تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

تقدير وقوعه كما اذا أخبره مجيز لوقوع البيع فأجازه من دون أن يتحقق عنده وقوعه ثمّ علم بالوقوع؟ وجهان.

ويقوى الاكتفاء به في المقام.

رابع عشرها : أنّه لا يعتبر الفور في الإجازة بعد علم المالك بالحال ، بل يصحّ مع التراخي أيضا.

وربّما يحتمل أن يكون فورية لما في التراخي من إرجاء الأمر وإيصال الضرر إلى الآخر في كثير من الصور.

وفيه : أنه مع علمه بالحال قد أقدم عليه ، فيكون الضرر آتيا إليه من قبله.

ومع جهله ولحوق الضرر عليه يندفع ذلك بثبوت الخيار له كما مرّت الإشارة إليه.

خامس عشرها : أنه لو توقّف صحّة البيع على القبض كبيع الصرف والسلم وقد حصل القبض من الفضول فأجاز البيع ، فإن كان بعد تصرف (١) المجلس وعلمه به كان إجازة للقبض في وجه قويّ ؛ إذ لولاه لكان إجازته للبيع لغوا ، ولحمل فعل المسلم على الصحة مع الإمكان.

ولو كان جاهلا بالتوقف ففيه إشكال ، وإن كان المجلس باقيا بحسب اعتقاده.

__________________

(١) في ( د ) : « تفرق ».

٣٦١

تبصرة

[ في بيع ما يملكه غيره ]

لو باع ما يملكه وما يملكه غيره من غير وكالة ولا ولاية صحّ البيع فيما يملكه بلا خلاف يظهر فيه.

وفي الغنية حكاية الاجماع عليه.

ونصّ في الرياض بنفي الخلاف فيه ، واستظهر منهم الاجماع عليه.

ويدلّ عليه الصحيح وغيره.

ووقف فيما لا يملكه على إجازة المالك أو من يقوم مقامه بناء على صحّة الفضولي بتعقّب الإجازة.

وقد أسنده بعضهم هنا إلى علمائنا موذنا بالإجماع عليه ، فكلّ من الحكمين ممّا لا إشكال فيه بعد ما عرفت من صحّة الفضولي بعد الإجازة.

وقد يستشكل في الأوّل :

تارة : من جهة جهالة الثمن ؛ إذ قد لا يعلم ما يقع بإزاء المملوك من الثمن بعد التقسيط ، فكأنه قال : « بعتك هذا بما يخصّه من الثمن » بعد تقسيطه عليه وعلى الآخر.

وأخرى : بأنّ القصد إنّما تعلّق بنقل المجموع دون الأبعاض ، فإذا لم يصحّ العقد على ما دفع (١) عليه لزمه الحكم بالفساد مطلقا ؛ إذ العقود تابعة للقصود.

وثالثا : إنّه مع عدم صحّة العقد في البعض يغلب جانب الفساد كتزويج الأختين والأم والبنت بعقد واحد.

__________________

(١) في ( د ) : « وقع ».

٣٦٢

ورابعا : بأنّه لم يقم برهان على صحّة العقد المفروض ، وقضية الأصل الأصيل في المعاملات الفساد ، وعدم ترتب الآثار حتّى يقوم دليل عليه.

وخامسا : بأنّ الصيغة الصادرة منها شي‌ء واحد ، فلا يتبعض.

ويندفع الأول : بأنّ أقصى ما دلّ الدليل من اعتبار العلم بالعوضين إنّما هو بالنسبة إلى ( مجموع المبيع والثمن ، فإذا علم مجموع الأمرين اللّذين وقع العقد عليهما صح البيع وإن علم فساد البيع بالنسبة إلى ) (١) البعض وكان ما يصحّ البيع فيه مجهولا أو كان ما يقع من الثمن بإزائه مجهولا ، ولا دليل على اعتبار العلم في الأجزاء إذا لم يؤدّ إلى جهالة المجموع كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله.

والثاني : بأنّ القصد إنّما تعلّق بنقل جميع الأجزاء ، فينتقل به ما يكون قابلا للنقل ويبقى الباقي.

كيف وقضية العقد إنّما هو انتقال الجميع ، وقضيّة الأمر بالوفاء (٢) به هو الجري على مقتضاه في الجميع ، فإذا حصل مانع منه في البعض لزم الأخذ بمقتضاه (٣) في الباقي ، عملا بالأمر المذكور على حسب الإمكان ، ولعدم سقوط الميسور بالمعسور.

ومع الغضّ (٤) عن جميع ذلك فالصحيحة (٥) المتقدّمة المؤيّدة بعمل الأصحاب بل الإجماع المذكور كاف فيه لو سلّمنا قضاء الأصل بخلافه.

والثالث : بأنّه لا دليل على تغليب جانب الفساد مطلقا بل ينبغي الحكم بالفساد فيما يقبل الصحة (٦) في غيره ، والحكم بالفساد في تزويج الأختين والبنت والأم بعقد واحد من جهة قيام الدليل عليه ولا يحكم في نظائره إلّا بالفساد ولا قاضي به في المقام.

__________________

(١) ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).

(٢) لم ترد في ( ب ) : « بالوفاء به ... عملا بالأمر ».

(٣) في ( ألف ) : « بمقتضا ».

(٤) في ( د ) : « الفض » ظاهرا.

(٥) في ( ألف ) : « فالصحة ».

(٦) في ( د ) : « وبالصحة ».

٣٦٣

والرابع : بأنّه إن اريد بذلك عدم قيام دليل خاص عليه فمسلّم ولا يلزمه انتفاء الدليل مطلقا ، وإن أريد عدم قيام دليل عليه مطلقا فهو واضح الفساد.

كيف والعمومات حجّة قائمة في المقام كافية في إثبات المرام.

والخامس : بأنّ العقد الواقع وإن كان شيئا واحدا إلّا انّه يتعدّد متعلقاته ، فلا مانع من صحّته بالنسبة إلى بعض وفساده بالنسبة إلى آخر.

ثمّ إن أجازه الآخر فلا خيار للمشتري وإن كان جاهلا بالحال حين العقد. نعم ، إن تراخى زمان إجازته احتمل ثبوت الخيار (١) على ما مرّ الكلام فيه في مسألة الفضولي ، وإن ردّه الآخر ثبت الخيار للمشتري مع جهله بالحال لتبعّض الصفقة عليه.

وأمّا البائع فالظاهر ثبوت الخيار له في الصورتين مع جهله عن الغير (٢) واعتقاده تملك الجميع من جهة تبعض الصفقة ، ومع العلم بالحال وفلا (٣) خيار للعالم مطلقا.

[ تتميم ]

ولنتمم الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : انّه إذا لم يجز المالك الآخر بطل البيع في ملكه ، وصحّ في المملوك بقسطه من الثمن ، فان كان المبيع ممّا لا يختلف الحال فيه من جهة الانضمام إلى الآخر وعدمه فلا إشكال في التقسيط ، فإنّهما يقومان معا.

وينسب قيمة المملوك إليهما (٤) ، ويؤخذ بنسبته من الثمن.

وثانيا : إن كان للانضمام مدخليّة في زيارة القيمة كمصراعي باب وزوجي نعل فقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فظاهر إطلاق جماعة عدم الفرق بينه وبين الأوّل ، فيقومان معا

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « له ».

(٢) في ( د ) : « حق الغير » بدل « عن الغير ».

(٣) في ( د ) : « لا ».

(٤) في ( د ) : « إلى قيمتها ».

٣٦٤

وينسب قيمة المملوك إليهما ويؤخذ بنسبته من الثمن.

وأورد عليه في الروضة (١) بأنّه لا يستحق مالك كلّ واحد ماله إلّا منفردا ، فكيف يقومان معا؟ أراد بذلك أنّه ينبغي أن يقع التقويم على نحو الملكيّة ، فإذا لم يملك كلّ منهما ماله إلّا منفردا فلا وجه لتقويمها منضمّين واعتبار قيمة الانضمام ، بل ينبغي أن يقوم كلّ منهما منفردا ، وينسب قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة.

وهذا هو القول الثاني ، وقد قوّاه في الرياض (٢).

نعم ، احتمل الوجه الأوّل في الروضة فيما إذا كان العينان لمالك واحد ، وقد باعهما الفضول عنه ، فأجاز البيع في أحدهما دون الآخر.

وأنت خبير بأنّ عدم استحقاق كلّ منهما لماله إلا منفردا لا يقضي وقوع التقويم (٣) مع الانفراد ؛ إذ ليس المقصود من تقويم الأمرين معرفة قيمة المالين على ما يستحق (٤) المالكان إذ لا ربط له بالمقام بل الملحوظ صحّة ما وقع العقد عليه وقيمت ما خلّص للمشتري.

ولا ريب أنّ ما وقع العقد عليه هو المجموع ، وما خلّص للمشتري هو البعض يتعرف (٥) بنسبتها إلى الأوّل مقدار ما وقع من الثمن المذكور في العقد بإزائه.

وأيضا قضية (٦) عدم استحقاق البائع لماله إلّا متفرّدا أن لا يستحق من الثمن ما يقع بإزاء الانضمام ، وهذا قضية الوجه المتقدم في التقسيط لسقوطه (٧) كسقوط ما يقابل الجزء الأخير دون ما ذكر من الوجه ، فالتعليل المذكور قاض بفساده على عكس ما رامه المستدلّ.

ومن هنا أورد عليه بأنّه إذا كان المشتري جاهلا بالحال وبذل الثمن بإزاء المجموع من

__________________

(١) الروضة ٣ / ٢٤٠.

(٢) رياض المسائل ١ / ٥١٤.

(٣) هنا زيادة في ( ألف ) : « الّا منفردا ».

(٤) في ( د ) : « يستحقه ».

(٥) في د : « فيعرف ».

(٦) في ( ألف ) : « توقف ».

(٧) في ( ألف ) : « ولسقوطه ».

٣٦٥

حيث المجموع ، فالأخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما منفردين (١) ظلم على المشتري وحيف عليه.

قيل : وهو حسن إلّا أنّه منقوض بالظلم على البائع لو أخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما مجتمعين مع عدم تقصيره وإتلافه شيئا على المشتري ، وإنّما أراد (٢) شيئا لم يسلم له ، فإلحاقه بالغاصب حينئذ في ضمان الصيغة (٣) ليس في محلّه مع براءة ذمته عنه.

قلت : أما ما ذكره من لزوم الظلم على المشتري على الوجه الأول فيما إذا كان المشتري جاهلا بالحال وبذل الثمن بإزاء المجموع ففيه (٤) أنّه لا فرق في ذلك على فرض صحته من (٥) علمه بالحال وجهله ؛ إذ مع العلم لم يبذل (٦) الثمن على الأجزاء إلّا بمقتضى التقسيط ، فغاية الأمر أن يكون عالما بعدم خلوص الاجتماع له.

وذلك لا يقضي ببذل العوض بإزائه مع عدم حصوله ، فلا فارق بين الصورتين.

وأمّا ما ذكر من نقضه بالظلم على البائع لو أخذ قيمتها مجتمعين .. إلى آخره ، غير متّجه ؛ إذ ليس المقصود من ذلك تضمينه للصفة الفائتة ؛ إذ لا داعي لتوهم ذلك في المقام ، بل المقصود أنّه لما باع ما يملكه مع صفة (٧) الانضمام إلى الآخر ولم يسلم إلى المشتري إلى ما يملكه منفردا لزم إسقاط ما يقع بإزاء العين الأخرى ، وما يقع بإزاء الانضمام الفائت على المشتري ، وعدم كونه هو السبب في فوته لا يقضي بأخذ شي‌ء ممّا يقابله ومع عدم ثبوت ذلك له أولا ، ولا حصوله للمشتري بعد ضمّه إلى الآخر.

والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ العقد إنّما تعلّق بالأمرين ، فالمبيع إنّما هو المجموع ، فإذا

__________________

(١) ليس في ( ب ) : « منفردين .. قيمتها ».

(٢) في ( د ) زيادة : « له ».

(٣) في ( ألف ) : « الضيغة ».

(٤) في ( ألف ) : « قمية ».

(٥) في ( د ) : « بين ».

(٦) في ( ألف ) : « ببذل » ، بدل « لم يبذل ».

(٧) في ( ألف ) : « منعه ».

٣٦٦

أريد معرفة ما يقع من الثمن بإزاء أجزائه فلا بدّ من أن يعلم قيمة الكلّ وقيمة ذلك الجزء الّذي يراد استعلام ماله على الوجه الّذي وقع العقد عليه ـ أعني قيمته منفردا ـ مع الانضمام ـ أعني قيمة ذلك الجزء المنضمّ إلى غيره ـ حسبما وقع العقد عليه لا قيمته منفردا عن الآخر حسبما تخلص للمشتري ، فإنّ ذلك غير ما وقع العقد عليه ، وخلوصه كذلك للمشتري لا يقضي بوقوع العقد عليه كذلك ، فلا وجه في ملاحظته في المقام ، فلا بدّ من ملاحظته على الوجه الّذي ذكرناه ، فينسب ذلك إلى قيمة المجموع ، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة ، فيتعين بذلك ما وقع بإزائه من الثمن في ذلك العقد.

وعدم خلوص الصفة للمشتري لا يقضي بسقوط شي‌ء من الثمن بإزائها ؛ لما تقرّر عندهم من عدم تقسيط الثمن على الأوصاف.

ولذا اتّفقوا على عدم إسقاط شي‌ء من الثمن بإزاء الأوصاف في خيار الوصف والتدليس ، وإنّما يتخيّر بين الردّ والأخذ بمجموع الثمن ، فلا ظلم على البائع ولا المشتري مع ملاحظة الانضمام في التقويم.

وحصول الزيادة في القيمة بحسب الصفة الغير الحاصلة للمشتري لا يقضي بظلم عليه كما لا يقضي به في الخيار.

وانجبار الظلم هناك بالخيار جار في المقام ؛ لحصول الخيار له مع جهله بالحال كما عرفت.

وأمّا مع العلم فإنّما جاء الضرر عليه من جهة إقدامه ، فلا ظلم عليه من قبل الشارع.

وممّا قرّرنا يظهر ضعف ما قد يتخيّل من أنّ المالك لا يستحقّ إلّا قيمة ماله منفردا ، فلا وجه لاستحقاق (١) ما بازاء الانضمام ؛ إذ قد عرفت أنّه لا يقع شي‌ء من الثمن بازاء الوصف المذكور وإن كان باعثا على مزيد القيمة كسائر الأوصاف.

فإن قلت : إنّ ما ذكر من الوجه هو قضيّة ما ذكره في الروضة ؛ فإنّ مقتضى ملاحظتهما منفردين هو تقسيط الزيادة الحاصلة من جهة الانضمام الحاصل في العقد على ما يقع من الثمن

__________________

(١) في ( د ) : « استحقاقها ».

٣٦٧

بإزاء كلّ من العينين ، فيؤخذ بمجموع الأمرين على حسب ما ذكره (١) وإن اختلف الحال في ظاهر التقرير بين الوجهين ، فالمرجع فيهما واحد وإن كان ما ذكر من التقرير أوضح ؛ لاتّضاح الوجه في المسألة من بيانه.

قلت : إذا كانت الزيادة الحاصلة من جهة الانضمام متساوية النسبة إلى قيمة الأمرين فالحال على ما ذكر ، وأما إذا اختلفت الحال فيها فلا.

وتوضيح المقام أنّ تفاوت القيمة مع الانضمام وعدمه إمّا أن يكون بالزيادة أو النقيصة أو بهما معا بأن يقضي بالزيادة في أحدهما والنقصية في آخر.

وعلى الأوّلين فإمّا أن تكون تلك الزيادة أو النقيصة مختصّة بأحد القسمين أو مشتركة بينهما على واحد بالنسبة إلى العينين أو القيمتين أو مختلفة.

وعلى الثالث يمكن جريان الوجوه المذكورة فيما إذا كان المبيع أمورا ثلاثة أو أزيد.

وما ذكر من عدم الفرق بين الوجهين إنّما يتم فيما إذا كانت الزيادة أو النقيصة مشتركة بينهما متساوية النسبة إلى القسمين (٢) دون ساير الأقسام ، فلا يتم الأخذ بما ذكره في التقسيط شي‌ء منهما (٣) بخلاف ما قرّرناه.

وقد اتّضح بما ذكرناه ضعف الوجه الأوّل أيضا وأنّه أضعف من الثاني جدّا.

ثمّ إنّ ما ذكر في كيفيّة التقسيط إنّما يرجع إليه فيما إذا كان المبيع قيميّا ولم تكن تلك المالكين له على نحو الإشاعة ، وأمّا إذا كان مثليّا متساوي الأجزاء فلا حاجة إلى ما ذكر ، بل يؤخذ بنسبة (٤) مقدار أحدهما إلى الجميع ، ولو كان مشاعا بينهما أخذ من الثمن بنسبة الإشاعة.

ومن التأمل في ذلك يعلم قوة ما ذكرناه من الوجه في التقسيط ؛ إذ قد يختلف القيمة بالنسبة إلى البعض والكلّ في هاتين الصورتين أيضا ، وما ذكر من الوجه مطابق لما قرّرناه

__________________

(١) في ( د ) : « ذكر ».

(٢) في ( د ) : « القيمتين ».

(٣) في ( د ) : « منها ».

(٤) في ( ألف ) : « بنسبته ».

٣٦٨

هناك ، فلا تغفل.

ثانيها : أنّه كما يفتقر إلى التقسيط مع عدم إجازة الآخر كذا لا بدّ منه مع إجازته أيضا ليتبيّن به مقدار ما يستحقّه كلّ منهما من الثمن.

ثمّ إنّه على المختار لا فرق في كيفية التقسيط بين الوجهين.

وأمّا على غيره فلا يبعد الفرق لعدم فوات وصف الانضمام على تقدير الإجازة بخلاف غيره ، وقد حكي ذلك عن البعض.

ويحتمل القول بعدم الفرق ؛ نظرا إلى أنّ صفة الاجتماع ليست مملوكة لأحدهما وإنّما جاءت بالعارض ، فلا فرق بين حصوله وعدمه.

وقد حكي ذلك أيضا عن البعض ، ولا يخلو عن ضعف ؛ إذ المدار في المقام على اختلاف القيمة في (١) أن جاءت الصفة الباعثة على الاختلاف بالعارض ، كيف ولو كان الحال على ما ذكر يجري فيما إذا كان العقد من الوكيلين أو الوليين أو الأصل والوكيل أو الولي ، والتزام ذلك منها (٢) ممّا لا وجه له. وكأنّه مقطوع الفساد.

ثالثها : أنّه لو عيّنا بالثمن لكلّ منهما قبل العقد ، ثمّ أوقعا العقد على الكلّ صفقة ، فهل يبني على ما عيّناه أوّلا من غير رجوع إلى التقسيط أو أنّه لا بدّ من التقسيط على النحو المذكور؟ الظاهر الثاني ؛ أخذا بظاهر ما يقتضيه العقد. نعم ، لو عيّنا الثمن لكلّ منهما في متن العقد لزم الجري عليه.

رابعها : لو باع ملكي شخصين فضولا فأجاز أحدهما دون الآخر كان بمنزلة أن (٣) باع ملكه وملك غيره.

وكذا الحال لو باع ملك موكّله أو مولى عليه (٤) مع ملك غيره ، فيجري في ذلك كلّه جميع ما

__________________

(١) في ( د ) : زيادة واو.

(٢) في ( د ) : « فيها ».

(٣) في ( د ) : « ما اذا ».

(٤) في ( ب ) و ( د ) : « مولاه » بدل : « مولى عليه ».

٣٦٩

ذكرناه.

ولو باع ملك غيره فضولا فأجاز بعضه جرى فيه أيضا ذلك إن قلنا بجواز الإجازة كذلك ، وإلّا فلا كلام.

خامسها : لو باع ملكه وملك موكّله أو مولاه أو باع ملكي موكّله أو مولييه أو ملك موكّله ومولاه صفقة صح ذلك مع شمول الوكالة لذلك وجرى فيه التقسيط.

نعم ، يثبت له الخيار لو اعتقد أوّلا أنّ الجميع ملكه ثمّ ظهر خلافه أو اعتقد الموكّل كون الكل له ؛ نظرا إلى تبعّض الصفقة الباعثة على الخيار.

وعلى تقدير فسخه بتسلّط المشتري أيضا على الفسخ مع جهله بالحال.

سادسها : أنّه يجري في الثمن ما ذكر في المبيع ، فلو كان بعضه مستحقا للغير صحّ البيع في ملكه ووقف في غيره على إجازة المالك ، فإن أجاز (١) صحّ في الجميع وإلّا قسط (٢) المبيع عليهما ، فيصحّ بالنسبة إلى المملوك دون غيره.

ويجري في التقسيط ما ذكرناه في تقسيط الثمن إلّا أنّه لمّا كان الغالب في الأثمان النقدين ولم يختلف الحال فيهما غالبا من جهة الانضمام وعدمه لم يحتج هنا إلى التفصيل المتقدّم في التقسيط إلّا من جهة الثمن لما عرفت ، ولا من جهة المبيع لحصول الإشاعة فيه.

ولو كان الثمن من غير النقدين وكان ممّا تختلف القيمة فيه مع الانضمام وعدمه جوّز في تقسيطه على المبيع ما قدّمناه.

ثمّ إنّه يأتي الكلام في الخيار هنا نظير ما قدّمناه.

سابعها : أنّه لو تلف أحد المبيعين أو كلاهما قبل التقويم فتعذّر تقويم التالف ، فإن كان ذلك مع ردّ المالك (٣) وعدم إجازته فإن كان ماله باقيا أخذه ، وحينئذ فيقع الإشكال في مقدار استحقاق الآخر من الثمن.

__________________

(١) في ( د ) : « أجازه ».

(٢) في ( ب ) : « سقط ».

(٣) في ( ألف ) : « المال ».

٣٧٠

وحينئذ فيقوم احتمال البناء على الصلح القهرى لثبوت الاستحقاق في الجملة وعدم إمكان التخلّص إلّا بالصلح.

ويحتمل البناء على القرعة فإنّها لكلّ أمر مشكل.

وكأنّ الأظهر فيه البناء على الأقل ، فيؤخذ من الاحتمالات بالنسبة إليه ما يكون قسطه من الثمن أقلّ ؛ أخذا بمقتضى الأصول الشرعيّة حتّى يتحقق المخرج ، والقدر الّذي ثبت انتفاعه إلى البائع واجب على المشتري دفعه إليه هو الأقل ، فيدفع عليه (١) ما زاد عليه (٢) بالأصل.

ولو كان غير المجاز تالفا سواء تلف الآخر أو لا فإن كان قيميّا لا يمكن استعلام قيمته أشكل الحال فيه أيضا ، ويقوى الأخذ في قيمته بالأقل ؛ أخذا بمقتضى الأصل فيه أيضا.

فإن لم يعلم استحقاق أحدهما في الجملة لما زاد على (٣) دفعه من الأقل في المقامين بني على عدمه وبراءة ذمته من وجوب الدفع وإن علم به دار (٤) بينهما كان كسائر الأموال الدائرة بين شخصين إن كان الثمن عينا معيّنة وكغيره ممّا علم اشتغال الذمّة لأحد الشخصين إن كان كليّا في الذمة ، فيحتمل البناء فيه على الصلح القهري أو القرعة حسبما يأتي في الصورة الأخيرة.

وإن كان ذلك مع اجازة الآخر وإمضائه فلا اشكال في انتقال الثمن إليهما وخروجه عن ملك المشتري.

وحينئذ فيحتمل البناء على الصلح ، فإن كانا حاضرين كاملين قاما بالصلح ، وإلّا ناب الحاكم عنهما أو عن أحدهما.

ويحتمل البناء فيه على القرعة.

وحينئذ فإن انحصر الاحتمالات أقرع بينهما ، وإن لم ينحصر ودار الأمر بين المساواة

__________________

(١) ليس في ( د ) : « عليه ».

(٢) ليس في ( ب ) : « عليه ».

(٣) في ( د ) زيادة : « ما ».

(٤) في ( د ) : « ودار ».

٣٧١

والفاضل (١) أقرع بينهما ، فإن خرجت المساواة فلا كلام (٢) وإلّا أخذ مقدار معين من الاحتمالات وأقرع بينه وبين ما (٣) ينقص عنه وما يزيد عليه وهكذا إلى أن يتعيّن.

ثامنها : أنّه لو باعه نصف الدار وهي مشتركة بينه وبين غيره على النصف انصرف المبيع إلى النصف المملوك له ، ويحتمل أن ينزل على الإشاعة ، فيكون من قبيل بيع المملوك وغيره فيصحّ في الربع الآخر موقوفا على إجازة الآخر.

ولا يخلو من (٤) بعد.

وكذا الحال لو كان له الجميع في الظاهر فباع النصف ، ثمّ ظهر نصفها مستحقا للغير ، فالظاهر انصراف المبيع أيضا إلى ما هو حقّه في الواقع ، فلا ينقص بإثبات ذلك شي‌ء من حقّ المشتري ، وإنّما يأخذ ذلك من البائع.

وأمّا لو أقر الآخر (٥) بنصف الدار وهي مشتركة بينه وبين آخر كذلك ، فهو منزل على الإشاعة ، فتصحّ إقراره في نصف النصف الّذي له دون النصف الّذي لشريكه ، وكذا الحال لو أقرّ (٦) بنصف الدار ثمّ ظهر النصف مستحقا للغير بإفاضه البيّنة ، فيبطل (٧) بذلك نصف إقراره.

وإن شئت قلت : إنّ ما يثبته الآخر بني على الإشاعة فيأخذ نصفا من المقر ونصفا من المقر له ، فإذا قبض نصفه وأقرع (٨) بقي النصف الآخر بين المقر والمقر له نصفين لكلّ منهما الربع في الباقي.

وعلى الأوّل يثبت للمقر له ثلثا ما في يد المقرّ وله الثلث ؛ لاعترافه بأنّ له جزءين وله جزء

__________________

(١) في ( د ) : « والتفاضل ».

(٢) في ( ألف ) : « فلا كلا ».

(٣) ليس في ( د ) : « ما ».

(٤) في ( د ) : « عن ».

(٥) في ( د ) : « لآخر ».

(٦) في ( د ) زيادة : « لآخر ».

(٧) زيادة : « فيبطل » من ( د ).

(٨) في ( ألف ) : « وأقرره ».

٣٧٢

واحد ، فيكون الربع الّذي ظلم الشريك بإنكاره حق الآخر تالفا منهما بالنسبة ، ويكون الباقي بينهما كذلك.

ولو قال : إنّ لي النصف والنصف الآخر للمقرّ له كان إقراره في شأن غيره ، فلا يثبت للمقرّ له بذلك شي‌ء قبل الإقرار ، وبعده يثبت له نصف ما في يد المقرّ ؛ لاعترافه بأنّ له النصف في كلّ جزء ، فيكون ذلك النصف بينهما نصفين.

وممّا قرّرنا يعرف الحال في إقراره لسائر الكسور في الصور المفروضة.

تاسعها : لو باعه ما فيه حقّ الزكاة من دون ضمانه صحّ في ماله ووقف في سهم الزكاة موقوفا على إجازة الإمام عليه‌السلام أو نائبه في وجه قوىّ.

ويحتمل فساده بالنسبة إليه من أصله بناء على عدم جواز بيع الزكاة قبل قبضها.

والأظهر الأوّل ؛ أخذا بظاهر الولاية. وحينئذ لو كان البائع ممن له الولاية على الزكاة فالظاهر صحّة البيع في الجميع ، ولو ضمن مال الزكاة صح البيع أيضا لتملكه (١) لسهم الزكاة وانتقال الحق إلى ذمته ، فلو لم يؤدّ الحق احتمل الفساد بناء على أنّ العامل حينئذ بيع العين.

ولو باعه غافلا من الضمان وعدمه ففيه وجهان.

وقضية الأصل أنّه حينئذ كقصد عدم الضمان.

ولو (٢) كان المالك ممّن لا يرى دفع الزكاة كالكافر أو يدفعه إلى غير أهله كالمخالف لم يبعد صحّة البيع في الجميع يسوغ للمشتري التصرف فيه حسبما جرت عليه السيرة العامّة من لدن زمان الأئمّة عليهم‌السلام إلى يومنا هذا من شراء الأموال الزكوية من الكفار وأهل الخلاف والتصرف فيها من دون إخراج سهم الزكاة.

وفي جريان ذلك في أهل الحق إذا علمنا دفعها إلى غير المستحق وجهان.

وقضيّة الأصل عدم الجريان نعم ، مع الجهل بالحال لا إشكال ؛ حملا لفعل المسلم على الصحة كما لو جهل الضمان أو الأداء أو ظنّ عدمه.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « حينئذ ».

(٢) في ( ألف ) : « لو » بدون الواو.

٣٧٣

ولو باعه أحد نصب (١) الأنعام وفيها الزكاة احتمل فساد البيع من أصله ؛ لعدم تعيّن المخرج في الزكاة ، فلا يتعيّن ما يصحّ البيع فيه ، بل وما يستحقه بعد التقسيط بحسب الواقع إذا اختلف (٢) في القيمة.

ويحتمل الصحة والبناء على الإشاعة إلّا أنّه يتخيّر المالك في دفع الأفراد بصرفها عليه ، فحينئذ فيقسط (٣) من الثمن بنسبة ما فيه من الزكاة إلى المبيع.

وعليه فهل يبقى المالك حينئذ على خياره أو أنه يتخير المشتري مكانه أو أنّه يقسم المال حينئذ ويقبض الحق على حسب الشركة كما هو الأصل في المشتركات؟ وجوه كأنّ أظهرها الأوّل إلّا أنّه لا يبعد خيار المشتري أيضا في الدفع لو طالبه الحاكم بعد صيرورته في يده.

ويشكل الحال حينئذ فيما لو كان المدفوع زائدا على الحق المشاع أو ناقصا عنه ، فهل يكون الزائد غرما أو غنما للمشتري أو أنّه يكشف عن فساد البيع بتلك النسبة فينقص أو يزاد على قيمة المملوك على حسبه.

__________________

(١) في ( د ) : « نصف ».

(٢) في ( د ) : « اختلفت ».

(٣) في ( ألف ) : « فيسقط ».

٣٧٤

تبصرة

[ في بيع ما يملكه المسلم وما لا يملكه ]

لو باع ما يملكه المسلم وما لا يملكه سواء كان ممّا لا يملك مطلقا أو لم يكن قابلا لملك المسلم كالحرّ والخمر والخنزير صحّ البيع فيما يملكه وبطل فيما لا يملك ، على المعروف بين الأصحاب.

ويجري فيه الاحتمال والإشكال المذكور في المسألة المتقدمة.

ويندفع بما مرّ.

وربّما يزاد الاشكال في المقام تارة بأنّ البيع المذكور منهيّ (١) عنه للنهي عن الأمور المتضمنة إلى ما يملكه من الحر والخمر والخنزير مثلا ، والمفروض اتحاد البيع المتعلّق بها ، وهو قاض بالفساد لتعلّقه (٢) بذات المعاملة حسبما فرض.

وأخرى بأنّه مع علم البائع أو المشتري بالحال يكون قد باع أو اشترى المجهول مع جهله بما يوجبه التقسيط ؛ إذ هو في قوة أن يبيعه بما يخصّه من الثمن على تقدير توزيعه عليه وعلى شي‌ء آخر لا يعلم مقداره.

ولذا مال في التذكرة إلى الفساد حينئذ مع علم المشتري بالحال ، وقال : إنّ البطلان حينئذ ليس ببعيد من الصواب.

ويدفع الأوّل أنّ النهي المذكور إنّما يقضي بالفساد من الجهة الّتي تعلّق به لذات المعاملة ولا ربط له بالشي‌ء الّذي يجوز بيعه ؛ إذ تعلّق النهي به حينئذ إنّما يكون تبعا للآخر ، فلا قاضي بفساد العقد من تلك الجهة ، لا مانع من تبعّض مقتضى العقد حسبما مرّ.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « المذكور منهيّ .. اتّحاد البيع ».

(٢) في ( ألف ) : « التعلقة ».

٣٧٥

والثاني أنّ المعتبر من العلم بالعوضين ما كان بالنسبة إلى جميع ما تعلّق به (١) عليه العقد دون ما يصحّ العقد بالنسبة إليه وإن علم فساده حين العقد بالنسبة إلى البعض حسبما أشرنا إليه في المسألة المتقدمة.

ثمّ إنّه يقسط الثمن عليهما ويصحّ البيع فيما يصحّ تقسيطه (٢) من الثمن على حسب ما مرّ ، ولو كان للانضمام مدخليّة في تفاوت القيمة جرى فيه أيضا ما مرّ.

ثمّ إنّهم ذكروا هنا في تقويم غير المملوك أنّه يقوم الحر على الوصف الّذي هو عليه لو كان رقّا ، ويرجع في الخمر والخنزير إلى قيمتهما عند مستحلّيهما ، فيستعلم قيمتهما عندهم بما يثبت به القيمة في غير هذا المقام من شهادة عدلين مطّلعين على قيمته عندهم أو أخبار جماعة يعلم عادة عدم تواطئهم على الكذب أو بأخبار بعضهم إذا انضمّ إليه من القرائن ما يفيد العلم بصدقه.

وفي المسالك (٣) : إنّه لو قيل بقول (٤) إخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب يحصل بقولهم الظن الغالب المقارب (٥) للعلم أمكن.

وفيه : أنّه لو قيل بمثله في ساير التقويمات أيضا فلا كلام إلّا أنّه يشكل الحال في الاتّكال على مطلق الظن الغالب في مثله مع أنّه من الموضوعات الصرفة ولو لم يكتف به في غيره.

فلا وجه للاكتفاء به في المقام ، فيكون الحال فيه مع عدم إمكان الاستعلام كغيره من القيم إذا تعذّر استعلامه لبعض العوارض.

وحينئذ فهل يحكم فيه بالصلح لجهالة قدر الاستحقاق أو أنّه يؤخذ فيه بالأقلّ فيرجع فيما زاد عليه إلى الأصل حيث إنّ الأصل بقاء الثمن على ملك صاحبه إلّا ما ثبت انتقاله عنه؟

__________________

(١) ليس في ( ب ) : « به ».

(٢) في ( د ) : « تقسطه ».

(٣) مسالك الإفهام ٣ / ١٦٣.

(٤) في المصدر : « بقبول ».

(٥) في المصدر : « المتقارب ».

٣٧٦

ولا يبعد البناء على الأخير مع التعاصر.

ثمّ انّه لا يذهب عليك أنّ ما أطلقوه في المقام لا يخلو عن إشكال : أمّا أو لا فبأنّ ما ذكروه من تقويم الحرّ عبدا متّجه إذا بيع على أنّه رقّ فتبيّن حرّا ، وأمّا لو بيع على أنّه حرّ لم يتّجه فرض كونه رقّا ، فإنّ الرقّية قاضية بازدياد الرقبة فيه ، فلا وجه لأن يفرض في تقويمه ما ليس فيه.

إلّا أن يقال : إنّ التقويم مبنيّ على ذلك ، إذ لا قيمة للحرّ فلولا فرضه رقّا لم يقوم في العادة (١) ، وأيضا قضيّة بيعه وشرائه هو اعتبار ملكيّة عين المبيع وإن علم عدمه ، فيقوم على حسب ما اعتبراه.

وأنت خبير بما فيه ، إذ قد يباع الأحرار في عادة الفسّاق أو عند الضرورات ، فيتحصّل له قيمة في العرف ، وقد تتفاوت قيمته حينئذ قيمة الرقّ ، وعدم كونه مقوّما شرعا لا يقتضي عدم ثبوت قيمة له في العرف.

وحينئذ فلا بدّ من الأخذ بذلك دون أن يفرض رقّا ، وعلى تقدير عدم ثبوت قيمة للحرّ في العادة فينبغي إلحاق ذلك حينئذ بغير المقوّم من الضميمة كما سيأتي الإشارة إليه ، لا أن يفرض ذلك شيئا آخر حتّى يصحّ بذلك تقويمه ، وكون إقدام المتعاملين على البيع والشراء قاضيا بتنزيله منزلة المملوك فيقوم على حسبما أقدما عليه أو صح التعويل عليه في التقويم غير مطّرد في المقام ، فإنّه إنّما يتم فيما إذا لم يلاحظا حريّته في الإقدام على بيعه بل أجرياه مجرى الرقّ.

وأمّا إذا كان الإقدام عليه على وجه الحريّة ، ولذا اعتبر (٢) العوض المقابل له شيئا يسيرا كما إذا لوحظ معظم القيمة بإزاء الرق وبذل شي‌ء يسير بإزائه مع تساويهما في الصفات وإن تعلّق البيع بهما صفقة فلا يتمّ ذلك ، ففي (٣) تقويمه حينئذ على الرقية (٤) ضرر على البائع إلّا أن

__________________

(١) في ( ألف ) : « امارة ».

(٢) في ( د ) : « اعتبرا ».

(٣) في ( د ) : « وفي ».

(٤) في ( د ) : « الرقبة ».

٣٧٧

يقال بخروج هذه الصورة عن المفروض في كلامهم ، فكان ذلك بمنزلة تعيين سهم من الثمن في العقد بإزاء كل من العينين (١) حسبما ذكر نظيره في المسألة السابقة.

ويشكل الحال حينئذ فيما لو بني العقد على ملاحظة الاختلاف بينهما فيما يقابله من العوض من دون تعيين لقدر الاختلاف ؛ إذ لا معيّن له حينئذ في الظن (٢) ، أمّا ثانيا فبأنّ الرجوع في قيمة الخمر والخنزير إلى مستحليه إنّما يتم إذا لم يكن مقوّما عند فساق المسلمين ، أمّا إذا كان مقوّما عندهم جاريا في معاملاتهم كما هو الحال في الخمر في بعض البلدان فلا حاجة إلى الرجوع إليهم ، بل لا وجه إذا اختلفت قيمته عندهم لما يقوم به عند الكفّار.

وكون ذلك ممّا لا قيمة له في الشريعة لا يقضي بانتفاء القيمة العرفية ، فإنّ المعاملات إنّما تجري على مجرى العادات. وكأنّ كلامهم في المقام محمول على الغالب ، وإلّا فالمتّجه حينئذ الرجوع إلى قيمته عندهم ؛ لابتناء العقد حينئذ على ذلك ، فلا حاجة إلى الرجوع إلى غيرهم ، بل لا وجه له مع اختلاف قيمته عندهم لما عندنا.

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أنّ ما ذكر من تقويم الخمر والخنزير عند مستحلّيه إنّما يتمّ إذا بيع على أنّه خمر أو خنزير ، وأمّا لو بيع الخمر على أنه خلّ مثلا أو الخنزير على أنّه شاة أو بقر فالظاهر تقويم الخمر خلّا والخنزير شاة أو بقرا ؛ إذ الثمن إنّما بذل على ذلك ، فلا وجه لتقويمه خمرا أو خنزيرا.

والظاهر أنّ المفروض في كلام الأصحاب هو الأول ، ولذا اعتبروا القيمة على ما ذكروه.

ثانيها : أنّه لو كان ما لا يملك ممّا لا قيمة له في العادة أصلا كما لو باعه بعض الكثافات مع ما يملكه أو باعه الشمس أو القمر مع شي‌ء مملوك أو باعه شخصا من الجن أو الملائكة مع عبد له ونحو ذلك ، فالظاهر فساد البيع ؛ إذ لا يتعين شي‌ء من الثمن بإزاء المملوك ، ولا يمكن جعل الجميع بإزائه ؛ إذ هو غير ما يقتضيه العقد ولم يقع العقد عليه.

ثالثها : أنّه يجري الحكم المذكور فيما لو كان فساد البيع في البعض من جهة أخرى غير

__________________

(١) في ( ألف ) : « المعنيين ».

(٢) في ( د ) : « الظاهر ».

٣٧٨

انتفاء الملكيّة كما إذا كان الفساد من جهة انتفاء القدرة على التسليم كما لو باع المغصوب مع غيره أو باع الدابّة الضالّة مع غيرها إن لم تلحقها (١) بالآبق ، فيصح البيع فيما يصحّ فيه ويبطل في غيره ويقسط الثمن عليهما.

والظاهر تقويم ذلك على حسبما هو عليه من الصفة ، فيلاحظ المغصوبية والضلال فيما فرض من المثال إذا علمنا بالحال.

وأمّا مع عدم العلم بهما فيقومان من دونه ؛ لحصول الإقدام عليه كذلك في الصورتين حسبما مرّ نظيره.

ولو علم (٢) به أحدهما دون الآخر فالظاهر أنّه كصورة الجهل منهما ، ولو كان ممّا لا قيمة له في العادة مع ملاحظة الوصف المفروض ، فلا يبعد القول بفساد البيع من أصله حسبما عرفت.

ومن (٣) ذلك ما لو باع القرآن مع غيره من الكافر بناء على فساد بيع القرآن منه أو باع السلاح لأعداء الدين مع ما يصحّ بيعه منهم ، والتقسيط هنا ظاهر.

ومن ذلك بيع ثمرة البستان قبل ظهورها إذا باعها مع غيرها (٤) من الأعيان الموجودة ، فيقسط الثمن عليهما ، ويصحّ تقسيط ذلك العين من الثمن.

ومن ذلك ما إذا باع بعض آلات اللهو أو نحوها مع ما يصحّ معه إن قلنا بعدم خروجها عن الملكيّة من جهة المادة ، فإنّه لا يصحّ بيعها من جهة الصورة ، وإن قلنا بخروجها عن ملك المسلم من جهة طريان تلك الصورة وإن كان لمادّتها قيمة اندرج في عنوان المسألة.

وكيف كان ، فالظاهر تقويمها على صورتها عند الفسّاق أو الكفّار على ما مرّ ، فيؤخذ من الثمن بنسبة قيمة ما يصحّ البيع فيه إلى المجموع حسبما عرفت.

ولو ضمّ ما لا يتموّل إلى المتموّل وكان غير المتموّل مقصودا بالبيع على ما هو المفروض

__________________

(١) في ( د ) : « نلحقها ».

(٢) في ( ألف ) : « سلّم ».

(٣) في ( ألف ) : « من » بدون الواو.

(٤) في ( د ) : « غيره الثمرة ».

٣٧٩

في المقام كما لو ضمّ حبّة من الحنطة إلى كتاب وباع تلك الحبّة مع الكتاب بثمن معلوم قوي فساد البيع في غير المتموّل ؛ إذ كما لا يصحّ بيعه منفردا لا يصحّ بيعه منضما إذا كان مقصودا بالبيع.

وفساد البيع غير قاض بفساده في المتموّل إذ لا تعيّن لما بإزائه من الثمن ، فإنّ مقصوديّة غير المتموّل بالبيع قاضية بكون بعض الثمن بإزائه على حسب تعلّق العقد به.

ولا يمكن تقسيط الثمن عليهما ؛ إذ لا قيمة له على حسب غيره ممّا لا يكون الضميمة إليه مقومة كما عرفت.

ولو ضمّ تلك الحبّة إلى جنسها من المتموّل كما لو باعها ومّنا (١) من الحنطة كذلك احتمل الصحّة لكون المجموع متموّلا.

ويضعفه بأنّ حبات الحنطة (٢) غير مقصود بالبيع ، فلا ينقسط (٣) ما بازائها شي‌ء من الثمن ، وهنا لمّا كان غير المتموّل مقصودا بالبيع حسبما هو المفروض لزم أن يقع ما بازائه بعض من الثمن فيتطرّق إليه الفساد من تلك الجهة.

وحيث لا يتعيّن ما بإزائه وما بإزاء الباقي يتطرّق الفساد إلى الجميع.

نعم ، لو عيّن في العقد ما بإزاء غير المتمول من الثمن فسد العقد بالنسبة إليه وصحّ في غيره كما هو الحال في غيره ممّا لا قيمة له ؛ إذ عيّن في العقد عوضه.

ولو ضمّ المنفعة إلى العين فباع الأمرين جرى فيه ما قلناه ؛ لفساد بيع المنافع ، ويصحّ بالنسبة إلى العين بقسطها من الثمن بعد تقسيطه عليها وعلى المنفعة المنضمّة (٤) إليها.

ولو ضم إلى العين بعض الحقوق كحقّ الخيار أو حقّ الرجوع وغيرهما ممّا يصحّ الصلح (٥)

__________________

(١) قد تقرأ في ( ب ) : « زمنا ».

(٢) في ( د ) زيادة : « في بيع المتمول من الحنطة ».

(٣) في ( د ) : « يتقسط ».

(٤) في ( ألف ) : « للمنفعة ».

(٥) في ( د ) : « لصلح ».

٣٨٠