الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

أكل البرد لا يفطر الصّائم وهزئت به ونسبته الى الجهل. وسمع عمر أنّ عبد الله بن مسعود وأبىّ بن كعب يختلفان فى صلاة الرّجل فى الثّوب الواحد فصعد المنبر وقال : اذا اختلف اثنان من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فعن أىّ فتياكم يصدر المسلمون لا أسمع رجلين يختلفان بعد مقامى هذا الاّ فعلت وصنعت. وقال جرير بن كليب : رأيت عمر ينهى عن المتعة وعليّ ـ عليه‌السلام ـ يأمر بها فقلت : انّ بينكما لشرّا ، فقال عليّ ـ عليه‌السلام ـ ليس بيننا الاّ الخير ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدّين.

قال هذا المتكلّم :

وكيف يصحّ ان يقول رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أصحابى كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ؛ لا شبهة أنّ هذا يوجب أن يكون أهل الشّام فى صفّين على هدى وان يكون أهل العراق أيضا على هدى ، وأن يكون قاتل عمّار بن ياسر مهتديا وقد صحّ الخبر الصّحيح انّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال له : تقتلك الفئة الباغية ، وقال فى القرآن : فقاتلوا الّتي تبغى حتّى تفيء الى أمر الله ، فدلّ على أنّها ما دامت موصوفة بالمقام على البغى مفارقة لأمر الله ؛ ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتديا ، وكان يجب ان يكون بسر بن أرطاة الّذي ذبح ولدى عبيد الله بن عبّاس الصّغيرين مهتديا ؛ لأنّ بسرا من الصّحابة أيضا ، وكان يجب أن يكون عمرو بن العاص ومعاوية اللّذان كانا يلعنان عليّا أدبار الصّلاة وولديه مهتديين ، وقد كان فى الصّحابة من يزنى ومن يشرب الخمر كأبي محجن الثّقفىّ ومن يرتدّ عن الاسلام كطليحة بن خويلد فيجب ان يكون كلّ من اقتدى بهؤلاء فى أفعالهم مهتديا.

قال :

وانّما هذا من موضوعات متعصّبة الأمويّة فانّ لهم من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث اذا عجز عن نصرهم بالسّيف وكذا القول فى الحديث الآخر وهو قوله : القرن الّذي أنا فيه ، وممّا يدلّ على بطلانه أنّ القرن الّذي جاء بعده بخمسين سنة شرّ

٥٢١

قرون الدّنيا وهو أحد القرون الّتي ذكرها فى النّصّ وكان ذلك القرن هو القرن الّذي قتل فيه الحسين واوقع بالمدينة وحوصرت مكّة ونقضت الكعبة وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه والمنتصبون فى منصب النّبوّة الخمور وارتكبوا الفجور كما جرى ليزيد ابن معاوية وليزيد بن عاتكة وللوليد بن يزيد وأريقت الدّماء الحرام وقتل المسلمون وسى الحريم واستعبد أبناء المهاجرين والأنصار ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدى الرّوم وذلك فى خلافة عبد الملك وإمرة الحجّاج ، واذا تأمّلت كتب التّواريخ وجدت الخمسين الثّانية شرّا كلّها لا خير فيها ولا فى رؤسائها وأمرائها والنّاس برؤسائهم وأمرائهم ؛ والقرن خمسون سنة فكيف يصحّ هذا الخبر؟!

قال :

فأمّا ما ورد فى القرآن من قوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وقوله : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) ، وقول النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : انّ الله اطّلع على أهل بدر ان كان الخبر صحيحا فكلّه مشروط بسلامة العاقبة ولا يجوز ان يخبر الحكيم مكلّفا غير معصوم بأنّه لا عقاب عليه فليفعل ما شاء.

قال هذا المتكلّم :

من أنصف وتأمّل أحوال الصّحابة وجدهم مثلنا يجوز عليهم ما يجوز علينا ولا فرق بيننا وبينهم الاّ بالصّحبة لا غير ؛ فانّ لها منزلة وشرفا ولكن لا الى حدّ يمتنع على كلّ من رأى الرّسول أو صحبه يوما او شهرا او أكثر من ذلك ان يخطئ ويزلّ ، ولو كان هذا صحيحا ما احتاجت عائشة الى نزول براءتها من السّماء بل كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ من أوّل يوم يعلم كذب أهل الإفك لأنّها زوجته وصحبتها له آكد من صحبة غيرها. وصفوان بن المعطّل أيضا كان من الصّحابة فكان ينبغى أن لا يضيق صدر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولا يحمل ذلك الهمّ والغمّ الشّديدين الّذين حملهما ، ويقول : صفوان وعائشة من الصّحابة والمعصية عليهما ممتنعة ، وأمثال هذا كثير وأكثر من الكثير لمن أراد أن يستقرئ أحوال القوم وقد كان التّابعون يسلكون بالصّحابة

٥٢٢

هذا المسك ويقولون فى العصاة منهم مثل هذا القول وانّما اتّخذهم العامّة أربابا بعد ذلك.

قال :

ومن الّذي يجترئ على القول بأنّ أصحاب محمّد لا تجوز البراءة من أحد منهم وان أساء وعصى بعد قول الله تعالى للّذي شرّفوا برؤيته : لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين ، وبعد قوله : قل انّى أخاف ان عصيت ربّى عذاب يوم عظيم ، وبعد قوله : فاحكم بين النّاس بالحقّ ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله انّ الّذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد ؛ الاّ من لا فهم له ولا نظر معه ولا تمييز عنده.

قال :

ومن أحبّ أن ينظر الى اختلاف الصّحابة وطعن بعضهم فى بعض وردّ بعضهم على بعض وما ردّ به التّابعون عليهم واعترضوا به أقوالهم واختلاف التّابعين أيضا فيما بينهم وقدح بعضهم فى بعض فلينظر فى كتاب النّظّام ؛ قال الجاحظ : كان النّظام أشدّ النّاس انكارا على الرّافضة لطعنهم على الصّحابة حتّى اذا ذكر الفتيا وتنقّل الصّحابة فيها وقضاياهم بالأمور المختلفة وقول من استعمل الرّأى فى دين الله انتظم مطاعن الرّافضة وغيرها وزاد عليها وقال فى الصّحابة أضعاف قولها.

قال :

وقال بعض رؤساء المعتزلة : غلط أبى حنيفة فى الأحكام عظيم لأنّه أضلّ خلقا ، وغلط حمّاد أعظم من غلط أبى حنيفة لأنّ حمّادا أصل أبى حنيفة الّذي منه تفرّع ، وغلط ابراهيم أغلظ وأعظم من غلط حمّاد لأنّه أصل حمّاد ، وغلط علقمة والأسود أعظم من غلط ابراهيم لأنّهما أصله الّذي عليه اعتمد ، وغلط ابن مسعود أعظم من غلط هؤلاء جميعا لأنّه أوّل من بدر الى وضع الأديان برأيه وهو الّذي قال : أقول فيها برأيى ؛ فان يكن صوابا فمن الله وان يكن خطأ فمنّى.

٥٢٣

قال :

واستأذن أصحاب الحديث على ثمامة بخراسان حيث كان مع الرّشيد بن المهدىّ فسألوه كتابه الّذي صنّفه على أبى حنيفة فى اجتهاد الرّأى فقال : لست على أبى حنيفة كتبت ذلك الكتاب وانّما كتبته على علقمة والأسود وعبد الله بن مسعود لأنّهم الّذين قالوا بالرّأى قبل أبى حنيفة.

قال :

وكان بعض المعتزلة أيضا اذا ذكر ابن عبّاس استصغره وقال صاحب الذّؤابة يقول فى دين الله برأيه. وذكر الجاحظ فى كتابه المعروف بكتاب التّوحيد أنّ أبا هريرة ليس بثقة فى الرّواية عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : ولم يكن عليّ ـ عليه‌السلام ـ يوثّقه فى الرّواية بل يتّهمه ويقدح فيه وكذلك عمر وعائشة. وكان الجاحظ يفسّق عمر بن عبد العزيز ويستهزئ به ويكفّره وعمر بن عبد العزيز وان لم يكن من الصّحابة فأكثر العامّة يرى له من الفضل ما يراه لواحد من الصّحابة وكيف يجوز ان نحكم حكما جزما أنّ كلّ واحد من الصّحابة عدل ومن جملة الصّحابة الحكم بن أبى العاص وكفاك به عدوّا مبغضا لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ومن الصّحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنصّ الكتاب ، ومنهم حبيب بن مسلمة الّذي فعل ما فعل بالمسلمين فى دولة معاوية وبسر بن أرطاة عدوّ الله وعدوّ رسوله ، وفى الصّحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم النّاس وقال كثير من المسلمين : مات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولم يعرّفه الله سبحانه كلّ المنافقين بأعيانهم وانّما كان يعرف قوما منهم ولم يعلم بهم أحدا الاّ حذيفة فيما زعموا ؛ فكيف يجوز ان نحكم حكما جزما أنّ كلّ واحد ممّن صحب رسول الله أو رآه أو عاصره عدل مأمون لا يقع منه خطأ ولا معصية ؛ ومن الّذي يمكنه ان يتحجّر واسعا كهذا التّحجّر أو يحكم هذا الحكم؟!

قال :

والعجب من الحشويّة وأصحاب الحديث اذ يجادلون على معاصى الأنبياء ويثبتون

٥٢٤

أنّهم عصوا الله تعالى وينكرون على من ينكر ذلك ويطعنون فيه ويقولون : قدرىّ معتزلىّ وربّما قالوا : ملحد مخالف لنصّ الكتاب وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادل فى هذا الباب فتارة يقولون : انّ يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرّجل من المرأة ، وتارة يقولون : انّ داود قتل اوريا لينكح امرأته ، وتارة يقولون : انّ رسول الله (ص) كان كافرا ضالاّ قبل النّبوّة وربّما ذكروا زينب بنت جحش وقصّة الفداء يوم بدر فأمّا قدحهم فى آدم ـ عليه‌السلام ـ واثباتهم معصيته ومناظرتهم من ينكر ذلك فهو دأبهم وديدنهم ، فاذا تكلّم واحد فى عمرو بن العاص أو فى معاوية وأمثالهما ونسبهم الى المعصية وفعل القبيح احمرّت وجوههم وطالت أعناقهم وتخازرت أعينهم وقالوا : مبتدع رافضىّ يسبّ الصّحابة ويشتم السّلف ، فان قالوا : انّما اتّبعنا فى ذكر معاصى الأنبياء نصوص الكتاب.

قيل لهم : فاتّبعوا فى جميع العصاة نصوص الكتاب فانّه تعالى قال : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) ، وقال : ( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) ، وقال : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ).

ثمّ يسألون عن بيعة عليّ ـ عليه‌السلام ـ هل هى صحيحة لازمة لكلّ النّاس فلا بدّ من : بلى ؛ فيقال لهم : فاذا خرج على الامام الحقّ خارج أليس يجب على المسلمين قتاله حتّى يعود الى الطّاعة فهل يكون هذا القتال الاّ البراءة الّتي نذكرها لأنّه لا فرق بين الأمرين وانّما برئنا منهم لأنّا لسنا فى زمانهم فيمكننا ان نقاتل بأيدينا فقصارى أمرنا الآن أن نبرأ منهم ونلعنهم ويكون ذلك عوضا عن القتال الّذي لا سبيل لنا إليه.

قال هذا المتكلّم :

على أنّ النّظام وأصحابه ذهبوا الى انّه لا حجّة فى الاجماع وانّه يجوز أن تجتمع الأمّة على الخطأ والمعصية وعلى الفسق بل على الرّدّة وله كتاب موضوع فى الاجماع يطعن فيه فى أدلّة الفقهاء ويقول : انّها الفاظ غير صريحة فى كون الاجماع

٥٢٥

حجّة نحو قوله : جعلناكم أمّة وسطا. وقوله : كنتم خير أمّة ، وقوله : يتّبع غير سبيل ـ المؤمنين. وأما الخبر الّذي صورته : لا تجتمع أمّتي على الخطأ ؛ فخبر واحد وأمثل دليل للفقهاء قولهم : انّ الهمم المختلفة والآراء المتباينة اذا كان أربابها كثيرة عظيمة فانّه يستحيل اجتماعهم على الخطأ وهذا باطل باليهود والنّصارى وغيرهم من فرق الضّلال.

هذه خلاصة ما كان النّقيب أبو جعفر علّقه بخطّه من الجزء الّذي أقرأناه.

ونحن نقول :

أمّا اجماع المسلمين فحجّة ولسنا نرتضى ما ذكره عنّا من أنّه أمثل دليل لنا أنّ الهمم المختلفة والآراء المتباينة يستحيل أن تتّفق على غير الصّواب ومن نظر فى كتبنا الأصوليّة علم وثاقة أدلّتنا على صحّة الاجماع وكونه صوابا وحجّة تحرم مخالفته وقد تكلّمت فى اعتبار الذّريعة للمرتضى على ما طعن به المرتضى فى أدلّة الاجماع.

وأمّا ما ذكره من الهجوم على دار فاطمة وجمع الحطب لتحريقها فهو خبر واحد غير موثوق به ولا معمول عليه فى حقّ الصّحابة بل ولا فى حقّ أحد من المسلمين ممّن ظهرت عدالته وأمّا عائشة والزّبير وطلحة فمذهبنا أنّهم أخطئوا ثمّ تابوا وأنّهم من أهل ـ الجنّة وأنّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ شهد لهم بالجنّة بعد حرب الجمل.

وأمّا طعن الصّحابة بعضهم فى بعض فانّ الخلاف الّذي كان بينهم فى مسائل الاجتهاد لا يوجب اثما لأنّ كلّ مجتهد مصيب وهذا أمر مذكور فى كتب أصول الفقه وما كان من الخلاف خارجا عن ذلك فالكثير من الاخبار الواردة فيه غير موثوق بها وما جاء من جهة صحيحة نظر فيه ورجّح جانب أحد الصّحابيّين على قدر منزلته فى الاسلام كما يروى عن عمر وأبى هريرة.

فأمّا عليّ ـ عليه‌السلام ـ فانّه عندنا بمنزلة الرّسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فى تصويب قوله والاحتجاج بفعله ووجوب طاعته ومتى صحّ عنه أنّه برئ من أحد من النّاس برئنا منه كائنا من كان ولكنّ الشّأن فى تصحيح ما يروى عنه ـ عليه‌السلام ـ

٥٢٦

فقد أكثر الكذب عليه وولدت العصبيّة أحاديث لا أصل لها.

وأمّا براءته ـ عليه‌السلام ـ من المغيرة وعمرو بن العاص ومعاوية فهو عندنا معلوم جار مجرى الأخبار المتواترة فلذلك لا يتولاّهم أصحابنا ولا يثنون عليهم وهم عند المعتزلة فى مقام غير محمود وحاش لله أن يكون ـ عليه‌السلام ـ ذكر من سلف من شيوخ المهاجرين الاّ بالجميل والذكر الحسن بموجب ما تقتضيه رئاسته فى الدّين واخلاصه فى طاعة ربّ العالمين ومن أحبّ تتبّع ما روى عنه ممّا يوهم فى الظاهر خلاف ذلك فليراجع هذا الكتاب أعنى شرح نهج البلاغة فانّا لم نترك موضعا يوهم خلاف مذهبنا الاّ وأوضحناه وفسّرناه على وجه يوافق الحقّ وبالله التّوفيق.

فأمّا عمّار بن ياسر ـ رحمه‌الله ـ فنحن نذكر نسبه وطرفا من حاله ممّا ذكره ابن عبد البرّ فى كتاب الاستيعاب.

قال أبو عمرو بن عبد البرّ ـ رحمه‌الله ـ :

( فخاض فى نقل ما ذكره ابن عبد البرّ فى ترجمة عمّار فمن أراده فليطلبه من هناك او من الاستيعاب ) ».

أقول : قال المحقّق الجليل السّيّد محمّد محمّدقلى ـ أعلى الله درجته ـ فى أواخر المجلّد الثّاني من كتاب تشييد المطاعن وكشف الضّغائن ما نصّه ( انظر ص ٤٢٩ ) :

« وابن أبى الحديد از أستاد خود نقيب أبو جعفر در مذمّت وطعن صحابه رساله لطيفى نقل كرده كه أكثر آن كلام صحيح وغير ممكن الجواب است لهذا بنقل آن پرداخته ميشود پس بدان كه بعد نبذى از كلام در وجوب لعن ومعادات اعداء الله گفته :

وبعد فلو كان محلّ أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ محلّ من لا يعادى اذا عصى الله سبحانه ( فنقل الرّسالة الى آخره وهو قوله : وهذه خلاصة ما كان النّقيب أبو جعفر ـ رحمه‌الله ـ علّقه بخطّه من الجزء الّذي أقرأناه ».

( فمن اراد ان يراجع الكتاب فلينظر ص ٤٢٩ ـ ٤٣٩ ).

٥٢٧

نبذة من سائر تعليقات الكتاب

قال المصنّف (ره) ضمن ذكر عقائد أهل الحديث

( ص ١١ ؛ س ٢ ) :

« ويروون أنّ الله خلق الملائكة من شعر ذراعيه وصدره ، ويروون أنّ الله خلق نفسه من عرق الخيل ».

قد أشرنا فى ذيل الصّفحة الى بعض ما يزيّف مضمون ما رووه ونشير هنا الى شيء ممّا فاتنى ذكره هناك بعنوان استدراك ما فات وهو :

قال ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث ضمن كلام له :

( ص ٩٠ من طبعة مصر سنة ١٣٢٦ ه‍ )

وقال ابن المبارك فى أحاديث أبىّ بن كعب « من قرأ سورة كذا فله كذا ، ومن قرأ سورة كذا فله كذا » : أظنّ أنّ الزّنادقة وضعته وكذلك هذه الاحاديث الّتي يشنع بها عليهم من عرق الخيل وزغب الصّدر وقفص الذّهب وعيادة الملائكة كلّها باطل ؛ لا طرق لها ولا رواة ، ولا نشكّ فى وضع الزّنادقة لها ».

قال المصنّف (ره) عند ذكره أقاويل أصحاب الحديث ما نصّه :

( انظر ص ١٧ ؛ س ١ )

« ورووا أنّ الله عزّ وجلّ فوق العرش له أطيط كأطيط الرّحل بالرّاكب »

قال الجزرى فى النّهاية : « فيه : أطّت السّماء وحقّ لها أن تئطّ ؛ الأطيط صوت الأقتاب ، وأطيط الابل أصواتها وحنينها ؛ أى أنّ كثرة ما فيها من الملائكة

٥٢٨

قد أثقلها حتّى أطّت ، وهذا مثل وايذان بكثرة الملائكة وان لم يكن ثمّ أطيط ؛ وانّما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى. ه‍ ومنه الحديث الآخر : العرش على منكب اسرافيل وانّه ليئطّ أطيط الرّحل الجديد يعنى كور النّاقة أى انّه ليعجز عن حمله وعظمته اذ كان معلوما أنّ أطيط الرّحل بالرّاكب انّما يكون لقوّة ما فوقه وعجزه عن احتماله. ه‍ ومنه حديث أمّ زرع : فجعلنى فى أهل أطيط وصهيل أى فى أهل ـ ابل وخيل ؛ ومنه حديث الاستسقاء : لقد أتيناك وما لنا بعير يئطّ ؛ أى يحنّ ويصيح ؛ يريد ما لنا بعير أصلا لأنّ البعير لا بدّ أن يئطّ ، ومنه المثل : لا آتيك ما أطّت الابل ، ومنه حديث عتبة بن غزوان : ليأتينّ على باب الجنّة وقت يكون له فيه أطيط أى صوت بالزّحام ».

قال المصنّف (ره) عند ذكره أقاويل أهل الحديث ما نصّه :

( انظر ص ٤٤ ؛ س ٤ ـ ٥ ) :

« ورووا أنّ الفأرة يهوديّة ، وفى بعض الأمثال : انّ فأرة قالت لصاحبتها : يزعمون أنّنا يهود قالت لها صاحبتها : بيننا وبينهم السّبت وأكل الجرّىّ ولحم الجمل وذبائح المسلمين ، قالت لها صاحبتها : هذه حجّة بيّنة يقطع بها العذر ».

قال الدّميرىّ فى حياة الحيوان فى باب الهمزة

تحت عنوان « الابل » :

« الحكم ـ يحلّ أكل الابل بالنّصّ والاجماع قال الله تعالى : ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) وأمّا تحريم اسرائيل وهو يعقوب ـ عليه‌السلام ـ على نفسه أكل لحوم ـ الابل وشرب ألبانها فكان ذلك باجتهاد منه على الصّحيح والسّبب فى ذلك أنّه كان يسكن البدو فاشتكى عرق النّساء فلم يجد شيئا يؤلمه الاّ لحوم الابل وألبانها فلذلك

٥٢٩

حرّمها ( واسرائيل لفظة عبرانيّة ) ». وأشار فى باب الجيم من الكتاب تحت عنوان « الجمل » الى ذلك الكلام بقوله :

« وحكمه وخواصّه قد تقدّما فى الابل ».

وقال أيضا الدّميرىّ في حياة الحيوان فى باب الهمزة

تحت عنوان « الانكليس » :

« الانكليس بفتح الهمزة والكاف وكسرهما معا سمك شبيه بالحيّات ردئ الغذاء وهو الّذي يسمّى الجرّىّ الآتى فى باب الجيم ان شاء الله تعالى ويسمّى المارماهى وسيأتى ان شاء الله تعالى فى باب الصّاد فى لفظ الصّيد فانّ البخارىّ ذكره فى حديثه ( الى آخر ما قال ) ».

وقال فى باب الصّاد تحت عنوان « الصيد » ما نصّه :

« الصّيد مصدر عومل معاملة الأسماء فأوقع على الحيوان المصيد قال الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) ، وقال أبو طلحة الأنصارىّ رضى الله عنه :

أنا أبو طلحة واسمى زيد

وكلّ يوم فى سلاحى صيد

وبوّب البخارىّ فى أوّل الرّبع الرّابع من كتابه فقال : باب قول الله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ ) ، وقال عمر : صيده ما اصطيد وطعامه ما رمى به ، وقال أبو بكر الطّافى حلال وقال ابن عبّاس : طعامه ميتة الاّ ما قذرت منها ، والجرّىّ لا تأكله اليهود ونحن نأكله ( الى آخر ما قال ) ».

وقال فى باب الجيم تحت عنوان « الجرّيث » ما نصّه :

« الجرّيث بكسر الجيم وبالرّاء المهملة والثّاء المثلّثة وهو هذا السّمك الّذي يشبه الثّعبان وجمعه جراثىّ ويقال له أيضا الجرّىّ بالكسر والتّشديد وهو نوع من

٥٣٠

السّمك يشبه الحيّة ويسمّى بالفارسيّة مارماهى ؛ وقد تقدّم فى باب الهمزة أنّه الانكليس قال الجاحظ : انّه يأكل الجرذان وهو حيّة الماء وحكمه الحلّ ، قال البغوىّ عند قوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ ) : انّ الجرّيث حلال بالاتّفاق وهو قول أبى بكر وعمرو ابن عبّاس وزيد بن ثابت وأبى هريرة وبه قال شريح والحسن وعطاء وهو مذهب مالك وظاهر مذهب الشّافعىّ والمراد هذه الثّعابين الّتي لا تعيش الاّ فى الماء وأما الحيّات التى تعيش فى البرّ والبحر فتلك من ذوات السّموم وأكلها حرام وسئل ابن عبّاس عن الجرّىّ فقال : هو شيء حرّمته اليهود ونحن لا نحرّمه ».

وقال أيضا الدّميرىّ فى حياة الحيوان فى باب الفاء ضمن ما ذكره تحت عنوان « الفأر » :

« وفى البخارىّ ومسلم عن أبى هريرة أن النّبيّ ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : فقدت أمّة من بنى اسرائيل ولا يدرى ما فعلت ولا أراها الاّ الفأر ألا تراها اذا وضع لها لبن الابل لم تشربه ؛ واذا وضع لها لبن الشّاء شربته ، قال النّووىّ وغيره : ومعنى هذا أنّ لحوم الابل وألبانها حرّمت على بنى إسرائيل دون لحوم الغنم وألبانها ، فدلّ امتناع الفأرة من لبن الابل دون لبن الغنم على أنّها مسخ من بنى اسرائيل ».

أقول : هذا ما ذهبت إليه علماء العامّة وأمّا قول فقهاء الخاصّة فى كلّ من الامور المشار إليها فيطلب من كتبهم فانّا لسنا فى مقام نقل قولهم فمن أراده فليطلبه من موضعه ، ونختم الكلام على هذا الموضوع بنقل كلام يرتبط بهذا المقام وغيره من المطالب الكثيرة المعنونة فى إيضاح الفضل بن شاذان (ره) وهو هذا :

٥٣١

قال ابن قتيبة فى أوائل كتاب تأويل مختلف الحديث ضمن ذكره

وجوه اعتراض النّاس بعضهم على بعض وأنّ فى أقوال أصحاب

الحديث أشياء تنكر ما نصّه :

( انظر ص ٧ ـ ٩ من طبعة مصر سنة ١٣٨٦ ه‍ )

« هذا مع روايات كثيرة فى الأحكام اختلف لها الفقهاء فى الفتيا حتّى افترق الحجازيّون والعراقيّون فى أكثر أبواب الفقه وكلّ يبنى على أصل من روايتهم.

قالوا : ومع افترائهم على الله تعالى فى أحاديث التّشبيه كحديث « عرق الخيل » و « زغب الصّدر » و « نور الذّراعين » و « عيادة الملائكة » و « قفص الذّهب على جمل ـ أورق عشيّة العرفة » و « الشّابّ القطط » ودونه « فراش الذّهب » و « كشف السّاق يوم القيامة اذا كانوا يباطشونه » و « خلق آدم على صورته » و « وضع يده بين كتفيّ حتّى وجدت برد أنامله بين ثندوتى » و « قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله تعالى ».

ومع روايتهم كلّ سخافة تبعث على الاسلام الطّاعنين وتضحك منه الملحدين وتزهّد من الدّخول فيه المرتادين وتزيد فى شكوك المرتابين كروايتهم فى عجيزة الحوراء « انّها ميل فى ميل » وفيمن قرأ سورة كذا وكذا أسكن من الجنّة سبعين ألف قصر ، فى كلّ قصر سبعون ألف مقصورة ، فى كلّ مقصورة سبعون ألف مهاد ، على كلّ مهاد سبعون ألف كذا.

وكروايتهم فى الفأرة انّها يهوديّة وانّها لا تشرب ألبان الابل كما أنّ اليهود لا تشربها ، وفى الغراب انّه فاسق ، وفى السّنّور انّها عطسة الأسد ، والخنزير انّه عطسة الفيل ، وفى الاربيانة انّها كانت خيّاطة تسرق الخيوط فمسخت ، وأنّ الضّبّ كان يهوديّا عاقّا فمسخ ، وأنّ سهيلا كان عشّارا باليمن ، وأنّ الزّهرة كانت بغيّا عرجت الى السّماء باسم الله الاكبر فمسخها الله شهابا ، وأنّ الوزغة كانت تنفخ

٥٣٢

النّار على ابراهيم ، وأن العظاية تمجّ الماء عليه ، وأنّ الغول كانت تأتى مشربة أبى ـ أيّوب كلّ ليلة ، وأنّ عمر ـ رضى الله عنه ـ صارع الجنّىّ فصرعه ، وأنّ الأرض على ظهر حوت ؛ وأنّ أهل الجنّة يأكلون من كبده أوّل ما يدخلون ، وأنّ ذئبا دخل الجنّة لأنّه أكل عشّارا ، واذا وقع الذّباب فى الاناء فامقلوه ، فانّ فى أحد جناحيه سمّا وفى الآخر شفاء ، وأنّ الابل خلقت من الشّيطان مع أشياء كثيرة يطول استقصاؤها ».

استدراك لما فى الكتاب

الاّ أنّى ليس ببالى مورد نقله حتّى أشير إليه

قال عبد الوهّاب الشّعرانىّ فى أوائل كتاب الميزان تحت عنوان « فصول فى بيان ما ورد فى ذمّ الرّأى عن الشّارع وعن أصحابه والتّابعين وتابع التّابعين لهم باحسان الى يوم الدّين » ( انظر ص ٥٣ من الجزء الأوّل من طبعة مصر سنة ١٣٥١ ه‍ ) : « وكان عمر بن الخطّاب رضى الله عنه اذا أفتى النّاس يقول : هذا رأى عمر فان كان صوابا فمن الله ، وان كان خطأ فمن عمر ، وروى البيهقىّ عن مجاهد وعطاء أنّهما كانا يقولان : ما من أحد الاّ ومأخوذ من كلامه ومردود عليه الاّ رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ـ قلت : وكذلك كان مالك بن أنس ـ رحمه‌الله تعالى ـ يقول كما سيأتى فى الفصل الّذي بعده ان شاء الله تعالى » وقال فى الفصل المشار إليه : ( انظر ص ٥٦ من الجزء المذكور ) « وكان ( اى مالك ) ـ رضى الله عنه ـ اذا استنبط حكما يقول لأصحابه : انظروا فيه فانّه دين وما من أحد الاّ ومأخوذ من كلامه ومردود عليه الاّ صاحب ـ هذه الرّوضة يعنى به رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ».

٥٣٣

قال المصنّف (ره) فى ترجمة حذيفة عند ذكره تناقض

أخبارهم ما نصّه :

( انظر ص ٥٨ ؛ س ٢ )

« انّ النّبيّ (ص) مال الى سباطة قوم فبال قائما ( الى آخر ما قال ) ».

أقول : قد ذكر أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطّبرى الشّيعيّ هذا التناقض فى كتابه المسترشد كما ذكره الفضل بن شاذان وفاتنا الاشارة الى ذلك فى ذيل الصّفحة فاستدركناه هنا فنقول :

قال أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبرىّ الشّيعيّ فى أوائل كتاب

المسترشد معترضا بقوله هذا على العامّة ما نصّه :

( انظر ص ١٤ من طبعة النجف ) :

« وروى عن حذيفة قال : قام رسول الله (ص) الى سباطة قوم فبال قائما ففجّ حتّى شفقت عليه أن يقع ؛ فدنوت من عقبه فصببت الماء من خلفه فاستنجى ، رواه هشام بن عبد الله عن محمّد بن جابر عن الأعمش عن حذيفة ، وقد روى أنّ رسول الله (ص) قال : لا يرى أحد عورتى الاّ عمى ، وأنّ عليّ بن أبى طالب (ع) أراد أن يخلع منه القميص نودى من جانب البيت : لا تكشفوا عورة نبيّكم (ص) ».

وقال ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث ما نصّه :

( انظر ص ١١٠ من الطبعة الأولى بمصر سنة ١٣٢٦ ه‍ )

« قالوا : حديثان متناقضان ؛ قالوا : رويتم عن عائشة أنّها قالت : ما بال رسول الله (ص) قائما قطّ ثمّ رويتم عن حذيفة أنّه بال قائما وهذا خلاف ذاك!؟

٥٣٤

قال أبو محمّد : ونحن نقول : ليس هاهنا بحمد الله اختلاف ولم يبل قائما قطّ فى منزله والموضع الّذي كانت تحضره فيه عائشة ـ رضى الله عنها ـ وبال قائما في المواضع الّتي لا يمكن ان يطمئنّ فيها امّا للثق فى الأرض وطين أو قذر وكذلك الموضع الّذي رأى فيه رسول الله (ص) حذيفة يبول قائما كان مزبلة لقوم فلم يمكنه القعود فيه ولا الطّمأنينة ، وحكم الضّرورة خلاف حكم الاختيار.

قال أبو محمّد : حدّثني محمّد بن زياد الزّيادىّ قال : أنا عيسى بن يونس قال : أنا الأعمش عن أبى وائل عن حذيفة قال : رأيت رسول الله (ص) أتى سباطة قوم قبال قائما فذهبت أتنحّى فقال : ادن منّى فدنوت منه حتّى قمت عند عقبه فتوضّأ ومسح على خفيّه ؛ والسّباطة المزبلة وكذلك الكساحة والقمامة ».

قلنا فى ذيل قول المصنّف (ره) : « ذكر أبى هريرة الدّوسىّ »

( ص ٦٠ ؛ س ١ )

قد نقلنا ترجمته فى تعليقاتنا فى آخر الايضاح وهى قولنا :

ممّن قدح فى أبى هريرة وطعن عليه وقال : انّه ساقط عن درجة الاعتبار عند المعتزلة ابن أبى الحديد ونقلنا قوله فيما مرّ من تعليقاتنا على الكتاب ( انظر ص ٤٩٥ ـ ٤٩٦ ).

نقل العلامة المجلسى (ره) فى ثامن البحار فى آخر باب عقده فيه لذكر أصحاب ـ النّبيّ (ص) وأمير المؤمنين (ع) ولذكر بعض المخالفين والمنافقين ( ص ٧٣٥ من طبعة أمين الضرب ) نقلا عن كتاب الغارات لابراهيم بن هلال الثّقفىّ بعد نقل تراجم جماعة من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ما نصّه :

« وقال : لما دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد فكان يحدّث ويقول : قال رسول الله ، وقال أبو القاسم ، وقال خليلى فجاءه شابّ من الأنصار يتخطّأ النّاس حتّى دنا منه فقال : يا أبا هريرة حديث أسألك عنه فان كنت سمعته من النّبيّ حدّثتنيه ،

٥٣٥

أنشدك بالله سمعت النّبيّ (ص) يقول لعلىّ : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ؛ اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ ـ قال أبو هريرة : نعم ؛ والّذي لا إله الاّ هو لسمعت من النّبيّ (ص) يقول لعلىّ (ع) : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، فقال له الفتى : لقد والله واليت عدوّه وعاديت وليّه فتناول بعض النّاس الشّابّ بالحصى وخرج أبو هريرة فلم يعد الى المسجد حتّى خرج من الكوفة ».

قال ابن شهرآشوب فى المناقب فى ترجمة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام فى الفصل الّذي عنونه بعنوان « فصل فى المسابقة بالاسلام » ( انظر ص ٢٤١ من المجلّد الاوّل من طبعة طهران سنة ١٣١٧ ) ضمن كلام له فى الرّدّ والقبول ما نصّه :

« وأمّا رواية أبى هريرة فهو من الخاذلين وقد ضربه عمر بالدّرّة لكثرة روايته وقال : انّه كذوب » ونقله العلاّمة المجلسىّ فى تاسع البحار فى باب أنّه ـ صلوات الله عليه سبق الناس فى الاسلام والايمان والبيعة ( انظر ص ٣١٥ من طبعة امين الضرب ) عن المناقب.

قال المحدّث الجليل الخبير الحاجّ الشيخ عباس القمى ـ طيّب الله مضجعه فى سفينة البحار فى ترجمة أبى هريرة ( انظر مادة هرّج ٢ ؛ ص ٧١٢ ـ ٧١٣ ) بعد الاشارة الى ما ذكره المجلسى فى البحار بالنسبة الى أبى هريرة ما نصّه :

« أقول : كان أبو هريرة يلعب بالشّطرنج قال الدّميرىّ : والمروىّ عن أبى هريرة من اللّعب به مشهور فى كتب الفقه ، وقال الجزرىّ فى النّهاية فى سدر : وفى حديث بعضهم : قال : رأيت أبا هريرة يلعب السّدر والسّدر لعبة يقامر بها وتكسر سينها وتضمّ وهى فارسيّة معرّبة عن سه در يعنى ثلاثة أبواب ( انتهى ) وكانت عائشة تتّهم أبا هريرة بوضع الحديث وتردّ ما رواها ومن أراد الاطّلاع على ذلك فعليه بكتاب عين الاصابة فيما استدركته عائشة على الصّحابة ، ولمّا بلغ عمر أنّ أبا هريرة يروى بعض ما لا يعرف قال : لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنّك بجبال دوس فروى عن أبى هريرة قال : ما كنّا نستطيع ان نقول : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه

٥٣٦

وآله ـ حتّى قبض عمر ، وعن الفائق للزمخشرىّ وغيره قال : أبو هريرة استعمله على البحرين فلمّا قدم عليه قال : يا عدوّ الله وعدوّ رسوله سرقت من مال الله؟! فقال : لست بعدوّ الله وعدوّ رسوله ولكنّى عدوّ من عاداهما ، ما سرقت ولكنّها سهام اجتمعت ونتاج خيل فأخذ منه عشرة آلاف درهم فألقاها فى بيت المال ( الى آخره ) وعن شعبة قال : كان أبو هريرة يدلّس. وعن ربيع الأبرار للزّمخشرىّ قال : وكان يعجبه أى أبا هريرة المضيرة جدّا فيأكلها مع معاوية واذا حضرت الصّلاة صلّى خلف عليّ فاذا قيل له قال : مضيرة معاوية أدسم وأطيب والصّلاة خلف عليّ أفضل فكان يقال له شيخ ـ المضيرة وقال أيضا : كان أبو هريرة يقول : اللهمّ ارزقنى ضرسا طحونا ، ومعدة هضوما ، ودبرا نثورا. وحكى عن أبى حنيفة أنّه سئل فقيل له : اذا قلت قولا وكتاب الله تعالى يخالف قولك؟ ـ قال : أترك قولى بكتاب الله ، فقيل له : اذا كان الصّحابىّ يخالف قولك؟ ـ قال : أترك قولى بجميع الصّحابىّ الاّ ثلاثة منهم ؛ أبو هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب. وروى أنّه سأله أصبغ بن نباتة فى محضر معاوية فقال : يا صاحب رسول الله انّى أحلفك بالله الّذي لا إله الاّ هو عالم الغيب والشّهادة وبحقّ حبيبه محمّد المصطفى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الاّ أخبرتنى ؛ أشهدت غدير خمّ؟ ـ قال : بلى شهدته ، قلت : فما سمعته يقول فى عليّ؟ ـ قال : سمعته يقول : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، قلت له : فأنت اذا واليت عدوّه وعاديت وليّه ؛ فتنفّس أبو هريرة صعداء وقال : ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، الى غير ذلك »

وقال المحدّث القمّى ـ قدس‌سره ـ أيضا لكن فى الكنى والالقاب « أبو هريرة صحابىّ معروف أسلم بعد الهجرة بسبع سنين قال الفيروزآبادي فى القاموس : وعبد الرّحمن بن صخر رأى النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فى كمّه هرّة فقال : يا أبا هريرة فاشتهر به ؛ واختلف فى اسمه على نيّف وثلاثين قولا انتهى وذكر ابن أبى الحديد فى الجزء الرّابع من شرحه على النهج عن شيخه أبى جعفر الاسكافى أنّ

٥٣٧

معاوية وضع قوما من الصّحابة وقوما من التّابعين على رواية أخبار قبيحة ( فنقل شيئا ممّا نقلناه وأحال باقيه الى شرحه بقوله : الى آخره ؛ فساق نحو ما أورده فى سفينة البحار وزاد فى آخره ) وخبر ضرب عمر بين ثدييه ( يعنى أبا هريرة ) ضربة خرّ لاسته حيث جاء بنعلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يبشّر بالجنة من لقيه يشهد ان لا إله الاّ الله مشهور ».

أقول : مراده بالخبر المذكور ما أشار إليه فى سفينة البحار فى ترجمة أبى هريرة بهذه العبارة « ضرب عمر بين ثديى أبى هريرة ضربة خرّ لاسته حيث جاء بنعلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يبشّر بالجنة من لقيه يشهد ان لا إله الاّ الله مستيقنا بها قلبه ح كج ٢٨١ ».

والرّموز اشارة الى ثامن البحار باب مطاعن عمر ( ص ٢٨١ من طبعة امين الضرب وعبارة المجلسىّ فيه هكذا :

« واعلم أنّهم عدوّا من فضائل عمر بن الخطّاب أنّه كان يردّ على رسول الله (ص) فى كثير من المواطن ويرجع الى قوله ويترك ما حكم به فمن ذلك ما رواه ابن ـ أبى الحديد فى أخبار عمر فى الجزء الثّاني عشر ورواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الايمان عن أبى هريرة قال :

كنّا قعودا حول النّبيّ (ص) ومعنا أبو بكر وعمر فى نفر فقام رسول الله (ص) من بين أظهرنا فأبطأ علينا فخشينا ان يقطع دوننا وفزعنا وقمنا وكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغى رسول الله (ص) حتّى أتيت حائطا للأنصار لقوم من بنى النجّار فلم أجد له بابا فاذا ربيع يدخل فى جوف حائط من بئر خارجة والرّبيع الجدول فاحتفزت فدخلت على رسول الله (ص) فقال : أبو هريرة؟ فقلت : نعم يا رسول الله (ص) فقال : أبو هريرة؟ فقلت : نعم يا رسول الله (ص) فقال : ما شأنك؟ ـ قلت : كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا ان نقطع دوننا ففزعنا فكنت أوّل من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما تحتفر الثّعلب وهؤلاء النّاس ورائى فقال : يا أبا هريرة وأعطانى نعليه

٥٣٨

قال : اذهب بنعلىّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد ان لا إله الاّ الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة فكان أوّل من لقيت عمر فقال : ما هاتان النّعلان يا أبا هريرة؟ ـ قلت : هاتان نعلا رسول الله (ص) بعثنى بهما من لقيت يشهد ان لا إله الا الله مستيقنا بها قلبه بشّرته بالجنّة فضرب عمر بيده بين ثديىّ فخررت لاستي فقال : ارجع يا أبا هريرة فرجعت الى رسول الله (ص) فأجهشت بكاء وركبنى عمر فاذا هو على أثرى فقال رسول الله (ص) : ما لك يا أبا هريرة؟ ـ قلت : لقيت عمر فأخبرته بالذّي بعثتنى به فضرب بين يدىّ ضربة خررت لاستي قال : ارجع ، فقال رسول الله (ص) : ما حملك على ما فعلت؟ ـ فقال : يا رسول الله (ص) بأبى أنت وأمّى أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقى يشهد أن لا إله الاّ الله مستيقنا بها قلبه بشّره بالجنّة؟ ـ قال : نعم ، قال : فلا تفعل فانّى أخشى ان يتّكل النّاس عليها فخلّهم يعملون قال رسول الله (ص) : فخلّهم.

قوله : « من بين أظهرنا » اى من بيننا ، و « يقطع دوننا » اى يصاب بمكروه من عدوّ وغيره ، و « بئر خارجة » على التّوصيف اى قليب خارجة عن البستان ، وقيل : البئر هو البستان كقولهم : بئر أريس وبئر بضاعة ، وقيل : الخارجة اسم رجل فيكون على الاضافة و « احتفزت » بالزاى اى تضاممت ليسعنى المدخل كما يفعل الثّعلب وقيل : بالرّأي.

وروى البخارىّ فى تفسير سورة براءة ( فنقل الحديث وتكلّم فيه بما تكلّم وقال : )

ولا يذهب عليك أنّ الرّواية الاولى مع أنّ راويها أبو هريرة الكذّاب ينادى ببطلانها سخافة اسلوبها وبعث أبى هريرة مبشّرا للنّاس وجعل النّعلين علامة لصدقه وقد أرسل الله تعالى رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مبشّرا ونذيرا للنّاس وأمره ان يبلّغ ما أنزل إليه من ربّه ولم يجعل أبا هريرة نائبا له فى ذلك ولم يكن القوم المبعوث إليهم أبو هريرة غائبين عنه حتّى يتعذّر عليه ان يبشّرهم بنفسه وكان الأحرى تبليغ تلك البشارة فى المسجد وعند اجتماع النّاس لا بعد قيامه من بين القوم وغيبته عنهم واستتاره

٥٣٩

بالحائط ، ولم تكن هذه البشارة ممّا يفوت وقته بالتّأخير الى حضور الصّلاة واجتماع النّاس او رجوعه (ع) عن الحائط وكيف جعل النّعلين علامة لصدق أبى هريرة مع أنّه يتوقّف على العلم بأنّهما نعلا رسول الله (ص) وقد جاز ان لا يعلم ذلك من يلقاه أبو ـ هريرة فيبشّره واذا كان ممّن يظنّ الكذب بأبى هريرة أمكن ان يظنّ أنّه سرق نعلى رسول الله (ص) فلا يعتمد على قوله ( الى آخر ما قال فى الطّعن على الخبر فمن أراده فليطلبه من هناك ) ومن أراد ملاحظة الحديث فى شرح ابن الحديد فليراجع اوائل الجزء الثّاني عشر فانّ هذا الجزء بأسره فى ترجمة عمر لانّ الجزء مصدّر بكلام لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وهو « لله بلاد فلان فقد قوّم الاود وداوى العمد وأقام السّنّة وخلّف الفتنة ، ذهب نقىّ الثّوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرّها ، ادّى الى الله طاعته واتّقاه بحقّه ، رحل وتركهم فى طرق متشعبة لا يهتدى بها الضّالّ ولا يستيقن المهتدى » والجزء الثّاني عشر بتمامه شرح الكلام وذلك أنّ ابن أبى الحديد صرّح بأنّه وجد تصريح الرّضى جامع نهج البلاغة بانّ المراد بالموصوف فى الكلام عمر بن الخطّاب فجعل الجزء فى شرحه وخاض فى ترجمة هذا الخليفة بما فى وسعه فصار الجزء ترجمة له فمن أراد ترجمته بأحسن وجه فليراجع هناك والحديث المشار إليه فى أوائل الجزء ( انظر ص ١٠٨ من المجلّد الثالث من الشرح من طبعة مصر سنة ١٣٢٩ ).

أقول : قد أشرنا فى أوّل البحث عن ترجمة أبى هريرة الى انّا نكتفى بما ذكره ابن أبى الحديد والمحدّث القمى فلنكتف به الاّ انّا نشير الى شيء ممّا ذكره العالم الجليل الحاجّ الشيخ عبد الله المامقانيّ (ره) فى تنقيح المقال فانّه أيضا خاض فى ترجمة الرجل وقال بعد ان عنون الرجل فى حرف العين بعنوان « عبد الله أبو هريرة الدّوسىّ » ونقل شيئا من كلمات علماء الرجال فى حقّه ما نصّه ( ج ٢ ص ١٦٥ من المجلّد الثانى ) :

« وبالجملة فالاعتماد على روايته خطأ وكيف يمكن الاعتماد على رواية من هو المشهور بالكذب على الله تعالى ورسوله عند أصحابنا والعامّة أمّا عند أصحابنا

٥٤٠