تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

الاشتغال بالنوافل من الاكتساب محمول على غير الجهة المذكورة.

وسيجي‌ء الإشارة إلى ذلك إن شاء الله.

رابعها : لا عبرة بالقدرة على الاكتساب بغير ما يعدّ اكتسابا في العرف كالاستيهاب ولو خلّي عن المنّة بالمرّة ، وكذا لو كان بالحرامة عليه من سلطان وغيره أو أباح له الأخذ بقدر المئونة أو ما يزيد (١) عليها.

ولو وهبه من المال ما يكفيه لمؤنة سنة لم يجب عليه القبول ، بل له تركه والأخذ عن الزكاة.

وكذا الحال فيما إذا أوصى له فمات الموصي ولم يقبلها بعد.

وحينئذ ففي جواز أخذه قبل ردّ الوصيّة وقبوله وجهان.

ولو استحقّ ما تفي بمئونة السنة على سبيل النذر ففي ارتفاع الفقر به مع عدم امتناع الناذر وجهان.

وأولى بالمنع ما لو نذر الإنفاق عليه وعلى عياله قدر السنة أو ما يزيد عليها ، فيشبه ما لو وجب نفقته عليه بالقرابة.

والأظهر فيه بقاء الفقر إلّا أن يتملكه بالقبض أو النذر على بعض الوجوه ، ولو كان المنذور للجنس مع عدم الانحصار فلا كلام ، وإن انتقل المال بمجرّد تعيين النذر ، وكذا مع الانحصار في وجه قويّ إلّا إذا أراد التشريك وانتقل المال إليهم بالنذر.

ولو شرط عليه تحمّل مؤنته في عقد لازم ملكها ، فمع تمكّنه من القبض لا يجوز الأخذ من الزكاة ، واستحقاق الزوجة على الزوج مانع من الاستحقاق مع تمكّنها من القبض ، فلا إشكال ، ولم تستحق عليه مؤنة السنة دفعه ولم تملك عليه إلّا مؤنة اليوم ؛ إذ ذلك في قوة تملك الجميع حسبما عرفت في المكتسب.

ولو كان الزوج غير قادر على الإنفاق جاز لها الأخذ قطعا ، وإن تمكن عن القبض من

__________________

(١) في ( د ) : « يريد ».

٢٢١

الزكاة ودفعها إليه.

وكذا الحال لو كان غير قادر على الإنفاق تمام الحول ، وإن قدر عليه بالفعل في وجه قويّ.

ولو كانت ناشزة ففي جواز إعطائها وجهان ؛ من عدم استحقاقها النفقة مع النشوز ، ومن (١) إمكان عودها إلى الطاعة فيستحق ، فهي قادرة على تحصيل النفقة.

وحكم في نهاية الإحكام (٢) بالأوّل ، ثمّ ذكر الأخير على سبيل الاحتمال.

وفي الكفاية (٣) استقرب الأخير.

وينبغي القطع به مع بعثه على إقامتها على النشوز أو توقف النهي عن الذكر عليه.

ولو تمكنت المرأة من التزويج ووجد الكفو الذي لا مفتضه فيها عرفا في التزويج مع بذله مهر مثلها وتمكنه من الإنفاق عليها ففي إلحاقها بالقادر على الاكتساب وجه ، والأوجه خلافه وإن قلنا هناك بالمنع ؛ إذ لا يعدّ ذلك اكتسابا في العرف.

خامسها : أنّه هل يعتبر في عياله أن يكونوا ممّن تجب نفقتهم عليه في الشرع من أو ولو بالعارض كالمتعة المشترط عليه الإنفاق أو الأجير المشروط عليه ذلك أو يكتفى فيه بمجرّد العيلولة كيف كانت أو يعتبر فيه العيلولة ( بحسب العرف وإن لم يجب في الشرع بأن يعاب عليه في ترك العيلولة ) (٤) في العادة كأرحامه المنقطعين دون من ليس عليه في العرف والشرع عيلولتهم؟ وجوه ؛ من أن المتيقّن من الأخبار هو ذلك المقدار ، وقضية الأصل عدم العبرة بغيره ، ومن إطلاق العيال في الأخبار فيعمّ جميع من دخل تحت عيلولته ، ومن أن مراعاة الخادم ودابّة (٥) الركوب ونحوهما إنّما هو للمحافظة على اعتباره بين الناس وعدم الخروج من

__________________

(١) في ( ألف ) : « مع ».

(٢) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٤.

(٣) كفاية الأحكام ١ / ١٩٢.

(٤) ما بين الهلالين زيدت من ( ب ).

(٥) في ( ألف ) : « رواية » بدلا من : « ودابّة ».

٢٢٢

مجاري العادات الباعث على إعابته بين الناس ، وهو جار في المقام بالأولى.

كيف ونفقة الخادم والدابّة ومن يخدم الدابّة مع الحاجة إليه مندرجة هناك في المصارف قطعا ، وذلك قاض بالفحوى بجريان الحكم في المقام.

مضافا إلى إطلاق الروايات.

وانصرافها إلى خصوص الواجب غير متّجه ، كيف واندراج غير الواجب في العيال هو الغالب بين الناس ، فلو لم يعتبر ذلك لزم الامتنان إليه في الأخبار ، وخلوّها عن ذلك بالمرّة أقوى شاهد على ذلك.

ومن ذلك يظهر ضعف اعتبار وجوب الإنفاق في المقام كما ذكره في الروضة (١) وغيرها على أنّ في الاكتفاء بمجرد وجوب الإنفاق في المقام ولو كان من الأقارب مع صدق اسم العيلولة إشكالا (٢) كما إذا فرض خروج من يجب الإنفاق عليه من أقاربه عن عيلولته ولو كان قادرا على نفقته ونفقة زوجته من دون زيادة ، فإنّ الظاهر سقوط نفقة الأقارب عنه.

وجواز أخذه من الزكاة للدفع إليهم مع عدم وجوب إنفاقه عليهم ، وعدم اندراجه في اسم العيال كما ترى إشكال ، بل المستحق للزكاة حينئذ هو أقاربه خاصّة ، فالمدار إذن على العيلولة كما ذكرنا حتّى أنه لو خرجت زوجته عن عيلولته وأسقطت عنه الإنفاق فهل يعدّ مقدار نفقتها من مصارف سنته؟ وجهان ؛ من وجوب ذلك عليه ، وثبوته في ذمّته يوما فيوما في أيام السنة.

وإسقاط الزوجة غير نافع بالنسبة إلى ما عدا نفقة اليوم وما تقدّم عليه ، ومن أنّ المفروض عدم الصرف عليها وخروجها عن عيلولته ، فلا وجه لمراعاة ذلك في مصارفه.

سادسها : لو قصرت فوائده عن مصارف نفسه وعياله واكتفى بها لمصارف نفسه صحّ له الأخذ من الزكاة سواء صرفها على نفسه أو عياله كما هو قضية الإطلاقات ، وفي ظاهر صحيحة أبي بصير وغيرها دلالة عليه ، لكن ورد في عدّة الأخبار أنّه يعف عنها نفسه

__________________

(١) الروضة البهية ٢ / ٤٥.

(٢) في الأصل : « إشكال ».

٢٢٣

ويصرفها على عياله ، ففي الصحيح الوارد في المحترف الّذي يفي كسبه بمئونته أنّه : « ينظر إلى فضلها فيقوت بها عن (١) نفسه من وسعه ذلك عن (٢) عياله ، ويأخذ البقية من الزكاة » (٣).

وفي موثقة سماعة المتقدمة الواردة في صاحب السبعمائة : « فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله » (٤).

وفي خبر آخر : « فلينظر ما يستفضل منها فليأكل هو ومن يسعه ذلك ليأخذ لمن لم يسعه من عياله » (٥).

والظاهر حملها على الاستحباب.

سابعها : قد ورد في عدة روايات جواز إعطاء زكاته لعياله مع عدم محصوله لمصارفهم ، ففي الصحيح بعد حكمه بجواز أخذ الزكاة لصاحب السبعمائة ، قلت : فإنّ صاحب السبعمائة يجب عليه الزكاة؟ فقال : « زكاته صدقة على عياله » (٦).

وفي الموثق : « تحل الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم يكن له حرفة ، ويخرج زكاته منها ويشتري منها بالبعض قوتا لعياله ويعطي البقية أصحابه » (٧).

وفي رواية أبي بصير : قلت : فعليه في ماله زكاة يلزمه؟ قال : « بلى » قلت : كيف يصنع؟ قال : « يوسع بها على عياله في طعامهم وشرابهم وكسوتهم ويبقى منها شيئا يناوله غيرهم ، وما أخذ من الزكاة فضّه (٨) على عياله حتى (٩) تلحقهم بالناس » (١٠).

__________________

(١) ليس في ( د ) : « عن ».

(٢) في ( د ) : « من ».

(٣) الكافي ٣ / ٥٦١ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٦.

(٤) الكافي ٣ / ٥٦١ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٦.

(٥) تهذيب الأحكام ٤ / ٥١ ، باب مستحق الزكاة للفقر والمسكنة ح ١ مع اختلاف.

(٦) الكافي ٣ / ٥٦٠ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ١.

(٧) علل الشرائع ٢ / ٣٧٠.

(٨) أي : وزّعه وقسّمه عليهم.

(٩) زيادة ( حتى ) من ( د ) والمصدر.

(١٠) الكافي ٣ / ٥٦٠ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٣.

٢٢٤

في الموثق : إذا كان لرجل خمسمائة درهم وكان عياله كثيرا؟ قال : « ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيد بها في نفقتهم وكسوتهم ، وفي طعام لم يكونوا يطعمونه » .. إلى أن قال : « الزكاة تحلّ لصاحب الدار والخادم ، ومن كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال ويجعل زكاة الخمسمائة درهم زيادة في نفقة عياله ويوسع عليهم » (١).

وفي موثقة أخرى : عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها ، وقد وجبت عليه فيها الزكاة ويكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم وكسوتهم ، ولا يسعه لإدامهم (٢) وإنّما يقوتهم في الطعام والكسوة ، قال : « فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحل له الزكاة وليعد بما بقي من الزكاة على عياله ، فليشتر بذلك إدامهم وما يصلحهم لا طعامهم في غير إسراف ولا يأكل هو منه » (٣).

وظاهر هذه الأخبار يفيد جواز الدفع إلى من وجبت عليه نفقته من عياله وغيره ، ولا مانع من حملها على ظاهرها ؛ إذ مع عدم اتساع فوائده لمصارفهم تحلّ لهم الصدقة ، ولا فرق إذن بين دفعه صدقة إليهم أو إلى غيرهم.

نعم ، قد دلّ عدة من الأخبار المذكورة على تخصيصها بهم ، وهو محمول على الاستحباب.

واحتمل في الوسائل (٤) حملها على غير واجبي النفقة.

وقد تحمل على الزكاة المندوبة. ولا داعي عليهما مع بعدهما عن ظاهر الإطلاق.

ثامنها : لا خلاف في جواز دفع الزكاة إلى ذي الكسب القاصر.

وعن التذكرة (٥) حكاية (٦) الإجماع عليه. وكذا إلى من ملك ما لا يفي لمؤنة سنته إلّا إذا كان

__________________

(١) الإستبصار ٢ / ٣٤ ، باب اعطاء الزكاة للولد والقرابة ح ٤.

(٢) في ( د ) : « لأدمهم ».

(٣) الكافي ٣ / ٥٦٢ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ١١.

(٤) وسائل الشيعة ٩ / ٢٤٥.

(٥) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٤٤.

(٦) في حاشية ( د ) : « حكاه الفاضل في شرح الروضة عنه ».

٢٢٥

بمقدار النصاب ، فيجي‌ء فيه خلاف الشيخ.

واحتمل في التذكرة (١) منعه من الزكاة حتّى ينفق ما معه ، ثمّ نصّ بأنّ الحق خلافة.

ثم إنّه لا يظهر خلاف في جواز دفع الزكاة إلى من ملك مؤنة بعض السنة وإن كان زائدا على مقدار القيمة إلّا أنه (٢) حكى في المنتهى (٣) قولا بأنه لا تأخذ زائدا على تتمة مؤنة الحول.

وهو ضعيف جدّا لا يعرف القائل به ، ولعلّه من العامة.

وامّا ذو الكسب القاصر فالمعروف بين الأصحاب جواز الدفع إليه كذلك ، وحكى قول بالمنع من أخذه ما يزيد على تمام مؤنة سنته.

ونصّ بعض أفاضل المتأخرين أنّه لم يظفر بقائله ، قال : وكذا لم يظفر به السيد العميد كما نصّ عليه في الكثرة. اختاره (٤) ذلك في اللمعة (٥) واستحسنه في البيان (٦).

قال : وما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب.

واقتصر في الدروس (٧) (٨) من غير إشارة إلى الترجيح ، ولذا عزا إليه في الروضة (٩) التردّد فيه.

والأظهر المشهور. ويدلّ عليه اندراجه في الفقير قطعا كما مرّ ، فيكون بمقتضى الآية والروايات كسائر الفقراء ؛ إذ لا تفصيل فيها ، بل ظاهر إطلاقها عدم تقدير الاستحقاق بشي‌ء ، مضافا إلى الإطلاقات الدالّة على جواز إعطاء الفقير ما تفيه ففي الصحيح « تعطيه من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٤٤.

(٢) في ( ألف ) : « أن ».

(٣) منتهى المطلب ١ / ٥١٨.

(٤) في ( د ) : « أختار ».

(٥) اللمعة الدمشقية : ٤٣.

(٦) البيان : ١٩٣.

(٧) في ( د ) زيادة : « على ذكر القولين ».

(٨) الدروس ١ / ٢٤٠.

(٩) الروضة البهية ٢ / ٤٥.

٢٢٦

الزكاة حتّى تغنيه » (١).

وفي الموثق « وأعطه لما قدرت أن تغنيه » (٢).

وفي الخبر : « أعطه ألف درهم » (٣).

وقد يحتج للقول الآخر بالصحيح (٤) الوارد في المحترف الذي « له ثلاثمائة وأربعمائة درهم ، فلا يصيب نفقته فيها ».

وفيه : « بل ينظر إلى فضلها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ويأخذ البقية من الزكاة ».

والصحاح الدالّة على أنّ الله تعالى فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أنّ ما فرض لهم لا يكفيهم لزادهم ؛ فانّه ظاهر في أن المجعول لهم هو قدر الكفاية دون الزائد عليها.

مضافا إلى تعليله عدم استحقاق الأزيد بالاكتفاء بالأنقص.

وضعفه ظاهر ؛ إذ لا دلالة في الصحيحة على المنع من الأزيد إلّا بمفهوم اللقب ، والمقصود ممّا (٥) ورد في الصحاح بيان العلّة في وضع الزكاة على المقادير المعلومة ، والمراد أنّها قد وضعت على قدر كفاية الفقراء واتّساعه لمصارفهم ، وإنّما يرد الضيق عليهم من جهة منع المانعين.

وليس الغرض منها عدم استحقاق آحاد الفقراء لما يزيد على مؤنتهم ، كيف وقد قام الإجماع ودلّت الأخبار على جواز الإعطاء إلى حدّ الإغناء ، فما قد يقال من أنّ مقتضى ذلك عدم الجواز مطلقا خرج ما خرج بالدليل من إجماع أو غيره ، فبقي محلّ الخلاف كما ترى.

تاسعها : لا يمنع دار السكنى ولا فرس الركوب ولا عبد الخدمة ولا ثياب التجمّل من استحقاق الزكاة.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٤٨ ، باب أقل ما يعطى من الزكاة وأكثر ح ٤.

(٢) الكافي ٣ / ٥٤٨ ، باب أقل ما يعطى من الزكاة وأكثر ح ٢ وفيه : « نعم وأغنه إن قدرت أن تغنيه ».

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ٦٣ ، باب ما يجب أن يخرج من الصدقة وأقل ما يعطى ح ٥.

(٤) الكافي ٣ / ٥٦١ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٦.

(٥) في ( ألف ) : « ومما ».

٢٢٧

وفي التذكرة (١) : لا نعلم فيه خلافا. والوجه فيه واضح لمسيس الحاجة إليها ، وصدق الفقر مع وجودها ؛ لاختلاف أحوال الناس في الشرفة والضعة والحاجة إلى الخادم وعدمه.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك ، الأخبار المستفيضة : ففي الموثق ، عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم » (٢).

وفي القوي بعد الحكم بالجواز لصاحب الدار والخادم والعبد : « إنّ الدار والخادم ليستا بمال » (٣) يعني به المال الذي يصرفه في مصارفه.

وروى علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الزكاة أيعطاها من له الدابة؟ قال : « نعم » ، ومن له الدار والعبد؟ في المصدر قال (٤) : « الدار ليس نعدّها (٥) مالا (٦).

إلى غير ذلك ممّا ورد.

ويعتبر أن يكون المذكورات لائقا بحاله ، فلو كان زائدا عليه وكانت الزيادة تفي بمئونة سنته لم تحلّ له الصدقة في وجه قوي.

وبه (٧) جزم الشهيد الثاني في المسالك (٨).

وهو ظاهر في الروضة (٩) ، وحكى التصريح به عن الشيخ.

وفي التذكرة (١٠) : إنّ في منعه من الزكاة حينئذ إشكالا (١١). واستشكل فيه في الكفاية مع

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٧٥.

(٢) الكافي ٣ / ٥٦٠ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٤.

(٣) الكافي ٣ / ٥٦١ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٤.

(٤) في ( ألف ) : « فإن ».

(٥) في ( ألف ) و ( د ) : « يعدها » ، وما أدرجناها من المصدر.

(٦) وسائل الشيعة ٩ / ٢٣٧ ، باب جواز أخذ الفقير للزكاة وإن كان له خادم ودابة ودار مما يحتاج إليه ح ٥.

(٧) زيادة : « وبه » من ( د ).

(٨) مسالك الإفهام ١ / ٤١٠.

(٩) الروضة البهية ٢ / ٤٥.

(١٠) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٧٥.

(١١) في الأصل : « إشكال ».

٢٢٨

إمكان بيع الزيادة منفردة مع وفاء تتمته بمئونة نفقته. وليس في محلّه.

قال في التذكرة (١) أيضا : لو كانت حاجته تندفع بأقل منها قيمة لم يكلّف بيعها وشراء الأدون. وكذا في العبد والفرس.

وظاهره جواز أخذ الزكاة معها مطلقا. واستحسنه في الكفاية عملا بإطلاق النصّ. وهو كما ترى.

نعم ، لو كان مع بيعها لا يتمكّن من تحصل به لها احتمل سقوط الوجوب ، وكذا لو لم يوجد طالب لشرائها أو وجد بأدنى من ثمن المثل ممّا يوجب الضرر عليه. وقضية الدخول فيه المنع ، فإنّ القدر الزائد في المقام بمنزلة ما يملكه من سائر الأموال إذا لم يكن لها طالب أو طلب بدون ثمن المثل. ولا فرق فيما ذكرنا بين إمكان الاكتفاء بالاستيجار للدار والخادم ونحوهما أو لا ؛ أخذا بإطلاق النص ، ولما في ذلك من النقيصة الغير اللائقة بحاله في بعض الصور.

ولا فرق بين أن يكون مالكا لمنافع دار أخرى أو لا ، و (٢) خادم آخر بالاستيجار ونحوه أو لا ؛ أخذا بالإطلاق.

كيف ولو اكتفى به في المقام لزم الإقدام عليه من أول الأمر.

وقد يفرّق بين المدّة القصيرة أو الطويلة الوافية بعمره بحسب العادة ، ولو كانت له دور متعدّدة في البلد الواحد أو بلاد عديدة فإن كان يحتاج إلى الجميع بحسب المعتاد جرى الحكم في الجميع ، وكذا بالنسبة إلى الخادم والفرس وغيرهما.

ولو ملك ثمن الدار والخادم ونحوهما لا أعيانها بعد ملاحظة أثمانها ، ولا ريب فيه مع عدم قضاء حاجته على النحو المعتاد من دون تلك الأعيان.

وأمّا لو أمكن ذلك وكان في التفاوت مقدار مؤنة سنته ، ففيه إشكال.

وقضية التحديد المتقدم للغني عدم الجواز سيّما إذا كان مكتفيا بالإجارة قبل تملك الثمن.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٧٥.

(٢) ليس في ( د ) : « و ».

٢٢٩

نعم ، لو اشترى به المذكورات جرى عليه (١) الحكم المتقدم ، ولو لم تكن مريدا لشرائها وكان مكتفيا بالاجارة ونحوها ، فلا ينبغي التأمّل في سقوط مراعاتها ، وإن كان اللائق بحاله تملّك أعيانها.

ولا يبعد جريانه بالنسبة إلى (٢) أعيانها لو ملكها ، وكان مكتفيا بغيرها ولو مع تحمل النضاضة (٣) فيه.

ولو احتاج إلى خدّام متعددين ودوابّ متعددة لأجل السفر مع وجوبه عليه أو جوازه ففي صحّة استثناء الجميع وجهان.

ولا تأمل في البناء عليه مع لزوم السفر بحسب المعتاد بحيث يعاب عليه في تركه أو يكون من لوازمه ؛ لاندراجه إذن في اللوازم المعتادة. ويجري الكلام في زيادة المئونة الحاصلة بسبب السفر ، فتأمل.

__________________

(١) في ( د ) : « عليها ».

(٢) ليس في ( د ) « إلى ».

(٣) النضاضة : الشي‌ء واليسير ، والنضّ : المتيسّر ، وقد يقال للمكروه أيضا. انظر : البستان : ١١٠٧ ( نضض ).

٢٣٠

تبصرة

[ في مدّعي الفقر ]

المعروف من المذهب تصديق مدّعي الفقر في دعواه من غير حاجة إلى إقامة البيّنة أو اليمين سواء كان قويا أو ضعيفا.

وعن ظاهر الفاضلين (١) : إنّه موضع وفاق.

وفي المدارك (٢) : إنه المعروف من مذهب الأصحاب. وحكى أيضا اتفاق الأصحاب ظاهرا على جواز الدفع إلى مدّعي الفقر إذا لم يعلم له أصل مال من غير مطلوبية ولا اليمين.

وفي شرح التهذيب : إن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

وفي الحدائق (٣) : إنّه المشهور ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه.

ويمكن الاحتجاج عليه بوجوه :

منها : أصالة الصحّة في فعل المسلم. وقوله : فإنّه قد ادّعى أمرا (٤) ممكنا من غير معارض ولم يظهر من الخارج خلافه ، فيقبل قوله فيه.

ومنها : أصالة الفقر ، فإن الغنى أمر وجودي ، والأصل عدمه.

ومنها : أنه لو افتقر إلى البينة أو اليمين لزم الحرج والضيق سيّما إذا كان الفقير ممّن يستحيي من ذلك. على أن الاكتفاء فيه بمجرد اليمين بناء على المداقّة فيه ممّا لا وجه له ، فلا بدّ من الاقتصار على البيّنة ، وفيه من الحرج ما لا يخفى.

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ / ١٢٠ ، قواعد الأحكام ١ / ٣٤٨.

(٢) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠١.

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٦٣.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « أمرا ».

٢٣١

ومنها : خلو الأخبار عن اعتباره بالمرّة ، ولو كان ذلك معتبرا في الدفع لأشير إليه في الروايات ؛ لعموم البلوى بها وشدة احتياج الناس إليها.

ومنها : ما رواه الكلينى قدس سرّه بإسناده عن العروضي ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما جالسان على الصفا ، فسألهما فقالا : إن الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع؟ أو غرم مقطع أو فقر مدقع ، ففيك شي‌ء من هذا ، قال : نعم ، فأعطياه ، وقد كان الرجل سأل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه ولم يسألاه عن (١) شي‌ء ، فقال لهما : ما بالهما لم يسألاني عمّا سألني الحسن والحسين عليهما‌السلام وغيرهما (٢) بما قالا؟ فقالا : « أنّهما غذيا بالعلم غذاء » (٣).

وقد يناقش في الأوّل بأنّ الأصل المذكور إنّما ثبت في أفعاله من عقوده وايقاعاته ونحوها وفي أقواله بالنسبة إلى أقاريره فيما ثبت شاهد عليه لا له.

وفي الثاني بأنّ الفقر إنّما يكون عدميّا في بعض المقامات ، وفي كثير من المقامات يتوقف على أمر وجودي ؛ لكثرة مصارفه ووفور عياله حتى لا يفي به ما يقدر على تحصيله.

وفي الثالث بأنّ دعوى الضيق والحرج فيه غير مسموعة ، كيف وهو أمر يظهر للمخالطين له والمعاشرين إيّاه بأدنى شي‌ء.

نعم ، قد يقال ذلك بالنسبة إلى الغريب الذي لا معرفة لأحد بحاله ، ولا حرج في الامتناع عن الدفع إليه بمجرّد دعواه إن اريد حصول الحرج بالنسبة إلى الدافع في تكليفها باستعلام الحال بالبيّنة ، لإمكان دفعه إلى الغير.

وإن اريد لزوم الحرج على القائل ففيه أنّ ذلك من الامور الاتفاقيّة ، وليس الحرج المنفي في الشريعة إلّا بالنسبة إلى الامور العامّة دون الوقائع الاتفاقيّة ؛ لوضوح حصول الحرج بالنسبة إلى الخصوصيات في كثير من المقامات.

__________________

(١) في ( د ) : « ثمن ».

(٢) في ( د ) : « وأخبرها ».

(٣) الكافي ٤ / ٤٧ ، باب النوادر ح ٧ مع اختلاف.

٢٣٢

ويجري ذلك أيضا بالنسبة إلى الدافع لو اتفق انحصار الأمر في القائل المذكور.

على أنّ غاية الأمر حينئذ تأخيره للزكاة ، ولا حرج عليه فيه.

وفي الرابع بأنّ المذكور في الأخبار دفع الزكاة إلى الفقير ونظرائه ، ومن البيّن أنّ الألفاظ إنّما وضعت للأمور الواقعيّة ، فقضيّة تعلّق الحكم عليها توقّف الدفع على العلم بالموضوع من غير حاجة إلى التنصيص عليه كما مرّ في سائر الموضوعات الشرعيّة. وهو كاف في الدلالة على الحكم المذكور.

مضافا إلى ما ورد في الأخبار من التأكيد بوضعها في محلّها وإعطائها أهلها.

نعم ، لو خلّي الحكم عن الدليل مع عموم البلوى به دلّ ذلك على انتفاء الدليل (١) بحسب الواقع ، وهو دالّ على انتفاء الحكم ، وإلّا لبيّنه صاحب الشريعة.

وفي الخامس بضعفها بالإرسال مع الغضّ عن سائر رجالها (٢) ، ولا يخلو بعضها عن المناقشة.

قلت : وفي الرواية المذكورة كفاية في ذلك بعد انجباره بفتوى الأصحاب ، بل وإجماعهم على ما يظهر حيث لا يعرف فيه مخالف من قدماء الأصحاب ومتأخّريهم ، بل ذكره من ذكره منهم على سبيل القطع من غير إشارة إلى خلاف فيه أو تأمّل في ثبوته سوى أنّه ناقش فيه بعض المتأخرين كصاحبي المدارك والكفاية (٣).

ومع ذلك فظاهر المدارك (٤) القطع بالاكتفاء بدعوى العدل ، وكذا مع الظن الغالب في غيره.

وفي الكفاية (٥) : لا أعرف خلافا في الجواز إذا كان المدّعي عدلا.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « عليه ».

(٢) في ( د ) : « إذ لا » بدل « ولا ».

(٣) كفاية الأحكام : ٤٠.

(٤) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠٣.

(٥) كفاية الأحكام : ٤٠.

٢٣٣

وأنت خبير بأنّه لا مدخل للعدالة في ذلك ؛ لرجوعه إلى ادّعائه لنفسه فإن (١) قبلت الدعوى مثله قبلت في المقامين ، وإلّا فلا ، والرجوع إلى آية التثبّت كما في الكفاية (٢) أضعف شي‌ء في المقام ؛ إذ ليس القبول هنا من جهة الاختيار (٣) واندراج مثله في إطلاق البناء بحسب العرف محلّ إشكال.

ولو سلّم فالظاهر انتفاء القول (٤) بالفصل بعد الحكم باستحقاق الفاسق للزكاة.

مضافا إلى الوجوه المتقدّمة ، فإنّه وإن لم يخل كلّ منهما من مناقشة إلّا أنّها بعد انضمام بعضها إلى بعض وضمّ الجميع إلى ما ذكرناه لم يبق تأمّل في الحكم سيّما بعد ملاحظة اكتفاء الشرع بدعوى المؤمن إذا لم يكن هناك ما يعارضه في موارد كثيرة يقف عليها المتتبّع.

مضافا إلى ما في ذلك من إهانة المؤمن وإذلاله وأنّه قد يخفى على غيره ، ويتعذّر عليه إقامة البينة ، ويوجب ذلك ذهاب حقّه وعدم ارتفاع حاجته الذي وضع الزكاة لأجله ، فقد ينافي المداقّة في ذلك الحكمة المذكورة المنصوص عليها في عدة من الأخبار.

والزائد حينئذ بالحلف ممّا لا دليل عليه ، بل لا دليل على ثبوته لو (٥) اريد الإثبات.

وبذلك يظهر ضعف ما استشكله صاحبا المدارك (٦) والكفاية (٧) في المقام من جهة القطع باعتبار الشرط المذكور وعدم قيام دليل على الاكتفاء فيه بمجرّد الادعاء من نصّ أو إجماع ثابت ، فلا يحصل اليقين بالبراءة إلّا بالعلم أو البيّنة العادلة المنزلة في الشرع منزلة اليقين إلّا أنّه اكتفى في المدارك (٨) بعدالة المخبر أو الظن الغالب بصدقه كما ذكرنا.

__________________

(١) في ( ألف ) « بأن ».

(٢) كفاية الأحكام : ٤٠.

(٣) في ( د ) : « الأخبار ».

(٤) في ( ألف ) : « القبول ».

(٥) كلمة « لو » أضيفت من ( د ).

(٦) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠٣.

(٧) كفاية الاحكام : ٤٠.

(٨) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠٣.

٢٣٤

واستشكل في الكفاية (١) فيهما أيضا.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين حالة السابق أو علم غناه لكن ادّعى ذهاب ماله أو ادّعى زيادة عياله أو عجزه عن الاكتساب ونحو ذلك.

وذهب الشيخ إلى أنّه لو عرف له مال فادّعى ذهابه أنّه يكلف البيّنة لأن الأصل بقاؤه ، والرواية المتقدّمة لا يفيد الحكم في هذه الصورة إلّا أنّ ظاهر المذهب على خلافه.

مضافا إلى ما عرفت من الوجوه المتقدمة ، فالأظهر ذلك وإن كان مراعاة الاحتياط فيه أولى.

هذا كلّه مع عدم الاتهام ، وأما مع اتهامه في المقام فالظاهر جواز الدفع إليه ؛ لعدم وضوح جريان الوجوه المذكورة فيه.

وقضية الأصل المنع ؛ صونا لأموال الفقراء عن الإتلاف سواء عرف غناه السابق أو لا.

نعم ، إن عرف أوّلا بالفقر احتمل الاكتفاء فيه بالاستصحاب.

__________________

(١) كفاية الأحكام ٤٠١.

٢٣٥

تبصرة

[ في دفع الزكاة إلى غير المستحقّ ]

لو دفع الزكاة إلى من ثبت فقره مع اعلامه بكونه زكاة ثمّ تبين غناه ضمنه القابض يستعاد منه مع بقائه ، ومثله أو قيمته مع تلفه بلا خلاف فيه يعرف.

وفي الحدائق : الظاهر أنّه لا خلاف فيه.

والوجه فيه واضح ؛ لظهور فساد بعض القبض فيضمنه القابض لعدم استحقاقه له وعصيانه بأخذه.

هذا مع علمه بالحال والحكم ، وأمّا لو جهل الحكم فالظاهر أيضا عدم معذوريته في ذلك ؛ إذ أقصاه سقوط العصيان مع الغفلة ونحوها ، وأمّا الضمان فهو من الأحكام الوضعيّة التابعة لحكم الشرع.

وأمّا إذا جهل بحاله (١) كأن انتقل إليه مال من دون علمه أو كان له مال لا يعلم به ففي ترتّب الضمان على قبضه وجهان ، من أنه الأصل في قبض حق الغير ، ومن كون القبض بإذن الشرع فلا يترتب عليه ضمان ، فغاية الأمر ردّه مع بقائه ، وإن تصرّف فيه.

ويمكن دفعه بأنّ إذن الشرع هنا ظاهري مبنيّ على ظاهر الحال ، ولا يسقط به الضمان.

غاية الأمر سقوط العصيان إلّا أنّه لو قامت البينة على أن له المال الموضوع عند زيد مثلا فقبضه بإذن الشرع ثمّ انكشف الخلاف كان ضامنا له ، فكذا في المقام.

وكذا لو استصحب ملكه بشي‌ء فأتلفه ، ثمّ تبيّن انتقاله إلى غيره من وليّه أو وكيله.

وهذا هو الأظهر. نعم ، لو كان الدافع عالما بالحال استقرّ عليه الضمان لو تلف هذا القابض

__________________

(١) ليس في ( د ) : « وأما إذا جهل بحاله » ـ الى « في رجل أعطى زكاة ماله ».

٢٣٦

قبل علمه بالحال أو تقصيره في الردّ.

ولو دفعها إليه من غير إعلام بكونها زكاة ففي المنتهى (١) إنّه ليس له الرجوع ؛ نظرا إلى أن دفعه يحتمل الوجوب والتطوّع.

واستقرب في التذكرة (٢) جواز الارتجاع لفساد الدفع ؛ لأنّه أبصر بنيّته.

واستجوده في المدارك (٣) مع بقاء العين وانتفاء القرائن الدالّة على كونه صدقة.

وذهب في الحدائق إلى وجوب إرجاعه مع بقاء العين سواء علم بالحال أو أعلمه المالك ؛ لعدم الاستحقاق شرعا. ومتى تلفت قبل العلم فلا ضمان ؛ إذ لا دليل على وجوب دفع العوض من المثل أو القيمة.

قلت : والمسألة ذات أقسام : فإنّه إمّا أن يتبيّن الحال للمدفوع إليه أو لا يتبيّن إلّا بحسب ادّعاء الدافع بعد دفعه إليه ، وعلى كلّ من الصورتين إما أن تكون العين باقية أو تالفة.

فإن كان مع بقاء العين وعلم المدفوع إليه بالحال فلا كلام في وجوب الردّ ، وأمّا إن كان محض ادّعاء الدافع من دون قيام حجة عليه ففيه إشكال.

وقضية الأصل فيه عدم السماع ؛ لحصول التملّك ظاهرا بالقبض.

فدعوى الفساد يحتاج إلى دليل.

وقول الدافع بعد خروج المال عن يده إقرار في حق الغير.

وهذا هو الأوجه.

ومجرد كونه أعرف بقصده لا يوجب (٤) الخروج عن القاعدة ، ولذا لا يسمع ذلك في سائر العقود الصادرة.

ومنه يعلم الحال ما لو توقّف عنده حينئذ بالطريق الأولى. مضافا إلى تسليطه إلى إتلافه

__________________

(١) منتهى المطلب ١ / ٥٢٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٤٩.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠٤.

(٤) في ( د ) : « توجب ».

٢٣٧

مجانا ، فلا رجوع له عليه كما إذا أعطاه مالا ثمّ ادّعى بعد تلفه أنّه إنّما دفعه لزعم كونه دينا عليه ، فتبين له الخلاف ، فإنّه لا رجوع له عليه.

وقضية الوجه الأخير عدم وجوب الردّ عليه ، ولو مع علمه بالحال بعد الإتلاف.

ويشكل بأنّ المال المدفوع إن كان للدافع فلا كلام ظاهر في عدم جواز الرجوع عليه لإتلافه بتسليطه عليه مجانا.

وأما لو كان من مال الغير كما هو المفروض في المقام فلا ، ألا ترى أنّه لو دفع إليه مالا مغصوبا من دون إعلامه بالغصب ، ثم تبيّن الحال للمدفوع إليه بعد إتلافه ضمنه لمالكه وإن كان الرجوع إلى الدافع نظرا إلى غروره ، وهو لا ينافي وجوب ردّه عليه ؛ لظهور كون المتلف من حق الفقراء مثلا ، فلا بدّ من دفعه إلى أمينهم.

غاية الأمر أن له رجوعا على ذلك الأمين ، وقد يمتنع عن أداء حقه أو يكون هناك مانع من الدفع كالاعتبار ونحوه.

فالقول بوجوب الدفع قوي إلّا أنّه قد يشكل الحال في المقام في رجوعه إلى الدافع ؛ نظرا إلى كون الدافع على وجه مشروع هو مشارك للمدفوع إليه في الجهل سيّما إذا كان دفعه من جهة دعواه الفقر.

وقد يفصل بين ما إذا كان دفعه لطلبه الزكاة وما إذا دفعه ابتداء فلا رجوع له إلى الدافع في الأوّل ؛ لاستناده إليه بخلاف الآخر.

وهو متّجه.

ولا فرق بين أن يكون الدافع إليه هو المالك أو الحاكم أو الوكيل من أحدهما ؛ لاتحاد المناط في الكلّ.

وقطع في التذكرة (١) أنّه لو كان الدافع الإمام جاز له الاسترداد مع عدم الإعلام مع بقاء العين وتلفه ؛ معلّلا بأنّ الظاهر فيما يعرفه الإمام ويقسمه أن زكّاه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٤٩.

٢٣٨

والتعليل كما ترى أخصّ من الدعوى ؛ إذ قد لا يظهر ذلك في بعض المقامات.

ثمّ في الاتّكال على مجرّد الصدور من دون العلم بالحال أو إعلامه حال الدفع إشكال.

ثمّ قضيّة كلامه جريان الحكم في الفقيه ووكيل الحاكم إذا علم المدفوع إليه حين القبض كونه وكيلا عن الحاكم.

وحينئذ يجري الإشكال في كلّ من صورتي بقاء العين وتلفه ، وأمّا إمام الأصل (١) فلا إشكال في وجوب الرد مع بقاء العين من جهة العلم الحاصل من قوله.

هذا كلّه بالنسبة إلى تكليف المدفوع إليه ، وأمّا الدافع فإن كان الإمام أو نائبه العام أو الخاص بعد دفع المالك إليه أجزأ عن المالك أو دفع المالك إليه دفع إلى الفقير ونحوه ، ولا يوجب ضمانا على الإمام عليه‌السلام أو نائبه كما هو الحال في سائر تصرفاته من جهة الولاية.

وعن المنتهى (٢) : إنّه لا خلاف فيه بين العلماء ؛ لأن المالك قد خرج عن العهدة بالدفع إلى الامام أو نائب ، والدافع خرج عن العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر ، وإيجاب الإعادة تكليف جديد منفي بالأصل.

وفي الحدائق (٣) : إنه لا يخلو من قرب إلّا أنّ الفتوى به مع عدم النص في المسألة مشكل.

قلت : ولا ينبغي التأمّل في شي‌ء من المقامين المذكورين ؛ لوضوح ما قرّر من الوجهين.

هذا إذا كان الدفع إلى الإمام أو نائبه بقصد أداء الزكاة لولايته على الفقراء ، وأمّا إذا كان بعنوان توكيله في الأداء جرى عليه حكم سائر الوكلاء.

وإن كان الدافع المالك فقد اختلف فيه على أقوال :

أحدها : الإجزاء مطلقا. وحكي عن الشيخ وجماعة لأداء الواجب على النحو المشروع ، موافقا لما أمر به الشرع. وقضية الأمر الإجزاء ، ولزوم الإعادة يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه.

__________________

(١) كذا.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٥٤٢.

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٦٩.

٢٣٩

ثانيها : الإعادة كذلك. وحكي عن المفيد (١) والحلي (٢) ، وبه قطع صاحب الحدائق (٣).

ويدلّ عليه أنّ دفع المال إلى غير مستحقه يوجب الضمان ، ولو كان من جهل. والأمر المتعلق من الشرع ظاهري يحكم بحصول الامتثال معه ما دام الجهل.

مضافا إلى أن الضمان ـ كما عرفت ـ من الأحكام الوضعيّة ، فلا يتفاوت الحال فيه مع العلم والجهل ، ولذا يحكم بالضمان في سائر المواضع ، ولو مع الجهل.

وخصوص الصحيح عن الحسين بن عثمان ، عمّن ذكره ، عن الصادق عليه‌السلام : في رجل أعطى زكاة ماله رجلا وهو يرى أنه معسر ، فوجده موسرا؟ قال : « لا يجزي عنه » (٤).

وفيه : أن الرواية مرسلة خالية عن الجابر ، فلا حجة فيها ، وأصالة الضمان غير ناهضة على ثبوت الضمان في المقام ، فثبوت ولاية المالك على المال وتسلّطه في الدفع إلى من شاء من الفقراء ، والمفروض عدم وقوع تفريط ، ولا تعدّ منه إذا فعل الولي على المال ما عليه في حفظه وايصاله لم يتعقبه ضمان.

وقوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٥) غير ظاهر الشمول لمثله ، سيّما بعد ظهور كون المالك أمينا بل وليا على المال حسبما أشرنا إليه.

نعم ، لو وقع منه تعدّ في المال أو تفريط فيه قضى ذلك بالضمان ، والمفروض عدمه.

وبذلك يظهر قوّة القول الأوّل.

ثالثها : التفصيل بين الاجتهاد وعدمه ، فلا ضمان عليه على الأول دون الأخير.

وحكي عن الفاضلين (٦) ؛ لأن المالك أمين فيجب عليه الاستظهار ، ومعه لا ضمان ، وأما مع التسامح فيه ضمن المال مع انتفاء المصادفة ؛ ولصحيحة عبيد بن زرارة ، ورواية زرارة

__________________

(١) المقنعة : ٢٦٠.

(٢) في ( ب ) : « الحلبي ».

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٦٩.

(٤) الكافي ٣ / ٥٤٥ ، باب الرجل يعطي من الزكاة من يظن أنه معسر ثم يجده موسرا ح ١.

(٥) عوالي اللئالي ١ / ٢٢٤.

(٦) المعتبر ٢ / ٥٦٩ ، منتهى المطلب ١ / ٥٢٧.

٢٤٠