تبصرة الفقهاء - ج ٣

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-020-0
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٤٣٨

ثمّ بعد البناء على التغريم هل يتعين على الوارث إخراج الزكاة من غير العين إذا تمكّن منه؟ وجهان ؛ أظهرهما عدمه لتعلّق (١) الزكاة بالعين ، ومعه يسقط حقّ الديان في حصّة الزكاة ، فيغرمه الوارث.

وحكى في المدارك قولا باليقين ؛ إذ لا فائدة في الإخراج من العين ثمّ الغرم.

وضعفه ظاهر ؛ إذ انتفاء الفائدة لا يقضي بوجوب ذلك عليه على أنّه قد يترتب عليه فائدة للورثة.

نعم ، قد يوجّه ذلك بثبوت حقّ الديّان في العين ، فلا يسقط بمجرّد تعلّق الزكاة لإمكان دفعها من الخارج فيستصحب منعهم من التصرّف في العين من دون إذن الديّان.

ويدفعه إذن ما مرّ من الكلام.

وأمّا إذا لم تكن العين الزكويّة موجودة حين الوفاة كما إذا ظهرت الثمرة بعد موته فإن قلنا ببقاء التركة على حكم مال الميّت إلى أن يستوفي المديون فقد يقال : انّه لا زكاة فيه بالنسبة إلى الميّت ولا الورثة حسبما مرّ.

ولذا أطلق في الشرائع سقوط الزكاة في المقام. ونصّ في المنتهى بسقوط الزكاة ولو حصل تعدد النصاب ؛ معلّلا بأنّها في حكم مال (٢) الميت.

ونصّ عليه أيضا في التحرير إلّا أنّه لم يعلّله بذلك.

ويشكل بأنّه إن بني على كون التركة في حكم مال الميّت ولو كانت زائدة على مقدار الدين فالأمر كذلك ، وأمّا (٣) إن خصّ ذلك بما يقابل الدين ويساويه فلا يتم التفريع.

وإن قلنا بانتقالها إلى الوارث فقد قطع في المدارك (٤) حينئذ بوجوب الزكاة على الوارث لحدوثها في ملكه ، قال : ولا يتعلّق بها الدين فيما قطع به الأصحاب ؛ لأنّها ليست جزء من

__________________

(١) في ( ب ) : « عدم تعلّق » بدل : « عدمه لتعلّق ».

(٢) في ( ألف ) : « حال ».

(٣) في ( د ) : « فامّا ».

(٤) مدارك الأحكام ٥ / ١٥٤.

١٠١

التركة.

وما ذكره رحمه‌الله محلّ منع.

وما جعله من مقطوع الأصحاب لم نعثر عليه ، بل لم نجد من (١) أفتى بعدم تعلّق الدين بها سوى ما في المنتهى (٢) حيث حكم بوجوب الزكاة في ثمر النخل لو مات المالك قبل اطلاعها لو قلنا بانتقال الملك إلى الورثة ، لكنّه رحمه‌الله لا يختار ذلك.

ولذا قطع قبل ذلك بقليل لعدم وجوبها في الثمرة وإن زادت على الدين أفضل منها مقدار النصاب.

وفي التذكرة (٣) : إن الوجه أن الثمرة للورثة ، لأنّ الدين على ما اخترناه لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة ، والثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلق الدين بها.

وهو كما ترى ليس قطعا بالحكم.

واحتمال كون الثمرة بمنزلة الأصل إذا كان في الدين ما يقابلها وجه وجيه.

وقد قطع في المسالك (٤) بعدم الفرق في عدم الوجوب حينئذ بين القول بانتقال التركة إلى الوارث أو أنّها على حكم مال الميّت ؛ لأنّه وإن حكم بانتقالها إليه لكن يمنع من التصرّف فيها قبل الوفاة. وهو يشير إلى ما قلناه ؛ إذ لو خلص له الثمرة على القول المذكور لم يعقل منعه من التصرف فيها وفي نهاية الإحكام (٥) : ولو مات قبل بدوّ الصلاح فلا زكاة سواء قلنا بانتقال التركة إلى الوارث أو قلنا إنها على حكم مال الميت ؛ لمنع الوارث من التصرف فيها ، فانتفى شرط الوجوب.

وظاهر إطلاقه يوافق ما حكيناه عن المسالك ، فعلى هذا الوجه ينزل النماء الحاصل بعد

__________________

(١) ليس في ( د ) : « من ».

(٢) منتهى المطلب ١ / ٤٩٨.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٦٠.

(٤) مسالك الإفهام ١ / ٣٩٧.

(٥) نهاية الإحكام ٢ / ٣١٨.

١٠٢

الوفاة منزلة التركة ، فإن كان الدين مستوعبا للتركة معها أيضا جرى فيه الكلام المتقدّم ، وإن لم يكن مستوعبا أتى فيه ما سنذكره في غير المستوعب إلّا إذا كانت التركة مساوية للدين أو يحتمل حينئذ اختصاص حق الديّان فيه ، فيكون النماء الحاصل مختصا بالوارث ؛ إذ لا يعقل انتقاله إلى الديان ، وتعلّق حقه به أيضا مخالف للأصل.

نعم ، على القول بكونها في حكم مال الميت يجري ذلك أيضا في النماء. ولا يبعد القول بتعلّق حق الديّان بالنماء أيضا ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات.

ويشير إليه استحقاقه في النماء قطعا على فرض تلف الأصل.

وفي المسالك (١) : إنّ الأولى (٢) بناء على الانتقال وجوب الزكاة على الوارث مع بلوغ نفسه (٣) ممّا يزيد على الدين نصابا وإن أمكن عروض الضمان عليه بتلف ما قابل الدين فصارت الأقوال في المقام ثلاثة أظهرها الأخير.

واستقرب في الذخيرة القول بوجوب الزكاة في الثمرة بناء على القول بالانتقال إليه ، ولو قلنا بمنعه من التصرف فيه ؛ نظرا إلى منعه منع ذلك من تعلّق الوجوب كما مرّ.

وقد عرفت ضعفه.

وأمّا إذا لم يكن الدين مستوعبا فإن لم يفضل لكلّ من الورثة أو لبعضهم مقدار النصاب فالحال فيه كصورة الاستيعاب.

وإن فضل فإن قلنا ببقاء التركة قبل أداء الدين على حكم مال الميّت ولو مع زيادتها عليه ، فلا زكاة مطلقا. وكذا إن قلنا بالانتقال إلى الوارث ومنعه من التصرف مطلقا قبل الأداء ؛ لاحتمال التلف قبل الوفاء.

وقد نصّ في المنتهى (٤) والتحرير (٥) على سقوط الزكاة حينئذ عن الوارث معلّلا له في

__________________

(١) مسالك الإفهام ١ / ٣٩٧ ، وفي ( ألف ) : المدارك ، والصحيح ما أدرجناه.

(٢) في ( ألف ) : « الأوّل ».

(٣) في ( ألف ) : « نصيبه ».

(٤) منتهى المطلب ١ / ٤٩٨.

(٥) تحرير الأحكام ١ / ٣٧٥.

١٠٣

الأول بأن التركة على حكم مال الميّت وإن قلنا بعدم حجره فيما زاد على مقدار الدين كما هو الاظهر ؛ بل المتعيّن فيما إذا لم يتمكن من الدفع إلى الديّان فلا إشكال في وجوب الزكاة في القدر الزائد.

وقد نصّ في نهاية الإحكام (٦) على وجوب الزكاة فيه ويمكن القول به بناء على كون التركة في حكم مال الميّت.

والقول بانتقالها إلى الورثة لإمكان القول بذلك فيما يساوى الدين خاصة دون ما يزيد عليه كما أنّه يصح الحكم ، ينبغي الزكاة فيه على القولين كما أشرنا إليه.

فما في البيان (٧) من تفريع ثبوت الزكاة فيه على القول الثاني وعدمه على القول الأول غير واضح.

وأما ما يقابل الدين من التركة فيجري فيه الكلام المتقدم بعينه.

ولو حصل له نماء زكوي جرى فيه أيضا ما قدّمناه.

إلّا أن يمكن القول هنا بوجوب الزكاة في التركة مطلقا إلا أن يبقى منها مقدار الدين ؛ إذ لا يتعين شي‌ء منها للدين ، فللوارث التصرف في كل جزء منها إلى أن يبقى منها مقدار ما يحصل به الوفاء.

هذا على القول بانتقال التركة إلى الوارث لحصول الملكية حينئذ مع القدرة على التصرف بالنسبة إلى كل جزء منها ، وإن لم يكن قادرا على التصرف في الكل.

ومن هنا يقوم احتمال وجوب الزكاة فيما إذا لم يكن الفاضل على الدين مقدار النصاب أيضا ؛ نظرا إلى حصول التمكن من التصرف في النصاب بالنسبة إلى كل جزء منه ، إلّا أنّه موهون بعدم صدق التمكن من التصرف في النصاب عرفا.

وأما على القول بعدم انتقالها إلى الوارث فلا يتم ذلك ؛ لانتفاء الملكية بالنسبة إلى ما

__________________

(٦) نهاية الإحكام ٢ / ٣١٨.

(٧) البيان : ١٦٩.

١٠٤

يقابل الدين.

ثم إنّه لا فرق فيما ذكرناه بين ما إذا كانت العين الزكوية من الغلات أو غيرها ؛ لاتحاد المناط في الكل وإن كان المفروض في كلام كثير منهم فرض المسألة في خصوص الغلات.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها : أنّه لو كان هناك من يدعي دينا على الميت فلا حجز على الورثة من التصرف قبل إثباته ، فإن عجز عن الإثبات فلا كلام ، وإن صالحه الورثة بشي‌ء من التركة كان ذلك بمنزلة انتقال جديد عنهم ، وإن أثبته بعد تعلق الوجوب فإن نقص به حق كل من الورثة عن النصاب كشف ذلك عن سقوط الزكاة ، وإلّا ففي كشف ذلك عن منعهم من التصرف والاكتفاء به في سقوط الزكاة وجه قويّ ؛ نظرا إلى استحقاق الغير فيه ، فهو نظير ما لو رهنه المورث ولم يعلم به الورثة إلّا بعد إثبات المرتهن.

ويحتمل القول بالوجوب لانتقاله إلى الورثة وتمكّنهم من التصرف فيه في ظاهر الشريعة ، فيتعلق به الزكاة.

نعم ، لو قلنا بعدم انتقال المال إلى المورث في مقدار الدين فلا إشكال في سقوط الزكاة لكشفه عن انتفاء الملكية.

ثانيها : أنّه لا يجري ما ذكرناه من سقوط الزكاة بسبب الحجر في حجر المريض عن التصرف فيما يزيد على الثلث أو لا يتعلق الحجر المذكور على القول به إلّا بنحو خاص من التصرف ؛ لأنّه يصدق به كونه ممنوعا من التصرف في المال مطلقا فلا يندرج تحت ما عرفت من الأدلة القاضية بسقوط الزكاة فيما لا يتمكّن من التصرف فيه.

وأما حجز السفيه فالظاهر عدم منعه من تعلق الزكاة بلا خلاف يظهر فيه.

١٠٥

نعم ، في التذكرة (١) : وهل يجب على السفيه؟ الوجه ذلك ، وهو بما يشعر باحتماله سقوط الزكاة فيه إلّا أنّه احتمال ضعيف ؛ لوضوح اندراجه في العمومات وقيام الولي مقامه في التصرفات ، فيكون المال عنده بمنزلة المال في يد الوكيل وليس الحجر عليه لحق الغير ، بل للمحافظة على ماله ، فلا يندرج فيما دل على انتفاء الزكاة مع انتفاء التمكن من التصرف ؛ إذ الظاهر عدم شموله لمثل ذلك.

نعم ، لو لم يتمكن الولي من التصرف فيه قوي انتفاء الزكاة سواء تمكن السفيه من التصرف فيه أو لا ؛ إذ لا عبرة شرعا بتصرفه.

ولو تغلب السفيه على الولي فقبض المال منه ففي تعلق الزكاة بماله وجهان ؛ أوجههما ذلك ؛ إذ الظاهر تعلق الوجوب به وإن تولى الولي إخراجها ؛ إذ لا منافاة بين الأمرين ، والحال فيها كسائر الواجبات المالية المتعلقة بأمواله.

والقول بسقوط جميع تلك الواجبات عنه وتعلّقها بالولي خاصة بعيد جدا.

وحينئذ فاستناد السقوط إلى فعله بارتفاع تمكّن الولي من جهته بعيد.

وقد يقال حينئذ بكونه متمكّنا من التصرف في المال بتمكين الولي منه ، فتأمّل.

ويتفرع على ما قلناه أنّه لو علم السفيه بوجود المال دون الولي وجب عليه الزكاة ، ولزمه إعلام الولي ليدفعها عنه بخلاف ما لو قلنا بكون المناط فيه ملاحظة حال الولي.

ومنها : لو امتنع من عليه التصرف في العين من جهة اشتراط ما ينافيه في العقد اللازم سواء كان في ضمن العقد الناقل لعينه أو في ضمن عقد آخر ، كما إذا باعه العين الزكوية وشرط عليه أن يبقي العين عنده مدة معلومة ، فلا زكاة عليه في تلك المدة.

ولا يجري في الحول قبل مضيّها ؛ لعدم تمكنه شرعا من التصرفات الناقلة للعين ؛ لتعلق حق الغير حينئذ من جهة الاشتراط ، بناء على وجوب الوفاء بالشروط المذكورة ، ومن ذلك وجوب إبقائه المشتري لعين المبيع وعدم جواز تصرفه فيها بما ينقلها عنه أو يوجب إتلافها في

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٦.

١٠٦

زمن الخيار المشترط للبائع ؛ فإنه إنّما يثبت ذلك من جهة اشتمال اشتراط الخيار على الاشتراط المذكور بحسب فهم العرف ؛ نظرا إلى جريان الطريقة على ذلك بحيث يفهم ذلك عرفا من اشتراط الخيار ، لا أنّ مجرد وجود الخيار قاض بالمنع منه ؛ نظرا إلى كونه حقا للغير ثابتا فيه ، فلا يجوز التصرف بما ينافيه ؛ لوضوح أن تصرفه في العين لا يقضي بسقوط خيار الآخر وإن أسقط خياره في العين. ولا اختصاص للخيار الثابت له في العقد بذلك.

فغاية الأمر رجوعه عليه بعد الفسخ بعوضه من مثله أو قيمته. كيف ولو كان مجرد ثبوت الخيار قاضيا بذلك لجرى في غير خيار الشرط من سائر الخيارات كخيار الغبن والعيب وتفريق الصفقة وغيرها.

والظاهر أنّ أحدا لا يقول فيها بذلك.

ثم إنّ المنصوص في كلام جماعة من الأصحاب جريان النصاب في الحول أو وجوب الزكاة فيه في زمن الخيار الحاصل للبائع ، أو له وللمشتري.

وقد أفتى به الفاضلان في الشرائع (١) والمعتبر (٢) والمنتهى (٣) والتذكرة (٤) والتحرير (٥) والقواعد (٦) ونهاية الإحكام (٧) والشهيد في الدروس (٨) والبيان (٩) وغيرهم.

والظاهر ابتناء ذلك على جواز تصرفات المالك فيه مع حصول الخيار كما هو أحد القولين في المسألة.

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ / ١٠٦.

(٢) المعتبر ٢ / ٥٦٢.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٤٧٨.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٤.

(٥) تحرير الأحكام ١ / ٣٥٠.

(٦) قواعد الأحكام ١ / ٣٣٠.

(٧) نهاية الإحكام ٢ / ٣١٤.

(٨) الدروس ١ / ٢٣٠.

(٩) البيان : ١٦٧.

١٠٧

وقد نص عليه في الإيضاح (١) حيث علّل جريانه في الحول من حين العقد بتمكنه من سائر التصرفات بالعقد ، لكن قطع العلامة في القواعد (٢) بعدم جواز تصرفاته من البيع والهبة والوقف.

وفي الدروس (٣) أنّ فيه وجهين.

وحينئذ فالقطع بثبوت الزكاة في المقام لا يوافق ما تقرّر عندهم من اشتراط الوجوب بإمكان التصرف.

ولذا اتّجه في المسالك (٤) قول الشيخ ، وإن لم يقل بصحة مبناه ؛ لابتنائه عنده على عدم حصول إمكان التصرف في المقام على حسبما قرّرناه.

ويتفرع على ذلك عدم وجوب الزكاة هنا لا على البائع ولا على المشتري ؛ لانتفاء الملكية بالنسبة إلى أحدهما وانتفاء التمكن من التصرف بالنسبة إلى الآخر.

وقد نبّه عليه في المدارك (٥) أيضا ، قال : فإن ثبت أنّ ذلك ـ يعني عدم التمكن من التصرف ـ مانع من وجوب الزكاة اتّجه [ اعتبار ] انتفاء خيار [ البائع لذلك ] (٦).

وهذا هو المتّجه حسبما قرّرناه.

فما في الذخيرة (٧) من أنّ منع المشتري من التصرفات المنافية لخيار البائع كالبيع والهبة والإجارة يقتضي عدم صرف الزكاة في الفقراء إلّا بعد انقضاء الخيار ، لا عدم جريانه في الحول قبله ليس على ما ينبغي.

وما ذكره مبني على عدم منع المنع من التصرف من وجوب الزكاة.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ / ١٦٩.

(٢) قواعد الأحكام ١ / ٣٣٠.

(٣) الدروس ١ / ٢٣٠.

(٤) مسالك الإفهام ١ / ٣٦٠.

(٥) مدارك الأحكام ٥ / ٢٩.

(٦) الزيادات من المصدر.

(٧) ذخيرة المعاد ٣ / ٤٢٣.

١٠٨

وقد عرفت ضعفه من ذلك ما لو باعه جنسا زكويّا في الذمّة وشرط عليه أداءه من عين معلومة مع عدم زيادة ذلك العين عن المبيع بمقدار النصاب ؛ نظرا إلى تعيّن صرفها في ذلك (١) وعدم جواز إتلافه لها لو (٢) تصرّفه فيها بسائر الوجوه المنافية لدفعها إليه ، سيّما إذا لم يف الحاصل بوفاء الدين وأداء الزكاة فلا يتعلّق به الزكاة مع سبق الحق الآخر.

ولا فرق في ذلك بين ما يعتبر فيه الحول وغيره.

وقد يشكل ذلك بأنّ مجرّد الاشتراط المذكور لا يقضي بارتفاع سلطان البائع على ما شرط الدفع منه حسبما ذكر. غاية الأمر أن يجب عليه مراعاة ذلك ، وهو لا يقضي بفساد تصرّفاته في العين وإن كانت محرّمة.

ومجرّد ذلك لا يقضي بارتفاع الزكاة. كيف ، ولو كان صرف المال في مصرف معيّن مانعا من الزكاة لزم أن لا يتعلّق الزكاة بمال المديون إذا لم يتمكّن من أداء الدين إلّا بدفع ما عنده من النصاب ، وكان الديّان متقاضيا لحقّه ؛ لعدم تمكّنه من التصرّف فيه إلّا في الوجه المذكور مع إطباق الأصحاب على خلافه.

نعم ، هناك خلاف للعامّة قد أشاروا إليه وحكموا بفساده.

ويدفعه أنّ هناك فرقا بيّنا بين المقامين ؛ لتعلّق حق المشتري هنا بالعين ، نظرا إلى الاشتراط المذكور دون ما إذا انحصر أداء الحق في دفع النصاب ؛ إذ لا يتعلّق الحق حينئذ بالعين ، وإن تعيّن رفعها (٣) في ذلك ، فلا مانع فيه من تعلّق الزكاة بالعين بخلاف ما نحن فيه.

ولو زادت العين المفروضة عن القدر المشترط بمقدار النصاب وجبت الزكاة في الزائد ؛ لانتفاء المانع وسقطت القدر المشترط لما عرفت.

وقد يستشكل فيه من جهة حصول التمكّن من التصرّف بالنسبة إلى كلّ جزء ؛ نظرا إلى تخييره في التعيين.

__________________

(١) الواو زيدت من ( د ).

(٢) في ( د ) « أو ».

(٣) في ( د ) : « دفعها ».

١٠٩

وفيه : أنّ ذلك لا ينافي صدق كونه ممنوعا من التصرّف في ذلك المقدار.

كيف ، وهو ممنوع من التصرف في المجموع ، وليس ذلك إلّا لامتناع تصرّفه في ذلك البعض ، ولا يقضي ذلك بامتناع تصرّفه في الجميع ؛ ليكون قاضيا بسقوط الزكاة عليها (١) بالمرّة كما لا يخفى.

ولو تلف حينئذ شي‌ء من ملك العين فإن كان قبل حلول الحول ولم يكن الزائد حينئذ بمقدار النصاب فلا زكاة فلا زكاة بالمرة بالمرّة ، وإن كان بعد حلوله قضى ذلك بسقوط الزكاة عن العين بالنسبة ، وإن كان الباقي بمقدار وفاء الحق أو دونه قسط عليه وعلى الزكاة.

وفي وجوب دفع الزكاة حينئذ من غير العين وجه قوي.

فإن لم يدفع أو لم يتمكّن منه تخيّر المشتري لانتفاء الشرط أو في الثاني بأداء الحق ، وإلا تخيّر مطلقا.

وأمّا القسم الثاني فيندرج فيه أيضا أمور :

منها : نذر الصدقة بعين النصاب ، سواء تعلّق به بخصوصه أو اندرج في جملة المنذور.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب ـ من غير خلاف يعرف فيه ـ على سقوط الزكاة حينئذ عن النصاب : منهم الشيخ في المبسوط ، والمحقّق في الشرائع (٢) والمعتبر ، والعلامة في المنتهى (٣) والتذكرة (٤) والتحرير (٥) والقواعد (٦) ونهاية الإحكام (٧) ، وولده في الإيضاح (٨) ، والشهيدان في

__________________

(١) في ( د ) : « عنها ».

(٢) شرائع الإسلام ١ / ١٠٦.

(٣) منتهى المطلب ١ / ٤٧٨.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٥.

(٥) تحرير الأحكام ١ / ٣٤٩.

(٦) قواعد الاحكام ١ / ٣٣٠.

(٧) نهاية الإحكام ٢ / ٣٠٥.

(٨) إيضاح الفوائد ١ / ١٦٩.

١١٠

البيان (١) والمسالك (٢) والروضة ، والمحقق الكركي (٣) وصاحب المدارك (٤) وغيرهم.

وذلك لتعيّن صرفه في النذر وعدم جواز صرفه في غير ذلك ، فلا يتمكّن من التصرّف فيه ، وإن تعيب الملكيّة كما نصّ عليه جماعة منهم العلّامة في التذكرة والنهاية ، والشهيد الثاني في المسالك ، والسيد في المدارك.

وربّما يظهر من المنتهى خروجه عن الملك بمجرّد ذلك. وكأنه أراد به الملك التام.

وقد يشكل في المقام أن القدر الثابت بالنذر إنّما هو وجوب صرفه في المصرف المنذور.

وهو لا يقضي بعدم صحّة سائر التصرفات المتعلّقة به ممّا يخالف ذلك إذا قضاه وقوع الحنث به.

وهذا المقدار وغيره كاف (٥) في سقوط الزكاة. كيف ، ولو كان تعيّن المصرف شرعا موجبا لنقص الملكيّة والخروج عن التمكّن من التصرّف لجرى في مواضع لا يقولون به كما مرّت الإشارة إليه.

نعم ، لو قلنا بفساد بيع المنذور وسائر التصرفات المخالفة لجهة النذر تمّ ذلك ، لكن لم نجد إلى الآن دليلا صالحا يفي بذلك لاندراجه في الإطلاقات ، والنهي إنّما تعلّق به لأمر خارج عن حقيقة المعاملة ، فلا يقضي بالفساد.

وقد يعلّل ذلك بوجه آخر ، وهو أن يقال : إنّه بعد تعلّق النذر بالنصاب وانعقاده يتعيّن عليه شرعا صرفه في ذلك فلا يجوز (٦) صرفه في غيره ، ومن جملته الصرف في الزكاة ، فلا مجال لتعلّق الزكاة به.

__________________

(١) البيان : ١٦٦.

(٢) مسالك الإفهام ١ / ٣٦٠.

(٣) جامع المقاصد ٣ / ٧.

(٤) مدارك الأحكام ٥ / ٣١.

(٥) في ( ب ) : « المقام » بدل : « المقدار وغيره كاف ».

(٦) في ( د ) : زيادة « له ».

١١١

وكأنّ هذا مراد صاحب المدارك (١) حيث قطع في المقام بسقوط الزكاة معلّلا بتعيّنه للصدقة وامتناع التصرف فيه بغيرها ؛ نظرا إلى عدم قيام دليل عنده على اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرف فيه على سبيل الإطلاق ليجري عليه في موارده.

ولذا استشكل في مقامات عديدة بعد تسليمه عدم إمكان التصرف شرعا.

وفيه : أنّ ذلك إنّما يتمّ لو ثبت تعيّن صرفه في ذلك ولو بعد حولان الحول. ولا دليل عليه سوى الإطلاق.

وهو معارض بإطلاقات (٢) الزكاة الموجبة لصرف حصّة منه في مصرف الزكاة.

ويمكن ترجيحها بأنّ وجوب الزكاة إنّما ثبت بأصل الشرع ، فلا يعارضه الوجوب العارضي ؛ فإن تلك الأسباب إن صارف (٣) محلا قابلا أثرت فيه وإلّا فلا.

ألا ترى أنّه لو عارض الزكاة وجوب صرف المال في سائر الوجوه لم يمنع من وجوبها ، فالاحتجاج المذكور منقوض بذلك ، فالأحسن الاستناد في ذلك إلى تعلّق ذلك (٤) الحق بالعين ( وإن قلنا بعدمه اقتضائه فساد التصرفات المتعلقة بها ، وذلك لأن تعل ذلك الحق بالعين ) (٥) ينافي قبولها لتعلّق الزكاة بها ؛ للمنافاة الظاهرة بين الأمرين.

هذا ، وليس في كلام جماعة من الأصحاب كالديلمي والقاضي والحلبي وابن زهرة والحلّي تعرّضا لنفي الزكاة من جهة تعلّق النذر. وربّما يشعر ذلك بنفيهم منعه من تعلّق الزكاة إلّا أنّه ليس فيه دلالة ظاهرة على ذلك ليصحّ عدّ ذلك خلافا في المقام (٦).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ / ٣١.

(٢) في ( د ) : زيادة « له ».

(٣) في ( د ) : « صادف ».

(٤) ليس في ( د ) : « ذلك ».

(٥) ما بين الهلالين من ( د ).

(٦) في ( د ) زيادة « فتأمل ».

١١٢

[ تتمّة ]

ولنتمّ الكلام في المرام بذكر أمور :

أحدها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين نذر الصدقة أو الصرف في غيرها من وجوه البرّ وغيرها كدفعه عن الزكاة الواجبة عليه أو الخمس أو صرفه في صلة الأرحام ومئونة الأضياف أو في قضاء ما عليه من الدين ونحو ذلك ؛ لاتحاد المناط في الجميع.

ولو نذر أن لا يخرجه عن ملكه أو نذر بيعه أو إجارته ونحو ذلك ففي تسرية الحكم إشكال.

ولم أجد في كلامهم تصريحا بالتعميم.

ثم إنّه لا فرق في ذلك بين النذر والعهد واليمين لاشتراك الكلّ في المعنى.

ثانيها : لو علّق النذر على شرط متوقع كقدوم مسافر أو شفاء مريض ففي جريان الحكم المذكور قبل حصول الشرط قولان ؛ فالمختار عند جماعة منهم العلّامة في النهاية (١) ، وولده في الايضاح (٢) ، والمحقق الكركي (٣) سقوط الزكاة.

وحكى في الايضاح قولا بعدم سقوطها.

واستشكل فيه في التذكرة (٤).

وتنظر فيه في القواعد (٥) والمسالك.

ومبنى المسألة على أن النذر المفروض هل يقضي بالمنع من التصرف في المنذور قبل حصول الشرط أو لا؟ فمنهم من حكم بذلك ، فيتفرع عليه سقوط الزكاة ؛ لما عرفت من اشتراط التمكّن من التصرف في وجوبه.

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ / ٣٠٥.

(٢) إيضاح الفوائد ١ / ١٦٩.

(٣) جامع المقاصد ٣ / ٧.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٦.

(٥) قواعد الأحكام ١ / ٣٣١.

١١٣

وتأمّل فيه في المدارك (١) مع حكمه بمنعه من التصرّفات المانعة لأداء المنذور ؛ نظرا إلى تأمّله في مانعيّة المنع من التصرّفات لوجوب الزكاة مطلقا ، فقال : إن ثبت كون ذلك مانعا لوجوب الزكاة كما ذكره الأصحاب انقطع الحول بمجرّد النذر ، وإلّا وجبت الزكاة مع تمامه ، وكأنّ القدر المخرج من النصاب كالتالف من المنذور ، وتجب الصدقة بالباقي مع حصول الشرط.

وأنت خبير بأنّ المنع الشرعيّ من التصرف في المال إن كان من جهة تعلّق الحق بالعين أمكن جعله مانعا من وجوب الزكاة كما مرّ.

وأمّا مجرّد وجوب تبعيّة المال لصرفه في (٢) مصرف معين من غير تعلّق الحقّ بالعين فليس مانعا من تعلّق الزكاة ، فإن قلنا بكون تعلّق النذر في المقام موجبا لتعلّق حق بالعين مانع من التصرف فيها اتّجه القول بنفي الزكاة هنا.

وإن لم نقل بتعلّق حقّ بالعين لكن أوجبنا إبقاءها استظهارا لتمكّن الوفاء بالنذر (٣) ، وبعد تحقّق ما علّق عليه فلا وجه لانتفاء الزكاة لما عرفت.

فالشأن على القول بمنع المالك من التصرف في العين في تعيين أحد الوجهين المذكورين.

وكأنّ الأظهر هو الأوّل ؛ انصرافا للنذر المفروض عرفا إلى نذر الإتيان بالفعل المذكور عند حصول ما علّق عليه ونذر إبقائه إلى الوقت الذي يمكن فيه حصول ذلك كما مرّ نظيره في اشتراط الخيار في وقت معيّن ـ مطلقا أو عند حصول فعل معين معلوم ـ فإذا انعقد النذر المفروض بتحقّق شرائط النذر تعلّق الحق بالعين ، وكانت مستحقّة للإبقاء ، فلا يمكن تعلّق الزكاة بها.

ثالثها : لو جعل المال المعيّن صدقة بالنذر أو جعل الأغنام المعيّنة ضحايا سقطت

__________________

(١) مدارك الاحكام ٥ / ٣٢.

(٢) في ( ألف ) : « لضرورة » بدلا من « لصرفه في ».

(٣) في ( د ) « بالمنذور ».

١١٤

الزكاة بالأولى ، كما (١) ذكره في القواعد (٢) والتذكرة (٣) ونهاية الإحكام (٤) والمسالك (٥).

وعلّله في الثلاثة الأخيرة بخروجه بذلك عن الملك قاطعا به.

وقد قطع به في البيان (٦) أيضا ، وألحق به ما لو نذر مطلقا ثمّ عيّن.

وفي المدارك (٧) : وأولى منه ما لو جعله صدقة بالنذر ؛ لخروجه عن ملكه بمجرد النذر فيما قطع به الأصحاب.

قلت : لو تمّ ما ذكروه من خروجه عن الملك بذلك فلا إشكال ، لكنّ الشأن في إثباته.

وما في المدارك من كونه مقطوعا به عند الأصحاب غير ظاهر ؛ إذ لم نجد من قطع به سوى العلّامة في عدة من كتبه ، والشهيدان في البيان والمسالك.

وقد تردّد في الدروس (٨) في كتاب النذر في خروجه عن الملك بمجرّد ذلك.

والمسألة مشكلة ، ولتفصيل الكلام فيها مقام آخر.

ثمّ على القول به ففي تملّك التصدق عليه إذا كان معينا بمجرد ذلك إشكال أيضا. ويثمر ذلك في وجوب الزكاة عليه مع حصول سائر الشرائط بالنسبة إليه.

رابعها : لو تعلّق النذر بكلّيّ في الذمة لم يمنع من وجوب الزكاة فيما ملكه من جنس المنذور ، ولو فرض انحصار الوفاء بدفعه ؛ نظرا إلى عدم تعلّق الحق بالعين ، فهو نظير الدين إذا انحصر الوجه في أدائه بدفع ما ملكه من العين.

وقد نصّ على عدم وجوب الزكاة حينئذ جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان في

__________________

(١) زيادة « كما » من ( د ).

(٢) قواعد الأحكام ١ / ٣٣١.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ / ٢٦.

(٤) نهاية الإحكام ٢ / ٣٠٥.

(٥) مسالك الإفهام ١ / ٣٦١.

(٦) البيان / ١٦٦.

(٧) مدارك الأحكام ٥ / ٣١.

(٨) الدروس ٢ / ١٥٥.

١١٥

البيان (١) والمسالك (٢).

ولو عيّن شيئا من جنس المنذور لأدائه ففي تعيّنه لذلك قبل دفعه ليتعلّق الحق بعينه وجهان ؛ أجودهما العدم ؛ للأصل مع عدم قيام دليل صالح على التعيين (٣).

وقد مرّ عن البيان إلحاقه بما إذا تعلّق النذر بالعين.

وكأنّ الوجه أن الحق إذا تعلّق بكلي في الذمة كان تعيينه موكولا إلى اختيار المكلف كما في زكاة المال وزكاة الفطرة.

وفيه : أنه لا كلام في كون تعيينه باختيار الناذر ، وإنّما الشأن في حصول التعين بذلك ولا يلزم من اختياره في التعيين حصول التعين به بنفسه قبل دفعه ، وقضيّة الأصل عدمه. وثبوت الحكم في الزكاة لا يقضي بجريانه في غيرها مع عدم قيام دليل على التعميم.

خامسها : لو تعلّق النذر بجزء مشاع من الأغنام أو بأغنام معينة منها ، فإن لم يكن الباقي بمقدار النصاب جرى فيه الكلام المذكور ، وإن كان الباقي بمقدار النصاب ثبت فيه الزكاة (٤).

__________________

(١) البيان : ١٦٦.

(٢) مسالك الإفهام ١ / ٣٦١.

(٣) في ( د ) « التعيّن ».

(٤) في ( د ) « بياض الاصل ».

١١٦

الباب الثاني (١)

في بيان ما يجب الزكاة فيه وما يستحب

الشرائط المعتبرة في ثبوت الزكاة في كلّ منها

وما يلحق بذلك من الأحكام

تبصرة

[ في بيان ما يجب الزكاة فيه ]

إنّما تجب الزكاة في الأجناس التسعة أعني الأنعام الثلاث ، والغلّات الأربع ، والنقدين دون ما عداها من الأجناس.

أما وجوبها في الأجناس المذكورة فممّا انعقد عليه إجماع الأمة والروايات المستفيضة بل متواترة ، بل لا يبعد عدّه من الضروريات في الجملة.

وأما عدم وجوبها في غيرها هو المعروف من المذهب ، بل لا نعرف فيه مخالفا ممن تأخر عن الاسكافي.

وقد حكى الإجماع عليه في الغنية والذخيرة (٢).

وفي المنتهى (٣) : إنّه مذهب علمائنا أجمع.

ونحوه ما في التذكرة (٤) في الثمار والغلات عدا الأجناس الأربعة والورس والعسل

__________________

(١) لم يذكر المصنف قدس‌سره عنوان الباب الأول ، فتدبّر.

(٢) في ( د ) : « وغيره » ، بدلا من : « الذخيرة ».

(٣) منتهى المطلب ١ / ٤٧٤.

(٤) تذكرة الفقهاء ٥ / ١٧٥.

١١٧

والزيتون والأزهار كالزعفران والقطن.

وفي النهاية (١) : إنّما تجب الزكاة عند علماء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في تسعة أجناس.

وفي المعتبر (٢) : إنّه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد. وحكى الشيخان في الكافي (٣) والإستبصار عن يونس بن عبد الرحمن أنّ ذلك أنما كان في أوّل النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ، ثمّ زاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها سبع ركعات وكذلك الزكاة وضعها وسنّها في أوّل نبوته على تسعة أشياء ثمّ وضعها على جميع الحبوب.

وعن الإسكافي القول بوجوب الزكاة في أرض العشر في كلّ ما دخل القفيز من حنطة وشعير وسمسم وأرز ودخن وذرّة وسلت وسائر الحبوب.

وظاهر كلامه اختصاص الوجوب بما يحصل من أرض الخراج.

وظاهر (٤) المحكي عن يونس تعميم الحكم.

وكيف كان فهما ضعيفان ملحوقان بالاتفاق على خلافه ، لأن تخصيص الحكم بأرض الخراج ممّا لا شاهد عليه في الأخبار.

ثمّ إن الروايات الدالّة على خلافهما كثيرة جدا وفيها المعتبرة.

نعم ، هناك روايات أخر مستفيضة يدلّ على ثبوت الزكاة في غيرها أيضا كقول الصادق : عليه‌السلام « كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب » (٥).

وفي مكاتبة علي بن مهزيار والصحيحة : « الزكاة في كلّ شي‌ء كيل » (٦).

وفي صحيحة أخرى : « وأمّا الأرز فما سقت السماء العشر وما سقى بالدلو فنصف العشر

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ / ٣٢١.

(٢) المعتبر ٢ / ٤٩٣.

(٣) الكافي ٣ / ٥٠٩ ، باب ما وضع رسول الله صلّى الله عليه وعلى أهل بيته الزكاة عليه ح ٢.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « وظاهر ... بأرض الخراج ».

(٥) الكافي ٣ / ٥١١ ، باب ما يزكى من الحبوب ح ٤.

(٦) الكافي ٣ / ٥١١ ، باب ما يزكّى من الحبوب ح ٤ ، وسائل الشيعة ٩ / ٦١ باب استحباب الزكاة فيما سوى الغلات الأربع من الحبوب التي تكال ح ١.

١١٨

فكلّ (١) ما كيلت بالصاع أو قال كيل بالمكيال (٢).

وفي خبر آخر بعد حكمه عليه‌السلام بثبوتها في عدّة من الحبوب : « وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » (٣). إلى غير ذلك من الأخبار.

وهذه الروايات كما ترى غير صريحة في الوجوب ، ولذا حملها الأصحاب على الندب لدلالة تلك الأخبار على انتفاء الوجوب.

وقد يحتمل بعد حملها على التقيّة فإنّ القول بالوجوب في ذلك من مذاهب العامة ، وفي غير وأحد من الأخبار شهادة عليه :

ففي مرسلة القماط ، عن الصادق عليه‌السلام بعد حكمه باختصاص الزكاة بالأجناس التسعة والعفو عمّا سواها فقال السائل : والذرّة؟ فغضب عليه‌السلام قال : « كان والله على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دائما السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك » فقال : إنّهم يقولون : إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّما وضع على تسعة أشياء لما لم يكن بحضرته غير ذلك! فغضب عليه‌السلام وقال : « كذبوا فهل تكون العفو إلّا عن شي‌ء قد كان؟! لا والله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (٤).

وفي هذه الرواية وغيرها تصريح ببطلان ما ذهب إليه يونس ، وحمل عليه ما دلّ على نفي الزكاة في غير التسعة.

ثمّ إنّ المدار في كلّ من الأجناس التسعة على التسمية العرفية ، فالحنطة والشعير يعمّان جميع أنواعهما ممّا يندرج في إطلاق الاسم عرفا على سبيل الحقيقة.

وفي شمول الحنطة للعلس ـ بفتحتين ـ والشعير للسلت ـ بالضم فالإسكان ـ وعدمه خلاف بين الأصحاب ، فذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط والخلاف ، والحلي في السرائر ،

__________________

(١) في ( د ) : « في كل ».

(٢) الكافي ٣ / ٥١١ ، باب ما يزكى من الحيوب ح ٥.

(٣) الكافي ٣ / ٥١١ ، باب ما يزكى من الحيوب ح ٦.

(٤) الخصال : ٤٢١.

١١٩

والشهيدان في البيان (١) والمسالك (٢) والروضة (٣) ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد (٤) إلى الأوّل.

وبه قطع في الإيضاح (٥) في السلت. وظاهر كلامه يعطي قوله باندراج العلس أيضا.

وفي المبسوط (٦) : إنّ العلس ضرب من الحنطة تكون منه حبتان في كمام فيترك كذلك ؛ لأنّه أبقى له حتّى يراد استعماله فيلقى في رحى خفيفة فيلقى منه كمامه ويصير حبا.

وفي السرائر (٧) : إن العلس ضرب من الحنطة إذا دبس بقي كلّ حبتين في كمام.

ثمّ لا يذهب عليك حتى يدق أو يطرح في رحى خفيفة ، ولا يبقى بقاء الحنطة ، وبقاؤها في كمامها ، ويظن أهلها أنها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف.

وقال في السلت : إنه شعير لونه لون الشعير وطعمه طعمه إلّا أن حبّه أصغر من حبّ الشعير.

وقد احتجّ على ذلك في البيان (٨) وجامع المقاصد (٩) والمسالك (١٠) بنص أهل اللغة عليه.

وقد قطع أكثر هؤلاء بالحكم من غير تأمّل فيه. وحكم في جامع المقاصد بضعف القول بعدم الاندراج. وذهب آخرون إلى عدم شمول الحكم لها منهم الفاضلان في الشرائع (١١)

__________________

(١) البيان : ١٧١.

(٢) مسالك الإفهام ١ / ٣٩٠.

(٣) الروضة البهية ٢ / ١٤.

(٤) جامع المقاصد ٣ / ٢٢.

(٥) إيضاح الفوائد ١ / ١٨٣.

(٦) المبسوط ٢ / ١٧٤.

(٧) السرائر ١ / ٤٢٨.

(٨) البيان : ١٧١.

(٩) جامع المقاصد ٣ / ٢٣.

(١٠) مسالك الإفهام ١ / ٣٩٠.

(١١) شرائع الإسلام ١ / ١١٦.

١٢٠