تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

تبصرة

[ في الرقاب ]

الخامس من الأصناف : الرقاب ، والمراد بهم على ما ذكروه في المقام أمور :

أحدها : المكاتبون مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة.

وعن المبسوط (١) والغنية (٢) والسرائر (٣) أنه لا خلاف لأحد منّا ولا من العامة في استحقاق هؤلاء سهم الرقاب.

ويدلّ عليه بعد اطلاق الاية ما رواه الصدوق مرسلا ، والشيخ مسندا ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها؟ قال : « يؤدي عنه من مال الصدقة ، إنّ الله تعالى يقول في كتابه : ( وَفِي الرِّقابِ ) (٤) ». (٥)

وقصور إسنادها منجبر بالعمل ، وفرض أدائه لبعض مال الكتابة لا خصوصية (٦) له في المقام كما هو ظاهر الحال.

ويدلّ عليه ظاهر التعليل في الآية الشريفة. مضافا إلى إطلاق الأصحاب وبنائهم على العموم مع إطلاق ما عرفت من الإجماعات المحكيّة.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٥٠.

(٢) في ( ألف ) : « الفقيه » ، ولا يصح. انظر : غنية النزوع : ١٢٤.

(٣) في ( ألف ) : « التحرير » ، ولا يصح. انظر : السرائر ١ / ٤٥٧.

(٤) البقرة : ١٧٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١٢٥ باب المكاتبة ح ٣٤٧١.

(٦) في ( ألف ) : « لا خصوصيّته ».

٢٦١

ثانيها : العبيد تحت الشدّة ، على المعروف من المذهب. وحكى السيد (١) والشيخ (٢) وابن زهرة (٣) الإجماع عليه.

وفي التذكرة (٤) : إنّ المشهور عند علمائنا أنّ المراد بالرقاب صنفان : المكاتبون والعبيد تحت الشدة ، ثم قال : وشرطنا في الثاني الضر والشدة.

وهو قد يومي إلى الإجماع على الشرط الظاهر في الإجماع على الحكم.

وقد يشعر باجماعنا مع (٥) الحكم أيضا ما في المبسوط (٦) والتحرير (٧) والسرائر (٨) والمنتهى (٩).

وفي المدارك (١٠) أن جواز الدفع من هذا السهم إلى المكاتبين والعبيد إذا كانوا في جبر وشدّة قول علمائنا وأكثر العامة.

ويدلّ عليه بعد ذلك وإطلاق الكتاب رواية عمرو ، عن أبي بصير ـ أو عمرو بن أبي بصير على احتمال ـ عن الصادق عليه‌السلام ، عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستّ مائة يشتري بها نسمة ويعتقها؟ قال : « إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم » ثمّ مكث مليّا ثم قال : « الّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه » (١١).

__________________

(١) رياض المسائل ٥ / ١٥٤.

(٢) المبسوط ١ / ٢٥٠.

(٣) غنية النزوع : ١٢٤.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٥٥.

(٥) في ( د ) : « على ».

(٦) المبسوط ١ / ٢٥٠.

(٧) مدارك الأحكام ٥ / ٢١٦.

(٨) السرائر ١ / ٤٥٧.

(٩) منتهى المطلب ١ / ٥٢٠.

(١٠) مدارك الأحكام ٥ / ٢١٦.

(١١) الكافي ٣ / ٥٥٧ باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ، ح ٢.

٢٦٢

ثالثها : المماليك إذا لم يكون في شدة مع عدم المستحق. وفي المعتبر (١) : إن عليه فقهاء الأصحاب.

وفي التذكرة (٢) : إنّ عليه فقهاؤنا. وظاهرهما حكاية الاتفاق عليه.

ويدل عليه في الجملة عدّة من الأخبار :

منها : الموثق ، عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع (٣) فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من ، زكاته فأعتقه ، هل يجوز له ذلك؟ قال : « نعم لا بأس بذلك ». قلت : فإنه لما أعتق وصار حرّا اتّجر واحترف فأصاب مالا ثمّ مات وليس له وارث ، فمن يرثه إذا لم يكن وارث؟ قال : « يرثه الفقراء والمؤمنون الذين يرثون الزكاة لا أنّه إنّما اشترى بمالهم » (٤).

ومنها : الصحيح : مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه اشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال : فقال : « اشتره فأعتقه » ، قلت : فإن هو مات وترك مالا؟ قال : فقال : « ميراثه لأهل الزكاة ؛ لأنّه اشترى بسهمهم ».

قال الصدوق : وفي حديث آخر : « بمالهم » (٥).

وعن الفقيه والحلي (٦) عدم اشتراط الضرورة وعدم المستحق في الشراء من الزكاة وعتقه.

واختاره العلّامة في القواعد (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٥٧٤.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٥٥.

(٣) في ( د ) : « تباع ».

(٤) وسائل الشيعة : ٦ باب ٤٣ من ابواب المستحقين للزكاة ح ٢.

(٥) بحار الأنوار ٩٣ / ٦٥ باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ، ح ٣٠ ، علل الشرائع ٢ / ٣٧٢

(٦) المختصر النافع ١ / ١٩٥.

(٧) قواعد الأحكام ١ / ٣٤٩.

٢٦٣

وقوّاه ولده في الإيضاح (١). واستجوده في المدارك (٢).

وعزاه بعضهم إلى جماعة من متأخري المتأخرين ؛ أخذا بإطلاق الآية ، وظاهر الصحيحة المذكورة ، وخصوص القوي من (٣) الصادق عليه‌السلام : أنه سأله بعض أصحابنا ، عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله؟ فقال : « اشترى خير رقبة ، ولا بأس بذلك » (٤).

وأورد عليها بأن هذه الروايات مخالفة للمشهور ، بل ظاهر ما حكي من الإجماع والرواية المتقدمة الدالّة على عدم جواز صرفها في العتق إلّا في العبيد تحت الشدة المعتضدة بعمل الجماعة ، وظاهر الإجماع مضافا إلى أنّ اليقين بالشغل قاض بتحصيل اليقين بالفراغ ، وهو غير حاصل حينئذ ، فلذا اقتصر الأكثر على الأمور الثلاثة المتقدمة.

وقد أورد أيضا في المقام بأنّه لا دلالة في الأخبار المذكورة إلّا على جواز صرف الزكاة في ذلك وأما كون ذلك من سهم الرقاب ( فلا ، بل لا دلالة في الخبرين المتقدمين الواردين في العبيد تحت الشدة وفي العتق مع إعواز المستحق على كون الصرف من سهم الرقاب ) (٥).

ولذا استشكل في الحدائق (٦) (٧) تلك الصورتين أيضا. وأورد بذلك على الأكثر حيث احتجّوا بهما. وقد نازع صاحب المدارك (٨) حيث استند على تلك الروايتين وغيرهما في جواز الصرف من سهم الرقاب في المقامين وغيرهما بأنّه لا خصوصيّة في الصورتين (٩) المذكورتين بل الأخبار الواردة فيهما وفي غيرهما على نهج سواء ، فإن بنى على أن المستفاد منهما الصرف

__________________

(١) إيضاح النافع ١ / ١٩٥.

(٢) مدارك الأحكام ٥ / ٢١٧.

(٣) في ( د ) : « عن ».

(٤) الكافي ٣ / ٥٥٢ ، باب تفضيل القرابة في الزكاة ومن لا يجوز منهم أن يعطوا من الزكاة ( باب نادر ) ح ١ ؛ من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٩.

(٥) ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).

(٦) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٨٣.

(٧) في ( د ) زيادة : « في ».

(٨) مدارك الأحكام ٥ / ٢١٨.

(٩) في ( د ) : « للصورتين » بدل : « في الصورتين ».

٢٦٤

من سهم الرقاب فلا بدّ من القول بالجواز في الجميع ، وإلّا فلا بدّ من المنع منه في الكلّ ، فلا وجه للتفصيل.

ولذا لم يجعل ذلك من سهم (١) الرقاب بالنسبة إلى الجميع ، واختار في المقام حمل الأخبار الأربعة المتقدمة على كون الشراء من مطلق الزكاة من غير أن يكون من سهم مخصوص ، وذكر أن هذا وإن كان خارجا من (٢) الأصناف المذكورة في الآية إلّا أنّها قد وقعت رخصة به في الجملة ، وقال (٣) : إنّ هذه الأخبار ظاهر الدلالة عليه ، وليست من أخبار ما نحن فيه في شي‌ء ؛ لما عرفت.

وحينئذ فتكون هذه الأخبار خارجة مخرج الرخصة في العتق من الزكاة ؛ لعدم دخول ذلك تحت شي‌ء من الأصناف الثمانية المندرجة في الآية.

وقد أيّد ما ذكره بما في رواية أبي بصير من قوله عليه‌السلام : « إذا يظلم قوما آخرين » (٤) انتهى ؛ إذ لو كان العتق من سهم الرقاب لم يتعقل هناك ظلم على غيرهم من الأصناف ؛ لعدم وجوب البسط عندنا اتفاقا نصّا وفتوى ، وبما ورد في عدّة من تلك الأخبار في ميراث العبد المذكور من أنه يرثه الفقراء المؤمنون الذين يرثون الزكاة معلّلا بأنّه اشترى بمالهم.

والحاصل أنّ الظلم والميراث إنّما يترتب على ما إذا وقع الشراء من أصل الزكاة الّتي مصرفها الفقراء وغيرهم من الأصناف ، وحينئذ فيجب حمل تلك الأخبار الأربعة على كون الشراء من أصل الزكاة.

وحيث إن ظواهر تلك الأخبار مختلفة في الجملة قال (٥) : إنّ الجمع بينها ممكن إمّا بإبقاء تلك الأخبار على إطلاقها وحمل رواية أبي بصير على الكراهة أو تقييد إطلاق تلك الأخبار

__________________

(١) في ( ألف ) : « منهم ».

(٢) في ( د ) : « عن ».

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٨٣.

(٤) الكافى ٣ / ٥٥٧ ، باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ح ٢.

(٥) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٨٤.

٢٦٥

بها أو تخصيص المنع بما إذا اشترى بمطلق الزكاة كما هو ظاهر خبر أبي بصير ، وحمل غيره على ما إذا لم يكن كذلك.

وأنت خبير بأنّ الوجه الأخير مخالف لما نصّ عليه من كون الأخبار المذكورة واردة على نحو واحد ، وقد أورد ذلك على من أراد التفريق بينها.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ ما اختاره في المقام مع مخالفته لظاهر الآية الشريفة والروايات المستفيضة الدالّة على حصر مصارف الزكاة في الثمانية ، وظاهر فتاوى علمائنا الأجلّة أنّه غير ظاهر من الأخبار المذكورة ، غاية الأمر إجمالها في ذلك إن لم نقل بظهورها في خلافه.

وقوله (١) عليه‌السلام « إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم » (٢) يفيد خلاف ما ذكره ؛ فإنّه يومي إلى أنّ الصرف في ذلك من أحد مصارف الزكاة وأن له حقا فيها إلّا أنّ صرف جميعه أو معظمه فيه يوجب الظلم على آخرين ممّن له استحقاق في ذلك أيضا.

ثمّ مع الغضّ عن ذلك لو حملت الرواية على الكراهة فالأمر ظاهر ، ولا تأييد فيها حينئذ لما ذكره وإن حملت على المنع ، فغاية الأمر دلالتها على عدم جواز صرف تمام (٣) الزكاة في العتق ؛ لحصول الظلم على آخرين ، وأي منافاة لذلك مع القول بعدم وجوب البسط؟

ألا ترى أنّه لا يجوز صرف تمام الزكاة غالبا إلى العامل مع كونهم أحد مصارف الزكاة وعدم لزوم البسط؟ فلا إشارة في ذلك إلى ما ذكره.

وكذا الحال في التعليل المذكور ؛ إذ لا مانع من تعليل كون ميراثه للفقراء بكونهم مستحقين للمال الذي اشترى به في الجملة ، وإن لم تكن جهة صرفه مختصة بهم.

على أنهم هم الأصل في وضع (٤) الزكاة كما يستفاد من الأخبار الواردة الكثيرة في ذلك ، وهو كاف في صحّة التعليل المذكور.

__________________

(١) في ( ألف ) : « قول ».

(٢) الكافي ٣ / ٥٥٧ ، باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ح ٢.

(٣) في ( ألف ) : « مقام ».

(٤) في ( ألف ) : « ومنع » بدلا من : « في وضع ».

٢٦٦

كيف ولو غضّ عن ذلك كلّه لم يتمّ التعليل على ما ذكره أيضا ؛ إذ ليس المال المصروف في ذلك مختصا بالفقراء ، فغاية الأمر أن يكون مشتركا بين المصارف ، ومعه لا يتم التعليل.

وكون الصرف من خصوص حصّة الفقراء غير ظاهر من الرواية المذكورة وغيرها من الأخبار ، ولا موافق للاعتبار.

وهو أيضا غير مفروض في كلامه حسبما حكيناه ، وكون الصرف من سهم الرقاب لا يمنع من صحّة التعليل المذكور حسبما بينّاه كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ غاية ما يقال في المقام : إنّ هذه الروايات ليست صريحة في كون العتق من سهم الرقاب فيحتمل اندراجه فيها وفي سهم (١) سبيل الله ، ولا ثمرة يعتدّ بها في ذلك إلّا أنّ الظاهر من المقام بعد العمل بإطلاق تلك الروايات اندراجه في سهم الرقاب ؛ إذ ظاهر الآية شمولها لذلك ، فبعد الحكم بجواز صرف الزكاة فيه ينبغي الحكم باندراجه فيها ، بل وفي قوله عليه‌السلام في الرواية المتقدمة « اشترى خير رقبة » (٢) إشارة إلى ذلك.

بقي الكلام في أصل المسألة ، فإنّ الأخبار فيها كما عرفت متعارضة ، وقضية رواية أبي بصير عدم جواز صرفها في الرقاب إلّا إذا كانت تحت شدة ، ومقتضى الموثقة المتقدمة جواز صرفها فيها مع إعواز المستحق وإن لم تكن تحت شدّة ، ومقتضى إطلاق المعتبرين الآخرين جواز صرفها في ذلك مع انتفاء الأمرين ، والشهرة بين الأصحاب بل ظاهر الإجماع المحكي يعاضد الأول ، وظاهر الآية الشريفة يؤيد (٣) الثاني ، وبملاحظة ذلك يشكل الحكم (٤) في المقام ، وقضية حمل المطلق على المقيد هو حمل الأخبار و (٥) هو حمل إطلاق الروايتين الأخيرتين على الصورتين المتقدمتين.

__________________

(١) في ( د ) : « سهل ».

(٢) الكافي ٣ / ٥٥٢ باب نادر ح ١.

(٣) في ( ألف ) : « ويؤيد ».

(٤) في ( د ) هنا : « يشكل الحال الحكم ».

(٥) ليس في ( د ) : « و ».

٢٦٧

وما أورد في المقام من أنّ الموثقة لا دلالة فيها على المنع مع (١) عدم الإعواز فلا وجه لجعلها مقيدا للإطلاق بيّن الاندفاع ؛ إذ ليس المراد كونها بنفسها مقيّدا للإطلاق ، بل المقصود أنها بانضمام الرواية الأخرى كافية في ذلك ، فإنّ المستفاد منها بعد حمل المطلق منها على المقيّد الجواز في الصورتين المذكورتين ، والمنع فيما سواها ، فيقيّد بذلك الخبران الآخران.

نعم ، قد يقال : إنّ ارادة التقييد بعيد عن سياق الخبرين المذكورين.

وكيف كان فالمسألة مشكلة جدا ، وقضية اليقين بالفراغ هو المتّبع من غير الصورتين المذكورتين.

وبذلك يتقوّى القول المشهور ، فتأمّل.

هذا ، وقد روى علي بن ابراهيم في التفسير (٢) ، مرسلا عن العالم عليه‌السلام في تفسير الرقاب أنّهم قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ (٣) في الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم ، وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون ، فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم (٤).

وفي المبسوط (٥) : روى أصحابنا أنّ من وجب عليه عتق رقبة في كفّارة ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه.

وهذه الرواية كما ترى خاصّة بكفارة العتق إلّا أنّها عامة لسائر ما يلزم فيها للعتق (٦).

وهي أنسب بظاهر الآية ، والرواية الأولى شاملة لغيرها من الكفارات أيضا إلّا أن ظاهرها الاختصاص بالكفارات الأربع المذكورة إلّا أن يحمل ذلك على المثال.

وكيف كان ، فهي بعيدة عن ظاهر الآية.

__________________

(١) زيادة : « مع » من ( د ).

(٢) تفسير علي بن ابراهيم ١ / ٢٩٩.

(٣) في ( د ) : زيادة « و ».

(٤) بحار الأنوار ٩٣ / ٦٣ ، باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ح ٢١.

(٥) المبسوط ١ / ٢٥٠.

(٦) في ( د ) : « العتق ».

٢٦٨

وجوّز في المعتبر (١) إعطاءهم من سهم الغارمين ؛ لأنّ القصد بذلك إبراء ذمة المكفر عما في عهدته.

واستجوده في المدارك قال : لأنّه في معنى الغرم.

وفي المبسوط (٢) بعد ذكر المرسلة المذكورة : والأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو ويعتق عن نفسه.

وقطع في الحدائق (٣) بالأخذ بظاهر مرسلة علي بن إبراهيم ، قال : وليت شعري أي مانع من العمل بالخبر المذكور مع صراحتها في تفسير الآية بذلك؟! ثمّ قال : إنّه لا مانع من أن يراد بالرقاب في الآية فكّ الرقاب وتخليصها من رقّ العبودية أو من حقوق لزمتها بأحد هذه المذكورات في هذا الخبر.

قلت : لا يخفى أنّ الرواية المذكورة مع ضعفها متروكة عند معظم الأصحاب ، ومع ذلك فما اشتملت عليه بعيد عن ظاهر الآية الشريفة كمال البعد سيّما إذا كانت الكفّارة ما عدا العتق ، وامّا بالنسبة إليه فهو وإن كان مشمولا لإطلاق الآية من حيث كونه عتقا إمّا من جهة وقوعه عن المنكر وبراءة ذمّته (٤) به فلا ، وأمّا ما ذكره الشيخ من إعطائه ثمن الرقبة لكونه فقيرا فإن كان ذلك لفرض الفقر فيه فلا كلام ، وإن أثبت له الفقر من جهة عجزه عن أداء الكفارة وإن كان قادرا على مؤنة نفسه وعياله كما هو قضيّة إطلاق كلامه في المقام ، ففيه ما لا يخفى ؛ إذ ليس أداء الكفّارة من جهة المئونة ليكون العجز عنه باعثا على حصول الفقر ، فإعطاؤه حينئذ من سهم الفقراء ممّا لا وجه له.

وكذا إعطاؤه من سهم الغارمين ؛ لعدم صدق اسمه عليه بحسب الحقيقة.

وكونه بمنزلته في الحكم يحتاج إلى قيام الدليل عليه.

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٥٧٤.

(٢) المبسوط ١ / ٢٥٠.

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٨٥.

(٤) في ( ألف ) : « ذمة ».

٢٦٩

كيف ولو كان كذلك لزم أن يندرج فيه كلّ من كلّف بتكليف يتوقّف على صرف المال إذا لم يكن قادرا عليه ، وهم لا يقولون به.

[ تنبيهات ]

نعم ، يمكن إدراجه في سهم سبيل الله بناء على شموله لسائر القربات كما يأتي وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

منها : أنّه هل يعتبر في المكاتب أن يكون عاجزا عن أداء مال الكتابة أو يدفع إليه مع القدرة على الاكتساب إذا لم يكن عنده ما يفي به في الحال؟ قولان.

وعن ظاهر الأصحاب القول بالثاني ، ونصّ في نهاية الإحكام (١) بالجواز. وهو ظاهر الشرائع (٢) وصريح المدارك (٣).

وعن الشهيدين في الروضة (٤) والبيان (٥) (٦) اعتبار قصور كسبه عن أداء مال الكتابة.

واختاره صاحب الحدائق (٧) أخذا بظاهر الرواية المتقدمة ؛ لورودها في خصوص العاجز عن الأداء.

وهو ظاهر الصدوق (٨) حيث اعتبر فيه العجز عن الأداء.

للأول إطلاق الآية ، وورود الخبر في خصوص العاجز لا يقتضي تخصيص الحكم به.

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٩.

(٢) شرائع الإسلام ١ / ١٢١.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ٢١٦.

(٤) الروضة البهية ٢ / ٤٧.

(٥) البيان : ١٩٥.

(٦) في د : « البيان والروضة ».

(٧) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٨١.

(٨) المقنع : ٤٦٦.

٢٧٠

وكون الزكاة إنّما شرعت لسدّ ودفع (١) الحاجة لا نسلّم انّه بالنسبة إلى جميع المصارف حتى فيما نحن فيه ، بل نقول : إنّ الغرض صرفه في فكّ الرقبة ، ولا يفرق فيه بين الحاجة وعدمها.

ومن هنا يجب احتمال جواز الدفع مع قدرة العبد على مال الكتابة كما هو ظاهر الروضة (٢) في بحث الكتابة.

وقد أوجب على المولى الدفع من الزكاة إن وجبت عليه استنادا إلى ظاهر الآية الشريفة ، قال : وليكن من سهم الرقاب إن أوجبنا البسط ولم يفرق فيه بين قدرة العبد وعدمها ، وتملكه للوفاء وعدمه إلّا أنّ البناء على الإطلاق المذكور مشكل جدا.

واعتبر في السرائر (٣) في وجوب دفعها إليه مع إطلاق الكتابة العجز عن الأداء.

وكيف كان ، فالمسألة لا يخلو عن شوب الإشكال ، وإن كان القول بجواز الدفع إليه مع عدم تملكه للوفاء بالأداء قويا.

ثمّ إنّه كما يجوز الدفع من الأجنبي يجوز الدفع من المولى ، وقد عرفت القول بوجوبه عليه مع وجوب الزكاة عليه.

وهو بعيد ، والآية الشريفة محمولة على الحطّ من مال الكتابة كما دلّت عليه عدّة من الروايات الواردة في تفسيرها ، ومنها الصحيح ، وحملها حينئذ على الندب غير بعيد.

وكما يجوز الدفع إلى العبد يجوز الدفع إلى مولاه في فكّه ، وظاهر الرواية المتقدمة هو الأخير.

وحينئذ فلو كان الدافع هو الولي (٤) تولّى النية في الدفع ، وقبضه لنفسه.

وهل يجب على الحاكم فكّه مع عجزه؟ ظاهر الرواية المذكورة ذلك.

__________________

(١) في ( ألف ) : « لسدّ دفع ».

(٢) الروضة البهية ٦ / ٣٥٧.

(٣) السرائر ٣ / ٢٩.

(٤) في ( د ) : « المولى ».

٢٧١

وعن الحلي (١) : إن المطلق العاجز عن الأداء يجب على المولى إعطاؤه من الزكاة إن كان عليه زكاة ، وإلّا كان على الإمام أن يفكّه من سهم الرقاب.

واستحسنه في التذكرة (٢). وظاهر ذلك الوجوب في المقامين.

وقد مرّ الكلام في الأوّل ، ولا دليل على الثاني سوى الرواية المتقدمة. والاستناد إليها مع ضعفها في الإسناد إليها وعدم جابر لها في المقام وعدم صراحتها في المدّعى مشكل.

ومنها : أنّه لو دفعه إلى المكاتب وصرفه في أداء مال الكتابة وتحرّر فلا إشكال.

وفي المدارك إنه وقع موقعه إجماعا ، وأما لو دفعه إليه فأبراه سيّده أو دفع عنه متبرّع فهل يجب ارتجاع المال عنه أو لا؟ قولان.

والأوّل مختار المحقق (٣) حيث قال : إن الوجه أنه إذا دفعه إليه ليصرفه على مال الكتابة ارتجع بالمخالفة لأنّ للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف.

واستجوده في المدارك (٤).

والثاني مختار الشيخ (٥) معلّلا بأنّه ملكه بالقبض فكان له التصرف فيه كيف شاء.

قلت : ومبنى المسألة على أن الكاتب (٦) هل يملك ما يدفع إليه من الزكاة مطلقا أو لا؟ فعلى الأوّل لا يرتجع مع عدم صرفها في ذلك ، وعلى الثاني يرتجع فيه (٧) وذلك سواء قلنا بعدم دخوله في ملكه أصلا أو قلنا بملكه لها على جهة مخصوصة.

ولا ريب أن الأوّل مخالف للأصل ، ولا يساعده ظاهر الآية الشريفة وغيرها ، فتعيّن البناء على الثاني.

__________________

(١) السرائر ٣ / ٢٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٥٥.

(٣) المعتبر ٢ / ٥٧٥.

(٤) مدارك الأحكام ٥ / ٢٢٠.

(٥) المبسوط ١ / ٢٥٤.

(٦) كذا ، والظاهر : « المكاتب ».

(٧) في ( د ) : « به ».

٢٧٢

ولو دفعها المكاتب المشروط إلى سيّده ثمّ عجز عن الباقي في ساير النجوم واسترق ، فعن الشيخ وغيره القطع بعدم جواز الارتجاع منه ؛ إذ المالك مأمور بالدفع إلى المكاتب ليصرفه في أداء مال الكتابة ، وقد حصل ذلك ، فهو قاض بالإجزاء.

وحكى في التذكرة (١) وجها للشافعيّة بجواز ارتجاعه ؛ نظرا إلى أنّ القصد تحصيل العتق ، فإذا لم يحصل وجب الاسترجاع.

قلت : لا يخلو ذلك عن قوّة ؛ إذ ظاهر الآية الشريفة والرواية المذكورة هو صرفها في الفكّ ، فمع عدم حصوله لا يكون مصروفا في مصرفه ، فيتعيّن ردّه.

ومنها : أنّه إذا اشترى به العبد اعتبر الإعتاق بعد الشراء ، فلا ينعتق بمحض الاشتراء ؛ ضرورة أن العتق يتوقف على صيغة خاصّة أو أسباب معروفة ليس ذلك من جملتها. ولا فرق بين أن يشتري أباه أو غيره ؛ إذ ليس الشراء بماله. وربّما يعزى إلى ظاهر البعض أنّه لو نوى العتق حين الشراء حصل العتق وإلا احتيج إلى الإعتاق ، وهو بعيد.

ومنها : انّ نيّة اخراج الزكاة يقارن بها حين الشراء أو دفع الثمن أو العتق أو يتخيّر بين الجميع أو اثنين منها؟ وجوه ، ومع مقارنتها للعتق فالظاهر أنّه يراعى فيه حصول العتق.

نعم ، لو تلف قبل حصول العتق من غير تفريط لم يكن عليه شي‌ء ؛ إذ لا يزيد (٢) ذلك على تلفه قبل الشراء.

ومنها : أنّ العبد المعتق من الزكاة إذا مات ولا وارث له هل يكون ميراثه للإمام عليه‌السلام أو أنه يرثه أرباب الزكاة؟ المشهور هو الثاني.

وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه.

وفي الحدائق (٣) : إنه المشهور.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٨٤.

(٢) في ( ألف ) : « لا يرتد ».

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٢.

٢٧٣

وحكي عن بعض القدماء القول بالأول ، وفي الحدائق (١) : إنه مجهول القائل.

وحكي عن العلّامة (٢) في غير واحد من كتبه اختيار ذلك ، وتوقّف العلّامة في المختلف (٣) ، واختار في الحدائق (٤) ميراثه لأرباب الزكاة ، لكن فرعه على ما مرّ من اختياره كون الشراء من أصل الزكاة وجعله مصرفا تاسعا وراء المصارف الثمانية المشهورة.

وأمّا على البناء على كونه من سهم الرقاب فقد قطع بكونه سائبة ، وميراثه للإمام عليه‌السلام.

هذا ، والأظهر هو القول الأول ؛ للموثقة المتقدمة المنجبرة بالعمل ، وظاهر الإجماع المحكي.

وفي المعتبر (٥) : إنّها خالية عن المعارض ، وإطباق المحققين على العمل بها.

وما في الحدائق (٦) من الاستشكال في المقام بأنّه إذا كان الشراء من سهم الرقاب لم يكن للفقراء استحقاق فيه لكونه من أحد الأصناف الثمانية التي اشتملت عليها الآية ، فكيف يصحّ القول بكون ميراثه للفقراء ؛ لأجل أنه اشترى بمالهم ، وأي مال للفقراء في سهم الرقاب حتّى يكون الشراء بمالهم؟ مدفوع بما تقدّمت الإشارة إليه من (٧) أنّه لا شكّ في استحقاق الفقراء في المال المشترى منه ، وإن لم يكن استحقاقهم على سبيل التعيين. ولذا صحّ القول بكون الفقراء شركاء في أموال الأغنياء كما نطقت به الأخبار المأثورة عن أئمة الهدى عليهم‌السلام. وحينئذ فأيّ مانع من القول بكون ميراثه للفقراء من جهة شرائه بما يستحقونه؟ وكون سهم الرقاب سهما مستقلا لا يمنع منه ؛ اذ لا يقضي ذلك برفع استحقاق الفقراء في ذلك المال قبل الشراء حسبما ذكرنا.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٢.

(٢) تحرير الأحكام ١ / ٤١٧ ، تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٥٠.

(٣) مختلف الشيعة ٣ / ٢٥٣.

(٤) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٢.

(٥) المعتبر ٢ / ٥٧٨.

(٦) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٣.

(٧) لفظة « من » ليست في ( ألف ).

٢٧٤

فقصد صرفه في الرقاب لا يوجب اختصاصه بها قبل الصرف كما يظهر من الحدائق حيث جعله لذلك مختصا بها ، ونفى من أجله استحقاق الفقراء فيها ، وجعل صرفها من دون قصد جهة من الجهات جائزا أو أثبت فيها باستحقاق (١) الفقراء.

وهذا كما ترى استناد إلى مجرّد الاعتبار من دون قيام شاهد عليه من الأخبار.

ومن الغريب انه رحمه‌الله لأزال يناقش الفقهاء (٢) في أحكام ظاهرة مستفادة من النصوص معتضدة بفهم الأصحاب ؛ نظرا إلى جموده على ظاهر الألفاظ ، وتراه ينفرد في بعض المقامات بأحكام لا دلالة عليها في النصوص من جملتها ما في المقام ، مع ما عرفت من مخالفته لظاهر الكتاب والأخبار الماثورة عن العترة الأطياب.

ثم إنه هل يختص ميراثه بالفقراء والمساكين أو يعم ساير أصناف الزكاة؟ ظاهر عبارة المقنعة هو الأوّل ، وهو الظاهر من الموثقة المتقدمة.

وظاهر جماعة من الأصحاب حيث عبّروا بكونه لأرباب الزكاة ربّما يعمّ ساير الأصناف ، وهو قضية ما مرّ حكاية الشهرة عليه.

وفي الحدائق (٣) : إنّه ظاهر كلام الأكثرين. وبه قال في المختلف (٤) ونزّل عليه عبارة المفيد ، قال : والظاهر أنّ مراده ليس تخصيص الفقراء والمساكين ، بل أرباب الزكاة أجمع ؛ لأنّ التعليل يعطيه.

ويدلّ عليه ظاهر صحيحة العلل المتقدمة الحاكمة بكون ميراثه لأهل الزكاة ، معلّلا بأنّه اشترى بمالهم.

واستظهر في الحدائق (٥) التفصيل في المقام بناء على ما عرفت حكايته عنه من تعيين الجهة

__________________

(١) في ( ألف ) : « فاستحقاق ».

(٢) في ( ألف ) : « لفقهاء ».

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٦.

(٤) مختلف الشيعة ٣ / ٢٥٣.

(٥) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٦.

٢٧٥

بالنيّة ، فجعل الأظهر في الجمع بين الخبرين المذكورين في أنّ الموثقة المذكورة إنّما دلّت على أنّ المال المشترى (١) إنّما هو من سهم الفقراء خاصّة ، فيمكن أن يقال : إنّ المراد من صدر الخبر أن صاحب الزكاة قد خصّ هذه الألف درهم التي أخرجها بالفقراء ؛ لأنّها أحد الأصناف ، ولمّا لم يجدهم اشترى بها المذكور وأعتقه. ثم سأل الإمام عليه‌السلام عن (٢) ذلك.

وعلى هذا ينطبق عجز الخبر بلا تمحّل ولا إشكال (٣) ، فيصح تعليل كون ميراثه للفقراء بأنّه اشترى من مالهم ، والصحيحة المذكورة تحمل على وقوع الشراء بالمال المشترك من غير قصد تخصيصه بصنف من الأصناف ، فيكون ميراثه لجميع أرباب الزكاة ؛ لأنّه اشترى بمالهم ، قال (٤) : والفارق بين المقامين هو قصد المشتري ونيته ولا بعد في ذلك ؛ فإنّ العبادات بل الأفعال كملا تابعة للمقاصد والنيات صحّة وبطلانا وثوابا وعقابا وتعددا واتّحادا أو نحو ذلك. ألا ترى أنّه لو قصد صرف زكاته كملا في سبيل الله الذي هو عبارة عن جميع الطاعات والقربات ، ثمّ اشترى عبده وأعتقه فإنّه لا إشكال في كونه سائبة وأنّ ميراثه للإمام عليه‌السلام؟

ثمّ إنه نفى الريب عن قوة الوجه المذكور ، وجعله جامعا بين الأخبار بلا اشكال.

قلت : وما ذكره مبنيّ على أصل فاسد مخالف للأصل ، ولا شاهد عليه من الشرع كما مرّ. والجمع بين الخبرين بذلك مجرّد احتمال ، ولا شاهد في المقام على اختصاص الدافع زكاته في الخبر الأوّل بالفقراء ، وتعميمه في الثاني للكلّ.

وهو قد استفاد ذلك من التعليل المذكور ، وهو من أضعف الشواهد ؛ لما عرفت من صحّة انتساب المال إليهم من جهة أنّهم هم العمدة في وضع الزكاة كما دلّت عليه الأخبار.

وحينئذ فحمل أرباب الزكاة في الصحيحة وكلام الجماعة على خصوص الفقراء والمساكين غير بعيد على أنّ المعارضة بين الخبرين من قبيل العموم المطلق ، فينبغي حمل

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « به ».

(٢) في ( د ) : « من ».

(٣) في ( ألف ) : « والإشكال ».

(٤) في الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٧.

٢٧٦

المطلق على المقيّد كما يقتضيه القواعد.

مضافا إلى أنّ الميراث إنّما ينتقل إلى الوارث لموت المورّث ، ولا يتّجه القول بتملك الميراث إلا بالنسبة إلى الفقراء والمساكين ؛ إذ السهام الأربعة الأخيرة في الآية إنّما وضعت مصرفا للزكاة ، ولا يستقرّ ملك أربابها عليها مطلقا ، وكذلك سهم المؤلّفة والعاملين لوكولها إلى نظر الامام عليه‌السلام.

ولو فرض استحقاق العامل ذلك من جهة الإجارة أو الجعالة فلا يصح صرفه إذن في العتق ؛ لتملكه له بذلك.

ولو فرض رضاه به فالظاهر خروجه عن محلّ الكلام ؛ لأنّ المعتق حينئذ هو العامل بالنسبة إلى حصّة دون المالك ، فتأمل.

وبالجملة ، فالمسألة مشكلة وإن كان القول باختصاصه بالفقراء أو (١) المساكين قويّا.

ثمّ إنّه إنّما يكون مملوكا للنصف فلا مانع من تخصيصه بالبعض على حسب ما مرّ في الزكاة ؛ لتعسّر البسط على الكل ، بل تعذّره ، وتخصيص فقراء البلد أو القرية لا شاهد عليه.

وعلى القول بتعميمه لسائر الأصناف فهل يجب البسط عليهم على حسب نسبة الميراث أو يكون على حسب قسمة الزكاة؟ استشكل فيه في الحدائق (٢) من جهة كونه فرعا على الزكاة ، فيجري (٣) حكمها ، ومن أن الأصل في الشركة وجوب التقسيط بين الشركاء خرج الزكاة لقيام الدليل وبقي ما عداه على حكم الأصل ، قال : والمسألة عندي محل تأمل وإشكال وإن كان للاحتمال الأخير نوع رجحان.

وأنت خبير بأنّ القول بتملك الأصناف الثمانية على حسب تملك المواريث غير ظاهر في المقام ؛ إذ لا يتعيّن هناك مالك في غير واحد منها كما في سهم الرقاب بالنسبة إلى بعض صوره وسهم سبيل الله.

__________________

(١) في ( د ) : « و ».

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ / ٢٥٧.

(٣) في ( د ) زيادة : « فيه ».

٢٧٧

بل كثير منها إنّما وضعت مصرفا لذلك ، فعلى القول برجوع ميراثه إلى الكلّ ينبغي القول بكونه على نحو استحقاق الزكاة لبعد الانتقال إليهم على سبيل الملك. وحينئذ فلا يبعد جعلها بمنزلة الزكاة في عدم وجوب البسط ، فتأمل.

٢٧٨

تبصرة

[ في الغارمين ]

السادس من الأصناف : الغارمين ، وهو في الجملة ممّا دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع ، فلا كلام في أصل الحكم ، وإنّما يقع البحث هنا في أمور :

أحدها : أنّه يعتبر أن يكون الدين في غير معصية ، فلو كان في المعصية منع من سهم الغارمين بإجماعنا. حكاه في الخلاف (١) والغنية (٢) والمنتهى (٣) والتذكرة (٤) (٥). وعزاه في الحدائق (٦) إلى الأصحاب ، قال : والظاهر أنه لا خلاف فيه.

وظاهر المحقق (٧) جواز الدفع إليه مع التوبة حيث قال : ولو أعطى من سهم الغارمين لم أمنع منه. واستحسنه في المدارك (٨) ، واقتفاه في ذلك صاحب الذخيرة (٩). والأظهر الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكيّة المعتضدة بفتوى المعظم الروايات المستفيضة : منها :

الخبر : « ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام عليه‌السلام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزوجل ، فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء على

__________________

(١) الخلاف ٤ / ٢٣٥.

(٢) غنية النزوع : ١٢٤.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٥٢١.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٥٧.

(٥) في ( د ) زيادة : « وعزاه في المدارك الى الأصحاب ».

(٦) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٨٨.

(٧) المعتبر ٢ / ٥٧٥.

(٨) مدارك الأحكام ٥ / ٢٢٤.

(٩) ذخيرة المعاد ٣ / ٤٥٥.

٢٧٩

الإمام عليه‌السلام له » (١).

ومنها : رواية صباح بن سبابة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد وإسراف فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ (٢) .. ) الاية » (٣).

وفي رواية قرب الإسناد بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : « يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة ، ومنهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف » (٤).

وفي رواية المستطرفات (٥) في الصحيح : « لا يعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا ». قلت : وما نداء الجاهليّة؟ قال : « هو الرجل يقول : يا لبني فلان فيقع بينهما القتل والدماء ، فلا تؤدّوا ذلك من سهم الغارمين ، ولا الذين يغرمون من مهور النساء ـ ولا أعلمه إلّا قال : ولا الذين لا يبالون (٦) ما صنعوا في أموال الناس ».

وفي رواية علي بن إبراهيم ، عن العالم عليه‌السلام : « إنّ الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف ، فيجب على الإمام عليه‌السلام أن يقتضي فيهم ويكفهم من مال الصدقات » (٧).

ويؤيّده الاعتبار ؛ فإنّ الزكاة إنّما شرعيّة إرفاقا ، وهو لا يناسب المعصية ، وإنّ فيه إغراء بالقبيح ، وفي منعها ردعا عنه ، فبذلك كلّه يقيّد إطلاق الآية والروايات المستفيضة المطلقة الدالة على جواز أداء الدين من الزكاة من غير تقييد بذلك ، وهي حجة القول بالجواز

__________________

(١) الكافي ٥ / ٩٤ ، باب الدين ح ٥.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) الكافي ١ / ٤٠٦ باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام ، ح ٧.

(٤) قرب الإسناد : ١٠٩ ، وفيه : « الزكاة دينهم كله » ؛ وانظر : وسائل الشيعة ٩ / ٢٩٨ ، باب عدم جواز دفع الزكاة إلى الغارم في معصية ، ح ١٢٠٦٣.

(٥) مستطرفات السرائر : ٦٠٧ ؛ بحار الأنوار ٩٣ / ٦٠ ، باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ح ١٤.

(٦) في ( ألف ) : « لا يبالون و ».

(٧) تهذيب الأحكام ٤ / ٥٠ ، باب أصناف أهل الزكاة ح ٣.

٢٨٠