الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-541-5
الصفحات: ٤٢٩

[ الخاتمة ]

٢٤١
٢٤٢

( وأمّا الخاتمة )

( ففيها بحثان : )

[ البحث ] ( الأوّل في التعقيب )

والمراد به : الاشتغال عقيب الصلوات بدعاء أو ذكر أو ما أشبهه ، ( وهو مؤكد الندبيّة ) محثوث عليه في الكتاب والسنّة ، ورد في تفسير قوله تعالى ( فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) (١) « أي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربّك في الدعاء ، وارغب إليه في المسألة يعطك » (٢).

روي ذلك عن الصادقين عليهما‌السلام ، وعن جماعة (٣) من المفسّرين.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عقّب في صلاته فهو في صلاة » (٤).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ما عالج الناس شيئا أشدّ من التعقيب » (٥).

وعنه عليه‌السلام : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » (٦).

__________________

(١) « الانشراح » ٩٤ : ٧.

(٢) « مجمع البيان » ١٠ : ٣٩١.

(٣) « كتاب التسهيل لعلوم التنزيل » ٢٠٦ ، « تفسير ابن عبّاس » ٥١٤ ، « تفسير مجاهد » ١ : ٧٦٨.

(٤) « النهاية في غريب الحديث » ٣ : ٢٦٧.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٠٤ ـ ٣٩٣.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٠٤ ـ ٣٩١.

٢٤٣

وروى زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفّلا » (١) ( وخصوصا عقيب الغداة والعصر والمغرب ) روى جابر عن الباقر عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله عزوجل : يا ابن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة ، واذكرني بعد العصر ساعة أكفك ما أهمّك » (٢).

( ووظائفه عشر : الإقبال عليه بالقلب ) قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله لا يستجيب دعاء من قلبه لاه » (٣).

وعن سليمان بن عمرو قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّ الله عزوجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة » (٤).

وقال عليه‌السلام : « إذا دعوت فأقبل بقلبك وظنّ حاجتك بالباب » (٥).

وقال عليه‌السلام : « سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اسم الله الأعظم فقال : كلّ اسم من أسماء الله تعالى أعظم ففرّغ قلبك عن كلّ ما سواه وادعه بأيّ اسم شئت » (٦).

( والبقاء على هيئة التشهّد وعدم الكلام ) قبله وخلاله ( والحدث ) هذه وظائف كماله ، وإلّا فإنّه يتحقّق بدونها ( بل ) قد روى هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام : ( إنّ الباقي على طهارته معقّب وإن انصرف ) (٧).

( وعدم الاستدبار و ) عدم ( مزايلة المصلّى ) أي مفارقته ( وكلّ مناف في صحّة الصلاة أو كمالها ) هذا كلّه من وظائف الكمال.

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٣٤٢ باب التعقيب بعد الصلاة ، ح ٥ ، « الفقيه » ١ : ٢١٦ ـ ٩٦٢ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٠٣ ـ ٣٨٩.

(٢) « الفقيه » ١ : ٢١٦ ـ ٩٦٤ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٣٨ ـ ٥٣٦.

(٣) « الدعوات » ٣٠ ـ ٦١ ، « مصباح الشريعة » ١٣٣.

(٤) « الكافي » ٢ : ٤٧٣ باب الإقبال على الدعاء ، ح ١.

(٥) « الكافي » ٢ : ٤٧٣ باب اليقين في الدعاء ، ح ١.

(٦) « مصباح الشريعة » ١٣٣.

(٧) « الفقيه » ١ : ٢١٦ ـ ٩٦٣ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٢٠ ـ ١٣٠٨.

٢٤٤

( وملازمة المصلّى في الصبح إلى الطلوع ) روي عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن الحسن بن عليّ عليهم‌السلام قال : « من صلّى فجلس في مصلّاه إلى طلوع الشمس كان له سترا من النار » (١).

وعنه عليه‌السلام قال : « سمعت أبي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّما امرئ مسلم جلس في مصلّاه الذي صلّى فيه الفجر فذكر الله حتّى تطلع الشمس كان له من الأجر كحاجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن جلس فيه حتّى تكون ساعة تحلّ فيه الصلاة فصلّى ركعتين أو أربعا غفر الله له ما سلف وكان له من الأجر كحاجّ بيت الله » (٢).

( وفي الظهر والمغرب حتّى تحضر الثانية ) قال الصادق عليه‌السلام : « من صلّى صلاة فريضة وعقّب إلى أخرى فهو ضيف الله ، وحقّ على الله أن يكرم ضيفه » (٣) ، ( وهو غير منحصر ) ، لكثرة ما روي منه عن أهل البيت عليهم‌السلام.

وقد اشتمل المصباح الكبير وتتمّاته للسيّد السعيد رضيّ الدين بن طاوس على شي‌ء كثير منه لا يكاد يسعه الوقت.

( ومن أهمّه أربعون : التكبير ثلاثا عقيب التسليم رافعا ) يديه ( كما مرّ ) (٤) واضعا لهما في كلّ مرّة على فخذيه أو قريبا منهما.

وقال المفيد رحمه‌الله : « يرفعهما حيال وجهه مستقبلا بظاهرهما وجهه وبباطنهما القبلة ثمّ يخفض يديه إلى نحو فخذيه » (٥) وهكذا ثلاثا ( وقول : لا إله إلّا الله إلها واحدا ونحن له مسلمون ، لا إله إلّا الله ونحن له مخلصون ، لا إله إلّا الله لا نعبد إلّا إيّاه مخلصين له الدين ولو كره المشركون ، لا إله إلّا الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين ، لا إله إلّا الله وحده وحده ، صدق وعده وأنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد يحيي ويميت

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٢١ ـ ١٣١٠.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٣٨ ـ ٥٣٥ ، « الاستبصار » ١ : ٣٥٠ ـ ١٣٢١.

(٣) « الكافي » ٣ : ٣٤١ باب التعقيب بعد الصلاة ، ح ٣.

(٤) مرّ في الصفحة : ١٦١. ضمن مبحث « سنن التوجّه ».

(٥) « المقنعة » ١١٤.

٢٤٥

ويميت ويحيي وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير وهو على كلّ شي‌ء قدير ، اللهمّ اهدني من عندك وأفض عليّ من فضلك وانشر عليّ من رحمتك وأنزل عليّ من بركاتك سبحانك لا إله إلّا أنت اغفر لي ذنوبي كلّها جميعا فإنّه لا يغفر الذنوب كلّها جميعا إلّا أنت ، اللهمّ إنّي أسألك من كلّ خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كلّ سوء أحاط به علمك ، اللهمّ إنّي أسألك عافيتك في أموري كلّها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، وأعوذ بوجهك الكريم وعزّتك التي لا ترام وقدرتك التي لا يمتنع منها شي‌ء من شرّ الدنيا وعذاب الآخرة وشرّ الأوجاع كلّها ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، توكّلت على الحيّ الذي لا يموت ، ( وَقُلِ : الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) ، ثمّ يسبّح تسبيح الزهراء عليها‌السلام قبل ثني الرجلين ).

روى ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « من سبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر له ، ويبدأ بالتكبير » (١).

وروى صالح بن عقبة عن الباقر عليه‌السلام قال : « ما عبد الله بشي‌ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها‌السلام ، ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام » (٢).

وروى أبو خالد القمّاط قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « تسبيح فاطمة عليها‌السلام في كلّ يوم دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم » (٣).

( ثمّ ليقل ) بعدها : ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، أربعين مرّة ) كذا ذكره الشيخ في المصباح (٤) ، والمشهور (٥) رواية ثلاثين مرّة.

وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه ذات يوم : أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ، ثمّ وضعتم

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٣٤٢ باب التعقيب بعد الصلاة. ح ٦.

(٢) « الكافي » ٣ : ٣٤٣ باب التعقيب بعد الصلاة. ح ١٤ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٨.

(٣) « الكافي » ٣ : ٣٤٣ باب التعقيب بعد الصلاة. ح ١٥ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٩.

(٤) « مصباح المتهجّد » ص ٤٧.

(٥) « المعتبر » ٢ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٢٦٧ المسألة : ٣١٦ ، « الذكرى » ٢١١.

٢٤٦

بعضه على بعض ترونه يبلغ السماء؟ قالوا : لا ، يا رسول الله ، فقال : يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة ، وهنّ يدفعن الهدم والغرق والحرق والتردّي في البئر وأكل السبع وميتة السوء والبليّة التي نزلت على العبد في ذلك اليوم » (١).

( ويقرأ الحمد و ) آية ( الكرسيّ ) ولا نصّ هنا على تحديدها ، والإطلاق يقتضي أنّ آخرها « العليّ العظيم » وإن كانت في بعض الموارد محدّدة إلى « خالدون » (٢) فهو مختصّ به. ( و ) آية ( ( شَهِدَ اللهُ ) ( أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ ) ـ إلى ـ ( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٣) ( وآية الملك ) ( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) ـ إلى ـ ( تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٤) ( وآية السخرة ) ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ) ـ إلى ـ ( رَبُّ الْعالَمِينَ ) (٥).

والأفضل اتباع الآيتين بها إلى قوله ( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (٦).

روى الكليني رحمه‌الله بإسناده إلى يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لما أمر الله عزوجل هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض تعلّقن بالعرش وقلن : أي ربّ إلى أين تهبطنا؟ إلى أهل الخطايا والذنوب ، فأوحى الله عزوجل إليهنّ : أن اهبطن فوعزّتي وجلالي لا يتلوكنّ أحد في دبر ما افترضت عليه إلّا نظرت إليه بعيني المكنونة في كلّ يوم سبعين نظرة ، أقضي له مع كلّ نظرة سبعين حاجة وقبلته على ما فيه من المعاصي. وهي أمّ الكتاب وشهد الله وآية الكرسيّ وآية الملك » (٧).

( ثمّ ) يقرأ سورة ( التوحيد ) وهي نسبة الربّ (٨) تبارك وتعالى ( اثنتي عشرة مرّة ويبسط

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٠٧ ـ ٤٠٦.

(٢) « تفسير القميّ » ١ : ٨٤ ـ ٨٥.

(٣) « آل عمران » ٣ : ١٨.

(٤) « آل عمران » ٣ : ٢٦ ـ ٢٧.

(٥) « الأعراف » ٧ : ٥٤.

(٦) « الأعراف » ٧ : ٥٦.

(٧) « الكافي » ٢ : ٦٢٠ باب فضل القرآن ، ح ٢.

(٨) انظر : « الفقيه » ١ : ٢٩٧ ـ ١٣٥٦ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١١٦ ـ ٤٣٧.

٢٤٧

كفيه داعيا : اللهمّ إنّي أسألك باسمك المكنون المخزون الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم يا واهب العطايا ويا مطلق الأسارى ويا فكّاك الرقاب من النار ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تعتق رقبتي من النار وأن تخرجني من الدنيا سالما وتدخلني الجنّة آمنا وتجعل دعائي أوّله فلاحا وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا ، إنّك أنت علّام الغيوب ).

رواه الصدوق في الفقيه (١) ، والشيخ في التهذيب (٢) مرسلا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « من أحبّ أن يخرج من الدنيا وقد تخلّص من الذنوب كما يتخلّص الذهب الذي لا كدر فيه ولا يطلبه أحد بمظلمة فليقل في دبر كلّ صلاة نسبة الربّ تبارك وتعالى اثنتي عشرة مرّة ، ثمّ يبسط يديه ويقول » وذكر الدعاء. إلّا أنّه ذكر الطهر قبل الطاهر.

وقال بعد قوله : « وسلطانك القديم » : « أن تصلّي على محمّد وآل محمّد يا واهب العطايا ويا مطلق الأسارى يا فكّاك الرقاب » بغير كاف بعد الفاء. إلى آخر الدعاء ، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هذا من المخبيّات مما علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرني أن أعلّمه الحسن والحسين عليهما‌السلام ».

قال المصنّف رحمه‌الله : « المخبيّات من خبئ لما لم يسمّ فاعله ، ولولاه لكان المخبوّات وكلاهما صحيح » (٣).

( ثم سجدتا الشكر ) وثوابهما عظيم ، روى مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « سجدتا الشكر واجبة على كلّ مسلم تتمّ بها صلاتك وترضي بها ربّك وتعجب الملائكة منك ، وإنّ العبد إذا صلّى ثمّ سجد سجدة الشكر فتح الربّ تبارك وتعالى الحجاب بين العبد والملائكة فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدّى فرضي وأتمّ عهدي ثمّ سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ما ذا له؟ فتقول

__________________

(١) « الفقيه » ١ : ٢١٢ ـ ٩٤٩.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٠٨ ـ ٤١٠.

(٣) « الذكرى » ٢١١.

٢٤٨

الملائكة : يا ربّنا رحمتك ، فيقول الربّ تعالى : ثمّ ما ذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا كفاية مهمّاته فيقول الربّ تعالى : ثمّ ما ذا؟ فلا يبقى شي‌ء من الخير إلّا قالته الملائكة ، ثم يقول الله تعالى : وأقبل إليه بفضلي وأريه وجهي ». أورده في الفقيه (١) والتهذيب (٢).

( معفّرا خديه وجبينه ) العفر ـ بالتحريك ـ وهو التراب (٣) ، وفيه إشارة إلى استحباب وضع ذلك على التراب.

والظاهر تأدّي السنّة بوضعها على ما يسجد عليه وإن كان التراب أفضل ، وليقدّم في الوضع ( الأيمن ) منهما ( ثمّ الأيسر ، مفترشا ذراعيه وصدره وبطنه ، واضعا جبهته مكانها حال الصلاة قائلا فيهما : الحمد لله شكرا شكرا ، مائة مرّة و ) يقول ( في كلّ عاشرة : شكرا للمجيب ) بمعنى أنّه يتبع العشر بقوله : للمجيب.

( ودونه ) في الفضل ( شكرا مائة ) من غير إضافة المجيب في كلّ عاشرة ، والحمد لله أوّلا ( أو عفوا مائة ، وأقلّه شكرا ثلاثا ، وليقل فيهما ) ما رواه الشيخ في أماليه (٤) : ( اللهمّ إنّي أسألك بحقّ من رواه وروي عنه : صلّ على جماعتهم وافعل بي كذا ، ولا تكبير لهما ) للهويّ إليهما ولا للرفع منهما.

( وإذا رفع رأسه ) من السجود ( أمرّ يده اليمنى على جانب خدّه الأيسر إلى جبهته إلى خدّه الأيمن ثلاثا ) بعد أن يمسح يده على موضع سجوده في كلّ مرّة و ( يقول في كلّ مرّة : بسم الله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن والسقم والعدم والصغار والذل والفواحش ما ظهر منها وما بطن ) رواه محمد بن مروان ، عن أبي عبد الله (٥) عليه‌السلام ولم يذكر مسح يده على موضع سجوده كما نقل المصنّف.

وروى الصدوق ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الصادق عليه‌السلام مثله ، إلّا أنّه

__________________

(١) « الفقيه » ١ : ٢٢٠ ـ ٩٧٨ ، بتفاوت يسير.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١١٠ ـ ٤١٥ ، بتفاوت يسير.

(٣) « القاموس المحيط » ٢ : ٩٥ ، « عفر ».

(٤) « أمالي الشيخ الطوسي » ٢٨٩ ـ ٥٦٠.

(٥) « الكافي » ٣ : ٣٤٥ باب التعقيب بعد الصلاة. ح ٢٤ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١١٥ ـ ٤٢٩.

٢٤٩

اقتصر من الدعاء بعد « الرحمن الرحيم » على قوله : « اللهمّ أذهب عنّي الهمّ والحزن » ثلاثا وقال : « إنّه يدفع الهمّ » (١) وذكر فيه مسح يده على موضع سجوده.

( ويمرّ يده على صدره في كلّ مرّة ، وإن كان به علّة مسح موضع سجوده وأمرّ يده على العلّة ) سبع مرّات ( قائلا : يا من كبس الأرض على الماء وسدّ الهواء بالسماء واختار لنفسه أحسن الأسماء ، صلّ على محمّد وآل محمّد وافعل بي كذا وكذا ، وارزقني وعافني من شرّ كذا وكذا ) روي ذلك عن الصادق (٢) عليه‌السلام.

( وسؤال الله من فضله ساجدا وفي سجدتي ) صلاة ( الصبح آكد ، ورفع اليدين فوق الرأس عند إرادة الانصراف ، ثمّ ينصرف عن اليمين ) رواه سماعة عن الصادق (٣) عليه‌السلام.

( ويختصّ الصبح والمغرب بعشر مرّات : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي ، وهو حيّ لا يموت بيده الخير ، وهو على كلّ شي‌ء قدير ، قبل أن يثني رجليه ).

روى الكليني بإسناده إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ « من قال ذلك عقيب الصبح والمغرب قبل أن يثني وركيه لم يلق الله عزوجل عبد بعمل أفضل من عمله إلّا من جاء بمثل عمله » (٤).

وروى غيره عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ « من قالها عقيبهما قبل أن يثني رجليه كتب الله له لكلّ واحدة عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ، وكانت حرزا له من كلّ مكروه ، وحرزا من الشيطان الرجيم ، وكان من أفضل الناس عملا إلّا رجلا يقول أفضل ممّا قال » (٥).

( ويختصّ الصبح بالإكثار من : سبحان الله العظيم وبحمده ، أستغفر الله وأسأله من فضله ، فإنّه مثراة للمال ) رواه هلقام الشامي عن الكاظم عليه‌السلام قال : أتيته فقلت له :

__________________

(١) « الفقيه » ١ : ٢١٨ ـ ٩٦٨.

(٢) « الكافي » ٣ : ٣٤٤ باب التعقيب بعد الصلاة. ح ٢٣ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١١٢ ـ ٤١٩.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣١٧ ـ ١٢٩٤.

(٤) « الكافي » ٢ : ٥١٨ باب من قال لا إله إلّا الله ، ح ٢.

(٥) « مسند أحمد » ٤ : ٢٢٧.

٢٥٠

جعلت فداك علّمني دعاء جامعا للدنيا والآخرة ، قال : « قل في دبر الفجر إلى أن تطلع الشمس : سبحان الله العظيم وبحمده ، أستغفر الله وأسأله من فضله » (١) قال هلقام : لقد كنت من أسوإ أهل بيتي حالا فما علمت حتّى أتاني ميراث من قبل رجل ما ظننت أنّ بيني وبينه قرابة ، وإنّي اليوم أيسر أهل بيتي ، وما ذاك إلّا بما علّمني مولاي العبد الصالح عليه‌السلام.

( و ) تختصّ ( المغرب بثلاث ) مرّات ( الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره ، فإنّه سبب للخير الكثير ) روي ذلك عن الصادق عليه‌السلام قال : « من قال إذا صلّى المغرب ثلاث مرّات ـ وذكر ما سبق ـ أعطي خيرا كثيرا » (٢) ( وتأخير تعقيبها إلى الفراغ من راتبتها ) ذكر ذلك المفيد (٣) رحمه‌الله ، واحتجّ له الشيخ في التهذيب برواية أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من صلّى المغرب ثمّ عقّب لم يتكلّم حتّى يصلّي ركعتين كتبتا له في علّيّين ، فإن صلّى أربعا كتب له حجّة مبرورة » ، (٤) وبرواية أبي الفوارس قال : نهاني أبو عبد الله (٥) عليه‌السلام أن أتكلّم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب ، وبأخبار (٦) أخر أبعد في الدلالة. وظاهر عدم دلالة الجميع على المدّعى.

وفي الذكرى : « الأفضل المبادرة بها ـ يعني نافلة المغرب ـ قبل كلّ شي‌ء سوى التسبيح » (٧) ونقل عن المفيد (٨) مثله.

( ويختصّ العصر والمغرب بالاستغفار سبعين مرّة (٩) ، صورته : أستغفر الله ربّي وأتوب

__________________

(١) « الكافي » ٢ : ٥٥٠ باب الدعاء في إدبار الصلاة ، ح ١٢.

(٢) « الكافي » ٢ : ٥٤٥ باب الدعاء في إدبار الصلاة ، ح ٢ ، « الفقيه » ١ : ٢١٤ ـ ٩٥٧ ، « تهذيب الأحكام » ٢ :

١١٥ ـ ٤٣٠.

(٣) « المقنعة » ١١٨.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١١٣ ـ ٤٢٢.

(٥) « الكافي » ٣ : ٤٤٣ باب صلاة النوافل ، ح ٧ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١١٤ ـ ٤٢٥.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١١٣ ـ ٤٢٣.

(٧) « الذكرى » ١٢٤.

(٨) « المقنعة » ١١٨.

(٩) « أمالي الشيخ الصدوق » ٢١١ ـ ٨ ، « مصباح المتهجّد » ٦٥.

٢٥١

إليه ) وروي سبعا وسبعين (١) ، وروي مائة (٢).

( و ) يختصّ ( العشاء بقراءة الواقعة قبل نومه ، لأمن الفاقة ) رواه ابن مسعود رضي‌الله‌عنه عن النبيّ (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله. ( ويكره النوم بعد ) صلاة ( الصبح ).

روى محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « أنّ الرزق يبسط تلك الساعة فأنا أكره أن ينام الرجل تلك الساعة » (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : « نومة الغداة مشومة تطرد الرزق وتصفر اللون وتقبّحه وتغيّره ، وهو نوم كلّ مشوم ، إنّ الله تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وإيّاكم وتلك النومة ، وكان المنّ والسلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه ، وكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال والطلب » (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً ) (٦) قال : « الملائكة تقسم أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه » (٧).

( و ) بعد ( العصر و ) بعد ( المغرب قبل العشاء ) ، لما روي عن الباقر عليه‌السلام : « أنّ النوم أوّل النهار خرق ـ أي ليس برفق ـ والقائلة نعمة والنوم بعد العصر حمق والنوم بين العشاءين يحرم الرزق » (٨).

( والاشتغال بعد العشاء بما لا يجدي نفعا ، وليكن النوم عقيب صلاة ).

__________________

(١) « أمالي الشيخ الطوسي » ٢ : ١٢١.

(٢) « ثواب الأعمال » ١٩٧ ـ ٢ ، « مصباح المتهجّد » ٢٨٠.

(٣) « شعب الإيمان » ٢ : ٤٩١ ـ ٢٤٩٨ ـ ٢٥٠٠.

(٤) « الفقيه » ١ : ٣١٧ ـ ١٤٤٣ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٣٨ ـ ٥٣٨ ، « الاستبصار » ١ : ٣٥٠ ـ ١٣٢٢.

(٥) « الفقيه » ١ : ٣١٨ ـ ١٤٤٥ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٣٩ ـ ٥٤٠ ، « الاستبصار » ١ : ٣٥٠ ـ ١٣٢٢.

(٦) « الذاريات » ٥١ : ٤.

(٧) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٣٩ ـ ٥٤١.

(٨) « الفقيه » ١ : ٣١٨ ـ ١٤٤٦.

٢٥٢

( البحث الثاني في خصوصيّات باقي الصلوات )

( فللجمعة إحدى وخمسون يقارن الصلاة منها ستّ : )

( الغسل ) وقد تقدّم (١) جملة ممّا فيه وفي وقته ( قائلا ) حالة الغسل : ( أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهمّ ) صلّ على محمّد وآل محمّد و ( اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين والحمد لله ربّ العالمين ) فمن فعل ذلك كان له طهر من الجمعة إلى الجمعة ، رواه أبو ولّاد الحنّاط ـ بالحاء المهملة والنون ـ عن أبي عبد الله (٢) عليه‌السلام.

( وحلق الرأس وتسريح اللحية وتقليم الأظفار والأخذ من الشارب ) روى عبد الله بن هلال قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « خذ من أظفارك وشاربك كلّ جمعة وإن لم يكن فيها شي‌ء فحكّها فلا يصيبك جذام ولا برص ولا جنون » (٣).

وروى هشام بن الحكم عنه عليه‌السلام أنّه قال : « ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة ، يغتسل ويتطيّب ويسرّح لحيته ، ويلبس أنظف ثيابه ، وليتهيّأ للجمعة ، وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار ، وليحسن عبادة ربّه ، وليفعل الخير ما استطاع ، فإنّ الله يطلع إلى الأرض ليضاعف الحسنات » (٤) ( قائلا قبل القلم : بسم الله وبالله وعلى سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والأئمة من بعده عليهم‌السلام.

وروي (٥) البدأة يوم الجمعة بخنصر اليسرى والختم بخنصر اليمنى ، وقبل الأخذ من الشارب : « بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وعليّ أمير المؤمنين والأوصياء عليهم‌السلام » ).

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ٦٩.

(٢) « الفقيه » ١ : ٦١ ـ ٢٢٨ ، « تهذيب الأحكام » ٣ : ١٠ ـ ٣١.

(٣) « الكافي » ٦ : ٤٩٠ باب قصّ الأظفار ، ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٤) « الكافي » ٣ : ٤١٧ باب التزيّن يوم الجمعة ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ٣ : ١٠ ـ ٣٢.

(٥) « مكارم الأخلاق » ٦٦.

٢٥٣

والذي رواه الشيخ في التهذيب (١) ، ونقله المصنّف في الذكرى (٢) ولم يذكر غيره ، عن محمد بن العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « من أخذ من شاربه وقلّم أظفاره يوم الجمعة ثم قال : بسم الله على سنّة محمّد وآل محمّد كتب الله له بكلّ شعرة وكلّ قلامة عتق رقبة ، ولم يمرض مرضا يصيبه إلّا مرض الموت ».

وليكن تسريح اللحية سبعين مرّة معدودة فمن فعل ذلك لم يقربه الشيطان أربعين يوما ، روي ذلك عن الصادق (٣) عليه‌السلام.

( ولبس أفضل الثياب ) وقد تقدّم (٤) ما يدلّ عليه. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أحبّ الثياب إلى الله تعالى البيض يلبسها أحياؤكم ويكفّن فيها موتاكم » (٥) ويتأكّد التجمّل في حقّ الإمام.

( ومباكرة المسجد ) فعن الباقر (٦) عليه‌السلام أنّه كان يبكّر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قيد رمح ـ بكسر القاف ـ أي قدره.

وروى عبد الله بن سنان قال : قال الصادق عليه‌السلام : « إنّ الجنان لتزخرف وتزيّن يوم الجمعة لمن أتاها وإنّكم لتتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة » (٧).

( والتطيّب ) وقد تقدّم (٨) في خبر هشام.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمسّ من طيب بيته ثمّ يخرج فلا يفرق بين اثنين ثمّ يصلّي ما كتب له ثمّ ينصت إذا تكلّم الإمام إلّا غفر الله له » (٩).

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٣ : ١٠ ـ ٣٣.

(٢) « الذكرى » ١٩.

(٣) « الكافي » ٦ : ٤٨٩ باب التمشيط ، ح ١٠ ، « مكارم الأخلاق » ٧٠.

(٤) « تقدّم في الصفحة : ٢٥٣ ، الهامش (٤).

(٥) « الكافي » ٣ : ١٤٨ باب ما يستحبّ من الثياب. ح ٣ ، نحوه.

(٦) « الكافي » ٣ : ٤٢٩ باب نوادر الجمعة ، ح ٨ ، « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٦٠.

(٧) « الكافي » ٣ : ٤١٥ باب فضل يوم الجمعة. ح ٩ ، « تهذيب الأحكام » ٣ : ٤ ـ ٦.

(٨) تقدّم في الصفحة : ٢٥٣ ، الهامش (٤).

(٩) « صحيح البخاري » ١ : ٣٠١ ـ ٨٤٣ ، « كنز العمال » ٧ : ٧٥٣ ـ ٢١٢٣٩.

٢٥٤

وفي خبر آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله ، وزاد : « ولبس أحسن ثيابه ولم يتخطّ رقاب الناس كان كفّارة بينها وبين الجمعة » (١).

( والتعمّم شتاء وقيظا ) ، تأسّيا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه.

( والتحنّك والتردّي ) وقد تقدّم (٢) الكلام فيهما. وروي (٣) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعتمّ ويرتدي ويخرج في الجمعة والعيدين على أحسن هيئة. وليكن الرداء عدنيّا أو يمنيّا ، للتأسّي.

( والدعاء أمام التوجّه ) : « اللهمّ من تهيّأ وتعبّأ ». إلى آخره ، رواه أبو حمزة الثمالي عن الباقر (٤) عليه‌السلام ، ( والسكينة ) في الأعضاء حالة الخروج إلى المسجد وفي جميع اليوم.

( والوقار ) في النفس كذلك ( والمشي ) ، تأسّيا بالنبيّ (٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه لم يركب في عيد ولا جنازة قطّ ، والجمعة أولى إلّا أنّه لم ينقل فيها قول عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ باب حجرته في المسجد ( إلّا لضرورة ) فيركب ، دفعا للحرج.

( والجلوس حيث ينتهي به المكان ، وأن لا يتخطّى رقاب الناس ) سواء كان قبل خروج الإمام أم بعده وسواء كان له موضع معتاد أم لا ، لما تقدّم ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن تخطّى رقاب الناس : « آذيت وآنيت » (٦) ، أي أبطأت ( إلّا الإمام ) فلا يكره له التخطّي ، لتوقّف التقدّم إلى الصلاة عليه ( أو مع خلوّ الصفّ الأول ) فإنّه لا يكره لغير الإمام التقدّم إليه لإتمامه ، لأنّ الناس قصّروا حيث لم يتمّوه. وكذا القول في غير الصفّ الأوّل.

__________________

(١) « كنز العمال » ٧ : ٧٥١ ـ ٢١٢٣٠.

(٢) في مبحث سنن الستر ، الصفحة : ٩٤.

(٣) « سنن البيهقي » ٣ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٣ : ١٤٢ ـ ٣١٦.

(٥) « سنن ابن ماجة » ١ : ٤١١ ـ ١٢٩٤ ، ولفظه : « كان يخرج إلى العيد ماشيا ، ويرجع ماشيا ». ونقله المحقّق في « المعتبر » ٢ : ٣١٧.

(٦) « سنن البيهقي » ٣ : ٢٣١ باب لا يتخطّى رقاب الناس ، « سنن ابن ماجة » ١ : ٣٥٤ ـ ١١١٥ باب ما جاء في النهي عن تخطّي الناس يوم الجمعة.

٢٥٥

( وحضور من لا تجب عليه الجمعة ) كالمسافر والمرأة ومن شقّ عليه الحضور لكبر ومرض وعرج.

( وإخراج المحبوسين للصلاة ) ومتعلّق هذا الاستحباب الإمام أو نائبه على حبسهم. روى عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « على الإمام أن يخرج المحبوسين في الدين يوم الجمعة ويوم العيد إلى العيد ويرسل معهم ، فإذا قضوا الصلاة ردّهم إلى السجن » (١).

قال في الذكرى : « وفيه تنبيه على أنّ المحبوس في غير الدين كالدم لا يخرج ، ولعلّه للتغليظ في الدماء ، على أنّ المحبوس بما هو أخفّ من الدين يخرج ، لأنّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، وظاهره الوجوب ، لأن لفظة على تشعر به » (٢).

( وزيادة أربع ركعات على راتبتي الظهرين ) الستّ عشرة ( وجعلها سداس ) أي تفريقها ستّة ستّة يصلّى منها ستّ ( عند الانبساط ) أي انبساط الشمس وارتفاعها بقدر ما يذهب شعاعها ويزول وقت الكراهة ( و ) ستّ عند ( الارتفاع ، و ) ستّ عند ( القيام ) أي قيام الشمس في وسط السماء ووصولها إلى دائرة نصف النهار تقريبا ( قبل الزوال ) وهو ميل الشمس عن السماء وتجاوزها دائرة نصف النهار ( وركعتان عنده ) أي بعده. وروي (٣) قبله.

( وروى ) سعد بن سعد الأشعري عن الرضا (٤) عليه‌السلام ( زيادة ركعتين ) عن العشرين المذكورة ( بعد العصر ) وبه عمل المفيد (٥) رحمه‌الله.

وروي (٦) في تفريق العشرين جعل ستّ عند ارتفاع النهار وستّ قبل انتصافه وركعتين بعد زواله وستّ بعد الجمعة.

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٨٥ ـ ٨٥٢ ، بتفاوت يسير.

(٢) « الذكرى » ٢٣٩.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٣ : ١١ ـ ٣٦ ، « الاستبصار » ١ : ٤١٠ ـ ١٥٦٧.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٤٦ ـ ٦٦٩ ، « الاستبصار » ١ : ٤١١ ـ ١٥٧١.

(٥) « المقنعة » ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٣ : ١١ ـ ٣٦ ، « الاستبصار » ١ : ٤١٠ ـ ١٥٦٧.

٢٥٦

وجوّز الشيخ (١) تأخير النوافل إلى بعد العصر.

( وصلاة الظهر في المسجد الأعظم لمن لم تجب الجمعة عليه ) ، لإطلاق أفضليّة المساجد ، ولما روي (٢) من أنّ الأئمة عليهم‌السلام كانوا يباكرون إلى المسجد ولا يصلّون الجمعة.

( وسكوت الخطيب عمّا سوى الخطبة ) من الكلام حالة الخطبة وبين الخطبتين ، لما روي من أنّ إعراض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عمّن سأله عن الساعة وهو يخطب ، وأمر الناس له بالسكوت ، فأعاد الكلام فلم يجبه ، فلمّا كان الثالثة قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ويحك ما ذا أعددت لها »؟ قال : حبّ الله ورسوله فقال : « إنّك مع من أحببت » (٣) فلو لا كراهة الكلام لإجابة أوّلا ، ولو حرم لم يجبه ثانيا.

والأقوى التحريم عليه مع عدم الحاجة كما يحرم على غيره من الحاضرين.

( واختصارها ) أي الخطبة ( إذا خاف فوت فضيلة الوقت ) وهو مصير الظلّ مثله على القول بامتداد وقتها كوقت الظهر ، فإنّه مختار المصنّف ، وعلى المشهور (٤) من أنّ ذلك آخر وقتها ، ففي وقت فضيلتها خفاء ، لعدم تعيينه في النصّ والفتوى.

ويمكن القول بكونه ساعة بعد الظهر ، لما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعده بساعة » (٥) حملا له على وقت الفضيلة.

والذي ذكره المصنّف في الذكرى (٦) وغيره (٧) استحباب تقصير الخطبة مطلقا ، لما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنّة من فقهه فأطيلوا الصلاة وقصّروا الخطبة » (٨).

__________________

(١) « المبسوط » ١ : ١٥٠.

(٢) « الكافي » ٣ : ٤٢٩ باب نوادر الجمعة ، ح ٨.

(٣) « مسند أحمد » ٣ : ١٦٧.

(٤) « المعتبر » ٢ : ٢٧٥ ، « منتهى المطلب » ١ : ٣١٨ ، ادّعى فيه إجماع علمائنا.

(٥) « الفقيه » ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢٣.

(٦) « الذكرى » ٢٣٧.

(٧) « البيان » ١٩٨.

(٨) « صحيح مسلم » ٢ : ٥٩٤ ـ ٨٦٩ باب تخفيف الصلاة والخطبة ، « مسند أحمد » ٤ : ٢٦٣ ، « سنن الدارمي » ١ : ٣٦٥ باب في قصر الخطبة.

٢٥٧

والمئنّة ـ بفتح الميم وكسر الهمزة وتشديد النون ـ : العلامة والمخلقة.

قال الهروي نقلا عن الأصمعي أنه « قال : سألني شعبة عن هذا الحرف ، فقلت : هو كقولك : علامة مخلقة ومجدرة ، قال أبو عبيد : يعني أنّ هذا ما يستدلّ به على فقه الرجل » (١).

( وكونه ) أي الإمام ( أفضلهم ) أي أفضل القوم الحاضرين ، تأسيا بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام في مباشرتهم الجمعة من غير استنابة ، وليزيد الإقبال على قوله والامتثال لأمره والازدجار عن نهيه.

( واتّصافه بما يأمر به وخلوّه عمّا ينهى عنه ) ، ليتمّ الغرض من وعظه كما مرّ ( وفصاحته ) أي اتّصافه بملكة يقتدر بها على التعبير عن مقصوده بلفظ فصيح ، أي خال عن ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد في مركّبة ومن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس اللغوي في مفردة.

( وبلاغته ) بمعنى اتّصافه بملكة يقتدر بها على التعبير عن الكلام الفصيح المطابق لمقتضى الحال ، واحترزنا بالملكة عمّن يحفظ خطبة بليغة ، فإنّه لا يسمّى بليغا ولا فصيحا ، بل لا بدّ من كون ذلك ملكة نفسانيّة له ، وعمّن يقدر على تأليفها بتكلّف شديد أو في حال نادر ، فإنّ ذلك لا يكون ملكة ، والمراد بمطابقة الحال أن يكون الكلام موافقا للزمان والمكان والسامع ، بحيث يلقي إلى كلّ سامع ما يليق بحاله ويصلح لعظته ، فإن اختلفوا في المقاصد راعى الأنفع.

( ومواظبته على أوائل الأوقات ) ، لأنّ ذلك أوفق لقبول عظمته ، وأدخل لقوله في القلوب ( وصعوده ) المنبر ( بالسكينة ) والوقار ( واعتماده ) حال الخطبة ( على ) عنزة أو قضيب أو ( قوس أو سيف وشبهه ) ، تأسّيا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه كان يعتمد على عنزته (٢).

__________________

(١) « غريب الحديث » للهروي ٤ : ٦١ ، « مأن ».

(٢) « سنن ابن ماجة » ١ : ٣٥٢ ـ ١١٠٧ ، « سنن أبي داود » ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٩٦.

٢٥٨

وروي أنّه كان يخطب وفي يده قضيب (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : « يتوكّأ على قوس أو عصا » (٢).

( وسلامه على الناس ) أوّل ما يصعد المنبر ويستقبلهم ، تأسّيا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وعن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : « من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس » (٣).

ونفاه الشيخ في الخلاف (٤) ، لضعف المستند وإطباق الناس على خلافه في ذلك ( ف ) حيث يسلّم ( يجب الردّ ) عليه كفاية على كلّ سامع ، لعموم الأمر (٥) بردّ التحيّة.

( والقعود دون الدرجة العليا من المنبر ) ، ليجعل استراحته وجلوسه على العليا ، ( والجلوس ) بعد السلام ( للاستراحة حتّى يفرغ المؤذّن ) ، تأسّيا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روي (٦) أنّه كان يفعل ذلك ، وليستريح بقعوده عن تعب صعوده ( وتعقيب الأذان بقيامه ) بغير فصل ، لئلّا يطول ذلك على الناس ، ( واستقبال الناس ) بوجهه حالة الجلوس والخطبة ، ( ولزومه السمت ) وهو جهة الناس ( من غير التفات ) يمينا ولا شمالا ، تأسّيا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خلافا لأبي حنيفة (٧) حيث استحبّ التفاته كذلك كالمؤذّن ، والأصل ممنوع.

( واستقبالهم إيّاه وترك ) صلاة ( التحيّة ) للداخل ( حال الخطبة ) بل يجلس وينصت لها ،

__________________

(١) « الفقيه » ٤ : ١٣٠ ـ ٤٥٤ بتفاوت ، وفي « المعتبر » ٢ : ٢٨٦ نقله بلفظه.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤ ، « الاستبصار » ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٧.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٦٢.

(٤) « الخلاف » ١ : ٦٢٤ ، المسألة : ٣٩٤.

(٥) « النساء » ٤ : ٨٦ ـ « ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ). ».

(٦) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٤٤ ـ ٦٦٣ ، « سنن أبي داود » ١ : ٦٥٧ ـ ١٠٩٢ ، باب الجلوس إذا صعد المنبر.

(٧) انظر : « عمدة القارئ » ٦ : ٢٢١ ، « المجموع » ٤ : ٥٢٨.

٢٥٩

لقوله تعالى ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) (١) ، قال المفسّرون (٢) : المراد بالقرآن هنا : الخطبة ، ولقول أحدهما عليهما‌السلام : « إذا صعد الإمام المنبر فخطب فلا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر » (٣) ، ولأنّه مناف للغرض منها ، ( وترك الكتف للخطيب ) لعدم ورود شرعيته.

( والجهر بالقراءة ) في صلاة الجمعة ، وهو موضع وفاق (٤). ولا يتعدّى إلى الظهر يومها على الأقوى. ( وإطالة الإمام القراءة لو أحسّ بمزاحم ) أي داخل في الصلاة بحيث يخاف فوت الركعة ، لما فيه من الإعانة على البرّ والتقوى. ( وترك السفر ) الموجب لإسقاطها ( بعد الفجر ) وقبل الزوال ، لما فيه من تفويت أكمل الفرضين ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة : لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته » (٥). ولا يكره ليلة الجمعة إجماعا (٦) كما أنّه يحرم بعد الزوال على من خوطب بها إجماعا (٧).

( والإكثار من الصلاة على النبيّ وآله صلّى الله عليهم يوم الجمعة إلى ألف مرّة ).

روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذرّ في أيديهم أقلام الذهب وقراطيس الفضّة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلّا الصلاة على محمّد وآل محمّد صلّى الله عليهم ، فأكثر منها ، يا عمر إنّ من السنّة أن تصلّي على محمّد وآل محمّد في كلّ جمعة ألف مرّة وفي سائر الأيّام مائة مرّة » (٨).

__________________

(١) « الأعراف » ٧ : ٢٠٤.

(٢) « تفسير مجاهد » ١ : ٢٥٥ ، « تفسير القرطبي » ٧ : ٣٥٣ ، « التبيان » ٥ : ٦٧ ، نسبه إلى قوم.

(٣) « الكافي » ٣ : ٤٢٤ باب تهيئة الإمام للجمعة. ح ٧ ، « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨.

(٤) « المقنعة » ١٦٠ ، « النهاية » ١٠٧ ، « الكافي في الفقه » ١٥١ ، « تذكرة الفقهاء » ٤ : ٩٩ المسألة : ٤٢٣ ، ادّعى الإجماع عليه.

(٥) « كنز العمّال » ٦ : ٧١٥ ـ ١٧٥٤٠.

(٦) « تذكرة الفقهاء » ٤ : ١٩ ، المسألة : ٣٨٠ ، قال : « لا يكره السفر ليلة الجمعة إجماعا ».

(٧) « المبسوط » ١ : ١٤٦ ، « المعتبر » ٢ : ٢٩٤ ، « تذكرة الفقهاء » ٤ : ١٧ المسألة : ٣٨٠ ، « الدروس » ١ : ١٩١.

(٨) « الكافي » ٣ : ٤١٦ باب فضل يوم الجمعة وليلته ، ح ١٣ ، « تهذيب الأحكام » ٣ : ٤ ـ ٩.

٢٦٠