كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها

أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد ابن الجزّار القيرواني [ ابن الجزّار ]

كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها

المؤلف:

أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد ابن الجزّار القيرواني [ ابن الجزّار ]


المحقق: سلمان قطابة
الموضوع : الطّب
الناشر: دار الرشيد للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٩

خاصتها انقاء المعدة. ومن ذلك :

صفة ضماد على المعدة ينقّي الأخلاط الفاسدة المتولدة فيها ، أو المنصبّة اليها ، ويقطع الشهوة القبيحة المتولدة عنها.

يؤخذ أيارج فيقرا صحيح الصنعة وزن مثقالين ، ولحاء اهليلج أصفر ، ولحاء اهليلج هندي ، ولحاء اهليلج كابلي ، وأفسنتين رومي من كل واحد وزن مثقال. ومصطكي وأنيسون وبليلج وأملج من كل واحد وزن نصف مثقال. وزنجبيل يابس وزن درهم. وقرنفل وملح هندي وفقّاح الأذخر من كل واحد وزن نصف درهم. تدق الأدوية وتنخل وتعجن بماء قد طبخ فيه سعد ، ونعنع ، ويحبّب أمثال الفلفل. والشربة منه كل يوم مثقال بماء فاتر فإنه نافع مجرب إن شاء الله.

صفة دواء ألفه اسحق بن عمران لمن به قلس ، وتحليل ، وفقد غليظ في معدته. وتحوّل الشهوة للأشياء الردية.

يؤخذ من أيارج الفيقرا المعمول بالصبر الأسقوطري ، عشرة دراهم ، وهليلج كابلي وغاريقون أبيض مقطّع ، من كل واحد خمسة دراهم. ومصطكي ، وسقمونيا وبزر رازيانج عريض ، وأنيسون ، وورق ورد أحمر من كل واحد درهمين. يدق وينخل ويعجن بماء قد طبخ فيه مصطكي وسعد وقرنفل ودار صيني. ويحبب كبارا وتجفّف في الظل. والشربة منه مثقالين بماء قد طبخ فيه مصطكي وشيء من كمون وسعد إن شاء الله.

صفة حب ألّفه عمي محمد بن أحمد للبخار والتحليل الكائن من

المعدة

ويقطع الشهوة القبيحة المتولدة من فساد الأخلاط في المعدة وقد جرّبناه فحمدناه. فإن ذلك نافع لهم.

وقد زعم أبقراط أن جميع ما يقلي تبقى رطبة ودسمة. فإذا صار في المعدة اجتذب رطوبتها إليه ، وسد منها فمها الأسفل ، بانشافه لرطوبتها. وقد يتولّد البخر في الفم والنتن والجشاء ، من قبل بلغم فاسد ، عفن يتولّد في المعدة. وعلاج ذلك يكون بانقاء المعدة بحب الأصطماجيقون أو أيارج

١٦١

الفيقرا ، أو أيارج أركاجانيس ، وما أشبه ذلك من الأدوية المنقّية للمعدة.

فمن ذلك صفة (دواء نافع ) بإذن الله من البخر الكائن من فساد البلغم ، والعفونة في المعدة ويطيّب الجشاء وهو نافع لذلك ، مجرب.

يؤخذ عاقر قرحا ، وأصل الأذخر ، وفقّاح الأذخر ، وسعد ودار صيني من كل واحد وزن مثقال. وقرنفل. وصندل أبيض ، وسنبل هندي ، وقاقلة ، وعود طيب ، ومصطكي من كل واحد وزن درهم. تدق الأدوية وتنخل وتعجن بماء قد طبخ فيه ورد يابس. ويحبّب أمثال الحمّص والشربة منه مثقال بماء فاتر فإنه نافع.

صفة حبّ ألّفته

نافع من البخر والرائحة الرديئة ، والشهوة القبيحة المتولّدة من عفونة البلغم في المعدة. ويطيّب الجشاء ويذهب بسهولته. ويزيل البثر المتولد في الفم ، من قبل فساد المعدة وقد جربناه فحمدناه.

يؤخذ مصطكي ، وقرنفل ، وقاقلة صغيرة ، وجوزبوّا ، وورق ورد أحمر ، وصندل أصفر ، من كل واحد وزن درهمين. وفقّاح الأذخر ، وبسباسة ، وسك ممسّك ، وكبابة ، وعود هندي ، وسعد ودار صيني ، من كل واحد وزن مثقال. وكافور وزعفران. وجوز الطيب ، وميعه يابسة ، وكندر من كل واحد وزن درهم. تدق الأدوية وتنخل وتعجن بماء ورق الأترج أو ورق التفاح ، أو بماء الورد ، ويحبّب أمثال الحمّص ، والشربة منه وزن درهم على ريق النفس يمّسك منه بحب البلسان. ويبلع ويستعمل فيكون أجود في انقاء المعدة. وتلطيف الأخلاط الفاسدة التي فيها. / وقد جربناه. وقد يزاد فيه من الصبر الاسقوطري وزن مثقال ويستعمل. /

صفة جوارشن الفتة للمعدة الباردة واخراج الفضول الغليظة البلغمية الفاسدة منها ، ويطيّب الجشاء وينفع من الشهوة الرديئة المتولّدة ، عن فساد الأخلاط في المعدة ، ويفتح السدد وينفع من القولنج البارد السبب ومنافعه كثيرة وقد جربناه.

١٦٢

أخلاطه

يؤخذ دار صيني ودار فلفل ، وسنبل الطيب ، وقرنفل ، ومصطكي ، وأسارون وقشر سليخة من كل واحد وزن درهمين. وزعفران ، وجوزبوّا وقاقلة صغيرة ونانخواه ، وأنيسون ، وبسباسة ، وقسط حلو وكبابة ، وفقّاح الأذخر من كل واحد نصف درهم. وزنجبيل يابس ، وخولنجان من كل واحد وزن ثلاثة دراهم ، وتربذ قصبي وزن عشرة مثاقيل. تدق الأدوية ، وتنخل وتلّت بأوقية دهن لوز حلو ، وتخلط معها وزن عشرين درهما سكر طبرزد ، ويعجن الجميع بعسل منزوع الرغوة ، والشربة منه مثقال الى مثقالين بماء حار ، ويؤخذ منه وزن أربعة مثاقيل في الفضول على حمية واحتراس ، بعد أن يجعل في كل شربة دانقين سقمونيا. ويؤخذ على التحفظ فإنه نافع سريع النجح إن شاء الله.

القول في الشهوة الرديئة والغريبة

في (مقدارها)

قد بينّا في صدر كتابنا ، أن المعدة الباردة ، يشتهي صاحبها الطعام ، وأكثر ما يشتهيه صاحب المعدة الحارة. وأن السهر يجعل المستعمل له أكولا لتحليله للبدن. وقد ينبغي لنا أن نعلم أن الخلط الحامض الذي يكون في المعدة يزيد من شهوة الطعام. وذلك لثلاثة أسباب : أحدها من قبل أنه لحموضته يلذع المعدة فيعرض فيها بسببه ، بما يعرض من مصّ العروق لها وهي لذلك تحرّك الشهوة للطعام ، كما يتحرك عند / المضغ / في حال الشهوة الصحيحة. والثاني من قبل أنه ببرده يجمع الدم الذي في العروق ، والغذاء كله الذي في الأعضاء ويحضّره من موقع يسير فيبقى فيها مواضع خالية ، فإذا فقدت هذه الغذاء ، والتمسته من المعدة الى الخلاء. ولذلك زعم جالينوس وجماعة حذاق الفلاسفة : أن كلما كان حامضا باردا فهو يعين على شهوة الطعام ، وكلما كان حلوا دسما حارا فهو يجذب الشبع بسرعة. وذلك أن يحل الغذاء وبملاءة الأعضاء. والثالث من قبل أنه ببرده ويجمع جرم المعدة ،

١٦٣

ويجمع جوهرها ، حتى يشتد ويقوي وتكون حدّته أقوى واستيلائه أشد. فإن كثرت هذه الأشياء المتولّد عنها شهوة الطعام ، بالقدر الذي ينبغي. أو فوق ذلك قليلا وتفاقمت فتهيجت شهوة الطعام ، بإفراط وعند افراط الشهوة ، ومجاوزتها القدر الطبيعي ، تسمّى الشهوة الكلبية. وهذه الشهوة الغريبة في مقدارها تسمّى الكلبية تعرض عند أحد ثلاثة أسباب : اما عن سوء مزاج بارد يغلب على فم المعدة ، وأما عن خلط حامض يحدث أما لغلبه من الحرارة حتى تحلل. وأما لضعف من القوة الماسكة ، فمتى تولدت هذه الشهوة الكلبية من سوء مزاج بارد ويغلب على فم المعدة ، أو من اجتماع خلط حامض فيها. اتبع ذلك اسهال مفرط ، وضعف في البدن لأن صاحب هذه العلّة يكثر أكله بسبب البرودة. ويضعف هضمه لعدم الحرارة. فإذا أكل فوق ما تقدر حرارة طباعه على هضمه جرح ، ولم يولد فيه للقوة الهاضمة فتحتاج المعدة الى الغذاء لقوة حاجة الأعضاء الى التربية ، وفقدان العادة من الغذاء فلا شبع يتدارك ، ولا جوع ينقطع. ولا يزيده نموا. ومتى تولدت هذه الشهوة عن سبب استفراغ البدن من فرط الحرارة ، لم يتبع ذلك اسهال مفرط من قبل أن جميع ما ينال الانسان من الغذاء ينفذ الى البدن ، وذلك أن الحرارة إذا أفرطت في البدن ، واشتملت عليه كله>انفتحت<منافذه ، وتخلخل مسافة ، وكثر عند ذلك التحليل منه. ولكثرة ما يكون من تحليل البدن ، ينشف الأعضاء بعضها من بعض ، حتى يصل ذلك الى رأس المعدة فإذا وصل إليها الجذب والنشف ، هاجمت الشهوة ومتى تولّدت هذه الشهوة من قبل ضعف القوة الماسكة ، كان الشيء الذي يتناوله الإنسان لا يمكث في المعدة لكنه يخرج بسرعة غير منهضم. وإذا خلت المعدة هاجت الشهوة. فهذه أسباب الشهوة الكلبية والبرهان الدال عليها.

القول في التدبير النافع لهذه الشهوة الكلبية

ينبغي لنا أن نبدأ من علاج هذه الشهوة الغريبة في مقدارها ، التي تسمّى الكلبية ، فينظر في أي سبب تولّدت فإن كانت من سوء مزاج بارد غالب على فم المعدة ، أو من اجتماع خلط حامض فيها : أمرنا العليل أن يشرب الشراب الصرف الشديد الأسخان. فقد قال أبقراط في كتاب

١٦٤

« الفصول » : شرب الشراب يقي الجوع. وذكر جالينوس عند تفسيره هذا الفصل : ان أبقراط لم يعني بالجوع في هذا الموضع كل حال يعدم فيها البدن الغذاء. ولا عنى أيضا عدم الغذاء الذي تكون معه شهوة ، وانما عنى حال من يعرض له أن تكون شهوته شديدة ، دائمة لا تخبو وهي الشهوة التي يسميها قوم من الأطباء : الشهوة الكلبية.

وقال جالينوس : اني قد شفيت كثيرا ممن أصابه جوع دائم لا يفتر ، بأن سقيته خمرا كثيرا من بعض الخمور التي لها اسخان فوري. فإن الخمر لا يسقي هذا الجوع لأنه لا يسخّن. لكن ما كان من الخمور لونه اللون الأحمر الناصع ، واللون الأحمر القاني ، من غير قبض ، فهو من أبلغ الأشياء في شفاء من به الجوع الذي يسمى الكلبيّ. وذلك أنه لما كانت الشهوة الكلبيّة ، إنما يكون من برد مزاج المعدة. وأما من كيموس حامض ، قد يشربه جرمها ، وكان النبيذ الذي وصفناه يسقي الأمرين جميعا ، وجب أن يسقي الشهوة الكلبية. وأيضا فإنه يسرع الاستحالة الى الدم ، ويملأ الأوراد ، ويغذّي البدن ، ويقوّي العليل ، وينبغي أن يجعل ما يتناولوه من الأطعمة دسمة دهنية ، مثل الزبد وسمن البقر واللبن الحليب المطبوخ بالحديد الحمّى ، ويدمنوا أكل الحبة الخضراء ، والفستق ، واللحم السمين. وما أكلوه مما ليست هذه حاله ، فينبغي أن يكثر في صفته من الدهن والزيت ، ولا يكون في شيء منه عفوصة ولا قبض. ثم يؤمرون من بعد ذلك بشرب شيء من الأنبذة التي وصفنا ، فإن كانوا لم يعطشوا ، بعد فإن جوعهم في العاجل ، يسكر عند استعمال هذا التدبير. وان ( ... ) عليه زمانا طويلا أقلع. وينبغي أيضا أن يستعملوا الجوارشنات الحارة ، مثل جوارشن الجوزى وجوارشن جالينوس ، وجوارشن الفلافل ، وجوارشن النار مشك ، والأطريفل الذي ألّفناه ، والجوارشن الكامل الذي تقدم وصفه ، وما أشبه هذه الجوارشنات ، من الأدوية الحارة الطيّبة فإنها تغيّر حرارة الطباع ، حتى يقوي على هضم الطعام ويبقى الفضل الفاسد في المعدة.

وللفاضل أبقراط قول قال فيه : كل طعام دسم وحلو فهو مشبع سريع. من قبل أنه ينبسط ، وينتفخ ، فيصير من المقدار اليسير منه مقدارا كثيرا ،

١٦٥

ولذلك يملا العروق فيدعو القوة الحادثة الى السكون.

وكل طعام مرّ أو حرّيف ، أو قابض ، فإنه ينهض الشهوة ، أما الحريّف ، فمن قبل أنه يفتح أفواه العروق. ويلّطف الأغذية ، ويجفّف كثيرا منها ويهيئه.

وأما القابض فلأنه يجمع الغذاء ويقبضه حتى يصير جسمه أصفر ويأخذ موضعا ، أقل فلا يمليء العروق وأما الحامض فللوجهين.

وهذه صفة جوارشن ألّفته

لأوجاع المعدة الباردة ، وما يتولّد منها من أسباب ذلك ، من الجشاء الحامض ، والشهوة الكلبية ، والفواق الكائن من امتلاء الفضول البلغمانية ، ويطرد الريح والنفخ ، ويذهب بالربو ، والتخم ، ويهضمه الطعام ، ويطيّب المعدة ، ويقطع العطش ، والتحليل ، ويصفّي اللون ، ويسخن الجسم ، وهو عظيم المنفعة.

أخلاطه

يؤخذ من الدار صيني ، والدار فلفل ، والزنجبيل اليابس ، والخولنجان ، من كل واحد وزن عشرة دراهم ، ومصطكي ، وزعفران ، وقشور السليخة ، وبزر الرازيانج ، والأنيسون من كل واحد وزن خمسة دراهم. وقسط أبيض ، وأسارون ، وحماما ، وسنبل هندي ، وبرز كرفس ، وحب بلسان ، عود بلسان ، وقرنفل ، وقاقلة ، وكبابة ، وساذج هندي ، من كل واحد مثقالين. تدق الأدوية ، وتنخل ، ثم يؤخذ فوذنج نهري ، وفوذنج جبلي ، وعود السوس المجرود الأعلى ، من كل واحد وزن عشرة دراهم ، ونعناع وكمون كرماني ، ومرزبحوش من كل واحد وزن خمسة دراهم. وسذاب يابس وزن مثقال. وزبيب منزوع العجم أوقية ، يجمع ذلك ، ويطبخ فيه ثلاثة أرطال ماء بنار ليّنة ، حتى يبقى النصف ، ويمرس ويلقي عليه مثلي وزن الأدوية فانيد ، ويطبخ معه بنار لينة حتى يصير في قوام العسل الثخين. فتعجن به الأدوية المسحوقة المنخولة ، عجنا سلسا. ويرفع في برنيّة ملساء. والشربة منه وزن مثقال الى درهمين. بماء فاتر فإنه سريع النجح ومحمود. فإن كانت هذه

١٦٦

الشهوة الكلبية متولدة عن استفراغ البدن بالتحليل ، من قبل افراط الحرارة ، فينبغي أن يدهن العليل بدهن الورد ، ودهن البنفسج ، ويغيّر الهواء الى البرودة ويستعمل الأدوية ، والأشربة ، المقوّية للاعضاء. ويصير مكان الحركة السكون ، ومكان السهر النوم.

وقد قال أبقراط : متى كان بإنسان وجع فلا ينبغي أن يتعب ، فإذا كانت هذه الشهوة متولدة عن ضعف القوة الماسكة. فينبغي أن يعطي الدليل جوارشن السفرجل ، وجوارشن الرمان ، والجوارشن الجوزي ، والأطريفل البارد القابض الذي ذكرنا في أول الكتاب. وسفوف حب الرمان وما أشبه ذلك من الأدوية والأشربة والأغذية العفصة ، التي لها قوّة عطرية وانها تسد جرم المعدة ، وتقوّي القوة الماسكة ، ولا تعالج بالأشياء الدسمة. فإنها ترخي المعدة وتضعف هذه القوة الحابسة ان شاء الله.

القول في بطلان شهوة الشرب للماء

ان الماء حياة كل شيء ، وهو يليّن الطعام في البطن والمعدة. وفي غريزة الإنسان الشهوة للماء كما يشتهي الطعام. وقد يعرض لهذه الشهوة البطلان ، كما يعرض لشهوة الأطعمة. وتكون ذلك اما لكثرة الرطوبة ، واما للبرودة ، واما لقلّة حس المعدة.

وربما نقصت شهوة الشراب ، اذا لم تكن هذه الأشياء التي وصفناها قد بلغت الغاية. فقد ذكر جالينوس في تفسيره في كتاب « ابيذيميا (١) » أن شهوة الشراب تبطل من أحد ثلاثة أسباب : اما من فضل رطوبة تكون في المعدة ، واما من بطلان القوة الحساسة التي فيها. واما من سوء (التمييز) بالدهن. وبطلان الشهوة للشراب من أجل بطلان القوة الحساسة دلالة مذمومة. وأردأ منها حالا(من)كان لا يشتهي الشراب البتة لأن ذلك يدل على موت من القوة الحساسة التي في المعدة. وكما أن الشجر انما تجف أصولها ، وتذبل فروعها ، بعدم غروقها رطوبة الماء. وكذلك الجسد ينحلّ وتذبل أعضاؤه

____________________

(١) كتاب ابيذيميا (الامراض الوامنة) لا بقراط. ولجالينوس تفسير لهذا الكتاب.

١٦٧

لعدم الشهوة للماء. لأنه قد ركب في غريزية الإنسان شهوة الشراب. وكما ركب فيه شهوة الطعام. وتقوم الأجساد بذلك في حياتها وينموان باستعمالها.

القول في بطلان الشهوة

ينبغي لنا أن ننظر ، فإن كان سبب بطلان شهوة الماء من قبل رطوبة عالية على فم المعدة ، فيستفرغ تلك الرطوبة اما بالقيء في رفق ولطف ، وأما بالاسهال بالأدوية التي ذكرنا أنها تنقّي المعدة من الرطوبات. فإن منع من الإسهال مانع ، فينبغي أن يعالج العليل بالأدوية والأشربة والأغذية التي تجلو تلك الرطوبة الرديئة ، وتصلح كيفيتها ، وتقوّي المعدة ، مثل الاسكنجبين العسلي ، بمطبوخ الأصول ، وشراب العسل المتخذ بالأفاوية وما أشبه ذلك فإن كان بطلان شهوة الشراب من برد غالب على فم المعدة فينبغي أن يعالج ذلك ، بالأشياء الحارة اللطيفة مثل جوارشن جالينوس. أو جوارشن الفلافل ، أو جوارشن الأفاوية ، وجوارشن الأنيسون ، أو جوارشن الكمون ، أو الجوارشن الذي سميّناه : الكامل. وما أشبه ذلك مما فيه عطرية أدوية كانت أو أغذية إن شاء الله.

القول في الشهوة الرديئة الغريبة في الشرب

انه كما أن الجوع سبب لاستعمال الأكل ، كذلك العطش سبب لإستعمال الشرب. وقد تعرض شهوة رديئة غريبة للأشربة حتى يشتهي الإنسان الشراب بأكثر مما ينبغي. ويفرط عطشه كالذي يعرض من الشهوة الغريبة ، للأغذية فمتى تولد العطش بالإنسان فوق المقدار الطبيعي ، من غير أن يكون تغذّى بأشياء حارة أو محالة ، وما أشبه ذلك من الأشياء المعطّشة فإن السبب في ذلك يكون عن ألم الأعضاء الباطنة ، وأكثر هذه الأعضاء شهوة للشراب : المعدة وبخاصة فمها الأعلى. ثم بعد المعدة المريء ، وبعد المريء الرئة ، وبعد الرئة الكبد ، وبعد الكبد المعاء المعروف بالصائم. وإنما يشتد العطش من المعدة لأمرين : أما من طريق الكميّة إذا كان فيها خلط كثير من المرار والبلغم المالح ، أو من طريق الكيفية إذا حدث فيها ضرب من الغليان والحمّى. فيشتهي الشرب لذلك كما يعرض في الحمّى. وأكل الغذاء والشراب

١٦٨

الحار ، بالقوة جدا ، فإن كان العطش من مرّة صفراء في فم المعدة أو في طبقاتها ، وجد العليل عند شربة الماء مرارة في الفم ، مع بخار دخاني في الحلق وتسرع سخونة ذلك الماء في المعدة. وإن كان من بلغم مالح محتبس في طبقات المعدة ، وجد ملوحة في مذاقته ، ويسكن عطشه عند شرب الماء السخن. وأما العطش العارض من قبل ألم أعضاء الصدر فإن سبب ذلك يكون من تغيّر مزاج حار غلب على تلك الأعضاء. أو من قبل ورم حار يولد فيها. وصاحب هذا العطش(يستريح)الى الهواء البارد وينتفع باستنشاقه أكثر من انتفاعه لشرب الماء البارد. فإن كان العطش من قبل ألم الكبد ، فإنه يكون أيضا اما من قبل تغيّر مزاج حار غلب عليه ، أو ورم حار يولد منه. ودليل ذلك ما يجد العليل في جنبه الأيمن عند شرب الماء لأن الوجع عند ذلك يكون أشد حتى لربما حبس النفس ، وقد يكون العطش خفيفا وأعني بالخفيف اليسير ، وحدوث هذا العطش ليس يكون من البدن كله ، ولا من حال علّة عالية على نواحي أعضاء الصدر والمعدة والكبد. لكنه انما يتولد عن سبب (جفاف) المواضع التي تنجذب فيها الرطوبة من الفم الى المعدة ، وحرارتها وقد يعرض العطش في بعض الأوقات اذا (التهبت) الكليتان وضعفتا. فيكون صاحب هذه العلة لا يروى من الماء ، ولا يذهب عطشه ، ويسمي ذلك ضيابيطا. وقد بينّا السبب في هذه العلة. وذكرنا تدبيرها وطريق مداواتها ، وأنها في كتابنا المسمّى « زاد المسافر ».

القول في التدبير النافع لأفراط العطش

ينبغي أن يقطع العطش المفرط المتولد من قبل مزاج حار غالب على أحد هذه الأعضاء الباطنة التي ذكرنا ، بأن(يؤمر)العليل بالسكون وضم الفم ، والصمت ، وادخال الريح البارد مع الشرب وعند استنشاق الهواء بعد أن يعني عناية بالغة أن يكون الهواء الذي يستنشق بارد. وخاصة في الصيف ، ويسقي الأشياء الباردة المطفئة للحرّ مثل ماء القرع المشوي مع السكر الطبرزد. أو ماء الدلاع مع شراب البنفسج أو لعاب البزر قطونا المستخرج في ماء الرمانين. أو في ماء الورد مع شراب الجلاب ، أو شراب الورد ، أو شراب الاجاص ، ويمزج الماء دائما ببعض هذه الأشربة التي ذكرنا.

١٦٩

ويكون الغذاء الرجلة والخس ، والبقلة اليمانية. والقرع وما أشبه ذلك. فإن كان يولّد العطش من قبل مرة صفراء محتبسة في طبقات المعدة ، ودل على ذلك البرهان الذي قدّمنا فينبغي أن يستفرغ ذلك المرة ، اما بالقيء واما بالاسهال بالأدوية المنقّية لها ، المطفئة لحرارتها ، على نحو ما ذكرنا في علاج بغير مزاج المعدة المتولّد من المرة الصفراء ، في ابتداء الكتاب. ويستعمل أيضا مع ذلك التدبير ، بعض هذه الأدوية التي نذكر بعد أن اختبرناها وعلمنا سرعة نجحها ، وعظيم منفعتها.

فمن ذلك شراب الفته للحر الشديد في المعدة

والالتهاب ، والحرقة ، والعطش المفرط ، وانقطاع الشهوة المتولد عن قوة الحر ، وقد جرّبناه فحمدناه.

يؤخذ من نوّار البنفسج ، وورق الورد الأحمر من كل واحد وزن عشرة دراهم. وصندل أحمر ، وصندل أبيض ، من كل واحد وزن خمسة دراهم. وأجاص وعناب من كل واحد ثلاثون عددا ويجمع ذلك ويطبخ في ثلاثة أرطال ماء بنار ليّنة ، حتى يبقى النصف ويمرس ويصفّى ويلقي على ذلك الصفو رطل من ماء الرمانين ، ورطلين سكر طبرزد مسحوق ، ويطبخ أيضا بنار ليّنة ، حتى يصير في قوام الأشربة. فيرفع في النيم ، بعد أن يعتّق بدانق كافور. والشربة منه أوقية بماء بارد ، عند شدة الحر والعطش والتهاب المعدة. فإنه بديع عجيب.

ومن ذلك أيضا صفة شراب ألّفته نافع من الحر والعطش ، ويهدّيء المرّة الصفراء ويقمع وهجها وقد جرّبناه.

يؤخذ من الأجاص السود أربعون حبة ، ومن التمر الهندي المنقّى ، والترنجبين الخراساني ، من كل واحد أوقية. ومن الطباشير ، ولبّ بزر القثّى ، ولب بزر البطيخ. ولبّ حب القرع من كل واحد وزن أربعة دراهم. يجمع ذلك ويطبخ في ثلاثة أرطال ماء بنار ليّنة حتى يذهب النصف. ويمرس ويصفّي ، ويخلط مع ذلك الصفو رطل من ماء الحصرم ، ان أمكن وثلاثة أرطال سكر طبرزد مسحوق ثم يطبخ بنار ليّنة ، حتى يصير في قوام الجلاب

١٧٠

فيعتق عند ذلك بدانقين كافور ، ويرفع في النيم ، والشربة منه أوقية بالماء البارد.

ومن ذلك أيضا شراب ألّفته بارد قامع للحر

الكائن في المعدة قاطع للعطش المفرط مسكّن للذّع والحرقة والوهج. يؤخذ من ماء القرع المستوي رطل بالبغدادي ، فيمرس فيه وهو حار أوقية ترنجبين خراساني ، ويصفّى ويخلط معه رطل من ماء الرمانين. ونصف رطل من ماء الورد. ورطلين سكر طبرزد. ويطبخ بنار ليّنة حتى يصير في قوام الجلاب. ويرفع في النيم ، بعد أن يعتّق بدانق كافور. الشربة منه أوقية بالماء البارد.

صفة نقوع ألّفه ابن مأسويه ينفع بإذن الله من شدة العطش والحرارة ويبس الحلق والفم وهو مجرب.

يؤخذ من ورق الورد الأحمر ، خمسة دراهم ، ومن التمر الهندي المنزوع النوى وزن عشرة دراهم. وخيار شنبر منقّى من فصه وجه وزن ثلاثة دراهم. وحب سفرجل وكثيراء بيضاء من كل واحد وزن درهمين. ورازيانج وزن درهم ينقع برطلين من ماء وهو حار شديد الحرارة يوما وليلة. ثم يصفّى ، ويسقى من هذا الماء على الريق. وكلما طلب ماء أسقي منه فإنه نافع إن شاء الله.

( ...... ) ينفع من الحرارة والعطش ، (الحمايات الحاد) من اللذع والمرّة الصفراء.

يؤخذ تمر هندي منقّى وزن خمسة دراهم. ومن لب خيار شنبر ثلاثة دراهم وعدس مقشر وبنفسج ، وورد أحمر من كل واحد وزن درهمين. وعدس مقشر ثلاثة دراهم. يجمع ذلك ويصب عليه رطل ماء معين وهو حار. ويترك يوما فإذا كان بالغداة مرس وصفّي وأسقي العليل ذلك الماء بمرة واحدة. ويسقى كل ما طلب الماء ما قد نقع فيه أجاص وعناب ممزوج بشراب البنفسج فإنه يسكّن العطش إن شاء الله.

١٧١

صفة جلاب بارد نافع من العطش ، والحمّى الحارة ، والتهاب

المعدة

يؤخذ من ماء الدلاّع ، أو ماء القرع المشوي ، أربعة أرطال. ومثله سكر طبرزد. فيطبخ بنار ليّنة ، وتنزع رغوته. فإذا نزعت الرغوة صبّ عليه من ماء الورد رطل بالبغدادي. ويطبخ حتى يثخن ثم ينزل عن النار ويترك حتى يبرد ، ويعتّق بربع درهم كافور ويرفع في النيم. والشربة منه أوقية بماء بارد فإنه نافع إن شاء الله.

صفة أقراص ألفته لأفراط العطش ، والحرارة ، والحمّى ، يؤخذ في الأسفار عند عدم الماء من الصيف وهو بارد.

يؤخذ بزر رجلة وكثيراء بيضاء من كل واحد وزن ثلاثة دراهم. ولبّ بزر القّثى ولب بزر البطيخ ، ولب بزر الخيار ، ولب حب ، القرع من كل واحد وزن درهمين. وطباشير أبيض وصندل أصفر ، ورب السوس ، وصمغ عربي ، وبزر خس من كل واحد وزن درهم ، في نشاستج ، وبزر خطمى ، وكافور ، من كل واحد وزن / نصف / درهم ، وسكر طبرزد وزن أربعة دراهم. تدق الأدوية ، وتنخل وتعجن ، بلعاب البزر قطونا ، المستخرج في ماء الورد ، أو في ماء القثاء أو ماء الدلاع ، أو ما يتخذ من ذلك أقراص وزن القرصة مثقال. وتشرب واحدة مع جلاب أو يمسك في الفم وتبلغ. اذا ذابت فإنها تقطع العطش وتطفيء الحر. إن شاء الله.

صفة أقراص الطباشير النافعة من الحمى الملتهبة ، واستمراء المعدة والكبد والعطش الدائم ، والوهج والحرقة.

يؤخذ طباشير أبيض ، وورد أحمر من كل واحد وزن خمسة دراهم. وكثيرا بيضاء وبزر رجلة ورب السوس ، من كل واحد وزن ثلاثة دراهم. وصمغ عربي ، ونشاستج ولب بزر قثّاء ولب بزر البطيخ ، ولب حب القرع ، من كل واحد وزن درهم ، وزعفران ، وزن نصف درهم ، تدق الأدوية وتنخل ، وتعجن بماء قد مرس فيه وزن ثلاثة دراهم ترنجبين ويعمل من ذلك وزن كل قرصة مثقال والشربة قرصة مع أوقية شراب بنفسج.

١٧٢

صفة حب ذكره اسقلبيادس

يسكّن الوجع والعطش وينفع من به تلهّب واحتراق. يؤخذ من بزر القثّاء البستاني ، ثمانية مثاقيل. ومن الكثيراء أربع مثاقيل. تحل الكثيراء بماء الشعير وتسحق نعما ثم تلقي على بزر القثاء ويسحق جميع ذلك ويتخذ منه حب ويجفف في الظل. ويصيّر العليل منه واحدة تحت لسانه. ويبتلع ما يتحلب منها أولا فأولا إن شاء الله. وينبغي أن يعطي صاحب العطش ماء الشعير الحكم الصنعة أو ماء الكشك. أو ماء الرمانين ، ويكون شرابه السكنجبين السكري ، أو شراب الاجاص ، ويتناول الورد المربّى والبنفسج المربّي.

وقد قال فولوبس تلميذ أبقراط في مقالته « في تدبير الأصداء (١) » : وأما من أصابه عطش شديد ، فالأصلح له أن يقلّل من طعامه ، ومن تعبه ، ويشرب شرابه ، وهو شديد البرد جدا ، كثير المزاج ، فإن كان يولد العطش من قبل بلغم مالح محتبس في طبقات المعدة. فينبغي لنا أن نستفرغ ذلك البلغم. اما بالقيء ، واما بالاسهال ، ثم يستعمل بعد ذلك ما فيه قوة جلاء وتنقية مثل أن يؤخذ من ماء الهندباء. وماء الرازيانج ، وماء الكرفس ، من جميعها نصف رطل مغلي مصفّي. فتمرس فيه أوقية ورد مربّي عسلي ، ويشرب الماء الحار وحده. قد تنفع في هذه العلة كثيرا لأنه يلطف الفضلة ، وكذلك الشراب الأبيض الرقيق. ويسقي أقراص الورد التي ركّبناها. وهذه صفة أقراص الورد ألّفها لضعف المعدة ، وأوجاعها ، والحميات المزمنة ، والعطش المتولد عن البلغم المالح. الكائن في المعدة وقد امتحنتها وكانت عظيمة المنفعة سريعة النجح.

يؤخذ من ورق الورد الأحمر ، وزن عشرة دراهم. وأصل السوس المجرود الأعلى وزن خمسة دراهم. وسنبل هندي ، وبزر رازيانج عريض ، وأنيسون ، ومصطكي ، من كل واحد وزن ثلاثة دراهم. وزعفران ، وقاقلة صغيرة ، وكبابة وعود غير مطرّي ، وفقّاح الأذخر. من كل واحد وزن درهم.

____________________

(١) هو كتاب لا بقراط ، ولعل فولوبس شرحه او فسره.

١٧٣

وطباشير وصندل أبيض وكثيرا من كل واحد وزن مثقال. تدق الأدوية وتنخل وتعجن بماء الهندباء. وتعمل أقراص ، وزن كل قرصة ، مثقال وتجفف في الظل ، والشربة قرصة في مياه البقول. مع شراب اسكنجبين أو بشراب الميبة ، فإنها أقراص نافعة وقد جربتها فحمدتها.

وأما العطش الخفيف الكائن من يبس المواضع التي تنحدر فيها الرطوبة العائمة في الفم الى المعدة ، فينبغي أن تؤمر بالنوم. فإن ذلك العطش يزول في نومه. ذلك لأن النوم يرطّب باطن البدن ، من أجل أن الدم يمسك في وقت النوم الى باطن البدن فيرطّبه فإن كان العطش من حرارة تلك المواضع. فليؤثر العليل باليقظة من نومه. فإن ذلك العطش يسكن عند اليقظة وذلك أن تلك المواضع تسخن في وقت استمراء الطعام في المعدة من البخارات التي تكون في وقت المضض. فإذا سحبت هاج العطش. فإذا كانت اليقظة تسكن. ولذلك أمر أبقراط من يريد بتبريده ألاّ يطيل النوم ولكن تستعمل اليقظة كثيرا لأن النوم يسخّن البدن كما ذكرنا وخاصة فيمن كانت حرارة مزاجه خارجة عن الاعتدال ، وذلك أنها تغور الى عمق البدن وتجتمع هناك. وأما اليقظة فمبرّدة لأن الحرارة ، يمثل في وقت اليقظة الى ظاهر البدن حسب ما بيّنا.

القول في ماهيّة الفواق ، وصفته ، وأسبابه

والقواعد من حركة (قسمته).

ويشتاق القوة الى دفع (الأمر أيضا) واخراجه ( ... ) عنده يكون عند هيجان المعدة بكليتها لدفع الشيء المؤذي عنها.

وذكر جالينوس من كتاب « العلل والأمراض » : أن الفواق انما هو حركة تكون على غير ما ينبغي اما بدئا ، فمن القوة الدافعة ، ثم بعد ذلك من القوة الماسكة ، وذلك أن حال هذه القوة ، في الامساك عند الفواق. تكون حالا رديئة. والفرق بين التهوع وبين الفواق أن التهوع انما يستفرغ ما هو محتبس في فضاء المعدة ، واستفراغه ما استفرغه يكون محسوسا ، وأما الفواق فإنما يستفرغ ما هو محتبس في نفس جرم المعدة. وليس استفراغه مما يستفرغه محسوسا ، والفواق يكون من قبل شيء يؤذي القوة ، اما ببرده مثل ما يعرض في النافض ، واما لحرارته ، مثل ما يعرض لمن يتناول فلفلا ، ولا

١٧٤

سيما ان كان مسحوقا نعما حتى يسهل غوصه في فم المعدة والفواق يكون من ضروب كثيرة ، وأسباب مختلفة. وذلك أن منه ما يعرض من الامتلاء. ومنه ما يعرض من الاستفراغ ، ومنه ما يعرض من برد ينال فم المعدة. ومن ريح ينفخ في المعدة فيحبس ريح النفس ويقطعه فيكون فواقا. ويكون من ورم يعرض لفم المعدة ويكون من فساد الطعام في المعدة واستحالته الى كيفية لذّاعة ، وسأذكر الفرق بين كل واحد من هذه الأسباب ، والبرهان الدال على ذلك ما أبانوه الأوائل من كتبهم ومن شرح علمهم من بعدهم. ليكون البيان شافيا ، والبرهان كافيا ، وأقول : ان الفواق حدث من امتلاء الفضول البليغة أو الرطبة ، أو عن كثرة الأطعمة ، والأشربة ، وجد العليل من ذلك ثقلا في معدته وامتلاء فيها ، وقلة هضم للطعام. وأكثر ما يعرض هذا الفواق المتولّد من الامتلاء ، للمشايخ وأصحاب الترف والدعة ، ولمن يكثر الاغتذاء بالأغذية الرطبة ، ويدل على أن الفواق يكون كثيرا من الامتلاء ما يراه يعرض للصبيان فإنه قد يعرض لهم الفواق كثيرا. اذا ثملوا من الطعام وبرد الهواء أيضا. فضل برودة تمنع الأجسام العصبية من التحلل ، فيحدث فيها بسبب ذلك الامتلاء ، فيكون بسبب ذلك الفواق. فإن كان حدوث الفواق عن استفراغ ، مثل القيء الشديد ، أو الاسهال ، أو الحمّى الحادة ، وجد العليل يبسا وتقبّضا في معدته وحمّى ما تخبر به ، مما عرض له من ذلك وأكثر تولّد هذا الفواق للشباب. ولمن يكثر من التعب والنصب ، ولا يكاد يكون الا في الندرة والجبن.

وقد قال أبقراط في كتاب « الفصول » : اذا حدث التشنج أو الفواق بعد استفراغ مفرط ، فهو علامة رديئة. وقد بيّن لنا أبقراط في مواضع كثيرة من كتبه الشريفة : أن التشنج الذي يكون في الاستفراغ أردأ كثيرا من التشنج الذي يكون من الامتلاء. وقد علمنا من قول أبقراط ، أن الفواق انما هو تشنّج يعرض في رأس المعدة والمريء. ومن أجل ما ذكرنا قال أبقراط أيضا : اذا جرى من البدن دم كثير فحدث فواق أو تشنج فذلك علامة رديئة. فإن كان حدوث الفواق من برد فم المعدة فإن العليل لا يجد شيئا مما ذكرنا. ويكون أكثر هيجان عن تكشفه للبرد ، أو عند تناول الأشياء الباردة ، وقد يخبر العليل بذلك. فإن كان حدوث الفواق من قبل

١٧٥

ريح في المعدة ، وجد العليل النفخ في المعدة ، والبطن والامتداد فيهما. وان كان حدوث الفواق ، من قبل ورم في فم المعدة ، وجد العليل ثقلا في فم معدته ، ووجعا بين كتفيه ، ويجس الورم باليد ويتبع ذلك الفواق تواتر النفس ، وذلك أن الورم تمنع الريح أن يجري مجراه في المعدة في الصعود والهبوط. فيختنق في المعدة ، ويجتمع فيها ، أكثر من احتمالها من الريح ، فيندفع بالخروج بالفواق قليلا قليلا.

فيطول الفواق على قدر غلظ الفضل ، أو استحكام مادة الورم. فلا يذهب الفواق الا بدهون الورم والورم لا يذهب الا في هذه طويله فلذلك كان هذا الفواق رديء عسر البرء. وللفاضل أبقراط قال فيه : حدوث الفواق وحمرة العينين بعد القيء دليل رديء وقد قال جالينوس : اذا لم يسكن الفواق بالقيء ، دل على أحد أمرين : اما على أن أصل العصب وهو الدماغ قد حدث فيه ورم ليس باليسير ، وأما أن ذلك حدث في المعدة وحمرة العينين ، يلزم في الحالين جميعا. الا أنها بأورام الدماغ الحارة أولا ، فإن كان حدوث الفواق من استحالة الأغذية في المعدة الى كيفية لذلك ، أو من قبل تناول أغذية حارة ، فإن العليل يحس بحرارة في معدته ، وبلهث ولذع شديد ، وعطش وحرقة. وفيما ذكرنا من أسباب الفواق ودلائله كفاية.

فليذكر ما ينبغي أن تقابل كل نوع على ما أقصد مسالكه. وأبيّن طرفه إن شاء الله.

القول في علاج الفواق وقطعه

ينبغي لنا أن نبدأ بعلاج الفواق بأن ينظر أي هذه الأسباب ، التي قدمنا ذكرها تولّد. فإن كان تولّده عند الامتلاء ودل على ذلك البرهان الذي بينّا ، فأبلغ الأشياء في علاج ذلك بقص ذلك الامتلاء اما من فوق ، فبالقيء واما أسفل فبالاسهال ، وذلك أن ساعد الزمان والسن والقوة. فإن لم يكن ذلك ، استعملنا ما فيه قوة جلاء وتسخين وتقطيع ، لتلك الفضول. مثل الجندبادستر ، ويشرب منه شيء يسير ، مع خل ممزوج أو بشرب وزن دانق ونصف جندبادستر بأوقيتين من ماء السيسنبر ، وينفع ذلك أيضا أن

١٧٦

تلطّخ المعدة من خارج بالزيت العتيق ، والجندبادستر ، وينبغي أن تحرك المعدة لتحلل تلك الرطوبة التي فيها.

والذي يفعل ذلك : العطاس. وقد قال أبقراط في كتاب « الفصول » اذا اعترى الانسان فواق فحدث به عطاس سكن فواقه. وذكر جالينوس أن الفواق يكون كما يكون التشنج من الامتلاء ومن الاستفراغ. وأكثر ما يكون من الامتلاء وما يكون من الامتلاء فإنه يحتاج الى حركة قوية ومزعجة حتى يتعلّق بتلك الرطوبات فيتحلل ، ويستفرغ. وقد يفعل ذلك العطاس وأما الفواق الذي يكون من الاستفراغ ، وليس يكاد أن يكون الا في الندرة ، فليس يبرئه العطاس وينفع الفواق الصعب الحادث من الامتلاء أن يؤخذ بطراساليون ، وهو بزر الكرفس الجبلي ، وكمون كرماني ، من كل واحد وزن ثلاثة دراهم. فيدق وينخل ، ويسقي منه وزن مثقال ، بماء السيسنبر ، وينفع بإذن الله من الفواق العارض من امتلاء الرطوبات البلغمية ، والرياح الغليظة التي بسببها غلظ المادة ، وبردها أن يسقى العليل من الأدوية المعجونة ، التي وصفها المتقدمون. واستبنّا نحن فضلها ونجحها ، مثل الترياق الأكبر ، والترياق الرباعي ، و (السكرنايا) ، والفلونيا ، وجوارش البزور ، وجوارشن الانيسون ، وجوارشن الكمون ، وجوارشن الكرويا ، وجوارشن الفلافل ، وجوارشن الزنجبيل ، وجوارشن الخولنجان ، وجوارشن الجوزي ، وجوارشن الفوذنج ، وجوارشن البلاذر ، وجوارشن القرنفل ، والجوارشن المسمى : طالب الحق ، والدبيدات مثل دبيدالك ، ودبيد الكركم ، ودبيد الراوند ، ودبيد طربيا ، وما أشبه ذلك من الأدوية المعروفة. يشرب من اليها أمكن من نصف درهم الى درهم. الى مثقال على قدر الحاجة بماء حار أو بماء قد طبخ فيه بانجان ، وكرويا ، وسذاب رطبا ، أو بماء النعناع ، أو بماء السذاب المعصور أو بماء الفوذنج ، فإن هذه الشراب التي سمّيناها ، نافعة للفواق ، المتولّد من الامتلاء ، ومن الريح الغليظة ومن برد المعدة إن شاء الله.

وينبغي أن تكمّد المعدة بماء حار قد طبخ فيه المرزنجوش ، والنمام ، والنعنع ، والرند ، والصعتر ، والفوذنج ، والقيصوم ، والشب ، وأكليل الملك ،

١٧٧

والشيح ، تؤخذ مفردة أو مؤلفة وتطبخ ، وتغمس في ذلك الماء. وهو حار ، اسفنج ، وتكمّد به المعدة ثم يدهن بعد ذلك ، بدهن الرند ، وبدهن البابونج ، أو بدهن القسط ، أو بدهن الناردين ، أو بدهن الأفسنتين ، وما أشبه ذلك من الأدهان الحارة المحلّلة.

وهذه وصفة أقراص

ألّفها للفواق المتولد من الامتلاء أو من الريح الغليظة ، أو من برد المعدة ، وقد عالجت بها خلقا من فساد المعدة ، وضعفها المتولد فيها من قبل البرد والريح والرطوبة ، البلغمانية فوجدتها سريعة النجح.

يؤخذ أنيسون وكمون كرماني ، ومصطكي ، ودار صيني وأسارون ، من كل واحد وزن ثلاثة دراهم. وفوذنج نهري يابس ، ونعناع يابس ، وسذاب يابس ، من كل واحد وزن درهمين ، وبزر كرفس ، وبانجان ، وزعفران ، وسنبل هندي ، وقشر سليخة ، وفقّاح الأذخر ، وقسط وعود غير مطرّي ، وقرنفل ، وورق النمام ، اليابس ، وعصارة غافث ، وساذج هندي ، من كل واحد وزن درهم. تدق الأدوية وتنخل وتعجن بنبيذ طيب الرائحة. ويعمل من ذلك أقراص. وزن كل قرصة درهم. والشربة قرصة مع شراب الفوذنج ، أو شراب العسل المعمول بالأفاوي ، أو شراب اسكنجبين عسلي إن شاء الله.

ومن ذلك أيضا وصفه دهن ألّفته نافعا للفواق العارض من البرد والريح والامتلاء ، في المعدة وهو يفتّح السدد ، وينقّي الريح.

يؤخذ من الفوذنج النهري ، والفوذنج الجبلي ، والسذاب اليابس ، والنعناع من كل واحد وزن أربعة مثاقيل. وكرويا وبانجان ، وقيصوم ، وأفسنتين رومي ، من كل واحد وزن مثقالين ودوقّوا وراوند صيني ، وأنيسون ، من كل واحد وزن مثقال. يدق ذلك وينقطع في رطل ماء حار ، قوي الحرارة ، ويترك فيه يوما وليلة ، ثم يلقي عليه نصف رطل دهن لوز حلو وأوقيتين من دهن الرند ، ويطبخ بنار لينّة ، حتى يبقى أكثر الماء. وينزل ويترك حتى يبرد ويصفّي الدهن باليد تصفية لطيفة ، نظيفة ، ويشرب منه وزن مثقالين بماء فاتر. فإنه نافع إن شاء الله.

١٧٨

ومن ذلك صفة دهن ألفه ابن مأسويه

للفواق العارض من البرد ، والسدد ، والريح الغليظة ، وهو مجرّب

يؤخذ من ورق السذاب عشرين مثقالا ، ومن الحلبة عشرة مثاقيل ، ومن الانجذان الأسود ، وبزر الشبث والأنيسون من كل واحد خمس مثاقيل. يرض الجميع ويصب عليه من الماء خمسين مثقالا ، ومن دهن العجل ثلاثين مثقالا ، ويطبخ بنار ليّنة ، حتى يذهب ثلثا الماء ، ويبقى الثلث ثم يصفّي بالكف تصفية رفيعة. ويشرب منه(مثقالان)على مثقال من ماء السذاب الرطب. ومثقالين ماء فاتر. فإنه عجيب نافع جدا. إن شاء الله.

وينفع مثل ذلك أيضا أن يتجرع دهن الخروع أو دهن الرند أو دهن القسط بما حار ويعطس العليل بالكندس أو بالفلفل المسحوق والفوذنج ويفزّع العليل ويخبر بما يغمّه أو يخافه فإن الطبيعة تشتغل عنه باستعمال الفكرة. فإن كان الفواق متولد من قبل الاستفراغ والحدة والحرارة فينبغي أن يجتنب العليل جميع هذه الأشياء التي قدمنا ويستعمل في علاجه ضد ذلك التدبير وذلك أن تأمروه بادمان أخذ الشعير ويسقي الماء البارد مع شراب الجلاب ، أو شراب البنفسج أو يسقي ماء الورد مضروب بدهن الورد أو يسقي لعاب البزر قطونا ، وحب السفرجل مع دهن البنفسج ، أو دهن حب القرع والنعناع اذا شرب مع ماء الرمان المز ، وحماض الأترج ، نفع من الفواق الصفراوي ويسكن الغثي والهيضة ويتغذى بالأغذية الرطبة مثل الخباز والرجلة ، والقرع والبقلة اليمانية ، ويدهن المعدة بدهن البنفسج ، أو بدهن الورد ، أو بدهن الخل مع شمع أبيض. ويضمّد المعدة من خارج بضماد متخذ من دقيق الشعير. وحطمي ، والقرع. والبقلة الحمقاء ، مدقوق مخلوط وان كان فيه اسهال شرب من الأشربة القابضة الباردة مثل شراب الرمانين ، وشراب الكمثرى ، وشراب التفاحين وما يشبه ذلك مع ماء الورد ، ودهن الورد ، ويكون طعامه العدس المقشر المطبوخ بماء الحصرم أو بماء الرمان الحامض إن شاء الله.

١٧٩

صفة دواء ألفه عمي محمد بن أحمد ،

المتطبّب للفواق العارض من الاستفراغ ، والحر ويبس

المعدة ، وتلهّبها من قبل الصفراء.

يؤخذ بزر رجلة ، وكثيرا بيضاء ، ولب بزر القثّاء ، ولب بزر البطيخ ، ولب حب القرع ، وبزر خشخاش ، وسكر طبرزد ، من كل واحد وزن أربعة مثاقيل. ولوز حلو مقشر ، وزن ثلاثة مثاقيل ، يدق ذلك ويسحق ويؤخذ لعاب البزر قطونا ، ولعاب حب السفرجل ، بعد أن يستخرج بماء حار فيضرب بدهن البنفسج ، وشراب الجلاب ، وتعجن به الأدوية ، حتى يصير مثل اللّعوق الرطب اللين ويلعق منه العليل وقتا ، بعد وقت. فإنه يرطّب المعدة. فإن كان الفواق يتولد عن الأطعمة الحارة اللذاعة المحرقة ، مثل الفلفل ، والخردل والثوم ، والكراث ، وما أشبه ذلك. فينبغي أن يعالج صاحب هذا الفواق ، بشرب اسكنجبين ممزوج بماء بارد أو بشراب البنفسج ، أو بالماء البارد ، أو بماء ممزوج بدهن لوز حلو ، أو بدهن الورد ، ممزوج بماء بارد ، أو يؤخذ عناب مخيطا فيطبخ ويسقي من ماءه مع شراب البنفسج ، أو شراب عيون البقر ، فإن هذا يسكّن ذلك الصنف ، من الفواق. وان كان الفواق متولّد عن فساد الأطعمة ، في المعدة واستحالتها الى كيفية لذّاعة ، ما بلغ العلاج في ذلك استفراغ تلك الأطعمة بالقيء ، فإنها إذا استفرغت سكن الفواق.

فإن كان الفواق يتولّد عن برد المعدة ، أو من قبل الريح ، فأنفع الأشياء له الأدوية الحارة. مثل : المعجونات ، والجوارشنات الحارة المسخّنة ، التي ذكرنا في علاج الفواق المتولد عن الامتلاء. ويعطي الزنجبيل المربّي بالعسل ، والفوذنج المربّي ، والصعتر المربّي ، والنعناع المربّي ، والنمام المربّي ، فإن هذه نافعة للمشايخ ، وأصحاب البلغم في المعدة ، وفي الصدر ، وتفتح السدد ، وتنفع من الفواق المتولد من البرد والريح الغليظة.

وهذه صفة عملها ، وكيف يربى بالعسل

يؤخذ من رؤوس الصعتر الطري ، أو الفوذنج في وقت (الأنتيداس) ويؤخذ من النوّار ، والورق الرطب الملاصق للنوار. فيجعل في اناء نظيف ،

١٨٠