سيّدة عشّ آل محمد صلى الله عليه وآله

السيد أبو الحسن الهاشمي

سيّدة عشّ آل محمد صلى الله عليه وآله

المؤلف:

السيد أبو الحسن الهاشمي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٠

٨ ـ المعصومة تحدثنا

١٠١
١٠٢

إن التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) تمسك بالثقل الثاني بعد الكتاب المجيد ، فقد قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

« إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » (١).

والتمسك بهم أي التمسك بأحاديثهم الشريفة ، فهي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، والمفسرة لمبهماته ، والمبينة لمجملاته.

ولا نكون متمسكين بهم (عليهم السلام) وبأحاديثهم إلا بأن نتخلق بأخلاقهم ، ونترجم أقوالهم إلى أفعال ، وإلى واقع ملموس في حياتنا اليومية.

فإذا كنا كذلك فالرسول ( صلى الله عليه وآله ) يضمن لنا عدم الضلالة أبداً حيث قال : « لن تضلوا أبداً » ، فكلمة « لن » تفيد النفي إلى الأبد.

__________________

(١) حديث الثفلين نقلته العامة ، والخاصة حتى كاد أن يتجاوز حد التواتر ، وممن نقله ورواه : مسلم في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، وابن حجر في صواعقه ، والقندوزي في ينابيع المودة ، والحافظ الطبري في ذخائر العقبى ، والترمذي وإبن ماجه والطبراني والثعلبي وغيرهم.

١٠٣

وهذا حفيده الإمام الصادق (عليه السلام) كفيل بنجاتنا يوم القيامة حيث إنه قال : « ... وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم » (١).

ومن هنا ندرك مدى ما تحمله نقلة الحديث والرواة ، وما كابدوه من أعباء ثقال حتى تصل إلينا هذه الكنوز المذكورة عبر الأجياء والقرون.

وفي بيان فضل الرواة قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

« الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد » (٢).

وإن القلوب لترين كما يرين السيف ، وجلاؤها الحديث (٣) ، وخير الحديث أحاديث أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام).

وهذه سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة (عليها السلام) تحدثنا عن أمها سيدة نساء العالمين بأحاديث يجدر أن تكتب بأحرف من نور ، فهي خير من الدنيا وماف يها ، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال :

« حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضة » (٤).

ومما حفظت لنا الكتب من أحاديث السيدة المعصومة (عليها السلام) ، حديثها : ـ

__________________

(١) الكافي : ج٢ ص ١٨٦ ح٢.

(٢) الكافي : ج١ ص ٣٣ ح٩.

(٣) مضمون حديث نقله في الكافي : ج١ ص ٤١ ح٨ ، والرين : أي الصدأ والدنس.

(٤) بحار الأنوار : ج١ ص ٢١٤ ح١٣.

١٠٤

(ا) عن يوم الغدير

... (١) حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا [ عليهم السلام ].

حدثني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر [ عليهم السلام ] ، فلن : حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق [ عليهم السلام ].

حدثني فاطمة بنت محمد بن علي [ عليهم السلام ].

__________________

(١) قال في أسنى المطالب : ص ٤٩ ... فالطف طريق وقع بهذا الحدث [ أي حديث الغدير] وأغربه ، ما حدثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبدالله بن المحب المقدسي مشافهةً ، [ قال : ] أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب إبنة أحمد بن عبد الرحيم المقدسية ، عن أبي المظفر محمد بن فتيان بن المسيني ، أخبرنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ ، أخبرنا إبن عمّة والدي القاضي أبو القاسم عبد الواحد ابنمحمد بن عبد الواحد المديني بقرائتي عليه ، أخبرنا ظفر بن داعي العلوي بإسترآابد ، أخبرنا والدي ، وأبو أحمد بن مطرف المطرفي ، قالا : حدثنا أبو سعيد الإدريسي إجازةً ـ فيما أخرجه في تاريخ إستراباد ـ حدثني محمد بن محمد بن الحسن أبو العباس الرشيدي ـ من ولد هارون الرشيد بسمرقند ، وما كتبناه إلا عنه ـ ، حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر الحلواني ، حدثنا علي بن محمد بن جعفر الأهوازي ، مولى الرشيد ، حدثنا بكر بن أحمد القصري ، حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا [ عليه السلام ] ....

١٠٥

حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين [ عليهم السلام ].

حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي [ عليهم السلام ].

عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ) ورضي عنها ، قالت : « أنسيتم قول رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقوله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) :

أنت مني بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام ».

١٠٦

(ب) بشائر لشيعة عليّ (عليه السلام)

وكذلك تحدثنا السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) (١) ـ بنفس السند السابق ـ عن جدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنّها قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لما اسري بي إلى السماء ، دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة ، وعليها باب مكلّل بالدر والياقوت ، وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، علي ولي لقوم ، وإذا مكتوب على الستر : بخ بخ (٢) من مثل شيعة علي (عليه السلام)؟

فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوف ، وعليه باب من

__________________

(١) حدثنا محمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثني أحمد بن زياد بن جعفر ، قال : حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي العرضي ، قال : قال أبو عبدالله أحمد بن محمد بن خليل ، قال : أخبرني علي بن محمد بن جعفر الأهوازي ، قال : حدثني بكير بن أحنف ، قال : حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا [ عليهم السلام ] ، قالت : حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر [ عليهم السلام ] ...

(٢) بخ بخ : كلمة تقال عند الإعجاب بشيء.

١٠٧

فضّة مكلّل بالزبرجد الأخضر ، وإذا على الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب : محمد رسول الله ، علي وصي المصطفى ، وإذا على الستر مكتوب : بشر شيعة علي بطيب المولد.

فدخلته فإذا بقصر من زمرد أخضر مجوف لم أر أحسن منه ، وعليه باب من ياقوته حمراء مكللة باللؤلؤ وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر : شيعة علي هم الفائزون.

فقلت : حبيبي جبرئيل! لمن هذا؟

فقال : يا محمد! لابن عمك ووصيك علي بن أبي طالب (عليه السلام). يحشر الناس كلّهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة علي (عليه السلام) ، ويدعى الناس بأسماء أمهاتهم إلا شيعة علي (عليه السلام) ، فإنهم يدعون بأسماء آبائهم.

فقلت : حبيبي جبرئيل! وكيف ذاك؟

قال : لأنّهم أحبوا عليا (عليه السلام) فطاب مولدهم (١).

__________________

(١) كتاب المسلسلات : ص ٢٥٠ [ ضمن مجموعة كتب أخرى ].

١٠٨

(ج) الموت على حب آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)

عن فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليهما السلام) (١).

عن فاطمة بنت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام).

عن فاطمة بنت الباقر محمد بن علي (عليهما السلام).

عن فاطمة بنت السجّاد علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).

عن فاطمة بنت أبي عبدالله الحسين (عليه السلام).

عن زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام).

عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالت :

__________________

(١) عن فاطمة بنت الحسين الرضوي ، عن فاطمة بنت محمد الرضوي ، عن فاطمة بنت إبراهيم الرضوي ، عن فاطمة بنت الحسن الرضوي ، عن فاطمة بنت محمد الموسوي ، عن فاطمة بنت عبدالله العلوي ، عن فاطمة بنت الحسن الحسيني ، عن فاطمة بنت أبي هاشم الحسيني ، عن فاطمة بنت محمد بن أحمد بن موسى المبرقع ، عن فاطمة بنت أحمد بن موسى المبرقع ، عن فاطمة بنت موسى المبرقع ، عن فاطمة بنت الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام ) ، عن فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليهما السلام ) ، ....

١٠٩

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

« ألا من مات على حب آل محمد مات شهيداً » (١).

وروى الزمخشري في الكشاف هذا الحديث بسند آخر وتفصيل أكثر ، نذكره إتماماً للفائدة.

قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

« من مات على حب آل محمد مات شهيداً ».

ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير.

ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها.

ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة.

ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة.

ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة [ مكتوبا ] بين عينيه آيس من رحمة الله.

ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً.

الا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنّة » (٢).

__________________

(١) عوالم العلوم : ج٢١ ص ٣٥٤.

(٢) الكشّاف : ج ٤ ص ٢٢٠ في تفسير آية « قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ».

١١٠

٩ ـ معجزاتها وكراماتها

١١١
١١٢

فرق بعض بين المعجزة والكرامة بأن المعجزة تختص بالانبياء ، والكرامة بالاولياء.

وفرق آخرون بينهما بأن المعجزة هي ما ظهرت على وجه التحدي ، والكرامة ما ليس فيها تحد.

والظاهر أنه لا فرق بينهما ، والشاهد على ذلك أنه ربما يأتي الولي بما يأتي به النبي من المعجزة ، كشفاء المرضى.

فلماذا تسمى إحداهما معجزة ، والأخرى كرامة؟!

وقد يأتي النبي بمعجزة ليس فيها تحدي ، ولم نقرأ أو نسمع أحداًَ سماها كرامة.

فيبدو أن كلمة ( كرامة ) ليست سوى إصطلاحاً مخترعاً (١) ، ولا تفترق عن المعجزة في معناها.

فما هي المعجزة؟ ولماذا يؤتى بها؟

المعجز في اللغة عبارة عمّا يعجز الغير ، كالمقدر فإنّه عبارة عمن يجعل الغير قادراً.

« وأما في العُرف : فهو الخارق للعادة ، الذي يظهر من جهة الله تعالى ، الدّال على صدق من ظهر عليه » (٢).

__________________

(١) ولعلها من مخترعات الصوفية ، نحلوها أولياءهم ، ثم تسربت منهم إلى غيرهم.

(٢) المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد : ص ٣٨٤.

١١٣

١ ـ فهو خارق للعادة ، فلا يشمل الحيل والسحر وما أشبه من وسائل التلبيس والتمويه ، إذ هي ليست خرقا للعادة ، وإنما المعجز هو كل ما كان ممتنعاً عادة ممكناً ذاتاً ، كطلوع الشمس من المغرب ، والخلق من غير ذكر وأنثى ، إذ لم تجر العادة بطلوع الشمس من المغرب ، ولا بخلق ولد من غير ذكر وأنثى.

وقد يهب الله تعالى لأحد ما قدرة ليست موجودة عند عامة الناس فيتوهم أنّها خارقة للعادة ، كالتي ادعت النبوة (١) ، واتخذت من قدرة إبصارها القوية لتوهم الناس بنزول الوحي عليها ، فقد كانت حادة البصر بحيث ترى لمسافة ثلاثة أيام من الطريق ، فترى القافلة والأشخاص التي فيها ، تخبر الناس بمجيئهم بعد ثلاثة أيام ، وتخبرهم بما معهم من المتاع.

فهذا ليس إعجازاً وخرقا للعادة ، وإن كانت العادة أن الإنسان لا يرى إلى هذه المسافة ، ولكن يمكن ذلك إذا امتلك قدرة حادة على الإبصار ، كالقدرة التي كانت عند هذه المرأة.

ولزيادة إيهام الناس إتخذت من شبيب بن ربعي مؤذناً لها ، إذ كان يسمع نداؤه على بعد فرسخ.

وهذا العباس بن عبد المطلب كان يسمع نداؤه على بعد ثمانية أميال (٢) ، ولذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في بعض المواطن ، يطلب من عمه العبّاس أن يعينه بصوته.

__________________

(١) وهي سجاح التميمية ، مثل قولك حذام.

(٢) عيون الأخبار ـ لابن قتيبة ـ : ج١ ص ١٨٦.

١١٤

وإلى غير ذلك من أمثال هذه القدرات مما يظن أنها من خوارق العادات.

بل إن الله تعالى قد أودع أمثال هذه القدرات في بعض الحيوانات.

هل رأيت النسور كيف تحلق في السماء فترى فريستها على أبعاد شاهقة قد تبلغ مئات الأقدام؟ (١).

أم هل رأيت النعام كيف يبتلع الجمر ولا يبالي؟ (٢).

أم هل سمعت أو رأيت السمندل كيف يدخل النار فلا تحرقه؟ (٣).

أليس كل ذلك وكثير من أمثاله مما يعد في بادىء الرأي أنّه خرق للنواميس ، مع أنّه واقع محسوس ، ومعاين مشهود؟

٢ ـ وهذا الخارق للعادة يجب أن يكون من جهة الله تعالى ، ( وما كان لرسول أن يأتي بآية (٤) إلا بإذن الله ) (٥).

فقد يؤتى بأمر خارق للعادة ولكنّه ليس من قبل الله تعالى.

كخوارق العادات التي يأتي بها المرتاضون على أثر تقوية النفس بالرياضة والزهد في الدنيا ، والكف عن الملاذ من االمآكل والمشارب والمناكح والملابس.

__________________

(١) في سبيل موسوعة علمية : ص ١٧٨.

(٢) حياة الحيوان الكبرى : ج٢ ص ٣٦٣.

(٣) المعجم الزولوجي الحديث : ج٣ ص ٤٣٩ ، وحياة الحيوان الكبرى : ج١ ص ٥٧٣.

(٤) بآية : أي بمعجزة.

(٥) سورة غافر : الآية ٧٨.

١١٥

وهؤلاء لاحظ لهم في الدين ولا ثواب ، إذ هكذا رياضات تخالف جوهر الدين ، وإنما الرياضة الروحية الوحيدة في الإسلام هي التقوى ، يعني عدم اتباع هوى النفس ، والعمل على طبق الأوامر الإلهية ، فبالتقوى تسعو وتقوى الروح ، وترتقي مدارج الكمال ، فتكون مورد العناية الربانية.

٣ ـ وقد يكون الأمر خارقا للعادة ، ويكون من قبل الله تعالى ، ولكنه ليس على وجه يبين صدق دعوى المدعي ، بل يأتي تكذيباً لما ادعاه.

مثل ما روي أنه قيل لمسيلمة الكذاب (١) : إن محمداً [ صلّى الله عليه وآله وسلم ] تفل في بئر فكثر الله ماءه القليل ، فاتفل أنت في بئر قليل الماء!!

فتفل فغار ما كان فيه من الماء.

وقيل له أيضاً : إن محمداً [ صلّى الله عليه وآله وسلم ] دعا لأعور فرد الله عينه الأخرى إليه ، فافعل أنت مثله!!

فدعا لأعور فذهبت عينه الأخرى الصحيحة (٢).

فهذه وإن كانت خرقا للعادة ، ومن قبله تعالى ، ولكنّها نقيض ما التمسه مسيلمة المدعي للنبوة ، وذلك مبالغة في تكذيبه وتقريراً لنبوة نبيا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتصديقاً له.

فالمعجز إنّما يدل على صدق دعوى تطابقه ، فإن ادعى مدع

__________________

(١) الذي ادعى النبوة في زمان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

(٢) المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد : ص ٤١٣.

١١٦

النبوة فالمعجز دال على نبوته ، وإن ادعى الإمامة فهو دال على إمامته ، وإن ادعى صلاحاً وعفة وفضلاً دلّ على صدقه في ذلك (١).

فالمعجز يظهر على الأولياء كما يظهر على الأنبياء.

ذلكم القرآن الكريم شاهد صدق على ذلك ، فقد ذكر أمثلة متعددة لذلك ، كحمل السيدة مريم بلا دنس ، وكقصة أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم أكثر من ثلاثمائة سنة ، وإتيان آصف بن برخيا بعرش بلبقيس حيث قال لسليمان النبي (عليه السلام) ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ... ) (٢) وما إلى ذلك من خوارق العادات التي صدرت من غير الأنبياء ، وجاء ذكرها في القرآن المجيد وسائر الكتب السماوية.

الخلاصة :

إن المعجزة « فعل ربوبي ، وآية إلهية ، وحجة قاطعة ، يعجز عنها البشر ، وتنحط دونها القوى والقدر وتنحسم بها بواعث الشك والإرتياب ، وعوابث الوسوسة والإضطراب » (٣).

وبعد أن عرفنا المعجزة وشرائطها ، وكيف نميز بينها وبين ما ليس بمعجز ، بعد هذا كله يأتي السؤال التالي :

لماذا أعطى الله تعالى المعجزة لأنبيائه وأوليائه؟

هذا أبو بصير أحد أصحاب سيدنا ومولانا الإمام الصادق ( عليه

__________________

(١) الذخيرة في علم الكلام : ص ٣٢٢.

(٢) سورة النمل ، الآية (٤٠).

(٣) الدين والإسلام : ج ٢ ص ٢٧٥.

١١٧

السلام ) يسأل من الإمام عن سبب إعطاء الله تعالى المعجزة لهم وللأنبياء.

قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) لأي علّة أعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله ، وأعطاكم المعجزة؟ (١).

فقال : ليكون دليلاً على صدق من أتى به؟

والمعجزة علامة الله لا يعطيها إلا أنبياءه ورسله وحججه ، ليعرف به صدق الصادق [ من كذب الكاذب ] » (٢).

فيؤيد الله سبحانه وتعالى أولياءه والصالحين من عباده بالمعجزة ، تصديقا لهم ، وإصحاراً بحقيقة أمرهم ، وحثا للملأ على اقتفاء آثارهم.

والتعجب من هذه الخوارق والمعاجز أو الإستنكار لها ، إنّما هو بسبب غرابتها عن المشاهدة والمألوف.

ولكن لا تلبث أن تنفشع سحابة الغرابة إذا عرفنا أن هؤلاء بالطاعة اكتسبوا رضى الخالق عز وجل ، فخلق الأشياء لأجلهم ، وتحت تصرفهم ، فوهبهم الدنيا والآخرة.

ففي الحديث القدسي : « عبدي! خلقت الأشياء لأجلك ،

__________________

(١) ملاحظة حول تسمية الخوارق بالمعجزة أو الكرامة : جاء في كلام : جاء في كلام أبي بصير : « وأعطاكم المعجزة » ، فيشمل لفظ المعجزة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ، ولم يرده الإمام بأن المعجزة تختص بالأنبياء فقط ، والكرامة لغيرهم. فتقرير الإمام دليل آخر على أن المعجزة لا تختص بالأنبياء.

(٢) علل الشرائع : ج١ ص ١٢٢ ح١.

١١٨

وخلقتك لاجلي. وهبتك الدنيا بالإحسان ، والآخر بالإيمان » (١).

كما و « إن لله عباداً أطاعوه فيما أراد ، فأطاعهم فيما أرادوا ، يقولون للشيء كن فيكون » (٢).

وفي حديث قدسي ثالث :

« يابن آدم! ...

أنا أقول للشيء كن فيكون. أطعني فيما أمرتك ، أجعلك تقول للشيء كن فيكون » (٣).

وفي حديث قدسي آخر :

« عبدي! أطعني أجعلك مثلي ... أنا مهما أشاء يكون ، أجعلك مهما تشاء يكون » (٤).

فمفتاح ظهور هذه المعاجز على العباد هو الطاعة التامة لله وحده وحينئذ لا يبقى مجال لأي تعجب أو إستغراب.

ومن تلك المعاجز مانراه عند مشاهد أهل بيت العصمة والطهارة ، وقباب وأضرحة أولادهم وذراريهم (عليهم السلام).

ومن سيدات ذلك البيت الطاهر ، والمنبع الزاكي ، سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة (عليها السلام) ، حيث نجد حرمها الشريف مزدلف أرباب الحوائج ، ومأوى كل مهموم ومغموم ، وحمى كل مستجير ومضطهد.

__________________

(١) الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية : ص ٣٦١.

(٢) المصدر السابق : ص ٣٦١.

(٣) المصدر السابق : ص ٣٦٣.

(٤) المصدر نفسه : ص ٣٦١.

١١٩

فلا ينكفىء المحتاج إلا ثلج الفؤاد ، ولا يرجع القاصد إلا قرير العين ، ولا يلبث المريض إلا وقد شفي.

والآيات والمعجزات التي ظهرت عند مرقدها المبارك ـ على مدى الأيام والأزمان ـ كثيرة لا تعد ولا تحصى ، وفيما يلي نذكر بعضاً منها ،على سبيل التيمن والتبرك (١) : ـ

__________________

(١) وللمزيد راجع كتاب « كريمة أهل البيت » ـ فارسي ـ ، فقد ذكر فيها مائة من معاجزها وكراماتها (عليها السلام).

١٢٠