الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-541-5
الصفحات: ٤٢٩

( والخاتم الحديد ) ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يصلّ الرجل وفي يده خاتم حديد » (١).

وروى عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا تتختّم به فإنّه من لباس أهل النار » (٢).

والأكثر (٣) لم يذكروا الخاتم بخصوصه ، بل كرهوا مطلق الحديد البارز دون المستور ، وكأنّهم حملوا حديث الخاتم أيضا على المقيّد السابق.

وفي هذا المقام بحث وهو : أنّ المقيّد في هذا المقام هو الحديد في غلاف ، وذلك لا يتحقّق إلّا في حديد من شأنه ذلك كالسيف والسكّين ، وأمّا الخاتم وشبهه فليس له غلاف لغة ولا عرفا فلا يدخل في التقييد ، بل يبقى مطلقه على حاله.

ومن ثمّ ذكر المصنّف هنا الخاتم منفردا بعد أن قيّد الحديد بالبروز ، لكن يبقى فيه إطلاق تقييده بالبروز ، فإنّه ممّا لا يدلّ دليل عليه ، لما قد عرفت أنّ المستثنى إنّما هو الحديد في غلاف وبينهما واسطة ، فعلى هذا كلّ حديد ليس في غلاف يكره وإن كان مستورا بغيره ، فلا يتمّ حينئذ إطلاقهم الحكم في البارز والمستور إلّا أن يتكلّفوا من الغلاف إرادة الساتر مطلقا ، وهو بعيد.

وعلى تقدير تمامه يتقيّد حديث الخاتم ، فإنّه مطلق ، ولا يتمّ ذكر المصنّف له على حدة.

( و ) الخاتم ( المصوّر ) بصورة ذي روح ، لرواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام حين سأله في الخاتم فيه مثال الطير أو غير ذلك ، قال : « لا تجوز الصلاة فيه » (٤).

وحرّم الصلاة فيه بعض (٥) الأصحاب ، لظاهر الرواية.

والموجود في كلام المصنّف وغيره : أنّ الحكم في الثوب والخاتم واحد ، فإن كره مطلق المثال في الثوب كره في الخاتم وإن اختصّ اختصّ.

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٤٠٤ باب اللباس الذي تكره. ح ٣٥.

(٢) « الفقيه » ١ : ١٦٤ ـ ٧٧٣.

(٣) « التنقيح الرائع » ١ : ١٨١ ، « تذكرة الفقهاء » ٢ : ٥٠٥.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٧٢ ـ ١٥٤٨.

(٥) « المبسوط » ١ : ٨٣ ـ ٨٤.

١٠١

وإطلاق هذه الرواية يدلّ عليه ، لأنّه قال : مثال الطير أو غير ذلك ، وهو شامل.

ولعلّه خصّ الخاتم بالصورة ، نظرا إلى قرينة صورة الطير بحمل غير ذلك على صور الحيوان ، أو يريد بالصورة مطلقا : المثال ، وغيّر العبارة تفنّنا ، لكنّه بعيد.

( والخلخال المصوّت ) للمرأة ، لمنافاته الخشوع بسبب سماعها لصوته. وروى عليّ بن جعفر ، عن أخيه (١) عليه‌السلام : كراهة لبسه لها مطلقا فتدخل فيه الصلاة ، وعلى التعليل الأول يتعدّى إلى كلّ مصوّت شاغل.

( وفي واسع الجيب إلّا مع زرّه أو شعار تحته ) وهو ثوب ملاصق للجلد تحته ( واستصحاب الدراهم الممثّلة ) بمثال حيوان أو شجر ( وخصوصا البارزة ) وكذا يكره وضعها بين يديه. رواه ليث المرادي عن الصادق (٢) عليه‌السلام.

( واللثام ) على الفم ( غير المانع من القراءة ) ولو منع شيئا منها أو من الأذكار الواجبة حرم ، للخبر (٣). والمفيد أطلق المنع من اللثام (٤) ( والنقاب للمرأة كذلك ) أي إذا لم يمنع شيئا من الواجبات وإلّا حرم ( والقباء المشدود ) على المشهور (٥) بين الأصحاب ، ومستنده غير معلوم.

قال الشيخ في التهذيب : « ذكره عليّ بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ، ولم أجد به خبرا مسندا » (٦).

قال المصنّف في الذكرى ـ بعد حكاية كلام الشيخ ـ : « قد روى العامّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يصلّ أحدكم وهو محزّم » (٧). وهو كناية عن شدّ

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٤٠٤ باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه. ح ٣٣ ، « الفقيه » ١ : ١٦٥ ـ ٢٧٥.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٦٣ ـ ١٥٠٤.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٣.

(٤) « المقنعة » ١٥٢.

(٥) « المقنعة » ١٥٢ ، « المبسوط » ٨٣١.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٩٣٢٣٢.

(٧) « المنتقى من أخبار المصطفى » ١ : ٦٧٨ ـ ٦٧٨ باب من صلّى في قميص غير مزرّر. ، باختلاف يسير في ألفاظ الحديث.

١٠٢

الوسط » (١) وأراد بذلك أنّ القباء المشدود داخل في ذلك ، وهو حسن ، لكن يبقى الكلام في تخصيص القباء المشدود بالحكم.

( ولبس السيف في غير الحرب للإمام ) الذي يؤمّ في الصلاة. رواه عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن السيف هل يجري مجرى الرداء ، يؤمّ القوم في السيف؟ قال : « لا يصلح أن يؤمّ القوم في السيف إلّا في حرب » (٢).

واعلم أنّ قيد الحرب في السيف منصوص كما رأيت وفي القباء المشدود مشهور (٣) كأصل الحكم حتّى أنّ كلّ من ذكره قيّده به.

ويشكل الأمر في تركيب الرسالة ، لأنّ الجار في قوله : « في غير الحرب » ، إن تعلّق بالفعلين معا ـ أعني : المقدّر في القباء والملفوظ في السيف ـ وافق النصّ والشهرة ، لكن يشكل في قوله : « للإمام » ، فإنّه مختصّ بلبس السيف ، وإن تعلّق بالثاني خاصّة خلا القباء عن القيد ، وهو موجود في كلامهم به ، ولكنّ الأنسب تعلّقه بالثاني وإن خلا الأوّل منه ، لما ذكرناه.

ويبقى الكلام في وجه خلوّه ما نبّه عليه المصنّف في الذكرى (٤) من المأخذ من النهي عن صلاة المحزّم ، فإنّه خال عن قيد الحرب.

ويبقى استثناؤه في كلامهم لمكان الضرورة ، وهو كاف وإن لم يصرّح به ، فيكون ترك إشارته هنا إليه للتنبيه على المأخذ حيث هو خال عنه.

( والصلاة في السنجاب ) خروجا من خلاف الأكثر (٥) حيث منعوا من الصلاة فيه ، ولرواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، وقد سأله عن الصلاة في أشياء منها السنجاب ، فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ كلّ شي‌ء حرم أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شي‌ء منه فاسد ، لا تقبل

__________________

(١) « الذكرى » ١٤٨.

(٢) « مسائل عليّ بن جعفر » ٢٢٧ ـ ٥٢١.

(٣) « البيان » ١٢٣ ، « المهذّب البارع » ١ : ٣٢٧.

(٤) « الذكرى » ١٤٨.

(٥) « الخلاف » ١ : ٥١١ ، « السرائر » ١ : ٢٦٢ ، « المهذّب البارع » ١ : ٣٢١ ، « مختلف الشيعة » ٢ : ٩٤ ، ذيل المسألة : ٣٥.

١٠٣

تلك الصلاة حتّى تصلّي في غيره » (١).

وإنّما حملت على الكراهة بالنسبة إلى السنجاب ، لدلالة أخبار (٢) صحيحة على جواز الصلاة فيه ، وغايته مع سلامة الرواية أنّ فيه استعمال المشترك في معنييه.

( وجلد الخزّ ) ، تخلّصا من خلاف بعض (٣) الأصحاب حيث منع منه ، والخبر السابق دليل عليه ، ويخصّص بقول الرضا عليه‌السلام في خبر سعد بن سعد : « إذا حلّ وبره حلّ جلده » (٤) ، مع الإجماع (٥) على جواز الصلاة في وبره.

ويشترط في جواز الصلاة في السنجاب مطلقا التذكية ، لأنّه ذو نفس ، وكذا في جلد الخزّ.

وذكاته إخراجه من الماء حيّا.

أمّا وبره فلا يشترط فيه التذكية إجماعا ، نصّ عليه المصنّف في الذكرى (٦) والمحقّق في المعتبر (٧).

( والوقوف على الحرير ) بأن يكون الفراش الذي يصلّى عليه حريرا محضا ، خروجا من خلاف المحقّق (٨) ، نظرا إلى عموم تحريمه على الرجال ، وهو مخصوص بحديث عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليهما‌السلام : « يفرشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه » (٩). ( وجعل رأس التكّة منه ) وكذا جميع التكّة ، لرواية محمّد بن عبد الجبار عن العسكري (١٠) عليه‌السلام.

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٣٩٧ باب اللباس الذي تكره. ح ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢١٠ ـ ٨٢١ ، ٨٢٥.

(٣) « السرائر » ١ : ٢٦١.

(٤) « الكافي » ٣ : ٤٥٢ باب تقديم النوافل. ح ٧.

(٥) « جامع المقاصد » ٢ : ٧٨.

(٦) « الذكرى » ١٤٤.

(٧) « المعتبر » ٢ : ٨٤.

(٨) « المعتبر » ٢ : ٨٩ ـ ٩٠.

(٩) « الكافي » ٦ : ٤٧٧ باب الفرش ، ح ٨.

(١٠) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٠٧ ـ ٨١٠.

١٠٤

( والصلاة في ثوب المتّهم بالنجاسة ) ، لرواية عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجرّي ويشرب الخمر فيردّه ، أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال : « لا يصلّ فيه حتى يغسله » (١). والنهي محمول على الكراهة ، لرواية هذا الراوي بعينه جواز الصلاة فيه قبل غسله ، معلّلا بـ « أنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أنّه نجّسه فلا بأس بأن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه » (٢) ( أو ) المتّهم بـ ( الغصبيّة ) في لباسه ، أمّا لو كان متنزّها عنها فيه فلا وإن لم يتنزّه عنها في غيره.

( و ) الثوب ( الملاصق لوبر الأرانب والثعالب ) فوقه أو تحته ( في الأصحّ ) ، لبعد تخلّصه منه ، وللأخبار (٣) الدالّة على النهي عن الصلاة فيه ، المحمولة على الكراهة ، مع قصورها عن المستند ، خلافا للشيخ في النهاية (٤) فإنّه منع من الصلاة فيه.

( وما ) أي الثوب الذي ( عمله الكافر مع جهل الرطوبة )حالة المباشرة ، خروجا من خلاف الشيخ في المبسوط (٥) بالمنع من الصلاة فيه ، بل في ثوب كلّ من يستحلّ شيئا من النجاسات أو المنكرات ، مع أنّه روى في التهذيب (٦) عن معاوية بن عمّار في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس ، وهم أخباث يشربون الخمر ، ونساؤهم على تلك الحال ، ألبسها ولا أغسلها وأصلّي فيها؟ قال : « نعم » قال معاوية : فقطعت له قميصا وخطته ، وفتلت له رداء من السابريّ ، ثمّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار ، فكأنّه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة.

( ونجس معفوّ عنه كالتكّة ) جواز الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا ممّا لا نعلم فيه خلافا ، إلّا أنّ الرواية (٧) به مرسلة ، وهي منجبرة بعمل الأصحاب بمضمونها ، فيمكن

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٤.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٥.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢١٢ ـ ٨٣٠ ـ ٨٣١.

(٤) « النهاية » ٩٧.

(٥) « المبسوط » ١ : ٨٤.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٧.

(٧) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٥٨ ـ ١٤٨١.

١٠٥

كون استحباب اجتنابها لذلك ، أو لإطلاق النصوص (١) باعتبار طهارة الثوب والبدن في الصلاة.

( ونفس الخضاب للرجل والمرأة ) ، لرواية أبي بكر الحضرمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي وعليه خضابه؟ قال : « لا يصلّي وهو عليه ، ولكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي ، قلت : إنّ حنّاه وخرقته نظيفة؟ قال : لا يصلي وهو عليه ، ولكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي والمرأة أيضا لا تصلّي وعليها خضابها » (٢).

وهو محمول على الكراهة ، جمعا بينه وبين ما دلّ على الجواز صريحا.

واحترز بنفس الخضاب عن أثره فلا كراهة فيه ، بل هو من الآثار الصالحة والأعمال الراجحة.

( وجعل اليدين تحت الثوب ) إن لم يكن عليه ثوب آخر إزار أو سراويل ، لرواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلّي فيدخل يده في ثوبه؟ قال : « إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس ، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك ، وإن أدخل يدا واحدة ولم يدخل الأخرى فلا بأس » (٣).

ومنع الجواز هنا يريد به الكراهية ، جمعا بينها وبين رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في الرجل يصلّي ولا يخرج يديه من ثوبه؟ فقال : « إن أخرج يديه فحسن وإن لم يخرج فلا بأس » (٤). وإنّما لم يقيّد المصنّف الحكم بما ذكر في الرواية من القيود ، إيجازا مع إيمائه إليها ، إذ المفهوم من تعليق الحكم على اليدين انتفاؤه عمّا دونهما أعمّ من إدخال الواحدة وعدم الإدخال ، ومن توحيد الثوب تعلّق الحكم بالواحدة خاصّة ، لكن بتكلّف ، وإنّما يكره جعلهما تحت الثوب ( لا في الكمّين ) أمّا فيهما فلا ، إذ لا يصدق على وضعهما فيهما إدخالهما في ثوبه عرفا.

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٥٤ باب المني والمذي. ح ٣.

(٢) « الكافي » ٣ : ٤٠٨ باب الرجل يصلّي وهو متلثّم. ح ٢.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٥٦ ـ ١٤٧٥.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٥٦ ـ ١٤٧٤.

١٠٦

( وإبقاء شي‌ء من البدن غير مستور ) للرجل ، بل يستر جميع بدنه المعتاد ستره.

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فإنّ الله أحقّ أن يتزيّن له » (١).

وقد تقدّم (٢) رواية العمامة والرداء والسراويل ( وخصوصا من السرّة إلى الركبة ) ، خروجا من خلاف من (٣) جعل ذلك هو العورة من الأصحاب ( وآكده للإمام فلا يقتصر على السراويل والقلنسوة ) ، لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤمّ في سراويل وقلنسوة؟ قال : « لا يصلح » (٤).

[ المقدّمة ] ( السابعة : المكان )

( وسننه مائة : )

( إيقاعها ) أي الفريضة بقرينة ما سيأتي من أنّ الفضل للمنزل في النافلة ( في المسجد ) أيّ مسجد كان خصوصا إذا كان المصلّي جاره ، فقد ورد : « أنّ صلاته لا تقبل في غيره » (٥)( والأفضل الأربعة ) المعهودة المشهورة في باب الاعتكاف ، وهي المسجد الحرام ومسجد النبيّ عليه الصلاة والسلام ومسجد الكوفة ومسجد البصرة ( و ) المسجد ( الأقصى ) لقّب بذلك ، لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام المذكور معه الذي هو مبدأ الإسراء ، ومما ورد في فضلها ما رواه خالد القلانسي عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وفي مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعشرة آلاف ، وفي مسجد الكوفة بألف » (٦) ، وكذا روي (٧) في المسجد الأقصى ، وأمّا

__________________

(١) « سنن البيهقي » ٢ : ٢٣٦.

(٢) تقدّم في الصفحة : ٩٤ ـ ٩٥.

(٣) « الكافي في الفقه » ١٣٩ ، « المهذّب » ١ : ٨٣.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٦٦ ـ ١٥٢٠.

(٥) « تهذيب الأحكام » ١ : ٩٢ ـ ٩٣.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٦ : ٣١ ـ ٥٨.

(٧) « تهذيب الأحكام » ٣ : ٢٥٣ ـ ٦٩٨.

١٠٧

مسجد البصرة فقد صلّى فيه عليّ عليه‌السلام ، وصار له بذلك مزيّة.

( و ) في ( المشاهد الشريفة ) للأئمّة عليهم‌السلام وللأنبياء عليهم‌السلام إن فرض تحقّقها ( لا في مسجد الضرار ) وهو ما بني مضارّة لمسجد آخر ، لنهي (١) الله تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن القيام فيه وأمره بتخريبه فخرّبه.

( وفي كثير الجماعة ) ، لزيادة فضله بزيادتها ، إذ ثوابها يتضاعف كلّما زادت واحدا بقدر جميع ما سبق إلى العشرة ، ثمّ لا يحصي ثوابها إلّا الله تعالى.

( و ) إيقاع ( النافلة في المنزل ) ، لأمر (٢) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بصلاتها في بيوتهم.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة » (٣) ( وخصوصا الليلية ) ، لأنّ فعلها فيه أبعد من تطرّق الرياء ، وتستثنى النافلة يوم الجمعة ، لفضيلة البكور ، وركعتا الطواف وركعتا الإحرام إذا كان الميقات مسجدا.

( و ) صلاة الفريضة ( في الحرم ) الشريف حول مكّة ، ( و ) في ( مواقيت الحجّ والعمرة ) التي يحرم بها منها ( والمشاعر الشريفة ) جمع مشعر وهو موضع العبادة كعرفة والمشعر الحرام ومنى ( وصلاة المرأة في دارها ) الشاملة للصحن والبيت ( وأفضلها ) أي أفضل الدار ( البيت ) ، لأنه أستر. وقد قال الصادق عليه‌السلام : « أفضل مساجد نسائكم البيوت » (٤).

( وأفضله ) أي أفضل البيت ( المخدع ) بكسر الميم وضمّها ـ وهو الأصل ـ وفتح الدال ، وهو الخزانة في البيت ( والصفّة ) بضمّ الصاد ثمّ الفاء المشدّدة ، وهو المستور من الدار ( لها ) أي للمرأة ( أفضل من الصحن ) وهو غير المستور منها.

( وهو ) أي الصحن أفضل ( من السطح المحجر ) بالمهملة أخيرا ـ أي المبنى حوله حائط ونحوه ، ليمنع من رؤية من على السطح.

__________________

(١) « التوبة » ٩ : ١٠٧.

(٢) « سنن الترمذي » ٢ : ٣١٣ ـ ٤٥١ باب ما جاء في فضل صلاة التطوّع.

(٣) « مسند أحمد » ٥ : ١٨٢ ، « سنن النسائي » ٣ : ١٩٨ ، « سنن الترمذي » ٢ : ٣١٢ ـ ٤٥٠.

(٤) « الفقيه » ١ : ١٥٤ ـ ٧١٩ ، وفيه وفي غيره « خير » بدل « أفضل ».

١٠٨

( وهو ) أي السطح المحجر أفضل ( من غيره ) وهو السطح غير المحجر ونحوه ، كلّ ذلك للخبر (١) ، ومراعاة للستر.

( وطهارة المصلّي أجمع ) خروجا من خلاف المرتضى (٢) حيث اشترط طهارته استنادا إلى حديث (٣) لا ينهض حجّة ، خصوصا في مقابلة أخبار (٤) تدلّ على الصحّة. ويمكن حمله على الاستحباب كما اختاره المصنّف هنا.

( وصلاة راكب السفينة على الجدد ) ـ بالفتح ـ وهو الأرض الصلبة. والمراد هنا : الأرض التي لا ماء عليها ( مع تمكّنه فيها ) من الصلاة مستقرّا بأن تكون السفينة مستقرّة.

ولو لم تكن مستقرّة لم تصحّ الصلاة فيها مع القدرة على الخروج على أجود القولين ، لرواية حمّاد بن عيسى عن الصادق عليه‌السلام : « إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا ، فإن لم تقدروا فصلّوا قياما ، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا وتحرّوا القبلة » (٥) ، ولأنّ القرار ركن في القيام وحركة السفينة تمنع من ذلك.

( والسترة ) بضمّ السين ـ أمام المصلّي في مسجد أو بيت ثباتا لحريم صلاته ومحلّ حركاته ، لئلّا يمر فيه أحد أو يشغل فكره ، فإن كانت الصلاة في مسجد أو بيت فحائطه أو عمود ، وإن كان في فضاء أو طريق جعل شاخصا بين يديه ( ولو قدر ذراع أو بالسهم ) منصوبا إن أمكن وإلّا فمعترضا ( أو الحجر أو العنزة ) محرّكة ، وهي العصا في أسفلها حديد مركوزة على الأفضل. وتجزئ ( ولو معترضة أو كومة تراب أو خطّ ) في الأرض ( أو حيوان ولو ) كان ( إنسانا غير مواجه ) للمصلّي.

كلّ ذلك ورد في النصوص.

روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذراعا ، وكان إذا صلّى وضعه بين يديه يستتر به عمّن يمرّ

__________________

(١) « الكافي » ٦ : ٥٣٠ باب تحجير السطوح ، ح ١ ـ ٦.

(٢) نقله عنه الشهيد في « الذكرى » ١٥٠.

(٣) « سنن ابن ماجة » ١ : ٢٤٦ ـ ٧٤٦ باب المواضع التي تكره فيها الصلاة.

(٤) « الفقيه » ١ : ١٥٨ ـ ٧٣٦ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٦٩ ـ ١٥٣٧.

(٥) « الكافي » ٣ : ٤٤١ باب الصلاة في السفينة ، ح ١.

١٠٩

بين يديه » (١).

وعنه عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى » (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرحل ، فإن لم يجد فحجر فإن لم يجد فسهم ، فإن لم يجد فيخطّ في الأرض بين يديه » (٣).

وعنه عليه‌السلام : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع قلنسوة وصلّى إليها » (٤).

( والدنوّ من السترة مربض عنز إلى مربض فرس ) ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته » (٥).

وروى سهل الساعدي قال : « كان بين مصلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين الجدار ممرّ الشاة » (٦).

( وسترة الإمام ) كافية ( للمأموم ) ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأمر المؤتمّين به بسترة ، وأيضا فظهر كلّ واحد منهم سترة لمن خلفه.

( ودرء المارّ بين يديه ) ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يقطع الصلاة شي‌ء فادرأوا ما استطعتم » (٧).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا صلّى أحدكم إلى شي‌ء يستره من الناس فأراد أن يجتاز بين يديه فليدافعه » (٨)

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٢٩٦ باب بناء مسجد النبيّ. ح ٢ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٧.

(٢) « الكافي » ٣ : ٢٩٦ باب بناء مسجد النبيّ. ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٦.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٧٨ ـ ١٥٧٧.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٠.

(٥) « جامع الأصول » ٥ : ٥٢٣ ـ ٣٧٤٧.

(٦) « جامع الأصول » ٥ : ٥٢٣ ـ ٣٧٤٨.

(٧) « جامع الأصول » ٥ : ٥١١ ـ ٣٧٢٥.

(٨) « جامع الأصول » ٥ : ٥١٣ ـ ٣٧٢٥.

١١٠

ومحل الدرء ما بين المصلّى والسترة ، وهل يختصّ بمن له سترة أو يعمّ؟

الأقوى الأوّل ، لدلالة الأخبار (١) عليه ، وما أطلق منها محمول على المقيّد.

ولو احتاج الدفع إلى قتال ، تركه.

وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإن أبى فليقاتله ، فإنّما هو شيطان » (٢) تغليظ في التهديد أو يريد قتالا لا يؤدي إلى جرح ولا ضرر.

وإنّما يستحبّ الدفع مع دنوّه من السترة ، فلو بعد عنها فكفاقدها.

ولو لم يجد المارّ سبيلا سوى ذلك لم يدفع ، للضرورة والحرج ( وروى سليمان بن حفص المروزي ) ـ بسكون الراء وفتح الواو ـ ( عن أبي الحسن (٣) عليه‌السلام : أنّه لو مرّ قبل ) دعاء ( التوجّه أعاد التكبير ) مقارنا للنية فعلا ، وليس بمعتمد ، والراوي مجهول.

( ورشّ البيعة والكنيسة وبيت المجوسي لمريد الصلاة فيها ) ، لصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام حين سأله عنها ، فقال : « رشّ وصلّ » (٤).

وينبغي أن يترك حتّى يجفّ ، نبّه عليه في المبسوط (٥).

( ومساواة المسجد ) ـ بفتح الجيم ـ وهو محلّ السجود ( للموقف أو خفضه ) أي المسجد عن الموقف ( باليسير ) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إنّي أحبّ أن أضع وجهي موضع قدمي » (٦) ، ولأنّه أمكن في السجود ، وأدخل في الإذعان للمعبود.

والزيادة على موضع القدم وإن لم ينفه النصّ إلّا أنّه أبلغ.

( وبعد المرأة والخنثى عن الرجل بعشرة أذرع أو مع حائل ) إن كانت قدّامه أو عن يمينه أو يساره ، أمّا لو كانت خلفه كفى تأخّرها بمسقط جسدها بأسره ، عملا بظاهر رواية (٧)

__________________

(١) أي الأخبار المتقدّمة الذكر.

(٢) « صحيح البخاري » ١ : ١٩١ ـ ٤٨٧ باب يردّ المصلّي من مرّ.

(٣) لم نعثر على الرواية فيما لدينا من المصادر الحديثية.

(٤) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٢٢ ـ ٨٧٥.

(٥) « المبسوط » ١ : ٨٦.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٨٥ ـ ٣١٦.

(٧) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٣١ ـ ٩١١.

١١١

عمّار ، وخروجا من خلاف جماعة (١) من أصحابنا حيث منعوا من الصلاة بدون ذلك.

ولا فرق بين المحرم والأجنبيّة والمقتدية والمنفردة. نعم يشترط كون الصلاتان صحيحتين.

( وكذا المرأة عن الخنثى ) ، لاحتمال ذكوريّته ( والخنثى عن مثله ) ، لاحتمال ذكوريّة المتأخّر وأحد المتوازيين.

( وتقديم الرجل في الصلاة لو زاحمه الخنثى أو المرأة ) مع سعة الوقت ، أمّا مع ضيقه فتزول كراهة الاقتران أو تحريمه حيث لا يمكن الافتراق ( وتقديم الخنثى على المرأة ) كذلك.

( وتجنّب الكعبة في الفريضة ) ، لرواية محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة » (٢) وخروجا من خلاف بعض (٣) الأصحاب حيث منع منه ، نظرا إلى الرواية ، وإلى ظاهر قوله تعالى ( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٤) أي نحوه ، وإنّما يتحقّق في الخارج عنه ، وحمل النهي على الكراهة ، والنحو يتحقّق بجزء منها داخلا أو خارجا.

واحترزنا بالفريضة عن النافلة فلا تكره فيها ، بل تستحبّ خصوصا في زواياها وعلى الرخامة.

( و ) تجنّب ( الحبل المشدود بنجاسة ) بحيث لا يستقلّ بحمل الجزء النجس منه وإن تحرّك بحركته ، ومثله طرف العمامة والثوب الطويل الذي يتّصل ذيله بالنجاسة ، ولا يحمل ذلك الجزء في حال الصلاة.

( والحمّام ) ، لأنّه مظنّة النجاسة ومأوى الشياطين ، وللرواية (٥) ( لا المسلخ ) في أجود القولين ، لعدم تسميته حمّاما ، إذ المراد به موضع الاغتسال ، لأنّ اشتقاقه من الحميم ، وهو الماء الحارّ الذي يغتسل به ، فلا يتعدّى إلى غيره.

__________________

(١) « المختصر النافع » ٥٠ ، « حاشية الإرشاد » للكركي الورقة : ٢٥ ، مخطوطة مكتبة آية الله المرعشي « قدّه » برقم (٧٩).

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٧٦ ـ ١٥٦٤.

(٣) « الخلاف » ١ : ٤٣٩ المسألة : ١٨٦ ، « المهذّب » ١ : ٧٦.

(٤) « البقرة » ٢ : ١٥٠.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢١٩ ـ ٨٦٣.

١١٢

وألحقه به العلّامة في النهاية (١) ، فكان ينبغي للمصنّف إدخاله ، خروجا من خلافه كما هو شأنه في غيره.

أمّا سطحه وباقي مرافقه فلا يتعدّى إليه قطعا إلّا أن يكره بوجه آخر كبيت ناره.

( وبين القبور لا بحائل ) بينه وبينها من جميع الجهات ولو عنزة أو قدر لبنة ونحوه ( أو بعد عشر أذرع ) كذلك.

( وعلى القبر ) الواحد ( وإليه ) لا أمامه وعن أحد جانبيه ، وفي حكمه القبران ، أمّا المقابر المجتمعة فحكمها ما تقدّم.

ولو جعلها بأجمعها خلفه أو عن أحد جانبيه ، فالظاهر عدم الكراهة مع احتمال اعتبار التباعد المذكور أيضا ، كما لو صلّى بينها.

واستحباب اجتناب الصلاة على هذا الوجه ثابت ( وإن كانت نافلة إلى قبور الأئمّة عليهم‌السلام ) ، لإطلاق النصوص (٢) بالنهي ( إلّا على رواية (٣) بجوازها ) أي النافلة ، وهي صلاة الزيارة من غير كراهية ( إليها ) أي إلى قبور الأئمة عليهم‌السلام بأن يجعل القبر في قبلته ويصلّي. والمشهور عموم الكراهية (٤).

( وعند الرأس ) أي رأس المزور ( أفضل ) من غيره من جوانب المشهد.

ولو كانت الزيارة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالأفضل صلاتها في الروضة.

( وتجنّب ) الصلاة على ( الحنطة ) إكراما لها ( وكدسها ) بضمّ الكاف وسكون الدال ـ واحد الأكداس ( المطين ) بفتح الميم وكسر الطاء فسكون الياء ـ الموضوع عليه الطين ، وفيه لغة أخرى ضعيفة وهي ضمّ الميم وفتح الطاء وتشديد الياء مفتوحة.

ومستند الكراهة رواية محمد بن مصادف ، عن الصادق (٥) عليه‌السلام بالنهي عن

__________________

(١) « نهاية الإحكام » ١ : ٣٤٤.

(٢) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ـ ٨٩٦ ـ ٨٩٧.

(٣) « كامل الزيارات » ١٢٢ ـ ١.

(٤) « المعتبر » ٢ : ١١٢ ، « تذكرة الفقهاء » ٢ : ٤٠٤ ، ذيل المسألة : ٨٥ ، « قواعد الأحكام » ١ : ٢٥٩ ، « الدروس » ١ : ١٥٤ ، « البيان » ١٣٢.

(٥) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٠٩ ـ ١٢٥٢.

١١٣

الصلاة فوق الكدس من الحنطة المطين وإن كان مسطّحا ، وهو للكراهة ، تعظيما لها.

( والمعطن ) ـ بكسر الطاء ـ : واحد المعاطن ، وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب عللا بعد نهل ، لما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا أدركتك الصلاة وأنت في مراح غنم فصلّ فيه فإنّها سكينة وبركة ، وإذا أدركتك الصلاة وأنت في معاطن الإبل فاخرج منها وصلّ ، فإنّها جنّ من جنّ خلقت » (١).

وقيل : « إنّ عطنها مواطن الجنّ » (٢) والكراهة ثابتة فيه.

( ولو غابت الإبل ) ، لتعليق الحكم على المحلّ من غير تقييد ، ولا بأس بالمواضع التي تبيت فيها الإبل وتناخ فيها لعلفها ، لأنّها لا تسمّى معاطن مع احتمال عموم الكراهة لها.

( ومرابط الخيل والبغال والحمير ) لمقطوعة سماعة (٣) ، ولكراهة فضلاتها وبعد انفكاكها منها. والمرابط ـ جمع مربط بكسر الباء وفتحها ـ : موضع ربطها ومأواها.

ولا فرق بين أن تكون غائبة وحاضرة ، ولا في الحمير بين الإنسيّة والوحشيّة.

( ومرابض الغنم ) بالضاد المعجمة ـ جمع مربض ، وهو مأواها ومقرّها عند الشرب ، كمعطن الإبل ، وإنّما يكره فيها ( في قول ) أبي الصلاح (٤) رحمه‌الله ، بل ربّما قال بالتحريم.

والمشهور عدم الكراهة (٥) ، لما ذكر في الرواية ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم » (٦).

( وبيت المجوسي ) وإن لم يكن فيه ، وتزول الكراهة برشّه ، لقول الصادق عليه‌السلام : « رشّ وصلّ » (٧) لمّا سئل عن الصلاة في بيت المجوسي ( أو بيت فيه مجوسي )

__________________

(١) « سنن البيهقي » ٢ : ٤٤٩.

(٢) « جامع المقاصد » ٢ : ١٣٢ ، نسبه إلى القيل.

(٣) « الكافي » ٣ : ٣٨٨ باب الصلاة في الكعبة. ح ٣.

(٤) « الكافي في الفقه » ١٤١.

(٥) قال في « منتهى المطلب » ١ : ٢٤٦ : « ذهب إليه أكثر علمائنا ».

(٦) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٨.

(٧) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٢٢ ـ ٨٧٥ ـ ٨٧٧.

١١٤

وإن لم يكن بيته ، لرواية أبي جميلة عن الصادق عليه‌السلام : « لا تصلّ في بيت فيه مجوسي ، ولا بأس أن تصلّي في بيت فيه يهودي أو نصراني » (١).

( أو ) بيت فيه ( كلب ) ، لرواية عمرو بن خالد ، عن الباقر عليه‌السلام قال : « قال جبرئيل : يا رسول الله إنّا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان ولا بيتا يبال فيه ولا بيتا فيه كلب » (٢). وهذا الخبر ليس صريحا في كراهة الصلاة فيه ، إلّا أنّ القرب إلى الملك لمّا كان محبوبا ـ خصوصا في الصلاة ليكتبها الملك ويرفعها ، ويحصل بمجاورته فيها الخشوع والإقبال والتنوّر ـ ناسب الكراهيّة.

( وبيت الغائط ) ، لرواية الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في العذرة قال : « تنحّ عنها ما استطعت » (٣) ، فيكون بيت الغائط أولى ، ولأنّها مظنّة النجاسة.

( والمزبلة ) ، لأنها محلّ النجاسة أو العذرات المكروهة ، وفيما تقدّم إيماء إليه.

( وبيت يبال فيه ) ، للخبر السالف ( لا على سطحه ) إذا لم يكف (٤) منه شي‌ء فيدخل في النصوص.

وأمّا نفس السطح الذي يبال فيه فيكره إن اتّخذ لذلك وإلّا فلا. رواه حديد بن حكيم عن الصادق (٥) عليه‌السلام.

( وبيت المسكر ) ، لرواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام : « لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر » (٦).

وفي تعديته إلى الفقاع وجه ، لما روي أنّه خمر مجهول (٧) ، وخمر

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٣٧٧ ـ ١٥٧١.

(٢) « الكافي » ٣ : ٣٩٣ باب الصلاة في الكعبة ، ح ٢٦.

(٣) « الكافي » ٣ : ٣٩١ باب الصلاة في الكعبة. ح ١٧.

(٤) وكف البيت بالمطر وكفا ووكوفا : سال قليلا قليلا. انظر : « المصباح المنير » ٢ : ٣٩٣ ، « وكف ».

(٥) « الكافي » ٣ : ٣٩٢ باب الصلاة في الكعبة. ح ٢٣.

(٦) « الكافي » ٣ : ٣٩٢ باب الصلاة في الكعبة. ح ٢٤.

(٧) « الكافي » ٦ : ٤٢٣ باب الفقاع ، ح ٧ و ٨.

١١٥

استصغره الناس (١).

( و ) في بيت ( النار ) وهو المعدّ لإضرامها فيه كالأتون والفرن والمطبخ ، لا ما وجد فيه نار مع عدم إعداد البيت لها بالذات كالمسكن إذا أوقد فيه نار.

ولا فرق بين كونها موجودة فيه حالة الصلاة وعدمه.

ولو غيّر البيت عن حالته وأعدّه لغيرها زالت الكراهة.

( وإليها ) أي إلى النار بأن تكون في قبلة المصلّي ولا حائل ( ولو ) كانت ( جمرا ) أو جمرة ( أو سراجا ) ، لصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصلّي والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟ فقال : « لا يصلح أن يستقبل النار » (٢).

وفي رواية (٣) عمّار النهي عن الصلاة إلى النار ولو كان في مجمرة أو قنديل معلّق.

( وإلى السلاح مشهورا ) بل إلى مطلق الحديد كذلك ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا يصلّ الرجل وفي قبلته نار أو حديد » (٤). بل كره بعض (٥) الأصحاب الصلاة إلى الحديد والسلاح المتواري.

( أو إنسان مواجه ) بالبناء للفاعل والمفعول ـ ذكره جماعة (٦) من الأصحاب ، ولم نقف على نصّ فيه ، وعلّل بحصول التشاغل به ، وبأنّ فيه تشبيها بالسجود لذلك الشخص.

( أو باب مفتوح ) والقول فيه كالسابق من عدم ظهور نصّ فيه ، وعلّلهما في

__________________

(١) « الكافي » ٦ : ٤٢٣ باب الفقاع ، ح ٩.

(٢) « الكافي » ٣ : ٣٩١ باب الصلاة في الكعبة. ح ١٦.

(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٨.

(٤) « الكافي » ٣ : ٣٩٠ باب الصلاة في الكعبة. ح ١٥.

(٥) « الكافي في الفقه » ١٤١ ، « مختلف الشيعة » ٢ : ١٢٥ ، ذيل المسألة : ٦٦.

(٦) « الكافي في الفقه » ١٤١ ، « المراسم » ٦٦ ، « جامع المقاصد » ٢ : ١٣٩.

١١٦

التذكرة (١) والنهاية (٢) باستحباب السترة بينه وبين ممر الطريق.

( أو مصحف منشور ) أي مفتوح ، لرواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته ، قال : « لا » (٣).

وألحق به العلّامة (٤) التوجّه إلى كلّ شاغل ممّا يشبهه من كتابة ونقش وغيرهما ، لاشتراك الجميع في علّة شغل القلب. وينبغي تقييده بعدم المانع من الإبصار كالعمى والظلمة.

وألحق المصنّف به الكتابة خاصة كما نبّه عليه بقوله : ( أو قرطاس مكتوب ) مع توجّهه إلى الكتابة بدلالة المقام.

( أو ) في ( طريق ) لا إليه كما هو مقتضى السياق ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس أن تصلّي في الظواهر التي بين الجوادّ ، فأمّا على الجوادّ فلا تصلّ فيها » (٥).

ولا فرق في الكراهة بين كون الطريق مشغولة بالمارّة وقت الصلاة أو لم تكن.

نعم لو تعطّلت المارّة أو تأذّت بصلاته فسدت ، للنهي عنها بمنافاة وضعها.

( أو ) في ( حديد ) وقد تقدّم (٦).

( أو ) إلى ( امرأة نائمة ) بين يديه ذكره أبو الصلاح (٧) ، ولم نقف على مستنده ، لكن لا بأس باتّباعه في ذلك ، لأنّه من الأجلّاء.

والحكم على تقديره مختصّ بالبالغة ، فلا يكره إلى الصبيّة الصغيرة ولا غيرها إلّا مع المواجهة

( أو ) إلى ( حائط ينزّ من بالوعة البول ) ، لما فيه من تعظيم شعائر الله ، وقول

__________________

(١) « تذكرة الفقهاء » ٢ : ٤١١ ، ذيل المسألة : ٨٥.

(٢) « نهاية الإحكام » ١ : ٣٤٨.

(٣) « الكافي » ٣ : ٣٩٠ باب الصلاة في الكعبة. ح ١٥.

(٤) « نهاية الإحكام » ١ : ٣٤٨.

(٥) « الكافي » ٣ : ٣٨٨ باب الصلاة في الكعبة. ح ٥.

(٦) تقدّم في الصفحة : ١٠١.

(٧) « الكافي في الفقه » ١٤١.

١١٧

الصادق عليه‌السلام : « إن كان نزّه من بالوعة فلا تصلّ فيه وإن كان من غير ذلك فلا بأس » (١).

وفي تعديته إلى ما أشبهه من النجاسات وجه.

( أو ) في ( قرى النمل ) جمع قرية ، وهي مجتمع ترابها ، لقول الصادق عليه‌السلام : « عشرة مواضع لا يصلّى فيها : الطين والماء والحمّام والقبور ومسانّ الطرق وقرى النمل ومعاطن الإبل ومجرى الماء والسبخ والثلج » (٢).

( وبطن الوادي ) علّله في الذكرى (٣) بكونه مجرى الماء ، فجاز أن يهجم عليه.

( و ) على ( الثلج والجمد والسبخة ) ـ بفتح الباء ـ واحدة السباخ ، وهو الشي‌ء الذي يعلو الأرض كالملح ، أو ـ بكسرها ـ وهي الأرض ذات السباخ.

( ومجرى الماء ) وهو المكان المعدّ لجريانه وإن لم يكن فيه ماء. وكذا يكره في نفس الماء وإن لم يكن جاريا.

( و ) في ( الطين مع الماء ) كلّ ذلك للنصّ ، وقد تقدّم أكثره ، وإنّما يجوز على كراهية ( للمتمكّن من الأفعال ) والكيفيات وإلّا لم يصحّ.

( و ) في ( المذبح ) ، لنهي (٤) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة في سبعة مواطن ، وعدّ منها المجزرة.

( وضجنان ) بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة ـ ( وهو جبل بمكّة ، والبيداء وهي على ) رأس ( ميل من ذي الحليفة ) إلى جهة مكّة.

ونقل المصنّف عن بعض العلماء : « أنّها الشرف الذي أمام ذي الحليفة ممّا يلي مكّة سمّيت بذلك ، لأنّها تبيد جيش السفياني الذي يخرج آخر الزمان » (٥).

( وذات الصلاصل ) جمع صلصال ( وهي الطين الحرّ المخلوط بالرمل ) فصار يتصلصل إذا

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٣٨٨ باب الصلاة في الكعبة. ح ٤.

(٢) « الكافي » ٣ : ٣٩٠ باب الصلاة في الكعبة. ح ١٢.

(٣) « الذكرى » ١٥٢.

(٤) « سنن البيهقي » ٢ : ٣٢٩.

(٥) « الذكرى » ١٥١.

١١٨

جفّ ، أي يصوّت ، فإذا طبخ بالنار فهو الفخار نقله الجوهري (١) عن أبي عبيدة.

ومقتضى العبارة أنّ كلّ أرض كانت كذلك كرهت الصلاة فيها.

وقال العلّامة : « أنّها أرض مخصوصة خسف بها » (٢) وعدّى (٣) الحكم إلى كلّ موضع خسف به ، أي عذّب أهله بالخسف لا مطلق الخسف.

وقول الصادق عليه‌السلام : « تكره الصلاة في ثلاثة مواطن بالطريق : البيداء ـ وهي ذات الجيش ـ وذات الصلاصل وضجنان » (٤) يشعر بذلك.

( والشقرة بكسر القاف ) بعد الشين المفتوحة ( وهي الشقيقة ) أي الأرض التي فيها شقائق النعمان ( والشقرة بضمّ الشين وهي من بادية المدينة وأرض خسف بها ) كالثلاثة المتقدمة.

والمستند مرسلة ابن فضّال عن الصادق (٥) عليه‌السلام بالنهي عن الصلاة فيها ، وهي محتملة للأمرين. وقد قيل (٦) بكلّ منهما فيصلح للكراهة.

( و ) على ( الرمل ) المنهال ، لعدم تمام التمكّن كما سبق في نظائره. ( والسجود على قرطاس مكتوب ) ، لرواية جميل بن درّاج عن الصادق (٧) عليه‌السلام ، وعلّله باشتغاله بقراءته ، وهو يؤذن باختصاصه بالقارئ المبصر ، فلا يكره في حقّ الأمّي ولا القارئ الممنوع من البصر.

ويجب تقييد الجواز بسلامة ما يصدق عليه اسمه من الكتابة ، لأنّ المداد لا يصحّ السجود عليه ، بخلاف القرطاس ، للنصّ.

( و ) السجود ( على ما مسّته النار وعلى ما أشبه المستحيل من الأرض ) كالخزف والآجر إن

__________________

(١) « الصحاح » ٥ : ١٧٤٥.

(٢) « تحرير الأحكام » ١ : ٣٤ ، « منتهى المطلب » ١ : ٢٥٠.

(٣) « تذكرة الفقهاء » ٢ : ٤١٠.

(٤) « الكافي » ٣ : ٣٨٩ باب الصلاة في الكعبة. ح ١٠.

(٥) « الكافي » ٣ : ٣٩٠ باب الصلاة في الكعبة. ح ١١.

(٦) « المعتبر » ٢ : ١١٥.

(٧) « الكافي » ٣ : ٣٣٢ باب ما يسجد عليه. ح ١٢.

١١٩

لم نقل باستحالته ، خروجا من خلاف من (١) قال به.

ومن هذا الباب ما يشوى بالنار من السبح الحسينيّة ـ صلوات الله على مشرّفها ـ ونحوها مما يتخذ من تربته الشريفة ، فإنّ السجود عليه مكروه ، لأنّه إن لم يكن مستحيلا فهو ممّا يشبه المستحيل ، ومع مماسّة النار له تجتمع فيه كراهتان.

ومن حكم من الأصحاب (٢) بطهر الخزف والآجرّ النجسين قبل الإحراق ـ بناء على الاستحالة ـ يمنع من السجود على ما يصير من التربة خزفا ، لتحقّق الاستحالة عنده ، وحيث لا نقول بالاستحالة فلا أقلّ من الكراهة.

[ المقدّمة ] ( الثامنة : الوقت )

( وسننه اثنتان وأربعون : )

( التقدّم في أوّله ) بأن يشتغل في أوّل الوقت بمقدّمات الصلاة وبمعقّباتها ، وأولى منه أن يقدّم ما يمكن تقديمه على الوقت ليوقع الصلاة في أوّل الوقت.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أفضل الأعمال الصلاة لأوّل وقتها » (٣).

وروى قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ فضل أوّل الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا » (٤).

وعن محمّد بن مسلم ، عنه عليه‌السلام : « إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال ، فما أحبّ أن يصعد عمل أولى من عملي ، ولا يكتب في

__________________

(١) قال في « الخلاف » ١ : ٤٩٩ ، المسألة : ٢٣٩ « اللبن المضروب من طين نجس إذا طبخ آجرا أو عمل خزفا طهّرته النار ». وقريب من ذلك قول العلّامة في « نهاية الإحكام » ١ : ٢٩١ ، وأما عن الخزف فقد قال المحقق في « المعتبر » ١ :

٣٧٥ : « الثالث : في التيمّم بالخزف تردّد أشبهه المنع ـ وهو اختيار ابن الجنيد منّا ـ لأنّه خرج بالطبخ عن اسم الأرض. ».

(٢) « الخلاف » ١ : ٤٩٩ ، المسألة : ٢٣٩ ، « نهاية الأحكام » ١ : ٢٩١ ، « البيان » ٩٢.

(٣) « كنز العمّال » ٧ : ٢٨٦ ـ ١٨٩٠١ ، ١٥ : ٨٢٣ ـ ٤٣٢٧٢.

(٤) « الكافي » ٣ : ٢٧٤ باب المواقيت. ح ٦.

١٢٠