تحرير الأحكام ٢ / ٣٣١.

(٣) في ( ألف ) : « مطلقة ».

(٤) المبسوط ٢ / ١٠٩.

(٥) مختلف الشيعة ٥ / ٢٧٨.

٤٢٧

الجهالة ، وهي إن حصلت في المبيع قضت بفساد المعاملة دون الانجبار بالخيار لكن الظاهر عدم قضائها هنا بالفساد ؛ إذ ليست الثمرة حينئذ جزء من المبيع لتكون الجهالة باندراجها فيه وعدمه قاضية بالجهالة في المبيع ، وإنّما هي تابعة للمبيع في حكم الشرع ، والجهالة بالتابع لا تمنع من صحّة العقد حسبما مرّ في نظائره.

نعم ، لو اشتراه بشرط أن لا تكون مؤبّرة أو مع وصف عدم التأبير أو بشرط عدم ظهور الطلع كان له الخيار بعد انكشاف الخلاف.

ولا أرش في المقام ، فإنّه إنّما يثبت من جهة العيب ، ولا عيب في الصورة المفروضة.

ولو باعها على أنّها مؤبرة فظهر عدم التأبير فإن كان البائع عالما بالحال ثبت له الخيار ، وإن كان عالما وتعمّد الكذب في الوصف فلا خيار له.

ولو شرط الثمرة لنفسه فلا فرق بين ظهورها مؤبّرة ، أو غير مؤبّرة ولا بين علمه بالتأبير وعدمه.

وكذا لو شرطها للمشتري.

ولو اشترط التأبير في الثمرة فظهر عدمه ثبت الخيار في الصورتين.

ثمّ على ما ذكر من عدم اندراجها في المبيع مع التأبير لو احتاجت إلى السقي لم يكن لمالك الأصل المنع فيه (١) كما أنه لو احتاجت الأصول إلى السقي (٢) لم يكن للآخر منعه.

ولو كان سقي الأصول مضرّا بالثمرة وسقي الثمرة مضرّا بالأصول وتعارضا (٣) في ذلك فإن شرطا أحدهما على الآخر السقي عند حاجته دون الآخر كان متبعا ، ولم يكن للآخر مزاحمته.

ومع عدم الاشتراط ففي ثبوت الخيار لمن يرد الضرر عليه أو سلطان طالب السقي على الإسقاء فيجبر الممتنع عليه أو تقديم مصلحة المشتري حيث إنّ البائع هو الّذي أدخل على نفسه ذلك ، وجوه.

__________________

(١) في ( د ) : « منه ».

(٢) ليس في ( ب ) : « إلى السقي .. كان السقى ».

(٣) في ( ب ) و ( د ) : « تعاسرا » بدل : « تعارضا ».

٤٢٨

واعتمد في المختلف (١) على الأخير. وهو متّجه إن كان البائع عالما بالحال حين الإقدام بالبيع.

وإن كان جاهلا به ففي ترجيح أحد الجانبين إشكال.

ويحتمل هناك وجه رابع ، وهو سلطان كل منهما على السقي (٢) في الصورتين مع تحمله ضرر الآخر لكونه جمعا بين الحقّين.

ويمكن أن يقال بسقي (٣) الأشجار من جهة أصولها وأثمارها قاعدة معروفة يجري عليها في العرف ، فإذا تعلّق العقد بالأصول أو الثمار رجع في سقيها إلى القاعدة المفروضة ؛ لانصراف الإطلاق في ذلك إلى التعارف الشائع ، فللمشتري سقيها كذلك من دون أن يزاحمه البائع ، فإن اتفق هناك حاجة الأصول أو الثمار خارجا عن القاعدة المفروضة كان للآخر الامتناع عنه مع (٤) إضراره به ؛ لما عرفت من صرف العقد إلى المتعارف.

ثمّ إنّ الثمرة إذا كانت للبائع كان له إبقاؤها إلى زمان جذاذها أو اقتطافها (٥) على النحو المتعارف ، وليس للمشتري إلزامه بالجذاذ والاقتطاف قبل ذلك على ما هو الحال في بيع الثمار.

ولو اتفق انقطاع الماء وكان إبقاء الثمر على الشجر مضرا به فهل يتسلّط المشتري على قطعها؟ فيه قولان :

أحدهما : عدم تسلّطه على البائع ، فإنه لما رضي ببيع الأصل منفردا عن الثمرة فقد رضي بما يتفرع عليه من الضرر.

ثانيهما : إن له اجبار البائع على القطع. وعلّل تارة بأنّ الثمرة لا تخلو (٦) من (٧) ورود النقص

__________________

(١) مختلف الشيعة ٥ / ٢٧٧.

(٢) في ( ألف ) : « النص ».

(٣) في ( د ) : « لسقي ».

(٤) زيادة « مع » من ( د ).

(٥) في ( ألف ) : « اقتضائها ».

(٦) في ( ب ) : « يخلو ».

(٧) في ( د ) : « عن ».

٤٢٩

عليها أخذت أو مسكت (١) ، فلا بدّ من ملاحظة حال الشجر. وأخرى بأنّ المشتري يتسلّط على إلزام البائع بالتفريغ وإنّما وجبت التبقية في المقام لمصلحة البائع ، وحيث انتفت المصلحة المقتضية لاستحقاق التبقية رجعنا إلى أصالة وجوب الإزالة. كذا ذكره العلّامة في المختلف (٢) واستقرب البناء عليه.

وهو إنّما يتمّ إذا لم يختلف الحال في ورود الضرر على الثمرة بين قطعها وإبقائها على حالها مع تضرّر مالك الشجرة بالإبقاء ، بل يمكن القول بسلطانه حينئذ على القطع مع عدم تضرّر مالك الأصل أيضا ؛ نظرا إلى العلّة المذكورة.

وأمّا إذا اختلف الحال في الصورتين بأن لم يترتّب عليه ضرر مع التبقية أو كان الضرر في التبقية أقل ، فلا يتمّ الوجه المذكور.

هذا ، [ و ] لا يندرج المغرس في بيع الأشجار ، بل هي باقية على ملك البائع إن كانت له بلا خلاف يظهر فيه ، إذ لا قاضي باندراجه في المبيع لكن يستحق المشتري عليه تبقيتها في الأرض ، فليس له أن يطالبه بالقلع ولا بالأجرة ، وله مدى جرائدها وإن خالت بعد ذلك ، وكذا عروقها ، فليس لمالك الأرض قطع الأغصان المستطيلة ولا العروق المتباعدة ، وله الاستطراق إليها في الأرض المفروضة مهما شاء إن كان يجي‌ء إليها لإصلاحها أو إصلاح ثمرتها المملوكة له ، ولا سلطان لمالك الأرض على منعه منه ، ولا شغل الأرض بما يضرّ بالأشجار.

وسلطان صاحب الشجر على ذلك كلّه على وجه الاستحقاق دون الملكيّة حسبما عرفت.

ولو انقلعت الشجرة أو قطعها المشتري لم يكن له غرص آخر مكانها ، فإن استحقاقه في الأرض إنّما كان بتبعيّة (٣) الشجر ، فإذا زال زال الاستحقاق إلّا أن يكون قد اشترط ذلك على مالك الأرض لو يبست (٤) الشجرة كان له الأمر بقلعها ، وكذا لو يبست (٥) بعض أغصانها

__________________

(١) في ( د ) : « مكست » ، وفي ( ألف ) : « سكت ».

(٢) مختلف الشيعة ٥ / ٢٧٧.

(٣) في ( ألف ) : « تبقية ».

(٤) في ( ألف ) : « ينبت ».

(٥) في ( ألف ) : « ينبت ».

٤٣٠

بالنسبة إلى القدر اليابس. ولو بلغت إلى حدّ يقطع في العادات كأشجار الأثمار إذا ذهب عنها قوة الإثمار ففي تسلّط المالك على الأمر بقلعها وجه قوي.

ولو اشتراه بشرط القلع للاحتطاب أو النجارة أو الوضع (٦) قلعها مع أدائه أيضا.

وأما إن كان جاهلا بالحال فزعم كون الأرض ملكا للبائع في سلطانه على البائع بدفع الأجرة أو عدمه وثبوت الخيار (٧) في الفسخ وجهان.

ويحتمل هناك وجه ثالث ، وهو ثبوت الخيار له مطلقا ، فإن فسخ فلا كلام ، وإلّا استحقّ على البائع دفع الأجرة عن التبقية.

وهل يتسلّط مالك الأرض على المشتري في مطالبة الأجرة؟ الظاهر ذلك ؛ لاستيفائه منفعة الأرض بتبقيه ملكه فيها ، ولكن له الرجوع على البائع بناء على الوجه المذكور.

ولا يخلو عن قرب.

هذا ، ولمّا كانت الأرض باقية على ملك البائع فله ذرعها بما لا يضرّ بالأشجار ، وكذا إجارتها لما لا يمانع حقّ المشتري ، ولكل منهما استيفاء ماله عند الحاجة إليه مع عدم إضراره بالآخر.

احتاجت الأشجار إلى السقي وكان مضرا بالزرع تسلّط المشتري على السقي بخلاف العكس.

ويجري ذلك فيما لو كانت الأرض ملكا لغير البائع إذا كانت التبقية مستحقة عليه.

ومنها : الحيوان من عبد وأمة وغيرهما من الحيوانات ، فإن (٨) باع حاملا سواء كان إنسانا أو حيوانا لم يندرج الحمل في المبيع على المعروف بين الأصحاب.

__________________

(٦) من قوله : « في السيوف والأبنية » إلى قوله « أن يؤديها وليس لصاحب الأرض » لم ترد في ( ألف ).

(٧) في ( د ) زيادة : « له ».

(٨) في ( د ) : « فلو ».

٤٣١

وحكي القول به عن الشيخين في المقنعة (١) ونهاية (٢) والديلمي والقاضي في الكامل والحلبي (٣) والحلي (٤).

ويجوز اشتراطه للمشتري على ما نصّ عليه جماعة منهم ، وكذا للبائع فيكون الشرط مؤكّدا.

وعن الإسكافي (٥) أنه يجوز أن يستثنى الجنين في بطن أمّه من آدمي وحيوان.

وفيه إلى اندراجه في المبيع لو لا الاستثناء كما هو المصرّح به في كلام الطوسي.

وذهب الشيخ في المبسوط (٦) والقاضي في المهذّب (٧) والجواهر (٨) إلى أنّه للمشتري ، ولا يجوز اشتراطه (٩) للبائع.

وقد حكي القول المذكور عن الشافعي.

حجّة الأوّل أنّ البيع إنّما تعلّق بالأمّ ، والحمل خارج عن مفهومه ، فلا يتناوله اللفظ مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما في المقام عقلا ولا عرفا ، فلا قاضي باندراجه في المبيع مع الإطلاق.

نعم ، لو شرط كونه للمشتري كان الشرط متّبعا ؛ للزوم الوفاء به.

ووجه الثاني أنه بمنزلة الجزء من الأم ، فيتبعه في الانتقال إلّا أن يصرّح بخلافه ، فيتبع التصريح.

__________________

(١) المقنعة : ٦٠٠.

(٢) النهاية : ٤٠٩.

(٣) الكافي للحلبي : ٣٥٦.

(٤) السرائر ٢ / ٣٤٣.

(٥) نقله عنه في مختلف الشيعة ٥ / ٢١٤.

(٦) المبسوط ٢ / ١٥٦.

(٧) المهذب ٢ / ٣٨٦.

(٨) جواهر الفقه : ٦٠.

(٩) في ( ألف ) : « اشتراط ».

٤٣٢

وحجة الثالث أن الحمل يجري مجرى عضو من أعضاء الحامل (١) فكما لا يجوز استثناء عضو منه كذا لا يجوز استثناؤه ، وأيّد ذلك بما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام في رجل (٢) [ ... ].

__________________

(١) في ( ألف ) : « الحائل ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « في رجل .. يوم القيامة ».

٤٣٣

هذا تمام ما وقع عليه أعين الناظرين ، وآخر ما وجد بخطه الشريف من كتاب التبصرة في الطهارة والصلاة والبيع والزكاة.

وهو مع اشتماله على قليل من المسائل الفقهية إمّا تامّا وإمّا ناقصا قد ذكر فيها فوائد جليلة وقواعد لطيفة يدلّ على مهارته وشدّة قوته في المطالب العلمية الفقهيّة والأصوليّة والرجاليّة ، وهو شيخنا ومولانا التقيّ الشيخ محمّد تقي أعلى الله مقامه ورفع درجته.

الحمد لله على الإتمام وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله سادات الأنام وأبنائه المعصومين ينابيع العلوم ومصابيح الظلام (١).

وقد فرغت من تسويده في يوم الجمعة عاشر شهر جمادى الآخرة من شهور سنة إحدى وثمانين ومأتين بعد الألف [ من ] الهجرة النبويّة على هاجرها ألف ألف ثناء وتحيّة ، وأنا أقل الخليفة بل لا شي‌ء في الحقيقة سميّ تاسع الأئمّة عليهم‌السلام ، حشرنا الله معهم يوم القيامة.

__________________

(١) ليس في ( د ) : « وقد فرغت من تسويده ... » إلى « ... حشرنا الله معهم يوم القيامة ».

٤٣٤

فهرس المواضيع

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة.................................................................... ٥

تبصرة ـ في شرائط وجوب الزكاة................................................ ٧

تتميم......................................................................... ١٤

تنبيهات....................................................................... ٢٩

تبصرة ـ في اشتراط الحرية..................................................... ٤٢

تنبيهات....................................................................... ٤٦

تبصرة ـ في اشتراط التملك.................................................... ٥١

تبصرة ـ في اشتراط التمكّن.................................................... ٥٨

مسائل........................................................................ ٦٢

تنبيهات....................................................................... ٧٠

تبصرة ـ فيما إذا كان النصاب في موضع الحظر.................................. ٧٦

فروع......................................................................... ٨١

تبصرة ـ في تعلّق الحق بعين النصاب............................................. ٩٢

فروع......................................................................... ٩٤

تنبيهات..................................................................... ١٠٥

تتمّة........................................................................ ١١٣

٤٣٥

الباب الثاني في بيان ما يجب الزكاة فيه وما يستحب.............................. ١١٧

الشرائط المعتبرة في ثبوت الزكاة في كلّ منها وما يلحق بذلك من الأحكام.......... ١١٧

تبصرة ـ في بيان ما يجب الزكاة فيه........................................... ١١٧

الفصل الأوّل في زكاة الأنعام.................................................. ١٢٧

البحث الأوّل في بيان شروط وجوب الزكاة فيها................................. ١٢٧

تبصرة ـ في اشتراط النصاب.................................................. ١٢٧

تبصرة ـ في نصاب البقر..................................................... ١٤٤

تبصرة ـ في نصاب الغنم..................................................... ١٤٨

تبصرة ـ في نصاب البقر..................................................... ١٥٥

تبصرة ـ في نصاب الغنم..................................................... ١٥٩

تبصرة ـ في اشتراط السوم................................................... ١٦٥

تبصرة ـ في اشتراط الحول.................................................... ١٦٩

تبصرة ـ في اشتراط أن لا تكون الإبل والبقر عوامل............................. ١٧٧

البحث الثاني في اللواحق...................................................... ١٧٩

تبصرة ـ في مصاديق الغنم.................................................... ١٧٩

تبصرة ـ في المريضة والهرمة وذات العوار....................................... ١٨٤

تنبيهات..................................................................... ١٨٥

تبصرة ـ في الأكولة وفحل الضراب والرّبى..................................... ١٨٨

تبصرة ـ في تعدّد ما هو بصفة الواجب........................................ ١٩٥

تبصرة ـ في زكاة العين المستقرضة............................................. ١٩٦

تبصرة ـ في تعيين أصناف المستحقين.......................................... ٢٠٣

تنبيهات..................................................................... ٢١٦

٤٣٦

تبصرة ـ في مدّعي الفقر..................................................... ٢٣١

تبصرة ـ في دفع الزكاة إلى غير المستحقّ....................................... ٢٣٦

فروع....................................................................... ٢٤٢

تبصرة ـ في العاملين على الزكاة.............................................. ٢٤٤

تبصرة ـ في المؤلّفة قلوبهم..................................................... ٢٥٣

تبصرة ـ في الرقاب.......................................................... ٢٦١

تنبيهات..................................................................... ٢٧٠

تبصرة ـ في الغارمين......................................................... ٢٧٩

الباب الثاني في زكاة الفطرة.................................................... ٢٨٧

الفصل الأول في بيان شرائط وجوبها............................................ ٢٨٨

تبصرة ـ في اشتراط التكليف................................................. ٢٨٨

تبصرة ـ في اشتراط الحرية................................................... ٢٩٠

تبصرة ـ في اشتراط الغنى..................................................... ٢٩٦

تبصرة ـ في وجوب إخراجها عند تكامل شرائطها............................... ٣٠١

تبصرة ـ في فطرة الضيف.................................................... ٣١٢

فروع....................................................................... ٣١٥

تبصرة ـ في أداء مال الفطرة عن نفسه......................................... ٣١٧

تبصرة ـ في اشتراط نيّة أداء الفطرة............................................ ٣٢١

تبصرة ـ في الخروج عن المكيّة بالتعيين......................................... ٣٢٤

تبصرة ـ في إسلام الكافر.................................................... ٣٢٧

كتاب البيع

كتاب البيع.................................................................. ٣٣١

٤٣٧

تبصرة ـ في بيع الفضولي..................................................... ٣٣١

تتميم....................................................................... ٣٤١

تبصرة ـ في بيع ما يملكه غيره................................................. ٣٦٢

تتميم....................................................................... ٣٦٤

تبصرة ـ في بيع ما يملكه المسلم وما لا يملكه.................................... ٣٧٥

تنبيهات..................................................................... ٣٨٥

فروع....................................................................... ٤١٨

فهرس المواضيع............................................................... ٤٣٥

٤٣٨