تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

١
٢

٣

٤

كتاب الزكاة

٥
٦

تبصرة

[ في شرائط وجوب الزكاة ]

يشترط وجوب الزكاة بكمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا يجب في مال الطفل والمجنون مطلقا على المعروف بين الأصحاب.

واحتجّ عليه في المدارك (١) تبعا لما في المعتبر (٢) وغيره من كتب الأصحاب بما دل على رفع القلم عنهما ، وبأنّ أوامر الزكاة لا يتناولهما ، وتكليف (٣) الولي بذلك منع (٤) بالأصل.

ويضعف الأوّل أنّ قضية رفع القلم عنهما عدم تعلّق التكليف بالإخراج بهما ، وهو ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في تعلّقها بأموالهما يستحق الفقراء بعضا منها ، وليس في رفع القلم عنهما دلالة على عدمه (٥) لظهوره في رفع التكليف دون غيره.

وقد ذهب جماعة من الأصحاب إلى شمول الاستحباب والكراهة للأطفال المميّزين ، ومن ثمّ ذهبوا إلى مشروعيّة العبادات الصادرة منهم (٦).

ومع الغضّ عن ذلك فليس ثبوت الزكاة في ماله واستحقاق الفقراء شيئا منه حكما واردا على الصبيّ كما أنّه ليس استحقاق المشترى لماله إذا باعه الولي من ثبوت العلم على الطفل.

ويشهد بما قلناه أنّهم ذهبوا إلى استحباب الزكاة في مال الطفل من دون منافاة فيه لرفع القلم المعلوم.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ / ١٥.

(٢) المعتبر ٢ / ٤٨٦.

(٣) في ( د ) : « لتكليف ».

(٤) في ( د ) : « منفي ».

(٥) في ( ب ) : « عدم الظهور » بدل « عدمه لظهور ».

(٦) في ( د ) : « عنهم ».

٧

والثاني : بأنّه ليس جميع ما دلّ على ثبوت الزكاة من قبيل الأوامر ، وما بمعناها لئلا يتناول الصبيّ والمجنون بل جملة منه شاملة لأموالهما كقوله عليه‌السلام (١) : « فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وفيما سقت السماء العشر ، وفي خمس من الإبل شاة ».

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة المسوقة سوق تلك الأخبار.

مضافا إلى روايات كثيرة أخرى مشتملة على وضع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة على الأجناس (٢) التسعة (٣) ؛ فانّها تعم ما إذا كانت مملوكة للبالغ العاقل أو غيره.

والمناقشة في إطلاق تلك الروايات لورودها لبيان (٤) حكم آخر لكونها في مقام بيان النصاب في الأخبار الأوّلة وبيان ما يجب فيه الزكاة في الأخيرة ليس على ما ينبغي إذا قضى ما يلزم من ذلك أن لا تكون الإطلاقات المذكورة بتلك المكانة من الظهور ، لأنّها تكون خارجة عن الإطلاق إلى حد الإجمال.

وما قد يقال من ورودها بيانا لأوامر الزكاة ، فتكون الحال فيها حال تلك الأوامر ، فلا تعمّ أموال غير مكلفين ؛ غير واضح.

على أنّ عدم شمول الأوامر لأموال (٥) غير المكلفين غير ظاهر أيضا ؛ إذ لا بعد في إرادة وجوب إيتاء الزكاة من المال الذي يكون متسلّطا عليه ، ويكون أمره في الأخذ والإعطاء إليه سواء كان ذلك على سبيل الملكيّة أو الولاية ، وانصراف الإطلاق إلى خصوص الأوّل غير معلوم ، فالرجوع إلى الأصل المذكور ممّا لا وجه له في المقام ، وإنّما المرجع فيه هو الأدلّة خاصة.

ويدلّ على عدم وجوب الزكاة في مال الطفل : المعتبرة المستفيضة المشتملة على

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ / ١٤٠ ، باب تقدير النصب في الذهب وما يجب في كل واحد منها ، ح ٩.

(٢) في ( ألف ) : « الأخبار ».

(٣) انظر : الكافي ٣ / ٥٠٩ ، باب ما وضع رسول الله صلى الله عليه وعلى اهل بيته الزكاة عليه ح ١ و ٢.

(٤) في ( ألف ) : « لسان ».

(٥) في ( ب ) : « لأوامر ».

٨

الصحاح ، منها : الصحيح : « ليس في مال اليتيم زكاة » (١).

وفي صحيحة أخرى ، عن أحدهما عليهما‌السلام (٢) : سألته عن مال اليتيم؟ فقال : « ليس فيه زكاة » (٣).

وفي الصحيح ، عن يونس بن يعقوب : أرسلت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ لي إخوة صغارا فمتى يجب عليهم الزكاة؟ قال : « إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت الزكاة » (٤).

وفي الخبر : « كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة » (٥).

وفي مكاتبة (٦) محمد بن القاسم (٧) : يربح (٨) زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال فكتب : « لا زكاة على اليتيم » (٩).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وعلى عدم وجوبه في مال المجنون بالصحيح : امرأة في أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ قال : « إن كان عمل به فعليها الزكاة ، وإن لم يعمل به فلا ».

وفي الخبر (١٠) : عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، هل عليها زكاة؟ قال : « إن كان

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٤١ ، باب زكاة مال اليتيم ح ٦.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ٢٦ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٨٥ باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح ٧.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ٢٦ ، وسائل الشيعة ٩ / ٨٥ ، باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح ٧.

(٤) الكافي ٣ / ٥٤١ ح ٧ ؛ الإستبصار ٢ / ٢٩ ، ح ٨٤ ؛ تهذيب الأحكام ٤ / ٢٧ ، ح ٦٦ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٨٥ ، باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح ٥.

(٥) تهذيب الأحكام ٤ / ٢٧ ، باب زكاة أموال الأطفال والمجانين ، ح ٤.

(٦) تهذيب الأحكام ٤ / ٣٠ ؛ تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٦٧.

(٧) في ( د ) زيادة : « عن الوصي يزكي ».

(٨) في ( ب ) : « عن الوصيّ » بدل : « يربح ».

(٩) الكافي ٣ / ٥٤٢ ، ح ٢ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٩٠ ، باب عدم وجوب الزكاة في مال المجنون ، واستحبابها إذا اتجر به وليه وإلّا لم تستحب ، ح ١.

(١٠) الكافي ٣ / ٥٤٢ ، ح ٣ ؛ تهذيب الأحكام ٤ / ٣١ ، ح ٨ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٩٠ ، باب عدم وجوب الزكاة

٩

أخوها يتّجر به فعليه زكاة ».

وقضية إطلاق منطوق الأولى ومفهوم الثانية عدم ثبوت الزكاة في أموال المجانين مطلقا إلّا في صورة الاتّجار به ، إلّا أنّه يمكن المناقشة بدعوى ظهورهما في النقدين. وفيه تأمّل.

ثمّ إنّ الحكم المذكور بالنسبة إلى النقدين ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

وقد حكى إجماعهم عليه جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (١) والفاضلان في المعتبر (٢) والمنتهى (٣) والشهيد الثاني في الروضة (٤) وسبطه في المدارك (٥).

ويدلّ عليه بعد ذلك الروايات المستفيضة ، وقد أشرنا إلى جملة منها.

وقد يعزى إلى ظاهر الطوسي وجوب الزكاة فيهما في مال الطفل حيث أطلق إيجاب الزكاة في ماله ، وليس كذلك لنصّه بعد الإطلاق المذكور بعدم وجوب الزكاة في مال الطفل والمجنون من الذهب والفضّة.

واختلفوا في وجوب الزكاة في غلات الأطفال ومواشيهم ، فعن الشيخين والقاضي (٦) والحلبي (٧) والطوسي (٨) القول بالوجوب.

وعزاه السيد في الناصريات (٩) إلى أكثر أصحابنا.

وحكاه العامّة عن أمير المؤمنين ومولانا الحسن عليهما‌السلام.

وعن القديمين والسيد والديلمي والحلّي القول بالعدم.

__________________

في مال المجنون واستحبابها إذا اتّجر به وليه وإلّا لم تستحب ، ح ٢.

(١) الخلاف ٢ / ٤١.

(٢) المعتبر ٢ / ٤٨٧.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٥٣٢.

(٤) في ( ب ) : « الروض ».

(٥) المدارك ٥ / ١٥.

(٦) المهذب ١ / ١٦٨.

(٧) غنية النزوع : ١١٩.

(٨) الاقتصاد : ٢٧٨.

(٩) الناصريات : ٢٨١ المسألة ١٢٢.

١٠

واختاره الفاضلان والشهيدان وعامّة المتأخرين بلا خلاف يظهر بينهم.

وفي غيرة أنه المشهور بين المتأخرين.

وفي المنتقى : ويعزى إلى أكثر القدماء المصير إلى نفي وجوب الزكاة في غلات الطفل.

والأظهر لما عرفت من إطلاق الروايات سيّما ما دلّ على ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة الدالّ على اتحاد المناط فيهما ، وخصوص موثقة أبي بصير : « ليس في مال اليتيم زكاة » و « ليس عليه صلاة » و « ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة ، فإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة » و « ليس عليه لما يستقبل حتى يدرك ، وإذا (١) أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس ».

مضافا إلى تأيده بالأصل ، والاستصحاب ، والشهرة المتأخرة.

حجة الجماعة : صحيحة الفاضلين ، عن الصادقين عليه‌السلام (٢) أنّهما قالا : « اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء وأمّا الغلات فانّ عليها الصدقة واجبة ».

مضافا إلى موافقته للاحتياط كما ذكره في النافع ، بل ربّما يحتج بالاحتياط كما قد يستفاد من المعتبر (٣) ؛ نظرا إلى دوران الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب ؛ لضعف البناء على عدم الثبوت مطلقا.

ولا يخفى ضعفه ؛ إذ بعد تسليم موافقته للاحتياط لا دليل على وجوب البناء عليه.

والرواية كما ترى غير صريحة في الوجوب المصطلح ، فلتحمل على مطلق الثبوت المراد بها الندب في المقام ؛ جمعا بينها وبين ما دلّ على عدم الوجوب ممّا تقدّمت الإشارة إليه.

مضافا إلى موافقتها للعامة حيث إنّ القول به مذهب فقهاء الجمهور كما حكاه في المنتهى (٤) ، وعزاه في المعتبر (٥) إلى أئمتهم الثلاثة.

__________________

(١) في ( د ) : « إذ ».

(٢) الاستبصار ٢ / ٣١ ، باب وجوب الزكاة في غلات اليتيم ، ح ٢ (٩٠) ؛ تهذيب الأحكام ٤ / ٢٩ ، ح ٧٢.

(٣) المعتبر ٢ / ٤٨٧.

(٤) منتهى المطلب ١ / ٤٧٢.

(٥) المعتبر ٢ / ٤٨٧.

١١

على أنّ الرواية إنّما تفيد ثبوتها في الغلات دون المواشي ، فلا توافق تمام المدّعى ، بل تفيد عدم الوجوب في المواشي إن لم نجعل قوله « والصامت » عطف تفسير لقوله « في العين » كما هو ظاهر العطف ، والظاهر من رجحان التأسيس على التأكيد.

نعم ، روي ذلك في بعض الطرق « ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شي‌ء » (٦).

وحينئذ ربّما يفيد ثبوته في المواشي لمفهوم الوصف. ورواه في المعتبر هكذا : « ليس في مال اليتيم العين شي‌ء » (٧).

وقد اعترف جماعة منهم الفاضلان في المعتبر (٨) والمنتهى (٩) والسيد في المدارك (١٠) بعدم الوقوف على مستند لهم في ذلك.

وقد يحتج لهم بالإطلاقات الدالّة على ثبوت الزكاة في المواشي ممّا أشرنا إليها ؛ لعدم اختصاصها بمال البالغ ، ومفهوم الوصف المتقدم.

ويضعفه ما عرفت ممّا دلّ على عدم ثبوت الزكاة في مال الطفل مطلقا سيّما الموثقة المتقدمة ، وكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه لا ينافي الاحتجاج بها ؛ لوضوح قوّة تلك العمومات وأظهر منها في الإطلاق ، وموافقتها للمشهور.

وعلى فرض تكافئهما فالمرجع حينئذ إلى الأصل ، وهو كاف في المقام.

وما ذكر من مفهوم الوصف فمع ضعفه في الدلالة بل عدم حجيته كما هو الأظهر موهون باضطراب متن الرواية في المقام.

على أن قوله « وأمّا الغلات فإن عليها الخ » قد يفيد بمفهوم المخالفة عدم وجوبها في

__________________

(٦) الكافي ٣ / ٥٤١ ، باب زكاة مال اليتيم ح ٥.

(٧) المعتبر ٢ / ٤٨٧.

(٨) المعتبر ٢ / ٤٨٧.

(٩) منتهى المطلب ١ / ٤٧٢.

(١٠) مدارك الأحكام ٥ / ٢٠.

١٢

غيرها.

واختلفوا أيضا في غلات المجنون ومواشيه ، فعن الشيخين (١) والقاضي (٢) والحلبي (٣) إلحاقه بالطفل. واعترف جماعة بعدم العثور على مستنده سوى حمله على الطفل ؛ لاشتراكهما في عدم التكليف. وهو كما ترى قياس لا نقول به.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل بيّن على ثبوت الزكاة في مواشي الطفل أيضا.

وأنت خبير بأنّه يمكن الاحتجاج لهم بالإطلاقات المتقدّمة مع استظهار اختصاص ما دلّ على سقوط الزكاة عن المجنون بالنقدين حسبما مرّت الإشارة إليه ، فيبقى الباقي تحت الإطلاقات من غير ظهور ما يقيّدها.

ويدفعه أنّ ظاهر إطلاق الروايتين المذكورتين يعمّ الجميع. ودعوى انصرافهما على النقدين غير مسموعة.

نعم ، لا يخلو ظاهره عن إشعار بذلك ، وكونه صارفا للعبارة عن ظاهر إطلاقها غير ظاهر ، سيّما مع اعتضاده بالأصل ، والشهرة بين الأصحاب ، وموافقته لما ورد في الطفل ؛ لاشتراكهما في انتفاء التكليف.

مضافا إلى ما دلّ على كون التكليف بالزكاة ملازما للتكليف بالصلاة.

كما هو ظاهر صحيحة يونس بن يعقوب المتقدّمة.

ويومي إليه الموثقة المذكورة وصحيحة الفضلاء عن الصادقين (٤) عليهم‌السلام قال (٥) : « فرض الله عزوجل الزكاة مع الصلاة في الأموال ».

فيفيد ذلك كون المناط في ارتفاعه عن الصبي هو انتفاء التكليف الحاصل في المجنون

__________________

(١) المقنعة : ٣٩ ؛ النهاية : ١٧٤ ؛ الخلاف ١ / ٣١٦ ؛ المبسوط ١ / ١٩٠.

(٢) رياض المسائل ١ / ٢٦٢ ، نقله بعنوان « قيل ».

(٣) غنية النزوع : ١١٨.

(٤) الكافي ٣ / ٥٠٩ ؛ باب ما وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أهل بيته الزكاة عليه ، ح ١ ؛ الإستبصار ٢ / ٣ ، باب ما تجب فيه الزكاة ، ح ٥.

(٥) في ( د ) : « قالوا ».

١٣

أيضا.

[ تتميم ]

هذا ، ولنتمّم (١) الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : أنّه نصّ جماعة باستحباب الزكاة في غلات الطفل والمجنون ومواشيهما ، وربّما يعزى ذلك إلى جميع القائلين بعدم وجوب الزكاة في أموالهما عدا من نشير إلى مخالفته.

وفصّل في الشرائع (٢) بين الطفل والمجنون ، فحكم باستحباب الزكاة في غلات الأوّل ومواشيه دون الثاني. وهو المختار عند جماعة من المتأخرين إلّا في استحبابه في مواشي الطفل ، فاستشكل فيه في المدارك (٣).

وظاهره نفي ذلك ، وهو الظاهر من المحقق الأردبيلي (٤) قدس‌سره.

واستظهره في الذخيرة (٥) ، وهو الأظهر.

أمّا استحبابها في غلات الطفل فللصحيحة المتقدّمة المحمولة على الندب بملاحظة ما مرّ.

وقد يناقش بأنّ ظاهر الرواية الوجوب ، وعدم مكافئتها لما دلّ على عدم الوجوب إنّما يقضي بترجيح الرواية الأخرى عليها.

وحملها على الندب من باب الحمل التبرّعي لا يصحّح الاستناد في ذلك إليه من دون ورود دليل آخر يكون شاهدا على حملها عليه.

ويمكن دفعها بما مرّ من عدم صراحة لفظ الوجوب في الوجوب (٦) المصطلح بخصوصه بل عدم دلالته عليه.

__________________

(١) في ( ألف ) : « لنتم ».

(٢) شرايع الإسلام ١ / ١٠٥.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ٢٢.

(٤) مجمع الفائدة ٤ / ١٢.

(٥) ذخيرة المعاد ٣ / ٤٢١.

(٦) لم ترد في ( ب ) : « في الوجوب ».

١٤

نعم ، في لفظة « على » ظهور في ذلك ، وهو لا يكافئ ما دلّ على عدم الوجوب ، فيكون ذلك قرينة على إرادة الندب منه سيّما بعد اعتضاده بالشهرة المعلومة بل الاتفاق عليه فيما يظهر ؛ إذ لم نعثر على مخالف في مطلق رجحان الإخراج ويلوح حكاية الإجماع عليه من مجمع البرهان (١) فلا مجال للمناقشة في الاستحباب بعد دفع الوجوب بما ذكرنا.

وربّما يلوح من السرائر (٢) منع الاستحباب. وقد عزا في البيان (٣) إلى ظاهره منعه لاستحباب الزكاة في مال الطفل مطلقا.

وضعفه ظاهر ممّا قررناه.

وأمّا عدم استحباب في مواشي الطفل وغلات المجنون ومواشيه فلعدم العثور فيه على مستند كما اعترف به جماعة من المتأخّرين.

ولا مناط في المقام ليمكن تسرية الحكم من غلات الطفل إلى مواشيه ومنه إلى المجنون ، كيف ولو كان كذلك لجرى في تعديه أيضا.

ومجرّد اتّحاد حكم الطفل والمجنون غالبا لا ينهض حجّة شرعيّة حتّى يمكن لذلك انسحاب الحكم من الطفل إليه.

ودعوى عدم الخلاف في اتحاد حكمهما في المقام وجوبا واستحبابا غير ظاهر أيضا.

نعم ، حكى في الإيضاح (٤) عن الطوسي دعوى الإجماع على عدم الفصل بين القول بوجوبه في غلات الطفل ووجوبه في مواشيه. ولا دلالة فيه على عدم الفصل في الاستحباب فلا يصحّ هدم القواعد الثابتة المقرّرة بمجرد الوجوه المذكورة.

والتسامح في أدلّة السنن غير جار في المقام ؛ لدوران الأمر بين المندوب والحرام ؛ لكونه إتلافا لمال المولى عليه من غير مصلحة مالية.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٤ / ٤٠.

(٢) السرائر ١ / ٤٤١.

(٣) البيان : ١٦٥.

(٤) إيضاح الفوائد ١ / ١٦٧.

١٥

نعم ، لو قيل باستحباب إخراجهما للزكاة بعد كمالهما وبقاء العين لم يكن بعيدا.

ثانيها : أنه نصّ جماعة من الأصحاب بأنّه لو اتّجر الولي بمال الطفل لأجله استحب له إخراج الزكاة عنه وإن اتّجر به لنفسه وكان مليا كان له الربح واستحبّ له إخراج الزكاة من نفسه ، وإلّا كان الربح لليتيم ولا زكاة.

وتوضيح المقام : ان المتّجر بمال الطفل إمّا أن يكون وليا ومن بمنزلته أو لا ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون مليا أو لا ، وعلى التقادير إمّا أن يكون (١) الاتّجار للطفل أو لا ، وعلى صور عدم الولاية إمّا أن يتعقّبه الإجازة من الولي للمتّجر أو للطفل أو لا.

ثمّ إنّه إمّا أن يكون في ضمان مال الطفل أو وقوع المعاملة (٢) مصلحة له أو دفع مفسدة عنه أو لا. ولنفصّل الكلام في ذلك برسم مسائل :

الأولى : أن يكون الاتّجار من الولي للطفل ، ويكون الربح حينئذ للطفل. ويستحب للولي إخراج الزكاة عنه مع حصول الشرائط الآتية في زكاة التجارة ، على المعروف من المذهب.

وعزاه في المعتبر (٣) إلى علمائنا أجمع.

وفي المنتهى (٤) : أنّ عليه فتوى علمائنا.

وعن الغنية (٥) ونهاية (٦) الإحكام حكاية الإجماع عليه.

ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة :

منها : الصحيح (٧) : هل على مال اليتيم زكاة؟ قال : « لا إلّا أن يتّجر به أو تعمل به ».

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « الاتّجار ... أن يكون ».

(٢) في ( د ) زيادة : « له ».

(٣) المعتبر ٢ / ٤٨٧.

(٤) منتهى المطلب ١ / ٤٧٢.

(٥) غنية النزوع : ١٢٨.

(٦) نهاية الإحكام ٢ / ٢٩٩.

(٧) الكافي ٣ / ٥٤١ باب زكاة مال اليتيم ، ح ٣ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٨٧ ، باب أنّ من اتجر بما الطفل ح

١٦

وفي صحيحة الآخرين (١) : « ليس على مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به ، فإن اتّجر به ففيه الزكاة ، والربح لليتيم ، وعلى التاجر ضمان المال ».

وقضية ذيل الرواية كون المفروض فيها وقوع الاتّجار عن غير الولي أو عنه لا على الوجه المشروع ، وإلّا فلا وجه للضمان.

وكيف كان ، فهي حينئذ تدل (٢) على المدّعى بالأولى.

وفي الخبر : « ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به ، فإن اتّجر به فالربح لليتيم ، وإن وضع فعلى الذي يتّجر به ».

وهذه الرواية كالرواية السابقة دلالتها (٣) على المدّعى بالأولوية المذكورة.

وفي صحيحة يونس بن يعقوب : أرسلت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام : وقد مرّت الاشارة إليه ، إلى أن قال : قلت : فما لم يجب عليهم الصلاة؟ قال : « إذا اتّجر به فزكاة ».

وفي الصحيح (٤) إلى عمر بن أبي شعبة ، عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن مال اليتيم؟ فقال : « لا زكاة عليه إلّا أن يعمل به ».

وبهذه الروايات المستفيضة المؤيّدة بعمل الطائفة تقيّد الإطلاقات الكثيرة الدالّة على نفي الزكاة عن مال اليتيم كما هو قضية الأصل في حمل المطلق على المقيّد.

وقد يستشكل في المقام بأنّ ثبوت الزكاة هنا فرع ثبوتها في مال التجارة ؛ إذ لا يزيد حكم مال الطفل على غيره ، والأخبار هناك مختلفة. وحيث إنّ ثبوت الزكاة فيه مذهب العامّة وظاهر الأخبار الواردة هناك هو الوجوب أيضا على طبق ما ذهبوا إليه فيحتمل حينئذ قويّا

__________________

١١٥٨٧.

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٦ ، ح ١٥٩٩.

(٢) في ( د ) : « تدل حينئذ ».

(٣) في ( د ) : « فدلالتها ».

(٤) تهذيب الأحكام ٤ / ٢٧ باب زكاة اموال الاطفال والمجانين ، ح ٥ ؛ وسائل الشيعة ٩ / ٨٦ ، باب وجوبها على البالغ العاقل ، ح ١٠.

١٧

حمل تلك الأخبار على التقية ، وكذا في (١) المقام حيث إنّه العمدة في وجه اختلاف الأخبار. ومع حملها على التقيّة لا يبقى فيها حجة على ما ذكروه ، فلا يتجه القول باستحباب زكاة التجارة ، ومعه فلا يتم الكلام المذكور في المقام.

على أنّه قد يجري الكلام المذكور في المقام أيضا ؛ لما عرفت من الإطلاقات النافية للزكاة في مال الأيتام الظاهرة في نفيها على سبيل الوجوب والاستحباب.

وأنت خبير بأنّ الإشكال المذكور وإن كان متّجها إلّا أن شهرة القول باستحباب زكاة التجارة بين علمائنا قديما وحديثا شاهد على حمل تلك الروايات على الاستحباب.

مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب ، فيمكن جعل الأخبار النافية للوجوب قرينة على إرادة الندب منها كما سيجي‌ء الإشارة إليها إن شاء الله.

والأخبار الواردة في المقام مؤيّدة لذلك ، ولا معارض لها سوى الإطلاقات.

ويؤيّده اشتهار الحكم به في المقام ، وما عرفت من الإجماعات المحكية.

وليست الروايات في المقام صريحة في الوجوب ليبعد حملها على الندب ، بل غاية الأمر ظهورها في الوجوب.

وحملها على الندب بعد ملاحظة ما دلّ على عدم الوجوب في غاية القرب ، بل ذلك هو الشاهد على الحمل المذكور ؛ لكون بعض أخبارهم عليهم‌السلام كاشفا عن بعض.

مضافا إلى ظهور بعضها في الاستحباب كصحيحة يونس بن يعقوب النافية لوجوب الزكاة في مال اليتيم المشتملة على ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة ؛ فإنّ قوله عليه‌السلام بعد نفيه الوجوب بأبلغ وجه « إذا اتّجر به فزكاة » في كمال الظهور في إرادة الندب كما لا يخفى.

وظاهر عبارة المقنع (٢) والمقنعة (٣) القول بوجوب الزكاة حينئذ إلّا أنّ الشيخ في التهذيب (٤)

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « وكذا في ... التقيّة ».

(٢) المقنع : ١٦٢ ، باب زكاة مال اليتيم.

(٣) المقنعة : ٢٣٨.

(٤) تهذيب الأحكام ٤ / ٢٦ ، باب زكاة أموال الأطفال والمجانين ، ح ٥.

١٨

حمل عبارة شيخه على إرادة الاستحباب ؛ إذ لا يزيد حكم مال الطفل على أموال البالغين ، وزكاة التجارة غير واجبة عليهم فكيف يجب في أموال الأطفال.

على أنّ « لفظ الوجوب » في كلام الأوائل غير صريح في الوجوب المصطلح ، فكثيرا ما يراد به الندب.

ولا يبعد الحمل المذكور في عبارة المقنع أيضا ، وإن لم يعتبر هناك بلفظ الوجوب ؛ نظرا إلى نصّه أوّلا بأنّه لا يجب الزكاة فيما عدا الأمور التسعة ، فيكون ذلك قرينة على إرادة الندب في المقام.

ومنه يظهر بعد ما يعزى إلى الصدوق من القول بوجوب زكاة التجارة كما سيجي‌ء الإشارة إليه إن شاء الله.

هذا ، ويلوح من الحلي في كتاب الزكاة من السرائر (١) إنكاره لاستحباب الزكاة في المقام.

وبه صرّح في باب التصرّف في أموال اليتامى (٢) معلّلا بأنّه لا دلالة عليه من كتاب ولا سنّة مقطوع بها ولا إجماع ، وأنّه لا يجوز التصرّف إلّا فيما فيه مصلحة لهم ، ولا مصلحة لهم في ذلك.

وقد نفى البعد في المدارك (٣) من المصير إليه ؛ نظرا إلى أنّ ما استدلّ به على الاستحباب غير نقيّ الإسناد ، بل ولا واضح الدلالة.

مضافا إلى الاحتياط حيث إنّه لا مجال لاحتمال الوجوب ، فيدور الأمر فيه بين الحرمة والاستحباب.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ ما ذكره من الطعن في أسانيد الأخبار الدالّة عليه غير ظاهرة ؛ لاعتبار أسانيد جملة من تلك الأخبار سيّما مع اعتضادها بعمل الأصحاب ، وما ذكر من الإجماعات ، وما ذكره من المناقشة في الدلالة بعد ما عرفت فيه. والاحتياط ليس دليلا

__________________

(١) السرائر ١ / ٤٤١.

(٢) السرائر ٢ / ٢١١.

(٣) مدارك الأحكام ٥ / ١٨.

١٩

شرعيّا بعد قيام الحجة على الاستحباب وإن كانت مراعاتها أولى ؛ لما عرفت ، وللخروج عن الخلاف.

وممّا قرّرنا ظهر ضعف ما ذكره الحلي في المقام.

نعم ، هو جيّد على أصله من إنكار العمل بأخبار الآحاد.

ثمّ لا يخفى أن ظاهر إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يعمّ ما إذا كان الاتّجار للطفل مجّانا أو بعوض خارجي أو من الربح وإن اتّفق استيعابه له.

نعم ، لو بنى الاتّجار على استيعاب الأجرة للربح أو زيادتها عليه كما لو جعل تمام الربح للعامل فيما إذا كان هناك مصلحة قاضية بذلك أو كان في عدم تحريك مال الطفل مفسدة عليه ، فربّما أشكل الحكم المذكور ؛ لاحتمال خروج ذلك من موضوع الاتّجار للطفل حيث إنّه لم يقصد به حصول ربح (١).

وقد يقال بصدق الاتّجار بماله حينئذ ، وقد جعل ذلك مناطا للحكم في عدّة من الأخبار ، إلّا انّه لا يبعد انصرافه إلى غير الفرض المذكور.

وكيف كان ، فشمول الاستحباب للصورة المفروضة محلّ خفا ، والأصول الشرعيّة قاضية بعدمه.

الثانية : أن يكون الاتّجار للطفل من غير الولي ـ مليا كان أو غيره ـ وحينئذ فإن لحقه إجازة الولي صحّت (٢) المعاملة وكان الربح للطفل. ولا يبعد إلحاقه حينئذ بالمسألة المتقدّمة ، فيتّجه اندراجه تحت روايات المسألة ، بل ظاهر صحيحة الآخرين والتي بعدها ورودها في ذلك كما أشرنا إليه.

وإطلاق ما ذكر فيهما وفي غيرهما من كون الربح لليتيم مبنيّ على وقوعه على وفق المصلحة ، فيلحقه إجازة الولي.

ويحتمل أن يكون الاتّجار من الولي لأجل الطفل حسبما أشرنا إليه ، وحينئذ فلا حاجة

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « له ».

(٢) في النسخ : « صحة » بالتاء المدوّرة ».

٢٠