سيّدة عشّ آل محمد صلى الله عليه وآله

السيد أبو الحسن الهاشمي

سيّدة عشّ آل محمد صلى الله عليه وآله

المؤلف:

السيد أبو الحسن الهاشمي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٠

وعليه فقد يكون المصدر الذي استقى منه الشيخ الصدوق قد ذكر إسم هارون بن المسيب مجرداً عن الإسم واللقب التالي ، فتصوّره الرشيد ، خاصّة وأن الجلودي كان قد خدم الرشيد كما مر عليك في ثنايا حادثة الإقتحام التي نقلها الشيخ الصدوق.

الأمر الثاني : أن الشيخ الصدوق قد خلط بين محمد بن جعفر الذي خرج في زمن الرشيد ، وبين محمد بن جعفر الذي خرج في زمن المأمون فالذي خرج في زمن الرشيد هو محمد بن جعفر بن يحيى بن الحسن بن الحسن بن الحسن كما في مروج الذّهب حيث يقول : « وقد كان محمد بن جعفر بن يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي ( كرم الله وجهه ) ، سار إلى مصر ، فطلب ، فدخل المغرب ، واتصل ببلاد تاهرت السفلى ، واجتمع إليه خلق من النّاس ، فظهر فيهم بعدل وحسن استقامة ، فمات هنالك مسموماً ... » (١).

والذي خرج في زمن المأمون هو محمد بن جعفر بن محمد ـ كما مر آنفاً.

فنستنتج مما سبق : أنّ هذه الحادثة كانت في زمان المأمون ، وقبيل وفاة السيدة المعصومة (عليها السلام) بسنتين :

وعلى فرض وقوعها في عهد هارون فالسيدة تكون أيضا قد عايشت الواقعة بكل تفاصيلها ، فكما ذكر الشيخ الصدوق أن الحادثة وقعت وقد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ، أي بعد عام ١٨٣هـ.

* * *

__________________

(١) مروج الذهب : ج٣ ص ٣٥٣.

٦١

كانت هذه صورة من صور المحن والآلام التي عاشتها سيدتنا ومولاتنا المعصومة (عليه السلام).

ويكفيك أن تتخيل وتتصور أجنبياً يروم دخول دارك ، فيكشف عرضك ليسلب أمك أو زوجتك أو أختك. فما هو حالك إذا علمت أن المراد سلبهن هن بنات أهل بيت العصمة والطهارة؟

يكفيك تصور ذلك حتى تعلم عظم الحادثة وفجاعتها.

٦٢

(ج) السيدة تعايش ترحيل أخيها

سنه ٢٠١ هـ

يوم ١٠ جمادي الآخر

مدينة مرو

الإمام الرضا (عليه السلام) وأخوه اسماعيل ، وعمه محمد بن جعفر ، وعلي بن الحسن بن زيد ، وابن الارقط ، ومجموعة ممن كان قد خرج على المأمون ، يقدم بهم رجاء بن الضحاك على مرو ، ويدخلهم على المأمون لعشر خلون من جماي الآخر سنة إحدى ومائتين ، فقد أمر المأمون بإشخاصهم وإشخاص من كان قام عليه من الطالبيين ، فحملهم الجلودي وأخذ بهم على طريق البصرة ـ الأهواز (١) في المفاوز والبراري لا في العمران ، لئلا يراه الناس فيرغبوا فيه ، فما من منزل من منازل إلا وله فيه معجزة (٢).

وصاروا إلى فارس حيث لقيهم رجاء بن الضّحاك وتسلّمهم من

__________________

(١) شرح الأخبار : ج٣ ص ٣٣٩.

(٢) العوالم : ج ٢٢ ص ٢٢٩ ح ٣ من المستدركات.

٦٣

الجلوديّ (١).

وبذلك يكون الإمام قد فارق مدينة جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكان (عليه السلام) قبل إخراجه قد دخل المسجد النبوي الشريف ليودع جده ، فودعه مراراً ، كل ذلك [وهو] يرجع الى القبر ، ويعلو صوته بالبكاء والنحيب. فتقدم إليه مخول السجستاني وسلٌم عليه ، فردّ السلام.

وقال (عليه السلام) : زرني! فإنّي أخرج من جوار جدي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاموت في غربة (٢).

كل هذا في منظر ومسمع من السيدة المعصومة وإخوتها وإخواتها حيث إن الإمام (عليه السلام) حينما أرادوا الخروج به من المدينة جمع عياله ، وأمرهم بالبكاء عليه ، ثم فرق فيهم إثني عشر الف دينار.

ثم قال : أما إني لا أرجع إلى عيالي أبدا (٣).

وهكذا أخرج الإمام (عليه السلام) من مدينة جدّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمام أخته المصونة وسائر عياله ، وعيونهم عبرى ، وقلوبهم مملوءة بالحزن والأسى.

__________________

(١) شرح الأخبار : ج٣ ص ٣٣٩.

(٢) عيون الأخبار : ج٢ ص ٢١٧ ح ٢٦.

(٣) عيون أخبار الرضا : ج٢ ص ٢١٧ ح ٢٨.

٦٤

٥ ـ هجرتها

(ا) هجرة إخوتها إلى « شيراز »

(ب) ركب السيدة يحاصر في « ساوة » :

(١ / ب) لماذا سميت هذه البلدة بـ « قم »؟

(٢ / ب) في فضل « قم » وأهلها

(٣ / ب) « قم » تستقبل السيدة المعصومة

(٤ / ب) السيدة المعصومة تفارق الحياة

(٥ / ب) المأمون يعترف

٦٥
٦٦

٥ ـ هجرتها

وتمضي الأيام والأيام على مفارقة السيدة المعصومة لأخيها الإمام الرضا ، فتتسلم منه كتاباً يأمرها أن تلحق به ، فقد كانت أثيرة عنده ، وعزيزة عليه ، ولما انتهى الكتاب إليها تجهزت للسفر إليه (١).

وليست الهجرة مسألة جديدة في حياة أهل البيت وأولادهم ومواليهم ، فقد سعى العباسيون ومن قبلهم الأمويون لتشتيتهم في البلدان وإبادتهم ، حتى أن أبا الفرج الإصفهاني كتب كتابه « مقاتل الطالبين لبيان ذلك ، وكتب المسعودي أيضاً كتابه « حدائق الأذهان في أخبار أهل بيت النبي وتفرقهم في البلدان ».

وحتى قال دعبل الخزاعي :

__________________

(١) ترجمة تاريخ قم ص ٢١٣ ، وحياة الإمام الرضا (عليه السلام) : ج٢ ص ٣٥١ نقلا عن جوهرة الكلام : ص ١٤٦.

٦٧

لااضحك الله سن الدهر إن ضحكت

وآل أحمد مظلمون قد قهروا

مشردون نفوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

يخرج ركب السيدة المعصومة مع بعض إخوتها ..

ويخرج بعض آخر من إخوتها في ركب ثان باتجاه طوس ..

ركبان عظيمان يتجهان نحو طوس للقاء بإمامهم (عليه السلام) :

أحدهما يتجه إليها عن طريق الري وساوة ..

والآخر يتجه إليها عن طريق شيراز.

فالإمام الرضا (عليه السلام) قد استأذن المأمون في قدومهم عليه (١).

__________________

(١) شبهاي بيشاور : ص ١١٥.

٦٨

(ا) هجرة إخوتها إلى شيراز

كان إخوة الإمام الرضا (عليه السلام) : أحمد ، ومحمد ، وحسين ، على رأس هذا الركب الذي ضم عدداً كبيراً من بني أعمامهم وأولادهم وأقاربهم ومواليهم ووصل عددهم إلى ثلاثة آلاف (١).

وفي الطريق انضم إليهم جمع كثير من موالي ومحبي أهل البيت (عليهم السلام) ، فصار عددهم ما يقرب من خمس عشرة ألف نسمة رجالاً ونساء (٢) ، يتجهون إلى طوس عن طريق شيراز ليحظوا برؤية الإمام (عليه السلام) ، ويرفلوا بأثواب البركة في جواره (٣).

ولما وصل خبر القافلة وهذا التجمع الكبير إلى المأمون ، حشي على ملكه وسلطانه من التزلزل إذا ما وصلت هذه القافلة العظيمة إلى خراسان ، فأمر ولاته بمنع زحف هذا الركب وإرجاعهم إلى

__________________

(١) أعيان الشيعة : ج٣ ص ١٩٢.

(٢) شبهاي پيشاور : ص ١١٧.

(٣) وما نُقل عن كتاب لباب أو لبّ الأنساب من أنّهم خرجوا لطلب الثار لاخيهم ، هذا لا يساعده التاريخ ، كما أنّه لا يناسب خروج قافلة مسالمة ، وإلا لتعرض لها كل ولاة وأتباع المأمون قبل شيراز.

٦٩

المدينة (١).

فجهز حاكم شيراز ـ آنذاك ـ جيشاً جراراً من أربعين الف جندي وتوجه إلى الركب ، فلتقى بهم في « خان زينان » على ثمانية فراسخ (٢) من شيراز.

فتوقفت قافلة بني هاشم تستطلع الأمر.

قال الحاكم لهم : إن الخليفة يأمر بإرجاعكم من حيث أتيتم.

فقال أمير الركب أحمد بن موسى : إننا لا نريد سوى زيارة أخينا الإمام الرضا. وما قصدناه إلا بعد استئذان وإجازة المأمون نفسه.

قال الحاكم : قد يكون ما ذكرت ، ولكنّه أصدر الأمر إلينا بمنعكم من إكمال سيركم.

فتشاور الإخوة فيما بينهم ، واتفقوا على إكمال مسيرتهم ، واحتاطوا لذلك بجعل النساء في آخر القافلة ..

في الصباح تحركوا من جديد ..

ولكن حاكم شيراز وجنده الأربعين ألفا قطعوا الطريق عليهم ..

فبدأت معركة دامية ، أبدى فيها إخوة الإمام وسائر أفراد القافلة شجاعة فائقة ، ولا عجب في ذلك فهم من بني هاشم أصل الشجاعة ومنبت البطولة ، وعلى أثر ذلك انكسر جيش الأعداء ، وتفرقوا ... فلجأوا حينئذ إلى المكر والخديعة.

__________________

(١) ولعل سبب استقدام الإمام لإخوته هو كشف النوايا الخبيثة للمأمون ـ كما سيظهر لك ، فليست هجرتهم مجرد لقاء إخوة باخيهم ، وليست العواطف هي الباعث عليها وإنما الأمر فوق ذلك.

(٢) أي على بعد ٤٤ كيلومتراً من شيراز (الفرسخ الشرعي =١/٢ ٥ كيلومتر).

٧٠

فنادى رجل منهم : إن كان تريدون ثمّة الوصول إلى الرضا فقد مات!!

فسرت هذه الشائعة بين أفراد القافلة كالبرق ، وهدّت اركانهم ، وكيف لا؟ إنهم يسمعون خبر وفاة إمامهم (عليه السلام).

وكان ذلك سببا لتفرق افراد القافلة عن الإخوة الكرام.

فتوجه الإخوة الثلاثة إلى شيراز ليلاً بعد أن غيروا البستهم حتى لا يعرفوا ، وتفرقوا فيها وتفرغوا للعبادة ، ولبثوا مدة دون أن يعرفهم أو يتوصل إليهم أحد.

ولكن على أثر انتشار الجواسيس توصلوا إلى مكان أحمد بن موسى.

فارسل الحاكم جيشاً كبيرا لاعتقاله. وكان أحمد بن موسى قد اختفى في دار أحد الموالين لهم ، فخرج من الدار يقاتلهم قتالاً مستميتاً دفاعاً عن نفسه.

فماذا يا ترى يفعل فرد واحد أمام بلدة مخالفة وجيش كبير؟!

إنه أظهر شجاعة عظيمة ، وكان بين فترة وأخرى يدخل الدار فيستريح. وعندما لم يتمكنوا منه لجأوا إلى الجيران ، وأحدثوا فجوة إلى تلك الدار عبر دار الجيران ز غافلوه وقتلوه في الموضع الذي نراه الاآن والمعروف بـ « شاه جراغ ».

كما أنّهم قتلوا أخاه ُ حسيناً بالقرب من بستان ، وله مزار أيضاً في شيراز ويُعرف بالسيد « علاء الدين حسين ».

وأما السيد محمد فلم يتمكنوا منه ، وعرف بكثرة العبادة ، ولذا

٧١

كان يلقب بـ « محمد العابد » ، وتوفي ودفن في بقعته الشريفة من شيراز (١).

* * *

بعد أن عرفنا ما حدث لهذا الركب ، تعالوا بنا نستطلع ما يجري على ركب السيدة المعصومة وإخواتها الآخرين.

__________________

(١) شبهاي پيشاور : ص ١١٥ ـ ١٢٢ ، تحفة العالم : ج٢ ص ٢٨.

٧٢

(ب) ركب السيدة يحاصر في « ساوة »

كانت هذه القافلة تضم إثنين وعشرين علوياً ، وعلى رأسها السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) وإخوتها : هارون (١) ، وفضل ، وجعفر ، وهادي (٢) ، وقاسم ، وبعض من أولاد إخوتها ، وبعض الخدم (٣).

فأرسل المأمون شرطته إلي هذه القافلة أيضاً ، فقتل ، وشرد كل من فيها ، وجرحوا هارون المذكور ، ثم هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه (٤).

وكان ذلك نهاية اليمة ومفجعة لهذا الركب من بني هاشم ، فقدت فيها السيدة المعصومة (عليها السلام) سائر إخوتها ، فشابهت مثيبتها بفقدهم مصيبة عمتها زينب (عليه السلام) في كربلاء.

وخارت قواها وضعفت ، فسألت من حولها :

ـ كم بيننا وبين قم؟

__________________

(١) الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) : ص ٤٢٨.

(٢) لم يذكر أحد أن للإمام ولداً باسم هادي ولعله هارون وصحف.

(٣) زندگاني حضرت معصومة ، نقلاً عن رياض الأنساب ومجمع الأعقاب.

(٤) الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) : ص ٤٢٨.

٧٣

قالوا : عشرة فراسخ (١).

فقالت : إحملوني إليها (٢).

وقبل أن نواصل معايشتنا مع السيدة المعصومة (عليها السلام) نتوقف قليلاً لنعرف شيئاً مما ذكره المعصومون (عليهم السلام) في فضل قم وأهلها.

(١ / ب) لماذا سميت هذه البلدة بـ « قم »؟

في معجم البلدان : ـ قم ـ « قرية إسمها كمندان ، فأسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم (٣) قما » (٤).

وفي دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : أنّ أصل إسمها « كم » ـ بمعنى قليل بالفارسية ـ إذ كانت عبارة عن قرية صغيرة ثم عربت بعد الفتح الإسلامي فصارت « قم » (٥).

فهذان قولان مختلفان في سبب تسميتها بـ « قم » ، ولكن نفس

__________________

(١) أي خمسة وخمسون كيلومتراً تقريباً.

(٢) ترجمة تاريخ قم : ص ٢١٣.

(٣) أي بتعريب الأشعريين الشيعة الذين نزلوا بها في عام ٨٣ هـ ، وهم غير الأشعريين أصحاب المذهب الكلامي.

(٤) معجم البلدان : ج٤ ص ٣٩٧.

(٥) دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : ج٣ ص٢٢٩ و ٢٣٠.

٧٤

التاريخ لا يوافقهما ، إذ إن تسميتها بذلك كان معروفاً قبل الفتح الإسلامي ، ومنذ زمن كسرى « أنوشروان ».

ففي الأخبار الطوال : « ... ثم قسم كسرى أنوشروان المملكة أربعة أرباع ، وولى كل ربع رجلاً من ثقاته ، فأحد الأرباع : خراسان ، وسجستان ، وكرمان ، والثاني إصبهان ، وقم ، ... إلخ » (١).

وفي موقعة « جلولاء » التي كان من قادتها الصحابي الجليل حجر بن عدي ، هزم يزدجر فتحمل بحرمه وحشمه وما كان مع من أمواله وخزائنه حتى نزل قم (٢).

فتسميتها بـ « قم » كان معروفاً قبل الفتح الإسلامي ، وعلى هذا فليس « الأشعريون » هم الذين سموها بـ « قم » كما ادعاه صاحب معجم البلدان.

فما هو سبب تسميتها إذن؟

وباستعراض روايات المعصومين (عليهم السلام) ـ الذين هم ملاذنا وملجأنا دائماً وفي كل شيء ـ نجد ثلاث روايات في سبب هذه التسمية : ـ

الرواية الاولى :

عن الإمام الصادق (عليه السلام ) قال : « حدثني أبي ، عن جدي ، عن أبيه ، قال :

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما اُسري بي إلى السماء حملني جبرئيل على كتفه الأيمن ، فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء

__________________

(١) الأخبار الطوال : ص ٦٧.

(٢) المصدر السابق : ص ١٢٨.

٧٥

أحسن لوناً من الزعفران ، وأطيب ريحاً من المسك ، فإذا فيها شيخ على رأسه برنس (١).

فقلت لجبرئيل : ما هذه البقعة الحمراء التي أحسن لوناً من الزعفران ، وأطيب ريحاً من المسك؟

قال : بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي.

فقلت : من الشيخ صاحب البرنس؟

قال : إبليس.

قلت : فما يريد منهم؟

قال : يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين ، ويدعوهم إلى الفسق والفجور.

فقلت : يا جبرئيل! أهو بنا إليهم.

فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللآمح.

فقلت : قم يا ملعون! فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم ، فإن شيعة علي ليس لك عليهم سلطان ».

فسميت « قم » (٢).

والرواية الثانية :

عن عفان البصري ، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) :

قال : أتدري لم سميت « قم »؟

قلت : الله ورسوله أعلم.

____________

(١) البرنس : قلنسوة طويلة.

(٢) علل الشرائع ص ٥٧٢ باب ٣٧٣.

٧٦

قال : إنّما سميت « قم » لأن أهلها يجتمعون مع قائم آل محمد (صلوات الله عليه) ، ويقومون معه ، ويستقيمون عليه ، وينصرونه » (١).

وأما الرواية الثالثة فهي :

عن أبي مقاتل الديلمي نقيب الري.

قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد (عليه السلام) يقول :

« إنّما سميت قم به لأنّه لما وصلت السفينة إليها في طوفان نوح (عليه السلام) قامت » (٢).

(٢ / ب) في فضل « قم » وأهلها :

إضافة إلى ما مر من الروايات ، هناك روايات اخرى في فضل « قم » وأهلها ، نقلت عن أهل بيت العصمة والطهارة ، وإليكم باقة منها : ـ

عن الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) قال :

« إن لعلى « قم » ملكا يرفرف عليها بجناحيه ، لا يريدها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء » (٣).

وعنه (عليه السلام) أنّه قال :

« إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بـ « قم » ، فإنها مأوى الفاطميين ، ومستراح المؤمنين ، وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنّا ، ويبعدون

__________________

(١) ترجمة تاريخ قم : ص ١٠٠ ، والبحار : ج٦٠ ص ٢١٦ ح٣٨.

(٢) ترجمة تاريخ قم : ص ٩٦ ، والبحار : ج٦٠ ص ٢١٣ ح٢٤.

(٣) ترجمة تاريخ قم : ص ٩٩ ، والبحار : ج٦٠ ص ٢١٧ ح٣٦.

٧٧

منا وذلك لمصلحة لهم ، لكي لا يعرفوا بولايتنا ، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم.

وما أراد أحد بـ « قم » وأهلها سوءاً إلا أذله الله ، وأبعده من رحمته » (١).

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال :

« قم عش آل محمد ، ومأوى شيعتهم ، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية آبائهم ، والإستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم ، ومع ذلك يدفع الله عنهم شر الأعادي وكل سوء » (٢).

وعن الإمام الادق (عليه السلام ) أنه قال :

« ما أرادهم ـ يعني أهل قم ـ جبار من الجبابرة إلا قصمه الله » (٣).

عن الإمام الرضا (عليه السلام) أيضاً :

« إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها ونواحيها ، فإن البلاء مرفوع عنها » (٤).

كما روي عنهم أنه : « لولا القميون لضاع الدين » (٥).

حيث إن الكثير من الرواة والمحدثين هم من أهل « قم ».

وكل ما ذكر في فضل « قم » وأهلها إنما هو بشرطها وشروطها ، والحديث التالي يبين ذلك.

فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام ) :

__________________

(١) ترجمة تاريخ قم : ص ٩٨ ، والبحار : ج٦٠ ص ٢١٤ ح٣٢.

(٢) ترجمة تاريخ قم : ص ٩٨ ، والبحار : ج٦٠ ص ٢١٤ ح٣١.

(٣) إختيار معرفة الرجال : ص ٣٣٣ ح ٦٠٨.

(٤) ترجمة تاريخ قم : ص ٩٧ ، والبحار : ج٦٠ ص ٢١٧ ح٤٤.

(٥) بحار الأنوار : ج٦٠ ص ٢١٧ ح٤٣.

٧٨

« تربة قم مقدّسة ، وأهلها منٌا ونحن منهم ، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء » (١).

وهذا غيض من فيض روايات المعصومين (عليهم السلام) في شأن « قم » وأهلها.

إذن .. ليس غريباً أن تختار السيدة المعصومة مدينة « قم » ، خاصة وأنها كانت من قبل قد سمعت عن جدها الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : « وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة ... » (٢).

وبهذا الزخم التاريخي تخرج « قم » لاستقبالها ، وكان قدومها إيذاناً بعهد جديد لمدينة « قم » ولأهلها.

(٣ / ب) « قم » تستقبل السيدة المعصومة :

عندما وصلت (عليها السلام) إلى « ساوة » ، ومرضت فيها بعد فقد إخوتها ، كان خبرها قد وصل إلى « قم » ، ومرضت فيها بعد فقد إخوتها ، كان خبرها قد وصل إلى « قم » فخرج أشرافها لاستقبالها ، يتقدمهم موسى بن خزرج الأشعري ، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله (٣) ، تحف بها إماؤها وجواريها.

__________________

(١) ترجمة تاريخ قم : ص ٩٣ ، البحار : ج٦٠ ص ٢١٨ ح ٤٩.

(٢) ت رجمة تاريخ قم : ص ٢١٥ ، وعنه في البحار : ج٦٠ ص ٢١٦ ح٤١ ، ومستدرك الوسائل : ج١٠ ص ٣٦٨ ح١.

(٣) ترجمة تاريخ قم : ص ٢١٣.

٧٩

(٤ / ب) السيدة المعصومة تفارق الحياة :

بقيت ( لعيها السلام ) في دار موسى الأشعري سبعة عشر يوماً ، فما لبثت إلا هذه الأيام القليلة وتوفيت (١).

ولا يبعد أن يكون سبب وفاتها أنها قد دس السم إليها في « ساوة » (٢).

وأمر موسى بن خزرج بتغسيلها وتكفينها ، وحملوها إلى مقبرة « بابلان » ووضعوها على سرداب حفر لها ، فاختلفوا في من ينزلها إلى السرداب.

ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن يقال له « قادر » فلمّا بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما لثام ، فلما قربا من الجنازة نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ، ودفناها فيه ، ثم خرجاغ ولم يكلما أحدا ، وركبا وذهبا ولم يدر أحد من هما (٣).

ونقل أنّها ( سلام الله عليها ) توفيت في الثاني عشر من ربيع الثاني عام ٢٠١ هـ (٤).

ولكن هذا لا ينسجم مع ما نقله صاحب دعائم الإسلام في كتابه « شرح الأخبار » من أن الإمام الرضا (عليه السلام) ادخل على المأمون

__________________

(١) ترجمة تاريخ قم : ص ٢١٣.

(٢) الحياة السياسية للإمام الرضا : ص ٤٢٨ ، عن قيام سادات علوي : ص ١٦٨.

(٣) ترجمة تاريخ قم : ص ٢١٣ و ٢١٤.

(٤) مستدرك سفينة البحار : ج ٨ ص ٢٥٧.

٨٠