الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-541-5
الصفحات: ٤٢٩

بين الأصحاب.

والمستند رواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّي وحده ، فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : تصلّي جماعة؟ هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : « لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (١).

وردّها المحقّق رحمه‌الله في المعتبر (٢) بضعف السند ، وبأنّه قد ثبت اجتزاء الإمام بأذان غيره وإن كان منفردا فبأذان نفسه أولى.

وأجاب المصنّف عنه بأنّ الضعف ينجبر بعمل الأكثر وتلقّيهم لها بالقبول ، بل لم نعلم لها رادّا سواه ، واجتزاؤه بأذان غيره ، لكونه صادف نيّة السامع للجماعة ، فكأنّه أذّن للجماعة بخلاف الناوي بأذانه الانفراد ، وبأنّ الغير أذّن بقصد الجماعة أو لم يؤذّن ليصلّي وحده ، بخلاف صورة الفرض.

ويشكل بأنّ فيه تخصيصا للأوّل ، إذ ليس من شرطه كون المؤذّن قاصدا للجماعة أو لغيره ، بل هو أعمّ منه ، وكذلك الأخبار (٣) الدالّة عليه ، اللهمّ إلّا أن يراد من ذلك الجمع بين الأخبار ، فهو حسن ، لكن لا بدّ من التنبيه عليه الشرط في المسألة السابقة ، ومع هذا ففي معارضة هذه الرواية الضعيفة بجماعة الأخبار الصحيحة والحكم المتّفق عليه بمضمونها ـ بمجرد اشتهارها بين جماعة ـ نظر وإن كان العمل بها أولى ، فإنّ مضمونها تكرار الأذان والإقامة ، وهو حسن.

ويستحبّ الأذان والإقامة للصحيح والمريض حضرا أو سفرا ( ويتأكّدان حضرا وصحّة ) لما روي من الرخصة في تركهما (٤) ، وترك الأذان للمسافر والمريض (٥).

( وإخطار المريض أذكاره بباله ) إذا عسر عليه الكلام ، لقوله عليه‌السلام : « لا بدّ

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٣٠٤ باب بدء الأذان والإقامة ، ذيل الحديث ١٣ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٧٧ ذيل الحديث ١١٠١.

(٢) « المعتبر » ٢ : ١٣٧.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٤١ ، ومرّ بعضها في الصفحة : ١٣٨.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥١ ـ ٥٢ ـ ١٧١ ، ٢٨٥ ـ ١١٣٩ ، « الاستبصار » ١ : ٣٠٠ ـ ١١٠٨.

(٥) « الفقيه » ١ : ١٨٩ ـ ٩٠٠ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٢ ـ ١٧٢.

١٤١

للمريض أن يؤذّن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلّم به » (١) ( ويجوز إفرادهما سفرا ) بأن يقتصر في كلّ فصل من فصولهما على مرّة.

روى بريد بن معاوية عن الباقر عليه‌السلام قال : « الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة » (٢) ( وإتمام الإقامة أفضل من إفرادها ) روي ذلك عن الصادق عليه‌السلام مرسلا قال : « لأن أقيم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أن أؤذّن وأقيم واحدا واحدا » (٣).

وهذا التفصيل يتمّ في السفر ، لجواز إفرادهما فيه. ومثله حالة الاستعجال ، لرواية أبي عبيدة الحذّاء عن الباقر (٤) عليه‌السلام ، أمّا في غيرهما فلا يصحّ الإفراد في الأذان مطلقا ولا في الإقامة لغير تقيّة ، فلا يقع التفصيل موقعه.

( و ) كذا يجوز إفرادهما ( للنساء ) ولم أقف على مأخذه ، ولا ذكره المصنّف في غير هذه الرسالة ولا غيره ( تجتزئ ) النساء أو المرأة المدلول عليها بهنّ عن كمال الأذان ( بالشهادتين بعد التكبير ) روي ذلك عن الصادق (٥) عليه‌السلام ( أو بدونه ) أي بدون التكبير بأن تقتصر على الشهادتين مرّة مرّة ، رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : « إذا شهدت الشهادتين فحسبها » (٦).

( و ) يجتزئ ( المتّقي الخائف الفوات ) أي فوات الركوع معهم كما يستفاد من رواية معاذ بن كثير ، عن الصادق (٧) عليه‌السلام ، التي هي مستند الحكم ( بقد قامت ) الصلاة ( إلى آخر الإقامة ، وروي (٨) التعميل ) وهو « حيّ على خير العمل » مرّتين ( قبلها ) ، أي قبل

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٨٢ ـ ١١٢٣ ، « الاستبصار » ١ : ٣٠٠ ـ ١١٠٩.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦٢ ـ ٢١٩ ، « الاستبصار » ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٣ ، وفيهما : «. والإقامة واحدة واحدة ».

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦٢ ـ ٢١٨ ، « الاستبصار » ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٢.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦٢ ـ ٢١٦ ، « الاستبصار » ١ : ٣٠٧ ـ ١١٤٠.

(٥) « الكافي » ٣ : ٣٠٥ باب بدء الأذان. ح ١٩.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٧ ـ ٥٨ ـ ٢٠١.

(٧) « الكافي » ٣ : ٣٠٦ باب بدء الأذان. ح ٢٢.

(٨) « المبسوط » ١ : ٩٩ ، « الجامع للشرائع » ٧٣ ، أورده بلفظ « روي ».

١٤٢

« قد قامت » ، لأنّ مؤذّنهم لم يقل ذلك.

( وليقصر على الإقامة إذا أريد أحدهما ) خاصّة ، فإنّها أفضل منه ( ويرتّله ) أي يقف على فصوله متأنّيا ويبيّن حروفه ( ويحدرها ) بأن يقصر الوقف على فصولها مع الإتيان بمسمّاه ليزول الإعراب عن أواخرها ، فإنّه مكروه فيهما.

قال الباقر عليه‌السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (١).

والمراد بالألف ألف الله التي قبل الهاء ، وهي التي لا تكتب ، والهاء ما بعده في آخر الشهادتين ، ومثلها الهاء في الصلاة وفي الحيعلة. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤذّن لكم من يدغم الهاء » (٢).

( وترتيبهما ) بأن يرتّب فصولهما على الوجه المنقول.

وكذا يرتّب بينهما بأن يقدّم الأذان على الإقامة ( وإن وجب ) الأذان الشامل للإقامة ، أو إن وجب فعلهما ( فمشروط ) بالترتيب ، ولا وجه لتعليق الشرط على الوجوب ، بل صحّته في نفسه مشروطة بالترتيب ، وإن لم يجب فلا يعتدّ به بدونه ، ويحرم اعتقاد كونه أذانا ، وقد يعبّر عن هذا الاشتراط بالوجوب تجوّزا.

( وإعادة الفصل المنسيّ وما بعده ) إلى الآخر ، مراعاة للترتيب ( والوقوف على فصولهما ) من غير إعراب ، لقول الصادق عليه‌السلام : « الأذان والإقامة مجزومان » (٣). وفي خبر آخر : « موقوفان » (٤).

ولو أعربهما فعل مكروها وأجزأ.

وفي حكم الإعراب الروم والإشمام والتضعيف ، فإنّ فيها شائبة الإعراب.

( والفصل بينهما بركعتين في الظهرين خاصّة ) يجعلهما ( من راتبتهما ) روي (٥) ذلك عن الصادق عليه‌السلام أو الكاظم عليه‌السلام ( إلّا من فاته سنّة فقضاها فركعتان ) منها

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٣.

(٢) « الموضوعات » لأبي الفرج ٢ : ٨٧ باب النهي عن أذان من يدغم الهاء.

(٣). « الفقيه » ١ : ١٨٤.

(٤). « الفقيه » ١ : ٨٧٤.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٨٦ ـ ١١٤٤.

١٤٣

( بين أذاني الغداة والعشاء ) دون المغرب ، لأنّها مضيّقة.

ولو فعلها فيها جاز أيضا كما يجوز الفصل بالركعتين السابقتين.

( وروى ) محمّد بن عذافر عن الصادق (١) عليه‌السلام ( الفصل بين أذاني الغداة بركعتيها ، ويجوز ) الفصل بينهما في جميع الصلوات ( على الإطلاق بسجدة أو جلسة أو دعاء أو تحميدة أو خطوة أو تسبيحة أو سكتة بقدر نفس ) أمّا الجلسة والتسبيحة والتحميدة فمرويّة (٢) ، وكذا الفصل بمطلق الكلام.

ويمكن دخول الدعاء فيه ، ودخول السجدة في الجلسة ، فإنّها جلوس وزيادة.

وأمّا الخطوة أو السكتة فذكرهما الأصحاب (٣) ولم نقف فيهما على نصّ ، وقد اعترف به أيضا في الذكرى (٤).

( ويختصّ المغرب في المشهور بالثلاثة الأخيرة ) وهي الخطوة والتسبيحة والسكتة ، ونسبه إلى المشهور (٥) ، لعدم وقوفه على مأخذ الجميع ولا على ما يوجب الاختصاص ، وإلّا فإنّ السكتة بقدر نفس مرويّ عن الصادق عليه‌السلام قال : « بين كلّ أذانين قعدة إلّا المغرب ، فإنّ بينهما نفسا » (٦).

وعنه عليه‌السلام : « افصل بين الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح » (٧).

وقال : « إنّه يجزئه الحمد لله » (٨) ، وهو شامل لجميع الصلوات.

( وروي الجلسة ) بين أذاني المغرب عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « من جلس فيما

__________________

(١) لم يرد الفصل المشار إليه في جميع روايات محمّد بن عذافر في كتب الحديث المتوفرة لدينا ، علما بأنّ بعض العلماء استدلّوا على الفصل المذكور بروايات غير محمد بن عذافر.

(٢) « الفقيه » ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٧.

(٣) « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٥٥ المسألة : ١٦٦ ، وفي « المبسوط » ١ : ٩٦ ، و « المعتبر » ٢ : ١٤٢ لم يذكرا « السكتة » ، وفي « جامع المقاصد » ٢ : ١٨٥ نسبه إلى الأصحاب بضميمة « السكتة ».

(٤) « الذكرى » ١٧٥.

(٥) « المعتبر » ٢ : ١٤٢ ، قال : « وعليه علماؤنا » ، « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٥٥ المسألة : ١٦٦ ، « جامع المقاصد » ٢ : ١٨٥.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٩.

(٧) « الفقيه » ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٧ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٤٩ ـ ١٦٢.

(٨) « الفقيه » ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٧.

١٤٤

بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله » (١).

( والدعاء في الجلسة أو السجدة ) بينهما ، وهو ( اللهمّ اجعل قلبي بارّا ) (٢) البار : المطيع والمحسن ، والمعنى عليهما (٣) سؤال الله أن يجعل قلبه مطيعا لسيّده وخالقه ومحسنا في تقلّباته وحركاته وسكناته ، فإنّ الأعضاء تتبعه في ذلك كلّه.

وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ في البدن لمضغة إن صلحت صلح سائر الجسد ، وإن فسدت فسد سائر البدن » (٤) أي باقية فإذا أحسن القلب وأطاع أطاعت سائر الجوارح كما أنّه إذا فسد فسدت.

( وعيشي قارّا ) الأجود كون القارّ هنا متعدّيا ، والمفعول محذوفا ، أي قارّا لعيني ، يقال : « أقرّ الله عينك ، أي صادف فؤادك ما يرضيك من العيش فتقرّ عينك من النظر إلى غيره » قاله الهرويّ (٥).

ويجوز كونه لازما ، أي مثوى لا يحوج إلى الخروج إليه في سفر ونحوه.

وقد روي : « أنّ من سعادة الرجل أن تكون معيشته في بلده » (٦) أو قارّا في الحالة المهنّاة لا يتكدّر بشي‌ء من المنغّصات فيضطرب ( ورزقي دارّا ) أي يزيد ويتجدّد شيئا فشيئا كما يدرّ اللبن.

( واجعل لي عند قبر رسولك مستقرا وقرارا ) المستقرّ : المكان ، والقرار : المقام ، أي اجعل لي عنده مكانا أقرّ فيه.

وقيل : هما مترادفان (٧).

ونقل المصنف في بعض تحقيقاته : « إنّ المستقرّ في الدنيا والقرار في الآخرة ، كأنّه

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦٤ ـ ٦٥ ـ ٢٣١ ، « الاستبصار » ١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ـ ١١٥١.

(٢) « الكافي » ٣ : ٣٠٨ باب بدء الأذان. ح ٣٢ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦٤ ـ ٢٣٠.

(٣) أي حمل معنى البارّ على المطيع والمحسن.

(٤) « الخصال » ١ : ٣١ ـ ١٠٩ ، باب الواحد.

(٥) « الغريبين » ٣ : ١٦٤ ، « قرر ».

(٦) « نوادر الراوندي » ١١.

(٧) « الصحاح » ٢ : ٧٩٠ ، « لسان العرب » ١١ : ٩٩ ، « قرر ».

١٤٥

يسأل أن يكون المحيا والممات عنده ، واختصّ الدنيا بالمستقر ، لقوله تعالى ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) (١) والآخرة بالقرار ، لقوله تعالى ( وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ ) (٢) (٣).

وفيه : أنّ القبر لا يكون في الآخرة ، وإطلاق الآخرة على الممات خاصّة بعيد.

نعم في بعض روايات الحديث : « واجعل لي عند رسولك » (٤). إلى آخره ، بغير ذكر القبر.

ويمكن تنزيل التأويل حينئذ عليه بأن يكون السؤال بأن يكون مقامه في الدنيا والآخرة في جواره صلى‌الله‌عليه‌وآله.

( وغير ذلك ) من قوله في السجدة : لا إله إلّا الله ربّي سجدت لك خاشعا خاضعا ذليلا ، وفي الجلسة : سبحان من لا تبيد معالمه ، سبحان من لا ينسى من ذكره ، سبحان من لا يخيب سائله ، سبحان من ليس له حاجب يخشى ولا بوّاب يرشى ولا ترجمان يناجي ، سبحان من اختار لنفسه أحسن الأسماء ، سبحان من فلق البحر لموسى ، سبحان من لا يزداد على كثرة العطاء إلّا كرما وجودا ، سبحان من هو هكذا لا هكذا غيره (٥).

( وإيقاعه أول الوقت ) ، لرواية عبد الله بن سنان : « السنّة أن ينادي مع طلوع الفجر » (٦) ، وليحصل بسببه المبادرة إلى الصلاة في أوّل الوقت. ( وتقديمه ) على الوقت جائز ( في الصبح خاصّة ) ، ليتأهّب الناس للصلاة ( ثمّ إعادته ) ، ليعلم به دخوله ، ولئلّا يتوهّم

__________________

(١) « البقرة » ٢ : ٣٦.

(٢) « غافر » ٤٠ : ٣٩.

(٣) « لم يرد في مصنّفات الشهيد المتوفرة لدينا ذلك النقل ، وقد نقل ذلك الشارح في « روض الجنان » ٢٤٥ من غير أن ينسبه للمصنّف ، والأردبيلي في « مجمع الفائدة والبرهان » ٢ : ١٧٩ نسبه إلى القيل.

(٤) نقل المحقّق الأردبيلي في « مجمع الفائدة والبرهان » ٢ : ١٧٩ عن بعض نسخ التهذيب أن كلمة « قبر » مضروب عليها ، قال : « وفي التهذيب مع أنّه منقول عن الكافي مضروب على « قبر » ، و « رسولك » بدل « نبيّك » ، و « صلى‌الله‌عليه‌وآله » بعده » علما بأنّ كلمة « قبر » موجودة في الكافي والتهذيب ممّا يؤكد وجود اختلاف بين نسخة المحقّق الأردبيلي والكتابين المذكورين ، انظر : « الكافي » ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٢ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦٤ ـ ٢٣٠.

(٥) « فلاح السائل » ١٥٢ وما بعدها.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٣ ـ ١٧٧.

١٤٦

طلوع الفجر بالأوّل ، وللتأسّي (١) بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد كان له مؤذّنان أحدهما يؤذّن بالليل وهو ابن أمّ مكتوم والآخر مع الفجر وهو بلال ، والعامّة (٢) عكسوا.

وينبغي تغايرهما ، لتحصل الفائدة باختلاف الصوت كما فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا حدّ لهذا التقديم عندنا ، بل ما قارب الفجر.

ولا فرق في ذلك بين شهر رمضان وغيره.

ومنع المرتضى (٣) وجماعة (٤) أصل التقديم ، لعدم ثبوت شرعيّته عنده ، نظرا إلى أنّ طريقه آحاد ، وأنّ الأذان دعاء إلى الصلاة وإعلام بحضورها ، ولا يتمّ ذلك قبله.

وأجيب ـ بعد إثبات الحجّة بالطريق ـ بجواز تقديم الأمارة على الحضور ، للتأهّب بالطهارة ، وبأنّ الفائدة غير منحصرة فيما ذكر ، فإنّ منها امتناع الصائم عن الجماع ومبادرته إلى الغسل واحتياطه بعدم الأكل كما أشار إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « إنّ ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال » (٥).

ويمكن أن يكون منه التنبيه لصلاة الليل إلى غير ذلك ، وإعادته تأتي على ما ذكره من الفائدة.

( ولا تقديم فيها ) أي في الصبح ( للجماعة ) بل للمؤذّن لنفسه أو للبلد بغير قصد الجماعة ، لرواية عمران بن عليّ ، عن الصادق عليه‌السلام في الأذان قبل الفجر : « إذا كان في جماعة فلا ، وإن كان وحده فلا بأس » (٦).

والأكثر ـ ومنهم المصنّف في غير الرسالة ـ لم يذكروا هذا الشرط.

( و ) ينبغي ( جعل ضابط ) للتقديم ( يستمرّ عليه كلّ ليلة ) ليعتمد عليه الناس في

__________________

(١) « الفقيه » ١ : ١٩٤ ـ ٩٠٥.

(٢) « صحيح البخاري » ١ : ٢٢٣ ـ ٥٩٢ باب أذان الأعمى.

(٣) مسائل « الناصريات » ١٨٢ ، المسألة : ٦٨.

(٤) « الكافي في الفقه » ١٢١ ، « السرائر » ١ : ٢١٠ ـ ٢١١ ، ونقله المصنّف في « الذكرى » ١٧٥ عن ابن الجنيد.

(٥) « الفقيه » ١ : ١٩٤ ـ ٩٠٥.

(٦) « الكافي » ٣ : ٣٠٦ باب بدء الأذان. ح ٢٣ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٣ ـ ١٧٦.

١٤٧

أغراضهم ، ولا يتقدّر ذلك بسدس الليل أو نصفه عندنا ، لعدم الدليل.

( ورفع الصوت ) بالأذان ( للرجل ) ، لقول الصادق عليه‌السلام في رواية معاوية بن وهب : « ارفع صوتك ، وإذا أقمت فدون ذلك » (١). وعنه عليه‌السلام : « إنّ الله يؤجرك على مدّ صوتك فيه » (٢). ولأنّ الغرض الإبلاغ ولا يتمّ إلّا بذلك ، واستحباب رفع الصوت به ثابت ( ولو ) فعله ( في بيته لإزالة السقم ) بالفتح ( والعقم ) بضمّ العين وفتحها وسكون القاف ـ مصدر عقم على ما لم يسمّ فاعله إذا لم يقبل الولد.

روى محمد بن راشد (٣) قال : حدّثني هشام بن إبراهيم أنّه شكى إلى الرضا عليه‌السلام سقمه وأنّه لا يولد له ، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلت فأذهب الله عنّي سقمي وكثر ولدي. قال محمد بن راشد : وكنت دائم العلّة ما أنفكّ منها في نفسي وجماعة خدمي ، فلمّا سمعت ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عنّي وعن عيالي العلل.

( وإسرارها ) أي المرأة بقرينة الرجل في السابق ( ولا بدّ ) في الأذان والإقامة ( من إسماعهما ) أي الرجل والمرأة ( نفسيهما ) لقول الباقر عليه‌السلام : « لا يجزئك من الأذان والإقامة إلّا ما أسمعت به نفسك أو فهمته » (٤).

( والإقامة في ثوبين أو رداء ولو خرقة ) كما يستحبّ ذلك في الصلاة ، لما روي أنّ « الإقامة من الصلاة » (٥). ( والاستقبال ) في حالة الأذان والإقامة إجماعا (٦) ( وخصوصا الإقامة ) حتّى أوجبه فيها المرتضى (٧) والمفيد ، (٨) لما مرّ ( و ) خصوصا ( الشهادتين فيهما )

__________________

(١) « الفقيه » ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٦.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٧.

(٤) « الفقيه » ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٥.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٤ ـ ١٨٥.

(٦) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ٤٩٤ ـ ٤٩٥ ، « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٦٩ ، المسألة : ١٧٨.

(٧) « جمل العلم والعمل » ضمن « رسائل الشريف المرتضى » ٣ : ٣٠.

(٨) « المقنعة » ٩٩.

١٤٨

أي في الأذان والإقامة ، فإنّ الاستقبال فيهما آكد ، لرواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : « إذا كان المتشهّد مستقبل القبلة فلا بأس » (١).

( وإعادتهما مع الكلام ) خلالهما ( وخصوصا الإقامة ) أمّا الإقامة فالنصّ (٢) والفتوى (٣) ناطقان بكراهة الكلام خلالها وبعدها وإعادتها به.

وأمّا الأذان فلم أقف فيه على شي‌ء منهما حتّى من المصنّف في غير الرسالة ، وهو أعلم بما قاله.

نعم لو طال الكلام بحيث لا يذكر أنّ الثاني مبنيّ على الأول أعاده. ومثله السكوت.

( وعدالة المؤذّن ) ، ليعتدّ ذوو الأعذار به ، ولإشعار قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « المؤذّنون أمناء » (٤).

( وعلوّه ) على مرتفع ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لبلال : « اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان ، فإنّ الله عزوجل قد وكلّ بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء ، وإنّ الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا : هذه أصوات أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بتوحيد الله عزوجل ، ويستغفرون لأمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يفرغوا من تلك الصلاة » (٥) رواه عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

( وفصاحته ) ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يؤذّن لكم أفصحكم » (٦). والأولى أن يراد بالفصاحة هنا معناها اللغوي (٧) ، بمعنى خلوص كلماته وحروفه عن اللكنة

__________________

(١) « الفقيه » ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٨.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٥ ـ ١٩١.

(٣) « شرائع الإسلام » ١ : ٩٢ ، « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٨٤ ، المسألة : ١٨٦ ، « الذكرى » ١٧١.

(٤) « الفقيه » ١ : ١٩٠ ـ ٩٠٥ ، « مسند الإمام الشافعي » ٣٣ باب استقبال القبلة.

(٥) « الكافي » ٣ : ٣٠٧ باب بدء الأذان. ح ٣١.

(٦) « الفقيه » ١ : ١٨٥ ـ ٨٨٠.

(٧) « معجم مقاييس اللغة » ٤ : ٥٠٦ ، « فصح ».

١٤٩

واللثغة ونحوهما ، بحيث تبيّن حروفه بيانا كاملا ، لا المعنى الاصطلاحي (١) ، لأنّ الملكة التي يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح لا دخل لها في ألفاظ الأذان المتلقّاة من غير زيادة ولا نقصان.

( ونداوة صوته ) أي ارتفاعه ، ليعمّ النفع به ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعبد الله بن زيد : « ادع بلالا ، فإنّه أندى منك صوتا » (٢) كذا احتجّ المصنّف (٣) ، وفيه نظر ( وطيبه ) لتقبل القلوب على سماعه.

( ومبصريّته ) لمكان المعرفة بالأوقات ( إلّا بمسدّد ) فلا يضرّ العمى ، تأسّيا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في جعل ابن أمّ مكتوم مؤذّنا وكان أعمى ، ( وبصيرته ) بالأوقات ، ليأمن الغلط ويقلّده ذوو الأعذار.

( وطهارته ) من الحدث ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « حقّ وسنّة ألّا يؤذّن أحد إلّا وهو طاهر » (٤) وغيره.

( وتتأكّد الإقامة ) ، لأنّها ألصق بالصلاة كما مرّ (٥) ، ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان : « لا بأس أن يؤذّن وهو جنب ، ولا يقيم حتّى يغتسل » (٦).

( ولزوم سمت القبلة ) في جميع أذكارهما خصوصا الإقامة ، بل أوجبه فيها المرتضى (٧) كما أوجب الطهارة.

ويكره الالتفات يمينا وشمالا بالحيعلتين ولو في المنارة ، لمنافاته الاستقبال ، وعدم ثبوت شرعيّته ، فيكون فعله معتقدا رجحانه بدعة ( وقيامه ) فيهما ( وفيها أتمّ ) استحبابا ،

__________________

(١) انظر : « معجم المصطلحات العربية في اللغة والآداب » ٢٧٣.

(٢) « نصب الراية » ١ : ٢٥٩ ، بتفاوت يسير.

(٣) « الذكرى » ١٧٢.

(٤) « سنن البيهقي » ١ : ٣٩٢ ، ٣٩٧.

(٥) مرّ في الصفحة : ١٤٩ ، الهامش (٢).

(٦) « الفقيه » ١ : ١٨٨ ـ ٨٩٦ ، وفيه : « كان عليّ عليه‌السلام يقول. » ، وهو الموافق لما في « روض الجنان » ٢٤٤ ، لكن في « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٣ ـ ١٨١ وردت عين هذه الرواية عن إسحاق بن عمّار لا عن عبد الله بن سنان.

(٧) « جعل العلم والعمل » ضمن « رسائل الشريف المرتضى » ٣ : ٣٠.

١٥٠

للرواية عن الكاظم (١) عليه‌السلام ( وجعل إصبعيه في أذنيه ، حذرا من الضرر ) كذا علّل في الرواية عن الصادق (٢) عليه‌السلام.

وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام : « إنّه من السنّة » (٣).

( وتقديم الأعلم ) من المؤذّنين ( بالمواقيت مع التشاحّ ) ، لأمن الغلط معه ، وتقليد أرباب الأعذار له ، فإن تساووا فيه فالأعدل فالأشدّ محافظة على الأذان في الوقت فالأندى صوتا فمن يرتضيه الجيران ، وكذا تقديم المبصر على المكفوف.

ولو تعارضت الصفات قدّم الأجمع لها.

( والقرعة مع التساوي ) لأنّها لكلّ أمر مجهول ، وإنّما يتحقّق التشاحّ للارتزاق من بيت المال حيث لا يحتاج إلى التعدّد وإلّا أذّن الجميع.

( و ) يستحبّ حينئذ ( تتابع المؤذّنين ) بحيث يبتدئ كلّ واحد منهم بعد فراغ الآخر إلى أن يتمّوا ولا يعدّ ذلك أذانا ثانيا ، لأنّ المقصود من المجموع أذان واحد يتعدّد فاعله ، وإنّما يتحقّق الثاني بتكراره من الواحد أو من غيره بحيث يعدّ موظّفا ( إلّا مع الضيق ) حقيقة أو حكما باجتماع الإمام والمأمومين فيؤذّنوا دفعة.

( وإظهار هاء الله و ) هاء ( إله و ) هاء ( أشهد و ) هاء ( الصلاة وحاء الفلاح ) ، لما تقدّم (٤) من الرواية أنّه بإفصاح الهاء ، ولأنّهما حرفان مهموسان رخوان ، فإذا وقعا بعد السكون زادا ضعفا ، فاحتيج إلى التنبيه عليهما. وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤذّن لكم من يدغم الهاء » (٥).

( وحكاية السامع ) لفصول الأذان ، بأن يتلفّظ بكلّ فصل سمعه عند تلفّظ المؤذّن به أو بعد فراغه منه بلا فصل ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا سمعتم النداء فقولوا

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٦ ـ ١٩٥.

(٢) لم نعثر على رواية ذكرت هذا التعليل ، والروايات المذكورة فيما لدينا من المصادر نصّت على جعل الإصبعين في الأذنين معلّلة إيّاه : « إنه من السنة » وسنشير إلى تلك الروايات في التعليقة اللاحقة.

(٣) « الفقيه » ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٣ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٨٤ ـ ١١٣٥.

(٤) تقدّم في الصفحة : ١٤٣ ، الهامش ( ١.

(٥) « الموضوعات » ٢ : ٨٧ باب النهي عن أذان من يدغم الهاء.

١٥١

كما يقول المؤذّن » (١) ، وليترك السامع كلامه وقراءته ودعاءه وغيرها حتّى ابتداء الصلاة وإن كانت تحيّة عند دخول المسجد إلى أن يفرغ.

( والتلفّظ بالمتروك ) نسيانا أو اعتقادا لا عمدا ، لبطلان الأذان به.

وتستحبّ الحكاية ( ولو في الصلاة ) ، لأنّه ذكر الله تعالى فلا ينافيها ( إلّا الحيعلات ) فلا يحكيها ( فيها ) ، لأنّها ليست ذكرا فلو حكاها بطلت.

ومن هنا يعلم ضعف ما رتّبه المصنّف من الأذان الذكري ، ويجوز إبدالها فيها بالحوقلة ، بل روي ذلك في غيرها (٢) أيضا.

وظاهر العبارة استحباب حكاية الإقامة أيضا ، لأنّ أكثر الأحكام مشتركة ، ولا نصّ فيه على الخصوص كما اعترف به المصنّف في غير الرسالة.

وفي استحبابه نظر.

( والدعاء عند الشهادة الأولى ) بقوله : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله أكفى بها عن كلّ من أبى وجحد وأعين بها من أقرّ وشهد ، ليكون له من الأجر عدد الفريقين. روي ذلك عن الصادق (٣) عليه‌السلام.

وليقل عند سماع الشهادتين : « وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا وبالأئمّة الطاهرين أئمّة ، اللهمّ صلّى على محمّد وآل محمّد ، اللهم ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ، وارزقني شفاعته يوم القيامة » (٤).

( وأسرار المتّقي بالمتروك ) لا تركه ، إذ لا تقيّة في الإسرار. نعم لو خاف من التلفّظ به

__________________

(١) « صحيح البخاري » ١ : ٢٢١ وما بعدها ، ح ٥٨٦ ، « سنن أبي داود » ١ : ٣٥٩ ـ ٥٢٢ باب ما يقول إذا سمع المؤذّن ، « سنن البيهقي » ١ : ٤٠٨ باب القول مثل ما يقول المؤذّن.

(٢) « دعائم الإسلام » ١ : ١٤٥.

(٣) « الكافي » ٣ : ٣٠٧ باب بدء الأذان ، ح ٣٠ ، « الفقيه » ١ : ١٨٧ ـ ٨٩١ ، وفيهما « اكتفي بهما » بدل « أكفى بها ».

(٤) « المبسوط » ١ : ٩٧ ، ولم نعثر عليه في المصادر الحديثية ، نعم نقله في « مستدرك الوسائل » ٤ : ٦١ عن « درر اللآلي » لابن أبي جمهور الأحسائي.

١٥٢

ـ وإن كان سرّا بسبب ظهور حركة شفتيه أو طول زمانه ـ أجراه على قلبه.

( والقيام عند : قد قامت الصلاة ) على المرويّ (١) والمشهور (٢).

وقيل (٣) : عند حيّ على الصلاة ، لأنّه دعاء إليها ، وهو غير مسموع في مقابلة النصّ (٤) ، لجواز كونه دعاء إلى الإقبال والتأهّب ، و « قد قامت » دعاء إلى القيام ، لأنّه وقت المبالغة في الاستدعاء إلى القيام بلفظ الماضي كإيجاب العقود ، وللشيخ (٥) قول بأنّه عند الفراغ منها.

( وتلافيهما أو تلافي الإقامة للناسي ) لهما أوّلها ( ما لم يركع ) على المشهور (٦).

ويدلّ على حكم نسيانهما صحيحة الحلبي ، عن الصادق (٧) عليه‌السلام ، وعلى نسيان الإقامة صحيحة عليّ بن يقطين ، عن الكاظم (٨) عليه‌السلام ، وتضمّنها العود ما لم يفرغ من الصلاة محمول على المقيّد بعدم الركوع.

أمّا العامد فيستمرّ على صلاته ، لتقصيره. ( وفي صحيحة ) محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام في ناسي الأذان والإقامة : « يرجع إليهما بعد أن يسلّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله » ( ما لم يقرأ ) « فإن كان قد قرأ فليتمّ صلاته » (٩).

وهي محمولة على الاستحباب المؤكّد قبل القراءة دون ما بعدها وإن استحبّ الرجوع ما لم يركع كما سبق (١٠) ، جمعا.

__________________

(١) « الفقيه » ١ : ٢٥٢ ـ ١١٣٧ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٤٣.

(٢) « المعتبر » ٢ : ١٤٨ ، « نهاية الأحكام » ١ : ٤٣١ ، « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٨٥ المسألة : ١٨٨.

(٣) نسبه في المغني إلى أبي حنيفة ، ونسبه العلّامة إلى علمائنا ، انظر : « المغني » لابن قدامة ١ : ٥٣٨ ، فصل : ٣٧ ، « مختلف الشيعة » ٢ : ٥١٥ ، المسألة : ٣٧٨.

(٤) راجع الهامش (١) من هذه الصفحة.

(٥) « الخلاف » ١ : ٥٦٤ المسألة : ٣١٥ ، « المبسوط » ١ : ١٥٧.

(٦) « المعتبر » ٢ : ١٢٩ ، « قواعد الأحكام » ١ : ٢٦٦ ، « تذكرة الفقهاء » ٣ : ٨٠ ، المسألة : ١٨٣.

(٧) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٧٨ ـ ١١٠٣.

(٨) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٧٩ ـ ١١١٠.

(٩) « الكافي » ٣ : ٣٠٥ باب بدء الأذان. ح ١٤ ، « الفقيه » ١ : ١٨٧ ـ ٨٩٣ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٧٨ ـ ١١٠٢.

(١٠) عند قوله : « وتلا فيهما ». إلى آخره.

١٥٣

ولا فرق في ذلك بين الإمام والمنفرد.

( وترك الأذان فيما يختصّ بالإقامة ) وذلك في حالة استحباب الجمع ، وربّما شمل حالة إباحته ، لما روي (١) من فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحكمه هنا بتركه على جهة الاستحباب خاصّة ، فيكره فعله ، وهو الموافق لما سبق ، ولما عطف عليه من قوله : ( وفي الصومعة ) يمكن أن يريد بها المأذنة ، لأنّها محدثة خصوصا مع علوّها على سطح المسجد ، ويظهر ذلك من رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام وسأله عن الأذان في المنارة أسنّة هو؟ فقال : « إنّما كان يؤذّن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأرض » (٢).

وروى السكوني ، عن عليّ عليه‌السلام أنّه مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال : « لا ترفع المنارة إلّا مع سطح المسجد » (٣).

ويمكن أن يريد بها بناء خاصّا غير المنارة ، لأنّه قد ثبت وضعها في الجملة ، وهي تشتمل على بعض مرجّحات الأذان ، واستحبّها جماعة (٤) من الأصحاب ، وقد صرّح ابن حمزة باستحبابه في المأذنة وكراهته في الصومعة (٥).

ويمكن أن يريد بها صومعة النصارى ، لأنّها المعروف منها لغة (٦) وعرفا.

( وتكرير التكبير والشهادتين ) زيادة عن الموظّف ( لغير الإشعار ) للمصلّين ، بأن يقصد بذلك تنبيههم وجمعهم ، وإنّما يستحبّ تركه مع عدم اعتقاد توظيفه وإلّا كان فعله بدعة ، وهو المعبّر عنه بالترجيع.

واستثنى من ذلك قصد الإشعار ، للرواية (٧) ، ولم يقيّد فيها بما ذكره هنا ، ولذلك

__________________

(١) « سنن البيهقي » ١ : ٤٠٢ باب الأذان والإقامة للجمع بين.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٨٤ ـ ١١٣٤.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٠.

(٤) « نهاية الإحكام » ١ : ٣٥٢ ، « مختلف الشيعة » ٢ : ١٣٩ ، المسألة : ٧٣.

(٥) « الوسيلة » ٩٢.

(٦) « الصحاح » ٣ : ١٢٤٥ ، « صمع ».

(٧) « الكافي » ٣ : ٣٠٨ باب بدء الأذان. ح ٣٤ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦٣ ـ ٢٢٥ ، « الاستبصار » ١ : ٣٠٩ ـ ١١٤٩.

١٥٤

عمّم المصنّف في الذكرى (١) ففسّره بأنّه تكرير الفصل زيادة عن الموظّف ، والحكم واحد.

( و ) ترك فعلهما ( راكبا خصوصا الإقامة ) ، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس أن تؤذّن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ، ولا تقم وأنت راكب أو جالس إلّا من علّة أو يكون في أرض ملصّة (٢) » (٣).

( و ) ترك ( الحيعلتين بين الأذان والإقامة ) ، لأنه بدعة أحدثها بعض العامّة ، وهذا إذا لم يعتقد توظيفها وإلّا حرم ( والكلام فيهما مطلقا ) أي بعد قوله : قد قامت الصلاة وقبلها.

وحرّمه جماعة (٤) بعده إلّا لمصلحة الصلاة من تقديم إمام أو تسوية صفّ ونحوهما ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد ، إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان » (٥).

وحمل على تأكّد الكراهة جمعا.

( و ) كذا ينبغي ترك الكلام ( بينهما ) أيضا ( في ) أذاني ( الصبح ، وفي الإقامة آكد ) ، للنهي عن الكلام فيها دون الأذان في رواية أبي بصير (٦) وغيرها ( وبعد لفظها ) وهو قد قامت الصلاة ( أتمّ ) تأكيدا ( في الأشهر ) (٧) وقيل : إنّه حينئذ محرّم ، للخبر السالف ، ذهب إليه الشيخان (٨) والمرتضى (٩) رحمهم‌الله.

__________________

(١) « الذكرى » ١٦٩.

(٢) الملصّة ـ بالفتح ـ : الأرض الكثيرة اللصوص ، انظر : « معجم مقاييس اللغة » ٥ : ٢٠٥.

(٣) « الفقيه » ١ : ١٨٣ ـ ٨٦٨ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٦ ـ ١٩٢.

(٤) « المقنعة » ٩٨ ، « المبسوط » ١ : ٩٩ ، « الوسيلة » ٩٢.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٥ ـ ١٨٩ ، « الاستبصار » ١ : ٣٠١ ـ ١١١٦.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٥٤ ـ ١٨٢ ، والرواية فيه عن أبي نصر لا عن أبي بصير.

(٧) « المعتبر » ٢ : ١٤٣ ، « شرائع الإسلام » ١ : ٩٣ ، « الدروس » ١ : ١٦٣.

(٨) « المقنعة » ٩٨ ، قال : « ولا يجوز أن يتكلّم في الإقامة مع الاختيار » ، « المبسوط » ١ : ٩٩.

(٩) نقله في « المعتبر » ٢ : ١٤٣ عن « المصباح » ، وفي « جمل العلم والعمل » ٦٤ ، قال بالحرمة.

١٥٥

( وفي حكمه ) أي حكم الكلام ( الإيماء باليد عند لفظها إلّا لمصلحة ) الصلاة ، استثناء من الكلام وما في حكمه ، وقد تقدّم (١) وجهه ومعناه ( والدعاء بعدها بقوله : اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامّة. إلى آخره ) ، وتمامه : « والصلاة القائمة بلّغ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، بالله استفتح وبالله أستنجح وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أتوجّه ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين » (٢).

[ المقدّمة ] ( الحادية عشرة : )

( سنن القصد إلى المصلّى وهي عشرة : السكينة ) وهي الطمأنينة في البدن والاعتدال في الحركة ( والوقار ) في نفسه بمعنى طمأنينتها وإقبالها ( والخضوع ) وهو التطامن والتواضع.

( والخشوع ) وهو لغة (٣) بمعنى الخضوع ، وكأنّه هنا مؤكّد له.

( وإحضار عظمة المقصود إليه سبحانه والدعاء عند القيام إلى المصلّى ) وهو ( اللهمّ إنّي أقدّم إليك محمّدا. إلى آخره ) تمامه : « بين يدي حاجتي وأتوجّه إليك به ، فاجعلني به وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ، واجعل صلاتي مقبولة وذنبي مغفورا ودعائي مستجابا ، إنّك أنت الغفور الرحيم » (٤).

( وتقديم ) الرجل ( اليمنى عند دخول المسجد ، والدعاء داخلا ) بقوله : بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وخير الأسماء كلّها لله ، توكّلت على الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ، اللهمّ صلّى على محمّد وآل محمّد ، وافتح لي أبواب رحمتك وتوبتك ، وأغلق عنّي أبواب معصيتك ، واجعلني من زوّارك وعمّار مساجدك ، وممّن يناجيك بالليل والنهار ، ومن الذين هم في صلاتهم خاشعون ، وادحر عنّي الشيطان الرجيم وجنود

__________________

(١) في الصفحة المتقدّمة.

(٢) « مصباح المتهجّد » ٣٠ ، « مصباح الكفعمي » ٢٢.

(٣) « الصحاح » ٣ : ١٢٠٤ ، « خضع ».

(٤) « الكافي » ٣ : ٣٠٩ باب القول عند دخول المسجد ، ح ٣ ، باختلاف في بعض الألفاظ.

١٥٦

إبليس أجمعين » (١).

وفي بعض الأخبار : « بسم الله والسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، [ إنّ الله ] (٢) وملائكته [ يصلّون ] (٣) على محمّد وآل محمّد والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، اللهمّ اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ، واجعلني من عمّار مساجدك جلّ ثناء وجهك » (٤) أو بما سيأتي ، ( وخارجا ) بقوله : « اللهمّ اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك » (٥) ، أو بما سيأتي ، وليكن خروجه ( باليسار ) وقد سبق.

__________________

(١) « مصباح المتهجّد » ٣٢ ، « مصباح الكفعمي » ١٨.

(٢). ساقطة من جميع النسخ ، والزيادة أثبتناها من المصدر.

(٣). ساقطة من جميع النسخ ، والزيادة أثبتناها من المصدر.

(٤) « المقنع والهداية » ٢٦ ، ضمن الباب الخامس من أبواب الصلاة ، « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٤.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٦٣ ـ ٧٤٥.

١٥٧
١٥٨

[ الفصل الثاني

في سنن المقارنات ]

١٥٩
١٦٠