تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

حين التأثير كما هو الحال في المقام بناء على القول بكون الإجازة كاشفة.

وأمّا الأخبار المذكورة فمع ما في أكثرها من ضعف الإسناد غير ظاهرة الدلالة على ذلك ؛ إذ المفهوم منها عدم صحّة البيع الواقع من غير المالك على الاستقلال من دون لحوق إجازة المالك كما هو الظاهر من سياقها ، ولا كلام فيه.

ومع تسليم شمولها لذلك على وجه ضعيف فما قدّمناه من الأدلة كاف (١) تقييدها بذلك.

وأضعف من ذلك الاحتجاج على ذلك بما ورد في الأخبار من المنع عن شراء السرقة والخيانة والمنع عن وطي الجارية المسروقة إذا اشتراها عن السارق ونحو ذلك ؛ فإنّ تلك الروايات ظاهرة جدّا بل صريحة في غير صورة رضا المالك وتنفيذه للبيع الواقع ، فلا وجه للاحتجاج بها في المقام.

وهو ظاهر ؛ على أنّه لو سلّم إطلاقها فلا ريب في تنزيلها على غير صورة الإجازة إذا قلنا بصحّة فضولي الغاصب مع تعقيب (٢) الإجازة بناء على شمول الأدلّة له ، فهي المقيّدة لإطلاقها وإن لم نقل بصحّته فلا كلام (٣).

[ تتميم ]

هذا ، وينبغي تتميم الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : أنّه كما يجري الفضولي بالنسبة إلى البيع كذا يجري في الشراء ، فيحكم بصحته مع الإجازة من غير فرق ؛ لاتّحاد المناط وشمول الإطلاق للأمرين ، و (٤) في عدّة من الروايات المتقدّمة دلالة عليه أيضا.

ويحكى عن البعض عدم صحّته بالإجازة.

__________________

(١) في ( ألف ) : « كان ».

(٢) في ( د ) : « تعقب ».

(٣) ليس في ( د ) : « واو ».

(٤) زيادة الواو من ( د ).

٣٤١

وهو ضعيف ، فلو كان العقد فضوليا من الجانبين توقّفت صحته على إجازة كلّ من المالكين.

ثانيها : أنّه كما يحكم بصحّة الفضولي الواقع عن المالك مع إجازته فهل يحكم بصحّة ما يوقعه عن نفسه إمّا لاعتقاد تملّكه أو لكونه غاصبا إذا لحقته إجازة المالك وأنّه فاسدة رأسا لا يصححه الإجازة.

والظاهر من كلام جماعة من الأصحاب صحّته بالإجازة كما في الصورة الأولى.

وقد نصّوا على أنّ للمالك تتبع العقود المتواترة (١) على ماله ، بل وعلى إعراضه (٢) وإجازة أيّ منها شاء كما سيجي‌ء الإشارة إليه ، بل لم تر (٣) هناك فارقا بين القسمين حاكما بفساد القسم الثاني دون الأوّل ، بل لم نجد في كلامهم تصريحا بالفساد في هذه الصورة دون الأولى أصلا.

نعم ، ذكر في التذكرة (٤) انّه لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها وعصى (٥) ليشتريها ويسلّمها (٦).

وبه قال الشافعي وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافا ؛ لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع ما ليس عندك ، ولاشتماله على الغرر ؛ فإن صاحبها (٧) لا يبيعها ، وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها.

وقد يعزى مثل ذلك إلى جماعة ، وقد حكم في الرياض بفساد المعاملة في هذه الصورة وعدم صحّتها بتعقّب الإجازة حاكيا (٨) عن الجماعة.

وقد حكي عن التذكرة دعوى (٩) عدم الخلاف فيه بين الطائفة ، قال : منزلين الأخبار

__________________

(١) في ( د ) : « المتواردة ».

(٢) في ( د ) : « اعواضه ».

(٣) في ( د ) : « لم نر ».

(٤) تذكرة الفقهاء ١ / ٤٦٣.

(٥) في المصدر : « يمضي ».

(٦) في ( ألف ) : « وتسليمها ».

(٧) في المصدر زيادة : « قد ».

(٨) في ( د ) زيادة : « له ».

(٩) في ( د ) : « ودعوى ».

٣٤٢

المانعة عن بيع ما لا يملك والناهية عن شراء المغصوب والسرقة كما في المعتبرة المستفيضة [ على ] ذلك ، فلا ينبغي الاستشكال فيه وإن شمله بعض أدلّة صحّة الفضولي وفتاويه.

وأنت خبير بأنّ الصورة المفروضة في التذكرة ممّا لا ربط له بهذه المسألة ؛ إذ ليس المقصود هناك تصحيح تلك المعاملة من جهة لحوق إجازة المالك ، بل المقصود تصحيحها من جهة الشراء من المالك بعد ذلك.

ولا ريب في عدم صحّتها حينئذ بذلك ، والظاهر عدم الخلاف بين الأمّة فضلا عن الفرقة.

والظاهر أنّ ذلك هو مقصود الجماعة.

ونحوه الحال في اخبار السرقة والخيانة حسبما مرّت الإشارة إليه.

كيف ، وقد نصّ في التذكرة (١) على ذلك بأسطر بأنّ الغاصب وإن كثرت تصرفاته فللمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل في الحال ما يتبع العقود ويعتمد (٢) مصلحته في فسخ أيّها شاء فينفسخ فرعه.

وهو كما ترى صريح في حكمه بالصحّة في الصورة المفروضة ، فكيف يتصوّر القول بعدوله عنه بعد قطعه أوّلا بالفساد ، وذكره عدم وجدان خلاف فيه يعني بين الأمّة ، فما ذكره رحمه‌الله من إسناد القول بالفساد حينئذ إلى الجماعة وأنّه ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه مستندا إلى الأخبار المذكورة وحكاية عدم الخلاف منه بين الطائفة مع أنّها غير ما وجدناه في التذكرة غير متّجه جدّا.

ولا دلالة في تلك العبارة ولا في الأخبار المذكورة عليه أصلا ، فالمتّجه القول فيه بالصحّة مع تعقيب (٣) الإجازة.

وفي إطلاق بعض الأدلّة المتقدّمة بل خصوص عدّة منها دلالة عليه ، فإنّ موردها ظاهر

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ٤٦٣.

(٢) في ( ألف ) : « يعتمل ».

(٣) في ( د ) : « تعقب ».

٣٤٣

خصوص ما إذا وقع المعاملة عن نفسه كما قد مرّ القول فيها ، والاعتضاد بظاهر فتوى الأصحاب حاصل في المقام أيضا كما عرفت ، بل لم نر مصرّحا بخصوصه بفساده سوى ما يوجد في كلام بعض متأخري المتأخرين.

فإن قلت : إنّه إذا وقع (١) العقد لنفسه كان ما قصده هو انتقال البيع فيه وانتقال الثمن إليه ، فإن أجاد المالك ذلك كان خارجا عن قاعدة الفضولي ؛ إذ ليس الملك له حتّى يجيزه له وينتقل الثمن إليه وإن أجازه لنفسه فهو غير مقصود من البائع ولا أوقع البيع عنه ، فهو تصرّف جديد لا إجازة لما وقع من الفضولي.

قلت : لا مانع من وقوع الإجازة على كلّ من الوجهين المذكورين.

وتوضيح المقام أن غير (٢) المالك إذا أوقع فإمّا أن يقصد وقوعه من المالك أو عن نفسه أو عن ثالث ، وعلى الأخيرين فإمّا أن يكون عالما بكون قصد البيع غير مالك أو يعتقد ملكيّته ، وعلى كلّ حال فإجازة المالك إمّا أن تكون لنفسه أو للعاقد أو للثالث.

وعلى كلّ حال فغير المملوك إمّا أن يكون مثمنا أو ثمنا أو هما معا.

فإن كان مثمنا وقصد وقوعه من (٣) المالك واختاره المالك لنفسه فهي المسألة المعروفة في الفضولي على ما مرّ بيانه.

وإن كان ثمنا كذلك فهو من الشراء الفضولي حسبما أشرنا إليه.

وإن قصد وقوعه عن العاقد نفسه (٤) وأجازه المالك صحّ عنه.

والقول بعدم قصد العاقد ذلك وعدم وقوع العقد كذلك فكيف يصحّ بالاجازة ، مدفوع بأنّ تعيين المنتقل منه ليس من مفاد العقد ولا أمرا معتبرا فيه ، وحقيقة العقد هو انتقال العين إلى المشتري بإزاء انتقال الثمن عنه.

__________________

(١) في ( د ) : « أوقع ».

(٢) ( ألف ) : « يتخيّر » بدلا من : « غير ».

(٣) في ( د ) : « عن ».

(٤) في ( ألف ) : « لنفسه ».

٣٤٤

وظاهر أنّ انتقال المبيع إنّما يكون عن مالكه سواء قصد البائع خصوص المالك أو لم يقصده فالإنشاء (١) الصادر عن العاقد هو إنشاء نقل العين عن (٢) المشتري ، وهو الأمر المقصود بالإيجاب والقبول سوى نوى انتقاله عنه أو عن غيره فتلك النيّة أمر زائد على حقيقة العقد ، فإذا أجاز المالك نقل العين إلى المشتري انتقل إليه.

ولا حجّة بكون (٣) الانتقال إليه من المجيز المالك سواء نواه العاقد أو لا.

ومن هنا يظهر أنّه لو كان الفضولي حينئذ من جانب الثمن دون المبيع كما لو باع المالك ماله لزيد بثمن لغيره ، فأجازه مالك الثمن لنفسه لم يصحّ ؛ لعدم قصد الانتقال (٤) حتى يصح بالإجازة ، فيفصل حينئذ بين البيع الفضولي كذلك وشرائه ، وقد يقال بصحّته أيضا بالإجازة بدعوى أنّ حقيقة البيع هو نقل الملك بالعوض أعني المعاوضة الخاصّة.

وأمّا خصوص المنتقل منه والمنتقل إليه فغير مأخوذ في حقيقة العقد الواقع ، وإنّما هو من ضروريات النقل والانتقال ، فلا مانع من أن يختلف المنتقل منه والمنتقل إليه فيما تعلّق به العقد وما تعلّقت به الاجازة.

وفيه : أنّ الفرق بين المقامين ظاهر ؛ لأنّ انتقال العين واقعا لا يكون إلّا عن مالكه وإن قصد العاقد غيره ، وأمّا المنتقل إليه فلا يتعيّن الّا بتعيين العاقد ، ولذا لا يصحّ العقد من دون ذكره في الجملة ، بخلاف المنتقل منه ؛ إذ لا حاجة إلى ذكره أصلا لصحّة العقد مع ترك ذكره بالمرّة وإبهامه بخلاف المشتري ؛ إذ لا يصحّ العقد من دون ذكره ، فإذا اعتبر تعيينه في العقد وقد عيّنه العاقد لم يعقل حصول الانتقال إلى غيره بإجازة ذلك العقد بل افتقر ذلك إلى عقد جديد.

ويمكن أن يقال بالفرق بين المتعاقدين والمالكين الّذين يحصل الانتقال من أحدهما إلى الآخر والّذي يعتبر في تحقق العقد تعيين القابل في الإيجاب ليحصل منه القبول على طبقه ، بل

__________________

(١) في ( د ) : « فالإنشاء ».

(٢) في ( د ) : « إلى ».

(٣) في ( د ) : « يكون ».

(٤) في ( د ) زيادة : « إليه ».

٣٤٥

لا بدّ فيه من تعيين الموجب أيضا إلّا أنّه حاصل الوقوع الإيجاب منه من غير حاجة إلى ذكره.

وأمّا المالكان اللذان يحصل انتقال المال من أحدهما إلى الآخر بحسب الواقع فلا حاجة إلى ذكرهما أصلا ، فلا يلزم ذكر من ينتقل إليه المبيع كما أنّه لا يلزم ذكر من ينتقل المال منه ، فإذا لم يتعيّن المنتقل منه في الإيجاب وكان المبيع ملكا لغيره انصرف البيع إلى انتقاله عن مالكه ، فإن كان وكيلا عنه صحّ البيع منه (١) وإلّا توقّف على إجازته.

وإن كان كليّا في الذمّة قضى الإطلاق باشتغال ذمته به ، وحصول الانتقال في ذمته.

وإن نوى بيعه في ذمة غيره فلا بدّ من ذكره أو قيام القرينة عليه ، فلا ينصرف الإطلاق إليه.

ولو نوى ذلك وصدقه المشتري بعد ذلك من غير أن يذكر ولو إجمالا أو يقوم قرينة عليه حين العقد ، ففي صحّة العقد وجهان.

وقضية ما قرّرناه صحته.

ويجري التفصيل المذكور بالنسبة إلى القابل (٢) أيضا. وحينئذ فمفاد قوله « بعتك » هو إيقاع البيع إيّاه ، وهو أعمّ من إيقاعه له أو لغيره ، ولذا يمكن أن يتحقق القبول منه لنفسه أو غيره من غير أن ينافي الإيجاب الواقع من الموجب إلّا أنّ الإطلاق في المقامين ينصرف إلى العاقدين.

ويدلّ على ما ذكرناه أنّه لو لا ذلك لم يصحّ أكثر العقود الدائرة بين الناس ، فإنهم لا يزالوا (٣) يتعاطون البيع من فعل الغير والشراء (٤) من غير أن يبيّنوا (٥) ذلك حين العقد ، بل أكثر المعاملات الواقعة من التجّار على سبيل الوكالة أو الولاية في جميع المبيع أو الثمن أو بعضه أو فيهما معا من

__________________

(١) في ( د ) : « عنه ».

(٢) في ( ألف ) : « القائل ».

(٣) كذا ، والصحيح : « لا يزالون ».

(٤) في ( د ) زيادة : « له ».

(٥) في ( ألف ) : « أن يبنوا ».

٣٤٦

غير أن يعيّن الوكيل أو الولي ذلك حين العقد في كثير من الأحوال.

ثمّ بعد ذلك يتبيّن الحال أو لا يتبيّن ذلك للبائع أو المشتري أصلا ، فلولا ما ذكرناه من البيان لم يصحّ شي‌ء من تلك العقود إلّا مع تعيين الطرفين أو تعيين من ينتقل إليه للموجب حتّى يتحقّق الإيجاب منه بالنسبة إليه ، وهو خلاف الطريقة الجارية المتداولة بين الناس من قديم الزمان إلى الآن من غير نكير.

فإن قلت : إنّ المفروض في المقام إيقاع العقد عن نفسه ونقل المبيع منها (١) بإزاء انتقال الثمن إليها في الصورة الأولى وفي الصورة الأخيرة نقل المبيع إلى المشتري بإزاء الثمن الّذي هو ملك الغير ووقوع القبول في الصورتين على طبق الإيجاب ، فكيف يصحّ منه الإجازة بخلافه وإن لم يكن ما ذكر من الخصوصيّة في نفسها ركنا في العقد إلّا أنّ الواقع من الموجب والقابل هو الامر الخاصّ فإن صحّ ذلك بالإجازة اللاحقة فلا بدّ أن يصحّ حسبما قضى به ذلك العقد الخاص ، وإلّا فلا تصحّحه الإجازة ؛ إذ ليست عقدا جديدا.

قلت : إذا لم يكن ما ذكر ركنا في العقد صح ذلك العقد الخاص (٢) من دونه ؛ إذ المفروض كون ذلك أمرا زائدا على ما يقتضيه أصل العقد (٣) ، فقضيّة العقد في الصورة الأولى هو نقل الملك إلى المشتري بالعوض المعلوم ، وكون ذلك النقل في (٤) نفسه أو من (٥) غيره غير معتبر في نفس العقد ، فقصده النقل الخاص لا ينافي تنفيذ أصل النقل الّذي هو حقيقة العقد ، وعدم نفوذ الخصوصيّة الزائدة لا ينافي تنفيذه (٦) أصل (٧) نقل المبيع بإزاء الثمن المفروض الذي هو حقيقة

__________________

(١) في ( د ) : « عنها ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « ذلك العقد الخاص .. على ما يقتضيه ».

(٣) في ( ب ) : « الخاصّ من دونه إذا المفروض » بدل : « أصل العقد ... بالعوض المعلوم و ».

(٤) في ( د ) : « عن ».

(٥) في ( د ) : « عن ».

(٦) في ( د ) : « نفوذ ».

(٧) في ( د ) زيادة : « وكذا الحال في الصورة الثانية ، فإن عدم تنفيذه خصوصية نقله إلى المشتري لا ينافي تنفيذه اصل ».

٣٤٧

البيع وإن كان الواقع منه النقل الخاص.

فإن قلت : (١) إنّ هناك فرقا بين الصورتين ؛ فإنّ وقوع انتقال ذلك المبيع (٢) من العاقد أو غيره اعتبار زائد على نقل المبيع إلى المشتري وقيد زائد في العقد ، وأمّا نقل المبيع إلى المشتري فهو عين الأمر الحاصل من الإيجاب المفروض ، وليس قيدا منضما إليه في الخارج ليقال بصحّة المنضمّ إليه دون المنضمّ ، بل هو أمر واحد إن صحّ بالإجازة حصل بالنقل (٣) إلى المشتري وإلّا لم يصحّ ؛ إذ لم يوقع بالإيجاب المذكور إلّا النقل إلى المشتري ، وهو أمر مغاير للنقل إلى غيره ، فلا يصحّ بالإجازة ما يغاير الحاصل بالإيجاب المفروض ، وإلّا كان عقدا (٤) جديدا لا إجازة للواقع.

قلت : إنّ الأمر الواقع منه وإن كان شيئا واحدا في الخارج إلّا أنّه ينحل إلى معارضته بين الثمن والمثمن (٥) وانتقال المثمن عن مالكه بإزاء انتقال المثمن إليه ، وكون انتقال المثمن (٦) إلى من عيّنه العاقد ، ولمّا لم يكن الثاني واقعا في محلّه لم يؤثّر العقد في حصوله.

وأمّا الأوّل فلمّا (٧) لحقته الإجازة من المالك صحّ تأثير العقد فيه ، وصحّة المعاوضة قاضية بانتقال المبيع إلى صاحب الثمن ، فقضية العقد المفروض بعد ملاحظة إجازة المالك هو انتقال المبيع إلى مالك الثمن ، وإن كان الانشاء الواقع من العاقد متعلّقا بتملّك المشتري فهو إجازة لذلك المقدار من مقتضى العقد الواقع وصرف له بالإجازة إلى تملك المجيز على حسبما يلزم من صحة المعاوضة المفروضة ؛ إذ قضيتها رجوع المثمن إلى صاحب الثمن وبالعكس.

ويدلّ أيضا على الصحّة بالنسبة إلى الثمن عدّة من الأخبار المذكورة :

__________________

(١) في ( ألف ) : « فإن قلنا ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « المبيع من ... وأما نقل المبيع ».

(٣) في ( د ) : « به النقل ».

(٤) في ( ألف ) : « عقلا ».

(٥) في ( د ) : « بين المثمن والثمن ».

(٦) في ( د ) : « الثمن ».

(٧) في ( ألف ) : « فلا ».

٣٤٨

منها : ما ورد في الاتّجار بمال الطفل ، وما دلّ على انتقال الربح إلى صاحب الوديعة الّتي أنكرها الودعي.

وقد يدلّ ذلك بإطلاقه على الصحة بالنسبة إلى المثمن أيضا.

وممّا قرّرنا يظهر أنه لو وكله المالك في بيع ماله أو في شراء شي‌ء له بثمن معيّن فباعه لنفسه لطروّ شبهة عليه فحسب أنّه له أو متعمّدا إذا (١) اشترى به ذلك الشي‌ء لنفسه كذلك كان ذلك البيع أو الشراء صحيحا واقعا للموكّل وإن لم يقصد إيقاعه له من غير حاجة إلى لحوق الإجازة منه ضرورة ؛ لحصول التوكيل المغني عنها ، فإنّ أقصى الأمر في الإجازة أن تكون منزلة منزّلة التوكيل وقائمة مقامه ، فلا فائدة فيها بعد حصول التوكيل.

فلو لم يصحّ ذلك من جهة التوكيل لم يصحّ بالإجازة أيضا بالأولى.

ولو أجازه المالك حينئذ عن العاقد سواء كان العاقد معتقدا (٢) تملّكه فباعه في نفسه أو لم يكن ففي صحته وجهان.

ويقوى القول بالصحّة أخذا بمقتضى الإطلاق من غير فرق بين البيع والشراء.

فإن قلت : إنّ قضيّة المعاوضة المفروضة كون المبيع راجعا إلى صاحب الثمن وبالعكس ، فكيف يملك الثمن من لا يملك المبيع أو بالعكس وذلك خارج عمّا يقتضيه العقد ؛ لتملكه له حينئذ من غير عوض.

قلت : قضيّة بيع مال الغير عن نفسه والشراء بماله لنفسه جعل ذلك المال له (٣) ضمنا حتّى أنّه على فرض صحّة ذلك البيع والشراء يملكه قبل آن (٤) انتقاله إلى غيره ؛ ليكون انتقاله إليه عن ملكه نظير ما إذا قال « أعتق عبدك عنّي فإنّه يملكه إن عتقه عنه (٥) ؛ نظرا إلى توقّف العتق

__________________

(١) في ( د ) : « أو ».

(٢) في ( ألف ) : « منعقدا ».

(٣) زيادة : « له » من ( د ).

(٤) في ( ألف ) : « أن ».

(٥) في ( د ) زيادة : « ليتحقق العتق ».

٣٤٩

على الملك.

وكذا الحال لو قال « بع مالي عنك لو أشتر لك بمالي كذا » فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء به ، فنقول في المقام : إنّه إذا أجاز البيع أو الشراء ، له صحّ ذلك البيع أو الشراء.

وصحته يتضمّن انتقاله إليه حين تحقق ذلك البيع أو الشراء. فكما أنّ الإجازة المذكورة يصحّح البيع كذا يقضي بحصول الانتقال المذكور الّذي يتضمّنه البيع الصحيح ، وكذا الحال في الشراء ، فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الإذن السابق قاض التزاما بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه ولا مانع منه.

وأمّا الإجازة اللاحقة فهي إنّما تصحّح البيع فيما إذا كان المبيع باقيا في ملك المجيز ، وأمّا إذا انتقل عنه إلى غيره فلا عبرة بالإجازة ، والمفروض في المقام أنّه على تقدير الإجازة يكون المال داخلا في ملك البائع ، فلا تكون الإجازة مصححة للبيع ، بل إنّما تكون قاضية بملك البائع ، فيصحّ بيعه حينئذ لوقوعه في ملكه ، وهو إنّما يتمّ إذا تعلّقت الإجازة بذلك التمليك.

وليس هناك عقد ناقل إليه ليصحّ تعلّق الإجازة به.

وأيضا فالمفروض تعلّقها بنفس البيع دون غيره.

قلت : إنّ الاجازة في المقام متعلّقة بالبيع مصحّحة (١) له إلّا أن تصحيحها للبيع إنّما يكون بتمليك البائع للمبيع في حال البيع ، فهو أمر تابع لتصحيح البيع المذكور حاصل بالالتزام من جهته وإن تقدّمه في الرتبة ، وليس المراد كون الإجازة أوّلا قاضية بتملّك البائع للمبيع ، فيكون العقد صحيحا لوقوعه في ملك العاقد من غير أن يكون صحّة البيع من جهة إجازة المجيز ، وكذا الحال في الإذن السابق ، فإنّ صحّة البيع إنّما هي بالإذن المفروض لا لكونه واقعا في ملك العاقد إلّا أن قضاءه بصحّته كذلك إنّما يكون بتملك العاقد له في أنّ البيع وانتقال المبيع عنه إلى الآخر من جهة ذلك الإذن أو الإمضاء ، فهما إنّما يحصلان بشي‌ء واحد وإن تقدّم أحدهما على الآخر في الرتبة.

__________________

(١) في ( ألف ) : « يصحّحه ».

٣٥٠

فظهر بما قرّرنا أنّ الحال في المقامين على نحو واحد ، وصحّة المبيع بالاذن السابق أو اللّاحق إنّما هو بتملك العاقد له في أنّ البيع والانتقال عنه.

هذا ، ويمكن أن يقال في المقامين : إنّه لا دليل على اشتراط كون المبيع أو الثمن ملكا للبائع أو المشتري إذا أوقع العقد لنفسه ، غاية الأمر أنّه لا بدّ أن يكون مأذونا في بيعه أو الشراء به سواء كان إذنا إلهيّا كما إذا كان مالكا للمبيع أو الثمن أو إذنا حاصلا من المالك كما في الصورة المفروضة.

نعم ، ظاهر الإطلاق قاض بوقوع البيع أو الشراء للمالك ، وأمّا إذا صرّح المالك بكون البيع عن العاقد نفسه أو الشراء به لنفسه فأي مانع عن صحته كذلك؟ فلو قال « بع هذا لك » أو « اشتر لك بهذا » ملك الثمن في الصورة الأولى مع كون المبيع ملكا لغيره ، فيكون في الأوّل قد انتقلت الثمن إليه بانتقال المبيع من المالك إلى المشتري ، وفي الثاني قد تملك المبيع بانتقال الثمن إلى البائع من غيره ، ويجري ذلك فيما إذا عقد كذلك فضولا ثمّ تعقّبته (١) الإجازة ، ولا مخالفة في ذلك لما يقتضيه عقد المعاوضة ؛ فإنّه إنّما يتوقف على العوضين.

وأمّا أنّه لا بدّ من كون كلّ منهما ملكا للمتعاوضين فلا بدّ من قيام دليل عليه ، بل لا مانع من الاكتفاء بكونه ملكا له أو مأذونا بالتصرف فيه كذلك ، ويتفرّع على ذلك أنّه لو اتفق بعد ذلك فسخ تلك المبايعة بإقالة أو حصول سبب للخيار رجع المبيع أو الثمن إلى ملك مالكه دون العاقد ، بخلاف الوجه الأوّل لانتقاله إذن من ملك الأول ودخوله في ملك العاقد أوّلا ، فلا وجه لرجوعه بالفسخ إلى المالك الأوّل.

ويجري ما ذكرناه من الاحتمال في العتق أيضا لكن ظاهر كلامهم يأبى عن ذلك ، والمسألة محل كلام فلا بدّ من التأمّل في المقام.

ثالثها : أنه لو عقد فضولا من جانب مع جهل الآخر بالحال ، فهل يصحّ البيع على تقدير الإجازة كما لو كان عالما بالحال؟ الظاهر ذلك.

__________________

(١) في ( د ) : « تعقبه ».

٣٥١

واستشكل (١) في التذكرة (٢) لأنّ الآخر حينئذ إنّما قصد تمليك العاقد دون المالك.

ويضعّفه أنّه يجري الإشكال المذكور مع كونه وكيلا من الآخر في الواقع ، ولا خلاف ظاهرا في صحّته.

وقد عرفت الوجه فيه ممّا فصّلناه ، على أنّه قد يصرح (٣) الفضولي بكونه لغيره بدعوى الوكالة عنه ، ثمّ تبيّن (٤) عدمه وكونه فضولا.

نعم ، يقع التأمل في المقام في ثبوت الخيار له بعد علمه بالحال ؛ نظرا إلى تزلزل العقد ، وقد أقدم على العقد النافذ في الحال.

وقد يفصل حينئذ بين ما إذا لحقته الإجازة في الحال أو تأخّرت مدّة لتردّد المالك فيها أو لعدم الوصول إليه لغياب ونحوه أو بين ما لحقه ضرر التأخير وعدمه. والأظهر الأخير.

رابعها : أنّه لو عقد فضولا فهل للآخر التصرف في متعلّق العقد قبل إجازة المالك أو ردّه أو لا بدّ من توقّفه عن التصرف إلّا بعد ظهور الردّ؟ يحتمل الثاني ؛ نظرا إلى لزوم العقد من طرف المالك على تقدير إجازة الأخير (٥) ، فيدور العقد حينئذ بين الصحيح والفاسد ، فلا يجوز له التصرف فيه إلّا بعد انكشاف الحال ليجري على مقتضاه.

والأظهر جواز تصرفاته فيه ؛ أخذا بمقتضى الأصل لعدم العلم بصحّة العقد المانع من التصرّف فيه ؛ لدورانه بين الصحيح والفاسد.

ومجرد الاحتمال لا يقضي بارتفاع الحكم الثابت ، بل لا مانع لسائر العقود الناقلة لعينه أو منافعه على وجه (٦) اللزوم أو غيره غير أنّه بعد حصول الإجازة يؤخذ بمقتضاه من الرجوع إلى العين مع بقائها ، وإلى عوضه مع تلفها.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « فيه ».

(٢) تذكرة الفقهاء ١ / ٤٦٣.

(٣) في ( د ) زيادة « له ».

(٤) في ( د ) : « يتبين ».

(٥) في ( د ) : « الآخر ».

(٦) ليس في ( ب ) : « على وجه .. تلفها نعم ».

٣٥٢

نعم ، لو علم بالفحوى إجازته له بعد ذلك لم يجز له التصرّف فيه كما سنشير إليه إن شاء الله.

خامسها : أنه لا يجوز له التصرف في شي‌ء من العوضين بالعقد الفضولي لعدم صحّة العقد ، بل (١) حصول الإجازة ، فلا يجوز للفضول دفع المبيع إلى المشتري لا قبض عوضه منه ، فإنّه إنّما يدفعه عوضا من (٢) المبيع الّذي لا يعلم انتقاله إليه.

وعلى فرض الانتقال لا يعلم رضاه لقبض الفضول له ، ولا للمشتري قبض المبيع من الفضول ، ولا تصرفه فيه بسائر أنواع التصرف.

نعم ، لو علم المشتري بالحال ودفع الثمن إلى الفضول راضيا بقبضه (٣) له فالظاهر جواز قبض الفضول له بناء على جواز تصرف المالك في ماله قبل العلم بإجازة الآخر حسبما مرّ.

ولو حصل القطع من الأمارات بإجازته له جاز له التصرف في المبيع بناء على الكشف.

ولا يجوز حينئذ للفضول قبض عوضه ؛ إذ لا يستلزم العلم (٤) بإجازة العقد العلم بتجويزه القبض.

نعم ، لو علم رضاه به أيضا جاز له ذلك على حسب العلم الحاصل بملاحظة المقام.

سادسها : أنّه لو أجاز العقد على ما هو عليه لا كلام ، ولو أجاز العقد في البعض بقسط من الثمن فهل يصحّ ذلك؟ وجهان ، أجودهما الصحّة إلّا أنّه يتخير المالك بين الفسخ والإجازة لتبعيض (٥) الصفقة.

ولا فرق بين أن يجيز جزءا مشاعا أو معيّنا ، ولا بين أن يكون المبيع أمورا عديدة قد جمعها في صفقة أو شيئا واحدا.

__________________

(١) في ( د ) : « قبل ».

(٢) في ( د ) : « عن ».

(٣) في ( د ) : « لقبضه ».

(٤) في ( ألف ) « لا يستلزم العقد لعلم ».

(٥) في ( د ) : « لتبعض ».

٣٥٣

وأولى بالصحة ما لو كان لشخصين فأجاز أحدهما دون الآخر.

ويحتمل هنا سقوط الخيار مع علمه بكونه لمالكين ؛ لإقدامه عليه سيّما مع ظنّه (١) عدم (٢) إجازة أحدهما.

ولو اشترط عليه شرطا في ضمن العقد فأجازه بدون الشرط لم يبعد الحكم بالصحة الّا أنّه لا بدّ حينئذ من قبول الآخر.

وهل يصحّ العقد قبل قبوله وله الخيار على الفسخ و (٣) يكون مراعى بقبوله فيصحّ معه ويفسد مع عدمه؟ وجهان.

( وهل يجوز أن يشترط عليه في ضمن الإجازة شيئا لم يشترط العقائد في ضمن العقد ، فينعقد الشرط مع قبول الآخر ويلتزم به حينئذ وجهان ) (٤) من عدم وقوع العقد ( عليه فلا يطابقه الاجازة ومن حصول الإجازة للعقد ، والشرط المذكور أمر خارج عن أصل العقد ) (٥) قد ألزمه به في ضمن الإجازة المصحّحة للعقد ، وقد أنيطت به الإجازة ، فيلتزم به مع قبوله بمقتضى قوله « المؤمنون عند شروطهم » ، فهو بمنزلة وقوعه في ضمن العقد لكون الإجازة من متمّماته.

ولا يقصر ذلك عن الشرط الواقع في ضمن القبول دون الإيجاب اذا رضى ( به الموجب كما إذا باعه شيئا فقبل ذلك على أن يكون له الخيار في مدة معلومة فرضي ) (٦) البائع به ؛ فإنّه لا يبعد إجراء حكم الشرط الواقع في ضمن العقد عليه أخذا بمقتضى الإطلاق المذكور.

__________________

(١) في ( د ) : « ظن ».

(٢) لفظة « عدم » ليست في ( د ).

(٣) في ( د ) : « أو ».

(٤) ما بين الهلالين ليس في ( ألف ).

(٥) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

(٦) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

٣٥٤

سابعها : أنّه لو مات من وقع (١) العقد على ماله فضولا (٢) فهل ينتقل (٣) الإجازة إلى وارثيه فله الرد والإجازة أو أنّه يبطل به العقد فلا أثر لإجازته؟ ربّما يحتمل الأوّل في بادي النظر لأنّها حقّ من الحقوق كحق الخيار ينتقل إلى الوارث.

ويضعّفه أنّه مع عدم حصول الإجازة من المالك الأوّل يبقى المال على ملكه ، فينتقل إلى وارثه ، والانتقال إليه قاض ببطلان العقد ؛ إذ لا يعقل انتقاله إليهما ، وظاهر بناء على الكشف والقول بكشف إجازة الوارث على (٤) حصول الانتقال بالعقد الواقع من المورث ممّا لا وجه ؛ له إذ مع عدم انتقال المال إليه لا عبرة لإجازته ومع انتقاله إليه يبطل العقد حسبما قرّرناه.

وأمّا بناء على النقل فقد يحتمل الاكتفاء ببقائه على ملك المورث مع ثبوت حق الإجازة له ، فينتقل كذلك إلى الوارث.

ويشكل بأنّ أقصى الأمر ثبوت الصحة بإجازة المالك حين العقد ، وأمّا غيره ممّن انتقل إليه المال بعد ذلك فغير معلوم.

وشمول أدلّة الفضولي له غير ظاهر ، وقضيّة الأصل الأصيل هو الفساد.

وقد تبين بما قرّرنا أنّه لو باع مال غيره فضولا ثمّ ملكه (٥) بأحد الوجوه الناقلة إليه وأجاز ذلك البيع لم يصحّ ؛ لفساد العقد حينئذ بتملّكه فلا بد من عقد جديد.

ثامنها : أنه لو باع شيئا على وجه الفضولي (٦) ثمّ تبيّن أنّه ملكه كما لو باع مال مورّثه بظنّ أنه حيّ وأنّه فضول ، ثمّ تبيّن موته وانتقال المال إليه حين العقد ، فهل يحكم بصحته ولزومه ؛ لوقوعه من أهله في محلّه.

__________________

(١) في ( د ) : « أوقع ».

(٢) في ( د ) : « فضولا على ماله ».

(٣) في ( د ) زيادة : « حق ».

(٤) في ( د ) : « عن ».

(٥) في ( ألف ) : « هلكه ».

(٦) في ( د ) : « الفضول ».

٣٥٥

أو يحكم بثبوت الخيار له (١) ؛ لعدم إقدامه على التمليك النافذ بل المتزلزل الموقوف على إجازة المالك ، فالحكم بالتزامه به ضرر عليه.

أو أنّه بمنزلة الفضولي الواقع من غير المالك ، فيتوقّف على إجازته ، فإن ردّه كشف عن فساده من أصله ، وإن أجاز صحّ لإقدامه عليه كذلك.

أو أنّه باطل من أصله لعدم قصده وقوع البيع عن نفسه ، فلا يقع البيع عنه قهرا ؛ وجوه كأنّ أظهرها الثاني ، وأضعفها الوجهان الأخيران.

ولو باعه على أنّه ملكه فتبيّن بعد ذلك أنّه لمورّثه ، ثمّ تبيّن موته حين العقد ، فلا إشكال في الصحة واللزوم.

ولو اعتقد أنّه لغيره ، فباعه عن نفسه غصبا ، ثمّ تبيّن أنّه ملكه احتمل قويّا لزومه.

ولو باعه عن المالك باعتقاد الوكالة عنه ، ثمّ تبيّن أنّه ملكه ففي الحكم بلزومه وجه قويّ ولا يخلو من (٢) إشكال.

تاسعها : أنّه ذكر العلّامة في القواعد (٣) انّ الأقرب اشتراط كون العقد له فيجزي (٤) في الحال يعني حال وقوع العقد ، فلو باع الفضول مال الطفل ولا مجيز هناك من أب أو جدّ أو حاكم يمكن الوصول إليه أو محتسب كذلك له الولاية على مال الطفل على ذلك الوجه لم يصحّ العقد ( فلا يثمر اجازة الطفل حينئذ بعد البلوغ.

وهو كما ترى لا يخلو عن ضعف ؛ إذ لا قائل حينئذ بفساد العقد ) (٥) ، فأقصى الأمر أن يبقى موقوفا فيفسد بسبب انتفاء الإجازة إذا لم يحصل به (٦) مجيز بعد زمان العقد إن لم نكتف بإجازة الصبيّ بعد البلوغ بناء على الوجه الآتي.

__________________

(١) في ( ألف ) واو العطف بدلا من « له ».

(٢) في ( د ) : « عن ».

(٣) قواعد الأحكام ٢ / ١٩.

(٤) في ( د ) : « فيجيز ».

(٥) ما بين الهلاليين لم ترد في ( ألف ).

(٦) في ( ب ) و ( د ) : « له ».

٣٥٦

واشتراط كون العقد ممّا له مجيز في الحال مذكور في كلام بعض العامّة ، وقد أسنده في التذكرة إلى ابن جنيد (١) ، ولم يقم عليه دليل عندنا.

نعم ، لو وقع العقد على وجه لا يجوز إجازته من الولي كما إذا اشتمل على ضرر الطفل فقد يقال حينئذ بفساده ؛ لعدم مجيز يمكن تصحيح العقد بإجازته ، فهو بمنزلة انتفاء الإجازة رأسا ، فيقع العقد فاسدا.

وهذا إنّما يتمّ مع عدم الاكتفاء بإجازة الصبيّ بعد بلوغه بناء على الوجه الآتي.

ويمكن أن يقال في الصورة الأولى أيضا بأن عدم (٢) وجود مجيز من أب أو جدّ أو غيرهما حال وقوع العقد كاف في فساده بناء على الوجه الآتي ؛ إذ حصول الولي بعد ذلك لا يكفي في صحّة العقد الواقع قبل ولايته بناء على الوجه المذكور إلّا أن يقال بعدم جريانه على مذهبنا مع وجود الإمام عليه‌السلام في كلّ عصر ، وإن فرضنا الخلو من المجتهد.

وفيه : أنّ وجود الامام عليه‌السلام مع عدم إمكان الوصول إليه ( في تحصيل الإجازة منه لا يكفي في تصحيح العقد وكذا الحال في المجتهد الذي يقطع عادة بعدم إمكان الوصول إليه ) (٣) رأسا لانتفاء الإجازة منه قطعا فلا يمكن تصحيح العقد من قبله مع العلم بعدم حصول الإجازة منه ، وعدم قابلية غيره من الأولياء المتجددين للإجازة بناء على ذلك الوجه ، فلا بدّ من الحكم بفساد العقد للعلم بانتفاء شرطه ـ أعني الإجازة المعتبرة ـ في صحته. وكأنّ هذا هو الوجه فيما ذكره رحمه‌الله إلّا أنّه مبنيّ على الوجه الآتي.

عاشرها : أنه هل يشترط في المجيز أن يكون قابلا للإجازة حين العقد ماضيا تصرّفه في تلك الحال نظرا إلى أن إجازته يصحّح العقد الواقع في ذلك الزمان ، فلا بدّ أن يكون جامعا لشرائط الإجازة حينئذ ، فلو حدث جواز تصرفه بعد وقوع العقد لم تؤثّر إجازته في حال

__________________

(١) في ( د ) : « أبي جنيد ».

(٢) زيادة في ( ب ) : « الاكتفاء ».

(٣) ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).

٣٥٧

السابقة كما إذا تجدّدت له الولاية كما إذا كان (١) مجنونا حين العقد ، فأفاق بعد ذلك لعدم ثبوت الولاية له في تلك الحال ، وكذا لو بلغ الطفل فأجاز لعدم جواز تصرفه في حال الصغر.

وهذا لا (٢) يخلو من وجه.

ويتفرع عليه ما ذكره العلّامة كما أشرنا إليه إلّا أنّ الظاهر خلافه ؛ لما عرفت ممّا دلّ على صحة فضولي النكاح إذا أجاز الطفل بعد بلوغه ، فيدل ذلك على الصحة في المقام بالفحوى.

مضافا إلى أنّه لا مجال للإشكال فيه على القول بالنقل ؛ فإنّ التصرف بالمال إنّما يكون بالإجازة الباعثة على الانتقال الواقعة في زمان سلطانه عليه ، وإنّما يأتي الإشكال على القول بالكشف.

ويمكن دفعه بأنّ الولاية المفروضة وإن تجدّدت بعد العقد إلّا أنّها قاضية بمضي تصرفه في مال الطفل ، ولو تعلّقت بالزمان السابق وعدم مضى تصرفه على فرض وقوعه في ذلك الزمان لا يقضي بعدم مضيه متعلّقا بذلك الزمان إذا وقعت في وقت السلطان عليه كما إذا تعلّق تصرف الولي بالزمان المتأخر عن ولايته حين ولايته ؛ فإنّه ينعقد حينئذ وإن لم ينفذ على فرض وقوعه في ذلك الزمان.

فالإجازة المتأخرة الواقعة في وقت السلطنة على المال كاشفة عن صحّة العقد الواقع قبلها ؛ لمجامعته للإجازة الصادرة ممّن يجوز تصرفه في المال ، فكما أنّ تأخر الإجازة لا ينافي الحكم بصحة العقد المتقدّم عليها مع اشتراطه في صحّة العقد فكذا لا ينافيه تأخر ولاية المجيز.

هذا إذا كانت ولايته على المال مطلقه كما هو الغالب ، وأمّا لو كانت مقيّدة بغير ما تقدّم كما إذا وكله في التصرفات المتعلّقة بما تأخّر من الزمان دون ما سبقه لم يكن له ذلك.

حادي عشرها : أنه هل يشترط في الإجازة الشروط المعتبرة في البيع كمعلومية العوضين للمالك المجيز أو يكتفى بحصول تلك الشروط حال وقوع العقد؟ فلو تحقّق العلم بالعوضين للعاقدين كفى في صحة العقد ، وإن جهل المجيز فيصحّ إجازته مع جهالته بها أو بأحدهما ؛

__________________

(١) في ( ألف ) : « كانوا ».

(٢) ليس في ( د ) : « لا ».

٣٥٨

فيرجع في التعيين إليهما أو إلى ما تقوم به النيّة مع الاختلاف.

وجهان من أن البائع والمشتري على الحقيقة هو المجيز ، فلا بدّ من اعتبار شروط البيع بالنسبة إليه ، وإنّ البيع إنّما صدر عن العاقدين دون المجيز ، فلا دليل على اعتبار تلك الشروط بالنسبة إليه ، فالإجازة المتأخرة بمنزلة التوكيل المتقدم ، فكما لا يعتبر تحقّق شروط البيع بالنسبة إلى الموكّل فكذلك المجيز.

وهذا هو الأظهر.

ويجري الكلام في الشروط المنضمّة إليه.

ونحوها إذا حملها (١) وأجاز البيع على ما وقع عليه.

ثاني عشرها : هل يشترط استجماع العقد لشروط الصحة حين وقوعه سوى رضا المالك وإذنه أو أنّه يكتفى بتحقّق الشروط حين الإجازة؟ فلو تعلّق العقد بشي‌ء مجهول للعاقد الفضول وأجازه المالك مع علمه أو باع الآبق وقد استرد في وقت الإجازة أو باع الكافر مصحفا أو مسلما فأجازه بعد إسلامه ، أو يكتفى بحصولها في أحد الحالين أو بحصولها من حين العقد إلى زمان الإجازة في الجملة أو يعتبر تحقّقها في الحالين؟ وجوه.

وظاهر بعض كلماتهم في الاحتجاج يعطي اعتبار الاستجماع حين (٢) العقد ، وهو الّذي يقتضيه الأصل الأصيل في فساد المعاملة بدونها ؛ للشك في صحتها حينئذ ، بل قد يقضي الأصل باعتبار حصولها في الحالين.

وقد يقال بالاكتفاء بحصولها حين الإجازة على القول بالنقل فإنه في الحقيقة حال انعقاد العقد.

ويمكن أن يقال بالتفصيل بين الشروط ، فيعتبر في المملوكيّة أن تكون حاصلة حين العقد ، فلو باع ما لم يدخل في الملك كالمباحات قبل الحيازة والطير في الهواء ثم أجازها أو صاد الطير لم تؤثر الإجازة ، سيّما على القول بالكشف لو كانت حاصلة حين العقد فزالت بعد ذلك كما

__________________

(١) في ( د ) : « جهلها ».

(٢) ليس في ( ب ) : « الاستجماع حين .. الأصل باعتبار ».

٣٥٩

لو تلفت بعد العقد والقبض قبل الإجازة صح العقد بالإجازة ، فيكون التلف من المشتري.

ويحتمل حينئذ اشتراط حصولها حين الإجازة أيضا ؛ إذ لولاها لعدّت الإجازة سفها خارجا عن مقصود العقلاء.

وأمّا القدرة على التسليم وإسلام المشتري في (١) بيع المصحف والمسلم فيكتفى بحصول الشرط عند الاجازة ؛ لعدم وضوح دليل على الفساد بمجرّد انتفائه حين العقد.

ولا عبرة بالتسليم الأصيل قبل الإجازة ، والمفروض حصول القدرة عليه عند اعتبار التسليم ، وأنه لا سبيل للمشتري على المبيع إلّا بعد الإجازة ، فلا يفيد ما دلّ على دفع السبيل وقضى به مراعاة الاحترام فساد العقد في تلك الصورة ، فيندرج تحت الأصل.

وأمّا معلوميّة العوضين ففيها وجهان.

ولا يبعد أن يقال في اشتراط استجماع الشروط حين العقد بما دلّ الدليل على اشتراط العقد به مطلقا.

وأمّا ما كان اعتباره لجهة خارجة (٢) كنفي السبيل على المسلم وملاحظة الاحترام أخذ فيها (٣) بمقتضى ذلك الدليل ، فلا يبعد على الصحيح في المثالين المفروضين.

ثالث عشرها : أنّه هل يعتبر فيها تعيين العقد من كونه بيعا أو صلحا أو إجازة أو نكاحا أو يجوز إمضاء العقد الواقع منه كائنا ما كان ، سواء علم كميّة العقد أو جهل التعيين أو علم نوع العقد وشكّ في الكميّة أو جهلهما معا كما إذا أجاز كلّ عقد يتعلّق به (٤) قد صدر منه في هذا اليوم مع جهله بنوع العقد ، وتعدّد تلك العقود فيه إشكال.

وظاهر ما ذكرناه من كونه بمنزلة الإذن السابق على العقد هو الوجه الثاني.

وهل يعتبر فيها علمه بوقوع العقد من الفضول أو يجوز إمضاءه لما يحتمل وقوعه أو على

__________________

(١) زيادة « في » من ( د ).

(٢) في ( د ) : « خارجية ».

(٣) في ( د ) : « فيه ».

(٤) في ( ألف ) : « يتعلّق » بدلا من « يتعلق به ».

٣٦٠