تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

استضعافا لتلك الروايات سندا ودلالة.

وهو ضعيف كما ترى.

وكأنّ من تأمّل فيه من المتأخرين غفل عن حكم أكثر الأخبار المذكورة ، وإلّا فهي حجّة كافية بنفسها فضلا عن تأيّدها بما عرفت.

ولو جهل الحال في المصرف فالذي يقتضيه اصالة صحة فعل المسلم ، وظاهر إطلاق الآية والأخبار الكثيرة الجواز حيث إنّ حملها على خصوص صورة العلم بالمصرف من البعيد ؛ لوضوح أن الاطلاع على خصوصيّات المصارف مستبعد في الغالب.

مضافا إلى اختلاف الأفعال باختلاف المقصود ، فقد يتراءى مباحا أو مندوبا. وهي معصية بحسب ما قصده ، ففيه شهادة واضحة على عدم تعليق الحكم به كما هو مختار جماعة كثيرين منهم الشيخ في ظاهر المبسوط (١) والحلي (٢) والآبي (٣).

وعزاه في التذكرة (٤) إلى الأكثر.

وهو الأظهر لما عرفت.

وعن الشيخ في النهاية القول بالمنع. وربّما يظهر من الدروس (٥) واللمعة (٦) الميل إليه حيث اسنده إلى الرواية ساكتا عليه.

ويدلّ عليه أنّ الجهل بالشرط يقتضي بالجهل بالمشروط ، فلا يحصل معه العلم بالفراغ ، ولما في ذيل خبر صباح بن سيابة المتقدّم : قلت : فما لهذا الرجل الّذي هو (٧) لا يعلم فيما أنفقه في

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٥١.

(٢) السرائر ٢ / ٣٤.

(٣) كشف الرموز ١ / ٢٥٤.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٥٨.

(٥) الدروس ١ / ٢٤١.

(٦) اللمعة الدمشقية : ٤٣.

(٧) في ( د ) : « وهو ».

٢٨١

طاعة الله عزوجل أم في معصيته؟ قال : « يسعى له في ماله ويؤدها ما عليه وهو صاغر » (١).

وضعف الأوّل ظاهر مما عرفت ، والرواية ضعيفة ، وهي مع عدم نهوضها حجّة في نفسها غير مقاومة لما عرفت.

مضافا إلى ما فيها من الضعف في الدلالة ؛ لاحتمال بيانه الحكم بالنسبة إلى المستدين إذا صرفه في المعصية ولم يعلم به دافع الزكاة ، فحكم عليه‌السلام بعد استحقاقه في الزكاة.

وحمل الرواية عليه غير بعيد عن ظاهرها كما لا يخفى على المتأمل فيها.

وحملها بعض المتأخرين على من يعلم منه الأقدام على المعاصي وعدم التحرّز عن الفسوق ففي حقّه لا يحمل تصرفاته على الصحّة دائما.

وهو كما ترى. ولو كان الحمل المذكور مذهبا للحامل كما هو الظاهر كان ما ذكره تفصيلا في المقام.

ثانيها : أن كون الدين مصروفا في المعصية قد يكون من جهة صرف عين المال المستدان في المعصية سواء كان ذلك هو المقصود حال الاستدانة أو وقع صرفه في ذلك على سبيل الاتفاق ، وقد يكون من جهة حصول الدين بالمعصية كما إذا لزمه الدية ابتداء في جناية العمد أو أنّه زنى بالمرأة قهرا أو مع حصول الشبهة في جانب المرأة أو أتلف مالا لغيره على سبيل الغصب ونحو ذلك.

وقد يجتمع فيه الجهتان كما إذا صرف المال المغصوب في الجهة المحرّمة لذاتها ؛ لصرفه إذن في المعصية وحصول (٢) اشتغال الذمّة فيه بالإتلاف المحرّم عليه.

وهل يعتبر أن يكون الدين المذكور في الوجه الأخير مصروفا في المعصية بلا واسطة أو يعمّ ما إذا كان صرفه فيه مع الواسطة؟ كما إذا صرف الدين في المعصية ثمّ استدان لقضاء ذلك الدين وهكذا فإنّ الدين الثاني وما بعده إنّما صرف في اداء الواجب إلّا أنّ ثبوت أصل الدين عليه إنّما كان لأجل المعصية ؛ وجهان ، البناء على الثاني لا يخلو عن قوّة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ / ١٨٦ ، باب الديون وأحكامها ح ١٠.

(٢) لم ترد في ( ب ) : « وحصول .. في المعصية ».

٢٨٢

ثمّ إنّه هل يراد به خصوص الوجهين المذكورين أو يعمّ ما إذا كان أصل الصرف معصية وإن كان المصروف فيه طاعة في نفسه؟ كما إذا صرف المال في وجه مباح مع مطالبة الديان وعدم قدرته على الوفاء من غيره ، فإنّه مع تعيّن الصرف في قضاء الدين يحرم عليه الصرف المذكور ، فالصرف حرام وإن كان المصروف فيه مباحا في نفسه ؛ وجهان أظهرهما الأوّل ؛ لانصراف الإطلاق إليه وعدم ظهور الثاني منه في المقام.

ثالثها : إنّ الغارمين صنفان :

أحدهما : الذين استدانوا لمصالح أنفسهم من طاعة كحج وزيارة ، أو مباح كأكل ولبس ونحوهما.

ثانيهما : من استدانوا لمصلحة غيرهم كأن تحمل حالة لإطفاء نائرة الحرب ودفع الفساد بين الناس ، أو يدفع الدية كذلك ، أو يتحمل غرامة متلف كذلك ، ونحو ذلك.

فالكلام هنا في مقامين :

أمّا الأوّل فيقتصر في مستحقه الفقر بإجماعنا كما في الخلاف (١) والغنية وظاهر التذكرة (٢) ، وباجماع أهل العلم كافة كما في المبسوط (٣).

ويدل عليه مضافا إلى ذلك أنّ الزكاة إنّما شرعت لسدّ الخلّة ودفع الحاجة ، وما ورد في الأخبار من عدم حلّ الصدقة للغني.

ويمكن المناقشة في الأوّل بالمنع من كون وضع الزكاة لسد الخلّة بالنسبة إلى جميع مصارفها ، كيف ويجوز دفعها إلى الغارمين والمؤلفة مع الغناء. ولو سلّم فغاية الأمر اعتبار عدم المكنة من الأداء ، وهو لا يستلزم الفقر ؛ إذ قد يكون صناعة وافية بنفقته من غير زيادة عليها. وحينئذ يكون غنيّا مع عدم قدرته على وفاء الدين.

وفي الثاني : بأنّ المراد منها كأنّه خصوص سهم الفقراء والمساكين ؛ إذ لا يعتبر الفقر في

__________________

(١) الخلاف ٤ / ٢٣٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٥٨.

(٣) المبسوط ١ / ٢٥١.

٢٨٣

كثير من السهام الأخر ، والإجماعات المنقولة موهونة بتصريح جمع من الأصحاب بالاكتفاء بعدم القدرة على الأداء.

وكأنّ ذلك هو المقصود فيما نقل الإجماع عليه.

وكيف كان ، فظاهر المقابلة في الآية الشريفة ـ مضافا إلى إطلاقها وإطلاق ساير الأخبار ـ عدم اعتبار الفقر في المقام بل يكفي (١) فيه عدم القدرة على الوفاء سواء كان فقيرا أو لا ، بل لو قيل بالاكتفاء فيه بالفقر أيضا ـ ليكون أحد الأمرين كافيا في الاستحقاق حيث إنّ بينهما عموما من وجه في الصدق ـ كان وجها ؛ أخذا بإطلاق الأدلة كتابا وسنة.

والأخبار المتقدمة لا دلالة فيها على عدم جواز دفعها إلى الفقير من سهم الغارمين إذا كان قادرا على أداء الدين ، بل قضية إطلاقها الجواز. غاية الأمر استظهار خروج الغني القادر على ذلك كما هو معلوم من الإجماع المعلوم (٢) والمنقول ، وأمّا غيره فلا إشارة في تلك الأخبار إلى المنع منه.

ومن العجيب مبالغة صاحب الحدائق (٣) في اعتبار خصوص عدم القدرة على الوفا [ ء ] مدّعيا ظهوره من أخبار الباب ، بل ادّعى صراحة رواية أبي نجار (٤) فيه.

وقد مضى شطر منها.

وأنت خبير بأنّ شيئا منها (٥) من الأخبار المذكورة ولا إشارة فيها إلى ذلك فضلا عن الدلالة.

وكذا الحال في رواية أبي نجار ؛ فإنّها إنّما وردت في خصوص العسر ، ومن المقرّر أنّ خصوصية المورد لا يدلّ على اختصاص الحكم.

__________________

(١) في ( د ) : « يكتفى ».

(٢) لم يرد في ( ب ) : « من الإجماع المعلوم ».

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٨٨.

(٤) في المصدر : أبي نجاد.

(٥) لم يرد : « منها » في : ( ب ) و ( د ).

٢٨٤

ومن هنا يظهر قوة ما استقربه العلامة في النهاية (١) ونفى عنه البعد في المدارك (٢) من جواز دفعها إلى المديون إذا كان عنده ما يفي بدينه لكن لو دفعه يصير فقيرا.

ولما عرفت من قضاء الإطلاقات به مع عدم ظهور خلافه من ساير الأدلّة ، و (٣) دعوى دلالة الأخبار على خلافه قد (٤) عرفت ما فيه.

نعم ، ما علّله به في المدارك (٥) من عدم صدق التمكن من الأداء عرفا ضعيف.

كيف ، ولا يستثنى في الدين إلّا نفقة اليوم والليلة ، وكذا ما علّله في نهاية من انتفاء الفائدة في منعه من سهم الغارم وتكليفه بالدفع في الدين ، ثمّ أخذه من جهة الفقير. وكأنّ ذلك تقريب في اندراجه تحت الإطلاقات.

هذا ، ولو كان قادرا على أداء الدين بالاكتساب على التدريج فاحتمل فيه في نهاية الإحكام (٦) جواز الدفع والمنع ؛ نظرا إلى أنّ حاجة الغارم حاصلة بالفعل لثبوت الدين في ذمته والمفروض عدم قدرته على الوفاء بالفعل ، وإلى أنّ القدرة على الكسب بمنزلة القدرة على المال على نحو ما اعتبر في الفقير.

والأظهر المنع لقوّة الوجه الأخير وعدم ظهور اندراجه تحت الإطلاقات ، وقضاء اليقين بالشغل اليقين بالفراغ.

كيف ، ولو جاز ذلك لجرى بالنسبة إلى ما إذا استحق ما لا يفي بذلك على قبيل (٧) التأجيل إذا استحق عليه في الحال ، ولم يكن له بالفعل ما بقي بذلك.

ولو صحّ ذلك لزم جواز إعطاء الزكاة لكثير من التجار إذا حلّ ما عليهم قبل أن يحلّ

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ / ٣٩١.

(٢) مدارك الأحكام ٥ / ٢٢٣.

(٣) في ( ألف ) : « أو ».

(٤) في ( ألف ) : « وقد ».

(٥) مدارك الأحكام ٥ / ٢٢٣.

(٦) نهاية الإحكام ٢ / ٣٩١.

(٧) في ( د ) : « سبيل ».

٢٨٥

الأجل (١) فيما لهم من الأموال ، و [ هو ] بيّن البطلان.

نعم ، ربّما يقال بالجواز إذا كان ما يفضل من مؤنته في غاية القلّة بحيث لا يصدق معه اسم المكنة من الأداء ؛ نظرا إلى طول المدّة ، وكذا لو كان الأجل بعيدا جدا من (٢) المؤجل على وجه ، فتأمّل.

ولو كان قادرا على الصنعة ولم يكن من أهل الصنائع (٣) ففي (٤) جواز الدفع إليه الوجهان الماضيان (٥) في الفقير. وظاهر اعتبار عدم القدرة على الأداء يعطي المنع. وأمّا لو كان قادرا على الاستيهاب أو كان (٦) يتوقع الانتقال إليه بالميراث فلا ينبغي التأمل في الجواز فيما إذا [ ... ] (٧).

__________________

(١) في ( ب ) : « للأجل ».

(٢) في ( د ) : « في ».

(٣) في ( ب ) : « الصناعة ».

(٤) في ( ألف ) : « في ».

(٥) في ( ب ) : « ماضيان ».

(٦) ليس في ( ب ) : « كان ».

(٧) هنا بياض في الأصول المخطوطة.

٢٨٦

الباب (١) الثالث

في زكاة الفطرة

وهي إمّا من الفطرة بمعنى الخلقة ، ويراد بها البدن فيكون في (٢) مقابلة زكاة المال حيث إنّها يعطي عن الأشخاص أو أنّها تعطى محافظة البدن وسلامتها عن التلف كما عن زكاة المال يوجب حفظ المال.

وقد دلّ عليه النص في المقامين.

أو بمعنى الإسلام كما في الآية الشريفة ، فيراد بها زكاة الإسلام [ و ] إسنادها إليه لأجل الاهتمام بها وشمول التكليف بها لمعظم الناس.

أو بمعنى الفطر من الصوم حيث إنّها تعطى في يوم الفطر.

وكيف كان ، فوجوبها في الجملة ممّا دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع ، بل هي من الضروريات في الجملة.

والكلام في شرائطها وتعيين الأجناس التي يخرج منها ومقدارها وبيان وقت وجوبها وإخراجها ، وما يتعلّق بها.

فلنفصّل القول فيها في فصول :

__________________

(١) في ( د ) : « المقام ».

(٢) زيادة « في » من ( د ).

٢٨٧

الفصل الأول

في بيان شرائط وجوبها

تبصرة

[ في اشتراط التكليف ]

يشترط وجوبها بالتكليف ، فلا يجب على الصبيّ والمجنون إجماعا. حكاه الفاضلان في المعتبر والمنتهى (١) وتحرير الأحكام (٢).

ويدلّ عليه بعد ذلك في غير المكلّف لا يتعلّق به خطاب الشرع ، وتكليف الولي بذلك ممّا لا دليل عليه ، فهو منفي بالأصل.

وخصوص الصحيح الوارد في الصبي : « عن الوصيّ يزكّى زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ، فكتب : « لا زكاة على اليتيم » (٣).

مضافا إلى بعض الإطلاقات الدالّة على أنّ الزكاة إنّما تجب إذا وجبت الصلاة.

وفيه دلالة أيضا على عدم وجوبها على المجنون.

وكما لا تجب عليهما بالنسبة إلى أنفسهما فكذا بالنسبة إلى من يدخل في عيلولتهما (٤) فلا زكاة عليهما من جهة الملوك.

نعم ، في المكاتبة الصحيحة عن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلد آخر وفي يده

__________________

(١) منتهى المطلب ١ / ٥٣١.

(٢) تحرير الأحكام ١ / ٤١٩.

(٣) الكافي ٣ / ٥٤١ ، باب زكاة مال اليتيم ح ٨.

(٤) في ( ألف ) : « حيلولتهما ».

٢٨٨

مال لمولاه وينحصر الفطرة ، أيزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ فقال : « نعم » (١).

[ و ] في المدارك (٢) : يستفاد من هذه الرواية أنّ الساقط عن اليتيم فطرته خاصّة لا فطرة غلامه ، وإنّ للملوك التصرف في مال اليتيم على هذا الوجه ، [ و ] كلا الحكمين مشكل.

قلت : من البيّن أنّ الخروج عن مقتضى القواعد المعلومة بمجرّد ورود رواية متروكة ممّا لا وجه له.

وربّما تحمل على ما إذا كان موت مولاه بعد هلال العيد ، فيثبت الزكاة في ماله.

وحينئذ فتولي العبد لإخراجه من قبل نفسه غير موافق للقواعد إلّا أن يحمل ذلك على صورة الضرورة لعدم إمكان الرجوع إلى من يتولّى الإخراج.

ثم إنّهم ألحقوا الإغماء بالجنون لاشتراكه معه في ارتفاع التكليف.

وفي المدارك (٣) : إنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

قلت : إن تمّ في المقام إجماع فلا كلام ، وإلّا فالحكم المذكور لا يخلو من إشكال ؛ إذ لو كان مجرد ذلك كافيا في السقوط لزم القول بسقوطه عن السكران والنائم والناسي والغافل والممنوع ؛ لارتفاع التكليف عن الكلّ.

هذا إذا قلنا بأنّ العبرة في ذلك بحال الوجوب لا حال الأداء ، وأمّا إن اعتبرنا ذلك في المقام فلا إشكال في الجميع ؛ لسقوطها من الكل ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

__________________

(١) الكافي ٤ / ١٧٢ ، باب الفطرة ح ١٣.

(٢) مدارك الأحكام ٥ / ٣٠٧.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ٣٠٨.

٢٨٩

تبصرة

[ في اشتراط الحرية ]

ويشترط فيه الحرية ؛ فلا زكاة فطرة على المملوك إجماعا. حكاه جماعة منهم الشيخ في الخلاف (١) والحلي في السرائر (٢) والعلّامة في منتهى المطلب (٣).

وفي المدارك (٤) : إنه مجمع عليه بين الأصحاب.

وفي الحدائق (٥) : إنّ ظاهرهم الاتفاق على ذلك لا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في المكاتب.

وهو على القول بنفي الملك عنه مطلقا ظاهر ، وعلى القول بملكه فيدلّ عليه بعد ما عرفت من الإجماع ما دلّ على أن زكاة المملوك على سيّده من غير تفصيل ، فإنّه ظاهر جدا في عدم وجوب الزكاة عليه مطلقا. مضافا إلى عموم الصحيح : « ليس في مال المملوك شي‌ء » (٦).

وفي آخر : قلت له : مملوك بيده مال عليه (٧) زكاة؟ قال (٨) : « لا » قلت : فعلى سيّده؟ فقال : « لا لأنّه لم يصل إلى سيّده ، وليس هو المملوك (٩) » (١٠).

__________________

(١) الخلاف ٢ / ١٣٠.

(٢) السرائر ١ / ٤٦٥.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٥٣٢.

(٤) مدارك الأحكام ٥ / ٣٠٨.

(٥) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٩.

(٦) الكافي ٣ / ٥٤٢ ، باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنون ح ١.

(٧) في ( د ) : « أعليه ».

(٨) في ( د ) : « قلت ».

(٩) الكافي ٣ / ٥٤٢ ، باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنون ح ٥.

(١٠) في ( د ) : « للمملوك ».

٢٩٠

وقد استند إليهما بعض الأصحاب.

ويمكن المناقشة في الأوّل بظهوره في صورة العيلولة ، مضافا إلى ما سيجي‌ء بيانه من سقوط الوجوب عن المولى مع انتفاء العيلولة كما هو الأقوى.

وفي الثاني بظهورهما في زكاة المال جدّا بل صراحة الأخير فيه ، ولذا علّله بعدم وصول المال إلى سيّده ، ونفى الزكاة فيه عن السيد والعبد.

نعم ، يمكن الاحتجاج عليه بما رواه في المقنعة عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزكاة » (١) فإن ظاهره يشير إلى أن من ليس أهلا لأنّ تجب عليه الزكاة لا تجب الفطرة عليه.

وقد مرّ عدم وجوب زكاة المال على العبد ، وضعف الإسناد ينجبر بالعمل.

وكيف كان فالحكم المذكور في الجملة ممّا لا كلام فيه ،

وإنّما الكلام هنا في أمور :

أحدها : أنه لا فرق في الحكم المذكور بين القن ، والمدبر ، وأم الولد ، والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يتحرّر منه شي‌ء ، وإن كان الأخيران قابلان (٢) للتملك.

وفي الحدائق (٣) : إنّ ظاهرهم الاتفاق على ذلك ولا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في المكاتب. والمشهور في المكاتب بقسميه المذكورين سقوط الزكاة عنه.

وفي المدارك (٤) : إنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في الفقيه (٥). واستجوده في المدارك. وبه (٦) أفتى في الحدائق (٧) ، وحجّتهم على ذلك صحيحة عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه وتجوز

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ / ٣٢٥ ، باب عدم وجوب الفطرة على غير البالغ العاقل ح ١.

(٢) كذا ، والصحيح : « قابلين ».

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٩.

(٤) مدارك الأحكام ٥ / ٣٠٩.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١١٧.

(٦) في ( ألف ) و ( ب ) : « والعلامة » ، بدلا من : « وبه ».

(٧) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٦٠.

٢٩١

شهادته؟ قال : « الفطرة عليه ولا تجوز شهادته » (١) قال الصدوق : وهذا على الإنكار (٢) لا على الاختيار ، يريد بذلك : كيف يجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته؟ » (٣). أي إن شهادته جائزة كما أنّ الفطرة عليه واجبة.

قلت : ظاهر الرواية إرادة الإخبار ، وحملها على الإنكار بعيد جدا ؛ إذ المفروض وقوع السؤال عن الأمرين ، وليس في السؤال حكاية القول بعدم جواز شهادته وثبوت الفطرة عليه حتى يقابل ذلك بالإنكار ، وحينئذ فما تضمّنه متروك في المقامين سيّما الأخير ؛ للاتفاق على قبول شهادة العبد في الجملة.

فبملاحظة ما قرّر ظهر ضعف الاسناد (٤) إلى الرواية ، مضافا إلى معارضتها بالمرفوعة : « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبة ورقيق وامرأته (٥) وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه » (٦) فإنّ قضية ثبوتها على مولاه سقوطها عنه إلّا أن في دلالتها ضعفا ؛ لاستظهار ورودها فيما إذا اندرج في العيال ، ولا كلام إذن في ذلك.

والتحقيق أن يقال : إن المكاتب إن اندرج في عيال مولاه كانت فطرته عليه من غير إشكال ، فيسقط عن نفسه. وإن اندرج في عيال الغير كانت الفطرة على ذلك الغير ، وإن صرف على نفسه من ماله بإذن المولى أو بغير إذنه لم يثبت فطرته على مولاه ؛ لخروجه عن عيلولته ؛ إذ أن له (٧) الصرف على بعض الوجوه.

وسيأتي قوّة القول بسقوط نفقة العبد القنّ مع خروجه عن عيلولة المولى.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ / ٢٧٦ باب المكاتب ح ٤٠ ، من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٧٩ باب الفطرة ح ٢٠٧٢.

(٢) في ( د ) : « الأخبار ».

(٣) من قوله « قال الصدوق » إلى هنا ليس في ( ألف ).

(٤) في ( د ) : « الاستناد ».

(٥) ليس في ( د ) : « واو ».

(٦) بحار الأنوار ٩٣ / ١١٠ ، باب قدر الفطرة ومن تجب عليه أن يؤدى عنه ومستحق الفطرة ح ١٦ مع اختلاف يسير.

(٧) في ( د ) : « وإن لم يجز » بدل : « إذ أن له ».

٢٩٢

والاحتجاج (١) بالخبر المذكور على ذلك ـ كما اتفق لغير واحد من المتأخرين ـ غير متّجه ، بقي (٢) الصحيحة المذكورة خالية عن المعارض إلّا أنّها موهونة بإعراض الأكثر عنها ، لكنّها مؤيّدة بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة الفطرة لشمول غير واحد منها آحاد المكلّفين خرج عنها المملوك الغير المكاتب ؛ لما عرفت ، فتبقى غيره تحت الإطلاق.

وفيه ما عرفت من ظهور رواية المقنعة في عدم وجوب الفطرة على من لا يجب عليه الزكاة الشامل للمقام ؛ لما مرّ من عدم وجوب الزكاة المال عليه. وهي مقيّدة لتلك الإطلاقات.

وضعف الإسناد منجبر بالعمل والأصل ، وبذلك يظهر قوة القول المشهور ، غير أنّ المسألة غير خالية عن شوب (٣) الإشكال.

ثانيها : لو تحرر من المكاتب المطلق شي‌ء وإن (٤) كان في عيلولة غيره ـ سواء كان مولاه أو غيره ـ فالفطرة عليه ، وإلّا كانت فطرته عليه وعلى مولاه بالنسبة ، على المعروف بين الأصحاب.

وأسنده في الحدائق (٥) إلى ظاهر الأصحاب مؤذنا بإطباقهم عليه.

وعلّل ذلك بأنّ النصيب المملوك يجب نفقته على المالك ، فتكون فطرته لازمة عليه ، ونصيبه الحر لا يتعلّق بالسيّد بل يكون واجبة عليه ، أخذا بالإطلاق كما إذا ملك بجزئه الحر ما تجب فيه الزكاة.

ويشكل بابتناء ما علّل به وجوب فطرته بحسب حصته المملوكة على مولاه على تبعية وجوب الفطرة على وجوب النفقة ، وليس كذلك كما سيأتي ، وبحسب جزئه الحر على نفسه على شمول الإطلاق له ، وهو محلّ تأمّل ؛ لانصراف الإطلاقات إلى الأفراد الشائعة دون

__________________

(١) في ( د ) : « فالاحتجاج ».

(٢) في ( ألف ) : « ففي ».

(٣) في ( ألف ) : « ثبوت ».

(٤) في ( د ) : « فإن ».

(٥) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٦٠.

٢٩٣

الفروض النادرة.

ويمكن دفعه بأن ندرة وجود الفرد المفروض لا يقضي بعدم شمول الإطلاق له مع صدق المطلق عليه بعد وجوده ؛ إذ ليس كلّ ندرة باعثا على عدم شمول الإطلاق.

وعلى القول باعتبار العيلولة ( في وجوب الفطرة ينبغي تقييد الحكم في المقام بما إذا أنفق عليه المولى بالنسبة وإن كان في صدق العيلولة ) (١) حينئذ عليه إشكال إلّا أن الأظهر الاكتفاء به كما يظهر من ملاحظة الحال في العبد المشترك.

ويؤيده ما يظهر من التتبع عن إجراء حكم الحرّ والمملوك بالنسبة إلى المبعّض في كثير من المقامات كما يظهر من ملاحظة المواريث والحدود والديات وغيرها.

وممّا قررنا يظهر ضعف ما حكى عن الشيخ من سقوط فطرته عن نفسه وعن المولى مطلقا.

وكأنّه لما عرفت من عدم صدق الحرّ عليه ولا المملوك لخروج المجموع عنهما فلا يندرج في شي‌ء منهما ليثبت له أحد الحكمين. ومقتضى الأصل براءة الذمّة.

هذا ، ولا فرق فيما ذكرناه بين المكاتب وساير صور المبعّض (٢) لاشتراك العلّة. نعم ، على قول الصدوق من وجوب الزكاة على المكاتب يثبت الفرق ، وليس لأجل التبعّض.

ثالثها : كما لا تجب على العبد فطرة نفسه كذا لا تجب عليه الفطرة عن زوجته أو مملوكته وإن قلنا بملكه ؛ لما عرفت.

وصرّح في منتهى المطلب (٣) : أن الذي يقتضيه المذهب وجوب فطرة مملوك المملوك على مولاه لأنّه المالك في الحقيقة والعبد مالك بمعنى اساغة (٤) التصرف ، ولأن ملكه ناقص.

__________________

(١) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

(٢) في ( د ) : « التبعض ».

(٣) منتهى المطلب ١ / ٥٣٤ وفيه : « اشاعة التصرف ».

(٤) في ( ألف ) : « اسائة ».

٢٩٤

ونصّ في التذكرة (١) على أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة عن زوجته.

وعن الشهيد في البيان (٢) احتمال عدم وجوب زكاة مملوكه عليه ، ولا على مولاه ؛ لمانع المملوكية في الأول وانتفاء الملكيّة في الثاني.

والأظهر ـ بناء على ما يأتي ـ توقف وجوب فطرتهما على المولى على العيلولة ، ومع عدمها فعلى القول بعدم ملك العبد لا كلام ، وأمّا على القول بملك العبد وثبوت العيلولة بالنسبة إليه ففيه الإشكال المتقدم.

والأقوى فيه أيضا حسبما عرفت عدم الوجوب ، فلا يجب على المولى لانتفاء العيلولة ، ولا على العبد لانتفاء شرط التكليف.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٦٩.

(٢) البيان : ٢٠٦.

٢٩٥

تبصرة

[ في اشتراط الغنى ]

ومن شرائط وجوبها أن يكون الدافع غنيّا وهو من يملك مؤنة نفسه وعياله فعلا أو قوة حسبما مرّ تفصيل القول فيه.

وقد وقع الكلام في المرام في مقامات :

أحدها : في اشتراط الوجوب بالغناء ، فالمعروف من مذهب الأصحاب اعتباره فيه وعليه عامة المتأخرين.

وعن الفاضلين في المعتبر (١) والمنتهى (٢) : انّه مذهب علمائنا أجمع عدا الإسكافي ، فانّه قال بوجوبها على من فضل من مؤنته ومؤنة عياله ليومه وليلته صاع.

وعزاه في الخلاف (٣) إلى كثير من أصحابنا.

والظاهر أنّه أريد بذلك وجوب فطرة نفسه عليه حينئذ أو وجوب الفطرة عليه في الجملة لا وجوبها عليه بمجرّد ذلك مطلقا ، والأظهر الأوّل للمعتبرة المستفيضة الدالّة عليه المعتضدة بالأصل وعمل الأصحاب ، ففي صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه (٤) صدقة والفطرة؟ قال (٥) : « لا ».

وفي معناه الموثق كالصحيح وخبران آخران.

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٥٩٣.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٥٣٢.

(٣) الخلاف ٢ / ١٤٦.

(٤) في ( د ) : « أعليه ».

(٥) الإستبصار ٢ / ٤٠ ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح ٣.

٢٩٦

وفي الموثق : على (١) الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : « ليس عليه فطرة » (٢).

ونحوه ما في الصحيح على الأصحّ. وقويّة صفوان.

وفي الخبر : لمن تحل الفطرة؟ فقال : « لمن لا يجد ، ومن حلّت له لم تحل عليه ، ومن حلّت عليه لم تحل له » (٣).

وروى المفيد في المقنعة (٤) عن يونس بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام : « يحرم (٥) الزكاة على من عنده قوت السنة ويجب (٦) الفطرة على من عنده قوت السنة » (٧).

كأنّ المراد من قوت السنة مطلقا مؤنتها كما يشير إليه غيرها من الأخبار.

وفي مقابلة هذه الأخبار أخبار أخر مشتملة على المعتبرة ظاهرة في وجوبها على الفقير أيضا ، منها الصحيح : الفقير الذي يتصدّق عليه هل يجب عليه صدقة الفطرة؟ قال : « نعم يعطي مما يتصدق عليه » (٨).

وربّما يحمل على ما إذا حصل له الغنى بذلك.

وقد يشهد له خبر الفضيل : على (٩) من قبل الزكاة زكاة؟ فقال : « امّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة ، وليس عليه لما قبله زكاة وليس على من يقبل الفطرة فطرة » (١٠).

ورواه المفيد في المقنعة (١١) عن زرارة والفضيل مع إسقاط قوله « وليس عليه لما قبله

__________________

(١) في ( ألف ) : « عن ».

(٢) الاستبصار ٢ / ٤٠ ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح ١.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ٧٣ ، باب زكاة الفطرة ح ١١.

(٤) المقنعة : ٢٤٨.

(٥) في ( د ) : أنه تحرم.

(٦) لم يرد في ( ب ) : « ويجب .. السنة ».

(٧) وسائل الشيعة ٩ / ٢٣٤ ، باب أن الفقر الذي يجوز معه أخذ الزكاة أن لا يملك مئونة السنة ح ١٠.

(٨) الكافي ٤ / ١٧٢ ، باب الفطرة ح ١١.

(٩) في ( د ) : « أعلى ».

(١٠) الاستبصار ٢ / ٤١ ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح ٦.

(١١) المقنعة : ٢٤٨.

٢٩٧

زكاة » فإنّ ما تضمّنه من التفصيل ممّا لم يقل به أحد ، فليحمل على ما ذكرناه من حصول الغنى بقبول زكاة المال ، وإنّما فصّل بين الأمرين لبعد حصول الغنى بالفطرة.

ومنها الصحيح : « زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقطّ من كلّ انسان حر أو عبد كبير أو صغير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج » (١).

وهي كما ترى (٢) غير واضحة الدلالة على ذلك ، وإنّما فيه إطلاق وفي آخره إيماء إليه.

ومنها : الخبر المروي في الإقبال ، وفيه : « هي واجبة على كل مسلم محتاج أو موسر يقدر على فطرة » (٣).

وفيه : أن الوجوب فيه أعمّ من الوجوب المصطلح ، فيدلّ على ثبوت الزكاة عليه في الجملة كما سيأتي إن شاء الله الكلام فيه (٤).

وأقصى ما فيه ظهور إطلاقه في الوجوب ، وبعد التصريح في الأخبار المتقدمة بالعدم يتعيّن حمله على الندب.

مضافا إلى اعتضاد ذلك (٥) بعمل الأصحاب ، بل الاتفاق عليه فيقيّد بها إطلاق الكتاب والسنة.

ثانيها : المراد بالغنى في المقام كما مرّ في زكاة المال من ملك قوت (٦) سنة لنفسه وعياله. وعليه عامة المتأخرين من غير خلاف يعرف بينهم.

وعن الشيخ في الخلاف (٧) : أنّه من ملك عين النصاب أو قيمته.

__________________

(١) الاستبصار ٢ / ٤٢ ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح ١٣.

(٢) في ( ب ) : « نرى ».

(٣) اقبال الاعمال ١ / ٤٦٥. ح ١٦.

(٤) في ( د ) : « فيه إن شاء الله ».

(٥) في ( د ) : « تلك ».

(٦) في ( ألف ) : « قوة ».

(٧) الخلاف ٢ / ١٤٦.

٢٩٨

واعتبر الحلي تملكه لعين النصاب خاصة دون قيمته.

وحكى عليه الإجماع واتفاق الإماميّة. وعن جماعة من أعيان القدماء بل أكثرهم تفسيره بمن ملك أحد النصب الزكوية.

وظاهر ذلك موافقة الحلي (١) في اعتبار تملّك عين النصاب ، لكن ذكر المحقق في المعتبر (٢) بعد حكاية قول الشيخ أنه لا يعرف به حجّة ولا قائلا من قدماء الأصحاب ، ثمّ حكى قول الحلي ودعواه الإجماع على ذلك ، قال : ولا ريب أنه توهم.

والمستفاد من كلامه أنّ القول المذكور من الأقوال النادرة عند الاوائل.

وكيف كان فقضية كلام الحلي والمحكي عن الجماعة دوران الحكم مدار ذلك في الوجوب وعدمه ، ولو كان عنده مؤنة سنة أو أضعافها.

وهو حينئذ بعيد جدّا بل بيّن الفساد قطعا وإلّا لم يجب الفطرة على أكثر الأغنياء ، وكذا يرد على الشيخ حيث اكتفى بملك عين النصاب أو قيمته عدم وجوبها على المكتسب الذي يفي كسبه بمئونة سنته أو يزيد عليها إذا لم يملك مقدار النصاب.

وهو من الوهن بمكان.

ولا يبعد حمل (٣) كلام هؤلاء على الاكتفاء بملك النصاب مع عدم تملّكه لمؤنة السنة ، فلا كلام إذن فيما إذا حصل الغناء بغير تملك النصاب كما هو الغالب في التجار وغيرهم ، وإنّما الكلام في حصوله بملك النصاب إذا لم يكن له ما يفي بمئونة سنته ، فيرجع كلام الجماعة إلى الاكتفاء بأحد الأمرين.

وعلى المشهور بين المتأخرين لا يعتبر إلّا ملكه لمؤنة السنة حسبما مرّ ثم إنّا لم نقف على حجّة للقول المذكور سوى ما قدّمناه في زكاة المال ، وهو كما عرفت في كمال الوهن.

نعم ، احتجّ الحلّي على ما ذهب إليه بالإجماع وهو كما ترى موهون بشهرة الخلاف فيه بل

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٧١.

(٢) المعتبر ٢ / ٥٩٥.

(٣) في ( ألف ) : « محل ».

٢٩٩

بإطباق المتأخرين على بطلانه.

هذا ، ولا يذهب عليك أن ما يوجد في بعض العبارات من اعتبار تملّك (١) قوت السنة إنّما يراد به مؤنة السنة ؛ إذ لا اختصاص لخصوص القوت في ذلك بل لا بدّ من اعتبار ساير المؤن أيضا كما هو المستفاد من عدة من الأخبار كما مرّ (٢).

ثالثها (٣) : اعتبر الفاضلان في المعتبر (٤) والمنتهى (٥) مع تملكه لمؤنة السنة أن يملك مقدار زكاة الفطرة زائدا على المئونة.

وفي المدارك (٦) : انّه لا بأس به.

وقطع في الروضة (٧) هو بخلافه ، فلم يعتبر تلك الزيادة. واختاره بعض المتأخرين.

وكأنّه ظاهر إطلاق الآخرين ، وهو الذي يقتضيه اطلاق الأخبار المتقدمة.

ولا نعرف مستندا للتقييد سوى لزوم صيرورته فقيرا بدفع الفطرة مع عدمه ، فيحل له حينئذ أخذ الزكاة.

وهو كما ترى غير صالح لتقييد الأدلة ، وقضية الأخبار اعتبار عدم حلّ الزكاة له قبل الدفع ولا بعده.

__________________

(١) في ( ب ) : « تلك ».

(٢) في ( د ) : « حسبما ».

(٣) في ( ب ) : « تبصرة ».

(٤) المعتبر ٢ / ٥٩٤.

(٥) منتهى المطلب ١ / ٥٣٣.

(٦) مدارك الأحكام ٥ / ٣١٣.

(٧) الروضة البهية ٢ / ٥٨.

٣٠٠