تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

المروية فيه مرسلا في التهذيب.

وضعف الوجهين المذكورين ظاهر :

أمّا الأوّل فلما عرفت من جواز الأداء بمحض الادّعاء ، وعدم تقصيره في التكليف دلالة الخبرين على ذلك غير ظاهرة ، بل الظاهر ورودهما في الدفع إلى غير المؤمن مع الاجتهاد فيهما إما متروكان أو موّلان.

وإن كان الدافع إليه وكيل المالك فلا ضمان على الوكيل ؛ لانتفاء ما يوجب ضمانه من التعدي أو التفريط سيّما إذا نصّ المالك بدفعه إلى من ادّعى الفقر.

نعم ، لو شرط عليه الدفع بعد الاختبار فدفعه من دونه ضمنه.

وكذا لو دلّ شاهد الحال عليه.

وبالجملة دفعه على غير النحو الذي وكله ، فظهر عدم استحقاق المدفوع إليه ضمنه الوكيل ، بل وكذا لو كان مستحقا.

نعم ، لو قلنا بجريان الفضولي في دفع الزكاة ونحوها جاز إمضاء المالك حينئذ فيسقط معه الضمان عنه.

ثمّ مع ضمان الوكيل هل يثبت الضمان على الموكّل أيضا؟ وجهان ؛ من عدم وصول الحق إلى مستحقه فلا يبرء ذمة المالك من الدفع ، ومن عدم تفريط المالك في الدفع ؛ إذ يجوز له الدفع إلى الأمين. وهو الأشبه بالقواعد.

ومنه يتقوّى الوجه في عدم ضمان الموكل في صورة عدم ضمان الوكيل أيضا مع ظهور عدم استحقاق المدفوع إليه.

هذا كله مع إعانة الوكيل بحيث يجوز دفع مال الفقير إليه ، وأما مع انتفاء الأمانة فيه فيضمن المالك حين دفعه إليه.

ويشكل الحال إذن في قبول قوله في الإيصال ، بل ومع العلم بالحال ؛ إذ لا اعتماد عليه في النيّة إلّا إذا تولّاها المالك حسبما مرّ.

وهل له الرجوع عليه في الأول ، بل في الأخير أيضا ؛ نظرا إلى فساد التوكيل ، أو لا نظرا

٢٤١

إلى تسليطه عليه كذلك؟ وجهان.

ويتعيّن الأخير مع جهل الوكيل بفساد التوكيل.

فروع

[ أوّلها : ] (١) لو كان الدافع هو الحاكم صحّ له الاسترداد من المدفوع إليه بعد ظهور انتفاء استحقاقه مع بقاء العين وتلفها مع ضمانه ، وكذا الحال في المالك لولايته على المال قبل الوصول إلى مستحقه.

ولو كان الدافع هو الحاكم بعد قبضه من المالك ولاية على المستحق ، فليس للمالك الاسترجاع بعد عثوره على عدم استحقاقه ؛ إذ لا سلطان له عليه بعد إقباض الحاكم ، فهو بمنزلة الأجنبي.

وقطع في التذكرة (٢) بجواز الرجوع عليه. وليس بمتّجه.

نعم ، مع عدم التمكن من الرجوع إلى الحاكم كان حاله كحال غيره من الناس في تولّي الامور الحسبيّة.

وهل للفقراء الرجوع عليه إذا ظهروا عليه من غير إذن الحاكم أو المالك إذا كان هو الدافع؟ وجهان أظهرهما العدم ؛ لعدم تعيّنهم للاستحقاق ، بل هم بمنزلة غيرهم.

واستوجه في التذكرة (٣) الجواز.

ثانيها : لا فرق بين ظهور عدم استحقاق المدفوع إليه من جهة غناه أو لجهة أخرى كالكفر أو عدم الايمان أو الهاشميّة ونحوها. ويجري الأبحاث المتقدّمة في الجميع.

وقد نبّه عليه الشيخ وغيره.

وربما يحتمل في المقام الفرق لعدم الطريق إلى معرفة الفرق وتعذر الوقوف على حقيقته

__________________

(١) الزيادة منّا.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٤٩.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٤٩.

٢٤٢

إلّا على سبيل الظن ، فكان الخطأ عذرا فيه.

وأما في غيره فيظهر فيه الحال بعد الفحص. ووهنه ظاهر.

ثالثها : لو ظهر كون المدفوع إليه عبدا للمالك ، فإن كان هو الدافع أو وكيله لم يجزه قطعا. ولو كان الدافع إليه الحاكم ، فالظاهر براءة ذمة المالك لبراءتها بالدفع إلى الحاكم ، فإن صحّ استرداد الحاكم منه وإلّا فلا ضمان عليه أيضا كما عرفت.

وقطع في التذكرة (١) بعدم إجزائه عنه ؛ معلّلا بعدم خروج المال عن ملكه ، فجرى مجرى قولها (٢) من غير تسليم ، وهو إنّما يتمّ في غير دفع المالك.

وكذا الحال لو دفعه الحاكم أو وكيله إلى المالك استشارة غير أنّه يشتغل ذمته بالردّ ثانيا على إشكال في بعض صوره يظهر الوجه فيه ممّا مرّ.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٤٩.

(٢) في ( د ) : « غولها ».

٢٤٣

تبصرة

[ في العاملين على الزكاة ]

الثالث من الأصناف : العاملين على الزكاة ، ولا خلاف عندنا كما نصّ عليه جماعة من علمائنا في استحقاقهم للزكاة.

وقد عزاه في التذكرة (١) إلى علمائنا أجمع.

وقد خالف فيه بعض العامة ، فقال : إنّه يعطي أجرة لا زكاة ، والآية (٢) الشريفة ظاهرة الدلالة على خلافه ؛ مضافا إلى إجماع الفرقة ـ على ما حكاه جماعة من الأجلّة ـ وما دلّ عليه من الروايات الخاصّة.

ثمّ إنّ قضية جعل القول المنقول عن بعض العامة مقابلا لما ذهب إليه الأصحاب كون المدفوع إليه عندنا على جهة الزكاة دون الأجرة. وقد نصّ عليه بعض المتأخرين.

والذي يستفاد من ظاهر الآية الشريفة أنّ الله سبحانه جعل للعاملين بإزاء عملهم حقّا في الزكاة سواء تصدّوا للعمل شرعا أو أرادوا بذلك إحراز ما جعله الله للعامل ، فيكون أخذه للحصّة حينئذ على غير وجه الأجرة أو الجعالة المجعولة من الحاكم ، فلا يستحق على الحاكم شيئا إذا أتى بالعمل على أحد الوجهين المذكورين ، وإنّما يستحقّ الحصّة المجعولة (٣) من الشرع خاصّة ، فهو نظير ما إذا نظر شيئا فردّ أحد عبده تبرعا أو لأن يستحق ذلك المال المنذور ، فجهة الاستحقاق في المقام مغايرة لجهة الاستحقاق الحاصل من الإجارة ونحوها ، وإن كانت الحكمة في وضعه ملاحظة العمل ، ولذا لا يسقط ذلك بالإسقاط بخلاف الأجرة ونحوها.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٤٥.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) في ( د ) زيادة « له ».

٢٤٤

وكأنّ ذلك مقصود بعض أفاضل المتأخرين حيث ذكر أنّهم يستحقونها أجرة على عملهم ؛ لما عرفت من عدم ذهاب أحد من الأصحاب إليه ، وإنّما هو مذهب لبعض العامة.

هذا ، وليتم الكلام في ذلك برسم امور :

أحدها : أن المراد بالمعاملين السعاة في جباية الصدقات. وعمّه في نهاية الإحكام (١) للساعي والكاتب والقاسم والحاسب والعريف ـ وهو كالنقيب للقبيلة ـ والحاشر ـ وهو الّذي يجمع أرباب الأموال وحافظ المال ، وكلّ من يحتاج إليه فيها ـ ثم ، احتمل في الكيّال والوزّان والعدّاد الأسهام من سهم العاملين ؛ لأنهم سهم ، والمنع لأنّ على المالك توفية الواجب ، فكأنّ العوض عليه في الرد ضميمة أنهم السعاة في تحصيلها بجباية وولاية وكتابة وحفظ وحساب وقسمة وغيرها.

وقد (٢) يستفاد منها التعميم لجميع ما (٣) تلبس بشي‌ء من الأعمال المذكورة وإن استبد كلّ واحد منها.

وفسّره في المدارك (٤) بالساعين في جبايتها وتحصيلها بأخذ وكتابة وحساب وحفظ وقسمة ونحو ذلك ، قال : وقد أجمع علماؤنا وأكثر العامة على استحقاق هؤلاء نصيبا من الزكاة ، وإن كانوا أغنياء.

والوجه في التعميم للجميع صدق العمالة عرفا بفعل أحد الأشياء المذكورة ونحوها.

ويشكل بأنّه قد يدلّ ظهورها فيمن يكون بيده أمر الصدقات في الأخذ من المالك ، والجباية إلى الحاكم دون سائر الخدّام كما للراعي (٥) ، والحارس ونحوهما.

وفي رواية عليّ بن إبراهيم ، عن العالم عليه‌السلام أنّهم : « السعاة والجباة في أخذها وجمعها

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٥.

(٢) لفظة : « قد » زيدت من ( د ).

(٣) في ( د ) : « من ».

(٤) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠٨.

(٥) في ( ألف ) : « لو راعى ».

٢٤٥

وحفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها » (١).

وكأنّها ظاهرة في المعنى المذكور.

وفيها دلالة ظاهرة على خروج القاسم ، على أنّ البناء على إطلاق الآية بحملها على مقتضى ظاهر اللفظ على كلّ من له عمل على الصدقات ليس ببعيد.

مضافا إلى تأيّده بفهم الجماعة ، إلّا أن الحكم بالنسبة إلى بعضها محلّ خفاء.

وهل يعتبر أن يكون منصوبا من جهة الإمام عليه‌السلام ، فلا يجري ذلك في منصوب الفقيه؟ ظاهر الشيخ ذلك حيث ذهب إلى سقوط حق العمالة في زمن الغيبة.

وظاهر إطلاق الآية الشمول بعد ما دلّ من الإطلاقات على جواز نصب الحاكم من يسعى في ذلك ، وتوكيله في القبض ، بل قضية إطلاق الآية استحقاق كلّ من له عمل على الصدقات ولو كان من جهة المالك كما إذا عيّن شخصا لقبض زكاته وإخراجها من أمواله وبسطه على الفقراء إلّا أنّ ظاهرهم خروجه عن العامل حملا له على المنصوب ؛ إذ هو المعروف المتداول في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام.

ولو تصدى العامل لذلك من باب الحسب ففي ثبوت الحكم له وجهان.

ويجريان في تصدّي الفقيه بنفسه لذلك.

والقول بالاستحقاق بالنسبة إليه غير بعيد ؛ إذ لا ينقص عن منصوب نفسه.

ونصّ في نهاية الإحكام (٢) بأنّه ليس للإمام عليه‌السلام وللوالي من قبله ولا للقاضي إذا تولّوا أخذها وقسمتها شي‌ء فيها ؛ لعموم ولايتهم ، فهم يأخذون رزقهم من بيت المال.

وما ذكره ظاهر في الإمام عليه‌السلام لا من جهة تعليله بل لهاشميّته وعدم اندراجه في إطلاق العامل.

وأما في غيره فلا يخلو عن خفاء ؛ إذ ارتزاقهم من بيت المال لا يقضي بسقوط حقّهم من ذلك مع إطلاق الآية سيما إذا كان الارتزاق بإزاء غيره من الأعمال.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ / ٥٠ ، باب أصناف أهل الزكاة ح ٣.

(٢) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٦.

٢٤٦

ثانيها : لو عيّن الحاكم أجرة أو جعالة للعامل من بيت المال (١) استحقّ ذلك بعمله سواء كان ذلك من غير الزكاة أو منها ، وسواء كان من غير ما جعله عاملا عليه أو من جملته.

وحينئذ فيستحق ما عيّن له وإن قلّ ما حصله من الزكاة.

ولو كان أقل من القدر الذي عيّن له ولا يستحق ما يزيد على ذلك القدر ، فلا سهم له في الزكاة إذا كانت الأجرة معينة من غيرها.

وكذا (٢) نصّ عليه جماعة من الأصحاب ، ويشكل الحال بإطلاق الآية مع اندراجه في اسم العامل قطعا إلّا أن يقال : الإطلاق ينصرف إلى غيره ، فإنّ المتبادر منه كون استحقاق الحصة بإزاء عمله حتى لا يكون سعيه خاليا عن المنفعة الدنيوية ، فإذا فرض استحقاق ذلك عليه بالعوض لم يستحق شيئا ، ولا أقل من الشك ، فيرجع فيه إلى الأصل.

وكذا الحال لو استأجره متبرّع على الفعل المذكور بإذن الحاكم.

وحينئذ فلو أسقط الأجرة لم يستحق السهم في وجه قوي.

نعم ، لو أقدم حينئذ على الفعل مجانا لم يستحق الأجرة فيثبت (٣) سهم العامل على وجه لا يخلو عن قوّة.

ويحتمل أن يقال بأنّ ذلك من مقوّمات النصب ، فلا يكون فعله عن إذن الحاكم. وهو بعيد.

وفي التذكرة : (٤) وإن رأى الإمام أن يجعل له أجرة من بيت المال لم يستحق شيئا من الصدقة.

وظاهر إطلاقه يعمّ ما لو كان فعله بإزاء الأجرة المقرّرة أو لا ، ففيه إذن ما عرفت.

والظاهر أنه لو جعل له جعالة ممّا يحصله من الزكاة كان استحقاقه ذلك بجعل الحاكم ولم

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « من بيت المال ».

(٢) كذا ، والظاهر : « هكذا » ، بدلا من : « وكذا ».

(٣) في ( د ) : « له ».

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٨٤.

٢٤٧

يكن من سهم العامل في وجه قويّ.

ويتفرّع عليه بعض الفروع كما سيجي‌ء.

ولو أمره الحاكم بالعمل فإن تبيّن أنّ مقصوده من الأجر الفعل بالأجرة أو تبين خلافه فلا إشكال ، وإن لم يتبين الحال فهل يستحق الأجرة على الحاكم يدفعها إليه ممّا شاء من أموال بيت المال ، فلا يثبت له سهم العمالة أو أنّه لا يستحق أجرة على ذلك ، وإنّما يثبت له سهم العمالة بمقتضى جعل الشرع أو أنّه إن دفع إليه الحاكم سهم العامل فلا أجرة له ، وإلّا يثبت الأجرة لاحترام العمل .. وجوه.

ونصّ في نهاية الإحكام (١) بعد حكمه بأنّه إن شاء الحاكم بعثه من غير تسميته على أنّه لو تلفت الصدقة في يده من غير تفريط فلا ضمان عليه ، و (٢) يستحق أجرة من بيت المال. وظاهره يعطي اختيار الوجه الأخير من استحقاقه أحد الأمرين من السهم والأجرة ، فإذا تعذر الأول تعين الأخير. وهو غير بعيد عن ظاهر القواعد صونا لخلوّ عمل المسلم عن العوض بالمرّة.

ثالثها : أنه على القول بعدم (٣) وجوب بسط الزكاة على الأصناف كما هو الأظهر ـ حسبما يأتي إن شاء الله ـ هل للحاكم الخيار في دفع حصّة العامل على نحو خياره في الصرف على سائر المصارف؟ وجهان ؛ من أنّ ظاهر الآية هو الاستحقاق ، غاية الأمر دلالة الأدلّة على عدم وجوب الصرف إلى كلّ من المذكورات بالنسبة إلى غير العامل ، وأما العامل فيبقى على الأصل من أنها إنّما وردت في الجميع على نحو واحد ، فبعد حملها على بيان المصرف لا يبقى فيها دلالة على ذلك.

والأول أوفق بظاهر الآية.

ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو من جهة استحقاقه سهم العمالة ، أما من جهة الاستيجار أو قضاء الأمر باستحقاق العوض فقد مرّ القول فيه.

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٦.

(٢) لم ترد في ( ب ) : « و ».

(٣) في ( ألف ) : « بعد ».

٢٤٨

رابعها : أنّه قد ذكر للعامل شروط :

منها : أن يكون أمينا بأن يكون بالغا عاقلا مسلما مؤمنا عدلا ، فلا يصحّ عمالة من لا يجتمع فيه الصفات المذكورة. كذا ذكروه ، وهو إنّما يتم إذا فسّر العامل بالساعي في أخذ الصدقات وجبايتها إلى الامام كما هو المعروف في استعماله ـ حسبما مرّت الإشارة إليه ـ ، وأمّا مع التعميم لسائر الأعمال المتعلقة (١) بالصدقات كما هو ظاهر الجماعة فلا يتمّ الإطلاق المذكور ؛ لظهور أن بعض الأعمال ممّا لا يتوقف على الاعتماد على العامل كالكتابة وجميع أرباب الأموال إذا كانوا معلومين ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة ، فينبغي إذن تخصيصه بما إذا كان عاملا على ما يؤتمن عليه.

ومنها : الفقه ، نصّ عليه في الشرائع (٢) والمراد به التفقه فيما يتوليه من العمل كمعرفة قدر الواجب وصفته ونحوهما من الأحكام.

وهذا أيضا لو تمّ فإنّما يتمّ مع تخصيص العامل بما مرّ وأما مع تعميمه لسائر الأعمال فلا بدّ من تقييده بما يتوقف العلم بأدائها على العلم بالحكم.

ثمّ إنّ المراد به مطلق المعرفة بالحكم ولو على سبيل التقليد.

وحكى في المدارك (٣) عن ظاهر المعتبر (٤) الميل إلى عدم اعتباره ، والاكتفاء فيه بسؤال العلماء ، قال : واستحسنه في البيان (٥).

وقد يقال بعدم اشتراط العمالة بها وإن كان من مكمّلاتها ؛ إذ ذاك (٦) وظيفة المالك وإنّما عليه أن يأخذ ما يدفعه المالك إليه.

نعم ، لو توقف العمل عليه كما إذا امتنع المالك وأراد إجباره عليه تمّ ذلك.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « المتعلّقة بالصدقات .. مما لا يتوقّف ».

(٢) شرائع الإسلام ١ / ١٢١.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ٢١١.

(٤) المعتبر ٢ / ٥٧١.

(٥) البيان : ١٩٤.

(٦) في ( ب ) : « إدراك » بدل : « إذ ذاك ».

٢٤٩

ومنها : الحرية. ذكره الشيخ (١) ، وعلّل بأنّ العامل يستحق نصيبا من الزكاة ، والعبد لا يملك شيئا حتى يدفع إليه ، ومولاه لم يعمل شيئا حتّى يستحق حقّ العمالة.

وردّ بأنّ عمل العبد كعمل السيد.

وقوّى في المعتبر (٢) عدم اعتبارها معلّلا بحصول الغرض بفعله وإن العمالة نوع إجارة والعبد صالح له مع إذن السيد.

وفي المدارك (٣) : إنّه لا بأس به.

وعن المحقّق في المعتبر (٤) الميل إليه.

وتردد فيه في الشرائع (٥).

والتحقيق أن يقال : إنّه لا وجه لاشتراط الحريّة في أصل العمالة ؛ إذ لا مانع من تولّي العبد لها مع استجماعه لسائر الشرائط وإذن المولى له في ذلك ، أما استحقاقه للمال فإن كان استعماله على سبيل الاستيجار ونحوه فلا ينبغي التأمل فيه أيضا لكون العبد قابلا له بعد إذن السيد ، فتكون الأجرة ملكا لسيده كما لو استأجر على سائر الأعمال وإن كان نحو العمالة الصرفة من دون حصول الاستيجار وما بمنزلته فيشكل الحال في استحقاقه سهم العمالة ؛ لأن العبد في نفسه غير قابل للتملك واستحقاق المولى له ممّا لا دليل عليه ، فإن ذلك حقّ جعل للعامل دون غيره.

وليس ذلك من قبيل الأجرة المستحقة المالك (٦) ، فالقول باستحقاق المولى له مشكل جدا.

هذا بالنسبة إلى العبد القنّ ، وأما المبعّض فالظاهر استحقاقه على حسب حريته.

__________________

(١) في المبسوط ١ / ٢٤٨ ، والتعليل تجده في المعتبر ٢ / ٥٧١.

(٢) المعتبر ٢ / ٥٧١.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ٢١٣.

(٤) المعتبر ٢ / ٥٧١.

(٥) شرائع الإسلام ١ / ١٢١.

(٦) في ( د ) : « حتى يستحقه المالك » بدل « المستحقة المالك ».

٢٥٠

وأما المكاتب فلا مانع من استحقاقه ولصحّة تملكه سواء كان مشروطا أو مطلقا أدّى من مال الكتابة شيئا أم لا.

ومنها : أن لا يكون هاشميا. ذكره في الشرائع (١) وغيره.

وهو أيضا ضعيف لو أريد اشتراطه في أصل العمالة ، وإن اريد اشتراطه في استحقاق المال فإن دفع إليه من بيت المال على سبيل الاستيجار فلا يظهر ما يقضي فيه بالمنع ، وإن كان المدفوع إليه من مال الزكاة ؛ إذ لا يحرم عليهم الأخذ من الزكاة إذا دفع إليهم على سبيل المعاوضة ، ولذا يجوز شراء أموالهم بمال الزكاة ، وكذا استيجارهم على سائر الأعمال.

وكذا الحال لو عيّن لهم على سبيل الجعالة سهم ممّا يحبونه من الزكاة في وجه قوي ؛ لما عرفت من تملكهم له حينئذ بالعمل.

وليس استحقاقهم حينئذ على نحو استحقاق الزكاة ، والصحيحة الآتية لا دلالة فيها على المنع من الجهة المذكورة وإن اريد دفعه إليه من سهم العمال على نحو استحقاق الزكاة فلا تأمّل في المنع لما دلّ باطلاقه على الحرمة (٢) الصدقات عليهم.

ويدلّ عليه خصوص الصحيح : إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي (٣) قالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله عزوجل للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحل لي ولا لكم .. » (٤) الخبر.

فما حكاه الشيخ في المبسوط (٥) عن قوم من جواز كون العامل هاشميا لأنّه يأخذ على وجه الأجرة فكان كسائر الإجارات ضعيف جدّا.

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ / ١٢١.

(٢) في ( د ) : « حرمة ».

(٣) في ( د ) زيادة : « و ».

(٤) الكافي ٤ / ٥٨ ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ح ١.

(٥) نقله عنه في مدارك الاحكام ٥ / ٢١٢.

٢٥١

قال العلّامة (١) : والظاهر أن المحكيّ عنهم من العامة ؛ إذ لا أعرف قولا لعلمائنا في ذلك.

قلت : ويشير إليه التعليل المذكور ؛ إذ ذلك من مذاهبهم خاصة.

هذا إذا كان عاملا على صدقات غير قبيله وأمّا لو جعل عاملا على صدقات قبيله فلا وجه للمنع ، وكذا الحال مع حلية الصدقة عليهم لقصور الخمس.

وقد نبّه عليهما في المدارك (٢).

__________________

(١) مختلف الشيعة ٣ / ٢١٧.

(٢) مدارك الأحكام ٥ / ٢١٢.

٢٥٢

تبصرة [ في المؤلّفة قلوبهم ]

الرابع من الأصناف : المؤلّفة قلوبهم ، والكلام فيه في الموضوع والحكم :

أمّا الأوّل فقد اختلف فيه كلمة الأصحاب ، ولهم في تفسير المؤلفة أقوال :

أحدها : ما ذهب إليه جماعة من تفسيره بالكفار الذين يستمالون للجهاد. قال في الشرائع (١) بعد تفسيرها بذلك : ولا نعرف مؤلفة غيرهم.

وقال المحقق الكركي (٢) : اختصاصهم بذلك هو الأشهر.

وفي الحدائق (٣) : الظاهر أنه المشهور.

وفي المبسوط (٤) : المؤلفة قلوبهم عندنا هم الكفّار الذين يستمالون بشي‌ء من مال الصدقات إلى الإسلام ، ويتألفون يستعان بهم على قتال أهل الشرك. ولا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام.

وذكر نحو ذلك في الخلاف ، وحكى إجماع الفرقة عليه إلّا أنّه لم يذكر الاستمالة إلى الإسلام.

وبمعناه ما حكى الاقتصار والمصباح من أنهم قوم من الكفّار لهم ميل في الإسلام يستعان بهم على قتال أهل الحرب.

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ / ١٢١.

(٢) جامع المقاصد ٣ / ٣١.

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٧٥.

(٤) المبسوط ١ / ١٤٩.

٢٥٣

وتبعه الطوسي (١) والعلّامة (٢) في بعض كتبه.

ثانيها : ما ذهب إليه العلّامة في النهاية (٣) حيث قال : وهم عند علمائنا الكفّار خاصة الذين يستمالون إلى الإسلام بشي‌ء من الصدقات أو يتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك ولا يعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام ، فعمّمه لكلّ من الصورتين المذكورتين.

ثالثها : ما حكى (٤) الإسكافي من أن المؤلفة قلوبهم من أظهر الدين بلسانه وأعان المسلمين وإمامهم بيده وكان معهم إلا قلبه. وظاهره أنّهم صنف من المنافقين.

رابعها : ما حكي عن المفيد (٥) من أنهم ضربان : مسلمون ومشركون ، فيكون مفسّرا عندهم بالأعم.

وعزاه في التذكرة (٦) إلى الشافعي ، قال : وهو الأقوى عندي.

وقال الفاضل الجزائري بعد نقله عن المفيد : وفيه وجه جمع بين الأخبار فلا بأس به.

وحكى المحقق في المعتبر (٧) عن الشافعي تقسيم المؤلفة أوّلا إلى قسمين : مسلمين ومشركين ، ثمّ (٨) قسّم الثاني إلى قسمين : قسم منهم له شوكة يخاف منهم فإن أعطوا كفّوا شرّهم وكف غيرهم معهم ، والآخر جماعة منهم لهم ميل إلى الإسلام ، فيعطون من سهم المصالح لتقوى نيّتهم في الإسلام ويميلون إليه.

وقسّم الأول إلى أربعة أقسام :

الأول : قوم لهم نظراء فإذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلام.

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٨٥٧.

(٢) تحرير الأحكام ١ / ٤٠٤.

(٣) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٦.

(٤) في ( د ) زيادة « عن ».

(٥) نقله عنه في المعتبر ٢ / ٥٧٣.

(٦) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٥٠.

(٧) المعتبر ٢ / ٥٧٣.

(٨) لفظة « ثم » زيدت من ( د ).

٢٥٤

الثاني : قوم في نياتهم ضعف ، فيعطون لتقوى نياتهم.

الثالث : قوم من الأعراب في أطراف بلاد الإسلام وبإزائهم قوم من أهل الشرك إذا اعطوا رغب الآخرون.

الرابع : قوم بإزائهم آخرون من أهل الصدقات ، فإذا اعطوا جبوها يراجع المصدر (١) منهم راغبوا عن العامل.

وقال (٢) بعد حكاية ذلك عنه : ولست أرى بهذا التفصيل بأسا ؛ فإن ذلك مصلحة ، ونظر المصلحة موكول إلى الامام عليه‌السلام.

وعن الشيخ (٣) إن التفصيل المذكور لم يذكره أصحابنا غير أنه لا يمتنع أن يقول : إن للإمام أن يتألف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة ، وإن شاء من سهم المصالح ؛ لأن هذا من فرائض الإمام عليه‌السلام ، وفعله حجّة ، وليس يتعلّق علينا في ذلك حكم اليوم وفرضنا تجويز ذلك ، والشك فيه عدم القطع بأحد الأمرين.

وعن الشهيد في حواشي القواعد : لا ريب أن التألف متحقق في الجميع إلّا أنّ المؤلفة قلوبهم زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين كانوا يعطيهم من الزكاة وغيرها زيادة على غيرهم ما كانوا كفّارا ظاهرا بل ، مسلمين ضعيفي العقائد إشرافا في قومهم كأبي سفيان والأقرع بن حابس وعيينة (٤) بن حصين ونظرائهم ، وهم معلومون مضبطون بالعدد بين علماء هذا الشأن.

وقد أحسن ابن الجنيد (٥) حيث عرفهم بأنّهم من أظهر الدين .. إلى آخره.

وعلى كلّ حال فجميع من ذكر من الأقسام يجوز إعطاؤهم من الزكاة ؛ لأنّ مرجعهم إلى سبيل الله وإلى العمالة ، وإنّما الكلام في استحقاقهم من خصوص سهم المؤلفة. انتهى.

__________________

(١) في ( ب ) : « حبواها » ، وفي ( د ) : « جوها ».

(٢) المعتبر ٢ / ٥٧٣.

(٣) المبسوط ١ / ٢٥٠.

(٤) في ( ب ) : « عنبسة » ، وفي ( ألف ) : « عينية ».

(٥) نقله عنه في مدارك الأحكام ٥ / ٢١٤.

٢٥٥

والذي يتقوّى في النظر أن المؤلفة أقسام ثلاثة :

أحدها : الكفار الذين يتألفون ليستعان بهم في جهاد الكفار.

ثانيها : الكفار الذين يستمالون إلى الإسلام بدفع المال ممن يرجى في شأنهم ذلك. وقد عزا في نهاية الإحكام (١) تفسير المؤلفة بالصنفين المذكورين إلى أصحابنا مؤذنا بالاتفاق عليه كما مرّت الإشارة إليه.

ثالثها : من يظهر كلمة الإسلام وليس على كمال الاطمئنان والتثبّت في الدين ويكون ضعيفا في الدين ، فيعطي من الزكاة ليستوفر رغبته في الإسلام ويتقوّى نيته فيه.

ويدلّ على جريان حكم المؤلّفة في الجميع ظاهر إطلاق الآية الشريفة المؤيّدة بالنسبة إلى الأوّل بما عرفت من إجماع الخلاف ، وظهور عبارة المبسوط (٢) في الإجماع أيضا عليه ، وكذا في نهاية الإحكام (٣).

مضافا إلى الشهرة المحكيّة عليه المعتضدة بفتوى الجماعة (٤) بالنسبة إلى الثاني ما في نهاية الإحكام (٥) من ظاهر الإجماع ، مضافا إلى غير واحد من الأخبار :

ففي رواية زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : « المؤلفة قلوبهم قوم وحّدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم ، إنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويعرفهم ويعلمهم » ونحوه ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية. ورواه عنه في التهذيب ، وفيه : « فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويعرفهم ويعلمهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا » (٦).

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٧.

(٢) المبسوط ١ / ٢٥٠.

(٣) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٧.

(٤) في ( د ) زيادة « و ».

(٥) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٧.

(٦) تهذيب الأحكام ٤ / ٥٠ ، باب أصناف أهل الزكاة ح ٣.

٢٥٦

وفي (١) مرسلة موسى بن بكير عن الباقر عليه‌السلام ما كانت المؤلفة قلوبهم قطّ أكثر منهم اليوم وهم قوم وحّدوا الله تعالى وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قلوبهم (٢).

« وظاهر هذه الأخبار عدم إقرارهم بالنبوة ، فهم حينئذ كفّار يراد بإعطاء الزكاة عليهم ميلهم إلى الإسلام ورغبتهم فيه ، كأنّ اعتبار اقرارهم بالتوحيد من جهة استكشاف قربهم إلى دين الحق فيسهل اشتمالهم إلى الإقرار بالركن الآخر أيضا.

ويحتمل الاقتصار على ظواهر هذه الأخبار ، فيعتبر في المؤلفة المذكورين الإقرار بالتوحيد.

ويدلّ على الثالث بعد الإطلاق المذكور خصوص صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) قال : « هم قوم وحّدوا الله عزوجل وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله شهدوا (٣) أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر الله عزوجل نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتألّفهم بالمال وإعطائه (٤) لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه (٥).

وهي كما ترى واضحة الدلالة على ذلك ، وليست صريحة في الحصر في تلك الطائفة.

وقد عرفت دلالة غيرها على ثبوت الصنفين الآخرين ، فما في الحدائق من الاقتصار على مدلول هذه الرواية ودعواه دلالة الخبرين المتقدمين وغيرهما على ذلك أيضا ممّا لا وجه له.

كيف وقد عرفت ظهور دلالة الخبرين المذكورين على خلافه.

ثمّ ليس في هذه الأخبار صراحة على خروج الصنف الأول عن المؤلّفة.

نعم ، فيها ظهور في ذلك ، وهو لا يقاوم ما عرفت. فما في الحدائق تفريعا على ما استفاده

__________________

(١) في ( ألف ) : « في » بدون الواو.

(٢) الكافي ٢ / ٤١٢ ، باب المؤلفة قلوبهم ، ح ٥.

(٣) في د : « أشهدوا ».

(٤) في د : « وإعطاء ».

(٥) الكافي ٢ / ٤١١ ، باب المؤلفة قلوبهم ، ح ٢ ، وانظر : بحار الأنوار ٢١ / ١٧٧.

٢٥٧

من الأخبار ، فالتأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين والثبات عليه لا كما زعموا رضي‌الله‌عنهم من الجهاد ـ كفارا كانوا أو مسلمين ـ وأنّهم يتألفون بهذا السهم لأجل الجهاد ، ليس (١) على ما ينبغي.

وأما الثاني فلا خلاف بين الأمة في ثبوت سهم للمؤلفة كما هو نصّ الآية الشريفة إلّا أنّ هناك كلاما في سقوطه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ثبوته (٢) ، فعن الصدوق في الفقيه (٣) القطع بالسقوط كما هو مختار بعض العامة.

وعلّل بأن الله سبحانه أعزّ الدين ، فلا حاجة إلى التأليف.

والمعروف بين الأصحاب عدم سقوطه وبه نصّ الفاضلان وغيرهما. وفي التذكرة : (٤) وحكمهم باق عند علمائنا ، وهو مؤذن بالإجماع عليه مع عدم ظهور النسخ ، بل ظهور خلافه.

وظاهر التعليل المتقدم هو دعوى المسقط [ و ] عدم حصول موضوع للتأليف لا حصول النسخ للحكم ؛ إذ لم يرد ذلك لا من طريق العامّة ولا الخاصّة ، فلا نزاع إذن في الحكم والموضوع ، إنّما يرجع فيه إلى العادة وحصول الحاجة ، فيدور الأمر مدار ذلك.

وعن الشيخ (٥) أنه يسقط في زمن غيبة الإمام عليه‌السلام خاصّة إذا دهم المسلمين ـ العياذ بالله ـ عدوّ يخاف منه عليهم ، فيجب الجهاد فيحتاج (٦) إلى التأليف ، فيجوز الصرف إليهم.

وبمعناه ما في نهاية الإحكام (٧) حيث ذكر أن قول الشيخ جيّد ، لكن لو فرضت الحاجة إلى المؤلفة بأن ينزل بالمسلمين نازلة واحتاجوا إلى الاستعانة بالكفار ، فالأولى عندي جواز صرف السهم إليهم.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « ليس على ما ينبغي ، وأما الثاني فلا خلاف ».

(٢) في ( ألف ) : « نبوته » بدل : « ثبوته ».

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٦.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٤٩.

(٥) النهاية : ١٨٥.

(٦) في ( د ) زيادة : « حينئذ ».

(٧) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٨.

٢٥٨

وفي المدارك (١) بعد حكاية عبارة المنتهى : ولا ريب في قوة هذا القول تمسّكا بظاهر التنزيل السالم عن المعارض.

والذي يتقوى في النظر أنّ التألف إن كان لأجل الجهاد فهو ممّا يتوقّف على ثبوت الجهاد في عصر الغيبة حسبما ذكره العلّامة ، فإذا حصل الباعث على مشروعيته كالفرض المذكور في كلامه أو غيره جرى الحكم.

نعم ، لو خصّ فيه بالجهاد المطلوب من جهة الدعاء إلى الإسلام لزم القول بسقوطه حينئذ على الإطلاق إلّا أنّ ظاهر إطلاق الأصحاب خلافه ، وإن كان لأجل التثبّت على الإسلام وكمال الإيمان أو لترغيبه في ذلك وميله إليه.

فقضيّة الإطلاق جريانه في الغيبة أيضا ؛ لإمكان حصوله حينئذ وقيام الحكمة المشرعة له. وليس في الأدلّة ما يقضي بالمنع إلّا أن يقال : إن ذلك من وظائف الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاص حال حضوره (٢) ، فقيام غيره مقامه يحتاج إلى دليل.

ويدفعه أنّ الفقيه ينوب منابه في ساير الأحكام ، فكذا في ذلك على أنّ إطلاق الآية قاض فيه بالجواز ، غاية الأمر أن يكون من وظائف الإمام في حال الحضور.

نعم ، روى الطبرسي مرسلا عن أبي جعفر عليه‌السلام ثبوت سهم المؤلّفة بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنّه قال : من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم به على ذلك (٣).

وهي لإرسالها تقصر عن إفادة المراد.

وكيف كان ، فالمسألة مشكلة جدا ؛ إذ ليس في الأخبار المعتبرة دلالة على شي‌ء من الوجهين.

وظاهر الحال أنّ مثل هذه الأفعال إنّما يصدر عن الحكّام ، واحتمال اختصاصه بالإمام عليه‌السلام ليس ببعيد.

__________________

(١) مدارك الاحكام ٥ / ٢١٥.

(٢) في د : « الحضور ».

(٣) لاحظ : تفسير مجمع البيان ٥ / ٧٥ وفيه : « على ذلك بر ».

٢٥٩

ولذا ورد في عدّة من الروايات المتقدمة أنّ الله أمر نبيه بذلك ، مضافا إلى المرسلة المتقدمة. فإن تمّ إطلاق الآية الشريفة في المقام أو ثبت إطلاق نيابة الفقيه عن الإمام عليه‌السلام بحيث يشمل مثل هذه الأفعال صحّ القول بعدم السقوط وإلّا اتّجه الحكم بالسقوط ؛ لعدم وضوح دليل على كونه إذن من المصارف ، فلا يحصل اليقين بالفراغ بالصرف إليه ، مضافا إلى ما عرفت.

فما في الحدائق (١) من القطع بسقوطه في زمن الغيبة مستندا إلى الأخبار المتقدمة مؤيّدة بالمرسلة المذكورة ممّا لا وجه له.

وهي (٢) كما ترى لا دلالة فيها على السقوط في زمن الغيبة بوجه.

وحكم أيضا بسقوطه في زمن ظهورهم عليهم‌السلام وعدم بسط أيديهم معلّلا بأنّ التأليف مختص بهم وأيديهم حينئذ قاصرة من إقامة الحدود الشرعيّة (٣) وتنفيذ الأحكام لغلبة التقية.

وهو أيضا كما ترى.

وقد تقدم في مرسلة موسى بن بكر (٤) أكثرية المؤلفة قلوبهم في عصره عليه‌السلام. وفي رواية زرارة عنه عليه‌السلام أيضا : « المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم » (٥) ، فتأمل.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٧٩.

(٢) في ( د ) : « إذ هي ».

(٣) في ( ألف ) : « والشرعية ».

(٤) الكافي ٢ / ٤١٢ ، باب المؤلفة قلوبهم ح ٥.

(٥) الكافي ٢ / ٤١١ ، باب المؤلفة قلوبهم ح ٣.

٢٦٠