نهاية الأفكار ونزهة الأبصار

عبدالله بن قاسم الحريري الأشبيلي البغدادي

نهاية الأفكار ونزهة الأبصار

المؤلف:

عبدالله بن قاسم الحريري الأشبيلي البغدادي


المحقق: الدكتور حازم البكري
الموضوع : الطّب
الناشر: دار الرشيد للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٢٣

الفصل الثاني والعشرون

في وصف العضل التي في العين والحكمة المستفادة من خلقها. وموضع كل واحدة منها

اعلم ان العين تحتاج الى الحركة كما بينا في وضعها للبصر الى جهات كثيرة. ويكون لها اطلاع اكثر مما لها على تقدير سكونها. فجعل فيها وفي الاجفان عضل يتأتى لها به سائر الحركات وذلك العضل هو عضو مركب من العصب ومن جسم ينبت من اطراف العظام شبيه بالعصب يسمى (عقبا ورباطا) ومن اللحم ومن غشاء يجللها خلقت لتحريك الاعضاء بحسب الارادة. وذلك ان العصب اذا اتصل بالرباط وتشبك كل واحد منها بالاخر حتى صار كشيء واحد. وينتفش الحاصل منهما او احدى الفرج التي من الاخر المنتفشة باللحم وجلل بغشاء. وكان هذا الحاصل عضلة (١٤٩) ، وغايتها ان الارادة متى اقتضت تحريك عضو ما حركت القوة المحركة التي تحرك العضل

_________________

المدورة بكل جفن، وتكون على صفين او ثلاثة، وتثبت جذورها في النسج الليفي والعضلي وتحتوي على غدد دهنية وغدد عرقية. كما ان النسيج الليفي يحتوي على أوعية دموية وأعصاب. أما العضلة الرافعة العلوية للجفن فترتكز على الحافة العلوية لعظم الحجاج والطرف الآخر للعضلة يتصل بالحافة العلوية لغظروف الجفن. وهناك عضلة تدعى بالعضله الحجاجيه الجفنيه تقع بين الغضروف والجلد. اما عظروف الاجفان فهو عباره عن صفحه رقيقه مكونه من نسيج ليفي كثيف. وتوجد داخل الغضروف غدد دهنيه وكذلك داخل غضروف الجفن السفلي ـ انظر: امراض العين:. لماي ص ٤٠ ـ

١٤٩) هكذا بالاصل. وهو يريد بذلك كله تعريف العضله. ومعنى قوله: هو ان العضلة عضو مركب من عصب ووتر أو رباط. وان العصب يتصل بالرباط أو بالوتر أو بالعصب ـ كما يدعوه ـ ويشتبك كل منهما بالاخر لتصبح جميعها عضوا يدعى بالعضله المجلله كالغشاء او الصفاق. ولذلك يستطيع ان يوءدي حركة الانبساط والانقباض. وهو ما يقصد بقوله (و يشنجها أو يرخيها).

٨١

بتأدية العصب الذي هو جزء من ذلك العضل ، اما بان تشنجها ويلزم من ذلك حركة العضو الى جهة مبدأ العصب. واما بان يرخيها ويلزم من ذلك حركة العضو الى خلاف جهة المبدأ. فجعل في اللحاظ عضلة تحرك العين نحوه. وفي المآق عضلة تحرك العين نحو الانف. ومن فوق عضلة تحرك العين الى جهة فوق ومن اسفل عضلة تحرك العين الى جهة أسفل. ومن فوق عضلتان تمتدان ورابا نحو اللحاظ تديران العين (١٥٠). وثلاث عضلات في اصل العين تمسك الشعبة الواردة من الدماغ الى العين. وتمسك العين من ورائها عند اتصالها بالعصبة

_________________

١٥٠) المعروف لدى الاطباء العرب: ان العضلات التي تحرك العين هي ست. واحدة تحركها الى فوق، واخرى الى اسفل، وواحدة الى جهة المآق (أي الجهة الانسية) وواحدة الى جهة اللحاظ أي الجهة الوحشية كما ان هناك عضلتين تدعيان بالعضلتين المنحرفتين تديران العين الى فوق وأسفل والى يمين ويسار (تذكرة الكحالين ص ٣١). وان هناك ثلاث عضلات في فم العصبه المجوفه لتشد فمها وتمنع من ان تتسع فتتبدد القوة الباصرة. وقد اختلف الاقدمون في وجودها ـ فلم يذكرها الرازي ج ٢ ص ١. ولم يذكرها حنين في مقالاته العشر ص ٨١ ـ ٨٢) وان العضلات الست هذه تدعى حديثا ب‍(العضلة المستقيمة الانسية والعضلة المستقيمة الوحشية والعضلة المستقيمة العلوية والعضلة المستقيمة السفلية والعضلة المنحرفة العليا والعضلة المنحرفة السفلى) ولم تأت كتب التشريح الحديثة على ذكر شيء عن العضلات الثلاث التي تقع في فم العصبة المجوفة والتي من فوائدها أيضا منع جحوظ العين أثناء التحديق، وذلك بتثبيتها وابقائها في مقرها. والظاهر انه خطأ وقع به من جاء قبل الكحالين العرب.

وقد جاء في تذكرة الكحالين ص ٣١ ـ و٣٨ : ان الجفن العلوي هو الذي يتحرك، وتتم حركته بثلاث عضلات. واحدة تشيله الى الاعلى وموضعها بالقرب من عظم الحاجب. وعضلتان تحطانه الى الاسفل عند التغميض ليلا أثناء النوم والارادة. ومنفعة ذلك لئلا تتراكم على العين البخارات والفاز فيؤذي ذلك العين وموضعها من الجفن في المآقين مما يلي أصول الشعر واما الجفن الاسفل فلا عضل فيه. فان تحرك فان عضل الخد يحركه. واما اشعارها فلها منفعتان احداهما ان تدفع عن العين ما لطف من الافات مثل الغبار وما اشبه. والثاني ان تقوي العين بسوادها.

٨٢

واستقرارها في الجوبة. ولو لا هذا العضل لكانت الشعبة تنهتك عن أدنى سقطة او انزعاج الرأس الى جهة أمام. وعند المشرحين خلاف في هذه العضل الثلاث. فعند قوم انها عضلتان وعند قوم انها عضلة واحدة ولم يختلفوا في وجود جنس العضل لما ذكرنا من حفظ العين بالمسك. واما عضل الجفن ، ففي وسط الجفن الاعلى عضلة ترفعه الى فوق لينفتح. وفي طرفيه عضلتان تحيطانه وقت التغميض والطرف. وانما جعل حركة الجفن الاعلى الى فوق بعضلة واحدة في الموضع الوسط ، لان شعر العين لما كان صلبا تحرك طرفاه بتحرك وسطه. فاذا جذبت العضلة وسطه ، انجذب سائره الى فوق. وجعل حركته الى أسفل بعضلتين في زاويتي العين ، لان الشعر وان كان مفرط اللين حتى استرخى ، ليس يسهل تحريك سائره بتحريك طرفيه كما يسهل تحريك طرفه بتحريك وسطه. ولان طرفيه لو كان في كل واحد. عضلة لكان فتح العين من جانب اللحاظ والانف سواء فلا يستقيم للعين فتح.

ولما كانت العين دائمة الحركة وكذلك الاجفان عليها انفتاحها وانطباقها جعل من فوق غدد ومن اسفل غدد يرشحان دائما في ثقبة دقيقة رطوبة لينة الى العين ليسهل بها حركتها ومرور الاجفان عليها. وجعل شحم منطبق بالعين يفيدها لينا ويعينها في جودة الحركة الى الجهات. فتبارك اللّه احسن الخالقين.

القسم الثاني من الجزء الاول

في تعريف احوال العين وامزجتها والوانها

واحوالها الطبيعية منها وغير الطبيعية واختلاف ذلك

وهو فصلان

٨٣

الفصل الاول

في أمزجة العين واختلافها

يجب على الكحال ان يعرف مزاج العين الطبيعي الذي يحتاج الى علاجه حتى اذا زال عن حالته الطبيعية عرف مقدار زواله الى أي جهة زال حتى يرده الى ما كان عليه. فاذا كان صحيحا يحفظ صحته. فيجب على الكحال حينئذ ان يكون عارفا بمزاج العين. فنقول قد يتصور مزاج العين على وجهين احدهما ان يكون معتدلا واعتدالها لا يعني ان يكون معتدلا (١٥١) في التوازن والتعادل ، فذلك محال وجوده لا سيما في العين ، لان الرطوبة كثيرا ما يغلب عليها. لان منشأها من الدماغ. والدماغ رطب في الغالبية (١٥٢) لكنا نعني بذلك الاعتدال ما يعنيه الاطباء (١٥٣) بالمعتدل في مباحثهم. وهو ان يتوفر على العين في أصل الخلقة ما يستحقه من المزاج الانساني على أفضل ما ينبغي ان تكون عليه العين. فعلى هذا يكون مزاج العين المعتدل رطبا والحرارة التي فيها لا تقاوم رطوبتها لانها مستفادة من الشرايين. الا انه تبخر الحرارة الرطوبة. ويداوم التحليل بالحركة وغير ذلك من الاسباب المحللة تقرب من المساواة. وهذا الاعتدال المذكور يكون معتبرا بحسب النوع ، ويكون بحسب الصنف ، ويكون بحسب الاشخاص ، والاسنان ، والذكور والاناث ، والالوان.

فاما الاعتدال المعتبر بحسب النوع فهو انا اذا قسنا عين الانسان الى عين ما سواه من الحيوانات وكانت اعدل ، فهي معتدلة بهذا الاعتبار. لان الانسان اعدل.

_________________

١٥١) في الاصل: قد يتصور مزاج العين على وجهين أحدهما أن تكون معتدلة المزاج وهذا اعتدالها لا يعني أن يكون معتدلا في التوازن والتعادل فذلك محال.

١٥٢) في الاصل: الدماغ رطب في الغابيه.

١٥٣) في الاصل: ما يعنونه الاطباء.

٨٤

واما بحسب الاصناف فان كل صنف من اصناف سكان المعمورة يختص اهله بمزاج في اعينهم متى كان لهم كانت أعينهم افضل ما ينبغي ان تكون عليه ، كبرد أعين الصقالبة ويبسها وحرارة أعين الحبشة ورطوبتها واعتدال مزاج سكان الاقليم الرابع. فلو فرضنا ان أعين الصقالبة كانت حارة رطبة كان القياس يقتضي ان يسرع اليها النزلات لحرارتها ورطوبتها لان العضو الحار يجذب الى نفسه اكثر من جذب البارد ، وفجوجة أدمغتهم تساعد على ذلك. ولو فرضنا ان أعين الحبشة باردة يابسة مع كثرة التحليل من ادمغتهم ونضجها لحرارة هوائهم وكثرة قرب مسامقة الشمس من رؤوسهم لكانت المواد تكثر عليها ويقل هضمها ويتولد في اجزائها سدد بسبب كثرة الفضلات وعدم التحليل الحاصل من بردها ويبسها وضيق مسامها. وقد نشاهد في الاقليم الرابع شيئا قريبا من ذلك ، وهو انه من كانت عينه كحلاء كأعين الحبشة حارة المزاج ، كثيرة انصباب المواد اليها الحارة (١٥٤) وغيرها.

ومن كانت عينه زرقاء يابسة المزاج لا سيما اذا كانت الرطوبة البيضية قد ساء مزاجها ، لم تدرك نهارا كما ينبغي ، وقد تدرك ليلا. وبالجملة كل من وجدت عينه في صنف على خلاف أعين ذلك الصنف ، فانه يكون خارجا عن الاعتدال فان الحكمة الالهية اقتضت ان يكونوا على ما هم عليه وما اقتضاه هواؤهم وماؤهم. وترى احوالهم تجري على أفضل ما ينبغي لهم (١٥٥). واما الاعتدال المعتبر

_________________

١٥٤) في الاصل : وهو انه من كانت عينه لحلاء جا على الحبشة حارة المزاج كثيرا انصباد المواد. والاقليم الرابع يعني بلاد فارس وخرسان.

والعين الكحلاء هي العين الشديدة السواد. واعين الحبشه يعنى بها اعين الاحباش وهم سكان بلاد الحبشة.

١٥٥) في الاصل : وما اقتصاه هو اهم وما هم.

٨٥

بحسب الاشخاص ، فان كل واحد من الناس تكون العين فيه نسبتها الى الاعتدال كنسبة اعضائه الاخر الى الاعتدال ايضا على ما تستحقه الاعضاء من المزاج الاصلي الخاص بكل عضو. وكلما كانت اعضاؤه (١٥٦) اقرب الى الاعتدال كانت العين اقرب. وربما كانت معتدلة في انسان غير معتدل او بالعكس.

واما الاعتدال المعتبر بحسب الاسنان (١٥٧) فان الاطفال تكون أعينهم في الغاية من الرطوبة والحرارة. ولا تكون فيهم قوية ، ورطوبتها غريزية وكذلك حرارتها. لكن الرطوبة تغلب كثيرا. وكلما ترعرعوا سبقوا وقلت رطوبات أعينهم بالنسبة الى ما كانت عليه قبل الرهاق (١٥٨) لانها تكون أدنى حسا.

والفكرة لا تستعملها القوى النفسانية فيصرف الى حواسهم اكثر. واما في سن الشباب فان الروح الباصر فيهم يغلظ قليلا بسبب قوة الحرارة التي توجب في دمائهم غليانا وتعكرا وتكدرا. واما الكهول فان العصبة النورانية تقل لدونتها وتضيق فيقل لذلك نفوذ الروح الباصر فيها فتضعف ابصارهم. واما المشايخ فيكثر في أعينهم نزول الماء والرطوبات الغريبة وانصباب المواد والسدد. وترقى الابخرة الغليظة من الاعضاء لا سيما من المعدة بسبب ضعف الهضم في كل الاعضاء لقلة الحرارة الغريزية وضعفها وضعف القوة الدافعة.

واما الاعتدال المعتبر بحسب الذكران والاناث ، فان أعين الاناث أقل حرارة واكثر رطوبة. وأعين الذكران بالضد.

_________________

١٥٦) في الاصل : وكلما كانت (أعضاه) أقرب.

١٥٧) في الاصل جاءت كلمة (الاسنان) مشوهة غير مقروءة. ولكن سياق الجملة اوضحها.

١٥٨) الرهاق ، ويريد بها المراهقة. جاء في المعجم الوسيط : يقال : انهم رهاق مائة ، أي ان عددهم زهاء مائة. اما المراهق : فهو من جاوز طور الصبا. وراهق الغلام : اي قارب الحلم

٨٦

واما اعتبار اللون فالشعلاء أعدل والشهلاء قريبة منها. وابعدها عن الاعتدال الزرقاء. وأقرب من بعدها الكحلاء. وهذا أمر أكثري يقع غالبا. لا أن كل فرد من أفراد كل قسم من الاقسام التي ذكرنا يوجد البتة (١٥٩). كذلك فربما خالف لكي يكون قليلا والوجه الثاني ان لا تكون معتدلة بل تكون أميل الى احد الكيفيات اعني الحرارة أو البرودة. واما الرطوبة او اليبوسة وقد تكون مركبة فتصير ثمانية. وهذه الثمانية تكون صحية وغير صحية. والصحية قد تكون بمادة وبغير مادة فتصير ستة عشر. وسنستقصي ذلك عن قريب ان شاء اللّه.

الفصل الثاني منه

في ألوان العين (١٦٠)

اعلم ان الوان العين مختلفة. فمنها بالطبع ومنها بالعرض. ومنها ما يوجد بحالة وقت الولادة ثم تتغير. ومنها ما لا يتغير. ومنها ما

_________________

١٥٩) ربما ان المؤلف أراد من جملة (يوجد البتة) بأن ما ذكره ليس أمرا قطعيا وانما هو أمر أكثري أي بالاكثرية أو الغالبية (وهذا أمر أكثري يقع غالبا).

١٦٠) في الوان العين : اسهب المؤلف في الشرح عند كتابته فصل الوان العين. بينما لم يعر غيره ذلك ولم يهتم مثل هذا الاهتمام. فقد فقد جاء في تذكرة الكحالين شرح موجز عن الاسباب التي تكون بسببها لعين كحلاء او زرقاء او شعلاء او شهلاء ـ انظر التذكرة ص ١١ ـ ١٣ ـ ولقد حذا مؤلفنا حذو الاغريق عند ذكرهم العنبية (ايرس Iris). اذ اعتبروا للعين أربعة ألوان. فذكروا العين الكحلاء (الشديدة السواد بما فيها الاشفار. ثم ذكروا الشعلاء (جاء في المعجم الوسيط : الاشعل من الناس هو من كانت في عينه حمرة خلقة (ثم ذكروا الشهلاء) جاء في المختار من صحاح اللغة : الشهلة في العين : ان يشوب سوادها زرقة. وجاء في الوسيط شهل اللونان شهلا اي اختلط احدهما بالاخر. والشهل ان يشوب انسان العين حمرة ـ. ثم ذكروا العين الزرقاء.

ان الاغريق عند ما ذكروا العنبيه قالوا ان هناك غشائين ، وان احد الغشائين وهو الذي يلتحم بالجليدية يكون على هيئة قوس يقال له

٨٧

يتغير عند الشيخوخة وبرد المزاج. ومنها ما يختلف بحسب البلدان والاصناف. ومنها ما يتغير لونها بحسب المرض. اما الالوان التي بالطبع فهي اربعة الشعلاء والشهلاء والكحلاء والزرقاء. واسباب الزرقة اما من عظم الرطوبة الجليدية او ظهورها الى القريب من العنبي او من صفاء الروح الباصر او ان يكون متوقدا او من قلة الرطوبة البيضية او ان تكون صافية او من قلة سواد الطبقة العنبية.

واما اسباب الكحولة فمن اضداد هذه الاسباب الفاعلة للزرقة. واما اسباب الشعولة والشهولة ، فاذا وجد بعض الاسباب الفاعلة للزرقة مع بعض الاسباب الفاعلة للكحولة كان ذلك. وقد يوجد في

_________________

(ايرس) لمشابهته (قوس قزح) وهو ما سمي بعد ذلك (بالقزحية). ولم يميز لا العلماء الاغريق ولا العلماء العرب بين القزحيه ـ العنبيه ـ وبين الجسم الهدبي (وهو امتداد الطبقة المشيمية حتى اتصالها بالقزحية) ، ودعوهما كليهما بالعنبية. ولا شك ان الالوان التي تحملها القزحية لها عوامل بيئية ووراثية. وقد أرادوا حل طلسم تلك الالوان فأسهموا في البحث عن عيون الصقالبة والحبشيين وأهل مختلف الاقاليم المعروفة ـ انظر كتاب العشر مقالات ، النص الانكليزي ص ٩ والنص العربي ص ٧٨ ـ. ولقد اوردوا لكل لون من ألوان العين عوامل متعددة لحدوثه. فقالوا مثلا كما جاء في تذكرة الكحالين ص ١١ ـ ١٢ :

(أذكر في هذا الباب من كم سبب تكون العين كحلاء : العين تكون كحلاء من سبعة اسباب وهي اما من نقصان الروح الباصر ، واما من كدورته واما من صغر الرطوبه الجليدية ، واما من انخفاضها ، واما من كثرة الرطوبة البيضية ، وأما من كدورتها وأما من شدة سواد الطبقة العنبية ـ. وقد جاء مؤلفنا بنفس الاسباب اذ قال : ان اسباب الكحوله هي ضد الاسباب الفاعله للزرقه ، والاسباب الفاعله للزرقه هي اما من عظم الرطوبة الجليديه او ظهورها الى القريب من العنبي او من صفاء الروح الباصر او ان يكون متوقدا او من قلة الرطوبه البيضيه او ان تكون صافيه او من قله سواد العنبيه.

١٦١) ان جملة (كالنبات أو ما ينبت لا يكون ظاهر الصبغ بل يكون الى البياض) جاءت في الهامش بخط المؤلف. ولكن كلمة لا يكون ، جاءت في الاصل (لا يكن).

٨٨

قوم أشد وفي قوم أقل بسبب تكامل الاسباب الفاعلة للالوان ونقصانها.

واما ألوانها بطريق العرض فذلك يكون بسبب غلبة بعض الاخلاط. فتوجد حمراء وصفراء ورصاصية وكمدة. فالحمرة من غلبة الدم. والصفرة من غلبة الصفراء والرصاصية من غلبة البلغم. والكمودة من غلبة السوداء. وهذه الالوان انما تتغير فيها كثيرا الطبقة الملتحمة. فاما ما يوجد وقت الولادة في أعين الاطفال ثم يتغير بعد مدة فذلك لعدم النضج (١٦١) كالنبات أول ما ينبت لا يكون ظاهر الصبغ ، بل يكون الى البياض. ثم انها مع النضج تخضر. فلهذا السبب تكون زرقة عيون الاطفال وشهولتها. وهذه زرقة تكون من رطوبة غير بالغة اذا قويت حرارتهم اتضحت تلك الرطوبة الى ذلك اللون. واما تغير أعين المشايخ الى الشهولة والزرقة في بعض الناس فذلك بسبب التحلل الذي يعرض الرطوبة التي تتبعها الصبغ اذا كانت نضجة جدا مثل النبات عند ما تتحلل رطوبته وتأخذ تبيض. وهذه زرقة عن يبس مفرط. وقيل ان تلك الزرقة من رطوبة غريبة تأخذ تبيض كالماء الذي ينزل الى العين. واقول لذلك (١٦٢) من المجموع فان اليبس في الاعضاء يعني الرطوبة الاصلية الموجبة للصبغ تغيّر اللون تغيرا ما. والرطوبة الغريبة تكمل ذلك التغيير. واما ما هو عارض مع الامراض كما يعرض للمرضى ان تشهل أعينهم ، وسببه تحليل الرطوبة كما قلنا. وقد تصير العين الكحلاء شهلاء بسبب انتشار يعرض لنور العين من اتساع ثقب العنبي فيتبدد النور. وبالجملة فالزرقة منها طبيعية ومنها عرضية. ويعتبر ذلك بجودة

_________________

١٦٢) في الاصل : جاءت كلمة (لذلك) في الحاشية.

٨٩

الابصار. وقد ظن بعض الاطباء ان الشهلاء (١٦٣) نارية ، ولو كان كذلك لكانت العين الزرقاء مضرورة لفقدانها النارية التي هي البصر. وقد يقصر بعض الكحل عن بعض الزرق في الابصار اذا لم تكن الزرقة حدثت عن آفة عارضة. وذلك ان الكحلاء التي كحلها بسبب كثرة البيضية تمنع نفوذ اشباح الالوان بمضادته الاشفاف. والكحل الذي يكون لكدورة الرطوبة ، كالكحل (١٦٤) الذي يكون بسبب كثرة الرطوبة البيضية كذلك لانه لا يجيب الى حركة التحديق والخروج الى قدام اجابة يعتد بها. وانما اذا كانت العين الكحلة بسبب الرطوبة فيكون بصرها (١٦٥) بالليل قليلا بسبب الحاجة الى التحديق والخروج الى قدام ، اجابة لتحرك المادة الى خارج. والمادة الكثيرة تستعصي اذا كانت بسبب الطبقة العنبية وشدة سوادها فتكون اجمع للضوء. واما الزرقة بسبب قلة الرطوبة البيضية فانها تبصر ليلا في المواضع المظلمة اجود مما تبصر نهارا. وفي المواضع المشرقة لما يعرض من تحريك المادة القليلة بسبب الضوء فيشغلها عن الابصار كما يعرض في الظلمة من عدم الابصار.

واما اختلافها بحسب الاصناف في الالوان فان الصقالبة أعينهم زرق. والحبشة أعينهم كحل وسكان الاقليم الرابع أعينهم شهل وشعل غالبا. وقد يوجد الكحل والزرقة. والكحل اكثر وجودا في الاقليم الرابع من الزرقة. والترك وان كانوا يسكنون الاقليم الخامس

_________________

١٦٣) في الاصل : وقد ظن بعض الاطبا ان الشهلا الناريه. لقد درج الموءلف على حذف الهمزه من كثير من الكلمات في النسخه الخطيه. وقد اشرنا الى ذلك سابقا. ولا يزال يكرر حذف الهمزه واحيانا حذف النقط

١٦٤) في الاصل : والكحل الذي يكون لكدورة الرطوبة الكحل الذي يكون بسبب ..).

١٦٥) في الاصل : نضرها بالضاء المهملة.

٩٠

ويلاقون البرد الشديد ، الا انهم يكثرون اكل لحم الخيل. ويكثرون من أكل اللحوم مطلقا والدماء. ويشربون البان الخيل. وكل ذلك مسخن فتسخن احشاؤهم (١٦٦) وادمغتهم وتعود قلوبهم يابسة شديدة الحرارة. والروح الحيواني فيهم اسخن والطف. وبرد هوائهم يساعدهم على الزيادة في ذلك لانعكاس الحرارة فلا تعظم الجليدية فيهم ولا يحتاجون الى تحديق يوجب قربها من العنبي. وتحسن أعينهم فيكون مزاجها كالمعتدلة بسبب ذلك. فالوان أعينهم كالوان أعين سكان الاقليم الرابع وتندفع الرطوبات الى اجفانهم وتنعقد شحما فتكون أعينهم لذلك ضيقة (١٦٧). ويستحسن منهم ذلك. وان كان في بلادنا قد تصير شرناقا (١٦٨). فاذا وصلوا الينا كثيرا ما يتولد في أعينهم الظفرة (١٦٩). الا انها تكون لاصقة بالملتحم فلا تضرهم كثير

_________________

١٦٦) في الاصل : فتسخن احشاهم

١٦٧) في الاصل : فيكون اعينهم ضيق

١٦٨) في الاصل : في بلادنا قد يصر شرناقا والشرناق حسبما جاء في المقالات العشر لحنين بن اسحق ص ١٩١ : هو حويصلة مائية.

وفي ص ١٣١ دعاه (هودا طيس) ومعناه كيس مائي.

وفي تذكرة الكحالين ص ١٢٦ : الشرناق : من الامراض الخاصة بالجفن الاعلى. وهو جسم شحمي لزج منتسج بعصب وحجب يحدث في ظاهر الجفن وفي الحاوي : ج ٢ ص ١١٦ سماه الرازي النفاخات المائية وتكون فوق الجفن

وفي القانون ج ٢ ص ١٣٤. قال ابن سينا عن الشرناق : انه زيادة شحميه تحدث في الجفن الاعلى فتثقل الجفن عن الانفتاح.

١٦٩) جاء في العشر مقالات ص ١٢٨ عن الظفرة : زيادة في الملتحم عصبية. اول نباتها من المآق الاكبر ثم تنبسط الى سواد وسط العين حتى اذا عظمت عظمت وغطت الناظر ومنعت البصر ويقال لها ـ بتاريجيون ـ. وجاء ذكرها في القانون ص ١٢٧ ج ٢. وفي الحاوي ج ٢ ص ٣٨. والظفرة لا تختلف في الطب الحديث بالاسم والوصف الا انها وعائيه.

٩١

ضرر ، وتكون اجفانهم اغلظ وارطب من اجفاننا الا انها متمسكة بحيث انها لا ينحل منها شيء. فكلما قلت رطوبات الاجفان اتسعت العين وارتفعت الاجفان كما في البلاد الحارة ، وصار فيهم طبيعيا بحيث يولد من يولد منهم في البلاد الحارة كذلك.

القسم الثالث من الجزء الاول

في معرفة امراض العين الكلية واسبابها وعلاماتها

وعلاجاتها العامة. وهي عشرون فصلا ١٧٠

الفصل الاول من القسم الثالث

في معرفة المرض والسبب والعرض

اعلم ان المرض هيئة غير طبيعية في العين تجب عنها بالذات آفة في الفعل. واعلم ان الآفات الداخلة على الافعال ثلاثة أنواع : تغير ، ونقصان ، وبطلان.

فاما التغير فهو ان يتصور (١٧١) الانسان صورا لا وجود لها خارجا مثل رؤية من يرى قدام عينه بقا او عيدانا او خيوطا سوداء او وقاية مشبكة. واما مثال النقصان ان يضعف البصر. ومثال البطلان العمى (١٧٢).

_________________

١٧٠) سبق ان ذكرنا بالمقدمه ان هناك تباينا في رسم الكلمات بخط الموءلف نفسه. فالذي لم يطلع على اسلوبه الخطي يصعب عليه قراءة بعض الكلمات من قبيل ما جاء في (القسم الثالث من الجزء الاول) وقوله (دعلاجانها العامة هي عشر وفصلا). انظر فهرست الكتاب

١٧١) في الاصل جاءت بعض الكلمات خارج الاسطر (في الهامش) فقد جاء : يتصور الانسان صورا (صورا في الهامش) لا وجود لها خارجا مثل ردية (رؤية في الهامش وقد كتبها ردية) من يرى قدام عنبه (عينيه في الهامش وقد كتبها عنبه).

١٧٢) في الاصل : ومثال البطلان العما

٩٢

والهيئة الموجبة للآفة بلا واسطة تسمى مرضا. والهيئة الموجبة له بهذه الواسطة تسمى سببا. والعرض مما يتبع المرض. ولا فرق بين العرض والدليل الا بالنسبة الى المريض يسمى عرضا وبالنسبة الى الطبيب دليلا. مثال المرض نزول الماء. مثال السبب رطوبة غريبة في ثقب العنبي عن غلظ الرطوبة البيضية. مثال العرض عدم البصر. وقد يصير المرض سببا فيكون اعتبار كونه مرضا غير اعتبار كونه سببا. وكذلك الكلام في العرض. وقد يكون شيء واحد سببا ومرضا وعرضا باعتبارات مختلفة. مثل الدمعة ، قد تكون من اعراض الجرب. وربما استحكمت حتى صارت بنفسها مرضا. وقد تكون سببا للسبل.

واعلم ان الاسباب ثلاثة اقسام (١٧٣) : باد وسابق وواصل. فالبادي ما لا يكون خليطا او مزاجيا او تركيبيا بل يكون امرا من الامور النفسانية مثل العصب فانه قد يسخن العين اذا سخن البدن بسببه.

أو أمرا خارجيا مثل الهواء الحار. والسابق والواصل لا يكون كذلك. والفرق بين السابق والواصل : ان السابق يكون بينه وبين المرض واسطة. والواصل لا واسطة بينه وبين المرض. مثال البادى استكتار ما يولد الدم. مثال السابق الامتلاء. مثال الواصل لحوج المادة في الملتحم من العين بالصبغة التي تلزمها الرمد (١٧٤).

_________________

١٧٣) في الاصل : ملثة امسام

١٧٤) في الاصل : لحوج المادة في الملتحم في الغين الملصقه التي تلزمها الرمبد. جاء في المعجم الوسيط : لحوج عليه الامر خلطه عليه. واللّحج : من بثور العين شبه اللّخص الا انه من تحت ومن فوق. واللخصة شحمة العين من أعلى وأسفل وجمعها لخاص ولخصت عينه أي غلظت أجفانها وكثر لحمها خلقة او من ورم.

٩٣

الفصل الثاني من القسم الثالث

في امراض العين الكليّة

العين يعرض لها جميع الامراض اعني المتشابهة الاجزاء والآلية والعامة المشتركة. وهي تفرق الاتصال (١٧٥) بالامراض المتشابهة وهي سوء المزاج ، وهي ثمانية : اربعة مفردة ، واربعة مركبة. والمفردة : الحار والبارد والرطب واليابس. والمركبة فهي الحار اليابس والحار الرطب والبارد اليابس والبارد الرطب. وكل واحد من هذه الاقسام يكون بمادة وبغير مادة. ونعني بالمادة ان العين انما تكيفت بتلك الكيفية بسبب خلط فجج (١٧٦) منها كيفية مثل تلك الكيفية ، كمثل ما اذا سخنت لغلبة الصفراء ، او بردت لغلبة البلغم. وقد تكون هذه المادة متداخلة لتجاويفها. وقد لا تكون كذلك بل ملاصقة لها ومجاورة. وربما احدثت ورما مع مداخلها وربما لم تحدث. وقد تكون المادة ايضا ذات قوام معتدل وغير معتدل. واما سوء المزاج بغير مادة فهو ان تنكيف العين بمزاج من هذه الامزجة الثمانية المذكورة حدث فيها بسبب باد كمثل تسخنها من الهواء الحار وتبردها من الثلج او من يبسها من السمايم او رطوبتها بالحمام.

واما الامراض الآلية فهي الامراض العارضة في هيئتها كالصغر وهو الغؤور (١٧٧) والجحوظ واتساع المجاري وضيقها الى غير ذلك مما نذكره مستقصين (١٧٨) من الامراض الآلية عند ذكرنا علاجها.

_________________

١٧٥) تفرق الاتصال : هو تفرق اجزاء العضو عن بعضها. وهو على ثلاث وجوه : القطع او الرض او الخرق. انظر العشر مقالات ص ١٧٦

١٧٦) في الاصل : بسبب خلط لحج منها.

١٧٧) في الاصل : الغرور. والفؤور ضد الجحوظ.

١٧٨) في الاصل : مما نذكره مستقصى

٩٤

واما تفرق الاتصال فقد يعرض في عصب العين ويقع في الحدقة فيسمى انخراق الحدقة ويعرض في القرني فيسمى سلخا وحفرا. وقد تسمى النفاخات قروحا والبثور ايضا كذلك. وقد يعرض في الملتحم فيسمى طرفة (١٧٩) او انحلال الفرد لما كان عاما جميع العضو الذى حل فيه. وقد تنخرق الفرني. فان ظهر شيء من العنبي اصغر ما يكون سمي مورسرج (١٨٠). فان كان اكبر بقليل سمي راس الذبابة. فان عظم سمي رأس المسمار. وسنذكره في الامراض الجزئية (١٨١). واقسامها في الجزء الثالث من هذا الكتاب. ومن أمراض العين ما يعدي ويتوارث ، ومنها ما يعدي ولا يتوارث ، ومنها ما يتوارث ولا يعدي ومن امراض العين ما لا يعدي ولا يتوارث الاول كالسبل

_________________

١٧٩) الطرفه : هي ما ندعوه الان بالنزيف تحت المنظمه. وهي تقابل في رأينا كلمة Ecchymose

وانحلال الفرد : هو نوع من تفرق الاتصال وخاصة الخرق الذي يحدث بالقرني. فان كان انحلال الفرد يسيرا غير نافذ ، لا يضر بالبصر إضرارا شديدا (ويبدو ذلك واضحا بالعنبية) أما ان كان عظيما نافذا ، فان الرطوبة البيضية (الخلط المائي) تسيل حتى تلقى الطبقة العنبية الطبقة القرنية (المقالات ص ١٢٢).

١٨٠) المورسرج : هي كلمة أعجمية وردت في مؤلفات الكحالين العرب وغيرهم من المؤلفين.

فقد ورد ذكرها في تذكره الكحالين ص ٢٥١ و ٣٤٧ باسم المورسرج. وسماها ابن سينا في قانونه (المورشارج) حيث يقول في ج ٢ ص ١٢١ عند الكلام عن خروق القرنيه ـ فان كان ما يظهر من العنبه شيئا يسيرا سمي النملي والمورشارج والذبابي ـ وجاء في تذكرة الكحالين ـ الحاشيه ـ ص ٢٠٧ : اصل هذه الكلمة في الفارسيه ـ مورسره ـ اي راس النمله. وهي خروج الطبقة العنبية عند انخراق القرنية بسبب قرحة أو بثره او جراحه يقع فيها اذا خرج جزء يسير منها كرأس النمله.

وجاءت الكلمه في بحر الجواهر ـ الموسرج ـ بدون راء بين الواو والسين اما المحقق العلامة ماكس ما يرهوف فقد حققها وذكرها في كتاب المقالات العشر ص ٢٠٥ وص ٢٠٦ وص ٢١٢ وص ٢١٥ فقال (الموسرج)

١٨١) جاء في الاصل : وسنذكره في الامراض الجريبيه

٩٥

والثاني كالرمد ولا سيما الى عين من ينظر اليه ، والثالث كالشعر الزائد ومن مرض العين ما لا يعدى ولا يتوارث.

والرابع اكثر الامراض كالبياض والبثور وغير ذلك (١٨٢).

الفصل الثالث من القسم الثالث

من الجزء الاول

في الاسباب الفاعلة لكل واحد من الامراض العامة

قد عرفت السبب معرفة عامة. وعرفت البادي منه والسابق والواصل. وضربت لك مثالا. فلنذكر الان الاسباب ذكرا أخص فنقول :

_________________

١٨٢) لا بد من ابداء ملاحظتنا هنا نظريتهم عن العدوى والوارثة وبالطبع لم يذكروا ذلك عبثا بل عن تجارب. فمثلا يقول في الاصل : ومن امراض العين ما يعدى ويتوارث ، ومنها ما يعدي ولا يتوارث ، ومنها ما يتوارث ولا يعدى.

جاء في الحاشية : من أمراض العين ما لا يعدي ولا يتوارث. وانه أورد مثلا للاول فقال (كالسبل). والسبل (بفتحتين) هو انحدار أوعية دقيقة من الملتحمة الكروية فوق القرنية. وهو اختلاط من اختلاطات الرمد الحبيبي كما هو معروف الان. وقد عدوه مرضا مستقلا. اما عدواه فهي حقيقية. اذ ان ـ الجرب ـ أي الرمد الحبيبي يعدي ويؤدي الى احداث السبل ولذلك اعتبروا السبل مرضا معديا أما الثاني فهو (الرمد) وهو التهاب الملتحمه الحاد ويدعى Ophthalmite. فانه حقا يعدى ولا يتوارث وكما ذكره هو.

أما النوع الثالث من أمراض العين فهو (الشعر الزائد). ولكن الشعر الزائد لا يورث كما ذكر وانما هو اختلاط من اختلاطات الرمد الحبيبي في دوره المتأخر ، ويدعى Trichiase.

واما ما يتعلق بالنوع الرابع فقد جاء صحيحا فامراضه لا تعدي ولا تورث كالبياض والبثور.

٩٦

اسباب المرض الحار اما من ورود شيء خارج كحر النار وحر الشمس. واما من حركة مجاورة للاعتدال سواء كانت نفسية او بدنية كالعصب والرياضة. والسبب الاخر العفونة. والسبب الاخر ما يؤكل ويورد على البدن من الاشياء الحارة كالبصل والثوم والفلفل. والسبب الاخر التكاثف الذي ليس بمفرط لانه يمنع الحرارة من ان بخرج منها شيء.

الفصل الرابع من القسم الثالث

في اسباب المرض البارد

من عادة جالينوس ان يحصر الاسباب الفاعلة للبرودة في ستة اجناس (١٨٣) : الحركة المفرطة لكثرة التحليل ، والسكون المفرط لعدم التحليل ، وملاقاة ما يبرد ، وما يبرد ، وما يسخن جدا حتى تنعش الحرارة المادة المبردة ، وقلة الغذاء بالافراط.

الفصل الخامس منه

في أسباب الرطوبة (١٨٤)

وهي تنحصر في اربعة اجناس : في المادة المرطبة ، وملاقاة ما يرطب ، وكثرة المادة مما يتناول ، والخفض ، والدعة فقد يعد منها

_________________

١٨٣) اعتمد على آراء جالينوس وحصر الاسباب الفاعله للمرض البارد في سنة. بينما حصرها حنين بن اسحق في ثمانية وهو مترجم آراء جالينوس جميعها تقريبا. يقول حنين ـ ومنها ما يفعل الامراض الباردة وهي ثمانية : ملاقاة جرم بارد ، وأخذ شىء له بالتبريد وكثرة الغذاء ، وقلته ، وضيق المسام ، وسعتها ، وافراط الحركة والسكون. (المقالات ص ١١٥). بينما لم يذكر مؤلفنا كثرة الغذاء بالافراط وضيق المسام وسعتها.

١٨٤) جاء في المقالات ص ١١٥ : ومنها ما يرطب وهي اضداء ما يفعل الامراض اليابسة.

٩٧

الفصل السادس منه

في اسباب اليبوسة

اسباب اليبوسة اربعة اجناس (١٨٥) : احدها ملاقاة ما يجفف كالسمايم (١٨٦) ، والجنس الثاني المادة المجففة ، والجنس الثالث قلة المادة مما يتناول ، والرابع ما يحلل.

الفصل السابع منه

وجع العين وأسبابه

الوجع هو احساس بالمنافي من حيث هو مناف. واسبابه منحصرة في جنسين : سوء المزاج بعينه وتفرق الاتصال (١٨٧). وسوء المزاج اما ان يكون منافيا لمزاج العين فتحس به. واما ان لا يكون منافيا فتصير العين بمنزلة المزاج الاصلي فلا يحس به. وجالينوس منكر ايلام سوء المزاج. فاما الحار والبارد فيؤلمان بالذات. واما اليابس

_________________

١٨٥) حاء في المقالات ص ١١٥ : ومنها ما يفعل الامراض اليابسه وهي اربعة : بقاء ما يجفف وقلة الغذاء ويبوسته وافراط الحركه

١٨٦) السمائم : ومفردها ـ سموم ـ وهي الرياح الحارة الجافة والحر الشديد النافذ في المسام

١٨٧) في الاصل : سو المزاج بغتيه وتفريق الاتصال.

وقد درج الموءلف في كتابته على حذف الهمزه من الكلمات وخاصة اذا كانت في اخر الكلمة. كما درج على عدم الاهتمام بتنقيط الكلمات ـ وقد اشرنا الى ذلك في اكثر تعليقاتنا السابقه ـ فلذلك كثيرا ما كنا نصطدم بكلمات غير مقروءة تماما ، او هي كلمات تتغير معانيها بتغير مواقع النقاط. فكنا نختار بالطبع ونقلب الكلمة ثم الجملة حتى نجد الكلمة الصحيحة التي يقصدها الموءلف. وهذه اهم نقطة في التحقيق.

٩٨

فيؤلم بالعرض بشدة تقبيضه (١٨٨) وبواسطة تفرق الاتصال والرطب لا يؤلم. وجالينوس يعتقد ان السبب الذاتي الموجع انما هو تفرق الاتصال. وقد خطأه الشيخ الرئيس وذكر ان بيانه من غير هذا العلم. وهذا مما لا يلزم الطبيب فكيف الكحال.

الفصل الثامن منه

في اصناف الاوجاع الحادثة في العين واسم كل واحد

منها واسباب ذلك

اعلم ان الاوجاع المشهورة (١٨٩) بالالقاب التي تحدث للعين هي هذه :

_________________

١٨٨) في الاصل : واما اليابس فيولم بالعرض بشده يقبضه

١٨٩) في الاصل : ـ اعلم ان الاوجاع المشهوره بالالقاب التي تحدث للعين هي هذه : الناخس .. الخ نقول : ان الاسماء الوارده في هذا الفصل لتصنيف الاوجاع ، هي عبارة عن أعراض تظهر في مختلف أمراض العين او بقية اعضاء الجسم الاخرى. وقد كان الاقدمون يعتمدون في تشخيصهم الامراض على الحدس والتخمين والتجربه بالاضافه الى الموهبة والذكاء وقوة الملاحظة وما يستنتجونه بالاستجواب من المريض. وقد وضعوا هذه الالقاب التي تحدث للعين ـ كالناخس مثلا حيث عرفوه بانه : العرض الذي يمدد الغشاء عرضا وهو خلط او ريح او بخار. وكان حنين بن اسحق ، قد اوجز ذلك في مقالاته العشر ص ١١٢ فقال : اجناس الامراض ثلاثة ، وذلك لان ضروب التركيب في البدن ثلاثة : الاول منها تركيب الاعضاء البسيطه في الاركان ، ويحدث فيه جنس من الامراض يقال له ـ بسيط ـ ، ويكون اما حر واما برد واما يبس واما رطوبة وأما تركيب عن ذلك. وكل واحد من هذه أما مع مادة وأما بلا مادة.

والتركيب الثاني هو تركيب الاعضاء المركبة مع الاعراض البسيطه. ويحدث فيه ما يدعى بالمرض المركب ويكون في أربعة أشياء : في الخلقة والوضع والعظم والعدد. اما في الخلقه فعلى خمسة انحاء وهي الشكل والثقب والتجويف والخشونه واللين. والسبب في ذلك يعود الى اضطرابات في أخلاط البدن والعين جزء من كل ـ انظر تفصيل ذلك في المقالات ص ١١٢ ـ ١١٥.

٩٩

الناخس : وهو الذي يمدد الغشاء عرضا. وهو خلط او ريح او بخار

والوجع الخشن : وسببه خلط خشن

والضاغط : وهو الذي يقبض على العين ويعصره وهو مادة لها قوام او مادة لا قوام لها

والحكاك : وسببه مادة لذاعة صفراء او دم حاد او مادة بورقية او سوداء لذاعه او تركيب من ذلك

والوجع المنخس : وهو ان يكون من مادة يتحلل بين العضلة وغشائها فتفرق اتصال الغشاء من العضلة وتجذبه الى طرفه

والممدّد : هو الذي يمد العصب والعضل طولا من خلط (١٩٠) او ريح

والرخو : وهو الذي يمدد لحم العضلة دون وترها. وانما سمي رخوا لأن اللحم أرخى من الوتر فيسمى باسم محله وسببه مادة ممدده لذلك.

والضرباني : وسببه مادة حادة. وذلك الضربان يوجد في حالة الصحة. الا انه غير مؤلم وعند الخروج عنها يؤلم ويحسّ به

والثاقب : وكأنه يثقب العضو بنفوذه فيه قليلا. وسببه ماده غليظة في عضو غلظ كالطبقة الصلبة اذا انصبت اليها فضلة.

والمسلّي : وسببه تلك المادة إلا انها محتبسة

واللاذع : وسببه خلط له كيفية حادة. واعلم ان الوجع يحل القوة ويمنع العين من خواص أفعالها. وهو يسخن أولا محله ثم

_________________

١٩٠) في الاصل : من خليط او ربح

١٠٠