ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها - ج ١

المؤلف:

الكسندر أداموف


المترجم: الدكتور هاشم صالح التكريتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ميسلون للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨٧
  الجزء ١ الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

«دلول» ٣ ـ «هجين».

يستخدم الأول للحمل فقط وهو حيوان أخرق ثقيل الوزن. أما النوع الثاني فإنه يدرب منذ الصغر خصيصاً لکي يستخدم للرکوب لذا فإنه أکثر خفة وحرکة ويسهل عليه احتمال العطش أکثر من الأول. وأما النوع الثالث فهو جمل الجري الذي يتميز بسرعة مدهشة في الجري وهو لا يتعب ويستطيع أن يقطع بسهولة مسافة تصل إلى ثمانية أميال في الساعة وسبعين ميلاً في اليوم، حتى أن البريد بين دمشق وبغداد ينقل على مثل هذه الجمال السريعة. وتعتبر عمان موطناً لأحسن الجمال السريعة هذه ولهذا يطلق عليها العرب اسم «أم الأبل».

ويربى في العراق الجنوبي وبالشکل الرئيسي في ولاية بغداد الجمل ذو السنامين من النوع البکتيري الذي يتميز عن جمل شبه جزيرة العرب السريع بوبر أطول وقابلية أکثر على تحمل العطش وبطء أکثر في الحرکة.

ويربي نوعا الابل العراقية کلاهما أي «الجودي» و «الحوار» لکي تکون حيوانات للحمل فقط ولتتکون منها القوافل التي تقوم عليها حتى الوقت الحاضر علاقات بغداد التجارية مع الموصول وغرب فارس ومع حلب عن طريق الصحراء.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار بأن الحکومة تفرض على الابل ضربية مقدارها عشرة قروش أي ثمانية کوبيکا على الرأس الواحد وأن المبلغ الاجمالي المتآتي من هذه الضريبة في ولاية بغداد کان في سنة ١٣٢١ هـ ـ ٤٥٩،٨٠٠ قرش (١) فإننا يمکن أن نستنتج بأن عدد الأبل التي تمتلکها القبائل المتنقلة في ولاية بغداد يصل إلى ٤٥،٩٨٠ رأساً، واستناداً إلى

______________________

(١) السالنامة الخاصة ولاية بغداد للسنة المذکورة ص٤٠٦.

٢٤١

الأرقام (١) المتعلقة بضريبة الأبل في ولاية البصرة لسنة ١٣١٨ هـ يمکننا أن نتوصل بالطريقة نفسها إلى ان عدد الابل في تلک الولاية هو ١١،٥٣٩ رأساً.

والحيوان الآخر الذي لا يقل قيمة بالنسبة للبدوي هو الحصان، الرفيق الأمين للعربي المتنقل في غزواته الوحشية. وقد حيکت اساطير کثيرة حول جمال الخيول العربية وقوة احتمالها وذکائها النادر. لکن هذه الخصائص لا تلازم في الواقع إلا صحراء شبه جزيرة العرب والتي يصعب إيجادها عند القبائل البدوية من المنتفقيين وبني لام، ذلک أن هؤلاء في تکالبهم على الربح المتآتي من تجهيز الخيالة الهندية ـ الانجليزية بالخيول أفسدوا سلالة خيولهم وذلک بتلقيحها بالفحول الفارسية والترکية سعياً وراء زيادة طول قامتها. حيث يذکر الميجر (٢) (Yptony) الخبير بالخيول العربية بأنه لم يصادف في صحراء شبه الجزيرة العربية أي حصان أصيل يتعدى طول قامته الخمسة عشر کفاً. وترسل الخيول الهجينة الناتجة عن هذا التلقيح إلى الهند على أنها خيول «عربية» أصلية حتى أنها تقيم هناک بأغلى من هذه الأخيرة.

وطبيعي أن البدو العراقيين الذين يربون الخيول لغرض المتاجرة بها بالدرجة الأولى ينظرون إلى الخيل نظرة تغاير تماماً نظرة بدو صحراء شبه جزيرة العرب الذين يربون خيولهم للـ «غزو» وللأعمال الحربية. ويستخدم عربي الصحراء في مثل هذه الحالات الأفراس فقط لأنها لا تصهل وبذلک فإنها لا تکشف الفارس للخصم قبل الأوان ولهذا فإنه لا يفرط فيها إلا في

______________________

(١) السالنامة الخاصة بولاية البصرة لسنة ١٣٨١ هـ ص٢٩١.

(٢) Upton. Gleanings from The desert ot Arabia. London ١٨٨١. p.٣٤٣.

٢٤٢

حالة الضرورة القصوى ولا يبيع إلا فحول الخيل الزائدة حيث يجلبها إلى المدن المتآخمة للصحراء مثل حلب والدير (١) والموصل وبغداد أو يبيعها لمشتري الجملة الذين يزورون مخيمات البدو في أثناء إقامتهم الصيفية في الحدود الشمالية للصحراءالسورية.

وتربية الخيل نفسها تجري عند القبائل البدوية في شبه جزيرة العرب بأسلوب خاص. فمنذ اللحظة التي يخرج فيها المهر إلى النور يحاط بالرعاية والاهتمام من قبل العائلة کلها فيصبح بفضل ذلک أليفاً ويتعلق بالانسان بسرعة. وبعد شهر يبدأون بتغذيته بحليب الابل الذي يعتقد البدو أنه يقوي المهر ويساعد على زيادة قابليته على التحمل. وهذه الخاصية الأخيرة يکون لها في الصحراء القاحلة وفي ظل التنقل المستمر أهمية أکبر حتى من سرعة العدو ولهذا يبدأ البدو تدريب الافلاء في وقت مبکر. فبعد أن يبلغ الفلو السنة من العمر يأخذ الأطفال برکوبه ثم يستبدلون بمقدار نمو الفلو بصبيان أکبر عمراً، وعندما يبلغ الحصان سنته الثالثة يأخذونه في مسيرات غير طويلة. وهکذا يتکون نوع من الخيول العربية الممتازة في قوة تحملها.

ودون أن ندخل في وصف تفصيلي لفضائل الحصان العربي الأصيل التي تکوّن القيمة الأساسية له ولذا فإنها تهم المختصمين وحدهم، نسمح لأنفسنا بالاشارة إلى الصفات الخارجية الأکثر وضوحاً لهذا الحيوان. وهذه الصفات هي في نظر البدو أنفسهم کالآتي :

١ ـ سعة وبروز عظام الجبهة واليافوخ باعتبارها دليلاً على الذکاء.

٢ ـ وضعية الرأس الخاصة مع سعة وتباعد عظام الوجنتين الأمر الذي

______________________

(١) المقصود مدينة دير الزور ـ المترجم.

٢٤٣

يؤمن للفرس تنفساً حراً عميقاً.

٣ ـ الأذان مائلة بشکل جميل إلى الداخل بحيث تکاد نهايتهما تتلامسان ويتوصل البدو إلى ذلک بربط آذان الفلو الحديث الولادة ربطاً خاصاً (١).

وتدهش الأوروبي الذي يشاهد الفرس العربية لأول مرة، قبل کل شيء طريقتها في رفع ذيلها عالياً وعيونها الکبيرة اللامعة التي تعبر عن الذکاء والطيبة ثم عنقها القوي الذي ينثني بشکل جميل وقوائمها الرشيقة.

ومن بين الصفات التي تمتاز بها الخيول العربية يستحيل أن لا نذکر إلى جانب الذکاء والطيبة والجرأة. الانصياع غير المعتاد للانسان ولهذا السبب يرکبه البدو بالرسن وحده بدون رکاب ويکتفون بدلاً من السرج بوسادة صغيرة تثبت على ظهر الفرس برباط بسيط من الجلد.

وأحسن الخيول العربية هي تلک التي تنتمي إلى «الخمسة» والمقصود بذلک هو السلالات الخمسة وهي «الکحيلان» و «الصقلاوي» و «العبيان» و «الحمداني» و «الغضبان» التي تذکر المآثر أنها تعود في أصلها إلى فرس النبي أو حتى إلى جد العرب اسماعيل نفسه. ويفخر البدو بأصالة هذه الخيول إلى درجة بحيث أن أي عائلة تمتلکها تحتفظ بسلسلة مفصلة لنسبها تعطى عادة إلى الشاري مع الحصان الذي يشتريه، ولا توجد مثل هذه الخيول الثمينة إلا عند القبائل القاطنة في جبل شمر في وسط شبه جزيرة العرب وعند القبائل البدوية المنطوية تحت التسمية العامة «عنزة» (٢).

وتباع خيول العراق الجنوبي الهجينة في‌ الهند على أنها خيول

______________________

(١) Upton. Op. cit. p. ٣٣٦.

(٢) Anne Blunt. Op. cit. Vol. II p. ٢٧١ FF.

٢٤٤

«نجدية» أي على أنها خيول أصلية من وسط شبه جزيرة العرب وهذا أمر لا يطابق الحقيقة کما ذکرنا أعلاه، وينبغي أن ينسب کلياً إلى مهارة و وقاحة تجار الخيول الذين استطاعوا أن يرفعوا ثمن الخيل بهذا الشکل. وبالمناسبة يمکن أن يصبح العراق الجنوبي بمراعية الخصبة واحتياطيه الذي لا ينضب من مياه الأنهار، وطناً لأحسن الخيول العربية نظراً للصعوبة الفائقة التي تعترض تربية الخيول في صحارى شبه جزيرة العرب حيث لا تجد الخيل العشب إلا في أشهر الشتاء والربيع أما في فصول السنة الأخرى فيتحتم على البدو أن يطعمونها التمر أو حليب الابل.

لقد بدأ تصدير الخيل من العراق الجنوبي إلى الهند منذ نهاية القرن الثامن عشر عندما کان (Manesty) مقيماً لشرکة الهند الشرقية في البصرة. فقد کان هذا المقيم أول من أنتبه إلى أن من الملائم إصلاح الخيالة الهندية بواسطة الخيول العربية وحاول أن ينظم هذه القضية جدياً. ويمکن القول بأن تصدير الخيول العراقية لم يتوقف منذ ذلک الوقت حتى الآن، حيث يبلغ متوسط ما ينقل إلى الهند سنوياً ما بين ٢٥٠٠ و ٣٥٠٠ رأس يتراوح ثمنها بين ٤٠٠ و ١٠٠٠ روبل للرأس الواحد أو أکثر تبعاً لجودتها. وقد عمدت الحکومة العثمانية إلى منع تصدير الخيول إلى الخارج أکثر من مرة ولمدة قد تطول أو تقصر وهدفها من ذلک المحافظة على سلالات الخيل العربية الأصلية، لکن هذا المنع لم يحقق الغرض منه لأن تجار الخيول کانوا يعمدون طيلة فترة المنع إلى تهريبها. ولتحقيق ذلک کانوا ينقلون جميع الخيول التي يشترونها من بني لام ومن القبائل البدوية المتنقلة على ضفاف نهر دجلة إلى ميناء المحمرة، أما تلک التي يشترونها من المنتفقين ومن قبائل الزبير المتآخمة للفرات فينقلونها إلى الکويت، ومن هناک يرسلونها إلى الهند على سفن انجليزية بعد أن يدفعوا ضريبة بسيطة للشيخ

٢٤٥

المحلّي. ولأن السلطات المحلية ليس في مقدورها أن توقف سوء الاستغلال، هذا فقد أقتنعت بضرورة التخلي‌من الآن فصاعداً عن فرض المنع على تصدير الخيول عن طريق ميناء البصرة ورفعت الضريبة الکمرکية المفروضة عليها في ١٨٩٩ من ١% من قيمة البضاعة إلى ٤٣ روبل على کل رأس. ويقع فصل تصدير الخيول في‌ الفترة من آب إلى تشرين الأول وتبلغ تکاليف نقل الرأس الواحد من الخيل مع مصروفات إطعامه في الطريق والمصاريف الأضافية الأخرى ما يقرب من ٦٠ إلى ٨٠ روبية (٣٨،١/٢ إلى ٥٢ روبلاً).

ومن حيوانات الرکوب والحمل الأخرى التي تربى في العراق الجنوبي ينبغي أن نشير إلى الحمير والبغال. والحمير على نوعين الأول هو ما يسمى بالحمير النجدية (١) التي تتميز بشدة بياضها وطول قامتها ولهذا فإنها تستعمل للرکوب فقط وتتراوح کلفة الواحد منها ما بين ٨٠ ، ٢٥٠ روبلاً، أما النوع الثاني فإنه لا يتميز بشئ غير عادي ويربيه بالدرجة الأولى الفلاحون أو القبائل المنصرفة إلى العمل الزراعي حيث تستعيض بهذا النوع من الحمير الواطئة والقوية عن حيوانات الحمل، کما أنها تستخدم في أعمال الحقول في بعض الأحيان.

أما البغال فإنها تأتي بالدرجة الأولى من کردستان وفارس أما في العراق فإنها تربى بأعداد محدودة. وقد أنشأ مدحت باشا (٢) المشهور في تاريخ العراق الجنوبي، أو رؤوف باشا الذي خلفه في ولاية بغداد على ما

______________________

(١) يقصد الحمير التي يطلق عليها بالعامي اسم «الحساوية» ومفردها «حساوي» ـ المترجم.

(٢) أنظر تفاصيل عن مدحت باشا في الفصل التاسع الخاص بالتاريخ.

٢٤٦

تذکر معلومات أخرى، جندرمة خاصة تستخدم البغال في سبعينيات القرن التاسع عشر کانت تسمى «أستر ساور» وکانت مخصصة لحراسة القوافل والمسافرين أثناء سيرهم عبر الصحراء من بغداد إلى حلب. ولا تزال هذه الخيالة التي تستخدم البغال قائمة حتى الوقت الحاضر ويبلغ عدد أفرادها ٦٥٣ فرداً من الرتب الدنيا إلى جانب أحد عشر ضابطاً.

وليست هناک إحصائيات حتى ولو تقريبية عن عدد الحمير والبغال في العراق الجنوبي وذلک لان الحکومة لا تفرض عليها ضرائب يمکن أن نحکم على اساس ما يتجمع منها، على عدد هذه الحيوانات. ويحدد (V. cuinet) في کتابه (١) عدد الحمير والبغال في ولاية بغداد بـ ١٠٤،٠٠٠ رأس وفي ولاية البصرة بـ ١١٠،٠٠٠ رأس أي أن عددها الاجمالي في العراق الجنوبي کله يبلغ ٢١٤،٠٠٠ رأس، لکن هذا المؤلف لا يوضح لنا في کتابه مع الأسف المصدر الذي استقى منه هذه الأرقام خصوصاً وإنه لا يوجد تسجيل لهذين النوعين من الحيوانات کما تتسم النظرة إلى قضية جمع المعلومات الاحصائية عموماً في الامبراطورية العثمانية بعدم الجدية.

وإذا کانت تربية الابل والخيول تجري في العراق الجنوبي على نطاق واسع نوعما فإن تربية الأغنام والبقر هي أوسع من ذلک انتشاراً. فقد انصرفت القبائل العربية بعد أن تهيأ لها کل ما هو ضروري لازدهار تربية الماشية، إلى هذا العمل بحماس کبير. إنّ قرب المدن والمستوطنات يؤمن لهم بيع حليب الماشية وزبدتها ولحمها بشکل ملائم وباستمرار، کما أن استهلاک الجلود والجلود المدبوغة محلياً وتصديرها إلى الخارج يزيد بشکل ملحوظ من ربح هذه الحرفة.

______________________

(١) V. Cuinet: Op. cit. Vol. III. Pp.٢٢.٢٣٩.

٢٤٧

وينقسم مربو الماشية حسب نوع الماشية التي يربونها وحسب نمط حياتهم إلى مجموعتين انتقاليتين هي: «الشاوية» و «المعدان» يحترف أفراد المجموعة الأولى تربية الخرفان والنعاج والثيران والأبقار وينتقلون مع قطعانهم من مکان إلى آخر دون أن يبتعدوا عن دجلة والفرات إطلاقاً. أما أفراد المجموعة الثانية فإنهم ينصرفون إلى تربية الجاموس فقط ويسکنون الأهوار والمستقعات التي تکونت من فيضان النهرين المذکورين ولا يترکون أکواخهم المعمولة من القصب لأن الجاموس لا يمکنه أبداً الاستغناء عن الماء الذي يقضي فيه القسم الأغلب من النهار. وتأتي الخرفان والنعاج في المقدمة من حيث العدد تتبعها الثيران والأبقار ثم يأتي الجاموس بعد ذلک أما التيوس والماعز فإنها تحتل المرتبة الأخيرة فهي تربى بالشکل الرئيسي في جبال کردستان ولا تصادف في سهول العراق الجنوبي إلا کأستثناء.

وتعود الخرفان والنعاج التي تربى في العراق الجنوبي في أصلها إلى ثلاثة أنواع فهي إما عراقية أو کردية أو نجدية من أواسط شبه جزيرة العرب، وتسمى تبعاً لذلک «عربي» و «کردي» و «نجدي» علماً بأن العربي ينقسم إلى «شفال» و «عواس».

والنوع العراقي أو «العربي» وعلى الأخص النوع المعروف باسم «شفال» هو بالطبع أکثر الأنواع انتشاراً في ولايتي بغداد والبصرة، ذلک أن النوع المعروف باسم «عواس» يربى بالدرجة الأوليإلى الشمال أکثر في الشريط الممتد بين بغداد والموصل ولا يتميز النوع «العربي» لا بالضخامة ولا بالسمنة لذا فإنه يقيم لأجل صوفه الذي يتميز بالقوة واللمعان والنعومة والذي يضم کل الألوان المعروفة من الأسود حتى الأبيض. وتوجد أحسن فئات هذا النوع عند ذلک الجزء من قبائل بني لام الذي يمتلک المراعي

٢٤٨

الغنية الواقعة على فرعي دجلة طيب ودويريج. أما النوع الکردي فإنه يصادف على الحدود الترکية ـ الفارسية وينتشر بشکل خاص في نواحي کرکوک والسليمانية. وتشتهر الخرفان الکردية بکبر حجمها وضخامة أليتها ولهذا فإنها کماشية مخصصة للذبح أغلى من العراقية ويربى النوع «النجدي» بشکل کلي تقريباً في ولاية البصرة وبالدرجة الأولى في سنجق الحسا. وليس لهذا النوع لا قرون ولا إليه ولا صوف جيد ولکنه يتمتع باعتبار کبير لدى الأهالي هناک بسبب لحمه الدسم اللذيذ (١).

واستناداً لمقدار «الکودة» أي الضريبة الحکومية المفروضة على الأغنام ومقدارها ثلاثة قروش ونصف (ما يقرب من ٢٨ کبيکاً) للرأس الواحد، يسهل علينا أن نستنتج العدد الاجمالي للأغنام في العراق العربي على أساس مجموع المبالغ المتأتية من هذه الضريبة والواردة في الحوليات العثمانية الرسمية الخاصة بولايتي بغداد والبصرة.

وقد بلغ إيراد الکودة في ولاية بغداد في سنة ١٣٢١ هـ ـ ٣،٤٠٥٨١١ قرشاً في حين بلغ في ولاية البصرة في سنة ١٣٢٠ هـ ـ ١،٦١٥،٧٠٠ قرشاً الأمر الذي يجعلنا نستنتج بأن عدد الأعنام في أول هاتين الولايتين هو ٩٧٣،٠٨٩ الثانية ٤١٦،٦٢٨ رأساً وفي الثانية ٤٦١،٦٢٨ رأساً. وينبغي أن نذکر بأن هذه الأرقام تساوي ثلاث أخماس ما هو موجود بالفعل من الأغنام في البلد کله ذلک لأن هذه الاحصائيات لا تشمل القطعان التي تربى في اراضي السلطان لانها تدفع الکودة مباشرة إلى إدارة «الأراضي السنية» التي لا تنشر إحصائياتها من جهة، ومن الجهة الأخرى لا يدخل في هذا الأحضاء أيضاً ما يولد من الحملان في السنة التي جري فيها جمع الضريبة

______________________

(١) مجموعة التقارير القنصلية لسنة ١٩٠٤ الاصدار الأول ص٤ ، ٥.

٢٤٩

لأن هذه الضريبة لا تؤخذ على الخروف إلا بعد أن يقضي السنة الأولى من عمره.

أما الماعز والتيوس التي جرى دمجها في الناتج العام مع الخرفان والنعاج بسبب من أن الضريبة على هذه وتلک هي ضريبة واحدة فإنها تؤلف ما لا يزيد على خمس کل ما هو من الماشية الصغيرة في العراق العربي (١). ومن بين أنواع الماعز الثلاثة التي توجد هنا وهي: «العراقية» التي ‌توجد في ولايتي بغداد والبصرة و «الکردية» التي‌ تربى على طول الحدود الترکية ـ الفارسية و «الشامية» التي تنتشر في الأماکن المتآخمة للصحراء السورية، يتميز الأخير منها بطول الآذان وغزارة الحليب ويوجد في جبال کردستان أيضاً ماعز من النوع المعروف بالأنغوري يعرف شعره الناعم الرفيع في العراق العربي باسم «مرعز» ويقيم عالياً في أسواق لندن.

ويحتل سنجق الحلة من حيث عدد الماشية الصغيرة الموجودة فيه المرتبة الأولى تأتي بعده بالترتيب سناجق کربلاء وبغداد والمنتفق والعمارة والحسا والبصرة.

وبالإضافة إلى «الکودة» تفرض على الماشية الصغيرة التي تجلب للذبح ضريبة أخرى لصالح «البلدية» أي مجلس المدينة ومقدارها خمسة قروش (٤٠ کبيکا) للرأس إذا ما کان کبيراً وثلاثة قروش (٢٤ کوبيکا) إذا کان صغيراً. وتعطي هذه الضريبة عادة بالالتزام ولکن للرعايا العثمانيين فقط حيث يلتزم هؤلاء بدفع إيجار ذبح الماشية مقدماً مرة في کل أربعة أشهر.

وتربى في العراق الجنوبي عدة أنواع من الأبقار والثيران هي:

______________________

(١) مجموعة التقارير القنصلية لسنة ١٩٠٤ الاصدار الأول ص٦.

٢٥٠

«الرستقية» التي يذکرنا سنامها بالزبو الهندية وهي ملائمة بشکل خاص لأعمال الحقل وذلک بفضل ضخامتها وقوتها، و «العراقية» التي تخصص بالدرجة الأولى للذبح وتصدر بکثرة إلى الموصل وديار بکر وغيرها من المدن، و «الداري» التي يربيها المنتفقيون بالدرجة الأولى والتي تتخلف في کل الحالات عن الأنواع الأخرى، وأخيراً «النجدي» التي تصادف في ولاية البصرة بالقرب من نجد والتي تشتهر بغزارة حليبها.

والأبقار هي العون الرئيسي لا لمربي الماشية شبه المتنقل فقط وإنما للمزارع المستقر أيضاً فهي تؤمن لعوائل هؤلاء وأولئک الغداء من منتجات الحليب التي يبيعون قسماً منها أيضاً وبشکل مربح لسکان المدن والارياف. کذلک تقوم الأبقار بالنسبة لأفراد الفئة الأولى مقام حيوانات الحمل اثناء انتقالهم مع قطعانهم من مرعى إلى آخر، في حين تکون بالنسبة لافراد الفئة الثانية دابة عمل يستخدمونها في حراثة وإرواء الحقول وفي أثناء مواسم الدرس وما يشبه ذلک من أعمال الحقول. وبسبب فوائد الأبقار والثيران المتعددة هذه أعفت الحکومة العثمانية التي تهدف إلى تسهيل وضع المزارعين وتشجيع العمل الزراعي، هذه الماشية من أي ضريبة عدا ضريبة الذبح حيث تأخذ أحد عشر قرشاً (٨٨ کبيکاً) عن کل رأس.

ومن غير الممکن تحديد العدد الأجمالي للثيران والأبقار في العراق الجنوبي بسبب عدم تسجيلها ولأنها لا تخضع للضريبة الحکومية، هذا طبعاً إذا لم نقنع بالأرقام الوهمية، غير إن من الشائع على أية حال أن سنجق العمارة يحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الثيران والأبقار تاتي بعده سناجق الحلة وکربلاء وبغداد، والمنتفق والبصرة.

بقي علينا لکي ننتهي من الحديث عن تربية الماشية، أن نورد بضعة کلمات عن الجاموس. إن القبائل التي تمتهن تربية الجاموس تقطن في

٢٥١

الأهوار الممتدة على طول دجلة والفرات وتعرف باسم عام هو «المعدان». وهي قبائل متوحشة لم تخضع بعد لتأثير المدنية الذي‌ترک أثراً نافعاً جداً على القبائل العربية الأخرى حيث أشاع روح المسالمة عندها. فالمعدان لم يتخلوا حتى الآن عن عاداتهم القرصنية فهم عند أول فرصة ملائمة يهجمون في قواربهم الصغيرة المسطحة القاع على السفن التي تمر في الجوار متسترين بظلام الليل. وعندما يجري صدهم أو يفشلون يعمدون إلى الاختفاء بسرعة في أهوارهم حيث لا تتمکن من الوصول اليهم حتى القطعات العسکرية المؤلفة من الجندرمة المجهزة بالقوارب ذلک لأن سکان الأهوار يبادرون عند سماعهم باقتراب هؤلاء الجندرمة إلى تحويل أکواخهم المعمولة من القصب إلى أرماث عائمة يخلصون بواسطتها أنفسهم وأفراد عوائلهم وأمتعتهم کافة حيث يذهبون إلى مجاهل يصعب المرور بها. ويسکن مربو الجاموس هؤلاء الذين ينظر إليهم حتى أبناء جلدتهم بازدراء ظاهر، على قطع من اليابسة مبعثرة على شکل جزر صغيرة في الأهوار الشاسعة، وهم يسيرون شبه عراة ويتألف غذائهم بشکل کلي من حليب الجاموس والرز الذي يزرع هناک في الأهوار أيضاً.

والجاموس المتکيف بطبيعته للعيش في الأهوار يتطلب مع ذلک رعاية کبيرة، فقي الضيف ينبغي حمايته من البعوض والناموس الذي يعذبه حتى يوشک على الموت ولهذا فإنهم يطلون الجاموس ليلاً بالنفط أو يسوقونه إلى حظائر يجري تدخينها بالروث المضغوط (١) وفي الشتاء يتحتم المحافظة عليه من البرد الذي لا يتحمله الجاموس فيضعونه في أکواخ من القصب تجري تدفئتها بالقصب وتبن الرز. ويؤلف الجاموس الثروة

______________________

(١) يقصد ما يسمىه العامة بـ «الجلّة» أو «المطال» ـ المترجم.

٢٥٢

الوحيدة للمعدان الذين يحصلون على مبالغ کبيرة ثمناً لما يبيعونه من حليب الجاموس وزبدته ولحمه، وهي المنتجات التي تستهلکها الطبقات الفقيرة من سکان المدن والقرى بسبب رخصها.

ومقدار الضريبة الحکومية المفروضة على الجاموس هو عشرة قروش (٨٠ کبيکا) للرأس الواحد، لذا فبإمکاننا أن نستنتج بأن عدد الجاموس في ولاية بغداد هو ١٠،٢١٨ رأساً وفي ولاية البصرة هو ١٨،٥٠٠ رأس (١) وذلک استناداً إلى المبلغ الأجمالى لضريبة الجاموس الوارد في الحوليات العثمانية لسنة ١٣١٨ هـ بالنسبة لولاية بغداد ولسنة ١٣١٧ بالنسبة لولاية البصرة. لکن هذه الارقام هي في الواقع بعيدة عن الحقيقة لأن جامعي الضريبة لم يتوغلوا إلى داخلية الأهوار التي يقطنها المعدان. وتترتب السناجق من حيث عدد الجاموس الموجود فيها على النحو التالي: العمارة أولاً ثم المنتفق ثم الحلة ثم البصرة وأخيراً بغداد، علماً بأن أجود الجاموس هو ذلک الذي تملکه قبيلة البومحمد التي تقطن الأهوار الواقعة إلى الشمال من القرنة. هذا ويؤخذ على کل رأس من الجاموس يرد إلى المجزرة أحد عشر قرشاً (٨٨ کبيکاً) لصالح «البلدية» أي مجلس المدينة.

وبانتقالنا إلى الحديث عن الزراعة لا يسعنا إلا أن نلاحظ ابتداءً بأن من الصعب أن تتعرف في زارع الأرض المسالم أي الفلاح على ذلک البدوي الذي أصبح بعد أن ارتبط بالارض وفقاً لنوع أشغاله الجديدة لا يقل عن الحکومة العثمانية نفسها حرصاً على الهدوء والنظام في البلاد.

لقد کان تعزيز هذا العنصر المسالم في العراق الجنوبي يؤلف منذ القدم الأهتمام الرئيسي والطبيعي للولاة المحليين الذين لم يترددوا حتى

______________________

(١) مجموعة التقارير القنصلية لسنة ١٩٠٤ الاصدار الأول ص١٠.

٢٥٣

أمام محاولة تحويل العرب الرحالة إلى الحالة الزراعية بالإکراه وقد نظم باشوات بغداد لهذا السبب في ستينيات القرن التاسع عشر عدداً کبيراً من الحملات العسکرية التي کانت تحاصر مخيمات القبائل وتجبرها بالقوة على أن تباشر بزراعة الأرض. ولم يکن لهذا الأجراء اية نتائج إيجابية لسبب بسيط هو أن الرحل کانوا يبادرون فوراً وبمجرد ذهاب القوات العسکرية على ترک الحرفة التي فرضت عليهم بالقوة.

وکانت محاولة إدارة أراضي‌ السنية لجذب الرحل إلى زراعة الضياع السلطانية الکثيرة العدد في العراق وذلک عن طريق منحهم الامتيازات المختلفة أکثر واقعية بعض الشيء ويمکن اعتبار ما جرى في السبعينيات الاجراء الأکثر نجاحاً من حيث نتائجه. فقد بيعت الأراضي الحکومية الخالية والقليلة الايراد أو اعطيت بالإيجار الطويل الأمد إلى بعض شيوخ اتحادي المنتفق وبني لام. وقد کان هذا الأجراء الخطوة الأولى على طريق تحويل الرحالة إلى مزارعين حيث جعلهم يتعرفون لأول مرة على مفهوم ملکية الارض ذلک لأن الأرض عند البدو وفي ظل نمط حياة التنقل التي يعيشونها لا تعتبر ملکاً لأحد.

وکان حفر قناة السويس التي قربت البصرة من اوروبا الدافع الثاني لأن يزيد البدو من تثمينهم لفوائد امتلاک الأرض بمعنى الحصول على منتجات العمل الزراعي والانتفاع بها بشکل کلي. لقد وفرت طرق المواصلات المباشرة التي تربط العراق الجنوبي بلندن ومرسيليا بواسطة البواخر، للخامات المحلية الوصول إلى الأسواق الأوروبية التي أخذ الطلب على حاصلات العراق الزراعية فيها ينمو بسرعة مزيداً بذلک من قيمة المنتجات الحيوانية والزراعية.

وأخذت إيرادات الشيوخ الذين استأجروا الأراضي الحکومية

٢٥٤

واشتغلوا بزراعتها تزداد وأخذ عدد القبائل التي تنتقل إلى الزراعة يزداد بالتدريج ولکن باضطراد. وهکذا ازدادت في الثلاثين سنة الأخيرة مساحة الارض المزروعة بشکل کبير في العراق الجنوبي، رغم أنه من غير الممکن اعتبار أن الزراعة المحلية قد تجاوزت مرحلة تطورها الأولى، فلکي ترتفع إلى مستواها السابق الذي کانت عليه في عصر الکلدانيين قبل ٢٠٠٠ إلى ٣٠٠٠ سنة أو في عصر خلفاء بغداد في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، ينبغي أن يمر وقت غير قليل.

ويعود مستوى الزراعة الواطئ في العراق الجنوبي إلى أسباب کثيرة، يأتي في المقدمة منها تخريب شبکة قنوات الري والسدود التي تنظمها والتي کانت في العصور القديمة تغطي البلد کله وتنقل المياه إلى أبعد المناطق عن الأنهار في العراق الذي لم يکن بمقدوره الاستغناء عن الري الاصطناعي، بسبب شحة مياه الأمطار. لقد وجهت الضربة الساحقة الأولى لمنشآت الري في القرنين الثالث عشر والخامس عشر على يد المغول. ثم تخربت نهائياً بسبب الفتن وحوادث الشغب المتواصلة التي سادت في هذه المنطقة طيلة القرون الثلاثة التي استغرقها التنافس بين ترکيا وفارس على امتلاک العراق الجنوبي من جهة، ومن الجهة الأخرى النقص الدائم في الأموال لدى الحکومة المرکزية مما يعيقها عن صرف مبالغ لا يستهان بها تتطلبها إعادة شبکة الري القديمة ولو جزئياً على الأقل. ولا تتمتع بالارواء الجيد في الوقت الحاضر من مساحة العراق الجنوبي الهائلة إلّا مناطق دلتا نهر ديالى التي ترويها قنوات الخالص وخراسان وبلدروز (١) ثم المناطق

______________________

(١) الواقع أن بلدروز هو إسم لمدينة أما النهر فإن اسمه الروز وتقع عليه المدينة المذکورة ـ المترجم.

٢٥٥

المتآخمة للفرات والممتدة من الناصرية إلى سوق الشيوخ وأخيراً ضفاف شط العرب.

والعقبة المهمة الثانية التي تعيق ازدهار الزراعة في العراق الجنوبي هي قلة سکان المنطقة وما يؤدي إليه ذلک من قلة الأيدي العاملة فعلى الرغم من أن کثافة الکسان تبلغ في ولاية البصرة ٦،٢ نسمة في الکيلومتر المربع الواحد إذا اعتبرنا أن مساحتها تبلغ ١٥٠،٠٠٠ کم وسکانها ٩٣٥،٥٩٥ نسمة فإن نسبة المزارعين من ذلک ضئيلة جداً لأنه ينبغي أن نسقط من العدد الکلي أعداداً کبيرة من العرب الرحل وشبه الرحل إضافة إلى سکان المدن الکثيرين في عددهم أيضاً. وتشير إحصاءات (V. BERARD) (١) الخبير بالشؤون الترکية إلى أن ثلث جميع سکان العراق الجنوبي الحضر وشبه الحضر أي عدا الرحل منهم، يتألف من سکان المدن ونصفهم من مربي الماشية وسدسهم فقط من الزراع.

ومن العوامل الأخرى التي تعيق تطور الزراعة، عدم کفاية رؤوس الأموال لدى الزراع وعدم وجود مؤسسات تمنح قروضاً صغيرة في العراق الجنوبي ورداءة طرق المواصلات وتأخر الفلاحين الذين يزرعون الأرض بطرق متأخرة وبأدوات بدائية جداً مثل جذع نخلة يقسمونه إلى نصفين ويستخدم بدلاًمن المعزقة، وأخيراً فإن الشيء الرئيسي هو إن الوقت لم يحن بعد لانبعاث هذه المنطقة.

ويجري الري الاصطناعي المتبع في هذه المناطق بأساليب مختلفة تبعاً لطبيعة الأرض التي ترتفع تدريجياً بالتقدم من الخليج شمالاً. ولهذا فإن الحصول على الماء من النهر ليس متشابهاً في سهولته في کل المناطق.

______________________

(١) V.BERARD, Le Sultan et les Pusssances. Paris, ١٩٠٧, P. ٣٩٦.

٢٥٦

وبالإمکان تقسيم العراق الجنوبي من هذه الناحية إلى ثلاث مناطق تمتد المنطقة الأولى منها لمسافة لا تقل عن ٩٠ کم إلى الشمال من البصرة أي إلى موقع المُدينة على الفرات والعزير على دجلة وتکون هذه المنطقة في مستوى النهر ولذلک فإنها تروى تلقائياً بواسطة المد، الذي يتکرر مرتين في اليوم فيرفع المياه في المنطقة الممتدة حتى البصرة إلى ارتفاع يتراوح بين المتر الواحد والثلاثة أمتار تبعاً للفصل الذي يجري فيه، أما عند العزير فأن المياه ترتفع بمقدار خمسة وعشرين سنتمتراً. أما المنطقة الثانية فإنها تشمل القسم الأوسط من العراق (١) أي إنها تمتد حتى قناة شط الحي التي تأخذ مياهها من دجلة عند کوت الامارة. وتروى هذه المنطقة بواسطة الترع والسواقي التي تتفرع من النهر دون صعوبة تذکر نظراً لأن ارتفاع الأرض في هذه المنطقة غير کبير. وتمتد المنطقة الثالثة إلى الشمال من شط الحي وهي عالية إلى درجة بحيث لا يمکن فيها الحصول على المياه من النهر إلّا بواسطة الآلات التي تغرف المياه من النهر والتي تعرف باسم «الکرود» أو «الجرود» و «النواعير» (٢).

وتنقسم الأراضي المزروعة في العراق الجنوبي تبعاً لأسلوب الري المتبع فيها إلى ما يأتي :

١ ـ «ماوي» أو «سکي».. التي تروى بواسطة الترع والسواقي.

٢ ـ «کردي» أو «جردي».. التي تروى بواسطة آلات رفع المياه.

٣ ـ «کبيس» أو «جبيس».. التي تقع ضمن الأراضي التي تغمرها المياه.

______________________

(١) يقصد المؤلف هنا القسم الأوسط من العراق الجنوبي ـ المترجم.

(٢) مجموعة التقارير القنصلية لسنة ١٩٠١، الاصدار الأول ص٤، ٣.

٢٥٧

٤ ـ «الديم» التي تعتمد کلياً على الأمطار ولهذا فإنها نادراً ما تصادف في العراق (١) وتعتمد کمية الحاصل الزراعي اعتماداً مباشراً على نظام الري ففي أراضي الـ «ماوي» يکون متوسط کمية الحاصل عشرة للواحد بالنسبة للحنطة والشعير وعشرين للواحد بالنسبة للرز، أما في أراضي «الکرود» فإن الشعير يکون عادة ثمانية للواحد في الوقت الذي يزداد فيه حاصل الحبوب جميعاً بمقدار أربع مرات في أراضي الـ «الکبيس».

وبما أننا سبق أن تحدثنا عن المزورعات الشتوية والصيفية في الفصل الأول من کتابنا هذا فبأمکاننا أن ننتقل رأساً إلى الحديث عن الضرائب التي تفرض على الزراع مباشرة. ومن هذه الضرائب الـ «ويرکي» و «العشر» أي ضريبة الأرض ضريبة العشر المفروضة على الحاصل ويستعاض عن الأولي في العراق الجنوبي بتعريفة موحدة مقدارها ٥٠ قرشاً (٤ روبلات) في السنة تفرض على کل خيمة أو کوخ من القصب (صريفة). ويعتمد مقدار ضريبة العشر التي تجبى في العراق الجنوبي بشکل مباشر على الطريقة التي تروى بواسطة السواقي «ماوي» ١/٣ حاصل الأراضي التي تسقي سيحاً «کبيس» و ١/١٠ حاصل «الديم» و «الکرود» أي الأراضي التي تروى بواسطة الأمطار أو الآت رفع المياه، وذلک لندرة الأمطار بالنسبة للأولى وکثرة تکاليف الصيانة بالنسبة للثانية وتجري جباية العشر في هذه المنطقة کما هي الحال في کل الامبراطورية العثمانية من قبل موظفي الحکومة مباشرة أو عن طريق إعطاء هذه الضريبة بالإلتزام لأشخاص معينين يشترط أن يکونوا من رعايا الدولة العثمانية ولهم ممتلکات غير منقولة لا تقل قيمتها عن نصف مبلغ الايجار. وتسهيلا

______________________

(١) لابد أن المؤلف يقصد هنا القسم الجنوبي من العراق الأن زراعة الديم واسعة الأنتشار کما هو معلوم في المناطق الشمالية من العراق ـ المترجم.

٢٥٨

للملتزمين تقسم الأرض المزروعة کلها في بعض الأقضية إلى قطع منفصلة تعرف بإسم «مقطّع» ولا تکون متساوية في جميع المناطق لا من حيث العدد ولا من حيث المساحة وإنما تعتمد في ذلک على مدى امتداد قنوات الري. ومقدار مقياس الأرض نفسه أي «الفدان» ليس ثابتاً في کل الأحوال فهو يساوي ٥٠٠ دونم في بعض الأماکن و ٣٠٠ دونم أي ٩١٨م (١) فقط في أماکن أخرى.

وعشر الحاصل إما أن يدفعه الملاکون مباشرة أو الفلاحون، وتکون حصة الملاک في الحالة الأولى نصف المحصول في حين تکون حصته في الحالة الثانية ربع أو خمس المحصول فقط. ولا تدفع مکافأة العمال الزراعيين نقداً إلا في الاستثمارات التي تستخدم آلات رفع المياه.

وتعتبر زراعة النخيل فرعاً مهماً آخر من فروع الزراعة العراقية إلى جانب زراعة الحبوب بل إنها تحتل في بعض المناطق المکان الأول کما هي الحال بالنسبة لضفاف شط العرب مثلاً. والنخلة هي شجرة عربية أساساً لأن الملاحظ أن حدود المنطقة التي تنشر فيها تتطابق مع حدود المنطقة التي يسکنها العرب وتتمتع النخلة عند العرب باحترام کبير فالمآثر تذکر إن الله عندما خلق الإنسان الأول أخذ التراب من تحت النخلة فهي بذلک تنتمي إلى نفس التراب الذي ينتمي إليه آدم ولهذا فإنها أخت جدنا المشترک وعمة لکل نسله.

ويمکن أن تنشأ مثل هذه الأسطورة بتأثير الدور المهم الذي تلعبه النخلة في اقتصاد العربي، فکما ان الجمل يطمن المطاليب الأساسية للرحل يقدم «النخل» کل ما هو ضروري للفلاح. فإلى جانب التمر الذي يؤلف طعاماً مجانياً مغذياً يجد کل جزء من النخلة أيضاً استخداماً مفيداً له في

______________________

(١) المعروفم أن الدونم الواحد يساوي ٢٥٠٠م ـ المترجم.

٢٥٩

الأستثمارة الفلاحية، فمن أوراقها المنقوعة بالماء تحاک الحصران والأطباق والمراوح والسلال والأکياس. ومن جذوعها تصنع العوارض أو تستخدم للحطب أو کمواسير للمجاري ومن سعفها تصنع الموائد والکراسي والأسرة وأقفاص الدواجن وکذلک زوارق مستديرة «کفف» تطلى من الخارج بالقار وتذکرنا في شکلها الخارجي بقشرة فارغة للبرتقالة مقسومة إلى نصفين. ومن ليف النخلة تصنع الحبال کما أن نوى التمر يسحق ويستخدم علفاً للماشية إذ انه يزيد من حليبها على ما يدعيه الأهالي، وأخيراً فإن عصير التمر يتحول بعد أن يوضع في الشمس بضعة أيام إلى عصير حلو لزج يشبه العسل الأسود کثيراً ويستخدم بدلاً عن المربى (١).

وشجرة النخيل (٢) (Phoenix Dactylifera) هي إما ذکر أو أنثى ويجري تکثيرها عن طريق فسائل تنمو في أساس الأنثى وتفصل عادة من جذر النخلة الأم بعد أن يبلغ عمرها ثلاث سنوات. والانثى هي وحدها التي تحمل الثمر أما الذکر فإن مهمته تقتصر على إخصاب الأنثى. وتجري عملية الاخصاب بشکل اصطناعي عادة في الفترة من نيسان إلى أيار عندما ينشق «الطلع» وهي عبارة عن أفراخ تشبه اللسان في شکلها تظهر في أعلى النخلة في بداية شباط تضمن في داخلها عذق التمر المقبل، حيث يضع الفلاح في وسط عذق الأنثى بضعة فروع من عذق الذکر فتقوم هذه الفروع بإخصاب عذق الأنثى بواسطة الطلع الذي تسقط عليها. ولا تعطي النخلة الأنثى بدون هذه العملية إلا حشفاً خالياً من النوى يميل طعمه إلى المرارة.

وعندما تحظى النخلة برعاية جيدة تبدأ بإعطاء الثمر في السنة الثالثة من عمرها. لکن عذوقها تقطع عادة في خلال السنتين الأولى من بدء

______________________

(١) يقصد الدبس ـ المترجم.

(٢) مجموعة التقارير القنصلية لسنة ١٩٠٢، الاصدار الخامس ص٣٥٩.

٢٦٠