كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها

أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد ابن الجزّار القيرواني [ ابن الجزّار ]

كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها

المؤلف:

أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد ابن الجزّار القيرواني [ ابن الجزّار ]


المحقق: سلمان قطابة
الموضوع : الطّب
الناشر: دار الرشيد للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٩

الرموز المستعملة في الكتاب

(...)

:

كلمة واحدة مطموسة ، غير مقروءة ، وكل ثلاث نقط كلمة.

()

:

كلمة غير مفهومة.

/ /

:

كلام موضوع في هامش الصفحة ، أو بين سطرين.

><

:

كلمة أدخل عليها المحقق بعض التعديل بسبب خطأ املائي أو نحوي.

[ ]

:

كلمة أو جملة مكررة.

ظ

:

نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق.

آ

:

نسخة مكتبة دير الاسكوريال باسبانيا.

ـ ـ

:

ناقصة في ظ.

٨١
٨٢

كتاب

في المعدة أو في طبّ المعدّة

أو

في المعدة وأمراضها ومداواتها

لأبي جعفر أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد

ابن الجزّار القيرواني

٨٣
٨٤

كتاب في طب المعدة (ألفه) للسيد الأمير ولي عهد المسلمين ابن امير المؤمنين عبده أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد المتطبب.

صار (معه) هذا الكتاب الموقوف بخزانة نزيه الواقف بسفح جبل قاسيون بالصالحية بزقاق مجاور لمسجد ابن براق وكتب ولد الواقف ـ معتوق بن البروري الواعظ البغدادي.

في محرم سنة خمس وتسعين وستمية. / ١٢٩٥ / م.

٨٥

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب فيه أصل علم كبير في الطب ، عضو جسم ـ ألفه للسيد الأمير ولي عهد المسلمين بن أمير المؤمنين : عبده أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد المتطبب.

قد علم خاصة الناس وكثير من عامتهم أن أكثر الناس فضلا ، وأعظمهم قدرا ، أظهرهم للخير فعلا ، وأسبغهم على الناس نعما ، وأن أسعد الناس طرا ، وأوفرهم حظا ، من صرف رأيه وهمّه ولطيف عنايته ، وفكره الى الإجتهاد في مصلحة كل من كان هذه صفته ، فالنصح (والتفرد) اليه بالاشياء التي تقيم بدنه ،

(بسبيل) العلاج من كتب ألّفها أصحاب الكنّاشات فانهم جرّدوها من الاستدلالات على مواضع العلل والأبانة عن أسبابها المولدة لها ، واشتغلوا بتركيب الأدوية فيها ، مثل : تياذوق الاحمق ، وجورجيس ، وشمعون الراهب ، ويوحنا بن ماسويه في كتابه « التمام والكمال ».

وأما اهرن ، فقد اشترط في أول كتابه على من قرأه النظر في كتب جالينوس وقراءتها ومن اتسع بقراءة كتب جالينوس استغنى عنه وعن غيره ، ولا أظن القوم فعلوا ذلك الا ضنا منهم بهذا العلم الشريف. لأن من الممتنع أن يصل آخر الى معالجة عضو من أعضاء البدن الا بمعرفة موضع العلة ومكانها والسبب المولد لها. والله المستعان.

القول في ماهية المعدة وكيفيتها

اعلم أن المعدة وان لم تكن عضوا رئيسيا في نفسها ، فهي عضو عظيم حساس وجميع أعضاء البدن مضطرة الى صحتها ومحتاجة الى اعتدال مزاجها ، لا سيما الاعضاء الرئيسية التي تتألم بألمها ، بسبب الاشتراك بينها ، والاتصال الذي بين الدماغ والقلب والكبد ، وسنذكر كيفية الاشتراك بينها وبين هذه الاعضاء الرئيسية فيما يستقبل من كتابنا هذا ان شاء الله.

____________________

(*) هنا ينقطع النص. وفي الورقات عدم تناسق واضطراد مما اضطرنا الى اعادة ترتيبها. ثم وجدنا أن من الأنسب أن نضع القسم الأول من نسخة الاسكوريال هنا لأن فيها جزءا من المقدمة ثم تشريح المعدة ووظائفها.

٨٦

والثانية لعموم منفعة خدمتها لها ، واصلاحها لأغذيتها ، وطحنها وهضمها ، وتمييز الغذاء. ودفع ما صفي منه الى العروق وليؤده الى المواضع التي تضخ فيه ودفع الثفل واخراجه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روينا عن حديث أهل الشام :

« المعدة حوض البدن فاذا صحّت المعدة صدرت العروق بالصحة ، واذا اعتلّت صدرت بالعلل ».

وقال جالينوس :

المعدة خزانة مشتركة ، جعلت في وسط البدن لجميع الا ( ..... ). وهي آلة هيّأها الله وأعدها لاستمرار الغذاء وهضمه ، وهي مؤلفة من طبقتين : طبقة ظاهرة ، وطبقة باطنة ، وأخرى عصبية ، وعروق ، وأوراد ، وعضل ، وأغشية ، وحجب ، وصفاقات كرية الأسفل ، محكمة الاستدارة ، مستطيلة الصورة ، وطولها من حذاء المريء أولا فأولا.

فأما الحاجة الى استدارتها كما قال جالينوس فلأن الشكل المستدير أبعد الأشكال كلها عن قبول الآفات. وأما الحاجة الى استطالتها وعظمها فلأنها تحتاج الى التمدد لكثرة ما يدخلها من الطعام والشراب. ولأن أعلاها المرىء ولا يزال من حد الحلق يمر مستقيما على وسط الخرز ، الى أن يجاور خرز العنق كله وأربع خرزات من خرز الصدر. فاذا بلغ الى الخرزة الخامسة من خرز الصدر ، عدل عن الوسط الى الجانب الأيمن ، وخلّى موضعه للعرق النابض الأعظم النابت من القلب في ذلك الموضع. وهذا العرق الذي تعرفه العرب بالأبهر اذا كان أشرف منه ، ويمر بحالة حتى ينتهي الى موضع الحجاب ، ثم يحيد هناك عن الجانب الأيمن ويميل الى الجانب الأيسر ، ويرتفع على خرز الصلب حتى يبلغ من الحجاب وسطه ، فينفذ منه حتى يقشع أولا حتى يكون منه فم المعدة بالموضع الضيق منه بعد نفوذه من الحجاب وهو رأس المعدة. وهو مما يلي الجانب الأيسر والواسع منه هو مقر المعدة. وهو مما يلي الجانب الأيمن. وإنما يجعل رأس المعدة مما يلي الجانب الأيسر ، لأن الكبد كانت أحق منه بالجانب (لنتز) فيها وقدرتها في آلات الغذاء ، وكان هذا الموضع من الجانب الأيسر ، اذ كان الطحال أسفل منه ، وجعل أسفل المعدة مما يلي :

٨٧

( ... ) هو في الأيمن لأن الموضع هناك اتسع لما أسفل من الكبد وضاق عليها الجانب الأيسر لموضع الطحال فيه. فالمعدة مؤلفة من طبقتين هما طبقتا المريء الا أنه يخص المعدة ان في طبيعتها الباطنة مع الليف الذاهب طولا ليفا مؤرّبا احتيج اليه ليكون بحركته مع حركة فعل الليف الذاهب طولا في الطبقة الباطنة وحركة الليف الذاهب عرضا والطبقة الظاهرة ، امساك ـ الغذاء الى أن يستمريء وإنما جعل هذا الليف المعروف في الطبقة الباطنة ودون الظاهرة ـ المؤلفة من ليف يذهب عرضا ، للذي قلنا أن بحركته يكون الدفع وأنه لم يكن ينبغي أن يكون الامساك والدفع ، وهما فعلان متضادان بحركة طبقة واحدة ويخصمهما أيضا. أن الطبقة الباطنة منها عصبية ومنها لحمية ، والطبقة الظاهرة لحمية. وان الغالب على ما يلي رأس المعدة من الطبقة الباطنة ، طبيعة العصب لعظم ما يتصل به من العصبتين المنحدرتين اليه من الدماغ ، ليكون به الحس الذي خصّت به المعدة ، وهو ما يجده الانسان عند الحاجة الى الغذاء من شهوة الطعام والشراب والغالب على ما يلي فقرها طبيعة اللحم ، لأن به يكون استمرار الغذاء ، ويخصّها أيضا كلما انحدرت لجانب أوسع ، حتى يكون أسفل المواضع منها ، أوسع مواضعها كلها ، والموضع الأسفل من المعدة من الانسان بالحقيقة أسفل اذ كان دون سائر الحيوان منتصب القامة غير أنه قد مال ما اتسع من أسفلها نحو الجانب الأيمن لأن الموضع هناك فارغ متعطل لاتساع المكان على الكبد.

كما ذكرنا ، ويحيط بالمعدة خطوط متشابهة ( ... ) أشكال السطوح الدائرة فيها حدبة مما يلي الصلب مطرح. وقد أذهب من تسطيحها تحديبها ، وهي أسفلها ، من الانسان أوسع من أعلاها يتصل بها من الطرفين شيئان أحدهما بمنزلة المريء من فوق وهو أوسعها ، والآخر بمنزلة المعاء من أسفل وهو أضيقها مربوطة بالصلب بالرباطات القوية ، والوقايات الوثيقة ، لعظمها وامتدادها ، وطولها ، وهي كالشيء الكافي. وهي كما سمّاها>اليونانيون< الكافية. لها صفاقان احدهما داخل ، والآخر خارج. وجوهر صفاقها جوهر صفاقي المرىء والصفاق الخارج لحمي وفيه ليف ممدود بالعرض ، تحيط به كما يدور بمنزلة الليف الذي في الأمعاء والصفاق الداخل من جنس الأغشية

٨٨

وفيه أيضا ليف آخر ممدود بالطول على الاستقامة ، منحدر من أعلاه الى أسفله ، وإنما جعل ذلك كذلك لحاجة المعدة الممدودة بالطول يقوم لها مقام المريء ، تجذب به ما احتاجت الى جذبه ، وتحتاج أن تدفع ما يحتاج اليه دفعة بالقوة ، فصارت تفعل ذلك بالليف المحيط بها عرضا. ولها صفاق ثالث غليظ ثخين ممدود من الغشاء الممدود على البطن ، وهذا الصفاق الثالث يحتوي على المعدة ، ويحيط بها من وراء الصفاقين اللذين ذكرناهما. وإنما جعل غليظا ثخينا ليكون وقاية للصفاق اللحمي الذي هو خارج ولها أغشية ثلاثة. الا أن الغشاء الثالث هو أثخن وحوزها ذا الغشاء الممدود على البطن يصعدان من ناحية الصلب من الجانبين ، ثم يلتقيان عند حدبة المعدة ويلتقي عرقان أحدهما ضارب والآخر غير ضارب ممدودان وطول المعدة والمدخل الأعلى الذي هو فم المعدة أوسع من الثقب الأسفل الذي هو مخرج الطعام ليسهل للمزدرد اللقمة لعظم المدخل. وأما ضيق أسفلها ، ولأن الطعام لا يخرج من ثقبها الا بعد الطحن ، والهضم لأن ضيق أسفلها ، يمنع من أن تعود الأشياء منه سريعا. وتحتاج المعدة أن تنضم حتى لا ينفذ فيها شيء. فاذا احتيج الى أن ينفخ لينفذ فيه فينحدر ما قد انهضم لم يحتج في ذلك الى سعة كبيرة لانهضام ما يمر فيه ، وهو عندهم كالبواب الذي يفلق الباب مرة ويفتحه أخرى ، بحسب الحاجة الى ذلك ويتصل بأسفل المعدة حيث هذا الثقب منها أول الأمعاء ، وهو معاء يسميه الأطباء : بذي اثنى عشر اصبعا ، لأن هذا مقدار طوله. وهو منتصب قائم في مقام طول الصلب.

ومقدار تجويفه بمقدار فتح الثقب المعروف بالبواب. وانما جعل هذا المعاء قائما منتصبا ، لئلا يلتف ويستدير ، كما يلتف ما دونه من سائر ما يلتف من الأمعاء ، لئلا يستغل الموضع الذي بين المعدة والامعاء ، ثم يتلو هذا المعاء الذي جعل طريقا فيما بين المعدة وبين الأمعاء ما دونهما من الأمعاء الدقاق ثم الأمعاء الغلاظ. والأمعاء الدقاق جعلت آلة لتنفيذ الغذاء الى الكبد والغلاظ منها جعلت مع ذلك لتنفيذ الثقل حتى يخرج.

وقد زعم جالينوس :

أن في بعض الحيوان قد جعل في ذلك الموضع لحم كالغدة ليزداد ذلك

٨٩

الثقب ضيقا ، وخاصة في وقت ما تستعمل المعدة قوتها الممسكة وتجمع نفسها من كل جانب ، وتنقبض وتحتوي على ما فيها لتغيره وتهضمه ، وعن يمينها العضو الشريف الرئيسي وهو :

الكبد الذي منه تبدأ العروق وينبوع الدم ، يوسع عليها مكانها لقدرها. شرفها. وهي مرتفعة الى فوق كيما تلقى آلات الحجاب الذي فيما بين آلات الغذاء ، وآلات التنفس. قال : والحجب الذي في المعدة هي أعراضها كما أن حجب القلب هي عارضة في القلب ، وتنسب اليه وعن يسارها الطحال وضع منحطا قليلا لضيق مكانه وهو عضو متخلخل سخيف شبيه بالاسفنج. والحاجة الى سخافته لقبول العضل الغليظ. وداخل المعدة أصلب من الأمعاء. لأن الأمعاء مسالك تؤدي الغذاء. والمعدة آلة عصبية ، باردة ، جعلت للهضم.

وفي أسفل المعدة عروق يسيرة وفي أعلاها وفمها عروق أقل من ذلك ، ولبرد طبيعتها احتاجت الى أن تسخّن هي نفسها ، وتسخّن ما فيها من الغذاء ، ولذلك احتوت الكبد عليها بحرارتها ، ولزمتها ، كما يلزم الشيء الممسك بالأصابع وكذلك الطحال يسخّن جانبها الأيسر. وجعل من خلفها الصلب والعضل الممدود عليها يوقيانها. وأما الصلب فهو لها بمنزلة الجهة الصلبة القوية. وأما العضل الممدود عليها فهو لها بمنزلة فراش وطيء ، ومع ذلك انما توقيها ، وتسخّنها بما فيه من الشحم الذي لبسها ، وهذه الأعضاء كلها انما جعل على كل واحد منها الخاصة منفعة فيها. ولو لا هذا الشرب الذي اشتمل عليها لبردت المعدة ، وساء الاستمراء. وضعف الهضم. ولقد كلمت حنين بن اسحق وهو أحد الحذاق ومن الفلاسفة بصناعة الطب في ماهية المعدة فقال : هي أداة من الأدوات كالقدر التي لا تطبخ شيئا بنفسها وانما تفعل ذلك بالناس وكذلك المعدة لا تفعل شيئا بنفسها ، ولو لا ما أحاط بها لم ينضج شيئا. هذا الاستدلال ، وان كانت فيه يبقى رأس الصواب فهو فاسد لأن القدر موات ليست تحس ، والمعدة الحيوانية حساسة ، لها قوة تجذب بها ما يلائمها ، وهي القوة الجاذبة. وقوة أخرى تمسك بها ما يصل اليها مما يتناول من الطعام وهي الممسكة. وقوة أخرى تدفع عنها الفضول وهي

٩٠

الدافعة ، وقوة أخرى وهي أشرف هذه القوى وآخرها وهي القوة المغيّرة. وهي التي تدعى الهاضمة التي لسببها احتاجت المعدة الى تلك القوى الأخر. فالمعدة تعالج الطعام بهذه القوى والآلات التي أحاطت بها علاجا لا يصلح الا بها. لأنها تنقّيه من الأوساخ المختلطة بالغذاء فما كان منه هوائيا خفيفا دفعته ، وهي الرغوة والزبد ، كما يرتفع ويظهر الزبد فوق اللطيف من الشراب ، فيغلي وينضج بالحرارة الغريزية التي في الكبد ، كما يغلي العصير بحرارته ، ويستحيل حتى يصير دما جيدا ثم ترفعه الى العروق ، فتؤديه العروق الى المواضع الذي ينضج فيها ، والثقل يرسب في أسفل المعدة ، كما يرسب الدردي في أسفل الخوابي ، ثم تدفعه المعدة بالقوة الدافعة الى أسفل حتى يخرج بقدرة الله.

وان قلنا في ماهية المعدة وكيفيتها قولا موجزا بليغا ، فقد يجب علينا القول بعد ذلك في طبائع هذه القوى الأربع التي لا تعمل المعدة الا بها ، وفي عللها ، وبعضها من الاسطقات الأربع التي تهيج الأمراض فيها. ومعرفة الزيادة منها والنقصان لترد كل قوة الى اعتدال مزاجها ، بالأغذية والأدوية ، ان شاء الله.

القول في طبائع القوى الأربع

وأما القوة الجاذبة فانها تفعل بالحر واليبس لأن المنسوفات لا تنشف الا بالحر واليبس ، وأما الممسكة فانما يفعل بفعل البرد واليبس لأن المعلوم عندهم أن الامساك والحصر لا يكون إلا بالبرد واليبس وأما المغيّرة وهي الهاضمة التي تحيل الطعام وتقلبه ، فانما تفعل بالحرارة والرطوبة لأن المنضج انما يكون باحالة الشيء الى ما هو ألطف منه وأرطب ومتى ما لم تقم الاستحالة على قدر الحاجة اليها فسد الاستمراء.

وأما الدافعة فقد اختلف الأطباء القدماء فيها فقال قائل : هي باردة رطبة لاحتمال القياس والنظر لهذه المقالة ، ولميل عامة حذاق المتكلمين في صناعة الطب اليها مثل : بخيتشوع ويحيى بن ماسويه فأما الدليل ..

٩١

من النظر أن البرد من شأنه العصر والضغط للأوعية من موضع الى موضع والرطوبة من شأنها أن تسيل وتطرق للمدفوعات حتى يخرج الثفل الذي تحتاج الطبيعة الى اخراجه ، فمتى اتفقا جميعا كان أعون لها على دفع المدفوعات ، وأسهل وللمعارض لنا أن يقول : لم زعمت أن البرد من شأنه عصر الأوعية وضغطها على انفراده من اليبس بل كان مع مصاصة اليبس له أفعل وأقوى على الضغط والعصر للأوعية ودفع المدفوعات من الثفل حتى يخرج.

القول في كيفية اعتراض الآفات

لكل واحد من هذه القوى الأربع وحفظها منها ودفعها العلل عنها ورودها الى اعتدال جوهر مزاجها.

القول في القوة الجاذبة

قال جالينوس : في كتاب « الفصد (١) » علامة حجة القوة. سقمها انما يعرف من أفعالها ويعرف من الفعل (الهوائين) فيقول : ان القوة الجاذبة يعرض لها ثلاثة أصناف من الأعراض : وذلك أن القوة الجاذبة اما لا تقدر على جذب الأطعمة ، ويسمّى هذا العارض استرخاء المعدة. واما أن يعسر ذلك عليها كالذي يعرض في ابتداء استرخاء المعدة. واما أن يكون جذبها ملتاثا اذا كان مع اختلاج أو تشنج أو رعشة. وأما حفظها فانها تحفظ بالأشياء الملائمة لها من الأغذية والادوية فان أخذ منها بمقدار حفظها ودفع الضيم عنها انتفع به. وأما الأدوية فمثل السنبل ، والبسباسة ، والجوزبوا ، والكمون ، والكرويا ، وما أشبه ذلك.

ومتى زادت الحرارة واليبس على مزاج هذه القوة وجب علينا ردها الى اعتدال مزاجها بالأشياء المضادة لها مثل القرع ، والرجلة ، وما أشبهها.

وكذلك ان قلّت حرارتها ويبسها قوّيناها وسخّناها بالاشياء الحارة التي قدمنا

____________________

(١) القصد : كتاب لا بقراط ولا يوجد لجالينوس كتاب بهذا الاسم.

٩٢

ذكرها. وأطعمناه من الطعام : العصافير ، ونواهض الفراخ ، والقنابر ، وما أشبه ذلك.

وسقيناه الشراب المعسّل الصرف. وأما القوة الممسكة فان فعلها يبطل اذا لم تحتو المعدة على الأطعمة وتمسكها.

كالذي يعرض كثيرا في زلق الأمعاء وينقص فعلها كما ينبغي اذا لم تمسك الطعام امساكا جيدا ، وخلته قبل أن يستكمل انهضامه ، وعرض فيه هذان العرضان جميعا ، ومتى كان امساك المعدة امساكا ضعيفا حدث عن ذلك قراقر. وربما حدث عنه نفخ. ومهما كان امساكها لفترة (يسيرة) كان الهضم لا محالة ناقصا مما ينبغي. وتبع ذلك سرعة خروج الطعام ، وفسادة في الأمعاء والأعراض اللاحقة بسرعة خروج الاطعمة ، لين البراز وقلة ما يصل من الغذاء الى الكبد. وأما الاعراض اللاحقة بفسادها فمنها ما يجب حدوثه ضرورة. مثل لين البراز ومنها ما لا يجب ضرورة مثل اللذع العارض في البطن أو النفخ. ويلتاث هذا الفعل متى احتوت المعدة على الطعام. مع الاختلاج والتشنج والرعشة ، والاحساس يكون لاختلاج المعدة ، وكذلك يكون احساسها لتشنجها ، وذلك لأن هذا العارض معروف مشهور يسمى الفواق فأما رعشتها فليس تحس حسّا بينا. الا أنك ان تفقّدت ذلك بذهنك لم يعسر عليك معرفته فانه متى تناول متناول شيئا من الطعام فلم يعرض له منه قرقرة ، ولا نفخة ولا اختلاج في المعدة ، وأحس في معدته بشيء يلذعها ، وثقلت عليه معدته ، وأحسّ معها بتعب وتشوق الى انحطاط ذلك الثفل عنها أو تشوق الى الجشاء وأحس في نفسه بعسر تغيير صفته ، فاعلم أن معدته قد احتوت على الطعام مع رعشة. وأما الرعدة فانها تتبين بيانا ظاهرا في النافض لأنها تكون في جميع الأعضاء ، وانما يجب حفظها بالأشياء المقوية لطبيعتها ، وهو البرد واليبس لا سيما اذا أخذ منها الآخذ بمقدار الحاجة كالورد والطباشير والحماض والجلنار والبلوط وما أشبه ذلك. فان أفرط البرد واليبس وخرج عن المقدار ، وفسدت القوة الممسكة رددناها الى اعتدالها بالأشياء الحارة الرطبة كالزنجبيل والدار فلفل والجرجير والهليون ، وماء البصل ، وماء السليخة وما أشبه ذلك. فإن قلّ مزاجها ، وصعب بردها

٩٣

ويبسها ، رددناها الى حالها الاول ، بالاشياء الباردة كما ذكرنا من الورد والطباشير وما أشبهها. وأما القوة الهاضمة وهي المغيرة التي تحيل الاشياء وتقلبها فان الآفة تدخل عليها من جهتين : اما من قبل فساد جوهرها ، واما بسبب بعض الامراض الآلية فاما الخطأ العارض لها من خارج البدن فيعرض على ثلاثة جهات : اما بسبب فضول تجتمع في المعدة ، واما بسبب ما تعادل من الأطعمة ، واما بعدم السكون والنوم في أوقاتهما. وقد يدخل عليها أيضا لسبب أحد أصناف سوء المزاج الثمانية. وأما الآفات العارضة لها بسبب بعض الأمراض الآلية فالتي تعرض بسبب الاورام الحارة و ( ... ) والضجر والخراجات والقروح وسائر ما أشبه ذلك من الامراض العارضة في المعدة التي بعضها بسيط ، وبعضها مركب ، فيكون من هذه الجهات سوء الاستمراء. واعلم أن الطعام متى ما ثبت في المعدة كما ينزل بطل فعلها. وأما النقصان فيعرض لها عند سوء الهضم أعني اذا استحالت الاطعمة الى الدخانية ، أو الحموضة. أو كيفية اجزاء رديئة ولا يكون سوء الاستمراء خاصة الا بعلة هذه القوة والاسباب التي قدمنا ذكرها فيها. فمتى بطل الهضم بسبب غلبة البرد الخارج عن الاعتدال ، لم يعرض لصاحبه عطش ولا حمى ولبث الطعام كما هو لا يتغيّر ولا يستحيل لا في الجشاء ولا في القيء. فان عملت القوة الهاضمة عملا يسيرا ولم يستكمل النضج كان معه الجشاء الحامض ان كان مزاج الاطعمة حارا ، وكان من طبيعتها نافخة أحدثت في المعدة رياحا بخارية وان تغوفل عن القوة المغيرة حتى ضعفت وفسدة عرض منه البرص كما قال جالينوس في كتاب « العلل والأعراض ». وحفظ هذه القوة الهاضمة لا تكون الا بالاشياء الحارة الرطبة التي هي من طبيعتها اما لتزيد في قوتها ، واما لتحفظها عليها ، وذلك اذا أخذ (الأخذ) منها بقدر الحاجة اليها كالزنجبيل ، والدار فلفل ، والشقاقل ، الجرجير ، وبزره ، وورقه. فإن زادت الحرارة والرطوبة فأفسدت القوة رددناها الى اعتدال مزاجها بالاشياء الباردة اليابسة ، كالجلنار (وحب الآس) وحب الرمان فان نقصت حرارتها رددناها الى مزاجها بالاشياء الحارة الرطبة التي ذكرناها آنفا. وأما القوة الدافعة ، فانما يتكل فعلها اذا اعترض لها بعض أصناف القولنج المستعاذ منه ، أو ينتقص انحدار الاثفال وخروجها ويتغيّر عن حالة الى حالة

٩٤

رديئة ، اذا أدامت دفع الاطعمة قبل استعمال نضجها ، اذا أبطت القوة عن دفعها بعد أن تستكمل النضج ، وكان ذلك الفعل مع بعض الاعراض التي وصفناها ، اذا كان ملتاثا أو لم يمكنها ضبط الطعام بمنزلة من فقد (في) موضع منحدر لا يمكنه أن يستمسك فيه فإن احتجنا الى حفظها حفظناها بالاشياء الباردة الرطبة التي تجانس طبيعتها على (قياد) قولنا أنها باردة رطبة ، لا سيما اذا أخذ الأخذ منها بقدر الحاجة كالخس ، والهندباء المربى ، والبقلة الحمقاء ، وما أشبه ذلك. وكذلك اذا فسدت من الحرارة واليبس ، كان ردها بهذه الأشياء التي ذكرنا. فان فسدت من افراط بردها ورطوبتها سخناها ورددناها الى مزاجها الاول بالاشياء الحارة كالخردل والفلفل والسنبل ، والمصطكي ، والبسباسة ، وما أشبه ذلك. قال جالينوس في كتاب « الاعضاء الآلمة » : وان ضعفت هذه القوة الدافعة عرض منها احتباس البول كما يعرض من قبل انضمام فم المثانة.

واذ قد ذكرنا طبائع هذه القوى الأربع وأوضحناها عن أفعالها ودللنا على أسباب اعتراض العلل فيها ، وحفظ صحتها. فقد يجب علينا على الترتيب الذي نهضنا ، أن نذكر علامات العلل العارضة لها ليكون البيان شافيا والبرهان كافيا ان شاء الله. فنقول : ان علامة الالم العارض من الحرارة الالتهاب ، والحرقة ، وسرعة نبض العروق ، واحمرار البول وما أشبه ذلك وعلامات البرد خلاف ذلك من عدم الحرقة والالتهاب ، وشدة الحس بالبرودة (اقطا) نبض العرق ، وبياض البول ، مع غلظ فيه ، وربما كان مع ذلك الحذر وما أشبهه. وأما علامات اليبس :

فالنحافة والعطش الحادث عن غير حرارة ، وعدم الرطوبة ، وما أشبه ذلك. وأما علامات الرطوبة : فالاسترخاء وكثرة التبزق ، واللزوجة ، وعدم العطش ، وما أشبه ذلك.

وكل واحد من هذه الكيفيات قد يمكن أن تغلب وحدها. ما خلا الرطوبة فانها لا تغلب وحدها الا مع مادة فاذا قويت واحدة من هذه الكيفيات ولم تغلب طبيعة الشيء الذي قويت فيه فتحيله وتغيّره الى ذاتها ، وكانت طبيعة الشيء هي الغالبة في الفعل اشتهت الطبيعة واشتاقت الى ما ضاد ذلك الشيء.

٩٥

الذي قوّى منها ، ونفى ضرره عنها ، فاذا قويت طبيعة واحدة من هذه الكيفيات في عضو ، أحالته الى ذاتها ، وفسد المزاج الأول. وبطل. فإن الطبيعة حينئذ تشتهي ما وافق ولاءم الشيء الذي استحالت اليه. والمثال في ذلك ان الحرارة اذا ظهرت في عضو من الأعضاء كيفية البرد ولم تنقل كيفيته الاصلية التي هي البرد ، فإن ذلك العضو يشتاق الى الأشياء الباردة التي هي ضد العارض له وهو الحرارة. فإن غابت الحرارة واحالت كيفيته التي كانت البرد فصار طباعه الحرارة ، اشتاق حينئذ الى الاشياء الملائمة التي هي الحرارة وكذلك المثال في الكيفيات فهذه : أصول طبائع هذه القوى الأربع وعلامات العلل العارضة لها وعلاجاتها بالمقاييس الحاضرة لمعاينها القاسمة فنونها عليها.

وأما جالينوس فقد بسط هذه العلامات بأكثر من هذا البسط في كتاب « إعلام الاعراض » فقال : ان فساد البطن ، يريد بذلك المعدة وكذلك سماها أبقراط البطن الأسفل في رسالته الى ذيمطروس الملك ، يكون على ثمانية وجوه : أربعة ساذجة ، وأربعة مركبة. وأما الساذجة فشبه الحرارة الزائدة ، واليبوسة ، والحرارة والرطوبة والبرودة والرطوبة والبرودة واليبوسة والحرارة والرطوبة ، والبرودة والرطوبة والبرودة واليبوسة ، وهذه العلامات الساذجة.

فأما علامات مزاج البطن اليابس :

فهي كثرة العطش ، وقلة الشراب ، وشهوة الغذاء اليابس.

وأما علامات مزاج البطن الرطب :

فهي قلة العطش ، كثرة الشرب ، وشهوة الغذاء الرطب.

وأما علامات مزاج البطن البارد فهي كثيرة :

الشهوة للطعام ، وحسن نضج الأغذية السريعة النضج ، وكثرة الجشاء الحامض.

وهذه العلامات المركبة.

فأما علامات مزاج البطن الحار الرطب :

٩٦

فهي قلة العطش وجودة الهضم ، والشهوة للاغذية الحارة الرطبة. وأما علامات مزاج البطن البارد اليابس :

فهي الشهوة للطعام ، وقلة نفخه ، وقلة العطش ، والجشاء الحامض ، والشهوة للاغذية الرطبة الباردة.

وأما علامات مزاج البطن الحار اليابس :

فهي نضج الأغذية القوية وكثرة العطش ، والشهوة للأغذية الحارة اليابسة ، هكذا القياس والرواية : أن كل مزاج انما يشتاق الى ضده ، لأن من كانت به حرارة ويبس فانما يشتهي الماء وهو بارد رطب. ثم قال بعد ذلك : وهو يعرّف مزاج كل عضو من الأعضاء بالأشياء الواقعة من خارج ، وذلك أن العضو اذا سخن سريعا من خارج علمنا أن الحرارة غالبة على ذلك العضو واذا برد سريعا ، علمنا أن مزاج ذلك العضو بارد.

القول في اشتراك المعدة مع الأعضاء الرئيسية واتصالها بها :

وقد (تؤلم) المعدة خاصة في نفسها و (تؤلم) أيضا باشتراكها مع الأعضاء الأخر التي بينها وبينه اتصال ومشاركة والدماغ (الذي) يتشعب منه اليها عصب كبار. وبها غلبت المعدة سائر الأعضاء بالحس. وبهذه المشاركة يؤلم الرأس ببخار المعدة الذي يتصاعد اليه منها. وكالرحم والمعدة. والرأس ، فان الرحم ، اذا اعتلت اعتل الرأس والمعدة معها. وقد تؤلم المعدة أيضا مع الكبد لقلة المادة الواصلة اليها ، فانها متى لم توصل (البسولوس) انقطع عنها الغذاء فبقيت بلا غذاء. وقد تؤلم المعدة أيضا مع الكبد لقلة المادة الواصلة اليها ، فإنها الى الفقار ثم يتركب مع المريء الحجاب الذي بينه ، ثم يمتد الى المعدة والبطن طولا والى أسفل وانما يتوجع القلب ويشارك المعدة في الوجه بسبب هذا العرق الكبير الذي يخرج من القلب فيمتد الى أسفل. قال جالينوس في كتاب « العلل والاعراض » : وليس بعجب أن يعرض في الجسد أعراض كثيرة لوجع المعدة ، لأن هذه الأعضاء الرئيسية تعتل بعلتها ، وتتوجع بوجعها : أعني الدماغ والقلب والكبد.

٩٧

القول في فم المعدة والعلل العارضة

له ووجه التدبير في مداواته

قال جالينوس : ان الأطباء القدماء يسمون فم المعدة الفؤاد.

وأما الأحداث منهم فيسمونه فم المعدة. وقال أيضا في كتاب « العلل والاعراض » : ليس في الجسد عضو صحيح يسرع اليه الوجع ، ويميل معه ، مثل فم البطن الذي يدعى فم المعدة ، فيما جرت عليه العادة عند الأطباء وعند الجهال ، وقال غيره ، وأظنه روفس ، وقد حكاه حنين : ان أكثر أجزاء المعدة احداثا فم المعدة. ثم من بعده المعدة. ثم من بعد المعدة المعاء المعروف بالصائم.

وقال :

ان الأمراض الآلية التي من شأنها أن تعرض في فم المعدة ، فان الاستدلال عليها بيّن ، لا يمكن أن يذهب على أحد. وذلك أن الاورام العارضة له من الدم. والمرار الأصفر. وعن سائر الأخلاط والقروح الحادثة فيه. لا يمكن أن يذهب أمرها على أحد ، لأن الدلائل التي تدل عليها. وعلى الامراض التي تعرض في فم المريء دلائل واحدة بعينها مشتركة. الا أن الاستدلال على هذه أبين بحسب فضل حس فم المعدة على حس المريء وبحسب سهولة مجسته باليد. وكذلك أيضا انما الاستدلال على قذف الدم الذي يكون منه. وذلك ان الدلائل التي تدل على أن قذف الدم من فم المعدة والتي تدل على أنها من المريء دلائل واحدة مشتركة. الا أن التي تدل على أن قذف الدم من فم المعدة أبين وأصح.

وقال جالينوس في كتاب « الأعضاء الآلمة (١) » : ان الغثيان قد يعرض من حركة فم المعدة. قال حنين : وذلك اذا اجتمع على فم المعدة رطوبة كثيرة رديئة فان الغثيان يعترى منه وان لم يتناول شيء من الطعام. وقال أيضا : ان العلة التي تعرف بالسبات هي علة الصرع والوسواس. وانما يحدث

____________________

(١) لم نعثر على اسم هذا الكتاب لجالينوس في القوائم التي راجعناها. ولعله منحول إليه.

٩٨

من مشاركة أعضاء أخر لفم المعدة ، وذلك أن يجتمع أربع خصال. واذا اجتمعت هذه الخصال فان الوجع لا محالة يكون شديدا. وهذه الأربع التي ذكرت اجزاءها : الوجع الذي في المعدة اذا كان شديدا. والثانية : صحة حس المعدة. والثالثة : ضعف حس العصب والعروق. والرابعة : اذا كان القلب والدماغ ضعيفين. فاذا اجتمعت هذه الخصال اعترى كثيرا من الناس الوجع الذي يدعى الصرع.

وقال يحيى بن ماسويه : ان اشتراك الدماغ أو بعضهما (بفم) المعدة يعرض منه أبلبسيميا. وقال جالينوس في « رسالته الى أغلوقن » : ان الخلط الخبيث الرديء اذا التصق بفم المعدة ، عرض من اختلاط العقل. وقال أيضا : ان الأشياء المارة مثل الفلفل ، وان نفعت ما لج من البلغم في اطباق المعدة يضر بفم المعدة. وقال غيره : ان العلة التي تسمّى بوليموس ، وتفسيره الجوع العظيم. قد يعرض بسبب نقصان البدن وغلبة اليبس على فم المعدة ، وضعف قوته. وقال ابن بطلان : الشهوة انما تكون من آلة الشهوة : وهي فم المعدة.

وقال جالينوس في كتاب « العلل والأعراض » : ان الوحم الذي يعرض للنساء انما يحدث عن فم المعدة وذلك ان تعلقت به أمشاج خبيثة ، وهذه الأمشاج هي التي تبعث على أكل الطين والخزف ، والفحم ، وتسفه شهوة الطعام ، وتولد سوء الاستمراء. وقال : ان فم المعدة اذا غلب عليه الخلط البارد هيج شهوة الطعام ، اما للبرد ، واما للبلغم.

كما أن الخلط الذي من جنس المرار الملذع للمعدة يهيج شهوة الشراب ، وذلك لأن المعدة اذا سخنت على هذين أحدّت العطش.

وقال ان المعدة الباردة يشتهي صاحبها الطعام أكثر مما يشتهيه صاحب المعدة الحارة.

وقال جالينوس أيضا في كتاب « مداواة الاسقام (١) » : ان الحموضة تهيّج الشهوة. والدليل على ما قال جالينوس عندي بيّن. وذلك أن الحموضة تلذّذ

____________________

(١) لم نعثر على اسم هذا الكتاب لجالينوس في القوائم التي راجعناها. ولعله منحول إليه.

٩٩

الغذاء وتجمعه ، وتقبضه. وكلما انقبض الغذاء اتسع موضعه ، كما أن الحلاوة اذا انبسطت منعت الشهوة.

واما الشهوة الكلبية فانما هي اعتلال آلة الشهوة وهي فم المعدة.

وقال يحيى بن ماسويه : يقال لهذه العلة خاص ألم المعدة.

وقال جالينوس : ويعرض ذلك على ثلاثة أسباب :

وأما عن سوء المزاج البارد الذي يغلب على فم المعدة ، أو عن خلط حامضي يجتمع هناك ، وأما عن استفراغ مفرط يعرض للبدن.

قال سابور بن سهل : ان الشهوة الكلبية تتبع الاستطلاق المفرط مع ضعف يصيب البدن حتى يخلو من الغذاء. ولذلك يسمّى الوجع كلبيا.

وقال يحيى بن مأسويه : فان عرضت هذه العلة لانسان ولم يصيبه اختلاف ، سقي الشراب الغليظ الحلو لأنه يسرع الاستحالة الى الدم ، ويملأ الاوراد ، ويغذّي البدن ، ويقوي العليل.

وقال أبقراط في كتاب « التفضيل » : ان شرب الشراب الصرف يذهب بالجوع المفرط ، وكذلك تفعل الأشياء الدسمة المغذّية كلبن الغنم ، وسمن الغنم ، والبقر ، واللحم السمين ، أو صفرة البيض النيمرشت ، وكذلك الجوارش الجوزي ، والأطريفل.

وقال جالينوس في كتاب « مداواة الأسقام » : فإن عرض هذا الوجع لإنسان ، فإن علاجه أن يسقي الشراب الصرف الذي يضرب الى الحمرة أو الشقرة ، ولا يكون عفصا. فإن انحل والا فقربت اليه الأغذية الدسمة الدهنية. وكل ما يطبخ بالزيت الكثير. واياك والأغذية العفصة المزّة. واعلم أنك ان فعلت ذلك أياما (سكن) عند الوجع.

ولا سيما ان دبرت بهذا التدبير أياما كثيرة.

القول في معالجة فم المعدة

وقد يعرض لفم المعدة ثلاثة أجناس من العلل :

اما تغيير المزاج.

١٠٠