نهاية الأفكار ونزهة الأبصار

عبدالله بن قاسم الحريري الأشبيلي البغدادي

نهاية الأفكار ونزهة الأبصار

المؤلف:

عبدالله بن قاسم الحريري الأشبيلي البغدادي


المحقق: الدكتور حازم البكري
الموضوع : الطّب
الناشر: دار الرشيد للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٢٣

كتاب نهاية الافكار ونزهة الابصار

سمّاه مصنفه في الترجمة رحمه اللّه (١)

بسم اللّه الرحمن الرحيم اعلم

ان الكحل (٢) جزء من صناعة الطب التي موضوعها بدن الانسان ، وغايتها حفظ صحة موجوده ورد صحة مفقودة ما امكن. فالكحل اذأ صناعة موضوعها العين من الانسان ، وغايتها حفظ صحة العين ما امكن الحفظ ، ورد صحة العين اذا لم تزل بالكليه. ولكل واحد من الناس قبول استعداد لفنّ هو مطبوع فيه كما قال عليه السلام (٣) « كلّ ميسر لما خلق له ». فمتى تعدّى (٤) الانسان ما هو مطبوع فيه الى ما ليس مطبوعا فيه ، إستضرّ وضرّ. اما ضرره فانه لا يواتيه كما في نفسه (٥) ولا يفعل ما يرضي (٦) غيره. واما ضرر غيره ، فظاهر ان الطبيب اذا لم يحسن ما يعانيه من صناعته ضرّ بها المريض. والعلوم والصنايع تنمو ويزيد (٧) موقعها في المطبوع فيها وتنقص بوقوعها في غير المطبوع. فلذلك ذكرت هذه المقدمة في اول الكتاب

_________________

١) العنوان هذا مكتوب بغير خط المؤلف. وبعد كلمة رحمه اللّه ، هناك في الأصل اربع كلمات غير مقروءة.

٢) يقول المؤلف : الكحل جزء من صناعة الطب. ولو قال (الكحالة جزء) لكان افضل. لان الكحل سبق ان عرفناه بأنه الأثمد أو كل ما يوضع في العين يستشفى به. وهو هنا يريد تعريف طب العيون لا الكحل.

٣) في الأصل : كما قال عليه السلم.

٤) في الأصل : جاءت كلمة تعدى بالألف الممدودة (تعدا).

٥) في الأصل : في نعه.

٦) في الأصل : ما يرصي. اي بدون نقطة الضاد المعجمه.

٧) جاء في الأصل : يمى ويزيد (هكذا).

٤١

المقدمة :

وهي فصل واحد يذكر فيه وصف الكحال وما يجب عليه ، ثم يذكر بعد ذلك حدّ العين وما بعده.

فصل في نعت الكحال وما يجب عليه : يستحب ان يكون الكحال متناسب (٨) الاعضاء ، فان ذلك يدل على اعتدال المزاج. والمعتدل المزاج قلّ ما تصدر عنه الأفاعيل غير تامة كاملة. وان يكون ذكي الحواس. فان يسيرا من ضياء (٩) الحس خير من كثير من درس الحكمة وان يكون قد اتفق زمانه في تحصيل صناعته ، وخدم المشايخ ، وعمل بين ايديهم (١٠). فان هذه الصناعة تحتاج الى مباشرة وتطبيق (١١) على قانون طبي. وينبغي ان تطاوعه يده على الحذق في الاعمال الدقيقة كلقط السبل ، وكشط الظفرة ، وقدح الماء ، والتشمير (١٢) ، الى غير مما يقع فيه الخطأ بسبب عدم الحذق والخوف. لذلك ينبغي ان يكون ثبت الجنان مشفقا ، ولا تكون شفقته لضعف قلبه ، ولا يؤلم مريضا بما فيه صلاحه ، بل ينبغي له ان يجتهد في حفظ الصحه وردّها بالطف طريق يمكنه. ويستحب ان يطيّب معانيه (١٣) وان لا يلبس وقت المعالجة ثوبا ابيض (١٤) ، لأنه يفرّق البصر ، وليكن قريبا الى السواد يجمع

_________________

٨) في الأصل : فساسب.

٩) ضيا الحس. اي بدون همزة.

١٠) جاء في الأصل : من أيديهم.

١١) جاء في الأصل : وبطش علي قانق طبي (هكذا).

١٢) يريد بالسبل (بفتحتين) ما يدعى بالفرنجية) Pannus (وهو من اختلاطات الرمد الحبيبي (الجرب). وقدح الماء يريد به عملية الساد (الماء الابيض) والفرنجية) Cataract (. والتشمير هي عملية هبوط الجفن) Ptose (Paupier

١٣) يطيب معانيه ، اى يشد عزيمته.

١٤) في الاصل : ثوبا ابيضا.

٤٢

البصر (١٥) ، وان تكون عينه سليمة من الأمراض (١٦) الظاهرة والباطنة اما الباطنة : فانه يحتاج الى تحديق بالغ في امراض تقرب ان تخفى على الحس بمنزلة ابتداء الماء والبخار ليفرق بينهما (١٧) والاتساع والضيق العارضين لثقب العنبي ، وانواع المياه لئلا (١٨) يقع العلاج على خلاف ما يجب. وتكون. وتكون عينه سليمه من الامراض الظاهرة (١٩) للحس لئلا يوجّه عليه الطعن لعجزه عن علاج نفسه. وتكون النفوس مطمئنة اليه واثقة اليه (٢٠). فقد حكي (٢١) ان الشافعي رضي اللّه عنه رمدت عينه فأتى بكحال أعمش ، فنظر اليه وقال :

جاء الطبيب يجسّني فجسسته

فاذا الطبيب لما أجّس محال

وغدا يعالجني بفضل عمائه (٢٢)

ومن العجايب اعمش كحّال

وان يكون مطراقا لا مطرافا (محدقا) (٢٣). لا يستنكف من مداواة

_________________

١٥) من الافضل ان تضاف كلمة (لانه) بعد السواد لتصبح الجملة (ليكن قريبا الى السواد لانه يجمع البصر).

١٦) في الاصل : من الامراض الطاهره. بدون تنقيط الكلمات جريا على ما درج عليه المؤلف في كتابته.

١٧) جاءت الجمله في الاصل بالشكل التالي : فانه نحتاج الى بحدتو بانع في أمراض بغزب ان يخفى على الحين بمزله ابتداء الماء والنجاد ليعزف منها. (هكذا فتأمل).!

١٨) في الاصل ليلا. وقد درج المؤلف على كتابة الكلمه (لئلا) بالشكل السابق في الصفحات التالية.

١٩) الامراض الطاهرة (بدون تنقيط أيضا).

٢٠) في الاصل (مطمئنة به وافقه اليه) هكذا.

٢١) فقد حلى.

٢٢) بفضل عمآيه.

٢٣) في الأصل : كلمة (محدقا) مكتوبة في الحاشية بغير خط المؤلف. وحدق اليه أي شدد النظر.

٤٣

من كثرت في عينه الامراض والاوساخ والارماص (٢٤) والقروح والدموع استقذارا منه وأنفة ، وأن ينوي الخير للناس كافة ، ولا يقصد أذى (٢٥) احد من المخلوقين بصناعته. ويرفق بالضعيفين (٢٦) والمساكين. وان امكنه

وان يكون مطراقا لا مطرافا (محدّقا) (٢٧). لا يستنكف من مداواة ويصير معتقدا فيه. وبالجملة فكل خلة (٢٨) جميلة اذا تخلق بها الانسان في اي صنعة واي علم لم تكن لها بهجة كما لو (٢٩) فعلها الطبيب لكثرة اعتباره عند الناس بسبب الحاجة الماسة اليه (٣٠).

الفصل الاول من القسم الاول

من الجزء الأول من النهاية في الكحل

في حدّ العين

نبدأ بحد العين حيث كانت موضوع الكحل ، لأن الحكم على الشيء فرع على معرفته (٣١) ، فنقول : ان العين عضو آلي مدرك للألوان

_________________

٢٤) الارماص : يريد بها القذى والصديد الحاصل نتيجة لالتهابات العين.

٢٥) في الأصل : (أذا) بالألف الممدودة.

٢٦) في الأصل : بالضعيفي.

٢٧) هكذا وردت الجملة في الأصل. ولعله يقصد بأن من الأفضل أن تكون معالجته للمرضى مجانية.

٢٨) حله حميله.

٢٩) في الأصل كمل فعلها الطبيب.

٣٠) لقد ورد مثل هذا الكلام في مقدمة كتاب جراحة العين لمؤلفه الاستاذ الدكتور ستللارد Stellard. وهو من اشهر جراحي العين المعاصرين (الطبعة الثالثة ١٩٥٨) حيث قال : ينبغي أن يتحلى جراح العين بالهدوء والصبر والذكاء والعلم الغزير مع سرعة البديهية وخفة اليدين. وأن يتمتع بصحة تامة وحدة البصر وقوة الذاكرة واللطف والمشاركة الوجدانية للاخرين ... الخ.

٣١) هكذا جاء في الأصل. ولعله يريد ان الحكم على الشيء يتطلب معرفته.

٤٤

يقي (٣٢) البدن من الأفات الوارده عليه من خارج. فمعنى قولنا عضو اي جزء من البدن منحاز بتحيّز (٣٣) خاص. ومعنى قولنا آلي. نعني به العضو الذي لا يطلق (٣٤) على الجزء منه اسم الكل ولا حدّه. فان جزء العين لا يقال له عين. وقولنا مدرك نعني به انه يصل اليه بواسطة العصب من القوى النفسانية ما يكون حساسا به. وخصصنا الادراك باللون لأن حاسة البصر دون سائر الحواس تدرك اللون المخالف للهواء المستتر بضوء الشمس (٣٥) وقولنا يقي البدن (٣٦) من الآفات فصل عانى (٣٧) له الا انها لا تدرك ما كان مستورا محجوبا (٣٨) فلذلك قلنا من خارج

الفصل الثاني

في شرف العين وكونها موقية

العين عضو شريف ، والدليل على شرفه ان الرأس لم يخلق الا لحسن حاله. قال جالينوس : ان الرأس لم يخلق لأجل السمع ، ولا لأجل الشم ، ولا لأجل الذوق (٣٩). فان هذه القوى توجد في الحيوان العديم الرأس (٤٠) ، لكن الغرض منه حسن حال العين

_________________

٣٢) في الأصل : يوقي البلز.

٣٣) في الأصل : بنحاد بتجبز.

٣٤) لا ينطلق على الجزو.

٣٥) بضو الشمس. (في الاصل)

٣٦) في الأصل : يوقى البلر. ويلاحظ بأن المؤلف كرر كتابة الجملة بنفس الخطأ الذي كتب بها نفس الجملة قبل بضعة اسطر.

٣٧) هكذا وردت الجملة في الأصل. ولعله يريد (فعل علني) أي غير مستور أو لعله فصل ثان.

٣٨) جاء في الأصل منسوبا مجحوبا ملدكد (هكذا).

٣٩) ان جملة (لأجل الذوق) جاءت في الحاشية بخط يغاير خط المؤلف وبحبر يختلف عن الحبر الذي كتب فيه الكتاب. كما ان كلمة الذوق جاءت بالزاي (الزوق).

٤٠) جاء في الاصل : العديم الرأس. والاصح أن يقال : عديم الرأي

٤٥

في تصرفها الذي خلقت لأجله. وليكون للعين مطلّعا على الأعضاء كلها في الجهات جميعها ما امكنها. فان قياس العين الى البدن قريب من قياس الطليعة على العسكر. واليق المواضع للطلائع أو أصلحها ، المواضع المشرفة ، لكن ليس لكل عين بل للحيوان اللين العين الذي تحتاج عينه الى فضل حرز ووثاقة ، وهي اشرف ألات الحس. وادراكها ابعد مسافة في وكفى العين شرفا ان الرأس مع ما يحوي من الأعضاء النفسية كالدماغ وغيره خلق لحسن حالها

الفصل الثالث منه

في فعل العين ومنفعتها

العين آلة لادراك المبصرات ، وهي الألوان والاشكال والاوضاع والمقادير والحركات والسكنات. ومنفعتها انها تنذر بالمؤذي فيجتنب وتدل على النافع فيجتلب ، وترشد الانسان حيث اتجه نحو مقاصده واغراضه. واينما سار وربما رأت ما يصلح مزاج بعض الناس اذا سرّ برؤيته الى غير ذلك من افعالها

الفصل الرابع منه

في وضع العين وكونها في اعلى البدن (٤١)

ليس بنا حاجة (٤٢) ان نذكر وضع عين ما عدا الانسان واختلافه لئلا يطول الكتاب بل نذكر هذا الوضع المخصوص باعيننا فنقول : لما كانت العين شريفة موقية (٤٣) جعلها الله تعالى في الرأس لعلوه

_________________

٤١) في الأصل : في اعلا البدن. وقد جاءت كلمة البدن متشابكة الحروف مما جعلها تقرأ (البلز) وهكذا ما درج عليه وكرر كتابة الكلمة في كل الصفحات.

٤٢) جاءت الجملة في الأصل بهذا الشكل : لينن ساجاجه ان ندلر وضع حيز ما عدا.

٤٣) هكذا جاءت الكلمة في الأصل. وكان من الأفضل ان يقول موقاة.

٤٦

كالديدبان ، فكلما كان أعلا كان ادراكه اكثر وابعد مسافة. فان الخط البصري المار على استقامة كلما خرج من موضع اعلاه وقع من حدبة الأرض على موضع أبعد. وايضا فان الشعبة الواردة اليها من الدماغ لدنة كما سنبين لا يمكن ان تمر مسافة طويلة لئلا تقل لدونتها فلا يمكن انعطافها ، وجعل وضع العين من قدام لأجل التناسب من جهة ان اليدين والرجلين وسائر البدن اكثرها من قدام (٤٤).

ولما كان الحس بالعين اكثر ، ومحسوسها وادراكها (٤٥) المبصرات من خارج ، وهي لدنة صافية فصارت بمعرض من الآفات لظهورها. فوجب ان تصان وتوقى ما امكن ، فجعلت في جوبة (٤٦) من العظم وجعل حواليها عظام صلبة وغطيت بالاجفان ، اصينت بالاهداب. وجعلتا اثنتين بحيث لو فقدت واحدة بقيت الأخرى فتقوم مقامها (٤٧) فلا يفقد البصر ويكون اقوى في جهات اكثر. وجعلت الشعبتان الواردتان من الدماغ الحاملتان للروح الباصر والقوّة الباصرة مجوّفتين تخرجان من الدماغ على اقل من زاويتين قائمتين ملتقيتين من داخل القحف التقاء يفضي تجويف كل واحدة منها الى الأخرى ، وتتصلان ، ثم تنعطف الشعبة اليمنى الى الجهة اليمنى وتتصل بالعين اليمنى وتنعطف الشعبة اليسرى الى الجهة اليسرى وتتصل بالعين اليسرى. فاما تجويف الشعبتين فلينفذ (٤٨) فيه الروح الباصر كثيرا من غير تقطع ولا تعثر. واما كونه

_________________

٤٤) جاء في الأصل : من جهة ان اليليز والدجلين وسايل البلز التره من قدام.

٤٥) في الاصل : ولما كانت الحاسة بالعين أكثر ومحسوبها وادرالها.

٤٦) الجوبة : جاء في المعجم الوسيط (هي الحفرة المستديرة الواسعة). وهو يقصد بها هنا مقر كرة العين. وتدعى لغويا (الوقب).

٤٧) في الأصل : فتقوم مدامها.

٤٨) في الأصل : فاما تخويف الشعيت فليعذ منه.

٤٧

مفضيا تجوف احدهما الى الاخرى ، فلترجع الروح الباصر والقوة الباصرة من احدى العينين اذا فسدت او غمضت (٤٩) وتميلا باجمعها الى العين الصحيحة أو المفتوحة فتقوم احداهما عند ذلك في قوة الابصار مقام العينين معا وتصير تبصر في جهات اكثر مما كانت تبصر (٥٠) وان لم تبصر في جميع الجهات التي تبصرها العينان معافا ما كونها عاطفة على كل واحدة من الشعبتين الى العين نشأت هي من الدماغ لامالة احدهما فوق الاخرى مقاطعة اياها. فان هذا الوضع وان كان يمكن ان يجعل منه انفتاح احد التجويفين الى الاخر ، فان احدى الشعبتين تصير فوق الاخرى (٥١) فأمّا ان لا تنتهي احدهما على استقامة الى العين فيكون ابصار العين التي مرور شعبتها غير مستقيم أنقص ، واما ان ينتهي الى العين على استقامة فلم يكن وضع العين على سطح واحد مستقيما وسنوضح هذا فيما بعد فابصرت كل واحدة منهما على حالها (٥٢) وكان يرى صاحبها شيئا واحدا بشيئين كما يكون عند ما ترفع او تحط احد العينين إما بسبب او بقصد من صاحبها كما في الحول. وسنستقصي بيان هذا عند ذكرنا العصب النوراني. ثم وان كانت العين امام البدن لأن اعضاء الحركه وانبعاث القوة للحركة وتوجه البدن جملة نحو

_________________

٤٩) في الأصل : من احدى العين اذا فسلت او عمصت.

٥٠) يريد بذلك ان الساحة البصرية للعين الواحدة المفتوحة تكون اوسع مما لو فتحت العينان معا. وهذا هو غير الواقع حديثا.

٥١) هنا لا يزال يتكلم عن العصبتين المجوفتين قبل وصولهما الى المقلة. أي يتكلم عن منشأ كل عصبة من العصبتين وكيفية اتصالهما داخل الدماغ وانفتاح تجويف احدى العصبتين على الاخر ثم انعطاف كل عصبة الى عين بعد خروجهما من الجمجمة الى كرة العين.

٥٢) ذلك لان مرور الروح الباصر يكون متباينا في كل عصبة مجوفة من العصبتين اذا ما اختلفت استقامتهما ، وهذا ما يشاهد أيضا في تضاعف الرؤية عند حدوث بعض انواع الحول.

وقد وردت جملة على حالها في الأصل (على حيالها).

٤٨

التصرف والبطش والعمل الى جهة امام. فان الابصار الى الجوانب والى فوق والى اسفل والى خلف مما لا يستغني عنه في كثير من الاحوال. فجعلت العين كريّة الشكل ليكون الجزء الظاهر من ثقب العنبي مقابلا لأكثر من جهة واحدة ، لا من اجل حدبتها ليس انما يقابل ما هو على حقيقة محاذاتها فقط ، بل وما عن الجهات الأخر ايضا الى حد ، ثم لم تجعل شديدة الاستدارة لتقابل من المرئي اكثر مما يلقى المستدير. بل جعلت مائلة الى التفرطح. ثم جعلت العين متحركة في الجوبة الى جميع الجهات لتقابل بحركتها ما يفوت من حدبة ثقب العنبى مقابلته. ثم جعل جملة الرأس مركبا على العنق ليمكنه التحرك كثيرا ولجهات (مختلفة) (٥٣) ليقابل ما يفوت العين مقابلته فيتم مقابلة جميع الجهات مع وضعها امام. وحتى اذا جمعت بين هذه المقابلات نحو جهة واحدة بلغت اقصاها. واذا جعلت بعضها الى جهة وبعضها الى جهة اخرى أبصرت فيما بين ذلك. فتدرك اكثر اقطار البدن وتطلع عليه

الفصل الخامس منه

في وصف اجزاء العين التي تركبت منها

اعلم ان العين مركبة من اعصاب واغشية ورطوبات وعضل وصفاقات وعروق (٥٤) فلنذكر كيفية تركيبها جزءا جزءا من اجزائها (٥٥) بحسب الطاقه

_________________

٥٣) ان جملة (على العنق ليمكنه التحرك كثيرا) جاءت في الأصل في حاشية الصفحة بخط هو غير خط المؤلف. وجاءت كلمة (مختلفة) معترضة غير ذي معنى.

٥٤) وردت نفس الجملة في كتاب تذكرة الكحالين ، ولكن بخلاف بسيط وهو ان مؤلفنا قد ذكر كلمة صفاقات بدلا عن كلمة طبقات التي التي ذكرها علي بن عيسى في تذكرته.

٥٥) جاء في الأصل : فلنذكر كيفية تركيبها جزا جزا من اجزابها بحسب الطاقه.

٤٩

الفصل السادس

في العصب النوري والفرق بينه وبين غيره

العصب النوري (٥٦) مبدأ للعين ومنفذ الروح الباصر ومنشأة ومنشأ (٥٧) الاعصاب من الدماغ واما الاعصاب النابتة من النخاع فهي ايضا من الدماغ. الا ان الدماغ يرسل جزءا منه في الفقرات فيسمى (٥٨) نخاعا ، تنبت منه اعصاب (٥٩). وذلك كله ليس هذا موضع بيانه.

فاول ما تنشأ ، لدنة ، ثم تصلب كلما امتدت وبعدت مسافتها. والزوج الأول (٦٠) من أجزاء العصب الذي منشؤه من الدماغ من جانبي آخر

_________________

٥٦) يريد بالعصب النوري ما ندعوه حديثا بالعصب للبصري Nerf Optique والذي به تتم الرؤية حيث منشؤه منطقة قشر فص الدماغ القفوي. ويعتبر بروزا اماميا لانسجة الدماغ. ويغلفه ثلاثة اغلفة (الأم الصلبة والأم الجافية ثم الأم الحنون) وهذه هي اغلفة الدماغ التي كانت تدعى لدى الكحالين القدماء بالمننجس حيث يذكرون منها اثنين : المننجس الغليظ وهو الذي يلاصق القحف من الداخل والمننجس الرقيق وهو الذي يلامس العصبة المجوفة والدماغ (وهو ما عليه الرأي المعاصر). نقول : ويقدر طول العصب البصري بخمسة سنتيمترات ويقسم الى ثلاثة اقسام اولا : القسم الذي يقع في التجويف ويقدر طوله بنحو سنتمترا واحدا. ثانيا : القسم الذي يقع في قناة العصب البصري وطوله سنتمتر واحد أيضا. ثالثا : القسم الذي يقع في التجويف الحجاجي وطوله ثلاثة سنتمترات. ويدخل العصب البصري الى كرة العين من الطبقة الصلبة. وتتكون العقد الشبكية لتجتاز المشيمية من نقطة تقع قليلا الى الجهة الانسبه للعصب.

٥٧) في الأصل : ومنشاه ومنشا.

٥٨) في الأصل : فليسمى نحاعا بلنت.

٥٩) الاعصاب التي تنشأ من الدماغ تسمى بالاعصاب المركزية أو الأزواج القحفية والتي تتفرع من النخاع تسمى الاعصاب المحيطية أو الضفائر العصبية.

٦٠) في الاصل : الروح الاول.

٥٠

بطينيه ، المقدمين (٦١) تنحدر الى العين ويوصل اليها حس البصر. وهاتان العصبتان تشتركان مع سائر اعصاب الحس في ان منشأهما الدماغ ويفارقانه في اشياء منها ان هذا العصب اعظم من سائر العصب. وانما كان اعظم من العصب كله وذلك لأنهما احتاجا الى ان يكون فيهما التجويف ، والوثاقة للتجويف أيضا مما ليس لسائر العصب (٦٢). وتجويفهما يدركه الحس لا سيما التجويف الذي يحوي الرطوبات (٦٣) والتجويف الداخل فقد يعسر ادراكه وقد يمكن ذلك بطريق التشريح ومنها ان باطنها مفرط اللين (٦٤) وانما كان كذلك لأجل ذكاء الحس. ومنها ان الروح الباصر الذي يجري اليهما من الدماغ اكثر والطف من الذي ينفذ في غيرهما من ساير الاعصاب. ويجري دائما اليهما ومنها انه قريب من الدماغ الى العين لا يمر مسافة بعيدة. ومنها انهما لا يمضيان على استقامة كما بينا في وضع العين اذا خرجا لكنهما يتعرجان وينفرجان في جوف عظم الرأس. وتتصل (٦٥) واحدة بالاخرى ، ثم يتفرقان بعد الاتصال على المكان كهذا الشكل (*) (٦٦) ويذهب كل عصب منهما الى

_________________

٦١) في الدماغ اربعة بطينات اثنان مقدمان واثنان مؤخران. والعصبة المجوفة تنشأ من مؤخرة البطينين القدمين وتنحدر الى العين ليصل اليها حس البصر (انظر تعليقنا رقم ٥٦).

٦٢) في الاصل : والوثاقة التجويف أيضا مما ليس لسائر العصب (يريد ان ما يؤكد تميز هذا العصب عن غيره هو وجود التجويف) وهو ما كانوا يعتقدون به قبلا.

٦٣) في الأصل : (التجويف الذي يحدى الرطوبات). يريد بذلك ان امتداد العصبة المجوفة الى داخل الكرة تصبح كتجويف اكبر او كشبكة تكون مقرا للرطوبات التي سيأتي على ذكرها.

٦٤) يريد بذلك باطن العصبة المجوفة.

٦٥) في الأصل : وتصل.

٦٦) بعد ان تخرج العصبتان ، تسيران معوجتين متعرجتين متباعدتين داخل القحف ثم لا تلبثان ان تلتقيا وتتصالبا على هذا الشكل

*. ويتصل تجويف كل واحدة بالآخر ثم يفترقان لتذهب العصبة اليمنى الى العين اليمنى واليسرى الى اليسرى.

٥١

العين المحاذيه لمنشئه (٦٧) من الدماغ. وقد علل القدماء ذلك. فقوم قالوا انما اتصلتا لتشترك كل واحدة مع الأخرى فيما يحل بها من الأذى وقوم قالوا ان جميع الحواس ينبغي ان تبتدىء من اصل واحد وتنتهي الى شيء واحد. وهذان القولان متقاربان والأول لا كلمة منه (٦٨) لان الحكمة لا تقتضي عموم الآفة. والثاني يخالف الخلقة على ما تشاهد. وان كان يقتضي اتحاد الأصل. وهو كذلك في الابتداء في جميع الحواس لكن هذا الاتصال المخصوص ليس كذلك (٦٩). بل قوم قالوا ان هاتين العصبتين ليس بهما شيء متعلق ولا محرّك من غيرهما من الاعضاء. فلو جريا على استقامة لكانتا بمعرض من الانتهاك. وهذا القول قريب. والأجود ان يقال ان الأجود للعينين (٧٠) ان تكون الروح الباصر الواصل اليهما من الدماغ متى امتنع نفوذه في أحدهما انصرف الروح والقوة الى الاخرى فيتوفر عليهما كما قلنا في وضع العين وهذا لا يمكن ان يكون الا كذلك (٧١) ويشهد بذلك ان انسانا لو جعل كفه طولا ، او شيئا حاجزا (٧٢) على الأنف بين العينين لئلا يقع بصرهما على الشيء الذي يقصد كانت رؤيته له غير تامة. وان غمضّ واحدة عادت رؤيته له بالعين الاخرى أبين وأوضح. وليس ثمّ سبب الا ان الروح ينصرف الى المفتوحه فيصير اكثر ادراكا. ولذلك يتسع ثقب العنبي من مزاحمة الروح الباصر وطبع هذا العصب كطبع الدماغ بارد رطب واما عصب

_________________

٦٧) في الأصل : لمنشايه.

٦٨) في الأصل (لا حله فيه) وجملة لأن الحكمة موجودة في الحاشية بخط يغاير خط المؤلف.

٦٩) يريد بهذه التعاليل ذكر أسباب اتصال تجويفي العصبتين المجوفتين.

٧٠) في الأصل : والاجود ان يقال ان الاجود العين ار نلون.

٧١) في الأصل : وهذا لا يمكن ان يكون الا لذلك ونسهد بلكب.

٧٢) في الأصل : لو جعل كفه طويلا أو شببا. وربما أراد أن يقول لو جعل كفه طوليا.

٥٢

الحركة فمنشاؤه من خلف منشأ الزوج الأول المؤدي حاسة البصر (٧٣) ويتفرق كل قسم منه في عضلة وسنبّين شيئا من هذا الكلام في الفصل

الفصل السابع

في وصف الغشائين اللذين يجللان العصب النوري

اعلم ان القلب يصعد منه عرقان يحملان الروح الحيواني (٧٤) الى الدماغ. ويتشعبان وينتسجان (٧٥) ويصير منهما غشاءان : غليظ ورقيق

_________________

٧٣) يعتبر عصب الحركة هذا هو الزوج الثاني ويخرج من البطينين المؤخرين في الدماغ (انظر المقالات والتذكرة).

٧٤) الروح الحيواني : جاء في تذكرة الكحالين ص ٣٦ : ان الروح الحيواني متحول عن الروح الطبيعي. ذلك ان الكبد بعد ان تطبخ ما يتناوله الانسان من طعام فانه يرتقي منه بخار تعمد الطبيعة الى تهذيبه لتكون منه الروح الطبيعية التي تستقر في الكبد. ثم تعمد الطبيعة فتأخذ صافي هذا البخار الذي هو الروح الطبيعي فتبعث به الى القلب فيكون منه الروح الحيواني ثم يبعث القلب ايضا بصافي هذا الروح الحيواني (بامتزاج الهواء الواصل الى القلب من الرئة) الى الدماغ في عرقين يصعدان من القلب الى الدماغ. فاذا صارا الى قلة الدماغ انقسما انقساما شتى. ثم اتصلت تلك الاقسام وانضم بعضها الى بعض فصار منها غشاء شبيه بالمشيمة يسمى (الميننجس الغليظ) ثم يتفرع من ذلك الغشاء عروق ادق مما فيه واكثر الى بطينه. ثم تنقسم تلك العروق ايضا باقسام شتى ثم يشتبك بعضها ببعض ويصير منها غشاء شبيه بشبكة الصياد ولذلك يسمى هذا الغشاء (الشبكي) ويسمى الميننجس الرقيق. اما منفعة الميننجس الغليظ فانه يوقي الدماغ من العظم وان يلطف فيه ايضا ذلك الروح. واما المننجس الرقيق الثاني فانه يغذو الدماغ وان يلطف فيه ايضا ذلك الروح وذلك ان الروح الحيواني يدور في التشبيك الاول ويلطف فيه ويرق ثم يهبط الى الغشاء الشبكي الذي دونه فيدور فيه ايضا حتى يلطف هناك ثم يصير الى الوعائين اللذين في مقدم الدماغ ويمكث هناك حينا ويلطف وتنقي الطبيعة عنه ما يخالطه من الفضول الى المنخرين. ويقال هذا الروح النفساني ، ولهذا السبب قال جالينوس ان قوى النفس تابعة لمزاج البدن. ثم ينفذ في العصب الأجوف الى العين نفوذا متصلا فيكون فيه قوة البصر (انظر بحث الروح الباصر في العشر مقالات لحنين بن اسحق).

٧٥) في الأصل : ويتشنجان.

٥٣

والجافي الغليظ ينتسج (٧٦) من اغلظ ما فيهما بعد الوصول الى الدماغ ويلاصق القحف ويوقي الدماغ من العظم ويلطف فيه الروح ادنى لطف ثم ينتسج (٧٧) ادق ما فيه ويكون منه الغشاء الرقيق. وكلاهما يسميان مننجس (٧٨) وطبعهما الى الحرارة والرطوبة ما هو (٧٩). والجافي أقل رطوبة. ومنفعة الرقيق ان يتحول فيه الروح الباصر ويهذب ويلطف بسلوكه في مسالكه الضيقه ويحوى الدماغ بكل عصبة تنشا (٨٠) من الدماغ تكون مغشاة بهذين (٨١) الغشائين.

وطبقات العين منهما ومن العصب يكون تأليفها على مانبين من قريب.

_________________

٧٦) يريد بالجافي الغليظ والجافي الرقيق ، الاغشية التي تغلف الدماغ وهي ما تدعى حديثا بالأم الصلبة والأم الجافية والأم الحنون. أو كما تسمى علميا بالسحايا Meninges

٧٧) في الأصل : ثم تعتنج.

٧٨) في الأصل : وكلاهما يسميان مستحين. وفي المقالات جاء الاسم (ما يننغس).

٧٩) وطبعهما الى الحرارة والرطوبة ما هو. يريد بذلك ان طبيعة الغشاءين الى الحرارة والرطوبة على ما عليه الدماغ (جاء في التذكرة : أن طبع المننجس بارد رطب على مزاج الدماغ ص ٣٥). وربما كان من الاوفق ان يقول : وطبعهما الى الحرارة والرطوبة (على) ما هو عليه الدماغ.

٨٠) في الأصل : ويحوي الدماغ بكل عصبه تنشو.

٨١) في الأصل : مغشاة بها ذين ، وقد تكررت الكلمة بهذه الصفه. كما انه كان يكتب كلمة هاذا وهاولا ويعني هذا وهؤلاء.

ويعني المؤلف في جملة مغشاة بهذين الغشاءين : ان الاعصاب التي هي داخل الدماغ مغلفة بهذين الغشاءين ماري الذكر اي المننجس الغليظ والمننجس الرقيق.

٥٤

الفصل الثامن

في كمية الطبقات والرطوبات التي في العين

واختلاف الاطباء في ذلك

اعلم ان الاطباء اختلفوا في عدد طبقات العين ولم يختلفوا في رطوباتها. واتفق الجمهور على ان الطبقات سبع والاعتماد على هذا المذهب ورطوباتها ثلاث (٨٢). واول الطبقات تسمى الصلبه. واما الثانية فتعرف بالمشيميه. واما الثالثة فيقال لها الشبكيه واما الطبقه الرابعة فتكنّى بالعنكبوتيه (٨٣). والخامسة فتوسم بالعنبية. واما الطبقة السادسة فهي القرنية. واما الطبقة السابعة فتنعت بالملتحمة فهذه هي الطبقات.

واما الرطوبات فالجليدية والزجاجية والبيضية. واما من خالف في عدد الطبقات ، فعند قوم انها طبقتان وعند قوم انها ثلاث ، وعند قوم انها اربع ، وعند قوم انها خمس ، وعند قوم انها ست. فهؤلاء لا يعدون ما ليس بمطبق على العين طبقة. ومن قال انها عشر فيعد قشرات القرني الاربع من جملة (٨٤) الطبقات. وكلهم

_________________

٨٢) جاء في الأصل : ورطوباتها ثلث. وان معظم المؤلفين الذين سبقوا المؤلف اعتمدوا على هذا التقسيم الذي ذكره المؤلف.

٨٣) الطبقة العنكبوتية : يريدون بها محفظة العدسة والاربطة الدقيقة التي تربط العدسة (الجسم البلوري) بالجسم الهدبي Corps Ciliare تثبيت العدسة في مقرها. وفي الطب الحديث تعتبر العدسة ومحفظتها والاربطة جزءا واحدا. وهي من الاوساط الانكسارية. اما بقية الطبقات فهي واردة الطب الحديث ، عدا العنبية فهم يريدون بها القزحيه (Iris) وما يربطها بالشيمية وهو الجسم الهدبي وصفاقه (Uvea)

٨٤) في الأصل : فيعد قشرات القرني من جملة القرني الطبقات. (وسيأتي الكلام عن ذلك).

٥٥

لا ينكرون ذلك من جهة التشريح سواء عدّ ذلك الجزء طبقة او لم يعدّها (٨٥) وانا واصف كل واحد من الطبقات والرطوبات بما يخصه.

الفصل التاسع

في وصف الطبقة الصلبه وما طبعها وما منفعّها.

اعلم ان العصبه اذا دخلت جوبة العين وعليها الغشاءآن الجافي والرقيق (٨٦) فينفرش الجافي ويلاصق عظم الجوبة ليكون حائلا بين هذه الشعبة (٨٧) وبين عظم جوبة العين كما كان حائلا بين عظم القحف وبين الدماغ. ويصير كالرباط ويسمى حينئذ الطبقة الصلبة (٨٨) وهي

_________________

٨٥) في الأصل : وكلهم لا ينلدون ذلك من جهة التشريح سواعد ذلك الجزو طبقه او لم يعددها.

٨٦) في الأصل : اذا دخلت حويه العين. ويريد جوبة العين أي الوقب او الحفرة الحجاجية. ويريد بالغشاءين الجافي والرقيق الغشاءين السحائيين الذين سبق واطلق عليهما هو ومن قبله المننجس.

٨٧) يريد ب‍ (هذه الشعبه) الغشاء الثاني الرقيق.

٨٨) ان المؤلف يجعل الطبقة الصلبة امتدادا للغشاء الذي يغلف العصبة المجوفة أي امتداد للمننجس الغليظ. أي انها قطعة من النسيج السحائي. وهكذا يشير في تذكرة الكحالين ص ٢٤ (ان نباتها من الغشاء الصلب الذي يلي العصبة المجوفة) وفي المقالات (واما الغشاء الصلب الغليظ فانه يحوي الغشاء الرقيق ويلتحم به ايضا في الموضع). ومنفعته ان يوقي ايضا العين. وفي الطب الحديث ان الصلبه مع القرنيه تكون القميص الخارجي للكرة العينية وهي من انسجة ليفيه بيضاء اللون غير شفافة تعطي المقلة شكلا كرويا ثابتا. وسمكها حوالي مليمتر واحد. وجهها الخارجي ابيض اللون املس يغطيه غلاف يدعى بغلاف تينون Capsule de Tenon ويوجد بالطبقة الصلبة مغارز للعضلات الست التي تحرك مقلة العين. وهذه المغارز في القسم الامامي منها. وتحوي الصلبة فتحتين أمامية ويغطيها القرنية. وخلفية يدخل فيها العصب البصري (وهكذا يعتبر المؤلف ان الصلبة هي قطعة من الغلاف الغليظ الذي يدخل مع العصبة المجوفة. وبالطبع ليس هذا ما يعنى بالطب المعاصر. انظر ماي الطبعة الفرنسية ماسنون).

٥٦

بيضاء. وطبعها الى البرد واليبس ما هو. وسميت بهذا الاسم لصلابتها وانما خلقت صلبه لأجل مجاورة العظم لئلا يتأذى به. وايضا لكونها موقية ورابطة. والموقي يجب ان يكون أصلب من الموقى والا لم تفد (٨٩) وقايته.

الفصل العاشر

في وصف الطبقة المشيمية وما منفعتها (٩٠)

اعلم ان الغشاء الرقيق الحاوي للشعبة والمعطي ايّاها الحياة والغذاء بما فيه من العروق. فكما انه يحوى الدماغ ، ينفرش تحت الطبقة الصلبة (٩١) ويحوي العين ويسمى حينئذ الطبقة المشيمية. وسميت

_________________

٨٩) في الاصل : والالم تفيد وقايته.

٩٠) عن المشيمية جاء في المقالات العشر ص ٧٧ : وعلى الدماغ حجابان يقال لهما باليونانية ما يننغس احدهما رقيق لين والاخر غليظ صلب. فاما الرقيق اللين فانه شبيه بالمشيمة لكثرة ما فيه من الاوردة والعروق ومنفعته للدماغ أن يغذوه بما فيه من الاوردة وان يوقيه وأما الغليظ الصلب فانه يوقي الدماغ فقط.

وفي تذكرة الكحالين ص ٢٢ جاء عن المشيمة : اعلم ان على الدماغ غشاءين يسميهما اليونانيون ميننجس ، احدهما رقيق لين ومنفعته انه يغذو الدماغ بما فيه من العروق والاوردة. والاخر غليظ صلب ومنفعته ان يوقي الدماغ من العظم. وكل عصبة تخرج من الدماغ فهي مغشاة بكلا الغشاءين الى ان تخرج من العظم. وكذلك تجد العصبة المجوفة المؤدية حس البصر مغشاة بهذين الغشاءين. ومنفعتهما لها ان الباطن منها يغذو العصبة الباصرة والظاهر يوقيها من تحطم الرأس حتى اذا برزت العصبة من العظم الذي هي فيه فارقت بعضها بعضا. فصارت من تلك العصبة الطبقة الشبكية. وصار من ذلك الغشاء الرقيق الذي يليه طبقة يقال لها المشيمية وانما سميت بهذا الاسم لانها تشتمل على ما تحويه وتلتحم في الموضع الذي تلتحم فيه الشبكية على النصف من الجليدية.

٩١) في الأصل : ويتعرش فوق الطبقة الصلبة.

٥٧

بهذا الاسم لاحتوائها على جنين العين ، كالمشيمة (٩٢) عند احتوائها على الجنين. وطبعها الى الحرارة واللين ما هو. ومنفعتها انها تعطي أكثر أجزاء العين الكلية الحياة والغذاء. وهي تتغذى بما فيها من الدم (٩٣).

الفصل الحادي عشر

في وصف الطبقة الشبكية وما منفعتها (٩٤).

هذه الطبقة تتركب من الشعبة الواردة من الدماغ. لا بأن ينبسط بل بأن ينقسم الى شعب دقاق. ويتشعب بأن تشتبك بعضها ببعض مع عروق دقاق. وتتسع فاغرة فيصير لها تجويف عظيم بالنسبة الى ما كان. وفي هذا التجويف تكون الرطوبات وتسمى حينئذ الطبقة الشبكية. وسميت بهذا الاسم لانها تشبه شبكة الصيادين عند ما تحتوي على شيء. وطبعها الى الاعتدال أميل لمخالطتها العروق. وتتغذى من العروق التي تخالطها ويرشح منها ما تتغذى به الرطوبات. فهذه الطبقات الثلاث داخل

_________________

٩٢) في الاصل : (لاحتوايها على الخفين العين كالمشيمية) وكلمة العين مكتوبة بالحاشية بغير خط المؤلف.

٩٣) لم يأت المؤلف هنا بايضاح تام عن المشيمية كما اوضح عنها من سبقه من المؤلفين الكحالين. والمشيمية Choroid في الطب الحديث عبارة عن غشاء وعائي يقع بين الطبقة الصلبة والطبقة الشبكية وهي تتكون من اوعية دموية متصلة مع بعضها بواسطة نسيج ضام وخلايا متعددة وبها ثلاث طبقات من الاوعية الدموية. ووظيفة الطبقة المشيمية كما عرفها الكحالون العرب هي ايصال المواد الغذائية للطبقة الشبكية والجسم الزجاجي والبلورة (العدسة) انظر امراض العيون لماي ص ١٩٧ May الطبعة الفرنسية.

٩٤) جاء في التذكرة ص ٢١ : ان الطبقة الشبكية مؤلفة من شيئين احدهما من العصبة المجوفة والثاني من عروق واوردة.

وجاء في المقالات ص ٧٦ ق ان الشبكة مركبة من شيئين من عصبة مجوفة يجري فيها الروح الذي يكون به البصر ومن عروق واوردة.

٥٨

افهم من نتبع الطبقات بالرطوبات (٩٥)

الرطوبات فلنذكر الآن الرطوبات حتى يكون ذكرنا على التبع ليكون

الفصل الثاني عشر

في وصف الرطوبات التي تحتوي عليها هذه الطبقة

المذكورة كل واحدة منها على حدة ووضعها

ومنفعتها واولا في الجليدية

نبتدىء بذكر الجليدية حيث كانت اشرف الرطوبات ، لأن الصور

_________________

٩٥) في الاصل : ليكون أفهم من ان نتبع الطبقات بالطبقات. ان الطبقة الشبكية وتدعى في الطب الحديث Retina. وهي ننشأ من الدماغ (من امتداد العصب البصري) ويصبح كغشاء رقيق يحتوي على اعصاب حسية تتجمع في القطب الخلفي لكرة العين مكونة من العصب البصري القادم من الدماغ وهي تقع ما بين الجسم الزجاجي Vitre (أي الرطوبة الزجاجية) من الداخل والطبقة المشيمية Choroid من الخارج. وتمتد لغاية الجسم الهدبي (ماي ص ٢٧٠) ويتفرع العصب البصري عند دخولة الكرة العينية الى ما يقرب من خمسمائة الف شعبة ليكون الشبكة (عطا. ص ١) وعلى وجه الشبكية الداخلي. وعلى المحور البصري تقع النقطة الصفراء التي قطرها ١ ـ ٢ ملم وفي منتصفها تقع حفيرة صغيرة تدعى (الحفيرة المركزية) تقع على هذه المنطقة وظيفة الرؤية المركزية. اذ ان صور المرئيات تتكون على هذه المنطقة الحساسة من الشبكية وتقع حلمة العصب البصري في الجهة الانسية وعلى بعد ثلاثة مليمترات من القطب الخلفي لكرة العين. تكون الحليمة البصرية في الحالة الطبيعية مدورة او بيضوية الشكل ومسطحة وبنفس المستوى مع الشبكية. توجد في منتصف الحليمة البصرية حفيرة صغيرة (الحفرة الغريزية Excoration Physrol ويدخل الشريان والوريد المركزيان للشبكية في منتصف العصب البصري بحوالي ١٢ ملم خلف كرة العين وتدخل هذه الاوعية قعر العين من منتصف الحليمة البصرية. والغشاء الشبكي مكون من عشر طبقات. والظاهر من هذا التعريف الحديث للشبكية انها ذات علاقة بما عرفوه قبلا فالمؤلف ومن جاء قبله قالوا كما أشرنا (ان الطبقة الشبكية مؤلفة من شيئين احدهما من العصبة المجوفه (العصب البصري) ومن عروق واورده.

٥٩

المرئية تنطبع فيها الوانها وهي رطوبه صافية مقفلة غير ذات لون (٩٦) مشفّة صلبة مستديرة الشكل الى التفرطح. وتسمى بالجليدية لانها قطعة من جليد. وجعلت مشفّة غير ذات (٩٧) لون لتقبل في ذاتها الوان المبصرات فتدركها القوّة. وهي تلتحم اعني الشبكية على نصف من الجليدية هكذا (٩٨) وجعلت الجليدية صلبة لتكون متماسكة فلا يحدث فيها ترجرج فلا تستقر الصور المنطبعة فيها فلا يمكن ادراكها لأنها تموج لو كانت رقيقة القوام. وجعلت مدورة الشكل لتقابل بحدبتها جهات كثيرة لا جهة واحدة كالمستقيم فتدرك من جهات كثيرة لا جهة. وجعلت مفرطحة ليلاقي المبصر منها اجزاء كثيرة كالحالة في المستقيم. فيكون قد جمعت ما يدني المستقيم والمحدب وطبعها بارد يابس. وانما جعلت في الوسط لأنه احرز (٩٩)

_________________

٩٦) في الاصل : وهي رطوبة صافية منعقدة غير ذي لون.

٩٧) في الاصل غير ذي لون.

٩٨) جاء في التذكرة ص ٢١ عند الكلام عن الشبكية (فيصير منها الطبقة الشبكية التي تحوي الزجاجية وتلتحم في النصف من الجليدية على هذا المثال) ولم يذكر المؤلف المثال او رسمه ....

٩٩) يريد بالجليدية العدسة (Lens) او الجسم البلوري Cristillin. وقد جعلها الكحالون الاغريق والعرب اشرف جزء في العين وانها في وسط الكرة وهي التي تنطبع عليها الصور .... وسميت بالجليدية لانها تشبه الجليد. وهي مستديره وليست محكمة الاستدارة بل فيها عرض ما. وموضعها في وسط العين كنقطة توهمتها في وسط كرة (تذكرة الكحالين ص ١٦) وجاء في المقالات هي ٧٤ : وهذه الرطوبة اعني الجليدية بين رطوبتين. واحدة من خلفها شبيهة بالزجاج الذائب وتسمى باليونانية (الشبيهة بالزجاج) او الزجاجية Vitreius وواحدة من امامها وتدعى بالرطوبة البيضية واما ما ذكر من ان موضعها في وسط العين فذلك دليل على ان جميع ما سواها مما في العين انما خلق لها ، اما ليدفع عنها افة واما ليؤدي لها منفعة. والمؤلف يقول : وانما جعلت في وسط العين لانه أحرز. وبالطبع كذلك وصفها الاغريق. أما حقيقتها حديثا فهي عدسة شفافة عديمة اللون محدبة الوجهين ، وتحدب

٦٠