سيّدة عشّ آل محمد صلى الله عليه وآله

السيد أبو الحسن الهاشمي

سيّدة عشّ آل محمد صلى الله عليه وآله

المؤلف:

السيد أبو الحسن الهاشمي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٠

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلٌ اللهم على خير خلقك أجمعين ، محمد سيّد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وعلى أهل بيته الأئمة الهادين ، العلماء الصادقين ، الأبرار المتقين ، دعائم دينك ، وأركان توحيدك ، وتراجمة وحيك ، وحججك على خلقك ، وخلفائك في ارضك ، الذين اخترتهم لنفسك ، واصطفيتهم وارتضيتهم لدينك ، وخصصتهم بمعرفتك ، وجللتهم بكرامتك ، وغشيتهم برحمتك ، وربيتهم بنعمتك ، وغذيتهم بحكمتك ، والبستهم نورك ، ورفعتهم في ملكوتك ، وحففتهم بملائكتك ، وشرّفتهم بنبيك صلواتك عليه واکله. والعن اللهم أعداءهم اجمعين إلى قيام يوم الدين.

٥

هذا الكتاب ...

أيها القارىء الكريم :

هذه صفحاتٌ متلألئةٌ بذكر حياة سيدةٍ جليلةٍ عابدة زاهدة .. من فرع الشجرة المباركة ، ومن أطهر اُسرةٍ على وجه الأرض.

هي إبنة إمام .. وأختُ إمام .. وعمّة إمام .. ألا وهي سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة .. بنت الإمام موسى بن جعفر .. أختُ الإمام الرضا .. عمة الإمام الجواد ، عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى السّلام.

* * *

سيدتي ومولاتي :

هل تأذنين لي ـ أن أكتبَ عنكِ هذه الصفحات ...؟

إني لاَتجاوَزُ قَدْري إذا زَعَمتُ أو تَوهَّمتُ أنني قادرٌ على إيفاء حَقِّكِ وحقِّ أبائِك وأبنائهم (عليهم السلام).

وأنْ أبلغَ القصدَ كلَّهُ ـ فأكتبُ عن بياض ذلك الطُّهْر بسواد هذه اليَد ـ مَطمَحٌ أستحي أنْ أزعُمَه.

ولكن إيماناً بقداسة الواجب ، واعترافاً بالجميل ، وتعبيراً عن الحب والولاء ، أقدّم هذه الصفحات ، راجياً منكم الصفحَ والقبول.

٦

في هذا اللكتاب : ـ

المقدّمة......................................................................... ٩

١ ـ ولادتها ونشأتها.......................................................... ١٣

(١) الإمام الكاظم (عليه السلام) ينتخب أم أولاده............................. ١٥

(ب) السيدة تكتم........................................................... ٢١

(ج) متى ولدت السيدة المعصومة (عليها السلام)؟............................... ٢٩

(د) إخوتها.................................................................. ٣٣

٢ ـ ألقابها................................................................... ٣٥

(١) المعصومة............................................................... ٣٧

(ب) كريمة أهل البيت....................................................... ٣٧

(ج) اُخت الرضا............................................................ ٣٨

٣ ـ هل تزوجت السيدة المعصومة (عليها السلام)؟............................. ٤١

٤ ـ معاناتها.................................................................. ٤٩

(ا) فقد أبيها................................................................ ٥١

(ب) الجلودي يرعب ودائع آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلّم).................. ٥٣

٧

(ج) السيدة تعايش ترحيل أخيها.............................................. ٦٣

٥ ـ هجرتها................................................................. ٦٥

(١) هجرة إخوتها إلى شيراز.................................................. ٦٩

(ب) ركب السيدة يحاصر في ساوة............................................ ٧٣

(١ / ب) لماذا سميت هذه البلدة بـ « قم »؟.................................. ٧٤

(٢ / ب) في فضل قم وأهلها................................................. ٧٧

(٣ / ب) « قم » تستقبل السيدة المعصومة.................................... ٧٩

(٤ / ب) السيدة المعصومة تفارق الحياة........................................ ٨٠

( ٥ / ب ) المأمون يعترف................................................... ٨١

٦ ـ الجنة لمن زارها.......................................................... ٨٣

٧ ـ يا فاطمة إشفعي لي في الجنة............................................... ٨٧

٨ ـ المعصومة تحدثنا........................................................ ١٠١

(١) عن يوم الغدير........................................................ ١٠٥

(ب) بشائر لشيعة عليّ (عليه السلام)........................................ ١٠٧

(ج) الموت على حب آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)..................... ١٠٩

٩ ـ معجزاتها وكراماتها..................................................... ١١١

١٠ ـ الشعراء في رحاب السيدة المعصومة................................... ١٢٧

زيارة السيدة المعصومة ..................................................... ١٣٥

٨

المقدمة :

كثيرون هم الذين يأتون إلى هذا العالم ويذهبون الى هذا العالم ويذهبون كما جاءوا .. لم يخلفوا سوى خمول ذكر ، وخمود اسم ..

وكثيرون هم الذين خلٌفوا لعائن الأجيال والأمم ، وان بحثت عنهم فلاتجدهم إلا في مزابل التاريخ.

وسادةُ هذه القلّة القليلة وأشرافهم هم محمد المصطفى ، وأهل بيته سادات الورى ـ ولا يُقاس بآل محمد أحد ـ ، وما أنجب هذا البيت الطاهر من شخصيات فريدة مثل السيدة زينب ، والسيدة سُكينة ، وأبي الفضل العباس ، وعلي الاكبر ، ومسلم بن عقيل ، وغيرهم ، صلوات الله عليهم اجمعين.

ومن الذين انجبهم هذا البيت المبارك السيدة الجليلة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليهما السلام).

وأهل بيت الوحي وأولادهم الطاهرون هم اعظم شأناً من ان تحويهم قوالب الألفاظ أو مرابع الأفكار ، بل إن الالفاظ والأفكار لتنحسر مبهوتةً من أنوارهم ، خجلى من عمظمتهم. ولكن ما لا يُدرك

٩

كله لا يُترك كله.

ومن شديد الأسف أنّ التاريخ ظلم هذه السيدة الطاهرة كما ظلم آباءها وأبناءهم ـ سلام الله عليهم ـ فلم يكتب عنهم إلا القليل القليل. ولذا كنت استنطق التاريخ ، وأبحث وأنقب في الكتب .. علٌني أجد كلمة او قصة تزيدنا معرفة بهذه السيدة المباركة. ومما تجمٌعَ عندي من معلومات ـ على قلتها ـ كان هذا الكتاب.

ومن شديد الأسف أنّ التاريخ ظلم هذه السيدة الطاهرة كما ظلم آباءها وأبناءهم ـ سلام الله عليهم ـ فلم يكتب عنهم إلا القليل القليل. ولذا كنت استنطق التاريخ ، وأبحث وأنقب في الكتب .. علٌني أجد كلمة أو قصة تزيدنا معرفةً بهذه السيدة المباركة. ومما تجمٌع عندي من معلومات ـ على قلٌتها ـ كان هذا الكتاب.

ولا يفوتني أن أشكر كل من آزرني بمشورة ، أو ساعدني في فكرة أو إبداء ملاحظة ، فشكراً جزيلاً لهم ، ولكل من ساهَمَ في إخراج هذا الكتاب الى عالم النور.

لماذا عش آل محمد »؟

قبل أن نشرع في هذه الرحلة الممتعة والقصيرة ..

فهي ممتعة لأنها عن حياة إحدى بنات الوحي والامامة ..

وهي قصيرة لان التاريخ بخل علينا فظلمها فلم يذكر عنها إلا النزر اليسير ، كما هو ديدنه مع سائر أهل ذلك البيت الطاهر.

قبل ذلك كلّه نطرح هذا السؤال :

لماذا سميت « قم » ب « عش آل محمد »؟

الجواب : العش في اللغة هو المكان الذي تصنعه الطيور ، فتضع فيه بيضها ليفقس عن افراخ صغار ، تظل ترعاهم وتزفهم الطعام حتى يكبروا ، وعندها تستطيع الافراخ الطيران والتحليق في الجو.

كذلك « قم » بالنسبة ل « آل محمد » فهي المكان الذي كان ولا يزال يحتضن شيعة أهل البيت ويزقهم العلم الصحيح فيتربون فيها على

١٠

تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) ، ويترعرعون عليها حتى يتخرجوا من هذه المدرسة المقدسة ، عندها ينتشرون في أنحاء الأرض وأرجائها ، فيبثون ما تعلموه من علوم آل محمد ، وينشرونها.

ولذلك تخرٌج من مدينة « قم » الكثير الكثير من العلماء والمحدّثين ونحوهم.

فكانت « قم » ـ حقيقةً ـ عشا ومأوى لهذه البذور الطيبة.

فلعل هذا هو وجه تسميتها ب « عش آل محمد ».

وكانت السيدة الطاهرة فاطمة المعصومة (عليها السلام) سيدة هذا العش وراعيته والقائمة عليه والمأوى والملاذ فيه ، ولذلك كان عنوان هذا الكتاب الذي بين أيديكم :

« سيدة عش آل محمد ».

١١
١٢

١ ـ ولادتها ونشأتها

ا ـ الإمام الكاظم (عليه السلام) ينتخب ام اولاده.

ب ـ السيدة تُكتم

ج ـ متى ولدت السيدة المعصومة؟

د ـ إخوتها

١٣
١٤

(ا) الإمام الكاظم (عليه السلام) ينتخب أم أولاده

كانت السيدة المعصومة اختاً للإمام الرضا لامه ، فأمهما واحدة (١).

فمن كانت امهما؟ وكيف اختارها الإمام الكاظم لتكون أمّاً لاولاده؟

هذا ما ستقراه في الحديث التالي : ـ

قال الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن احمد (٢) : هل علمت احدا من اهل المغرب قدم؟

قال : لا.

فقال (عليه السّلام) : بلى قد قدم رجل أحمر (٣) ، فانطلق بنا.

قال هشام : فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق (٤).

__________________

(١) دلائل الامامة : ص ٣٠٩.

(٢) هشام بن أحمد : من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) ولعلّه هشام بن أحمر وصُحف كما في أصول الكافي : ج١ ص ٤٨٦ ح١ ، حيث ذكر نفس هذا الحديث.

(٣) أي رجل أحمر البشرة ، وهو عادة لون بشرة بعض أهل المغرب وما والاها من أوربا.

(٤) أي عبيد أو جواري أو كليهما.

١٥

فقال (عليه السلام) : أعرض علينا (١).

فعرض علينا تسع جوار ، كل ذلك وأبو الحسن يقول له : لا حاجة لي فيها.

ثم قال له : اعرض علينا.

قال : ما عندي شيء.

فقال (عليه السلام) : بلى ، اعرض علينا.

قال : لا والله! ما عندي إلا جارية مريضة.

فقال له : ما عليك أن تعرضها؟

فأبى عليه صاحب الرقيق ، ثم انصرف (عليه السلام).

قال هشام : ثم إنه (عليه السلام) أرسلني من الغد إليه ..

وقال لي : قل له كم غايتك فيها؟ فإذا قال : كذا وكذا. فقُل : قد أخذتها. ( قال هشام : ).

فاتيتُه ...

قلتُ : كم غايتُك فيها؟

فقال : ما أريد أن اُنقصها من كذا (٢).

فقلت : قد أخذتها.

فقال : هي لك ، ولكن مَن الرجل الذي كان معك بالأمس؟

فقلت : قد أخذتها.

فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الذي كان معك بالامس؟

فقلت : رجل من بني هاشم.

فقلت : من نقبائهم (٣).

__________________

(١) أي أعرض علينا ما عندك من الرقيق.

(٢) أي لا اريد أن تنقص قيمة الجارية عن المبلغ الكذائي.

(٣) فلما سمع النخاس ذلك طمع في مزيد من المال.

١٦

فقال : أريد اكثر.

فقلت : ما عندي اكثر من هذا.

فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة (١)؟ إنّي اشتريتها من اقصى بلاد المغرب ، فلقيتني امرأه من أهل الكتاب ..

فقالت : ما هذه الوصيفة معك؟

فقلت : اشتريتها لنفسي.

فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك!! إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الارض ، فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد منه علاماً يدين له شرق الارض وغربها.

قال هشام : فأتيت الإمام (عليه السلام) بالجارية (٢).

وكانت لهذه الجارية عدة اسماء منها : نجمة وتكتم (٣).

وقد كانت بكراً حين شرائها (٤).

والظاهر أن الإمام (عليه السلام) اشتراها ـ ابتداءً ـ لامّه حميدة المصفّاة.

وكانت السيدة تُكتم من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة حتى انها ما جلست بين يديها إجلالاً لها (٥).

__________________

(١) قد يكون بمعنى الاستفهام وقد يكون بمعنى الإخبار ولعل الثاني اظهر. أي : أريد ان اخبرك عن هذه الوصيفة. والوصيفة هنا أي الجارية.

(٢) عيون أخبار الرضا : ج١ بص ١٧.

(٣) المصدر السابق : ج١ ص ١٦ ، ص ١٧.

(٤) المصدر السابق : ج١ ص ١٧.

(٥) عيون أخبار الرضا : ج١ بص ١٤.

١٧

ثم إن السيدة حميدة ذكرت انّها رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول لها : يا حميدة! هبي نجمة لابنك موسى ، فإنّه سيولد له منها خير أهل الارض (١).

فقالت لابنها موسى (عليه السلام) : يا بني! إن تُكتم جارية ما رايت جارية قط افضل منها ... وقد وهبتها لك (٢).

فقالت لابنها موسى (عليه السلام) ـ لمّا أتى بها ـ قد جمع أصحابه وأخبرهم بأنّه ما اشتراها الا بامر من الله ووحيه ..

قال (عليه السّلام) : بينا انا نائم ، إذا أتاني جدّي رسول الله وأبي (عليهما السلام) ومعهما شقّة حرير (٣) ، فنشراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية.

فقالا : يا موسى! ليكونن لك من هذه الجارية خير اهل الارض بعدك. ثم أمراني أن أسمه عليا.

وقالا لي : إن الله تعالى يظهر به العدل والرافة ، طوبى لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده (٤).

ولما ولدت (السيدة تكتم) الامام الرضا (عليه السلام) قالت : اعينوني بمرضعة!! فقيل لها : انقص الدر (٥)؟

__________________

(١) عيون اخبار الرضا : ص ١٧.

(٢) المصدر السابق : ص ١٤.

(٣) أي قطعة حرير.

(٤) إثبات الوصيّة : ص ١٧٠.

(٥) أي : هل نقص لبن الرضاع؟

١٨

قالت : ما أكذب. ما نقص الدّر ، ولكن علي ورد (١) من صلاتي وتسبيحي. وقد نقص منذ ولدت (٢).

وهذا مما يدل على حرصها على عبادتها ووردها وانقطاعها إلى الله تعالى.

__________________

(١) الورد : أي المندوب والمستحب في مقابل الواجب ، وجمعه أوراد.

(٢) عيون اخبار الرضا : ج١ ص١٥.

١٩
٢٠