تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

ولو سلّم فأقصى ما يدلّ عليه وجوبها أصالة على المقترض مطلقا ، ولا ينافي ذلك وجوب أدائها على المقرض عوضا عن المقترض من دون سقوطها عنه إلّا بأدائها كما هو أحد الأقوال في المسألة.

كيف ، ولو شرطها على غير المالك في سائر الأموال الزكويّة لزم الأداء عنه من غير ان ينافي إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة على المالك.

حجّة القائل بصحّة الاشتراط المذكور وانتقال الوجوب إلى ذمّة المقرض صحيحة منصور بن حازم في رجل استقرض مالا وحال عليه الحول وهو عنده ، فقال : « إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدي أدّى المستقرض » (١).

واحتجّ عليه في المختلف (٢) بقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم ».

وفي الحدائق (٣) بما دلّ على صحّة اشتراط زكاة ثمن المبيع على المشتري ، فمما يدلّ عليه صحيحة عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة المال عشر سنين ، وإنّما فعل ذلك لأن هشام كان هو الوالي » (٤).

وفي الصحيح أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال واشترط عليه في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين » (٥).

وفي كتاب الفقه الرضوي عليه‌السلام : « وإن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه ذلك دونك ».

وحكى عن الصدوقين أنهما عبّرا بمثل ذلك العبارة ، قال (٦) : فمتى ثبت بهذه الأخبار صحّة

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٢٠ ، باب زكاة مال الغائب والدين والوديعة ح ٥.

(٢) مختلف الشيعة ٥ / ٣٩٣ القرض.

(٣) الحدائق الناضرة ١٢ / ٣١.

(٤) الكافي ٣ / ٥٢٤ ، باب ح ٢.

(٥) الكافي ٣ / ٥٢٤ ، باب ح ١.

(٦) الحدائق الناضرة ١٢ / ٤٢.

٢٠١

الشرط المذكور وأنّه سائغ وأن الزكاة تنتقل إلى ذمّة المشروط عليه ، فلا فرق بين وقوعه واشتراطه في بيع أو قرض أو غير هذا ؛ عملا بما دلّ على أنّ المؤمنين عند شروطهم.

والجواب أمّا عن الصحيحة فظاهر ؛ إذ لا دلالة فيها على لزوم الشرط ولا اشتغال ذمّة المشترط عليه بذلك ، ولا سقوطه بمجرد الاشتراط عن ذمة المشترط. غاية الأمر دلالتها على سقوطها عن المقترض بأداء المقرض ، وهو غير المدّعى ، بل فيها دلالة على وجوبها على المقترض مع عدم أداء المقرض لها ، ولو مع الاشتراط إن قيل بشمولها لصورة الاشتراط ، فهي بالاحتجاج بها على خلاف المدّعى أولى.

ولذا استند إليها بعضهم كغيرها من الإطلاقات في عدم سقوطها على المقترض ، ولو مع الاشتراط.

ولا يخلو من وجه.

نعم ، فيها دلالة على جواز التبرّع بأداء الزكاة عمن يجب عليه ، فيفيد كون الشرط المذكور سائغا فلا يصلح بها الاحتجاج بما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط ، إلّا أن أقصى ما يقتضيه ذلك وجوب أداء المشروط عليه لذلك ، ولا يستلزم براءة ذمّة المشترط بمجرّد ذلك كما لو شرط عليه في ضمن عقد لازم أداء ديونه ؛ فإنّه لا يبرء بذلك ذمّة المديون ، وإنّما يجب عليه ، الوفاء بالشرط ، ويبرء المديون عنه بأدائه لا بمجرّد اشتراطه.

وأمّا الصحيحتان الحاكيتان لفعل الباقر عليه‌السلام ، فلا دلالة فيهما على سقوط الزكاة بسبب الاشتراط سيّما بالنسبة إلى من وقع الاشتراط معه (١).

__________________

(١) هنا بياض في الأصل.

٢٠٢

تبصرة

[ في تعيين أصناف المستحقين ]

لا خلاف في كون أصناف المستحقين هي المذكورة في الكتاب كما دلت عليه الآية الشريفة (١) إلّا أنّ هناك خلافا في ترادف الفقير والمسكين وعدمه ، فعلى الأوّل يكون المصارف في الحقيقة سبعة كما اختاره في الشرائع (٢) بعد أن حكى فيه القولين وعزا القول به عن (٣) بعض الناس ، وحكاه في المدارك (٤) عن جماعة.

وعلى الثاني تكون ثمانية ( كما هو المعروف بين الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة (٥) إجماع العلماء عليه حيث قال : أصناف المستحقين للزكاة ثمانية ) (٦) بإجماع العلماء ، ثم ذكر الخلاف في كون المسكين أسوأ حالا من الفقير أو بالعكس.

وظاهر ذلك الاتفاق على عدم المساواة كما هو الأظهر.

وهو المعروف من مذهب العامة والخاصّة.

ويدل عليه بعض النصوص الصحيحة من طرقنا.

نعم ، نصّ جماعة بإدراج كلّ منهما الآخر مع الانفراد.

قال في المنتهى (٧) : لا تمييز بينهما (٨) مع الانفراد ، بل العرب قد استعملت كلّ واحد من

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) شرايع الإسلام ١ / ١٢٠.

(٣) في ( د ) : « الى ».

(٤) مدارك الاحكام ٥ / ١٨٧.

(٥) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٣٧.

(٦) ما بين الهلالين من ( د ).

(٧) منتهى المطلب ١ / ٥١٧.

(٨) في ( ألف ) : « بينها ».

٢٠٣

اللفظين في معنى الآخر.

وقد نصّ على إدراج كلّ في الآخر مع الانفراد الشيخ (٩) وظاهر (١٠) الراوندي والحلي (١١) والفاضلان (١٢).

وعن نهاية الإحكام (١٣) والمسالك (١٤) وإيضاح النافع (١٥) نفي الخلاف عنه.

وفي الحدائق (١٦) : إن ظاهر الأصحاب أنّه متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف.

وعن الميسيّة والروضة (١٧) حكاية الإجماع عليه.

واستشكل فيه جماعة ؛ ففي البيان (١٨) إن أرادوا به حقيقة قضية منع.

وفي المدارك (١٩) : إنّ المتّجه بعد ثبوت التغاير عدم دخول أحدهما في إطلاق لفظ الآخر إلّا بقرينة.

واستشكل في ذلك في الحدائق (٢٠) قال : لأنّه متى ثبت التغاير كما ذكرناه ، وهو المشهور عندهم فدخول أحدهما تحت الآخر مجاز لا يصار إليه إلّا بالقرينة. اللهم إلّا أن يجعل الإجماع

__________________

(٩) المبسوط ١ / ٢٤٦.

(١٠) في ( د ) « الشيخ في المبسوط و ».

(١١) السرائر ١ / ٤٥٦.

(١٢) المعتبر ٢ / ٥٦٤.

(١٣) نهاية الإحكام ٢ / ٣٧٩.

(١٤) مسالك الإفهام ١ / ٤٠٩.

(١٥) كذا ، والظاهر : « الفوائد » ، لاحظ : إيضاح الفوائد ١ / ١٩٣.

(١٦) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٥٥.

(١٧) الروضة البهية ٢ / ٤٢.

(١٨) البيان : ١٩٣.

(١٩) مدارك الأحكام ٥ / ١٩٢.

(٢٠) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٥٥.

٢٠٤

قرينة.

وفيه ما فيه.

ثمّ احتمل قريبا أنّ التغاير في الزكاة خاصّة.

وقطع في القواعد (١) بإدراج المساكين في الفقراء إذا وصّى للفقراء.

واستشكل في عكسه.

واختاره (٢) ولده في وصايا الإيضاح (٣) ، والمحقّق الكركي (٤) عدم الدخول.

والمسألة لا تخلو من إشكال إلّا أنّ ما عرفت من الإجماعات شاهد على اتحاد المعنيين مع انفراد كلّ منهما عن الآخر.

وفيه الكفاية في مثله إلّا أنّ الظاهر عمّا حكي عن ماعة من اللغويين إطلاق الفرق بين المعنيين.

ثمّ مع اختلاف المعنيين ـ إمّا مطلقا أو مع الاجتماع ـ فهل المسكين أسوأ حالا من الفقير أو بالعكس؟ قولان.

فالأول محكيّ عن يونس ، وهو قضيّة ما حكي (٥) عن ابن السكيت (٦) من أن الفقير من له بلغة من العيش ، والمسكين الذي لا شي‌ء له.

وما حكي عن ابن عرفة من أن الفقير عند العرب المحتاج ، فأمّا المسكين فالذي قد أذلّه الفقر.

وغيره قال : فإذا كانت مسكنته من جهة الفقر حلّت له الصدقة ، وإذا كان مسكينا قد أذلّه شي‌ء سوى الفقر فلا تحلّ له.

__________________

(١) قواعد الأحكام ٢ / ٤٥٢.

(٢) في ( د ) : « واختار ».

(٣) إيضاح الفوائد ٢ / ٤٩٦.

(٤) جامع المقاصد ٣ / ٣٠.

(٥) إيضاح الفوائد ١ / ١٩٣.

(٦) لم ترد في ( ب ) : « ابن السكيت .. ما حكي عن ».

٢٠٥

وقد حكي القول بذلك عن الفراء وثعلب وابن قتيبة (١) وابن دريد وأبي يزيد (٢) وأبي عبيدة وأبي اسحاق والأصمعي ويعقوب.

واختاره جماعة من الأصحاب.

وكأنّه الأشهر. وعزاه في التنقيح والمسالك (٣) إلى الأكثر.

وفي الغنية (٤) : الإجماع على أنّ الفقراء لهم شي‌ء ، والمساكين لا شي‌ء لهم ، قال : وقد نصّ على ذلك الأكثر من أهل اللغة.

وقد عزي ذلك إلى الإسكافي والشيخين (٥) والديلمي والعلّامة في عدّة من كتبه حيث فسّر الفقير والمسكين بما حكيناه عن ابن عرفة (٦).

والثاني محكي الصدوق حيث نصّ في الفقيه (٧) أن الفقراء هم أهل الزمانة والحاجة ، والمساكين أهل الحاجة من غير أهل الزمانة.

وعن الشيخ في المبسوط (٨) والجمل (٩) والقاضي (١٠) والطبرسي (١١) والطوسي (١٢) والحلي (١٣) : أن الفقير الّذي لا شي‌ء له ، والمسكين الّذي له بلغة من العيش.

__________________

(١) غريب الحديث ١ / ٢٨.

(٢) في ( د ) : « زيد ».

(٣) مسالك الإفهام ١ / ٤٠٩.

(٤) غنية النزوع : ١٢٣.

(٥) المبسوط ١ / ٢٤٦.

(٦) الذي ذكروه هؤلاء الأعلام يطابق ما حكي عن ابن السكيت لا ابن عرفة ، فراجع.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٦.

(٨) المبسوط ١ / ٢٤٦.

(٩) الرسائل العشر : ٢٠٦.

(١٠) المهذب ١ / ١٦٩.

(١١) جوامع الجامع ٢ / ٧٣.

(١٢) الوسيلة : ١٢٨.

(١٣) المعتبر ٢ / ٥٦٤.

٢٠٦

ولا يظهر من القاموس (١) والصحاح (٢) ترجيح لأحد الوجهين.

وكأنّ الأظهر الأوّل لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام عن الفقير والمساكين ، فقال : « الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل » (٣).

وصحيحة أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله تعالى؟ فقال : « الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه والبائس أجهدهم » (٤).

وروى الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم أنّه ذكر في تفسيره هذه الثمانية الأصناف ، فقال : فسّر العالم عليه‌السلام فقال : « الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم من عيالهم » ، ثمّ قال : « والمساكين هم أهل الزمانات » (٥).

وكأنّ المستفاد منها كون المسكين أسوأ حالا منه فيكون ذكر السؤال في الصحيحة المذكورة مثالا ، وكذا الزمانة (٦) في رواية تفسير هذا.

ولا يذهب عليك أنّه لا ثمرة يعتدّ بها هنا للخلاف المذكور كما نصّ عليه جماعة في المقام ؛ بناء على ما هو الصواب من عدم وجوب البسط ؛ للإجماع على جواز إعطاء كل بهما ، فإنّ العبرة في المقام بتحقّق الحاجة وانتفاء الغناء الشامل لهما.

وقد وقع الخلاف في ذلك على أقوال :

أحدها أنّه من يقصر ماله عن مؤنة سنة له ولعياله.

وفي التنقيح وغيره : إنّه المشهور.

وفي المهذب البارع (٧) : إن عليه محقّقي المذهب.

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ / ١١١ ( فقر ).

(٢) الصحاح ٢ / ٧٨٢ ( فقر ).

(٣) الكافي ٣ / ٥٠٢ ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق من ح ١٨.

(٤) الكافي ٣ / ٥٠١ ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ح ١٦.

(٥) وسائل الشيعة ٩ / ٢١٢ ، باب أصناف المستحقين ح ٧.

(٦) في ( الف ) : « الرحانة » وهو غلط.

(٧) المهذب البارع ١ / ٥٢٩.

٢٠٧

وفي المدارك (١) والحدائق (٢) وغيرهما : إنّ عليه عامّة المتأخرين.

وحكى القول به عن الحلي (٣) والمحقق (٤) في كتابيه وتلميذه الآبي والعلّامة (٥) في عدّة من كتبه ، والشهيدين (٦) والسيوري وابن فهد (٧) والفاضل الأردبيلي (٨) وغيرهم من المتأخرين.

وحكاه في التذكرة (٩) وغيرها عن الشيخ.

وقد نصّ جماعة من هؤلاء منهم الفاضلان بجواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيّش به أو ضيعة يستغلها (١٠) إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية ، وإن كان ذلك المال أو قيمة الضيعة وافيا لمؤنة سنة وزيادة ، فيكون ذلك مستثنى ممّا اعتبر في الحدائق (١١) من قصور ماله عن مؤنة سنته كما استثني الدار والخادم والفرش اللائقة بحاله كما سيجي‌ء إن شاء الله (١٢) لا يبعد أن يكون ذلك مقصود الجميع حيث لا مصرّح بخلافه.

وفي الروضة (١٣) حكى الشهرة عليه إلّا أنّه حكى عن القيل اعتبار قيمة أصل الضيعة.

ولا يعرف القول به صريحا لأحد من الأصحاب.

وربّما يحكى عن فخر الدين ، وليس يثبت.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ / ١٩٤.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٥٧.

(٣) السرائر ١ / ٤٥٦.

(٤) شرائع الإسلام ١ / ١٢١.

(٥) إرشاد الأذهان ١ / ٢٨٦ ، منتهى المطلب ١ / ٥١٧.

(٦) البيان : ١٩٣ ، الروضة البهية ٢ / ٤٣.

(٧) المهذب البارع ١ / ٥٢٤.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان ٤ / ١٥١.

(٩) تذكرة الفقهاء / ٢٣٩ ، ٥.

(١٠) في الأصل : « يستقلها » ، وما أدرجناه من المصدر.

(١١) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٥٧.

(١٢) في ( د ) زيادة : « و ».

(١٣) الروضة البهية ٢ / ٤٥.

٢٠٨

وقد عزا التقييد المذكور في مجمع البرهان (١) إلى صريح الأصحاب إلّا أنّه تأمّل فيه بعد ذكر خبر الفيومي (٢) الدالّ عليه حيث قال : وفيه تأمّل ؛ لعدم الصراحة والصحّة مع مخالفته للأخبار الأخر.

وظاهره الميل عنه.

وفي المدارك (٣) والحدائق (٤) : إنّ إطلاق المشهور مناف لما صرّح به الشيخ والمحقّق والعلّامة من التقييد المذكور إلّا أنّهما اختارا (٥) التقييد بذلك ونصّا على انّ المعتمد أنّ من كان له مال يتّجر به أو ضيعة يشغلها ولم يكفه الربح جاز له الأخذ من الزكاة.

ولا يكلّف الإنفاق من رأس المال ، ولا من ثمن الضيعة ، ومن لم يكن له ذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مؤنة السنة ، فانحلّ (٦) القول المذكور في بادي الرأي إلى قولين إلّا أنّ الظاهر إرجاع كلام المطلقين إلى التقييد حيث لم يعرف بين الأصحاب عدّهما قولين مع تصريح جماعة منهم بالتقييد. ويبقى ما حكاه في الروضة (٧) عن القيل ما عرفت من ميل الفاضل الأردبيلي إليه.

وكيف كان ، فالأقوى هو التقييد بل لا يبقى التأمّل فيه كما ستعرف.

ثانيها : إنّ الضابط تمليك (٨) النصاب من الأثمان أو قيمتها فاضلا من سكيه (٩) وخادمه. حكاه في التذكرة (١٠) عن الشيخ.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٤ / ١٥١.

(٢) في ( د ) « الفنوى ».

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ١٩٤.

(٤) الحدائق الناضرة ١٢ / ١٥٧.

(٥) في ( ألف ) : « اختار ».

(٦) في ( ألف ) : « فافصل ».

(٧) الروضة البهية ٢ / ٤٥.

(٨) في ( د ) : « تملك ».

(٩) في ( د ) : « مسكنه أو ».

(١٠) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٤٠.

٢٠٩

وقد حكاه في المنتهى (١) والمهذب البارع (٢) عنه في الخلاف. والمحكي في السرائر (٣) عن الخلاف هو القول الأوّل.

ولم نجد منه هناك (٤) تصريحا وإنّما المحكي عنه التصريح بالوجه الأخير كما يأتي ، وكأنّه الوجه في إسناد القول الأوّل إليه.

نعم ، ذكر في زكاة الفطرة أنها تجب على من ملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب.

وفيه إشارة إلى النقل الأول.

وربّما يعزى القول المذكور إلى المفيد والسيد ، وليس يثبت.

وقد ادّعى السيد في الناصريات (٥) الإجماع على خلافه.

وفي المقنعة (٦) أيضا ما هو ظاهر في خلافه.

واقتصر في التحرير (٧) والدروس (٨) على ذكر القولين المذكورين ، فظاهرهما التأمل في الترجيح.

ثمّ (٩) إنّ ظاهر القول المذكور هو اعتبار ذلك من جهة تملك المال ، فلا ينافي المنع من جهة وفاء الاكتساب في أرباب المكاسب ، وإن لم يتملّكن (١٠) مقدار النصاب.

ثمّ إنّ ظاهر إطلاقه عدم حصول الغناء المانع من قبول الزكاة لو كان ملك ما دون النصاب ، وكان كافيا لمؤنة سنة ، فبين القولين المذكورين عموم من وجه.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ / ٥٠٧.

(٢) المهذب البارع ١ / ٥٢٩.

(٣) في ( ب ) : « الدروس » بدل : « السرائر » انظر : السرائر ١ / ٤٦٢.

(٤) في ( ألف ) : « حكاه ».

(٥) الناصريات : ٢٨٨.

(٦) المقنعة : ٢٤١.

(٧) تحرير الاحكام ١ / ٤٠٢.

(٨) الدروس ١ / ٢٤٠.

(٩) زيادة « ثم » من ( د ).

(١٠) في ( د ) : « يتملكوا ».

٢١٠

وحكى في الكفاية قولا بأنّه من ملك عشرين ذهبا.

ولم نجد من حكم به ، وعلى فرضه فحمله على ظاهره مقطوع الفساد.

ثالثها : إنّ المناط في عدم استحقاق الزكاة القدرة على كفايته ، وكفاية من يلزمه كفايته على الدوام ، وعزي ذلك إلى الشيخ في المبسوط (١) ، وقد عبّر فيه بالنحو المذكور وقال بعده : فإن كان مكتفيا بصنعة وكانت صنعته ترد عليه كفايته وكفاية من يلزمه نفقته حرمت عليه ، وإن كانت لا ترد عليه حلّ له ذلك.

وحكي عن الخلاف نحوه أيضا.

وظاهر العبارة المذكورة أن يكون قادرا على كفاية مصارفه مدّة عمره سواء كان مالكا لها بالفعل أو كان قادرا على تحصيلها بالاكتساب ، فلا عبرة بما يملكه من كفاية سنة مع انتفاء القدرة بالنسبة إلى ما بعده.

وما يورد عليه من أنّ ذلك خلاف الضرورة إذ يلزم على ذلك عدم تحقق غنى أصلا ؛ لعدم العلم ببقاء المال أو حصول المنافع ؛ بيّن الاندفاع لابتناء الامور المذكورة على ظاهر الحال ، فالغرض من القدرة على ذلك هو القدرة عليه بحسب مجاري العادات.

نعم ، لو كانت حرفته أو بضاعته ترد عليه مؤنته سنة مع الشكّ عادة في الاجتزاء به لغيرها من السنين يتّجه القول بتحقق الاستحقاق على القول المذكور.

ولا ضرورة قاضية فيه بالمنع ، وإن كان الحق ذلك.

وكيف كان ، فهذا القول متروك بين الأصحاب إلّا أنّه اختاره من المتأخرين صاحب المفاتيح ، وهو بمكان من الضعف بل في إسناده إلى الشيخ بمجرد العبارة المزبورة تأمّل.

والفاضلان (٢) وغيرهما من الأصحاب لم ينسبوا إليه القول المذكور ، بل صرّح العلّامة في جملة من كتبه بإسناد القول الأول إليه ، ولم ينسب القول المذكور إلى أحد من الأصحاب في معظم الكتب المعتمدة المعدّة لذكر المسائل الخلافية.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٥٦.

(٢) المعتبر ٢ / ٥٦٧ ، تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٣٩.

٢١١

نعم ، إنّما أشار إليه في المدارك (١) وما تأخر عنها.

ويضعّفه مضافا إلى ذلك أنّه حكى في البيان الاتفاق على أنّه يشترط في الفقير والمسكين أن يقصر مالهما عن مؤنة السنة (٢) كما أشار إليه في المختلف (٣) أو يجعل قوله « على الدوام » من متعلقات قوله « من يلزمه كفايته » فيكون التقييد به لإخراج من لا يجب مؤنته إلّا في وقت كان أجير (٤) المشترط نفقته في وقت مخصوص أو النفقة المشترط ذلك.

وأنت خبير بأنّ ذلك غير مقيّد في المقام لجريان الحكم فيه ، وأيّ فرق بين ذلك و (٥) ما إذا اشترط عليه مدّة عمره؟ وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

لنا على الاكتفاء في المنع بمجرد تملّك مؤنة السنة عدّة من الأخبار :

منها : ما رواه المفيد في المقنعة (٦) مرسلا عن يونس بن عمّار ، أنّه قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة » (٧) مؤكدة. وضعفها منجبر بالعمل ؛ مضافا إلى أنّ رواية المفيد لها في المقنعة ظاهرة في كونها من الروايات المعتبرة.

ومنها : صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : « يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره ».

قلت : فإنّ صاحب السبعمائة يجب عليه الزكاة؟

فقال : « زكاته صدقة على عياله ولا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ / ١٩٨.

(٢) في ( د ) زيادة : « لهما ولعيالهما أو عن نصاب أو قيمته على اختلاف القولين وبما يؤل كلام الشيخ بحمل الدوام فيه على خصوص السنة ».

(٣) مختلف الشيعة ٣ / ٢١٤.

(٤) في ( ألف ) : « أجر ».

(٥) الواو زيدت من ( د ).

(٦) المقنعة : ٢٤٨.

(٧) في ( د ) زيادة : « ويجب الفطرة على من عنده قوت السنة ».

٢١٢

أخذها في أقلّ من سنة ، فهذا يأخذها » (١).

وفيها دلالة ظاهرة على المنع من أخذ الزكاة مع وفاء السبعمائة بمئونة سنة ، وهي محمولة على ما إذا لم تكن محترفا بها كما هو الظاهر من إطلاقها ؛ إذ لم يعرض فيها الاحتراف بها ، وحملا لإطلاقها على ما سيجي‌ء من المقيّدات.

ومنها : صحيحة موثقة (٢) سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما ».

قلت له : وكيف يكون هذا؟

قال : « إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه » (٣) : الخبر.

فإنّ قوله : « فلو قسّمها بينهم لم يكفه » ظاهر في عدم الاكتفاء به لمؤنة سنة ، وظاهره أنّه مع الاكتفاء به لا يحلّ الأخذ.

ومنها : صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سويّ ولا لمحترف ولا لقوي ».

قلنا : ما معنى هذا؟ قال : « لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على ما يكف نفسه عنها » (٤).

فإن ظاهرها دوران الأمر مدار القدرة على ما يكفّ به نفسه.

ولا يبعد ظهور الاطلاق في (٥) مؤنة السنة ، ولا أقل من شمول إطلاقه لذلك.

ومنها : ما في الصحيح إلى صفوان بن يحيى بن علي بن اسماعيل الدغشي ، قال : سألت عن أبي الحسن عليه‌السلام عن السائل وعنده قوت يوم ، أتحلّ له أن يسأل وإن اعطي شيئا من قبل أن يسأل يحل له أن يقبله؟ قال : « يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة لأنّها إنّما هي

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٦٠ ، باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحلّ له ح ١.

(٢) كذا ، والرواية إما صحيحة أو موثقة! فتأمّل.

(٣) الكافي ٣ / ٥٦١ ، باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحلّ له ح ١.

(٤) معاني الأخبار : ٢٦٢.

(٥) في ( ألف ) : « وفي ».

٢١٣

من سنة إلى سنة » (١).

وفي هذه الرواية إشعار بأنّ المرعي في الكفاف حال السنة ، ففيها تأييد لما قلناه وإن كان الاحتجاج بها لا يخلو من نظر.

فظهر بما ذكرنا أنّ القدرة الدائمة على المئونة غير معتبرة ، مضافا إلى ضعف ذلك القول في نفسه كما عرفت.

وقد يحتج له باندراجه مع انتفاء القدرة كذلك في عنوان الفقير عرفا ؛ لاحتياجه في الجملة ، فيندرج في إطلاق الكتاب والأخبار.

ويضعّفه ـ بعد المنع الظاهر ـ ما عرفت من الروايات المعتضدة بالاحتياط وعمل الأصحاب.

وأمّا الاكتفاء بمجرد ملك النصاب فهو أيضا كسابقه في غاية الضعف ، وإنّما هو من مذاهب العامة مستندا إلى بعض الروايات العامية الغير الدالّة عليه ، وبعض الاعتبارات الواهية.

وذهاب الشيخ إليه غير معلوم ، وعلى فرضه فإطباق الأصحاب من بعده على خلافه كاف في دفعه ، بل الرجوع إلى الإطلاق (٢) كاف في نفيه ؛ إذ ليس معنى الفقير أو المسكين في العرف ما ذكره قطعا.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل عليه ، بل دلالة الأخبار على خلافه.

وربّما يحتجّ له بصحيحة الفاضلين : « لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها وإن أخذها أخذها حراما ».

وأنت خبير بأنّه لا ربط للرواية بما ذهب إليه ؛ إذ ليس الأربعون بنفسه نصابا للنفقة ، فلا بدّ من ترك الرواية أو تأويلها بما تصحّ إرادته.

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٣٧١.

(٢) في ( د ) : « الإطلاقات ».

٢١٤

وكأنّها محمولة على صورة انتفاء الحاجة كما يشهد له خبر (١) الأربعين : « إلى أن حال عليه الحول ».

وقد يحتج له أيضا بصحيحة البزنطي : « لا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما يجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة ».

وهي أيضا غير دالّة على ما ذكره لاعتبار الاحتراف معه.

ولنا على جواز أخذ الزكاة مع قصور النماء و (٢) الغلة الحاصلة من مؤنة السنة وإن كانت البضاعة في نفسها أو قيمة الضيعة وافية بمئونة السنة أو السنين .. الروايات المعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل الطائفة حيث لا يعرف فيه مخالف صريح كما عرفت.

وما حكي فيه من الخلاف الثابت فهو مجهول القائل.

ومنها : الصحيح ، عن الرجل يكون له ثلاث مائة درهم أو أربعمائة درهم وعيال وهو محترف فلا يصيب نفقته فيها ، أيكسب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال : « لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه من عياله ، ويأخذ النفقة من الزكاة وينصرف بهذه لا ينفقها » (٣).

ومنها : موثقة سماعة (٤) الدالّة على أنّ من له دار غلّة فيه لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم يحلّ له الأخذ من الزكاة.

ومنها : رواية أبي بصير المذكورة في الفقيه.

وقد يؤيّد ذلك بصدق الفقير عليه ؛ إذ ليس ذلك المال معدّا للإنفاق ، وإنّما يقصد منه الغلة والمنافع الحاصلة ، وهو نظير ملك الدابّة والدار ونحوهما ممّا لا ينافي صدق الفقر ، وإن كانت قيمته وافية بمئونة السنة.

__________________

(١) في ( د ) : « حسن ».

(٢) في ( د ) : « أو ».

(٣) الكافي ٣ / ٣٦١ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٦.

(٤) الكافي ٣ / ٣٦٠ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٤ نقلا بالمعنى.

٢١٥

ومنه يظهر ضعف ما قد يحتج للوجه الآخر من صدق الغني عليه ؛ لتملّكه مؤنة السنة.

[ تنبيهات ]

وقد يستند له إلى بعض الإطلاقات ، وهو محمول على صورة الاكتساب به كما مر.

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها (١) : أن صاحب الصنعة والكسب إذا وفي كسبه بمئونة سنته حرمت عليه الزكاة. ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة وغيرها.

وعن الناصريات (٢) والخلاف (٣) وظاهر الغنية (٤) حكاية الإجماع عليه.

وعن تخليص التلخيص أن حرمة الصدقة عليه ممّا لا خلاف فيه إلّا ما حكاه في الخلاف.

وفي المدارك (٥) وغيره حكاية الشهرة عليه.

وعن الخلاف (٦) : أنّه حكي عن بعض أصحابنا جواز دفعها إليه من غير اشتراط لقصور كسبه.

وهو على فرض ثبوته بحمل (٧) عبارته على ظاهرها ضعيف جدا ، والقائل به مجهول ملحوق بالإجماع.

وربّما يحتج له بأنّه غير مالك للنصاب ولا مالك لمؤنة سنته فيندرج في الفقير على التفسيرين ، أو يقال أنّه بمنزلة الفقير من جهة الاشتراك في العلة.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « الظاهر ».

(٢) الناصريات : ٢٨٧.

(٣) الخلاف ٢ / ١٣٥.

(٤) المقنعة : ٢٤١.

(٥) مدارك الاحكام ٥ / ١٩٧.

(٦) الخلاف ١٣٥.

(٧) في ( ألف ) : « يحمل ».

٢١٦

وضعفه أظهر من أن يخفى.

ثمّ إن الأظهر إدراجه في الغني لقدرته على مؤنة سنة ، فهو مالك لمؤنة السنة قوة ، فالتعميم في حدّ الغناء بحيث يشمل مثل ذلك هو الأولى ، لكن الظاهر من غير واحد من الأخبار حيث عطفه على الغني عدم اندراجه فيه ، فيكون واسطة بين الأمرين ؛ لعدم اندراجه في الفقير قطعا.

وقد يقال بتعدّد الإطلاق للغني ، فيكون المراد (١) في الحديث هو المعنى الأخص.

ثانيها : لو كان قادرا على الصنعة وكانت ملكيّتها حاصلة له أو لم يحتج ذلك المكسب على (٢) ملكه لكن لم يكن محترفا بها بحيث يعدّ من أرباب ملك الصناعة ففي جواز الدفع إليه وجهان.

وظاهر كثير من الأصحاب حيث اعتبروا فيه عدم القدرة على الاكتساب عدم الجواز.

ويدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدمة ، وفي صحيحته الأخرى عن الباقر عليه‌السلام : « إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرة سويّ قوي » (٣).

وروى في قرب الإسناد بإسناد عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام أنّه كان يقول : « لا تحلّ الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى » (٤).

بل ظاهر عطفه على المحترف يعطي المغايرة بينهما فيكون صريحا في المقصود.

والوجه في الجواز صدق الفقير عليه لغة وعرفا فيندرج تحت الإطلاقات.

ومجرد قابليته للاكتساب ( لا يقضى بسلب اسم الفقير عنه على أن كثيرا من الفقراء لهم قدرة على الاكتساب ) (٥) ولم تجر الطريقة على منعهم بمجرّد القدرة.

وقد يؤيّد ذلك بظاهر الصحيح ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يروون عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « به ».

(٢) في ( د ) : « الى ».

(٣) الكافي ٣ / ٥٦٠ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ٢.

(٤) قرب الاسناد : ١٥٥.

(٥) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

٢١٧

الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرّة سويّ » ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تصلح لغني » (١).

فإنّ الاقتصار عليه في الحكم مع ضمّ الآخر إليه فيما رواه شاهد على عدم ثبوت الحكم بالنسبة إلى الآخر.

ومرسلة الصدوق قيل للصادق عليه‌السلام : إنّ الناس يروون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أن الصدقة لا يحل لغني ولا لذي مرّة سويّ » فقال عليه‌السلام : « قد قال لغني ولم يقل لذي مرة سويّ » (٢).

وتكذيبهم في الفقرة الأخيرة وإن لم يدلّ على انتفاء الحكم بالنسبة إليه إلّا أنّ فيه إيماء إليه.

ثالثها : يعتبر في التكسّب أن يكون لائقا بحاله ، فلا يكلّف على تكلّف المكاسب الغير اللائقة بحاله على ما نصّ عليه جماعة منهم العلّامة (٣) وولده في الإيضاح (٤) وابن فهد (٥) والشهيد الثاني (٦) وغيرهم.

وهو كذلك لمراعاة الشرع في ذلك الجري على مجرى العادات ، ولذا لا يمنع صاحب الدار والخادم وغيرهما كما سيجي‌ء الاشارة إليها ، وإن وفي بقيمتها بمئونة سنة ، وكذا الحال لو لم يكن أصل الاحتراف لا يقاس ( له ) (٧) لعلوّ (٨) شأنه.

وقد نبّه عليه ( العلامة في النهاية ) (٩) ولو منعه اشتغاله بالاكتساب عن تحصيل العلم الواجب عليه عينا بكونه أحكام الدين أو كفاية كتحصيل ملكة الاجتهاد أو فعليّة الاستفراغ ،

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٦٢ ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح ١٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١٧٧ ، باب المعايش والمكاسب والفوائد.

(٣) نهاية الإحكام ٢ / ٣٨٤.

(٤) إيضاح الفوائد ١ / ١٩٤.

(٥) المهذب البارع ١ / ٥٣٠.

(٦) الروضة البهية ٢ / ٤٥.

(٧) الزيادة من ( د ).

(٨) في ( ألف ) : « العلو ».

(٩) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

٢١٨

فالذي نصّ عليه غير واحد منهم جواز الأخذ من الزكاة ، فعن المنتهى (١) والتحرير (٢) والدروس (٣) والبيان (٤) الرجوع بجواز الأخذ مع كون التكسّب مانعا له عن التفقّه في الدين.

ونحوه ما في القواعد ونهاية الإحكام.

وعلّله في المنتهى (٥) بأنّه مأمور بالتفقه في الدين إذا كان من أهله.

واستحسنه في المدارك (٦).

قلت : والتعليل قاض بجريان الحكم في سائر الواجبات المعارضة للاكتساب كأداء القضاء أو الإتيان بالمنذور ونحوهما ، وكأنّه لذا أطلق الحكم الشهيد الثاني لسائر الواجبات في حواشي القواعد حيث قيل الكسب بالذي لا يشغله عن واجب مضيّق ، ومثّل له بطلب العلم الواجب ولو كفاية.

ويشكل الحال في الجميع بأنّه كما أنّ التفقه وغيره ممّا مرّ من الواجبات كذلك تحصيل مؤنته ومؤنة من يجب عليه نفقته من الواجبات عليه ، فلا بدّ إذن من ملاحظة الترجيح.

ومن البيّن أن تحصيل ما فيه قوام البدن مقدّم على غيرها ، وكذا نفقة الزوجة بالنسبة إلى حقوقه معه (٧).

وفي نفقة الأقارب وجهان ، على فرض ملاحظة (٨) ترجيح النفقة وغيره عليها ينبغي القول بسقوط الوجوب ، فلا وجه أيضا للأخذ من الزكاة من جهة المعارضة.

نعم ، لو فرض تقديم غيره من الواجب على تحصيل النفقة لنفسه وعياله فلا كلام في

__________________

(١) منتهى المطلب ١ / ٥١٩.

(٢) تحرير الأحكام ١ / ٤٠٣.

(٣) الدروس ١ / ٢٤٠.

(٤) البيان : ١٩٣.

(٥) منتهى المطلب ١ / ٥١٩.

(٦) مدارك الأحكام ٥ / ١٩٧.

(٧) كذا.

(٨) ليس في ( د ) : « ملاحظة ».

٢١٩

الجواز ؛ لعدم تمكّنه شرعا من الاكتساب.

ثم إنه لا يجرى الحكم في المعارضة مع المندوب كالاشتغال بشواغل الطاعات والتنوع للعبادات.

وقد أشار إليه العلّامة في النهاية (١) وابن فهد في المهذب (٢) إلّا أنّه أطلق أوّلا في استثناء المشتغل بتحصيل العلوم الشرعيّة ونحوه ما في الروضة (٣) والمسالك (٤) وغيرهما حيث أطلق اشتغاله من الكسب بطلب علم ديني.

وقد يحمل الجميع على إرادة القدر الواجب منها ، ولو على سبيل الكفاية ؛ إذ لا خصوصيّة في ذلك بطلب.

وأطلق في البيان (٥) استثناء من يطلب العلم ، فظاهر [ ه ] التعميم لسائر العلوم إلّا أن حمله على العلم الواجب غير بعيد.

ويجري ما ذكروه في التعلم بالنسبة إلى التعليم إذا احتاج إليه الناس ؛ إذ هو أيضا من الواجبات ، بل هو أهم من التعلّم.

أقول : والأولى تجويز الدفع في جميع الصور المفروضة من نصّهم في سبيل الله خصوصا بالنسبة إلى التفقه في الدين : إذ ذلك من أعظم السبب.

وكذا الحال في جميع العلوم الراجح تحصيلها بحسب الشرع سواء كانت واجبة عينا أو كفاية أو مستحبة من غير فرق بين متعلّمها أو تعليمها أو تصنيفها.

ويسهل الاشتغال بتحصيلها للطّلاب ، وكذا الحال بالنسبة إلى الاشتغال بسائر الواجبات والمندوبات ، فالمنع الوارد في كلمات بعض الأصحاب من الدفع إلى من يمنعه

__________________

(١) نهاية الإحكام ٣٨٤.

(٢) المهذب البارع ١ / ٥٣٠.

(٣) الروضة البهية ٢ / ٤٥.

(٤) مسالك الإفهام ١ / ٤١٠.

(٥) البيان : ١٩٣.

٢٢٠