الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-541-5
الصفحات: ٤٢٩

١

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وهو حسبي ونعم الوكيل

الحمد لله الذي شرع لنا معالم دينه الفرضيّة والنفليّة ، وشرح صدورنا بلمعة من بيان دروس الأحكام التكليفيّة ، والصلاة على نبيّه وحبيبه محمّد الموصل إلى غاية المراد وذكري السداد من الملّة الحنيفيّة ، وعلى آله مؤسّسي القواعد الشرعيّة والفوائد الدينيّة ، وعلى أصحابه وأزواجه وأتباعه المرضيّة.

وبعد فهذه كلمات قليلة وتنبيهات جليلة وفوائد مليّة تنقّح « الرسالة النفليّة » وتوضّح مبانيها وتحقّق معانيها وتكشف ملتبسها وتشغف ملتمسها ، مقتصر على مناسبة مقتضى الحال من الإعراض عن تطويل المقال بمأخذ الأحكام بطريق الاستدلال ، فإنّ الغرض من الرسالة مجرّد الإعمال والتنبيه على جميل الخصال وحميد الخلال ، جعلها الله تعالى سببا لثوابه الجسيم وفضله العميم ، إنّه الجواد الكريم ، وسمّيتها « الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة » ومن الله استمدّ التوفيق ، إنّه بذلك حقيق.

قال المصنّف الشيخ الإمام السعيد أبو عبد الله الشهيد رفع الله درجته كما شرّف خاتمته : ( بسم الله الرّحمن الرّحيم ) متيمّنا بتصدير رسالته باسم الله تعالى العظيم ، متأسيّا بكتابه الكريم ، ممتثلا للأثر الوارد في ذلك عن النبيّ وآله عليهم أفضل الصلاة

٣

والسلام ، مقتديا بمن سلف من العلماء ـ متّعهم الله بثوابه الجسيم ـ مردفا لها بقوله : ( الحمد لله ) أداء لبعض ما يجب عليه شكره من نعمة الظاهرة وآلائه المتظافرة ، التي تصنيف هذه الرسالة الشريفة العذراء ـ التي لم تسمح فكرة بمثالها ولا نسج ناسج على منوالها ـ أثر من آثارها وقطرة من تيّار بحارها.

ومن ثمّ عدل عن أسلوب هذا التركيب ـ حيث كان حقّه انتصاب الحمد على المصدريّة الموجب للجملة الفعلية ـ إلى الرفع بالابتدائية ، لتصير جملة اسميّة ، مقترنا باللامين الدالّة إحداهما على الاستغراق أو الجنسيّة ، والثانية على اختصاص الحمد بالذات الإلهيّة ، وإنّه حقيق بجميع أفراد الشكر الجليّة والخفيّة ، لرجوع جميع النعم إلى مقدّس حضرته الأزليّة ، وحينئذ فتقصر عنها ألسنة الحامدين وجوارح الشاكرين ، وتنهضم لديها مقامات العاملين ، فيوجب ذلك البعد عن منازل المقرّبين ، فناسب جعل النسبة مقترنة بغيبة المحمود الواحد ، لبعد مقام الحامدين.

وهذه الجملة من صيغ الحمد ، وهو الوصف بالجميل ، إذ القصد بها الثناء على الله ، بمضمونها من أنّه مالك لجميع الحمد من الخلق ، أو مستحقّ لأن يحمدوه ، لا الإخبار بذلك.

( الذي ضمّ النشر ) بالتحريك ـ وهو المنتشر ، أي ألّفه ( بجمع الشتات ) أي شتاته ، واللام عوض عن المضاف إليه ، ولا حظ بتخصيص هذه الصفة براعة الاستهلال (١) حيث وفّقه في هذه الرسالة لجمع أشتات السنن على وجه بديع وسبيل منيع لم يسبقه إليها سابق ، ولا ركض في حلبتها سابق.

ولمّا أشار إلى حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله ، مع التنبيه على النعم الحاضرة ، أردفه بالثناء على الأرواح المقدّسة المتوسّطة بين المنعم المطلق والمنعم عليه بتبليغ التكليف ، والحمل على الوصف الشريف ، وهم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، فقال : ( وأرسل خير البشر ) بالتحريك ـ وهو الخلق ( ب ) الآيات

__________________

(١) براعة الاستهلال هي أن يبتدئ الناظم أو الناثر كلامه بما يدلّ على مقصوده منه بالإشارة لا بالتصريح ، انظر : « جواهر البلاغة » ٤٣٨.

٤

( البيّنات ) اكتفى بالصفة عن الموصوف ، إشعارا بظهوره على وجه لا التباس فيه ، وتفخيما لشأنه ، ومنه قوله تعالى ( أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ ) (١) ، ( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ ) (٢) وفي هذه الفقرة ثناءان :

أحدهما على الله تعالى من حيث عطفها على الصلة ، ووجه الثناء على الله تعالى بإرسال الرسل واضح ، من حيث جعلهم سببا قريبا لتبليغ الأحكام التكليفية ، وحملهم الخلق على الشيم المرضيّة ، وتكميل نفوسهم البشريّة الموجب للفوز بالسعادة الأبدية.

والثاني على الرسل عليهم‌السلام ، بجعلهم خير الخلق الشامل لجنسهم وغيره حتّى الملائكة ، وكونهم مع ذلك رسل الله تعالى بالآيات البيّنات وسبيل تحصيل الكمالات إلى غير ذلك.

واكتفى بهذا القدر من الثناء عليهم عمّا هو المعروف من الصلاة عليهم ، لأنّ غايتها ترجع إلى الثناء العائد نفعه إلى المصلّي المثني عليهم بما هم أهله ، لا طلب علوّ المنزلة لهم بالدعاء ، فإنّ الله تعالى قد أعطاهم من المنزلة الرفيعة والمقامات المنيعة ما لا تؤثّر فيه صلاة مصلّ من أول الدهر إلى آخره ، كما ورد في الأخبار (٣) وصرّح به العلماء (٤) الأخيار.

وفي « النشر » و « البشر » الجناس المصحّف كجبّة وجنّة من قولهم : « جبّة البرد جنّة البرد » (٥) وكقول عليّ عليه‌السلام : « قصّر ثيابك فإنّه أبقى وأتقى » (٦).

( وختمهم بمحمّد )صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي جعله آخرهم ، وفي تخصيصه من بينهم ونعته بالختم لهم تفخيم لشأنه وتعظيم كما هو اللائق بمقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصوصا في وصفه بالختم ، فإنّ فيه إيذانا بأنّ شريعته باقية إلى آخر الزمان ، وأنّها

__________________

(١) « سبأ » ٣٤ : ١١.

(٢) « الحديد » ٥٧ : ٢٥.

(٣) « الكافي » ٢ : ٤٩٢ ـ ٤٩٣ باب الصلاة على النبي وأهل بيته عليهم‌السلام ، ح ٦ ، ٩ ، ١٤.

(٤) « نضد القواعد الفقهيّة » ٢٢٣ ، « كنز العرفان » ١ : ١٣١.

(٥) « جواهر البلاغة » ٤٠١.

(٦) « الكافي » ٦ : ٤٥٧ باب تشمير الثياب ، ح ٦.

٥

ناسخة لما سبقها من الشرائع والأديان ، كما هو اللازم لكلّ شريعة متأخرة في كلّ أوان ( عليهم ) أي على المرسلين الذين هم خير البشر.

( وعلى آلهم ) أصل « آل » أهل بدليل تصغيره على أهيل ، خصّ استعماله فيما له شرف وخطر ممّن يعقل ولو بالادّعاء ، فلا يقال : آل حجّام ولا آل المضر ولا آل الله ، ويقال : أهل في الجميع ، وكذا يقال : آل فرعون ، لخطره عند قومه.

ويمكن اشتقاقه من : آل يؤول إذا رجع.

والمراد ـ هنا ـ : من يرجع إليهم صلوات الله عليهم بنسب رحمي أو سبب شرفي ، أو من جمع الوصفين كأهل بيت نبيّنا عليهم‌السلام.

وعلى التقديرين فالآل عندنا أخصّ ممّن ذكر ، إذ المراد به بالنسبة إلى نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله من دخل في آية الطهارة (١) ، ويلحق بهم باقي الأئمة تبعا.

( أفضل الصلوات ) جمع صلاة ، وهي لغة (٢) : الدعاء من الله وغيره ، لكنها منه مجاز في الرحمة ، وجمعها نظرا إلى كثرة أفرادها ، بسبب اختلاف المصلّي ، أو إلى اختلاف أصنافها حيث هي من الله الرحمة ، ومن غيره طلبها ، أو لاختلاف حقيقة دعاء الملائكة والجنّ والإنس ، بسبب اختلاف آلات دعائهم من لسان وغيره.

( أمّا بعد ) ما ذكر من الثناء على الله تعالى وعلى رسله وآلهم ، وفي « أمّا » معنى الشرط ، ولذلك لزمت الفاء في جوابها.

والتقدير : مهما يكن من شي‌ء بعد الحمد والصلاة ( فإنّي لمّا وقفت ) أي اطّلعت ( على الحديثين المشهورين عن أهل بيت النبوّة أعظم البيوتات ، أحدهما ) رواه الثقة الجليل حمّاد بن عيسى في الحسن ، عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه وعلى آبائه وأبنائه أكمل التحيّات ) أنّه قال : ( للصلاة أربعة آلاف حدّ (٣) ( و ) الحديث ( الثاني ) رواه الشيخ في التهذيب مرسلا عن الإمام الرضا أبي الحسن عليّ بن موسى ) الرضا ( عليهما

__________________

(١) « الأحزاب » ٣٣ : ٣٣.

(٢) « المصباح المنير » ص ٣٤٦ ، « صلي ».

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٤٢ ـ ٩٥٦.

٦

الصلوات المباركات ) أنّه قال : ( الصلاة لها أربعة آلاف باب (١) ، ووفّق الله سبحانه لإملاء الرسالة الألفية في الواجبات ) المتعلّقة بالصلوات الواجبة ، المشتملة على ألف واجب للصلوات الخمس تقريبا ، متقدّمة ومقارنة ومنافية ، ( ألحقت بها بيان المستحبّات ) وأفردت منها ما يزيد على ثلاثة آلاف مقارنة ـ كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى ـ وإنّما فعلت ذلك ( تيمّنا بالعدد ) المذكور في الخبرين ( تقريبا وإن كان المعدود ) في الخبرين ( لم يقع في الخلد ) بالتحريك ـ وهو البال والقلب ( تحقيقا ) ، إذ لا يعلم أنّ المراد بالأبواب والحدود ما ذكره ، بل يحتمل أن يريد بها ما ذكر أو بعضه مع شي‌ء آخر أو غيره ، ( فتمّت الأربعة ) آلاف في الرسالتين ( من نفس المقارنات ) كما سيرد عليك مفصّلا إن شاء الله تعالى.

( وأضفت إليها سائر ) أي باقي ( المتعلّقات ) ، تتميما للرسالتين وتحقيقا للمقامين وإن استغني عنه في تحصيل العدد المطلوب ( والله حسبي ) أي محسبي وكافيّ ( في جميع الحالات.

( وهي ) أي الرسالة ـ التي يريد تأليفها ـ المعلومة من سياق الكلام ، وإن لم يتقدّم لها ذكر ( مرتّبة ترتيب ) الرسالة ( القادمة ) : الألفية.

والترتيب : جعل الشي‌ء في مرتبته ، كما يظهر لك في ترتيب الرسالتين ، حيث قدّم المقدّمات ، ووسّط المقارنات ، وأخّر المنافيات ، وابتدأ باليومية المقصودة بالذات ، وأتبعها باقي الصلوات ، ونحو ذلك من الملاحظات التي رتّبها ( على مقدّمة ) بكسر الدال ـ من قدّم بمعنى تقدّم ، أو ـ فتحها ـ لاستحقاقها أن تقدّم.

والمراد بها هنا : طائفة من الكلام تتقدّم على المقصود بالذات لمعنى أوجب سبقها كمقدّمة الجيش للجماعة المتقدّمة منه ، ومن هنا يظهر أنّ الكسر أجود.

( وفصول ثلاثة ) جمع فصل ، وهو لغة (٢) : الحاجز ، واصطلاحا (٣) : ما جمع المسائل المتحدة جنسا المختلفة نوعا بحسب اعتبار المعتبر ، ومن ثمّ اختلف تعبير المصنّفين

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٤٢ ـ ٩٥٧.

(٢) « القاموس المحيط » ٤ : ٣٠ ، « لسان العرب » ١٠ : ٢٧٣ ، « فصل ».

(٣) انظر : « شرح الألفية » ضمن « رسائل المحقّق الكركي » ٣ : ١٦٧.

٧

في الأبواب والفصول.

( وخاتمة ) وهي تتميم ما يقصد جمعه من مطالب ، أخّر عنها ، لمناسبة اقتضاها الحال.

ووجه حصر الرسالة في الخمسة : أنّ البحث إمّا عن المقصود بالذات أولا والأوّل إمّا أن يكون البحث فيه عن الشرط أو عن المشروط أو عن المنافي ، فالأول هو الفصل الأول ، والثاني الثاني ، والثالث الثالث ، والثاني إمّا أن يتعلّق بالمقصود تعلّق السابق أو اللاحق ، والأول المقدّمة والثاني الخاتمة.

٨

[ المقدّمة ]

٩
١٠

( أمّا المقدّمة )

فتشتمل على تعريف النافلة ونبذة من الترغيب فيها والترهيب من تركها ، كما يستفاد من الصلاة الملفوفة وتقسيمها ، وما يليق بها.

( فالصلاة المندوبة : أفعال غير محتومة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم تقرّبا إلى الله تعالى ).

فالأفعال بمنزلة الجنس يشمل الواجب منها والمندوب ، ويشمل أفعال القلوب والجوارح ، ليدخل فيه صلاة المريض المومئ ، ومن يجري الأذكار على قلبه ، وصلاة الأخرس ، ويدخل فيه ما ليس بصلاة من الأفعال ، ويخرج به من العبادات ما هو ترك محض ، أو شبه الفعل.

وقوله : « غير محتومة » إلى آخره ، كالفصل ، تخرج به الأفعال الواجبة بأسرها صلاة كانت أم غيرها.

وبالمحرّم والمحلّل يخرج ما عدا الصلاة ممّا كان داخلا من العبادات وغيرها.

والتقرّب إشارة إلى الغاية ، كما أنّ في الخصوصين ذكر الصورة ، وفي الأفعال ذكر المادة ، والفاعل مدلول عليه التزاما.

ففي التعريف إشارة إلى العلل الأربع التي لا يخلو منها مركّب صادر عن فاعل مختار ، وهو من محاسن التعريف.

١١

وفيه ـ مع ذلك ـ : أنّه صالح لتعريف الصلاة الواجبة بحذف « غير » ، وللمطلقة بحذف « محتومة » معها (١).

ولكن يبقى فيه الانتقاض بكلّ أفعال غير واجبة افتتحت بالتكبير واختتمت بالتسليم ولو على بعض الناس على وجه الاتّفاق أو القصد ، فإنّ التعريف منطبق عليه ، وليس فيه ما يخرجه إلّا بتكلّف حمل التكبير على التكبير المخصوص المتعارف بين الفقهاء ، وهو تكبير الافتتاح ، والتسليم كذلك على المخصوص المتعارف المحلّل لا مطلق التحيّة ، وجعل اللام فيهما للعهد الذهني عند الفقهاء.

ويعضده إطلاق قوله : « تحريمها التكبير وتحليلها التسليم » فإنّ المراد بهما في نحو هذا الإطلاق : المعهودان ، لا مطلقهما ، وفيه بحث حقّقناه في موضع آخر.

وبقي هنا بحث آخر وهو أنّ التعريف المصدّر به الكتاب حقّه أن يكون للأمر المطلوب بحثه فيه ، كما هو المعروف وكما صنع المصنّف في الرسالة الألفية ، فإنّه لمّا كان غرضه بيان واجبات الصلاة الواجبة ، عرّفها في صدر الرسالة.

وهذه الرسالة ليست بصدد حصر الصلوات المندوبة وبحثها ، بل مندوبات الصلوات الواجبة بالذات والباقي بالعرض ، بل اليومية منها كما هو الظاهر من مبحثه في مواضع ، بل عقد باب جمع للعدد المذكور في الخبرين عليه أو مندوبات مطلق الصلوات ، فتخصيص الصلاة المندوبة بالتعريف ـ هنا ـ ليس بذلك الوجه.

وكأنّ المصنّف يخرج من ذلك بتصدير الرسالة بذكر تقسيم النوافل وأعدادها وجملة من أحكامها حتّى كأنّ الرسالة معقودة لذلك.

وما ذكر في أبواب المقدّمات والمقارنات غير مناف لها ، لأنّه آت في الفرض والنفل ، إلّا أنّه بالفرض بل باليومية أليق ، كما يستفاد من ذكره خصوصيات باقي الصلوات في الخاتمة ، وجريا على سنن الألفية ، والأمر في ذلك سهل.

( وثوابها ) أي ثواب الصلاة المندوبة ( عظيم ، قال الله تعالى ) في السورة التي يذكر

__________________

(١) وبناء على ذلك يكون تعريف الصلاة الواجبة : أفعال محتومة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم تقرّبا إلى الله تعالى ، وتعريف مطلق الصلاة : أفعال تحريمها التكبير وتحليلها التسليم تقرّبا إلى الله تعالى.

١٢

فيها المعارج مادحا للمصلّين مستثنيا لهم من المذمومين ـ : ( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) (١) ثمّ قال تعالى في تلك السورة : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) (٢) ، قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه الفضيل بن يسار في الصحيح حين سأله عن الآيتين ما حاصله : أنّ ( الآية الأولى في النافلة ، والثانية في الفريضة ) (٣) ،

ونحوه روى زرارة (٤) عنه عليه‌السلام ، وكفى بهذا مدحا للنافلة وحثّا عليها ( وهو ) أي حمل الآية الأولى على النافلة ( أولى من اتّحاد الموضوع ) بجعل الصلاة المحدّث عنها هي الفريضة فيهما.

( وحمل الدوام ) في الآية الأولى ( على المواظبة على الأداء و ) حمل ( المحافظة ) في الثانية ( على الشرائط والأركان ) كما ذكره المفسّرون (٥).

وإنّما كان الأوّل مع كونه مرويّا أولى ، ( لكثرة الفائدة ) الحاصلة من الآيتين ( بتغاير الموضوع ) ، فإنّ المحافظة يمكن شمولها لمجموع ما ذكره المفسّرون في الآيتين وزيادة ، بأن تزيد المحافظة على الأداء والشرائط والأركان وغيرها ، بل هو اللائق بإطلاق المحافظة ، فإذا حملت الصلاة المداوم عليها على النافلة كثرت الفائدة.

ويمكن أن ترتّب كثرة الفائدة منهما مع اتّحاد الموضوع بأن يراد منهما مطلق الصلوات ، ويراد بالدوام ما هو المعروف منه من المواظبة عليها آناء الليل وأطراف النهار ، فإنّ الفريضة وإن لم تحتمل التكرار ـ أيضا ـ من حيث إنّ لها أوقاتا مخصوصة ، فلا يزيد الدوام فيها على المواظبة على أدائها ـ كما قالوه ـ إلّا أنّ مطلق الصلاة المتناول للنافلة المطلقة ـ التي لا تتقيّد بوقت. بل هي « خير موضوع ، فمن شاء استقلّ ، ومن شاء استكثر » ـ يستدعي الدوام بالمعنى المذكور ، منضمّا إليها ما يخصّ

__________________

(١) « المعارج » ٧٠ : ٢٣.

(٢) « المعارج » ٧٠ : ٣٤.

(٣) « الكافي » ٣ : ٢٦٩ باب من حافظ على صلاته. ح ١٢ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٤٠ ـ ٩٥١.

(٤) « الكافي » ٣ : ٤٤٢ باب صلاة النوافل ، ح ١.

(٥) « التبيان » ١٠ : ١٢٢ ، « مجمع البيان » ١٠ : ٣٥٦ وما بعدها ، « تفسير الطبري » ٢٩ : ٥٠ ـ ٥٤ وما بعدها ، « التفسير الكبير » ٣٠ : ١٢٩.

١٣

الفريضة من الوقت.

ويراد بالمحافظة معنى آخر ، إمّا المذكور سابقا عامّا أو خاصّا ، وإمّا تعهّدها ومراعاتها والاهتمام بها على وجه لا يحصل معه تضييعها والتقصير في شأنها من قبيل قوله تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (١) فتكثر الفائدة ، وتدخل النافلة مع اتّحاد الموضوع ، ومناسبة مقتضى الدوام ، والمحافظة وإطلاق الصلاة فيهما ، فالأولويّة من هذه الحيثية غير واضحة.

نعم ، هو أولى من حيث إنّ مفسّرة أعلم بمراد الله تعالى ، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.

واعلم أنّ في إطلاق الموضوعية على الصلاة في هذا المقام توسّعا كما لا يخفى.

( وعن النبيّ صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله : الصلاة خير موضوع ) (٢) بالوصف لا بالإضافة ، لأنّ الإيمان من الخيرات الموضوعة ، وهو خير منها ، اللهمّ إلّا أن يخصّ الموضوع بالأعمال البدنية ، فيمكن إجراء فعل التفضيل على بابه ، وتتمّ الإضافة والوصف ، ويتأيّد حينئذ بما روي أنّه : « ما تقرّب العبد إلى الله تعالى بشي‌ء بعد المعرفة أفضل من الصلاة » (٣). ولكن يبقى فيه أنّ الظاهر من هذا الخبر إرادة الصلاة اليومية كما حقّقناه في الرسالة الألفية (٤).

وظاهر الخير الموضوع مضافا إلى قوله : ( فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر ) (٥)

إرادة النافلة كما يقتضيه ظاهر المشيئة أو الأعمّ.

فإن قلت : يمكن استفادة تفضيل مطلق الصلاة اليوميّة على غيرها من العبادات من هذا الحديث مقيّدا بالإضافة ، واستفادة تفضيل الصلاة اليومية على غيرها حتّى الصلوات

__________________

(١) « البقرة » ٢ : ٢٣٨.

(٢) « أمالي الشيخ الطوسي » ٥٣٩ ـ ١١٦٣ ، « معاني الأخبار » ٣٣٢ ـ ١.

(٣) « الكافي » ٣ : ٢٦٤ باب فضل الصلاة ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٣٦ ـ ٩٣٢.

(٤) « المقاصد العلية في شرح الألفيّة » ٣٠.

(٥) « أمالي الشيخ الطوسي » ٥٣٩ ـ ١١٦٣ ، « معاني الأخبار » ٣٣٣ ـ ١.

١٤

الواجبة والمندوبة من ذلك الحديث ، ولا منافاة بين الأمرين.

قلت : هذا وإن كان محتملا من هذه الجهة ، إلّا أنّه لا يعارض ما قد دلّ على تفضيل غير الصلاة المتنازع فيها من الأخبار الصحيحة أو المستفيضة ، كخبر : « أفضل الأعمال أحمزها » (١) ، و « أفضل الأعمال بعد الإيمان جهاد في سبيل الله » (٢) إلى آخره.

وإنّما لم يعارضه هذا الحديث ، لأنّه لا يدلّ على ما يوجب المعارضة ، إلّا إذا قرئ بالإضافة ، وإرادتها من الشارع غير معلومة. وإنّما المعلوم منه القدر الحاصل من الوصف ، لأنّه قدر مشترك بين المعنيين المشتركين المحتملين ، وما زاد عليه مشكوك فيه ، فكيف يعارض ما دلّ عليه غيره صريحا؟!

فإن قلت : على الوصف لا يبقى للصلاة مزيّة على غيرها من العبادات ، بل مطلق الخيرات الماليّة والبدنيّة ، فإنّها بأسرها مشتركة في الخيريّة ، وإذا لم يبق فيها إلّا إثبات أصل الخيرية ، وهو معنى يشاركها فيه إطعام لقمة وكلمة طيّبة وما دون ذلك ، ضعف ذكره في مقام المدح العظيم والاختصاص بمزيد التكريم ، بل هذا يضعّف هذا الإعراب ويرجّح أنّ إعراب الإضافة أليق بمقام الكلام النبوي الآخذ بحجزة (٣) البلاغة.

قلت : يمكن استفادة المدح الموجب لزيادة الخيرية للصلاة على تقدير الوصف باعتبار آخر ، وهو تنكير الخير ، فإنّه قد يراد كذلك ، لزيادة التفخيم والتعظيم ، أي خير عظيم موضوع لمن أراده ، ومن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر » ، فإنّه يشعر أيضا بتعظيم شأن هذا الخير ، وإنّه أهل لأن يستكثر منه وتصرف فيه الأوقات.

وبذلك تظهر مزيّة الصلاة على غيرها ، ويقع الشكّ في الإضافة ، فلا يستقيم

__________________

(١) « نضد القواعد الفقهية » ١٩١ ، « النهاية في غريب الحديث والأثر » ١ : ٤٤٠ نحوه ، « غريب الحديث » ٤ : ٢٣٣ « حمز ».

(٢) « صحيح البخاري » ٢ : ٥٥٣ ـ ١٤٤٧ باب فضل الحجّ المبرور.

(٣) أصل الحجزة : موضع شدّ الإزار. والنّبي ( ص ) آخذ بحجزة الله ، أي بسبب منه. انظر : « لسان العرب » ٣ : ٦٢ « حجز ».

١٥

الاحتجاج بها كما مرّ.

ووصف الخير بكونه موضوعا لا يخرجه عن أصل التنكير الموجب للفائدة في المسند وإن قرب به إلى المعرفة.

( وعن الباقر عليه‌السلام : إنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها ، فلا يرفع له منها إلّا ما أقبل عليه بقلبه وإنّما أمروا بالنوافل ليتمّ لهم بها ما نقص من الفريضة ) (١).

والظاهر أنّ الرفع كناية عن القبول.

ويؤيّده الخبر الآخر ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها إلى العشر ، وإنّ منها لما يلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها » (٢).

والمراد بالقبول والرفع : ترتّب الثواب الموعود عليها ، وهو أمر زائد على الإجزاء ، ومن ثمّ قبل التبعيض في الصلاة الواحدة ، مع أنّ الإجزاء فيها لا يتبعّض إجماعا ، وهو على مذهب المرتضى (٣) رحمه‌الله ـ من عدم تلازمهما وجواز انفكاك القبول عن الإجزاء ـ ظاهر ، بل الحديث من جملة أدلّته عليه ، مضافا إلى قوله تعالى ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (٤) مع أنّ عبادة غير المتقي مجزئة إجماعا ، وسؤال (٥) إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام التقبّل مع أنّهما لا يعملان إلّا عملا مجزئا وغير ذلك من الأدلّة.

وأمّا على مذهب الجمهور من تلازمهما (٦) ، فهو كناية عن نقصان ثواب ما لا يقبل عليه بالقلب منها ، وذلك في المجزئة ظاهر.

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٣٦٣ باب ما يقبل عن صلاة الساهي ، ح ٢.

(٢) « عوالي اللآلي » ١ : ٤١١ ـ ٧٨ :

(٣) « الانتصار » ١٧.

(٤) « المائدة » ٥ : ٢٧.

(٥) إشارة إلى الآية : ١٢٧ من سورة البقرة ـ ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا ).

(٦) « المعتمد في أصول الفقه » ٩٠ ـ ٩١.

١٦

وأمّا الملفوفة فهي كناية عن حرمان معظم الثواب ، بحيث يضمحلّ ما يحصل في جانب الفائت وينزل منزلة العدم ، لكثرة الفائت وجلالته ، لا لعدم الحاصل ، جمعا بين ذلك وبين ما دلّ على التلازم من الدلائل العقلية المقرّرة في الكلام ، الدالّة على أنّ امتثال التكليف لا بدّ أن يستتبع الثواب ، لئلّا يكون عبثا ، مع الإجماع على أنّ الإقبال بالقلب على العبادة لا تتوقّف صحّتها عليه.

وحديث الرفع (١) أقرب إلى التأويل من حديث القبول (٢) ، لجواز كونه كناية عن اعتبار العبادة في نظر الشارع ونظر الله تعالى إليها ورفعه لشأنها وإن حصل بها أصل الثواب بدونه.

ومن الجائز كون القبول والرفع موجبين للتفضّل بأجر زائد على ما يستحقّ من الثواب الحاصل من الإجزاء ، وكون الملفوفة كناية عمّا لا تفضّل بسببها أصلا.

وأمّا سؤال إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام ، فقد وقع بما هو واقع ومتحقّق ، وهو قولهما ( رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) (٣) مع أنّهما كانا مسلمين ، وسؤال الواقع واقع انقطاعا وتعبّدا.

ويجوز أن يريد بالمطلوب من القبول والإسلام الفرد الكامل منهما ، وإطلاق أصل الحقيقة على الفرد الأكمل منها واقع أيضا ، وهو أولى وألصق بمقام الدعاء ، ومثله القول في قبول عمل المتّقين.

وأجيب (٤) عنه أيضا بأنّ المراد بهم المؤمنون ، كما نبّه عليه تعالى بقوله ( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ) (٥) وبأنّ المراد : المتّقين في نفس ذلك العمل ، بحيث لا يقع في معصية ، وهو بصورة العبادة ، كالمتصدّق بما سرق زاعما أنّ الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها ، فيفضل له تسعة أمثال.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ١٦ ، الهامش (١).

(٢) تقدم في الصفحة : ١٦ ، الهامش (٢).

(٣) « البقرة » ٢ : ١٢٨.

(٤) « تفسير القرطبي » ٢ : ١٢٦.

(٥) « الفتح » ٤٨ : ٢٦.

١٧

واعلم أنّ ظاهر الخبر (١) يقتضي أنّ النوافل تكمّل ما فات من الفريضة بسبب ترك الإقبال بها وإن لم يقبل بالنوافل بل متى كانت صحيحة ، إذ لو لا ذلك لاحتاجت النوافل حينئذ إلى مكمّل آخر ويتسلسل ويبقى حينئذ حكم النافلة التي لم يقبل بها عدم قبولها في نفسها ، وعدم ترتّب أصل الثواب أو كثيرة عليها وإن حصل بصحيحها جبر الفريضة وقبولها.

ولو أقبل بالنافلة لحصل بها جبر الفريضة مع الثواب الجزيل عليها.

ولو أقبل بهما تضاعف الثواب وتمّ القرب والزلفى.

ونحو هذا الحديث رواه أبو حمزة الثمالي قال : رأيت عليّ بن الحسين عليهما‌السلام يصلّي ، فسقط رداؤه عن منكبه ، فلم يسوّه حتّى فرغ من صلاته ، قال : فسألته عن ذلك ، فقال : « ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يقبل منه صلاة إلّا ما أقبل فيها » فقلت : جعلت فداك هلكنا ، فقال : « كلّا إنّ الله يتمّ ذلك بالنوافل » (٢).

وهذا أوضح من الأوّل فيما ذكرناه (٣) من جبر النوافل للفريضة مطلقا ، ومن أنّ الرفع كناية عن القبول.

ويحتمل أن يراد بالرفع في الخبر السالف : رفعه من سماء إلى سماء إلى أن يعرض على الله تعالى ، كما وقع مصرّحا في خبر (٤) معاذ ، الطويل ، وهو يستدعي زيادة التفات من الله تعالى ومضاعفة الثواب بسببها ، وذلك لا ينافي إثبات أصل الثواب عليها وإن لم يرفع على ذلك الوجه أصلا.

( و ) روى معاوية بن عمّار عن إسماعيل بن بشّار ، قال : ( قال الصادق عليه‌السلام ) : « إيّاكم والكسل إنّ ربّكم رحيم يشكر القليل ( إنّ الرجل ليصلّي الركعتين ) تطوّعا ( يريد بهما وجه الله ، فيدخله الله ) بهما ( الجنة ) وإنّه ليتصدّق بالدرهم تطوعا يريد به وجه الله ،

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ١٦ ، الهامش (١).

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ـ ١٤١٥.

(٣) تقدّم في الصفحة : ١٦ ، الهامش (٢).

(٤) لم نعثر على خبر معاذ في كتب الفريقين المتوفرة لدينا ، نعم صرّحت بعض كتب التفسير بأنّ من معاني الرفع القبول ومنها : « تفسير أبي السعود » ٧ : ١٤٥ ، « تفسير القرطبي » ١٤ : ٣٢٩ ، « فتح القدير » ٤ : ٣٤١ ، عن قتادة.

١٨

فيدخله الله به الجنة ، وإنّه ليصوم اليوم تطوّعا يريد به وجه الله ، فيدخله به الجنّة » (١).

هذا جملة الحديث أخذ المصنّف منه موضع الحاجة ، نظرا إلى مقصده هنا.

والمراد من الرجل المذكور : المؤمن ، ليمكن الحكم باستحقاقه الجنّة ، إذ غيره لا يدخلها على ما تحقّق في محلّه (٢) ، ولا يقبل منه عمل وإن كثر.

وعلى هذا فالحكم بدخوله الجنّة بسبب الركعتين وبالدرهم والصوم ـ مع أنّه مستحقّ لدخولها بإيمانه قطعا ، وإن استحقّ معه عقابا فإنّه يستوفى منه أوّلا إن لم يحصل له مسقط ، ثمّ يدخلها حتما ، وإن لم يفعل المذكورات ـ إمّا بمعنى أنّ كلّ واحد منها سبب الاستحقاق والدخول بواسطة امتثال الأمر ، وقبول التكليف الموجب للثواب الذي لا يحصل إلّا في الجنّة وإن كان ذلك مشروطا بالإيمان الموجب لها أيضا ، وغايته تعدد أسباب دخولها الموجب لتأكّد الدخول.

أو بمعنى أنّه يدخلها قبل من لم يفعل ذلك وإن استحقّ الدخول ، نظير ما قيل فيما روي : « أنّ المتكبّر لا يدخل الجنّة » (٣) لأنّ المراد بـ « لا يدخلها » قبل دخول غير المتكبّر ولا معه ، بل بعده وبعد العذاب في النار على معصيته.

أو بمعنى أنّ هذه الأعمال تكفّر السيّئات الموجبة للنار قبل دخول المؤمن الجنة ، فإنّ الحسنات يذهبن السيّئات ، لكن لا مطلقا ، بل على بعض الوجوه ، فيمكن كون هذا منها.

والمراد حينئذ أنّه يدخل الجنّة بسبب ذلك من غير عذاب سبق ، أو يريد بها جنّة خاصّة ، فإنّ الجنان متعدّدة المحلّ والاسم والخاصيّة والهيئة ، فلعلّه يدخل بإيمانه جنّة مخصوصة منها ، وبعمل الصالح جنّة أخرى ، أو يراد به محلّ آخر ، ومن المشهور المستفيض : أنّ الجنان ثمان بأسماء مشهورة (٤).

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٣٨ ـ ٩٤١.

(٢) « كشف المراد » ٤١٤ ، « قواعد المرام » ١٦٠.

(٣) « الكافي » ٢ : ٣١٠ باب الكبر ، ح ٦ ، ٧ ، نحوه.

(٤) لمزيد الاطّلاع عن أسماء الجنان الثمانية انظر : « شرح العرشيّة » للشيخ الأحسائي ٢ : ١٢٢.

١٩

[ أقسام النوافل ]

( ثمّ النوافل قسمان : راتبة ) في كلّ يوم وليلة ، ( وهي أربع وثلاثون ركعة حضرا ) ضعف الفريضة.

ثمان للظهر قبلها ، وثمان للعصر كذلك ، وأربع للمغرب بعدها ، واثنتان من جلوس يعدّان بواحدة للعشاء بعدها ، واثنتان للفجر قبلها.

والوتر ليلا أحد عشر ، منها ثمان تخصّ باسم صلاة الليل ، وركعتان يسمّيان الشفع ، والحادية عشرة ركعة الوتر ، وقد يطلق على الثلاث الوتر ، فهذه أربع وثلاثون.

( ونصفها سفرا ) بإسقاط نوافل ما قصر من الفريضة ، وهو سبع عشرة ، هذا هو المشهور رواية (١) المعمول عليه فتوى (٢).

( وما رواه (٣) عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام أنّها سبع وعشرون ) ركعة ( و ) ما رواه (٤) ( يحيى بن حبيب عن الرضا عليه‌السلام أنّها تسع وعشرون بنقص ) النافلة ( العصرية ) ، وهي الثمان ( ستّا ) على الرواية الأولى ( أو أربعا ) على الرواية الثانية ، ( و ) نقص ( الوتيرة ) على الروايتين ( محمول ) خبر « ما » أي ما رووا من النقص المذكور محمول ( على المؤكّد منها ) لا على انحصار السنّة فيما ذكر من العدد.

بل ليس في الخبرين إشعار بذلك ، لأنّ عبد الله بن سنان قال في خبره : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا تصلّ أقلّ من أربع وأربعين ركعة » (٥).

وهو كما ترى ليس فيه نهي عمّا زاد عن الأربع والأربعين ، ولا نفي لرجحانه ، وإنّما نهى عليه‌السلام أن ينقص عنها.

فإذا ورد في غيره من الأحاديث الأمر بما زاد كان مقبولا غير مناف ، ويكون حثّه

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٤٣٩ باب التطوع في السفر ، ح ٣ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ١٤ ـ ٣٦.

(٢) « المقنعة » ٩١ ، « النهاية » ٥٧.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦ ـ ٩.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٦ ـ ١٠ ، « الاستبصار » ١ : ٢١٩ ـ ٧٧٦.

(٥) تقدّم في الصفحة السابقة ، الهامش (٤).

٢٠