الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

فواضح لبلوغ حاله عندنا الى حدّ يضرب بأخباره المثل وقد روى فى الخصال عن محمّد بن ابراهيم بن إسحاق الطّالقانى عن عبد العزيز بن يحيى عن محمّد بن زكريّا عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال : سمعت جعفر بن محمّد عليهما‌السلام يقول : ثلاثة كانوا يكذبون على رسول الله (ص) أبو هريرة وأنس بن مالك وامرأة وأقول : المراد بالمرأة ظاهر ولم يسمّها تقيّة وأمّا عند العامّة فقد قال ابن أبى الحديد فى شرح النّهج انّ أبا حنيفة كان لا يعمل بأحاديث أبى هريرة والا يعتمدها ، ونقل أيضا فى الشرح عن أبى جعفر الاسكافى منهم أنّ أبا هريرة مدخول عند شيوخنا ( فنقل ما نقلناه او قريبا منه وقال ).

وعن الجاحظ فى كتابه المعروف بكتاب التّوحيد أنّ أبا هريرة ليس بثقة فى الرّواية عن رسول الله (ص) قال : ولم يكن عليّ يوثّقه فى الرّواية بل يتّهمه ويقدح فيه وكذلك عمر وعائشة ( انتهى ) فنقل أشياء ثمّ قال :

وفى شرح النّهج عند ذكر من كان منحرفا عن عليّ ويبغضه ويتقوّل عليه : وأمّا أبو هريرة فروى عنه الحديث الّذي معناه : انّ عليّا (ع) خطب ابنة أبى جهل فى حياة رسول الله (ص) فأسخطه فخطب على المنبر فقال : لاها الله لا تجتمع ابنة ولىّ الله وابنة عدوّ الله ، انّ فاطمة بضعة منّى يؤذينى ما يؤذيها فان كان عليّ يريد ابنة أبى جهل فليفارق ابنتى وليفعل ما يريد ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسىّ قلت : الحديث أيضا مخرج فى صحيحى مسلم والبخارىّ عن المسور بن مخرمة عن الزّهرىّ.

فذكر حديثا قد نقلناه وخاض فى تزييف الرّجل وقدحه والطّعن عليه والتّحذير عن السكون الى روايته فمن أراده فليراجع هناك.

أقول : قد ألّف السّيّد شرف الدّين العاملىّ (ره) كتابا فى ترجمته وشرح حاله فمن أراد ان يراجعه فليطلبه فان نسخته ليست موجودة عندى.

٥٤١

قد ذكر المصنّف (ره) فى آخر ترجمة سمرة بن جندب

( ص ٦٩ ) ما نصّه :

« قال : هذا عمل أخيك زياد وهو أمرنى بذلك ، قال : أنت وأخى فى النّار » وقلنا فى حاشية الصّفحة :

« انّ قوله : هذا عمل أخيك زياد ؛ اشارة الى أنّ سمرة قد عمل هذا العمل بأمر زياد بن أبيه وهو أخو أبى بكرة فالاولى أن نحيل هذا البحث الى تعليقات آخر الكتاب فانّ الخوض فيه يفضى الى طول فلا يسعه المقام فسنذكر ان شاء الله هناك ترجمته ببيان مبسوط يكشف عن حقيقة حاله وسوء منقلبه ومآله ».

فالحرىّ بالمقام أن ننجز ما وعدناه فنذكر قبل الخوض فى انجاز ما وعدناه شيئا من ترجمته وسوانحه الحياتيّة حتّى يعرفه النّاظرون فى هذا الكتاب فنقول :

قال المحدّث القمّى (ره) فى سفينة البحار فى « سمر » ( ج ١ ؛ ص ٦٥٤ ) :

« سمرة بفتح السين وضمّ الميم ابن جندب من أصحاب النّبيّ (ص) وكان منافقا لأنّه كان يبغض عليّا ـ عليه‌السلام ـ وكان بخيلا وهو الّذي ضرب ناقة رسول الله (ص) القصوى بعنزة كانت له على رأسها فشجّها فخرجت الى النّبيّ فشكته ( راجع سادس البحار ص ١٢٧ من طبعة امين الضّرب ) وروى فى الكافى عن زرارة عن أبى جعفر ـ عليه‌السلام ـ أنّ سمرة بن جندب كان له عذق فى حائط لرجل من الانصار وكان منزل الأنصارىّ بباب البستان فكان يمرّ به الى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الأنصارىّ ان يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فلمّا تأبّى جاء الانصارىّ الى رسول الله (ص) فشكا إليه وخبّره الخبر فأرسل إليه رسول الله وخبّره بقول الأنصارىّ وما شكا وقال : اذا أردت الدّخول فاستأذن فأبى فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ من الثّمن ما شاء الله فأبى أن يبيع ، فقال : لك بها عذق مذلّل فى الجنّة فأبى ان يقبل ، فقال رسول الله (ص) للانصارىّ :

٥٤٢

اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار ( الى ان قال ) قال ابن أبى الحديد : وكان سمرة أيّام مسير الحسين عليه‌السلام الى الكوفة على شرطة ابن زياد وكان يحرّض النّاس على الخروج الى الحسين عليه‌السلام وقتاله ( انظر ثامن البحار ص ٧٢٨ ) أقول : لمّا هلك المغيرة بن شعبة وكان واليا على الكوفة استعمل معاوية زيادا عليها فلمّا وليها سار إليها واستخلف على البصرة سمرة بن جندب وكان زياد يقيم بالكوفة ستّة أشهر وبالبصرة ستّة أشهر فلمّا استخلف سمرة على البصرة أكثر القتل فيها فقال ابن ـ سيرين : قتل سمرة فى غيبة زياد هذه ثمانية آلاف فقال له زياد : أما تخاف ان تكون قتلت بريئا؟ ـ فقال : لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت ، وقال أبو السوار العدوىّ : قتل سمرة من قومى فى غداة واحدة سبعة وأربعين كلّهم قد جمع القرآن ؛ كذا فى كامل ابن الأثير »

أقول : قال الفاضل المامقانيّ (ره) فى تنقيح المقال بعد نقل نظير ما نقله المحدّث القمىّ عن كامل التّواريخ لابن الاثير عن تاريخ الطبرى ما نصّه ( ج ٢ ؛ ص ٦٩ ) :

« فقد روى الطّبرىّ أيضا فى أحداث السّنة المذكورة اى فى أحداث سنة الخمسين باسناده عن عوف قال : أقبل سمرة من المدينة فلمّا كان عند دور بنى أسد خرج رجل من بعض أزقّتهم ففاجأه أوّل الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة قال : ثمّ مضت الخيل فأتى عليه سمرة بن جندب وهو متشحّط بدمه فقال : ما هذا؟ ـ قيل : أصابته أوائل خيل الأمير فقال : اذا سمعتم بنا ركبنا فاتّقوا أسنّتنا ( انتهى ).

وفى كتب التّاريخ أيضا أنّه كان فى زمن ولايته البصرة يخرج من داره مع خاصّته ركبانا بغارة فلا يمرّ بحيوان ولا طفل ولا عاجز ولا غافل الاّ سحقه هو وأصحابه بخيلهم ، وهكذا اذا رجع ، ولا يمرّ عليه يوم يخرج به الاّ وغادر به قتيلا أو أكثر ؛ وهذا لا يفعله الاّ كلّ طاغ متكبّر قد نزعت الرّحمة من قلبه بعد خلع ربقة الاسلام من عنقه. ونقل الطّبرىّ وابن الاثير : انّ معاوية أقرّ سمرة بعد زياد ستّة أشهر ثمّ عزله فقال سمرة : لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذّبنى أبدا.

وروى عن سلمان بن مسلم العجلىّ قال : شهدت سمرة وأتى بناس كثير وأناس بين

٥٤٣

يديه فيقول للرّجل : ما دينك؟ ـ فيقول : أشهد أن لا إله الاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله وانّى بريء من الحروريّة فيقدّم فتضرب عنقه حتّى مرّ بضعة وعشرون ».

أقول : ترجمته على سبيل التّفصيل تحتاج الى بسط ولا يقتضي المقام أكثر من ذلك ومن قضاياه المعروفة أنّه تعهّد لمعاوية ان يضع ويختلق فى شأن نزول آية « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ » وآية « مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ » حديثا فى ازاء أن يبذل له معاوية أربعمائة دينار فبذله له واختلق الحديث ».

أقول : لا يسع المقام أكثر من ذلك فمن أراد التّفصيل فى ذلك فليراجع مظانّه.

أمّا ما أشرنا إليه من أنّ أبا بكرة كان أخا زياد بن أبيه فيكشف عن ذلك ما يقرع سمعك وهو :

قال ابن خلّكان فى وفيات الأعيان فى ترجمة أبى عثمان يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرّغ وهو من شعراء الحماسة وممّن لجّ فى هجاء بنى زياد حتّى تغنّى أهل البصرة بأشعاره بعد أن خاض فى ترجمته ونقل أشعارا من صاحب التّرجمة فيهم ما نصّة :

( انظر ص ٣٨٨ ج ٢ من طبعة بولاق سنة ١٢٩٩ )

« قلت : وقد تكرّر فى هذه التّرجمة حديث زياد وبنيه وسميّة وأبى سفيان ومعاوية وهذه الاشعار الّتي قالها يزيد بن مفرّغ فيهم ومن لا يعرف هذه الأسباب قد يتشوّف الى الاطّلاع عليها فنورد منها شيئا مختصرا فأقول :

انّ أبا الجبر الملك الّذي ذكره أبو بكر بن دريد فى المقصورة المشهورة فى البيت الّذي يقوله فيها وهو :

وخامرت نفس أبى الجبر جوى

حتّى حواه الحتف فيمن قد حوى

كان أحد ملوك اليمن واسمه كنيته وقيل : هو أبو الجبر يزيد بن شراحيل الكندىّ ، وقيل : أبو الجبر بن عمرو تغلّب عليه قومه فخرج الى بلاد فارس يستجيش عليهم كسرى فبعث معه جيشا

٥٤٤

من الأساورة فلمّا ساروا الى كاظمة ونظروا وحشة بلاد المغرب وقلّة خيرها قالوا : الى أين نمضى مع هذا!؟ فعمدوا إلى سمّ فدفعوه الى طبّاخه ووعدوه بالاحسان إليه ان ألقى ذلك السّمّ فى طعام الملك ، ففعل ذلك فما استقرّ الطّعام فى جوفه حتّى اشتدّ وجعه فلمّا علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له : إنّك قد بلغت الى هذه الحالة فاكتب لنا الى الملك كسرى انّك قد أذنت لنا فى الرّجوع فكتب لهم بذلك ثمّ انّ أبا الجبر خفّ ما به فخرج الى الطّائف البليدة الّتي بقرب مكّة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب ـ العرب الثّقفىّ فعالجه فأبرأه فأعطاه سميّة ( بضمّ السّين المهملة وفتح الميم وتشديد ـ الياء المثنّاة من تحتها وفى آخره هاء ) وعبيدا ( بضمّ العين المهملة تصغير عبد ) وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر فى جملة ما أعطاه ، ثمّ ارتحل أبو الجبر يريد اليمن فانتقضت عليه العلّة فمات فى الطّريق ثمّ انّ الحارث بن كلدة الثّقفىّ زوّج عبيدا المذكور سميّة المذكورة فولدت سميّة زيادا على فراش عبيد وكان يقال : زياد بن عبيد وزياد بن سميّة وزياد بن أبيه وزياد بن أمّه وذلك قبل أن يستلحقه معاوية كما سيأتى ان شاء الله تعالى. وولدت سميّة أيضا أبا بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة المذكور ويقال : نفيع بن مشروح وهو الصّحابىّ المشهور بكنيته رضى الله عنه ، وولدت أيضا شبل بن معبد ونافع بن الحارث وهؤلاء الإخوة الأربعة هم الّذين شهدوا على المغيرة بن شعبة ـ رضى الله عنه ـ بالزّنا وسيأتى خبر ذلك بعد الفراغ من حديث زياد ان شاء الله تعالى.

وكان أبو سفيان صخر بن حرب الاموىّ والد معاوية بن أبى سفيان يتّهم فى الجاهليّة بالتّرداد الى سميّة المذكورة فولدت سميّة زيادا فى تلك المدّة ولكنّها ولدته على فراش زوجها عبيد ، ثمّ انّ زيادا كبر وظهرت منه النّجابة والبلاغة وهو أحد ـ الخطباء المشهورين فى العرب بالفصاحة والدّهاء والعقل الكثير حتّى أنّ عمر بن الخطّاب ـ رضى الله عنه ـ كان قد استعمل أبا موسى الاشعرىّ رضى الله عنه على البصرة فاستكتب زيادا ابن أبيه ثمّ انّ زيادا قدم على عمر ـ رضى الله عنه ـ من عند أبى موسى فأعجب به عمر ـ رضى الله عنه ـ فأمر له بألف درهم ثمّ تذكّرها بعد ما مضى فقال :

٥٤٥

لقد ضاع ألف أخذها زياد فلمّا قدم عليه بعد ذلك قال له : ما فعل ألفك يا زياد؟ قال : اشتريت بها عبيدا فأعتقته يعنى أباه فقال : ما ضاع ألفك يا زياد ، هل أنت حامل كتابى الى أبى موسى الاشعرىّ فى عزلك عن كتابته؟ ـ قال : نعم يا أمير المؤمنين ان لم يكن ذلك على سخطة قال : ليس عن سخطة قال : فلم تأمره بذلك؟ قال : كرهت أن أحمل النّاس على فضل عقلك واستكتب أبو موسى بعد زياد أبا الحصين بن أبى ـ الحرّ العنبرىّ فكتب الى عمر ـ رضى الله عنه ـ كتابا فلحن فى حرف منه فكتب إليه أن قنع كاتبك سوطا وكان عمر ـ رضى الله عنه ـ اذا وفد عليه من البصرة رجل أحبّ أن يكون زيادا ليشفيه من الخبر ، وكان عمر ـ رضى الله عنه ـ قد استعمله على بعض ـ أعمال البصرة ثمّ عزله فقال : ما عزلتك لجريمة ولكن كرهت أن أحمل النّاس على فضل عقلك ، وكان عمر ـ رضى الله عنه ـ قد بعثه فى اصلاح فساد وقع باليمن فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع النّاس مثلها فقال عمرو بن العاص : أما والله لو كان هذا الغلام من قريش لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان : انّى لأعرف الّذي وضعه فى رحم أمّه فقال له عليّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ : ومن هو يا أبا سفيان؟ ـ قال : أنا ، قال : مهلا أبا سفيان ، فقال أبو سفيان :

أما والله لو لا خوف شخص

يرانى يا عليّ من الأعادى

لأظهر سرّه صخر بن حرب

وان تكن المقالة عن زياد

وقد طالت مجاملتى ثقيفا

وتركى فيهم ثمر الفؤاد

فلمّا صار الأمر الى عليّ رضى الله عنه وجّه زيادا الى فارس فضبيط البلاد وحمى وجبى وأصلح الفساد فكاتبه معاوية يروم افساده على عليّ ـ رضى الله عنه ـ وفيه شعر تركته فكتب إليه عليّ : انّى ما ولّيتك الاّ وأنت أهل لذلك عندى ولن تدرك ما تريده ممّا أنت فيه الاّ بالصّبر واليقين وانّما كانت من أبى سفيان فلتة زمن عمر رضى الله عنه لا يستحقّ بها نسبا ولا ميراثا ، وانّ معاوية يأتى المرء من بين يديه ومن خلفه فاحذره ثمّ احذره والسّلام.

٥٤٦

فلمّا قرأ زياد الكتاب قال : شهد لي أبو الحسن وربّ الكعبة ، فذلك الّذي جرّأ يزيد بن معاوية على ما صنع ، فلمّا قتل عليّ رضى الله عنه وتولّى ولده الحسن رضى الله عنه ثمّ فوّض الأمر الى معاوية كما هو مشهور أراد معاوية استمالة زياد إليه وقصد تأليف ـ قلبه ليكون معه كما كان مع عليّ رضى الله عنه فتعلّق بذلك القول الّذي صدر من أبيه بحضرة عليّ وعمرو بن العاص فاستلحق زيادا فى سنة أربع وأربعين للهجرة فصار يقال له : زياد بن أبى سفيان ، فلمّا بلغ أخاه أبا بكرة أنّ معاوية استلحقه وانّه رضى بذلك حلف يمينا أن لا يكلّمه أبدا وقال : هذا زنى أمّه وانتفى من أبيه والله ما علمت سميّة رأت أبا سفيان قطّ ويله ما يصنع بأمّ حبيبة بنت أبى سفيان زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أيريد أن يراها فان حجبته فضحته وان رآها فيا لها من مصيبة يهتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرمة عظيمة ، وحجّ زياد فى زمن معاوية ودخل المدينة فأراد الدّخول على أمّ حبيبة لأنّها اخته على زعمه وزعم معاوية ثمّ ذكر قول أخيه أبى بكرة فانصرف عن ذلك ، وقيل : إنّ أمّ حبيبة حجبته ولم تأذن له فى الدّخول عليها ، وقيل : إنّه حجّ ولم يزر من أجل قول أبى بكرة وقال : جزى الله أبا بكرة خيرا فما يدع النّصيحة على كلّ حال. وقدم زياد على معاوية وهو نائب عنه وحمل معه هدايا جليلة من جملتها عقد نفيس فأعجب به معاوية فقال زياد : يا أمير المؤمنين دوّخت لك العراق وجبيت لك برّها وبحرها وحملت أليك لبّها وقشرها ، وكان يزيد بن معاوية جالسا فقال له : أما انّك اذ فعلت ذلك فانّا نقلناك من ثقيف الى قريش ، ومن عبيد الى أبى سفيان ، ومن القلم الى المنابر ، فقال له معاوية : حسبك ورّيت بك زنادى ، وقال أبو الحسن المدائنى : أخبرنا أبو الزّبير الكاتب عن ابن اسحاق قال : اشترى زياد أباه عبيدا فقدم زياد على عمر رضى الله عنه فقال له : ما صنعت بأوّل شيء أخذت من عطائك؟ قال : اشتريت به أبى ، قال : فأعجب ذلك عمر رضى الله عنه وهذا ينافى استلحاق معاوية ايّاه ، ولمّا ادّعى معاوية زيادا دخل عليه بنو اميّة وفيهم عبد الرّحمن بن الحكم أخو مروان بن الحكم الأموىّ فقال له : يا معاوية لو لم تجد الاّ

٥٤٧

الزّنج لاستكثرت بهم علينا قلّة وذلّة فأقبل معاوية على أخيه مروان بن الحكم وقال : أخرج عنّا هذا الخليع فقال مروان : والله انّه لخليع ما يطاق قال معاوية : والله لو لا حلمى وتجاوزى لعلمت أنّه يطاق ألم يبلغنى شعره فىّ وفى زياد ثمّ قال لمروان أسمعنيه فقال :

ألا أبلغ معاوية بن صخر

لقد ضاقت بما يأتى اليدان

أتغضب أن يقال أبوك عفّ

وترضى أن يقال أبوك زان

وقد تقدّم ذكر بقيّه هذه الأبيات منسوبة الى يزيد بن مفرّغ وفيها خلاف هل هى ليزيد بن مفرّغ أم لعبد الرّحمن بن الحكم فمن رواها لابن مفرّغ روى البيت الاوّل على تلك الصّورة ، ومن رواها لعبد الرّحمن رواها على هذه الصورة.

ولمّا استلحق معاوية زيادا وقرّبه وأحسن إليه وولاّه صار من أكبر الأعوان على بنى عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه حتّى قيل : انّه لمّا كان أمير العراقين طلب رجلا يعرف بابن سرح من أصحاب الحسن بن عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه وكان فى الأمان الّذي كتب لأصحاب الحسن رضى الله عنه لمّا نزل عن الخلافة لمعاوية فكتب الحسن الى زياد : من الحسن الى زياد ؛ أمّا بعد فقد علمت ما كنّا أخذنا لأصحابنا من الأمان وقد ذكر لى ابن سرح أنّك عرضت له فأحبّ ان لا تعرض له الاّ بخبر والسّلام فلمّا أتاه الكتاب وقد بدأ فيه بنفسه ولم ينسبه الى أبى سفيان غضب وكتب إليه : من زياد بن أبى سفيان الى الحسن أمّا بعد فانّه أتانى كتابك فى فاسق تأويه الفسّاق من شيعتك وشيعة أبيك وأيم الله لأطلبنّه ولو كان بين جلدك ولحمك وانّ أحبّ النّاس إليّ لحما أن آكله للحم أنت منه ، فلمّا قرأه الحسن رضى الله عنه بعث به الى معاوية فلمّا قرأه غضب وكتب الى زياد : من معاوية بن أبى سفيان الى زياد ؛ أمّا بعد فانّ الحسن بن عليّ بعث إليّ بكتابك إليه جواب كتاب كان كتبه أليك فى ابن سرح فأكثرت التّعجّب منه وقد علمت أنّ لك رأيين رأيا من أبى سفيان ورأيا من سميّة فأمّا رأيك من أبى سفيان فحلم وحزم ، وأمّا رأيك من سميّة فكما يكون رأى مثلها

٥٤٨

ومن ذلك كتابك الى الحسن تسبّه وتعرض له بالفسق ولعمرى لأنت أولى بذلك منه فان كان الحسن ابتدأ بنفسه ارتفاعا عنك فانّ ذلك لن يضعك وأمّا تركك تشفيعه فيما شفع فيه أليك فحظّ دفعته عن نفسك الى من هو أولى به منك فاذا أتاك كتابى فخلّ ما بيدك لابن سرح ولا تعرض له فيه فقد كتبت الى الحسن بخبره ان شاء اقام عنده وان شاء رجع الى بلده ، وانّه ليس لك عليه سبيل بيد ولا لسان ، وأمّا كتابك الى الحسن باسمه ولا تنسبه الى أبيه فانّ الحسن ويحك ممّن لا يرمى به الرّجوان أفاستصغرت أباه وهو عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه أم الى أمّه وكلته وهى فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذلك أفخر له ان كنت عقلت والسّلام ( قوله : لا يرمى به الرّجوان ) بفتح الرّاء والجيم وهو لفظ مثنّى ومعناه المهالك.

قلت : وقد رويت هذه الحكاية على صورة اخرى وهى :

كان سعيد بن سرح مولى كريز بن حبيب بن عبد شمس من شيعة عليّ بن أبى ـ طالب رضى الله عنه فلمّا قدم زياد بن أبيه الكوفة واليا عليها أضافه وطلبه فأتى المدينة فنزل على الحسن بن عليّ رضى الله عنه فقال له الحسن : ما السّبب الّذي أشخصك وأزعجك؟ فذكر له قصّته وصنيع زياد به فكتب إليه الحسن : أمّا بعد فانّك عمدت الى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت عليه داره وأخذت ماله وعياله فاذا أتاك كتابى هذا فابن له داره واردد عليه ماله وعياله فانّى قد أجرته فشفّعنى فيه ، فكتب إليه زياد : من زياد بن أبى سفيان الى الحسن بن فاطمة ؛ امّا بعد فقد أتانى كتابك تبدأ فيه باسمك قبل اسمى وأنت طالب للحاجة وأنا سلطان وأنت سوقة وكتابك إليّ فى فاسق لا يأويه الاّ فاسق مثله وشرّ من ذلك تولّيه أباك وقد آويته اقامة منك على سوء الرّأى ورضى بذلك وأيم الله لا نسبقنى إليه ولو كان بين جلدك ولحمك فانّ أحبّ لحم إليّ أن آكله للحم أنت منه فأسلمه بجريرته الى من هو أولى به منك فان عفوت عنه لم أكن شفعتك وان قتلته لم أقتله الاّ بحبّه أباك ، فلمّا قرأ الحسن رضى الله عنه الكتاب كتب الى معاوية يذكر له حال ابن سرح وكتابه الى زياد

٥٤٩

فيه واجابة زياد ايّاه ولفّ كتابه فى كتابه وبعث به إليه وكتب الحسن الى زياد : من الحسن بن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الى زياد بن سميّة عبد بنى ثقيف الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فلمّا قرأ معاوية كتاب الحسن رضى الله عنه ضاقت به الشّام وكتب الى زياد : أمّا بعد فانّ الحسن بن عليّ بن أبى طالب رضى الله عنهما بعث إليّ بكتابك جواب كتابه أليك فى ابن سرح فأكثرت التّعجّب منه وعلمت أنّ لك رأيين أحدهما من أبى سفيان وآخر من سميّة ؛ فأمّا الّذي من أبى سفيان فحلم وحزم ، وأمّا الّذي من سميّة فكما يكون رأى مثلها ومن ذلك كتابك الى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق ، ولعمرى لأنت أولى بالفسق من الحسن ولأبوك اذ كنت تنسب الى عبيد أولى بالفسق من أبيه ، فان كان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عنك فانّ ذلك لم يضعك وأمّا تشفيعه فيما شفع أليك فيه فحظّ دفعته عن نفسك الى من هو أولى به منك ، فاذا قدم عليك كتابى هذا فخلّ ما فى يدك لسعيد بن سرح وابن له داره ولا تغدر به واردد عليه ماله فقد كتبت الى الحسن أن يخبر صاحبه بذلك فان شاء أقام عنده وان شاء رجع الى بلده ، فليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان ، وأمّا كتابك الى الحسن باسمه واسم أمّه ولا تنسبه الى أبيه فانّ الحسن ويلك ممّن لا يرمى به الرّجوان أفاستصغرت أباه وهو عليّ بن أبى طالب أم الى أمّه وكلته لا أمّ لك فهى فاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم فتلك أفخر له ان كنت تعقل والسّلام.

وقال عبيد الله بن زياد : ما هجيت بشيء أشدّ عليّ من قول ابن مفرّغ :

فكّر ففى ذاك ان فكّرت معتبر

هل نلت مكرمة الاّ بتأمير

عاشت سميّة ما عاشت وما علمت

أنّ ابنها من قريش فى الجماهير

وقال قتادة : قال زياد لبنيه وقد احتضر : ليت أباكم كان راعيا فى أدناها وأقصاها ولم يقع بالذّي وقع فيه. قلت : فبهذا الطّريق كان ينظم ابن مفرّغ هذه الأشعار فى زياد وبنيه ويقول : انّهم أدعياء حتّى قال فى زياد وأبى بكرة ونافع أولاد سميّة :

انّ زيادا ونافعا وأبا ـ

بكرة عندى من أعجب العجب

٥٥٠

هم رجال ثلاثة خلقوا

فى رحم انثى وكلّهم لأب

ذا قرشىّ كما يقول وذا

مولى وهذا ابن عمّه عربى

وهذه الأبيات تحتاج الى زيادة إيضاح فأقول :

قال أهل العلم بالأخبار : انّ الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبى سلمة بن عبد العزّى بن غيرة بن عوف بن قسىّ وهو ثقيف هكذا ساق النّسب ابن الكلبىّ فى كتاب الجمهرة وهو طبيب العرب المشهور ومات فى أوّل الاسلام وليس يصحّ اسلامه وروى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر سعد بن أبى وقّاص أن يأتى الحارث بن كلدة يستوصفه فى مرض نزل به فدلّ ذلك على أنّه جائز أن يشاور أهل الكفر فى الطّبّ اذا كانوا من أهله وكان ولده الحارث بن الحارث من المؤلّفة قلوبهم وهو معدود فى جملة الصّحابة رضى الله تعالى عنهم ويقال : انّ الحارث بن كلدة كان رجلا عقيما لا يولد له وانّه مات فى خلافة عمر رضى الله عنه ولمّا حاصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الطّائف قال : أيّما عبد تدلّى إليّ فهو حرّ فنزل أبو بكرة رضى الله عنه من الحصن فى بكرة ( قلت : وهى بفتح الباء الموحّدة وسكون الكاف وبعدها راء ثمّ هاء وهى الّتي تكون على البئر وفيها الحبل يستقى به والنّاس يسمّونها بكرة بفتح الكاف وهو غلط الاّ أنّ صاحب كتاب العين حكاها بالفتح أيضا وهى لغة ضعيفة لم يحكها غيره ) قال : فكنّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكرة لذلك وكان يقول : أنا مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأراد أخوه نافع أن يدلّى نفسه فى البكرة أيضا فقال له الحارث بن كلدة : أنت ابنى فأقم ؛ فأقام ونسب الى الحارث ، وكان أبو بكرة قبل أن يحسن اسلامه ينسب الى الحارث أيضا فلمّا حسن اسلامه ترك الانتساب إليه ولمّا هلك الحارث بن كلدة لم يقبض أبو بكرة من ميراثه شيئا تورّعا ، هذا عند من يقول : انّ الحارث أسلم والاّ فهو محروم من الميراث لاختلاف الدّين فلهذا قال ابن مفرّغ الأبيات الثلاثة البائيّة لأنّ زيادا ادّعى أنّه قرشىّ باستلحاق معاوية له ، وأبو بكرة اعترف بولاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ونافع كان يقول : انّه ابن الحارث بن كلدة الثّقفىّ وأمّهم واحدة

٥٥١

وهى سميّة المذكورة وهذا سبب نظم البيتين فى آل أبى بكرة كما تقدّم ذكره ، وعلاج جدّ الحارث بن كلدة كما ذكرته ؛ هذه قصّة زياد وأولاده ذكرتها مختصرة.

قلت : الاّ انّ قول ابن مفرّغ فى البيت الثانى « وكلّهم لاب » ليس بجيّد فانّ زيادا ما نسبه أحد الى الحارث بن كلدة بل هو ولد عبيد لأنّه ولد على فراشه ، وأمّا أبو بكرة ونافع فقد نسبا الى الحارث فكيف يقول : « وكلّهم لأب » فتأمّله. وذكر ابن النديم فى كتابه الّذي سمّاه الفهرست : انّ أوّل من ألّف كتابا فى المثالب زياد بن أبيه فانّه لمّا طعن عليه وعلى نسبه عمل ذلك لولده وقال لهم : استظهروا به على العرب فانّهم يكفّون عنكم وأمّا حديث المغيرة بن شعبة الثّقفىّ والشّهادة عليه فانّ عمر بن الخطّاب ـ رضى الله عنه ـ كان قد رتّب المغيرة أميرا على البصرة وكان يخرج من دار الامارة نصف النّهار وكان أبو بكرة يلقاه فيقول : أين يذهب الأمير؟ ـ فيقول : فى حاجة فيقول : انّ الامير يزار ولا يزور ، قالوا : وكان يذهب الى امرأة يقال لها أمّ ـ جميل بنت عمرو وزوجها الحجّاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمىّ وقال ابن الكلبىّ فى كتاب جمهرة النّسب : هى أمّ جميل بنت الأفقم بن محجن بن أبى ـ عمرو بن شعبة بن الهرم وعدادهم فى الانصار وزاد غير ابن الكلبىّ فقال : الهرم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن والله أعلم قال الرّاوى : فبينما أبو بكرة فى غرفة مع اخوته وهم نافع وزياد المذكوران وشبل بن ـ معبد والجميع أولاد سميّة المذكورة فهم اخوة لامّ وكانت أمّ جميل المذكورة فى غرفة اخرى قبالة هذه الغرفة فضربت الرّيح باب غرفة أمّ جميل ففتحته ونظر القوم فاذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع فقال أبو بكرة : هذه بليّة قد ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتّى أثبتوا فنزل أبو بكرة فجلس حتّى خرج عليه المغيرة فقال له : انّه كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا قال : وذهب المغيرة ليصلّى بالنّاس الظّهر ومضى أبو بكرة فقال أبو بكرة : لا والله لا تصلّ بنا وقد فعلت ما فعلت ، فقال النّاس : دعوه فليصلّ فانّه الأمير واكتبوا بذلك الى عمر ـ رضى الله عنه ـ فكتبوا إليه فأمرهم أن يقدموا عليه

٥٥٢

جميعا ؛ المغيرة والشّهود ، فلمّا قدموا عليه جلس عمر رضى الله عنه فدعا بالشّهود والمغيرة فتقدّم أبو بكرة فقال له : رأيته بين فخذيها؟ قال : نعم والله لكأنّى أنظر الى تشريم جدرى بفخذيها ، فقال له المغيرة : لقد ألطفت فى النّظر فقال أبو بكرة : لم آل أن أثبت ما يحزنك الله به ، فقال عمر رضى الله عنه : لا والله حتّى تشهد لقد رأيته يلج فيها ولوج المرود فى المكحلة فقال : نعم أشهد على ذلك ، فقال : اذهب مغيرة ؛ ذهب ربعك ، ثمّ دعا نافعا فقال له : علام تشهد؟ قال : على مثل شهادة ابى بكرة قال : لا حتّى تشهد أنّه ولج فيها ولوج الميل فى المكحلة ، قال : نعم حتّى بلغ قذذة ( قلت : القذذ بالقاف المضمومة وبعدها ذالان معجمتان وهى ريش السّهم ) قال الرّاوى : فقال له عمر رضى الله عنه : اذهب مغيرة قد ذهب نصفك ، ثمّ دعا الثّالث فقال له : علام تشهد؟ ـ فقال : على مثل شهادة صاحبىّ ، فقال له عمر رضى الله عنه : اذهب مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك ، ثمّ كتب الى زياد وكان غائبا وقدم فلمّا رآه جلس له فى المسجد واجتمع عنده رءوس المهاجرين والانصار فلمّا رآه مقبلا قال : انّى أرى رجلا لا يخزى الله على لسانه رجلا من المهاجرين ثمّ انّ عمر رضى الله عنه رفع رأسه إليه فقال : ما عندك يا سلح الحبارى فقيل : انّ المغيرة قام الى زياد فقال : لا مخبأ لعطر بعد عروس قلت : وهذا مثل للعرب لا حاجة الى الكلام عليه فقد طالت هذه التّرجمة كثيرا ( قال الرّاوى ) فقال له المغيرة : يا زياد اذكر الله تعالى واذكر موقف يوم القيامة فانّ الله تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمى الاّ ان تتجاوز إليّ ما لم تر ممّا رأيت فلا يحملنّك سوء منظر رأيته على أن تتجاوز الى ما لم تر فو الله لو كنت بين بطنى وبطنها ما رأيت ان يسلك ذكرى فيها قال : فدمعت عينا زياد واحمرّ وجهه وقال : يا أمير المؤمنين أمّا أن أحقّ ما حقّ القوم فليس عندى ولكن رأيت مجلسا وسمعت نفسا حثيثا وانتهازا ورأيته مستبطنها فقال له عمر رضى الله عنه : رأيته يدخل كالميل فى المكحلة؟ ـ فقال : لا ، وقيل : قال زياد : رأيته رافعا رجليها فرأيت خصيته تتردّد الى ما بين فخذيها ورأيت حفزا شديدا وسمعت نفسا عاليا ، فقال عمر رضى الله عنه : رأيته يدخله ويخرجه كالميل

٥٥٣

فى المكحلة؟ ـ فقال : لا ؛ فقال عمر رضى الله عنه : الله اكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم ، فقام الى أبى بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين وأعجبه قول زياد ودرأ الحدّ عن المغيرة فقال أبو بكرة بعد ان ضرب : أشهد أنّ المغيرة فعل كذا وكذا ، فهّم عمر رضى الله عنه أن يضربه حدّا ثانيا فقال له عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه : ان ضربته فأرجم صاحبك فتركه واستتاب عمر أبا بكرة فقال : انّما تستتيبنى لتقبل شهادتى؟ ـ فقال : أجل ، فقال : لا أشهد بين اثنين ما بقيت فى الدّنيا فلمّا ضربوا الحدّ قال المغيرة : الله أكبر الحمد لله الّذي أخزاكم ، فقال عمر : بل أخزى الله مكانا رأوك فيه. وذكر عمر بن شبّة فى كتاب أخبار البصرة أنّ أبا بكرة لمّا جلد أمرت أمّه بشاة فذبحت وجعلت جلدها على ظهره فكان يقال : ما ذاك الاّ من ضرب شديد وحكى عبد الرّحمن بن أبى بكرة أنّ أباه حلف لا يكلّم زيادا ما عاش فلمّا مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصلّى عليه الاّ أبو برزة الاسلمىّ وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم آخى بينهما وبلغ ذلك زيادا فخرج الى الكوفة وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره ثمّ انّ أمّ جميل وافت عمر بن الخطّاب بالموسم والمغيرة هناك فقال له عمر : أتعرف هذه المرأة يا مغيرة؟ فقال : نعم ، هذه أمّ كلثوم بنت عليّ فقال عمر : أتتجاهل عليّ والله ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك وما رأيتك الاّ خفت أن أرمى بحجارة من السّماء.

قلت : ذكر الشيخ أبو اسحاق الشّيرازىّ فى أوّل باب عدد الشّهود فى كتاب المهذّب : وشهد على المغيرة ثلاثة ؛ أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد وقال زياد : رأيت استا تنبو ونفسا يعلو ، ورجلين كأنّهما اذنا حمار ولا أدرى ما وراء ذلك ، فجلد عمر الثّلاثة ولم يحدّ المغيرة قلت : وقد تكلّم الفقهاء على قول عليّ ـ رضى الله عنه ـ لعمر : ان ضربته فأرجم صاحبك ، فقال أبو نصر بن الصّبّاغ المقدّم ذكره وهو صاحب كتاب الشّامل فى المذهب : يريد أنّ هذا القول ان كان شهادة اخرى فقد تمّ العدد ، وان كان هو الأوّل فقد جلدته عليه ، والله أعلم : وذكر عمر بن شبة فى أخبار البصرة انّ العبّاس بن عبد المطّلب ـ رضى الله عنه ـ قال لعمر رضى الله عنه : انّ رسول الله صلّى الله

٥٥٤

عليه وسلّم أقطعنى البحرين فقال : ومن يشهد لك بذلك؟ ـ قال المغيرة بن شعبة ، فأبى أن يجيز شهادته.

قلت : وقد طالت هذه التّرجمة وسببه أنّها اشتملت على عدّة وقائع فدعت الحاجة الى الكلام على كلّ واحدة منها فانتشر القول لأجل ذلك وما خلا عن فوائد ».

قال المصنّف (ره) فى ترجمة عائشة

( ص ٧٧ ؛ س ١ ) :

« ورويتم عن عبد الله بن مسعود عن اسرائيل بن سباط عن عروة »

وذكرت فى ذيل الصّفحة ( س ٢٠ ) ما نصّه :

« السّند هكذا فى الأصل وهو مشوّش قطعا ونقل الحديث ابن طاوس فى كتاب سعد السّعود بهذا السند ( الى آخر ما نقلناه ) ».

فبعد طبع الكرّاسة المشار إليها اطّلعت على موضع من مواضع نقل الحديث وهو :

قال الحافظ نور الدّين عليّ أبى بكر الهيثمىّ فى مجمع الزوائد ومنبع الفوائد فى باب فيما كان فى الجمل وصفّين وغيرهما

( ج ٧ ؛ ص ٢٣٧ ) :

« وعن سعيد بن كوز قال : كنت مع مولاى يوم الجمل فأقبل فارس فقال : يا أمّ المؤمنين فقالت عائشة : سلوه من هو؟ قيل : من أنت؟ ـ قال : أنا عمّار بن ياسر قالت : قولوا له : ما تريد؟ ـ قال : أنشدك بالله الّذي أنزل الكتاب على رسول الله ( صلعم ) فى بيتك أتعلمين أنّ رسول الله (ص) جعل عليّا وصيّا على أهله وفى أهله؟ ـ قالت : اللهمّ نعم ، قال : فمالك؟ ـ قال : أطلب بدم عثمان أمير المؤمنين ، قال : فتكلّم.

٥٥٥

ثمّ جاء فوارس أربعة فهتف بهم رجل منهم قال : تقول عائشة : ابن أبى طالب وربّ الكعبة سلوه : ما يريد؟ ـ قالوا : ما تريد؟ ـ قال : أنشدك بالله الّذي أنزل الكتاب على رسول الله ( صلعم ) فى بيتك ؛ أتعملين أنّ رسول الله (ص) جعلنى وصيّا على أهله وفى أهله؟ ـ قالت : اللهمّ نعم ، قال : فمالك؟ ـ قالت : أطلب بدم أمير المؤمنين عثمان قال : أرينى قتلة عثمان ثمّ انصرف والتحم القتال ، قال : فرأيت هلال بن وكيع رأس بنى تميم معه غلام له حبشىّ مثل الجانّ وهو يقاتل بين يدى عائشة وهو يقول :

أضربهم بذكر القطاط

اذ فرّ عون وأبو حماط

ونكّب النّاس عن الصّراط

فحانت منّى التفاتة فاذا هو قد شدخ وغلامه.

رواه الطّبرانىّ وسعيد بن كوز وأسباط بن عمرو الرّاوى عنه لم أعرفهما ؛ وبقيّة رجاله ثقات ».

قال المصنّف (ره) فى ترجمة أمّ المؤمنين عائشة

( ص ٧٩ ؛ س ١٠ و ١٤ ) :

« والله لترحلنّ أو لأبعثنّ أليك بالكلمات »

وقلنا فى ذيل صفحة ٨٠ :

« أقول : يأتى الكلام فى ذلك الباب فى مجلّد تعليقاتنا على الكتاب ان شاء الله تعالى » فنقول :

« قال المجلسى (ره) فى ثامن البحار فى باب ورود البصرة ووقعة الجمل ؛ ص ٤٣٦ ما نصّه :

« ج ـ ( يريد به الاحتجاج للطبرسىّ ) : روى عن الباقر (ع) أنّه قال : لمّا كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنّبل قال عليّ (ع) : والله ما أرانى الاّ مطلّقها فأنشد الله رجلا سمع من رسول الله (ص) يقول : يا عليّ أمر نسائى بيدك من بعدى؟ قال : فبكت

٥٥٦

عائشة عند ذلك حتّى سمعوا بكاءها فقال عليّ : لقد أنبأنى رسول الله (ص) بنبإ وقال : يا عليّ انّ الله يمدّك بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين.

بيان ـ رشقه ـ رماه بالسّهام ، والنّبل السّهام العربيّة ولا واحد لها من لفظها فلا يقال نبلة ، ذكرهما فى النّهاية ».

أقول : وخبر سعد بن عبد الله القمى (ره) فى هذا الأمر معروف وهو الّذي أشار إليه المحدّث القمّى (ره) فيما نقلناه من كلامه فى تعليقة الصّحيفة المشار إليها.

قد قلنا فى ذيل قصّة ضيافة حاتم للوافدين على قبره بعد الاشارة

الى شيء من موارد نقلها

( انظر ص ٤١٠ ؛ س ١٢ ـ ١٣ ) :

« وقد نظمتها الشّعراء بأبيات غرّاء ومضامين لطيفة يأتى ذكر بعضها فى مجلّد تعليقاتنا على الإيضاح ».

وحيث كان ذكر جميع ما دوّنته وجمعته فى ذلك الموضوع هنا ممّا يفضى الى طول مملّ فانّه قد صار رسالة كبيرة كما ذكرنا فى ص ٤١٢ ؛ س ١٣ فلنقتصر على ذكر منظومة هنا لكونها فى مورد لا تصل إليه أيدى جمهور الفضلاء وذلك أنّها مذكورة فى سفينة مخطوطة فى مكتبة مجلس الشّورى بطهران مضبوطة تحت رقم ٥٩٩٦ من فهرست المكتبة ( انظر ص ٤١ ـ ٤٣ منها ) ونصّ العبارة فيها هكذا :

« از محمدقلى سليم طهرانى

طوطى كلكم كه به مرغ چمن

تازگى آموخت ز طرز سخن

گفت كه : روزى پى سامان كار

قافله اى جمع شد از هر ديار

قافله اى مردمِ او با صواب

گشته جهان را همه چون آفتاب

نقد خرد مايه بازارشان

جنسِ هنر بود همه بارِشان

٥٥٧

از رخِشان نورِ سعادت عيان

بر سرِشان بالِ هما سايه بان

شاد وشكفته همه با يكدگر

خنده هريك چو گل از روىِ زر

خيمه زده هركه سزاوار خود

همچو شكو [ فه ] بسرِ بارِ خود

غير جرس هيچ دلى در جهان

ناله نمى كرد در آن كاروان

مهر چو سر بر سرِ كهسار برد

قافله دستى ز پىِ بار برد

گشت روان از پى هم كاروان

همچو سرشك از مژه عاشقان

هر جرسى زمزمه آغاز كرد

گم شدگان را بره آواز كرد

كف بلب از مستى بسيار داشت

ناقه ندانم كه چه در بار داشت

رفت بتعجيل ز آرامگاه

قافله چون يك دو سه فرسنگ راه

دهر شد از ظلمتِ شب ناگهان

سرمه كشِ ديده سيّارگان

تيره شبى همچو سرِ زلف يار

گم شده در ظلمتِ او روزگار

رفته خود از عالم واز مرگ او

گشته سيه پوش جهانِ دو رو

چرخ سيه دل همه دم از شهاب

تير فكنده ز پىِ آفتاب

گشته ز بس ظلمتِ شب روى ماه

همچو رخِ كاغذِ مشقى سياه

در طلبِ راه ز نزديك ودور

گشته سراسيمه تر از خيل مور

دست ودل جمله چو از كار شد

آتشى از دور نمودار شد

روى نهادند دوان بى قرار

جانبِ آتش همه پروانه وار

بر اثرِ شعله در آن روى دشت

يك دو سه فرسنگ چو پيموده گشت

روضه اى آمد بنظر همچو نور

سنگ بنايش همه از كوه طور

ديده ز بس فيض بهر منظرش

كعبه شده حلقه به گوش درش

شمع درو گشته علم در سخا

داده به دشمن سر خود بارها

جمله قناديلِ وى وشمعدان

چون دلِ عاشق همه وقف كسان

٥٥٨

فيض ز كثرت شده ظاهر درو

جود وسخا گشته مجاور درو

جانبِ آن روضه كسى در زمان

رفت كه پرسد خبرى زان مكان

گفت به او شخصى از آن سرزمين

مقبره حاتم طائيست اين

روى ازين مژده سوىِ راه كرد

قافله را زين سخن آگاه كرد

بار گشودند در آن خوش مكان

بر درِ او حلقه شده كاروان

بيهده گوئى ز ميانِ گروه

گفت كه : اى حاتم دريا شكوه

قافله ما شده مهمانِ تو

چشم نهاده همه بر خوانِ تو

زود پس مائدة تدبير كن

قافله گرسنه را سير كن

بود هنوز اين سخنش بر زبان

كز پى سر گريه كنان ساربان

گفت : كه خورد آن شتر برق تاز

مهره بدل از فلك حقّه باز

اين سخنش كرد چه در گوش راه

جست سراسيمه چو از سينه آه

گفت ببرّيد سرش را ز تن

تا كه شود مائده انجمن

گفت كه : اى حاتم صاحب كرم

خواستم از جود تو فيضى برم

طوفِ مزار تو مرا شوم شد

همّتِ تو بر همه معلوم شد

يافتم اكنون كه چه سان بوده است

جودِ تو از خوانِ كسان بوده است

حيف زنى لافِ كرم چون حباب

به كه ببخشى وگر از بجر آب

او شده در طعنه زدن بى قرار

روح كرم پيشه ازو شرمسار

گشته خوى افشان ز خجالت براه

همچو تهيدست برِ قرضخواه

صبح كه اين ناقه گيتى نورد

از طرفِ دشت برانگيخت گرد

صاحب جمّازه پى كارِ خود

گشت فرومانده تر از بار خود

بود سراسيمه كه از يك كنار

خاست غبارى چو خط از روى يار

اندكى آن گرد چو شد جلوه گر

ناقه سوارى شد ازو جلوه گر

بار شتر اطعمه بيكران

ناقه ديگر به رديفش روان

٥٥٩

ناقه صرصر روشى خوش تكى

كوه به پشت وى وكوهان يكى

از اثر تندى آن خوش نشان

خاك به رفتار چو ريگ روان

گفتى از آن سان كه سبك تاز بود

همچو شترمرغ به پرواز بود

سالكى آزاده ز سامان راه

سينه خود در بغلش نان راه

از خورش مائده روزگار

شعله صفت كرده قناعت بخار

كف بلب آورده ز مستى وهوش

بر صفتِ صوفىِ پشمينه پوش

بيم وى از دورى منزل نبود

گرده شتر بود شتر دل نبود

كرد نمايان جل رنگين بناز

همچو عروسى كه نمايد جهاز

راند بسرعت شتر آن نوجوان

گشت چو نزديك بآن خوش مكان

رفت سوى روضه نخستين چو باد

كرد طوافى ز سرِ اعتقاد

پس بسرِ قافله بى شمار

بار فكن گشت چو ابرِ بهار

مردم آن قافله را جابجا

داد سوىِ تربت حاتم صلا

سفره اى از مائدة ترتيب داد

جانبِ آن قافله برد وگشاد

سفره اى از مائدة آراسته

يافته دل هرچه درو خواسته

سفره چو برداشته شد از ميان

عذر طلب كرد ازيشان جوان

قاعده مهر وكرم تازه كرد

رو به سوى صاحب جمّازه كرد

گفت : گلى از چمن حاتمم

همچو زبان بر سخن حاتمم

دوش ز انديشه چو خوابم ربود

شعله صفت گرم به چشمم نمود

گفت كه : امشب ز قضا ناگهان

قافله اى گشت مرا ميهمان

مقدمشان گرچه خوش آهنگ بود

وقت چو دست ودلِ من تنگ بود

يك شتر اكنون ز همان كاروان

قرض گرفتم پىِ ترتيب خوان

خيز كه هنگام خور وخواب نيست

در لحدم از غم اين خواب نيست

مائده اى در خورِ احسان من

آنچه تو ديدى بسرِ خوان من

٥٦٠