الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-541-5
الصفحات: ٤٢٩

عليه‌السلام على الأربع والأربعين ، لتأكّدها وشدّة استحبابها.

ويحيى بن حبيب قال في حديثه : سألت الرضا عليه‌السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله من الصلاة ، قال : « ستّ وأربعون ركعة فرائضه ونوافله » (١).

وظاهر أنّ هذا الحديث ليس فيه نفي استحباب ما زاد عليها ، وإنّما دلّ على أنّ هذا العدد أفضل من غيره ، فإذا ورد الأمر بالزائد لم يكن منافيا.

والأخبار (٢) الصحيحة بالإحدى والخمسين فرضا ونفلا ، وبالأربع والثلاثين نفلا على الترتيب الذي قدّمناه كثيرة جدّا ، وعليها عمل الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، بل صرّح الشيخ (٣) فيه بالإجماع منّا.

( وأفضل الرواتب راتبة الفجر ثمّ الوتر ثم الزوال ثم راتبة المغرب ثمّ نافلة الليل ثمّ ) نافلة ( النهار ) أي بقيّة نافلتهما.

نقل المصنّف القول بذلك على هذا الترتيب في الذكرى (٤) عن ابن بابويه ، واعترف بأنّه ليس عليه دليل صالح.

وفي الخلاف : ركعتا الفجر أفضل من الوتر إجماعا (٥) ، فإن تمّ الإجماع فهو الحجّة.

واحتجّ في المعتبر (٦) لأفضلية ركعتي الفجر على الوتر ، بما رواه مسلم عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « صلّوهما ولو طردتكم الخيل » (٧).

وعن عائشة : « لم يكن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على شي‌ء من النوافل أشدّ معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح » (٨).

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ٢٠ ، الهامش (٣).

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣ ـ ١ ـ ٤.

(٣) « الخلاف » ١ : ٥٢٦ ، المسألة : ٢٦٦.

(٤) « الذكرى » ١١٣.

(٥) « الخلاف » ١ : ٥٢٣ ـ ٥٢٤ ، المسألة : ٢٦٤.

(٦) « المعتبر » ٢ : ١٦.

(٧) « سنن أبي داود » ٢ : ٢٠ باب في تخفيفهما ، ح ١٢٥٨ ، وفيه : « لا تدعوهما ».

(٨) « سنن أبي داود » ٢ : ١٩ باب ركعتي الفجر ، ح ١٢٥٤.

٢١

وروينا عن عليّ عليه‌السلام في قوله تعالى ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (١) ، قال : « ركعتا الفجر تشهدهما ملائكة الليل والنهار » (٢).

وعلى أفضلية الوتر بعدهما بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كان يؤمن بالله فلا يبيتنّ إلّا بوتر » (٣).

وعلى نافلة المغرب بعدهما بقول الصادق عليه‌السلام : « لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في سفر ولا حضر وإن طلبتك الخيل » (٤).

وعلى صلاة الليل بقول عليّ عليه‌السلام : « قيام الليل مصحّة للبدن ورضى الربّ وتمسّك بأخلاق النبيّين وتعرّض لرحمته » (٥). وأنت خبير بأنّ هذه التمسّكات غايتها الفضيلة ، أمّا الأفضلية فلا.

( وقيل ) والقائل ابن أبي عقيل (٦) : ( أفضلها الليليّة ) محتجّا على ذلك بكثرة ما ورد في صلاة الليل من الثواب ، مثل ما روي أنّ جبرئيل عليه‌السلام قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « شرف المؤمن صلاته بالليل » (٧) ، وقوله لعليّ عليه‌السلام : « عليك بصلاة الليل » (٨) ثلاثا ولأبي ذرّ رضي‌الله‌عنه : « من ختم له بقيام الليل ثمّ مات فله الجنّة » (٩) ، وقول الصادق عليه‌السلام : « إنّ من روح الله التهجّد بالليل » (١٠) وقوله عليه‌السلام : « إنّ

__________________

(١) « الإسراء » ١٧ : ٧٨.

(٢) « الكافي » ٣ : ٢٨٢ باب وقت الفجر ، ح ٢ ، والرواية فيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، « الفقيه » ١ : ٢٩١ ـ ٢ وفيه :

« عن عليّ بن الحسين » ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٧ ـ ١١٦ ، وفيه : « عن الصادق عليه‌السلام » ، « المعتبر » ١٧٢ ، وفيه :

« عن عليّ عليه‌السلام ».

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٤١ ـ ١٤١٢ ، « علل الشرائع » ٣٣٠ ـ ٤ ، وفيهما عن الباقر عليه‌السلام ، « علل الشرائع » ٣٣٠ ـ ٣ ، والرواية فيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١١٣ ـ ٤٢٣.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٢١ ـ ٤٥٧.

(٦) « مختلف الشيعة » ٢ : ٣٣٢ ، ضمن المسألة : ٢٢٢.

(٧) « الفقيه » ٢ : ٢٨٥ ـ ٢٣.

(٨) « الكافي » ٨ : ٧٩ ـ ٣٣ ، « الفقيه » ٤ : ١٣٩ ـ ٤٨٣.

(٩) « الفقيه » ١ : ٣٠٠ ـ ١٣٧٦ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٢٢ ـ ٤٦٥.

(١٠) « الفقيه » ١ : ٢٩٨ ـ ١٣٦٤ ، « أمالي الطوسي » ١٧٢ ـ ٢٩١.

٢٢

البيوت التي يصلّى فيها بالليل بتلاوة القرآن تضي‌ء لأهل السماء كما تضي‌ء نجوم السماء لأهل الأرض » (١) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

وهذا كلّه إنّما يدلّ على فضيلتها العظيمة ، أمّا أفضليّتها فلا ، كما مرّ.

( وقصرها تابع لقصر الفريضة ) إلّا أنّ معنى قصرها : سقوطها رأسا بخلاف قصر الفريضة.

ومنه يظهر كونها في السفر سبع عشرة ركعة ، وأنّ الساقط منها ما هو ، فهو كالمتمّ لما سبق من الحكم بتنصيفها في السفر والمبيّن له ، وهذا الحكم في غير الوتيرة موضع وفاق (٢) ، وفيها على المشهور (٣) ، بل كاد يكون إجماعا.

وربما قيل بعدم سقوطها سفرا (٤) ، لرواية الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه‌السلام : « إنّما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها ، لأنّها زيادة في الخمسين تطوّعا ، ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع » (٥).

قال المصنّف في الذكرى : « وهذا قويّ ، لأنّه خاص ومعلّل إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه » (٦) انتهى.

ونبّه بالاستثناء على دعوى ابن إدريس (٧) الإجماع على سقوطها ، ولم يثبت كيف ، والشيخ قد صرّح في النهاية بعدمه (٨) ، ولا دليل صريحا على سقوطها ، بحيث يعارض خبر الفضل ، بل الأخبار إمّا مطلقة أو عامّة بحيث يمكن استثناؤها ، فالقول بثبوتها ليس ببعيد لو لا مخالفة المشهور.

__________________

(١) « الفقيه » ١ : ٢٩٩ ـ ١٣٧٠.

(٢) « المعتبر » ٢ : ١٥ ، « منتهى المطلب » ١ : ١٩٥ ، « الذكرى » ١١٣.

(٣) « السرائر » ١ : ٩٤ ، « تذكرة الفقهاء » ٢ : ٢٧٣ ، ذيل المسألة : ٩ ، « الذكرى » ١١٣ ، « جامع المقاصد » ٢ : ٩.

(٤) « النهاية » ٥٧ ، « المهذب البارع » ١ : ٢٨٣.

(٥) « الفقيه » ١ : ٢٩ ـ ١٣٢٠ ، نحوه.

(٦) « الذكرى » ١١٣.

(٧) « السرائر » ١ : ١٩٤.

(٨) « النهاية » ٥٧.

٢٣

( و ) القسم ( الثاني ) من أقسام النوافل ( مطلقة ) في مقابلة الراتبة المقيّدة بكلّ يوم ، لا مطلقة من الزمان بحيث لا تختصّ بوقت ، لئلّا يخرج منها القسم الثالث المتعلق بالأزمان كنافلة شهر رمضان ( وهي ) أي المطلقة ( خمسة ) أقسام :

[ القسم ] ( الأول : المتعلقة بالأشخاص كصلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصلاة عليّ وفاطمة وأبنائهما )عليهم‌السلام ( و ) صلاة ( جعفر ) بن أبي طالب عليه‌السلام ( و ) صلاة ( الأعرابي ).

[ القسم ] ( الثاني : المشروعة بسبب خاص كالاستسقاء والزيارة والشكر والاستخارة والحاجة والنذر المندوب ) وهو المنوي من غير تلفّظ وغير المتقرّب به ( وندب الطواف والتحية ) للمسجد حين يدخله.

[ القسم ] ( الثالث : المتعلقة بالأزمان كنافلة شهر رمضان و ) يوم ( المبعث ) وهو السابع والعشرون من رجب ( والغدير ) وهو الثامن عشر من ذي الحجّة ( ونصفي رجب وشعبان و ) الصلاة ( الكاملة ) فإنّها مختصّة بيوم الجمعة قبل الصلاة.

قيل (١) : ووجه تسميتها كاملة لتكرّر الحمد في كلّ ركعة منها عشر مرات ، ولم ينقل ذلك في غيرها.

( والعيد ندبا ) عند عدم اجتماع شرائط الوجوب.

[ القسم ] ( الرابع : المتعلّقة بالأحوال كإعادة الجماعة ) صلاتهم جماعة إذا كانوا قد صلّوا فرادى أو جماعة على الأقوى ، فإنّ الصلاة المعادة تكون مندوبة في هذه الحالة وإن كانت في الأصل واجبة ، لبراءة الذمّة بالأولى.

وفي حكم إعادة الجماعة إعادة الواحد إذا كان قد صلّى وحده ثمّ دخل جماعة مبتدئة ، وبذلك يظهر أنّ لفظ الجماعة في العبارة ليس بذلك البعيد.

ولو جعل المضاف إلى الجماعة محذوفا مقدّرا بالصلاة لم يحسن أيضا ، لأنّ ذلك هو الفرد الأضعف المختلف فيه ، فلا وجه لتخصيصه بالذكر ، بل ذكر الفرادى

__________________

(١) « جمال الأسبوع » ٣٠٠ ـ ٣٠٣ ، « الذكرى » ٢٥٤ ، واقتصر كلّ من السيد والشهيد على تسميتها بالكاملة وقراءة الحمد فيها عشر مرّات ، ولم يصرّحا بأنّ ذلك سبب تسميتها بالكاملة.

٢٤

أو الأعمّ أولى.

ويمكن كون المصدر ـ وهو الإعادة ـ بمعنى المفعول ، أي المعادة جماعة ، ولا يشكل ذلك بقوله ـ بعد ـ : ( والكسوف والجنائز ) فإنّهما معطوفان على الجماعة ، والمراد :

إعادتهما ، لأنّ معادهما أيضا موصوف بالندب.

( والاحتياط في موضع الغنا ) عنه بأن ينكشف للمصلّي أنّ صلاته تامّة لا تفتقر إلى الاحتياط ، فإنّه حينئذ يصير نافلة وإن كان منويّا به الفرض ، فيجوز حينئذ قطعه كالنافلة.

[ القسم ] ( الخامس : ما عدا ذلك ) المذكور في الأقسام الأربعة ( كابتداء النافلة ) من غير سبب ( فإنّ الصلاة قربان كلّ تقي ) (١).

وفي رواية موسى بن بكر ، عن الكاظم عليه‌السلام : « صلاة النوافل قربان كلّ مؤمن » (٢) ، والقربان ـ بالضمّ ـ : ما تقرّبت به إلى الله تعالى ، تقول منه : قرّبت إلى الله تعالى قربانا.

( ويشبهه ) أي يشبه ابتداء النافلة في كونه مندوبا ، بغير سبب ( التمرين ) للصغير بالصلاة ، وهو حمله عليها ، ليتعوّدها فلا يشقّ عليه فعلها إذا بلغ.

ومبدأ التمرين عليها ( لستّ ) سنين ( مطلقا ) أي في الذكر والأنثى.

وإنّما نبّه عليه ، لئلا يتوهّم اختلافهما في التمرين كما اختلفا في البلوغ ، ولأنّ مورد النص الصبيّ ، فيمكن دخول الصبيّة معه بطريق أولى ، لأنّ أمرها التكليفي سابق عليه.

وقد روى التمرين لستّ إسحاق بن عمّار ، عن الصادق (٣) عليه‌السلام.

وروى الصدوق (٤) ، عن الباقرين عليهما‌السلام التمرين عليها لسبع.

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٢٦٥ باب فضل الصلاة ، ح ٦.

(٢) « ثواب الأعمال » ٤٨ ـ ٤٩ ـ ١.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٨١ ـ ١٥٩١.

(٤) « الفقيه » ١ : ١٨٢ ـ ٨٦٣.

٢٥

والجمع بحمل التمرين لسبع على المؤكّد.

ويضرب عليها لتسع ، وروي (١) لعشر.

واختار المصنف في البيان (٢) كلّ واحد من القولين على الموضعين في محلّ.

( ووقتها ) أي وقت النافلة المبتدئة ( حين الإرادة ما لم يكن وقت فريضة ) فإنّ المبتدئة لا تشرع حينئذ ( مطلقا ) سواء أضرّت بها أم لا ، لإطلاق النصّ (٣) بنفي الصلاة عمّن عليه صلاة ، والمراد منه : نفي الصحّة ، لأنّه أقرب المجازات إلى الحقيقة حيث لم تكن مراده ، أو يراد من الخبر : النهي كلا رفث في الحجّ (٤) ، وما اختاره من المنع من المطلقة مطلقا أحد القولين في المسألة ، والثاني الجواز ما لم يضرّ بالفريضة ، واختاره المصنّف في اللمعة (٥) ، وعليه شواهد من الأخبار (٦).

( ويجوز إيقاع الرواتب لأوقاتها في وقت الفريضة ، الموسّع ) كرواتب الصبح والظهرين ( وكذا سنّة الإحرام ) يجوز إيقاعها في وقت الفريضة كفريضة الظهر ، فإنّها توقع قبلها ثمّ تعقّب بالظهر وتحرم بعدها.

وروى الكليني عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : « خمس صلوات تصلّيهنّ في كلّ وقت » (٧) ، وعدّ منها صلاة الإحرام.

( والأقرب جواز إيقاع ذوات الأسباب حيث لا تضرّ بالفرائض ، وهو مرويّ (٨) في نافلة شهر رمضان ) حيث يصلّى منها ثمان في وقت العشاء قبلها ( و ) في ( ركعتي الغفيلة ) (٩)

__________________

(١) « سنن أبي داود » ١ : ١٣٣ ـ ٤٩٤ ـ ٤٩٥ باب متى يؤمر الغلام بالصلاة ، « سنن الترمذي » ٢ : ٢٥٩ ـ ٤٠٧ باب ما جاء متى يؤمر.

(٢) « البيان » ١٤٨ ، ٢٥٨.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٦٧ ـ ٦٦٣ ـ ٦٦٤.

(٤) اقتباس من قوله تعالى ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) « البقرة » ٢ : ١٩٧.

(٥) « اللمعة الدمشقية » ضمن « الروضة البهيّة » ١ : ٣٦٢.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٧ ـ ١٠٥٨.

(٧) « الكافي » ٣ : ٢٨٧ باب الصلاة التي تصلّى. ح ١.

(٨) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٦٣ ـ ٦٤ ـ ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٩) « الفقيه » ١ : ٣٥٧ ـ ١٥٦٤ ، « مصباح المتهجّد » ١٠٦.

٢٦

حيث يصلّى في وقت العشاء أيضا.

( ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام : « لا صلاة في وقت صلاة » (١) محمولة على ما يضرّ بها كعند تكامل الصفوف وحضور الإمام ) وكذا رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة » (٢). وإنّما حملت على ذلك ، جمعا بين الأخبار.

ونبّه بقوله : « كعند تكامل الصفوف » على أنّ الإضرار لا ينحصر في ضيق وقتها ، بل يتحقّق بمنافاة كمالها كالمثال.

وقد روي : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رقد ، فغلبته عيناه ، فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس ، فركع ركعتين ثمّ صلّى الصبح » (٣) قيل : « وإنّما صلّى الركعتين ، ليجتمع الناس ليصلّوا جماعة » (٤).

وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس ، فقال : « يصلّي ركعتين ، ثمّ يصلّي الغداة » (٥) وهي دالّة على جواز النافلة مطلقا لمن عليه فريضة.

ويمكن حمل أخبار النهي على الكراهة ، وهو أشبه بطريق الجمع وأدخل في معنى النهي ممّا ذكره المصنّف من الحمل.

وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله ، أيبتدئ بالمكتوبة أم يتطوّع؟ فقال : « إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، فإن خاف فوت الوقت فليبدأ بالفريضة » (٦).

وعن إسحاق بن عمّار قال : قلت : أصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال : « نعم في

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٣٢٠ ـ ٩٩٦.

(٢) « الكافي » ٣ : ٢٩٢ باب من نام عن الصلاة ، ح ٣.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٨.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٦٥.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٧.

(٦) « الكافي » ٣ : ٢٨٨ باب التطوع. ح ٣.

٢٧

أول الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به ، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة » (١).

وهذه الأخبار يستفاد منها جواز النافلة في وقت الفريضة مطلقا ، خصوصا إذا كانت الجماعة منتظرة ، فالأولى حمل ما عارضها على الكراهة جمعا.

[ شروط النوافل وكيفيّتها ]

وحيث ذكر أصناف النوافل مطلقة ، شرع في ذكر كيفيتها وشرائطها ( و ) شي‌ء من أحكامها ، فقال : ركعة ( الوتر ) وحدها ( بتسليمة ) قائما ( وصلاة الأعرابي كالصبح والظهرين ) كيفيّة وترتيبا بمعنى أنّها عشر ركعات ، ركعتان أوّلا بتسليم ، ثمّ أربع بتسليم ، ثمّ أربع بتسليم ، نسبت هذه الصلاة إلى الأعرابي ، لأنّه السبب في ظهور شرعيّتها ، كصلاة جعفر عليه‌السلام.

وروى الشيخ مرسلا ، عن زيد بن ثابت قال : « أتى رجل من الأعراب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله إنّا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة ، ولا نقدر أن نأتيك في كلّ جمعة ، فدلّني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي خبّرتهم به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا كان ارتفاع النهار فصلّ ركعتين ، تقرأ في أوّل ركعة الحَمدُ مرّة و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) سبع مرّات ، واقرأ في الثانية الحَمْدُ مرّة و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ ) سبع مرّات ، فإذا سلّمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرّات ، ثمّ تصلّي ثمان ركعات بتسليمتين وتقرأ في كلّ ركعة منها الحَمدُ مرّة و ( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) مرّة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) خمسا وعشرين مرّة ، فإذا فرغت من صلاتك فقل : « سبحان ربّ العرش الكريم ، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، فوالذي اصطفى محمّدا بالنبوّة ، ما من مؤمِن ولا مؤمنة يصلّي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلّا وأنا ضامن له الجنّة ، ولا يقوم من مقامه حتّى يغفر الله له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما » (٢) ).

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٦٤ ـ ١٠٥٢.

(٢) « مصباح المتهجّد » ٣١٧.

٢٨

( و ) الصلاة ( المعادة تابعة ) للسابقة في الكيفيّة فإن كانت ركعتين فهي بتسليم أو أربعا فهي بتسليمة ( والبواقي ) من النوافل ( ركعتان بتسليمة ) وهذا الحصر إضافي نظرا إلى المشهور ، وإلّا فقد روى الشيخ في المصباح ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « من صلّى ليلة الجمعة إحدى عشرة ركعة بتسليمة واحدة ، يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مرّة ، و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) مرّة ، و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ ) مرّة ، فإذا فرغ من صلاته خرّ ساجدا ، وقال في سجوده سبع مرّات : لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم دخل الجنة يوم القيامة من أيّ أبوابها شاء » (١). إلى آخر الخبر.

وروى السيد رضي الدين بن طاوس في تتماته (٢) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في أول ليلة من رجب صلاة أربع ركعات بتسليم ، وغير ذلك ، وهذه الروايات مع صلاة الأعرابي مشتركة في الإرسال وداخلة فيما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ من بلغه شي‌ء من أعمال الخير فعمل به أعطاه الله ذلك وإن لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قاله » (٣) بل قال المصنّف رحمه‌الله في الدروس عن صلاة الأعرابي : « لم أستثبت طريقها في أخبارنا » (٤).

ويستثني من ذلك أيضا ما استثناه بقوله : ( إلّا قضاء العيد في قول ) علي بن بابويه ، حيث ذهب إلى أنّها تقضى أربعا بتسليم إذا صلّيت بغير خطبة (٥) ، وإلّا صلاة جعفر عليه‌السلام في قول ولده أبي جعفر ، حيث ذهب إلى أنّها أربع بتسليم (٦) ، وهما نادران.

( وشروطها ) أي شروط النافلة مطلقا ( وأفعالها كـ ) الصلاة ( الواجبة ، إلّا أنّه ينوي ) في

__________________

(١) « مصباح المتهجّد » ٢٦١.

(٢) « الإقبال » ٦٣٧ ، كتاب التتمات غير متوفّر لدينا.

(٣) « الموضوعات » ٣ : ١٥٢.

(٤) « الدروس » ١ : ١٣٧.

(٥) « مختلف الشيعة » ٢ : ٢٧٨ ، المسألة : ١٦٦ عنه.

(٦) « المقنع والهداية » ٤٤.

٢٩

النافلة ( النفل ) بدل الواجب في تلك ( و ) ينوي ( السبب المخصوص ) من كونها صلاة استسقاء أو زيارة أو تحيّة ، وتعيين المنسوب إليه في المنسوبة كصلاة النبيّ وعليّ والأعرابي ، لتتميّز عن غيرها ، ومثله النافلة المنسوبة إلى الصلوات والأوقات.

وفي استثناء ذلك من الفريضة توسّع ، فإنّ مرجعه إلى التمييز في المشترك ، وهو مشترك.

( والقيام والقرار من مكمّلاتها ) فيجوز من قيام وما دونه وبقرار وغيره ( إلّا الوتيرة ) فإنّ القيام ليس من مكمّلاتها ، بل فعلها جالسا أفضل على المشهور. (١)

وقيل (٢) : هي كغيرها. وعدّ ركعتيها بركعة ، بناء على أنّ الجلوس ثابت لها بالأصل بخلاف غيرها.

ومن ثمّ ذهب بعض (٣) الأصحاب إلى منع الجلوس في غيرها.

وخبر (٤) سليمان بن خالد ، عن الصادق عليه‌السلام صريح في أفضليّة القيام فيها.

وروى الحارث عنه عليه‌السلام : « كان أبي يصلّيهما وهو قاعد ، وأنا أصلّيهما وأنا قائم » (٥).

وروى أحمد بن أبي نصر ، عن الكاظم عليه‌السلام أنّها من قعود (٦).

قال المصنّف في الذكرى : « والجمع بينهما بجوازها من قعود وقيام » (٧).

وفيه : أنّ الجمع مع التنافي ، وهو منفيّ هنا ، إذ ليس في أخبار الجلوس ثبوت أفضلية ، فتبقى أفضلية القيام لا معارض لها.

أمّا القرار فإنّه من مكمّلات النافلة مطلقا إن لم يكن شرطا ( فتجوز السنن قعودا

__________________

(١) « المبسوط » ١ : ٧١ ، « المهذّب » ١ : ٦٨ ، « السرائر » ١ : ١٩٣ ، « المعتبر » ٢ : ٢٣.

(٢) « الدروس » ١ : ١٣٦ ، « جامع المقاصد » ٢ : ٩.

(٣) « السرائر » ١ : ٣٠٩.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥ ـ ٨.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٩ ـ ١٦.

(٦) « الكافي » ٣ : ٤٤٤ باب صلاة النوافل ، ح ٨.

(٧) « الذكرى » ١١٢.

٣٠

وركوبا ) يمكن كون ذكر الركوب بيانا لما أجمله من عدم اشتراط القرار ، بمعنى أنّ القرار ليس واجبا فيها مطلقا ، فإنّه في حالة الركوب غير شرط ، أمّا في غيره فيشترط ، ولو لا ذلك لخلا قيد الركوب عن الخصوصيّة ، وكذا يغتفر الاستقرار حالة المشي.

( والاستقبال شرط ) في النافلة ( في غير السفر والركوب على الأصحّ ) لإطلاق الأدلّة المتناول لموضع النزاع ، خلافا للمحقّق (١) والخلاف (٢) ، حيث جعلاه من مكمّلاتها مطلقا ، وفي حكم السفر والركوب المشي ، للخبر (٣).

( ولا تتعيّن السورة فيها ) أي في النافلة مطلقا ، ويشكل فيما نصّ فيه على سورة معيّنة كصلاة الأعرابي وصلاة جعفر ، فإنّ الظاهر تعيّنها ليتحقّق الامتثال خصوصا فيما نصّ على تعدّد القراءة أو السورة ، وعلى ظاهر العبارة فالسورة من مكمّلاتها.

( ولا يكره القران ) فيها بل قد يستحبّ كما ورد (٤) في كثير منها.

( والاحتياط فيها البناء على اليقين ) وهو الأقلّ عند الشكّ في عدد الركعات ،

والمشهور (٥) جواز البناء على الأكثر.

( ولا جماعة فيها ) ، لنهي النبي (٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الجماعة في النافلة ، ونهي أمير المؤمنين (٧) عليه‌السلام عنها في نافلة شهر رمضان ( إلّا في العيدين ) مع اختلال شروط الوجوب ( والاستسقاء والإعادة ) جماعة لمن صلّى فرادى اتّفاقا وجماعة على الأقوى ( والغدير في قول الشيخ أبي الصلاح (٨) رحمه‌الله ).

__________________

(١) « المعتبر » ٢ : ٧٧.

(٢) « الخلاف » ١ : ٢٩٨ ، المسألة : ٤٣.

(٣) « بحار الأنوار » ٨٧ : ٤٥ باب جوامع أحكام النوافل. ح ٣ ، نقله عن كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، « المعتبر » ٢ : ٧٧.

(٤) المراد من القران : القران بين سورتين أو أكثر ، انظر « مكارم الأخلاق » ٣٣٢ صلاة العسر ، « أمالي الشيخ الطوسي » ٢ : ٣٠ ، صلاة قضاء الحاجة ، « مصباح المتهجّد » ٧٥٨ ، صلاة يوم المباهلة.

(٥) « المعتبر » ٢ : ٣٩٥ ، « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٣٣٣ ، المسألة : ٣٥٢.

(٦) « الكافي » ٤ : ١٥٤ باب ما يزاد من الصلاة ، ح ٢ ، « الفقيه » ٢ : ٨٧ ـ ٨٨ ـ ٣٩٤ ، « تهذيب الأحكام » ٣ : ٦٤ ـ ٢١٧.

(٧) « الكافي » ٨ : ٥٢ ـ ٢١ ، آخر الخطبة.

(٨) « الكافي في الفقه » ١٦٠.

٣١

ويظهر من المفيد (١) رحمه‌الله أيضا ، ولا نعلم المأخذ ، ولعلّه أدخلها في صلاة العيد ، لما روي من طرقنا منّ أنّه أفضل الأعياد (٢).

( ولا أذان فيها ولا إقامة ) لاختصاصهما باليومية والجمعة إجماعا (٣).

( ويكره ابتداؤها عند طلوع الشمس ) إلى أن ترتفع وتذهب الحمرة ، ويكمل ظهور شعاعها ( و ) عند ( غروبها ) أي ميلها إلى الغروب ، وهو اصفرارها حتّى يكمل غروبها بذهاب الحمرة ( و ) عند ( قيامها ) في وسط السماء ووصولها إلى دائرة نصف النهار المعلوم بانتهاء نقصان الظلّ إلى أن تزول ، ويأخذ الظلّ في الزيادة ( وبعد صلاتي الصبح والعصر ) حتّى تطلع الشمس وتغرب.

وهذان الموضعان مختصّان بمن صلّاهما ، وتختلف حينئذ بتقديم الفعل وتأخيره.

وتتّصل الكراهة فيهما بالطلوع والغروب ، فترجع الخمسة إلى ثلاثة ، وجعلت خمسة ، لاختلاف المسبّب بالفعل والوقت ، وتبعا للنصّ.

ولا يحتاج إلى استثناء يوم الجمعة من القيام ، لأنّ النافلة يومئذ من ذوات الأسباب ، والكلام في المبتدئة.

والأصل في كراهة النافلة في هذه المواضع ، ما روي (٤) عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من النهي عنها فيها ، معلّلا بأنّ الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، فإذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت إلى الغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها.

وفسّر قرنه بحزبه (٥) ، وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات.

واحترز بالمبتدئة عن ذات السبب ، سواء تقدّم على هذه الأوقات أم تأخّر كصلاة الطواف والإحرام والزيارة والتحيّة والشكر وقضاء النوافل وصلاة ركعتين عقيب

__________________

(١) « المقنعة » ٢٠٣.

(٢) « تفسير فرات » ١٢.

(٣) « المعتبر » ٢ : ١٣٥ ، « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٥٧ ، المسألة : ١٦٧ ، « الذكرى » ١٧٣.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٧٤ ـ ٦٩٤.

(٥) انظر : « جامع المقاصد » ٢ : ٣٦.

٣٢

الطهارة عن حدث.

والمراد بمكروه النافلة هنا : ما خالف الأولى كباقي العبادات المكروهة ، فتنعقد ، لعدم المنافاة ، وينعقد نذرها ، وهو اصطلاح خاصّ لا ينافي رجحان الفعل بخلاف المكروه المطلق.

( وفي التوقيع الشريف ) من صاحب الأمر عليه‌السلام ـ الذي أخرجه محمّد بن عثمان العمري إلى أبي الحسين الأسدي ـ : ( لا تكره ) النافلة في هذه الأوقات مطلقا معلّلا بأنّه إن كان كما يقول الناس : إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان ، وتغرب بين قرني شيطان ، فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء أفضل من الصلاة ، فصلّها وأرغم الشيطان (١).

( وقيل (٢) بكراهة غير المبتدئة أيضا ) نقله الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا ، وهو ظاهر ابن أبي عقيل (٣) وبعض المتقدّمين.

( بل روي نادرا ) بإزاء التوقيع ( كراهة قضاء الفريضة فيها ) مضافا إلى النافلة ، رواه أبو بصير (٤) والحسن بن زياد (٥) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ( ولم يثبتا ) أي القول بكراهة النافلة مطلقا ، والمروي نادرا ، لعدم العلم بمأخذه وجهالة بعض سنده ، هذا ما تعلّق به الغرض من المقدّمة.

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٧٥ ـ ٦٩٧.

(٢) « الخلاف » ١ : ٥٢٠ ، المسألة : ٢٦٢.

(٣) حكاه عنه في « مختلف الشيعة » ٢ : ٧٥ ، ذيل المسألة : ٢٢.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٧٠ ـ ١٧٧.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٧٠ ـ ١٧٥.

٣٣
٣٤

[ الفصل الأوّل

في سنن المقدّمات ]

٣٥
٣٦

( الفصل الأوّل في سنن المقدمات )

( وهي ) ـ أي المقدمات أو سننها ـ : ( إحدى عشرة ) والأمر على الأول واضح ، وعلى الثاني باعتبار تعدّد المقدّمات واختلاف أصنافها.

[ المقدّمة ] ( الأولى : وظائف الخلوة )

( وهي أربعة وستّون ) ـ

كذا بخطّ المصنّف ، وكان الأولى ترك التاء من أربعة ، لأنّها مؤنّث لفظي ـ :

( ارتياد ) أي طلب ( موضع مناسب للاستنجاء ) أي لطلب النجو ، وهو الحدث المخصوص ، عدل إليه استهجانا للتصريح به ( بأن يكون ) الموضع ( مرتفعا أو ذا تراب كثير فإنّه من الفقه ) روي ذلك عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « من فقه الرجل أن يرتاد لبوله » (١).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا بال أحدكم فليرتد لبوله » (٢).

( وستر البدن ) بأسره ( عن النظّارة ) بدخول بيت أو الإبعاد ، تأسّيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه لم ير على بول ولا غائط.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أتى الغائط فليستتر » (٣).

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ١ : ٣٣ ـ ٨٦.

(٢) « سنن أبي داود » ١ : ١ ـ ٣ باب الرجل يتبوّأ لبوله.

(٣) « سنن البيهقي » ١ : ٩٤ باب الاستتار عند قضاء الحاجة.

٣٧

( والدخول ب ) الرجل ( اليسرى والخروج باليمنى عكس المسجد ) ونحوه من الأمكنة الشريفة ، للمناسبة.

ثمّ إن كان المكان بيتا قدّمها عند أوّل دخوله وخروجه ، وإن كان صحراء جعل اليسرى آخر قدم عند موضع جلوسه ، فإذا قام ابتدأ بنقل اليمنى.

( والاعتماد على ) الرجل ( اليسرى وفتح اليمنى ) للخبر (١) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

( وتغطية الرأس ) إن كان مكشوفا ، حذرا من وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه.

( والتقنع ) مع تغطية الرأس ( مرويّ ) (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه كان يفعله.

( ومسح بطنه قائما بيده اليمنى بعد الفراغ ) منه ومن الاستنجاء.

( والاستبراء ) وهو طلب براءة المحلّ من البول بالاجتهاد الذي يأتي.

( والتنحنح فيه ) أي في الاستبراء ( ثلاثا ) نسبه المصنف في الذكرى (٣) إلى سلّار (٤) ، وهو يشعر بعدم وقوفه على مأخذه.

( ووضع ) الإصبع ( الوسطى في الاستبراء تحت المقعدة والمسح بها إلى أصل القضيب ثمّ يضع ) الإصبع ( المسبّحة تحته والإبهام ) بكسر الهمزة ـ ( فوقه وينتره باعتماد ثم يعصر الحشفة ) كلّ واحد من المسح والنتر والعصر ( ثلاثا ثلاثا ).

وهذا الحكم مختصّ بالرجل ومثله الخنثى في ذكره.

أما الأنثى فقيل : تستبرئ عرضا (٥) ، ونفاه جماعة (٦) ، للأصل.

( وتقديم غسل اليدين ) من الزندين ( قبل إدخالهما الإناء كالغسل أمام الوضوء )

__________________

(١) « سنن البيهقي » ١ : ٩٦ باب تغطية الرأس.

(٢) « تهذيب الأحكام » ١ : ٢٤ ـ ٢٦.

(٣) « الذكرى » ٢٠.

(٤) « المراسم » ٣٢.

(٥) وهو اختيار العلّامة في « منتهى المطلب » ١ : ٢٥٦ ، قال : « الرجل والمرأة سواء » ولم يذكر كيفيّة الاستبراء ، ونسب إلى ابن الجنيد قوله في « المختصر » : « إذا بالت المرأة تنحنحت بعد بولها » ، وأمّا قول : إنها تستبرئ عرضا فلم نجد من صرّح بهذه الكيفية ، ونسبه بعض الفقهاء إلى القيل.

انظر : « معالم الفقه » ٤٤٣ ، « جامع المقاصد » ١ : ١٠٠ ، « الحدائق الناضرة » ٢ : ٥٨.

(٦) « جامع المقاصد » ١ : ١٠٠ ، ٢٦٥.

٣٨

فيغسلهما للبول مرّة ، وللغائط مرّتين ( والغسل في غير المتعدّي ) من الغائط حيث يجزئ المسح لثناء الله تعالى على أهل قبا.

( والجمع في المتعدّي بين الأحجار والماء ) مقدّما للمقدّم ، للمبالغة في التطهير ، وتنزيه اليد من الخبائث ، وكذا يستحبّ الجمع في غير المتعدّي لذلك.

وروي أنّ مدح أهل المسجد كان لجمعهم بين الأحجار والماء (١)

( والصرير ) : وهو أن يظهر بين اليدين والمحلّ صوت ( حيث يمكن ) كما لو كان الماء باردا ، وأوجبه سلّار (٢).

( وإيتار عدد الأحجار لو لم ينق بالثلاثة ) بأن ينقطع على وتر كالخمسة والسبعة لو نقي على مزدوج ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من استجمر فليوتر » (٣).

( والاقتصار على الأرض أو نباتها ) ، خروجا من خلاف من عيّنهما لذلك من الأصحاب حتّى منع من الآجر والخزف ، إلّا أن يلابسه طين أو تراب يابس.

( وتعدّد الثلاثة بالشخص ) من دون أن يجتزئ بثلاث مسحات بواحد أو اثنين ، خروجا من خلاف من اعتبر التعدّد الشخصي ، اعتبارا بالأخبار الدالّة عليه ، كقول النبي عليه‌السلام : « إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار أبكار » (٤) ، وقول الصادق عليه‌السلام : « جرت السنّة بثلاثة أحجار أبكار » (٥). وقول سلمان رضي‌الله‌عنه : « نهانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار » (٦).

وحملها المصنّف رحمه‌الله على المسحات ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) « علل الشرائع » ١ : ٢٨٦ ـ ١.

(٢) « مختلف الشيعة » ١ : ١٠٥ ، المسألة : ٦٣ عنه.

(٣) « سنن البيهقي » ١ : ١٠٤ باب الإيتار في الاستجمار.

(٤) « سنن البيهقي » ١ : ١٠٣ باب وجوب الاستنجاء.

(٥) « الاستبصار » ١ : ٥٥ ـ ١٦٠ ، نحوه.

(٦) « سنن البيهقي » ١ : ١٠٢ باب وجوب الاستنجاء.

٣٩

« إذا جلس أحدكم لحاجته فليمسح ثلاث مسحات » (١).

ولا يخفى ما فيه ، فإنّه مطلق ، فحمله على المقيّد أولى من عكسه.

( واستيعاب المحلّ بكلّ واحد ) من غير أن يوزّعها عليه ويمسح بكلّ واحد جزء ، فإنّ ذلك وإن أجزأ نظرا إلى تحقّق الامتثال وحصول الغرض وهو النقاء ، إلّا أنّ الاستيعاب أفضل ، للخلاف في الأول ، ولما فيه من زيادة المبالغة بتكرار الآلة على المحلّ الواحد ، وهو السرّ في اعتبار الثلاثة.

( وجعله على طريق الإدارة والالتقاط ) بأن يضع الحجر على موضع طاهر ، فإذا انتهى إلى النجاسة أداره عليها قليلا قليلا ، ليلتقط كلّ جزء منه جزء منها ، ودونه إمراره عليها من غير إدارة ، فإنّه يجزئ على الأقوى إن لم تنتقل النجاسة عن محلّ الاستجمار.

( وبدأة ) الحجر ( الأوّل بصفحة اليمنى ) بادئا بمقدّمها ، ويمرّه إلى مؤخّرها ، ثمّ يديره إلى الصفحة اليسرى ، فيمسحها به من مؤخّرها إلى مقدّمها.

( والثاني ) يبدأ فيه ( باليسرى ) من مقدّمها إلى مؤخّرها ، ثمّ من مؤخّر اليمنى إلى مقدّمها عكس الأولى.

( والثالث بالوسط ) بمعنى أنّه يمسح به المجموع جملة واحدة ، كذا فصّله العلّامة (٢) ، واستحسنه المصنّف في الذكرى (٣) مع استيعابه في كلّ مرّة ، وفي أفضليّته نظر ، بل عسر وحرج.

( واستعمال بارد الماء ) في الاستنجاء ( لذوي البواسير ) فإنّه يقطعه ، رواه أبو بصير ، عن الصادق (٤) عليه‌السلام.

( والاستنجاء باليسار ) سواء في ذلك الماء والأحجار ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت اليمنى لطهوره وطعامه ، واليسرى لخلائه ، وما كان من أذى.

__________________

(١) « الذكرى » ٢١ ، ولم نعثر عليه نصا في كتب الحديث ، لكن ورد في « كنز العمال » ٩ : ٣٥١ ـ ٢٦٣٩٩ ما يتضمّن معناه.

(٢) « تذكرة الفقهاء » ١ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، ذيل المسألة : ٣٧.

(٣) « الذكرى » ٢١.

(٤) « تهذيب الأحكام » ١ : ٣٥٤ ـ ١٠٥٦.

٤٠