الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

ففى بعض الأمثال الّتي يضربها أولو العقول [ أنّ ] سهيلا اذا طلع بالعراق وقابل الزّهرة ضحكت إليه فقالت : ألست الّذي كنت (١) عشّارا وسخ الثّياب سهك (٢) الرّائحة

__________________

« باب أنواع المسوخ وأحكامها وعلل مسخها » ( انظر ص ٧٨٤ ـ ٧٩٠ من طبعة أمين الضرب ) وفيه نقلا عن المجالس والعلل ( وكلاهما للصدوق ) « قال الصدوق ـ رضى الله عنه ـ : ان الناس يغلطون فى الزهرة وسهيل ويقولون : انهما كوكبان وليسا كما يقولون ولكنهما دابتان من دواب البحر سميا بكوكبين كما سمى الحمل والثور والسرطان والاسد والعقرب والحوت والجدى وهذه حيوانات سميت على أسماء الكواكب وكذلك الزهرة وسهيل وانما غلط الناس فيهما دون غيرهما لتعذر مشاهدتهما والنظر إليهما لانهما من البحر المطيف بالدنيا بحيث لا تبلغه سفينة ولا تعمل فيه حيلة وما كان الله عز وجل ليمسخ العصاة أنوارا مضيئة فيبقيهما ما بقيت الارض والسماء ، والمسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة ايام حتى ماتت ، وهذه الحيوانات التى تسمى المسوخ فالمسوخية لها اسم مستعار مجازى بل هى مثل للمسوخ التى حرم الله تعالى أكل لحومها لما فيها من المضار ».

__________________

(١) كذا فى الاصل والصحيح الفصيح قد كان كذا « ألست الّذي كان عشارا » وذلك لان الموصول فى حكم الغائب وجرت عليه الآيات المباركة فى القرآن المجيد نحو يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ ». قال التفتازانى فى المطول فى أواخر الباب الثانى وهو فى أحوال المسند ـ إليه من أبواب المعانى ضمن تعداد اشياء ليست من الالتفات ما نصه ( ص ١٠٣ من النسخة المطبوعة بتبريز سنة ١٣٠١ ) : « ومنها : يا من هو عالم حقق لى هذه المسألة فانك الّذي لا نظير له فى هذا الفن ، ونحو قوله :

يا من يعز علينا ان نفارقهم

وجداننا كل شيء بعدكم عدم

فانه لا التفات فى ذلك لان حق العائد الى الموصول ان يكون بلفظ الغيبة وحق الكلام بعد تمام المنادى ان يكون بطريق الخطاب فكل من [ نفارقهم ] و [ بعدكم ] جار على مقتضى الظاهر ، وما سبق الى بعض الاوهام من أن نحو [ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ] من باب الالتفات والقياس

٤١

منتن الابطين دبر الجسد فمسخت كوكبا مرتفعا منيرا مشرقا مضيئا يهتدى بك فى ظلمات البرّ والبحر؟! فيقول : هكذا تقول الحشويّة [ و ] أصحاب الحديث (١). أمّا فممّا تفهم

__________________

[ أمنتم ] فليس بشيء قال المرزوقى فى قوله عليه‌السلام :

أنا الّذي سمتنى امى حيدرة

كليث غابات كريه المنظرة

كان القياس ان يقول : سمته حتى يكون فى الصلة ما يعود الى الموصول لكنه لما كان القصد فى الاخبار عن نقسه وكان الاخر هو الاول لم يبال برد الضمير الى الاول وحمل الكلام الى المعنى لا منه من الالتباس وهو مع ذلك قبيح عند النحويين حتى أن المازنى قال : لو لا اشتهار مورده وكثرته لرددته ».

أقول : لكن الاستعمال بما ذكر فى المتن كثير فى كتب العلماء وجرى اصطلاح ابن شاذان على استعمالهم.

(٢) « السهك ( بفتح السين وكسر الهاء ) ذو السهك ( بفتحتين ) وهو ريح كريهة تجدها ممن عرق ».

__________________

(١) هذه العبارة فى الاصل بدون حرف العطف لكن المتعارف فى ألسنة أهل التصنيف والتأليف والتحقيق استعمالهما عند الاقتران مع حرف العطف وذلك لان فى معناهما أعنى بين الحشوية وأصحاب الحديث فرقا الا ان حيث لهما مشتركات فى العقائد الواهية يطلقون اللفظتين معا عند البحث عن عقائدهم هذه ومقالاتهم تلك ؛ فلنشر الى بعض عبارات الاكابر قال السيد الاجل علم الهدى ـ رضوان الله عليه ـ فى اوّل كتاب تنزيه الأنبياء :

« اختلف الناس فى الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ فقالت الشيعة الامامية : لا يجوز عليهم شيء من المعاصى والذنوب كبيرا كان او صغيرا لا قبل النبوة ولا بعدها ، ويقولون فى الائمة مثل ذلك وجوز أصحاب الحديث والحشوية على الأنبياء الكبائر قبل النبوة ومنهم من جوزها فى حال النبوة سوى الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة ، ومنهم من جوزها كذلك فى حال النبوة بشرط الاستسرار دون الاعلان ومنهم من جوزها على الاحوال كلها ،

٤٢

البهائم فضلا عن النّاس أنّ الّذي يمسخ يصير الى أسوإ الحالات وأنكرها كما مسخت طائفة من بنى اسرائيل فصاروا قردة وخنازير بعد أن كان لهم هيئة وجمال وانّما يمسخ الشّيء للعذاب ، والمسخ صحيح فى كتاب الله وآثار رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لا اختلاف بين الامّة فيه على أنّه يذاق العذاب ، فالعذاب عند أصحاب الحديث على حسب ما رووه أنّ الخسيس الوضيع يصير [ به ] مضيئا مشرقا مرتفعا باقيا ما بقى اللّيل والنّهار وهذا أبين ما يكون من المحال.

فيقول لها : أنت ما قصّتك؟

قالت : انا عندهم سراج لا شكّ عندهم أنّى زنيت فصرت أحد الكواكب السّبعة المضيئة المنيرة الّتي هى طوالع العالم الّتي أقسم الله بها فقال : فلا أقسم بالخنّس الجوار الكنّس وهى الكواكب [ و ] الزّهرة احداهنّ تخنس بالنّهار وتظهر باللّيل فلو أصاب الزّانى

__________________

ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الأنبياء عليهم التسليم قبل النبوة وفى حالها وجوزت فى الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغائر ثم اختلفوا فمنهم من جوز على النبي (ص) الاقدام على المعصية الصغيرة على سبيل العمد ومنهم منع ذلك وقال : انهم لا يقدمون على الذنوب التى يعلمونها ذنوبا بل على سبيل التأويل. وحكى عن النظام وجعفر بن مبشر وجماعة ممن تبعهما ان ذنوبهم لا تكون الاعلى سبيل السهو والغفلة وأنهم مؤاخذون بذلك وان كان موضوعا عن أممهم بقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم وجوزوا كلهم ومن قدمنا ذكره من الحشوية وأصحاب الحديث على الائمة الكبائر والصغائر الا أنهم يقولون ان بوقوع الكبيرة من الامام تفسد إمامته ويجب عزله والاستبدال به ».

وممن أطلق عبارة « حشويان وأصحاب حديث » كثيرا ابو الفتوح الرازى (ره) فمن أراد موارده فليراجع تفسيره فانه كثيرا ما عبر عنهما بما مر ذكره. ومنها ما ذكره فى تفسير قوله تعالى « وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها ( آية ٢٤ سورة يوسف ) » بهذه العبارة : « اما اصحاب حديث وحشويان گفتند ».

ونظير تعبيرهما كثير ومتداول فى لسان أهل العلم والتحقيق.

٤٣

فى هذه الدّنيا ما أصابنى لم تبق حصان (١) الاّ زنت ؛ فيضحك إليها سهيل ويقول : أليس من العجب ان يسلم أهل هذه المقالة من السّلطان (٢) امّا ان يعرض عليهم التّوبة او يصنع (٣) فيهم [ ما يشاء ].

ورووا أنّ الفأرة يهوديّة وفى بعض الأمثال أنّ فأرة قالت لصاحبتها : يزعمون أنّنا يهود ، قالت لها صاحبتها : بيننا وبينهم السّبت وأكل الجرّىّ ولحم الجمل وذبائح ـ المسلمين ، قالت لها صاحبتها : هذه حجّة بيّنة يقطع بها العذر.

وهذه الرّوايات وأمثالها الّتي رووها ولا تحصى كثرة كذب وزور وبهتان الاّ انّا اقتصرنا على ما ذكرنا لتعرف أنّ أصولهم واهية وغاية أحاديثهم متقاربة والله جلّ اسمه نسأل التّوفيق كما يحبّ ويرضى انّه ولىّ ذلك بمنّه ولطفه (٤) ].

أقاويل المرجئة

ومنهم المرجئة الّذين (٥) يروى (٦) منهم (٧) أعلامهم مثل ابراهيم النّخعىّ [ وابراهيم بن

__________________

(١) الحصان كسحاب المرأة العفيفة.

(٢) نظير ما قال الشيخ عبد الجليل الرازى فى كتاب النقض ضمن مطلب ( انظر ص ٢٣ من النسخة المطبوعة ) :

« دريغا مسلمانى كه بطريق شفقت وانصاف اين حال واين وجه بر خلفا وسلاطين وأمراء عرض كردندى تا خواجه را افتادى آنچه مستحق آنست ».

(٣) يمكن ان يكون تصحيف « يضع » فيناسب ان يكون الساقط : « السيف ».

(٤) ما بين الحاصرتين مع طوله اذ اوله « ورووا أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : رأيت رب العالمين فى قبة حمراء ورأيته مرجلا » ( انظر ص ١٥ ؛ س ٤ ) الى هنا أعنى « انه ولى ذلك بمنه ولطفه » فى نسخة م فقط.

(٥) س : « الّذي ».

(٦) م ج س مج مث : « يروون ».

(٧) مج مث م ج س : « فيهم ».

٤٤

يزيد التّيمىّ (١) ومن دونهما مثل سفيان الثّورىّ وابن المبارك (٢) ] ووكيع وهشام (٣) وعليّ بن عاصم (٤) [ عن رجالهم (٥) ] أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : صنفان من أمّتى ليس لهما فى الاسلام نصيب (٦) ؛ القدريّة والمرجئة (٧). فقيل لهم : ما (٨) المرجئة؟ ـ قالوا : الّذين يقولون : الايمان قول بلا عمل وأصل (٩) ما هم عليه أنّهم يدينون بأنّ أحدهم لو (١٠) ذبح (١١) أباه وأمّه وابنه وبنته (١٢) وأخاه واخته و (١٣) أحرقهم بالنّار أو زنى أو سرق أو قتل النّفس

__________________

(١) قال الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال : « ابراهيم بن يزيد بن شريك التيمى تيم الرباب أبو أسماء الكوفى العابد القدوة يرسل ويدلس عن عائشة مرسلا وأبيه وأنس وعمرو بن ميمون والحارث بن سويد وعنه الحكم بن عتيبة والاعمش وغيره وثقه ابن ـ معين وقال أبو زرعة : ثقة مرجئ وقال الاعمش : كان اذا سجد تجيء العصافير تنقر على ظهره وقال لى : ما أكلت منذ أربعين ليلة الا حبة عنب ، مات سنة اثنتين وتسعين وقيل : سنة أربع ، وقيل : ان الحجاج قتله ».

(٢) ما بين الحاصرتين فى م فقط.

(٣) ج ح س مج مث : « هشيم » وفى خلاصة تذهيب الكمال : « هشيم بن بشير السلمى ابو معاوية الواسطى نزيل بغداد ( الى آخر الترجمة ) » هذا بناء على كون الكلمة هشيما وأما ان كانت هشاما فمن أراد التحقيق فليخض فيه.

(٤) له ترجمة فى خلاصة تذهيب الكمال بعنوان « على بن عاصم بن صهيب التيمى مولاهم أبو الحسن الواسطى أحد الاعلام ( الى آخر الترجمة ) ».

(٥) فى م فقط.

(٦) م : « من نصيب » والرواية على ما فى الجامع الصغير للسيوطى فى تاريخ البخارى وكتابى الترمذي وابن ماجة.

(٧) الرواية الى هنا.

(٨) ج ح س مج مث : « وما » :

(٩) م : « وأجهل ».

(١٠) م : « ولو » مج مث ج ح س : « ان ».

(١١) ج ح س مج مث : « نكح ».

(١٢) مج مث ج ح س : « وابنته ».

(١٣) ج : « أو ».

٤٥

الّتي حرّم الله (١) أو أحرق (٢) المصاحف أو هدم الكعبة أو نبش القبور أو أتى أىّ (٣) كبيرة نهى الله عنها انّ ذلك لا يفسد عليه ايمانه ولا يخرجه منه ، وأنّه اذا أقرّ بلسانه [ بالشّهادتين انّه مستكمل الايمان ؛ ايمانه كايمان جبرئيل وميكائيل ـ صلّى الله عليهما ـ فعل ما فعل وارتكب ما ارتكب ممّا نهى الله عنه (٤) ] ويحتجّون بأنّ النّبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : أمرنا ان نقاتل النّاس حتّى يقولوا : لا إله الاّ الله ، وهذا قبل ان يفرض [ سائر (٥) ] الفرائض وهو منسوخ (٦) ].

وقد روى محمّد بن (٧) الفضل [ عن أبيه (٨) ] عن المغيرة بن سعيد (٩) [ عن أبيه (١٠) ]

__________________

(١) مج مث ج ح س : « النفس الحرام ».

(٢) ج مج مث : « حرق » ( بتشديد الراء ) س : « حرق » ( بتخفيف الراء ) أقول : « حرق ( كنصر ) وأحرق من باب الافعال وحرق من باب التفعيل كلها بمعنى واحد.

(٣) ج ح س مج مث : « كل ».

(٤) ج ح س مج مث ( بدل ما بين الحاصرتين ) : « الشهادتين وفعل كل ما نهى الله عنه سوى ذلك انه مستكمل الايمان ».

(٥) فى الاصل : « من » ( أى من الفرائض ).

(٦) ما بين الحاصرتين فى م فقط.

(٧) كذا فى النسخ وأظن أن « الفضل » هنا قد حرف واصله الصحيح « فضيل » وهو الّذي يروى عن المغيرة قال الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال : « (ع) ـ محمد بن فضيل بن غزوان بمعجمتين الضبى أبو عبد الرحمن الكوفى الحافظ شيعى غال باطنه لا يسب عن مغيرة والمختار بن فلفل ( الى آخر ما قال ) ».

(٨) « عن أبيه » ليس فى م.

(٩) كذا وأظن أنه قد صحف وأن أصله الصحيح : « سعد » قال الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال : « ( ت ) المغيرة بن سعد بن الاخرم الطائى عن أبيه وعنه شمر بن عطية وثقة ابن حبان ».

(١٠) ليس فى م لكن المظنون بالظن المتاخم للعلم أن الصحيح وجود « أبيه » هنا كما

٤٦

[ عن مقسم (١) ] عن سعيد بن جبير قال : المرجئة يهود هذه الأمّة. [ وقد نسخ احتجاجهم قول النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حين قال : بنى الاسلام على خمس ؛ شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله ، واقام الصّلاة ، وايتاء الزّكاة ، وحجّ البيت ، وصوم شهر رمضان (٢) ].

__________________

فى ج ح س مج مث قال الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال : « ( ت ) سعد بن الاخرم بمعجمة ثم مهملة الطائى عن ابن مسعود وعنه ابنه المغيرة ذكره ابن حبان فى ثقات التابعين » ومراده بحرف التاء « جامع الترمذي ». وقال ابن حجر فى تهذيب التهذيب : « سعد بن الاخرم الطائى الكوفى مختلف فى صحبته روى عن ابن مسعود حديث : لا تتخذوا الضيعة وعنه ابنه المغيرة أخرجه الترمذي وحسنه ( الى آخر الترجمة ) » وقال فى حرف الميم : « المغيرة بن سعد بن الاخرم الطائى روى عن أبيه ( الى آخر الترجمة ) » فيكون صحيح السند على الظن القوى « محمد بن فضيل عن المغيرة عن أبيه ».

__________________

(١) كذا وهو فى م فقط فكأن المراد به من ذكره الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال بهذه العبارة : « مقسم بكسر اوله وسكون ثانيه ابن بجرة بضم الموحدة او ابن نجدة بنون مولى عبد الله بن الحرث بن نوفل عن عائشة وأم سلمة ؛ ولزم ابن عباس فنسب إليه بالولاء ، وعنه ميمون بن مهران والحكم بن عتيبة وطائفة قال أبو حاتم : لا بأس به قال ابن ـ سعد : توفى سنة احدى ومائة له فى صحيح البخارى فرد حديث » وذلك يتضح بالتدبر فى انحصار ذلك الاسم بفرد واحد واتحاد زمان الراوى والمروى عنه وكون المروى عنه ممن نسب الى ابن عباس بالولاء وسعيد بن جبير من الاخذين عن ابن عباس ».

(٢) ما بين الحاصرتين فى م فقط وأما الحديث فمن الاحاديث الواردة بالطرق المعتبرة المقبولة بين الخاصة والعامة نعم فى تعيين الخمس المذكورة اختلاف بين الشيعة وأهل السنة فان روايات الشيعة قد عد منها ولاية أهل البيت عليهم‌السلام وكيف كان قال السيوطى فى الجامع الصغير بعد ذكر الحديث بلفظ المتن ما نصه : « حم ق ت ن » ويريد بالرموز مسند

٤٧

أقاويل الخوارج (١)

ومنهم الخوارج الّذين يكفّرون هؤلاء أجمعين ويستحلّون دماءهم وأموالهم وسبى نسائهم وذراريهم ، ومنهم من يستحلّ قتل النّساء والولدان ؛ ويقولون : منزلتهم منزلة (٢) النّطف فى أصلاب المشركين ، ويقولون : لا حكم الاّ لله ، وهم يعملون (٣) الرّأى فى جميع ما هم فيه [ وعليه (٤) ] فبالرّأى يقتلون [ ويستحيون (٥) ] ، ويحلّون ويحرّمون وهم مع ذلك أصناف ؛ يقتل بعضهم بعضا ويبرأ (٦) بعضهم من بعض ، [ ويترحّمون على الشّيخين ويتبرّءون من عليّ وعثمان (٧) ويظهرون اللّعن عليهما ، ويقولون : قتل عليّ بن أبى طالب المشركين والمسلمين جميعا وقد وصفهم النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقال (٨) : سيخرج منكم

__________________

أحمد وصحيحى مسلم والبخارى والترمذي والنسائى ». فليعلم أن لفظة « شهر » لم تذكر فى الجامع الصغير :

وأما طرق الحديث واختلاف العبارة فيه بطرق الشيعة فليطلب من مظانه.

__________________

(١) هذا العنوان فى م فقط وكذا سائر العناوين فانها ليست فى غير نسخة م.

(٢) مج مث م س : « ننزلهم بمنزلة ».

(٣) م : « يعتمدون » ج س مج مث : « يعتملون » قال فى القاموس : « أعمل رأيه وآلته واستعمله عمل به ».

(٤) فى م فقط.

(٥) فى م فقط.

(٦) م : « يتبرأ ».

(٧) من عقائدهم المعروفة فى الكتب « أنهم يحبون الشيخين ويبغضون الصهرين ».

(٨) هذا الحديث مما اتفق على صحته الفريقان أعنى الخاصة والعامة فمن أراد طرقه وموارده فليراجع ثامن البحار باب اخبار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بقتال الخوارج وكفرهم ( انظر ص ٥٩٦ ـ ٦٠٠ من طبعة أمين الضرب ) ونقل على بن عيسى الاربلى فى كشف الغمة

٤٨

قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة

__________________

الحديث باختلاف يسير فى العبارة عن عدة من كتب العامة منها هذه العبارة « انظر ص ٣٧ من طبعة الكتاب بايران سنة ١٢٩٤ ) :

« ونقل البخارى والنسائى ومسلم وأبو داود فى صحاحهم قال سويد بن غفلة : قال على ـ عليه‌السلام ـ : اذا حدثتكم عن رسول الله (ص) حديثا فو الله لان أخر من السماء لاحب الى من ان اكذب عليه ؛ وفى رواية : من ان أقول عليه ما لم يقل ، واذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فان الحرب خدعة وانى سمعت رسول الله يقول : سيخرج قوم فى آخر الزمان حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام يقولون من قول خير البرية يقرءون القرآن لا يجاوز ايمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فاينما لقيتموهم فاقتلوهم فان فى قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة ».

أقول : قال المجلسى بعد نقل هذا الحديث مع حديث آخر من كشف الغمة فى باب اخبار النبي (ص) بقتال الخوارج وكفرهم من ثامن البحار ( ص ٥٩٧ من طبعة امين الضرب ) :

« أقول : أورد الخبرين فى جامع الاصول من المذكورة وابن بطريق من صحيح البخارى بسندين ».

وقال ابن الأثير فى النهاية فى مرق : « فى حديث الخوارج : يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية اى يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم الشيء المرمى به ويخرج منه وقد تكرر فى الحديث ومنه حديث على : أمرت بقتال المارقين يعنى الخوارج » وقال فى رمى : « فيه : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ؛ الرمية الصيد الّذي ترميه فتقصده وينفذ فيها سهمك وقيل : هى كل دابة مرمية ، وقال فى ترقو : « فى حديث الخوارج يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ؛ التراقى جمع ترقوة وهى العظم الّذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين ووزنهما فعلوة بالفتح والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها فكأنها لم تتجاوز حلوقهم ، وقيل : المعنى أنهم لا يعملون بالقرآن ولا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم غير القراءة » وقال فى ثدا : « فى حديث

٤٩

فأينما ثقفتموهم فاقتلوهم فانّهم مشركون. فقاتلهم عليّ ـ عليه‌السلام ـ يوم النّهروان فقتل منهم جماعة وقتل ذا الثّدية رئيسهم ـ عليه لعنة الله ـ (١) ].

أقاويل أهل الحجاز وأهل العراق

ومنهم أهل الحجاز الّذين لا يرون الرّعاف ولا الحجامة ولا القيء ينقض الوضوء ؛ وأهل العراق يقولون : ان سال عن رأس الجرح قطرة دم نقض الوضوء ، وأهل الحجاز يقولون : المسح على الخفّين طول سفرك وان سافرت سنة ، وأهل العراق يقولون : للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيّام ولياليهنّ (٢) ، وأهل الحجاز يوجبون الوضوء ممّا غيّرت النّار (٣) [ ويرونها (٤) حقّا (٥) ] وأهل العراق لا يرون ذلك ولا يوجبونه أصلا

__________________

الخوارج : ذو الثدية هو تصغير الثدى وانما أدخل فيه الهاء وان كان الثدى مذكرا كأنه أراد قطعة من الثدى وقيل : هو تصغير الثندوة بحذف النون لانها من تركيب الثدى وانقلاب الياء فيها واوا لضمة ما قبلها ولم يضر ارتكاب الوزن الشاذ لظهور الاشتقاق ويروى ذو اليدية بالياء بدل الثاء تصغير اليد وهى مؤنثة ».

أقول : فمن أراد تفصيل الواقعة فليراجع ثامن البحار او شرح ابن أبى الحديد وسائر مظانه من كتب التواريخ والسير.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين أعنى من : « ويترحمون » الى « عليه لعنة الله » ، فى نسخة م فقط.

(٢) م « ولياليها ».

(٣) فى التاج ( ص ٨٧ ) : « الوضوء مما مسته النار وبه قال فئة من العلماء ولكن الجمهور بل الائمة الاربعة على خلافه للحديثين الذين بعده عن ابن عباس : ان رسول الله ( صلعم ) أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ ، رواه الثلاثة ( اى الترمذي وأبو داود والنسائى » ، عن جابر قال : كان آخر الامرين من رسول الله ( صلعم ) ترك الوضوء مما غيرت النار ؛ رواه أبو داود والنسائى ».

(٤) فى م فقط.

(٥) ما بين الحاصرتين فى م فقط.

٥٠

ويروون فى ذلك أحاديث عن النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه لا يجب ذلك ، [ وأهل العراق يحلّون الشّراب (١) ويروون فى شربه أحاديث كثيرة عن النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه رخّص فيه ؛ وكذلك عن الصّحابة والتّابعين ، وأهل ـ الحجاز يحرّمونه ؛ ويروون فيه وفى شربه أحاديث كثيرة عن النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وعن الصّحابة ] ويروون : ما أسكر الفرق (٢) منه فملء الكفّ (٣). منه حرام (٤) ، وأهل الحجاز يقولون : من مسّ ذكره انتقض وضوؤه ؛ وأهل ـ العراق لا يرون فى ذلك بأسا ويروون أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ سئل عنه فقال : ما أبالى ايّاه مست أو أنفى (٥) ، وأهل الحجاز يقولون : لا عتق الاّ بعد ملك ،

__________________

(١) فليعلم أن العبارة هنا فى النسخ كانت مشوشة وقد ذكرت بتقديم وتأخير الا أن المعنى واحد فأشرنا الى مواضع تغاير العبارات فى النسخ فى الذيل حتى لا يفوت القارئ شيء من الفوائد.

(٢) ح : « الزق ».

(٣) ح ج س مج مث : « الفرق والحسوة ».

(٤) قال السيوطى فى الجامع الصغير : « ما أسكر كثيره فقليله حرام ( حم د ت حب ) يريد بالرموز مسند أحمد وأبى داود والترمذي وصحيح ابن حبان : عن جابر ( حم ن ه‍ ) اى مسند أحمد وسنن النسائى وابن ماجة عن ابن عمرو ( ح ) : ما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام ( حم ) عن عائشة ( ح ) » وقال ابن الاثير فى النهاية : « س ه‍ ( اى أبو موسى الاصفهانى فى غريب الحديث والهروى ) فى حديث عائشة انه كان يغتسل فى اناء يقال له الفرق ؛ الفرق بالتحريك مكيال يسع تسعة عشر رطلا وهى اثنا عشر مدا او ثلاثة آصع عند ـ أهل الحجاز ، وقيل : الفرق خمسة أقساط والقسط نصف صاع فأما الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلا ( س ) ومنه الحديث : ما أسكر الفرق منه فالحسوة منه حرام ».

(٥) قال نور الدين على بن أبى بكر الهيثمى فى كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ( ج ١ ص ٢٤٤ من الطبعة الثانية ) : « باب فيمن مس فرجه ـ عن سيف بن عبد الله الحميرى قال : دخلت أنا ورجال معى على عائشة فسألناها عن الرجل يمسح فرجه فقال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يقول : ما أبالي اياه مسست أو أنفى ( الى آخر ما ذكره فى الباب من نظائره وهى كثيرة ) ».

٥١

ولا طلاق الاّ بعد نكاح وان وضع يده على رأسها فقال : متى تزوّجت هذه فطالق (١) ؛ انّه ليس بشيء. وأهل العراق لا يرون ذلك ويقولون : متى تزوّجها [ فهى طالق (٢) ] ، وبانت منه ، وأهل الحجاز يرون اتيان النّساء فى أدبارهنّ ؛ وأهل العراق يحرّمونه ، [ وأهل العراق يقولون : لا يكون العمد الاّ بحديد وان أراد غيره فأصابه بحديدة فهو عمد ؛ وأهل الحجاز يقولون : ما ضرب به عمد وانّما الخطأ أن يريد هذا فيصيب غيره (٣) ] ، وأهل الحجاز لا يرون حجّا عن ميّت ولا صياما (٤) ولا صلاة [ ولا صدقة وو يقولون : قد مات وطويت (٥) صحيفته وارتفع ملكاه فلا (٦) يزاد فى عمله ولا ينقص ، وأهل العراق يرون ذلك ويقولون : كلّ ما قضى عن الميّت من ذلك لحقه وانتفع به.

وكلّ واحد من الفريقين راض بصاحبه ، يزكّونهم ويقبلون شهادتهم ، ويصلّون خلفهم ، ويقبلون أحاديثهم (٧) عنهم ، ويحتجّ كلّ صنف بما رووا عن أسلافهم وأوّليهم فوجدنا روايات الجميع منهم عن قوم هم عليهم طاعنون فى بعض وهم عنهم راضون فى بعض ، وسنبيّن من ذلك ما يعقله من صدق على قلبه ولم يخدع (٨) نفسه ان شاء الله تعالى.

ووجدنا الرّواية منهم عن قوم لبثوا فى طاعة بنى أميّة نيّفا وتسعين سنة يلعنون

__________________

(١) مج مث ج س ح : « نهى طالق ».

(٢) مج مث س ج ح : « طلقت وبانت منه ».

(٣) مج مث ح ج س ( بدل ما بين الحاصرتين ) : « ويقولون ( والضمير يرجع بحسب ظاهر الكلام الى أهل العراق لكن لا يستقيم الكلام على ذلك فهو راجع الى أهل الحجاز ) : اذا ضرب الرجل رجلا بما ضربه فمات فهو قتل عمد وانما الخطأ ان يريد هذا فيصيب هذا ؛ فأما الّذي قصدت له فهو قتل عمد ، وأهل العراق يقولون : لا يكون العمد الا بالحديدة وان أراد غيره فأصابه بحديدة فهو عمد ».

(٤) ج ح س : « ولا صوما ».

(٥) ح : « وطوى ».

(٦) ح : « ولا ».

(٧) ج مج : « بعض أحاديثهم ».

(٨) ح : « ولم يحسد ».

٥٢

عليّا ـ عليه‌السلام ـ وأصحابه ومن اقتدى به (١) على منابرهم ، ويقتلون منهم كلّ من ظنّوا أنّه يخالفهم.

[ القول فى الحسين بن عليّ وزيد بن عليّ ومن قتلهما أوخذ لهما ]

من ذلك أنّ الحسين بن عليّ ـ عليهما‌السلام ـ خرج عليهم وزيد بن عليّ بعده [ فأجمعوا على قتلهما فقرّاؤهم وفقهاؤهم يومئذ (٢) ] امّا قاتل وامّا خاذل (٣) وامّا راض بلعن عليّ ـ عليه‌السلام ـ والبراءة منه أو مداهن فيه (٤) ].

[ القول فى عليّ ومعاوية ]

وقبل ذلك ما أفضت به الرّواية الى قوم أدركوا عليّا ـ عليه‌السلام ـ ومعاوية

__________________

(١) ح : « بهم ».

(٢) ح ( بدل ما بين الحاصرتين ) : « فأجمع على قتلهما قراؤهم وفقهاؤهم يومئذ فهم ».

(٣) فى المسترشد لابى جعفر محمد بن جرير الطبرى بعد كلام يشمل على شيء من اختلاف العامة فيما رووه ( انظر ص ١٠ من النسخة المطبوعة فى المطبعة الحيدرية بالنجف ) : « فهذه رواياتكم عن علمائكم وخلفائكم وهذا اختلافكم واحتجاجكم وليس فيما اختلف فيه القوم حجة لانه متى اتجه من جهة انتقض من جهة فكيف يقدر على تصحيح ما اختلفوا فيه وكيف يعتمد على ما قد رووه وهم الذين تركوا الحق ومالوا الى الدنيا وتداولوا الاموال ودخلوا فى طاعة بنى امية ورووا لهم ما أحبوه حتى وصلوا الى حاجتهم ولعنوا معهم على بن أبى طالب نيفا وثمانين سنة وهم الذين قتلوا عثمان بن عفان واجتمعوا على قتل زيد بن على وخذلوا الحسين بن على وقاتلوه بعد أن خذلوه وأنتم تدينون الله بدينهم وتعتمدون على روايتهم وسأسمى جماعتهم وأذكر وقيعة بعضهم فى بعض » فكأنه تلخيص من كلام الفضل بن شاذان ؛ والله العالم.

(٤) ما بين الحاصرتين أعنى من قوله : « ولا صدقة » الى هنا أعنى « او مداهن فيه » ليس فى م.

٥٣

ولم يكن النّاس فى زمانهما الاّ أصنافا ثلاثة (١) منهم من كان مع عليّ ـ عليه‌السلام ـ ومنهم من كان مع معاوية ، ومنهم من اعتزل الفريقين جميعا ؛ فمن كان منهم مع عليّ ـ عليه‌السلام ـ لم يرووا عنه إلاّ أباطيل يسدّدون بها بدعهم (٢) ، ومن كان مع معاوية او (٣) اعتزل عليّا (٤) ـ عليه‌السلام ـ فمتّهم عند من خالفهم فلا يجيزون روايته ولا يقبلون أحاديثه وهم أخذوا من هذا الصنف ورأوهم أئمّة ذلك الصّنف الأوّل ورواتهم وفقهاءهم (٥) ].

القول فى عليّ وطلحة والزّبير

وكذلك أفضت بهم الرّواية الى من أدرك طلحة والزّبير وقتالهما [ مع أصحابهما (٦) ] عليّا فمنهم من كان مع عليّ ـ عليه‌السلام ـ ومنهم من كان عليه ، ومنهم من اعتزلهما جميعا ؛ فان رووا عمّن اعتزل عليّا او كان عليه فقد صحّ (٧) وتبيّن أنّهم هم أيضا عليه ، وأمّا من كان معه ـ عليه‌السلام ـ فقد علمنا أنّهم لم يرووا عنهم الاّ الكذب [ والزّور والبهتان (٨) ] الّذي طلبوا ان يسدّدوا به بدعتهم وضلالتهم.

القول فى عليّ وعثمان

وكذلك أفضت بهم الرّواية الى من أدرك عثمان محصورا أربعين ليلة والنّاس بين قاتل وخاذل لم يقاتل دونه الاّ عبيده ومروان بن الحكم ، فلئن كان من قتله و (٩) خذله ومن مالأ على قتله وأعان عليه ثقة يروون عنه لقد طعنوا على عثمان وصوّبوا فعلهم

__________________

(١) ح : « الا ثلاثة أصناف ».

(٢) م : « بدعتهم ».

(٣) م : « و ».

(٤) مج مث ج ح س : « معتزلا لعلى ».

(٥) ح : « وثقاتهم ».

(٦) فى م فقط.

(٧) فى م فقط.

(٨) فى م فقط.

(٩) مث ج ح س : « أو » وكذا الامر فى تالييه.

٥٤

فى خذلانهم عثمان وقتله ، ولئن كانوا غير ثقات ثمّ يروون عنهم بعد خذلانهم ايّاه وقتله فقد وقع الطّعن عليهم [ وعلى جميع أصحاب النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لأنّهم كانوا متوافرين ولم ينصروا عثمان ولم يدفعوا عنه (١) ] فرأينا رواياتهم هذه الّتي يسمّونها سنّة عن هؤلاء الّذين قصصنا قصّتهم ، ولو أنّ رجلا فى زماننا هذا شهد قتل عثمان أو خذله أو أعان على قتله (٢) بقول او فعل ، أو شهد قتل الحسين بن عليّ ـ عليهما‌السلام ـ أو شهد قتل زيد بن عليّ أو قاتل عليّ بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ لكانت روايته غير مقبولة ثمّ هم اليوم عن اولئك الّذين شهدوا قتل هؤلاء الاخيار (٣) وأعانوا عليهم وخذلوهم يروون ، وبقولهم يدينون ، وبرواياتهم يأخذون ، وايّاهم يصدّقون فلم يخل من أن يكون من شهد منهم زيدا معينا لمن قتله راضيا بفعله ، وكذلك من شهد الحسين بن عليّ ـ عليهما‌السلام ـ راضيا بقتله ، وكذلك من شهد عليّا (٤) ـ عليه‌السلام ـ طاعنا على طلحة والزّبير ومعاوية وكذلك من كان مع طلحة والزّبير ومعاوية فى طعنهم على عليّ ـ عليه‌السلام ـ واستحلال كلّ واحد من الفريقين دم الفرقة الأخرى وكذلك من شهد عثمان يوم الدّار [ امّا راض بقتله او تارك نصرته (٥) ] وهو يراها حقّا [ فكيف يروون عنه ويأخذون منه العلم ثمّ يطعنون عليه ويقعون فيه (٦) ].

__________________

(١) ما بين الحاصرتين فى م فقط.

(٢) مج مث ج ح س : « عليه ».

(٣) فليعلم أن نسخة المكتبة الرضوية التى رمزنا إليها بكلمة « ق » حتى تكون اشارة الى « آستان قدس رضوى » تبتدأ من هذا الموضع أعنى من عبارة « عن أولئك الذين شهدوا قتل هؤلاء الاخيار » فان النسخة ناقصة من أولها الى هنا.

(٤) مج مث ج ح س ق : « من كان مع على ».

(٥) ج ح س ق : « اما راضيا بقتله او تاركا نصرته ».

(٦) مج مث ج ح س ق ( بدل ما بين الحاصرتين ) : « ممن يروون عنه ويأخذون عنه علمهم لم يطعنوا عليه ولم يقعوا فيه ».

٥٥

[ ذكر العلماء من أصحاب الحديث (١)

فمنهم عبد الله بن مسعود الّذي سمّاه النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ابن أمّ ـ عبد وكان (ص) لا يقول الاّ حقّا ولا ينابز (٢) بالألقاب وله شأن يكره كشفه ، وهذا الّذي أمر به عثمان وهو عندكم الامام فدقّ ضلعا فمات منه وعاده عثمان فى مرضه فلم يأذن

__________________

(١) فليعلم أن ما بين الحاصرتين اللتين احداهما قبل هذه العبارة « ذكر العلماء من أصحاب الحديث » وثانيتهما تأتى بعد أوراق وبعد هذه العبارة « والله عز وجل نسأل التأييد والتوفيق لارشد الامور برأفته ورحمته انه ولى قدير » فى نسخة م فقط وليس فى نسخ مج مث ج ح س ق مع طوله منه أثر.

(٢) قال العلامة المجلسى فى ثامن البحار فى « باب تفصيل مثالب عثمان وبدعه » : « الطعن الخامس ـ أنه ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه وقد رووا فى فضله فى صحاحهم أخبارا كثيرة وكان ابن مسعود يذمه ويشهد بفسقه وظلمه وقال السيد ـ رضى الله عنه ـ فى الشافى : فقد روى كل من روى السيرة من أصحاب الحديث على اختلاف طرقهم أن ابن مسعود كان يقول : ليتنى وعثمان برمل عالج يحثو على وأحثو عليه حتى يموت الاعجز منى ومنه ، ورووا أنه كان يطعن عليه ( الى آخر ما قال فمن أراد الاطلاع عليه فليراجع البحار ؛ ج ٨ ؛ ص ٣٢٥ من طبعة أمين الضرب ) ».

ونقل أيضا المجلسى (ره) فى أواخر الباب عن الثقفى عن قيس بن أبى حازم وشقيق بن سلمة قال قال عبد الله بن مسعود : لوددت أنى وعثمان برمل عالج فنتحاثى التراب حتى يموت الاعجز ( الى أن قال ) وعنه عن خثيمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود قال : بينا نحن فى بيت ونحن اثنا عشر رجلا نتذاكر أمر الدجال وفتنته اذ دخل رسول الله (ص) فقال : ما تتذاكرون من أمر الدجال.! والّذي نفسى بيده ان فى البيت لمن هو أشد على أمتى من الدجال وقد مضى من كان فى البيت يومئذ غيرى وغير عثمان والّذي نفسى بيده لوددت أنى وعثمان برمل عالج نتحائى التراب حتى يموت الاعجز ».

٥٦

له وقال : وددت أنّى وعثمان برمل عالج يحثو أحدنا على صاحبه حتّى يموت فيريح الله المسلمين منه ، رواه جرير بن عبد الله الضّبىّ عن أصحابه.

ورويتم عن عبد الله بن مسعود أنّه سئل عن المعوّذتين فقال : ليستا من كتاب الله وأنّه لم يلحقهما فى مصحفه فى تأليفه القرآن ؛ فلئن كان ابن مسعود صادقا فلقد هلك عثمان اذ أثبتهما فى مصاحفه فى تأليفه القرآن ؛ لأنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لعن الزّائد فى القرآن ، ولئن كان عثمان صادقا لقد هلك عبد الله بن مسعود وكفر بجحود ما أنزل الله ؛ هذا.

وقد رويتم عن ابن مسعود أنّه قال لمّا استخلف عثمان : ما ألونا عن أعلى ذى فوق (٢) ألا إنّهم وفّقوا لأفضل هذه الأمّة (٣). ثمّ رويتم عن ابن مسعود أنّه قال عند ـ وفاته : يا أصحاب رسول الله انشدكم الله هل سمعتم النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقول : رضيت لأمّتى بما رضى لها ابن أمّ عبد؟ ـ قالوا : اللهمّ نعم قال : اللهمّ انّى لا ارتضى عثمان لهذه الامّة ، فها أنتم رويتم هذا وها أنتم رويتم ذاك ؛ فما ندرى أىّ روايتكم نأخذ فالله (٤) المستعان وعليه المتّكل.

ذكر حذيفة بن اليمان

ومن علمائكم حذيفة بن اليمان الّذي يروى هشام بن عبد الله عن محمّد بن

__________________

(٢) فى الاصل : « ما الوفاء عن على ذى فرق » والتصحيح قياسى.

(٣) هذه الرواية لم أجدها فيما عندى من الكتب حتى تكون وسيلة للتصحيح وأشير الى موضع نقلها.

(٤) فى الاصل : « فبالله » فكأنه بناء على استعمال فعله اذ يقال : « استعنت بالله ، واستعنته ».

٥٧

جابر عن الأعمش عن أبى وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة بن اليمان أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مال الى سباطة قوم فبال قائما فتفحّج حتّى أشفقت عليه فصببت عليه الماء من خلفه فاستنجى (١) ورويتم أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : لن يرى أحد عورتى إلاّ عمى ، وأنّ عليّ بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ لمّا غسّله أراد أن يخلع عنه القميص فنودى من جانب البيت : لا تكشفوا عن عورة نبيّكم ؛ فمرّة تروون أنّ حذيفة نظر إليها ، ومرّة تروون أنّ من نظر إليها عمى.

فهل يشكّ أحد فى هذه الأحاديث وأنّها مكذوبة موضوعة على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) قال ابن الأثير فى النهاية « س ـ وفيه : أنه (ص) أتى سباطة قوم فبال قائما ، السباطة والكناسة الموضع الّذي يرمى فيه التراب والاوساخ وما يكنس من المنازل وقيل : هى الكناسة نفسها ، واضافتها الى القوم اضافة تخصيص لا ملك ؛ لانها كانت مواتا مباحة. واما قوله : قائما ؛ فقيل : لانه لم يجد موضعا للقعود لان الظاهر من السباطة ان لا يكون موضعها مستويا وقيل : لمرض منعه عن القعود وقد جاء فى بعض الروايات : لعلة بمأبضيه. وقيل : فعله للتداوى من وجع الصلب لانهم كانوا يتداوون بذلك. وفيه : أن مدافعة البول مكروهة لانه بال قائما فى السباطة ولم يؤخره ». وقال أيضا : « فيه : أنه (ص) بال قائما ففحج رجليه أى فرقهما وباعد بينهما ، والفحج تباعد ما بين الفخذين ».

وقال أيضا ابن الاثير فى النهاية لكن فى « أبض » ما نصه : « فيه أن النبي (ص) بال قائما لعلة بمأبضيه ؛ المأبض باطن الركبة هاهنا وهو من الاباض الحبل الّذي يشد به رسغ البعير الى عضده والمأبض مفعل منه اى موضع الاباض ؛ والعرب تقول : ان البول قائما يشفى من تلك العلة وسيجيء فى حرف الميم » وقال فى حرف الميم : « مأبض ؛ فيه أنه بال قائما لعلة بمأبضيه ، المأبض باطن الركبة هاهنا وأصله من الاباض وهو الحبل الّذي يشد به رسغ البعير الى عضده والمأبض مفعل منه اى موضع الاباض والميم زائدة تقول العرب : ان البول قائما يشفى من تلك العلة ».

٥٨

ثمّ رويتم أنّ حذيفة قال : كان النّاس يسألون رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن الخير وكنت أسأله عن الشّرّ وأنّه كان يعرف أصحاب العقبة فمرّة يقول بفضلهم ومرّة يطعن عليهم.

__________________

قال محمود محمد الطناحى وهو الّذي طبع الكتاب بتحقيقه فى ذيل العبارة ما نصه : ( انظر ج ٤ ص ٢٨٨ ) :

« جاء بهامش ١ : وأقول : لعل وجه قيامه صلى الله عليه وسلّم عدم قدرته على القعود لعلة فى ركبتيه لا لما ذكره لانه لا يظهر وجه للتشفى من تلك العلة بالبول قائما كما لا يخفى ».

قال ابراهيم بن عبد الرحمن بن أبى بكر الازرق فى كتاب تسهيل المنافع فى الطب والحكمة المشتمل على شفاء الاجسام وكتاب الرحمة ( ص ٦٦ من طبعة مصر سنة ١٣١٩ ه‍ ) :

« فصل فى البول قائما من غير عذر ـ وعن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : ما بلت قائما ثم أسملت ، ولا يكره ذلك للمعذور لما روى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم أتى سباطة قوم لعلة بمأبضه والسباطة هى الكناسة قاله الجوهرى ، والمأبض بالهمزة والباء الموحدة المكسورة واحد المآبض وهى باطن منعطف الركبتين وقيل : المأبض تحت الركبة من كل حيوان وفى كفاية المتحفظ : المأبض باطن المرفق وهو باطن الركبة ( انتهى ) وقد روى من وجه غير هذا قال : عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم أنه بال قائما من جرح كان بمأبضه.

وقال الشافعى : كانت العرب تستشفى بالبول قائما من وجع الصلب وقد بال النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قائما وانما كان لعلة بمأبضه. وفى حديث آخر : فيه ثلاثة أوجه : أحدها أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فعله لمرض منعه من العقود والثانى ـ انه استشفى بذلك من مرض والعرب تستشفى بالبول قائما من علو الى سفل.

قلت : ومن هاهنا يستدل على أن البول قائما دواء لوجع الصلب كما قاله إمامنا الشافعى ـ رضى الله عنه ـ ».

٥٩

ذكر أبى هريرة الدّوسىّ

ومن علمائكم أبو هريرة الدّوسىّ وروى يزيد بن هارون (١) عن حميد الطّويل عن أنس بن مالك أنّ عمر بن الخطّاب خفق رأس أبى هريرة بالدّرّة (٢) وقال له : أراك قد أكثرت الرّواية عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولا أحسبك الاّ كاذبا فلا تعد.

وروى أبو نعيم قال : حدّثني فطر بن خليفة عن أبى خالد الوائلىّ قال : سمعت [ عليّا ] عليه‌السلام يخطب وهو يقول : أكذب الاحياء على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أبو هريرة الدّوسىّ قال : وكان يقوم بالمدينة فيلعن عليّا وعليّ بالشّام.

__________________

(١) قال الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال : « يزيد بن هارون الواسطى أحد الاعلام الحفاظ المشاهير عن سليمان التيمى وحميد الطويل ( الى آخر الترجمة ) ».

(٢) فليعلم أن أبا هريرة ممن ذكر ترجمته الخاصة والعامة مبسوطة بل ألف جماعة فى ترجمته وشرح حاله كتبا منها « ابو هريرة تأليف السيد شرف الدين العاملى » ومنها « شيخ ـ المضيرة أبو هريرة الدوسى ؛ تأليف محمود أبو ريّة » ومنها غير هذين الا أن الخوض فى ترجمته دقيقا يحتاج الى بسط لا يسعه المقام فمن أراد ذلك فليراجع تنقيح المقال للمامقاني وغير ذلك من نظائره ونحن نقلنا ترجمته فى تعليقاتنا على الايضاح عن شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد فانه خاض فى شرح حال أبى هريرة وبيان ترجمته بما لا مزيد عليه فان شئت فراجع شرح هذا الكلام لامير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ « أما انه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البلعوم مندحق البطن ( الى آخره ) » ( انظر المجلد الاول من طبعة مصر سنة ١٣٢٩ ؛ ص ٣٥٨ ) وكذا نقلنا ما ذكره المحدث القمى فى كتاب « الكنى والالقاب » وشيئا مما ذكره المامقانيّ فى تنقيح المقال فان وفقنا الله لطبع كتاب « تعليقات الايضاح » رأيت عبارات الكتب فيه منقولة ان شاء الله تعالى.

٦٠