الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

__________________

عمر ص ٥٠ ـ ٥٣ من الجزء الرابع من طبعة النجف ) والعلامة الحلى فى كشف الحق ونهج الصدوق والفاضل روزبهان فى ابطال الباطل والقاضى التسترى فى احقاق الحق ( انظر ص ٤٩٣ من النسخة المطبوعة ، والبحث عن المطلب ضمن ذكرهم مطاعن عمر ) وابن أبى جمهور الاحسائى فى كتاب المجلى تحت عنوان « وضع الخراج على المسلمين وأن عمر أول من وضع الخراج ( ص ٣٨ ـ ٣٩ من النسخة المطبوعة ) الى غير ذلك ممن خاض فى البحث عنه ومن مظانه القوية تجريد العقائد للخواجة نصير الدين وشروح التجريد والاحكام السلطانية للماوردى ونظائرها وحيث نقلنا فتاوى علماء العامة فى المطلب فلنذكر هنا ما ذكره المجلسى فى ثامن البحار ضمن ذكره الطعن الرابع عشر من مطاعن عمر ، وهو فى أنه أبدع فى الدين بدعا كثيرة فقال ضمن تعداده البدع المشار إليها ما نصه ( انظر ص ٣٠٠ ـ ٣٠١ من طبعة أمين الضرب ) :

« ومنها أنه وضع الخراج على أرض السواد ولم يعط أرباب الخمس منها خمسهم وجعلها موقوفة على كافة المسلمين وقد اعترف بجميع ذلك المخالفون وقد صرح بها ابن أبى الحديد وغيره وكل ذلك مخالف للكتاب والسنة وبدعة فى الدين وقال العلامة (ره) فى منتهى المطلب :

أرض السواد هى الارض المفتوحة من الفرس التى فتحها عمر بن الخطاب وهى سواد العراق وحده فى العرض من منقطع الجبال بحلوان الى طرق القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب ومن تخوم الموصل طولا الى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقى دجلة ، فأما الغربى الّذي يليه البصرة فاسلامى مثل شط عثمان بن أبى العاص وما والاها كانت سباخا ومواتا فأحياها ابن أبى العاص ، وسميت هذه الارض سواداً لان الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الارض والتفاف أشجارها فسموها السواد لذلك ، وهذه الارض فتحت عنوة فتحها عمر بن الخطاب ثم بعث إليها بعد فتحه ثلاث أنفس ؛ عمار ابن ياسر على صلاتهم أميرا ، وابن مسعود قاضيا ووليا على بيت المال ، وعثمان بن حنيف

٤٨١

__________________

على مساحة الارض ، وفرض لهم فى كل يوم شاة شطرها مع السواقط لعمار وشطرها للآخرين ، ومسح عثمان بن حنيف أرض الخراج واختلفوا فى مبلغها ؛ فقال الساجى : اثنان وثلاثون ألف ألف جريب ، وقال أبو عبيدة : ستة وثلاثون ألف ألف جريب ، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى الكرم ثمانية دراهم ، وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم ، وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين ثم كتب بذلك الى عمر فأمضاه. وروى أن ارتفاعها كان فى عهد عمر مائة وستين ألف ألف درهم فلما كان زمن الحجاج رجع الى ـ ثمانية عشر ألف ألف درهم ، فلما ولى عمر بن عبد العزيز رجع الى ثلاثين ألف ألف درهم فى أول سنة ، وفى الثانية بلغ ستين ألف ألف درهم ، فقال : لو عشت سنة أخرى لرددتها الى ما كان فى أيام عمر فمات فى تلك السنة. فلما أفضى الامر الى أمير المؤمنين أمضى ذلك لانه لم يمكنه أن يخالف ويحكم بما يجب عنده فيه.

قال الشيخ (ره) : والّذي يقتضيه المذهب أن هذه الاراضى وغيرها من بلاد خرج ويخرج خمسها لارباب الخمس وأربعة الاخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة ، الغانمون وغيرهم سواء فى ذلك ويكون للامام النظر فيها ويقبلها ويضمنها بما شاء ويأخذ ارتفاعها ويصرفه فى مصالح المسلمين وما ينوبهم من سد الثغور وتقوية المجاهدين وبناء القناطر وغير ذلك من المصالح وليس للغانمين فى هذه الارضين على وجه التخصيص شيء بل هم والمسلمون فيه سواء ولا يصح بيع شيء من هذه الارضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تملكه ولا وقفه ولا رهنه ولا اجارته ولا إرثه ، ولا يصح أن يبنى دورا ومنازل ومساجد ومسقايات ، ولا غير ذلك من أنواع التصرف الّذي يتبع الملك ، ومتى فعل شيء من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الاصل.

ثم قال (ره) : وعلى الرواية التى رواها أصحابنا أن كل عسكر او فرقة غزت بغير أمر الامام فغنمت تكون الغنيمة للامام خاصة تكون هذه الارضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول (ص) إلا ما فتح فى أيام أمير المؤمنين (ع) ان صح شيء من ذلك

٤٨٢

__________________

للامام خاصة وتكون من جملة الانفال التى له خاصة لا يشركه فيها غيره. ( انتهى كلامه رفع الله مقامه ).

أقول : فالبدعة فيها من وجوه :

أحدها ـ منع أرباب الخمس حقهم وهو مخالف لصريح آية الخمس وللسنة أيضا حيث ذكر ابن أبى الحديد أن رسول الله (ص) قسم خيبر وصيرها غنيمة وأخرج خمسها لاهل الخمس وكان الباعث على ذلك اضعاف جانب بنى هاشم والحذر من أن يميل الناس إليهم لنيل الحطام فتنتقل إليهم الخلافة فينهدم ما أسسوه يوم السقيفة وشيدوه بكتابة الصحيفة.

وثانيها ـ منع الغانمين بعض حقوقهم من أرض الخراج وجعلها موقوفة على مصالح المسلمين وهذا الزامى عليهم لما اعترفوا به من أن رسول الله (ص) قسم الارض المفتوحة عنوة بين الغانمين وبه أفتى الشافعى وأنس بن مالك والزبير وبلال كما ذكره المخالفون وما ذكروه من أنه عوض الغانمين ووقفها فهو دعوى بلا ثبت بل يظهر من كلام الاكثر خلافه كما يستفاد من كلام ابن أبى الحديد وغيره.

وثالثها ـ أن سيرة الرسول (ص) فى الاراضى المفتوحة عنوة كانت أخذ حصته (ع) من غلتها دون الدراهم المعينة وسيأتى بعض القول فى ذلك فى باب العلة التى لم يغير ـ عليه‌السلام ـ بعض البدع فى زمانه ».

أقول : يريد بالباب المشار إليه الباب الّذي ذكره فى أواخر ذلك المجلد أعنى ثامن البحار وعنونه بقوله : « باب علة عدم تغيير أمير المؤمنين (ع) بعض البدع فى زمانه ( انظر ص ٧٠٤ ـ ٧٠٦ من طبعة أمين الضرب ) فمن أراد أن يلاحظ ما ذكره المجلسى (ره) فى الباب المذكور فليراجعه فان المقام لا يسع أكثر من ذلك ولو لا أن فهم متن الكتاب اقتضى نقل هذا المقدار لما نقلته أيضا.

ثم ليعلم أن من أراد ان يلاحظ ما ذكره الطبرى فى تاريخه فى بيان هذا المطلب فليراجع ما ذكره فى أواخر ما وقع من القضايا التاريخية فى السنة الرابعة عشر من الهجرة تحت عنوان « ذكر أهل السواد » ( انظر الجزء الثالث من الطبعة الاولى ص ١٤٣ ـ ١٤٨ ).

٤٨٣

اثنى عشر وأربعة وعشرين وثمانية وأربعين (١).

__________________

(١) هذه المراتب من الاعداد اشارة الى اختلاف مراتب الجزية كما ذكر فى كتب الفريقين فلنشر الى شيء منها أما أحاديث العامة فمنها ما تقدم نقله عن معجم ـ البلدان قبيل ذلك عند البحث عن لفظة « السواد » ( انظر ص ٢٣٦ من الكتاب الحاضر ) ومنها ما ذكره هناك أيضا تحت عنوان السواد بهذه العبارة « أمر عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بمسح السواد الّذي تقدم حده ( الى أن قال ) : وحتم الجزية على ستمائة ألف انسان وجعلها طبقات الطبقة العالية ثمانية وأربعون درهما ، والوسطى أربعة وعشرون درهما ، والسفلى اثنا عشر درهما ، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم » وقال أيضا هناك : « وقال محمد بن عبد الله الثقفى : وضع عمر ـ رضى الله عنه ـ على كل جريب من السواد عامرا كان أو غامرا يبلغه الماء درهما وقفيزا ، وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة ، وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة أقفزة ولم يذكر النخل وعلى رءوس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنى عشر درهما ». وقال البلاذرى فى فتوح البلدان تحت عنوان « يوم جلولاء الوقيعة » ( ص ٢١٧ طبعة مصر سنة ١٩٥٩ م ) : « وحدثنى الوليد بن صالح قال : حدثنا يونس بن أرقم المالكى قال : حدثنى يحيى بن أبى الاشعث الكندى عن مصعب بن يزيد عن أبى زيد الانصارى عن أبيه قال : بعثنى على بن أبى طالب على ما سقى للفرات فذكر رساتيق وقرى فسمى نهر الملك وكوثى وبهر سير والرومقان ونهر جوبر ونهر درقيط والبهقباذات ( الى ان قال ) وأمرنى أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين ويتختمون بالذهب على الرجل ثمانية وأربعين درهما وعلى أوسطهم من التجار على رأس كل رجل أربعة وعشرين درهما فى السنة وأن أضع على الاكرة وسائر من بقى منهم على الرجل اثنى عشر درهما » الى غير ذلك مما هو بهذا المضمون.

وأما أحاديث الخاصة فقد روى الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملى فى وسائل الشيعة فى باب تقدير الجزية وما توضع عليه وقدر الخراج نقلا عن فروع الكافى

٤٨٤

فلئن كانوا عندكم أحرارا فقد طعنتم على عمر فيما أراد من بيعهم.

وروى أسد (١) بن عمر القاضى أنّ عمر قال : من كان منكم عليه دين ولم يجد « بقية الحاشية فى الصفحة الماضية »

__________________

للكلينى فى حديث ذكره باسناد له عن مصعب بن يزيد الانصارى قال : استعملنى أمير المؤمنين على بن أبى طالب على أربعة رساتيق المدائن ؛ البهقباذات ونهر شيريا ونهر جوير ونهر الملك وأمرنى أن أضع على كل جريب ( الى أن قال ) وأمرنى ان أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين ويتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى اوساطهم والتجار منهم على كل رجل منهم أربعة وعشرين درهما ، وعلى سفلتهم وفقرائهم اثني عشر درهما على كل انسان منهم قال : فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم فى كل سنة ورواه الصدوق باسناده عن مصعب بن يزيد ورواه المفيد فى المقنعة عن يونس بن ابراهيم؟؟؟ ب : « محمد بن محمد المفيد فى المقنعة : وعن أمير المؤمنين أنه جعل على اغنيائهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما وجعل على فقرائهم اثنى عشر درهما وكذلك صنع عمر بن الخطاب قبله وانما صنعه بمشورته؟؟؟ فان أردت أن تلاحظ الباب فراجع كتاب الجهاد من المجلد الثانى من طبعة أمير بهادر ( ص ٤٦٧ ـ ٤٦٨ ) » وقال المحدث النورى فى مستدرك الوسائل فى مستدرك الباب المذكور ( انظر ج ٢ ص ٢٦٧ ) : « دعائم الاسلام عن على ـ عليه‌السلام قال : الجزية على أحرار أهل الذمة الرجال البالغين وليس على العبيد ولا على النساء ولا على الاطفال جزية ، يؤخذ من الدهاقين وأمثالهم من أهل السعة فى المال على كل رجل منهم ثمانية وأربعون درهما كل عام ، ومن أهل الطبقة الوسطى أربعة وعشرون درهما ، ومن أهل الطبقة السفلى اثنا عشر درهما ، وعليهم مع ذلك الخراج لمن كانت له الارض منهم من كبير أو صغير أو رجل او امرأة فالخراج على الارض ومن أسلم منهم وضعت عنه الجزية ولم يوضع عنه الخراج على الارض ».

__________________

(١) ج : « أسيد ».

٤٨٥

ما يقضى دينه وله جار من أهل السّواد فليبع جاره ويقض (١) دينه فأوجب أنّهم عبيد ولم يوافقه عليه أحد من الصّحابة (٢).

__________________

(١) فى النسخ : « ويقضى ».

(٢) فى النسخ : « من أصحابه ».

فليعلم أنى لم أجد فيما عندى من الكتب هذه العبارة بهذا اللفظ نعم قد ذكر أبو الفضل أحمد بن طاهر الكاتب المعروف بابن طيفور المتوفى سنة ٢٨٠ فى أوائل كتاب بغداد ما نصه ( انظر ص ٤٣ ـ ٤٥ من طبعة السيد عزت العطار الحسينى سنة ١٣٦٨ ه‍ ، أو ص ٣٨ ـ ٤٠ من النسخة المطبوعة سنة ١٣٨٨ ه‍ ) :

« وذكر لى أن رجلين تنازعا بباب الجسر أحدهما من العظماء والاخر من السوقة فقنع الّذي من الخاصة الّذي من العامة فصاح العامى : وا عمراه ذهب العدل مذ ذهب ؛ فأخذ الرجل ، وكتب ابراهيم السندى بخبره فدعا به المأمون فقال : ما كانت حالك؟ فأخبره ، فأحضر خصمه فقال له : لم قنعت هذا الرجل؟ قال : يا أمير المؤمنين ان هذا الرجل يعاملنى وكان سيئ المعاملة فلما كان فى هذا اليوم مررت بباب الجسر فأخذ بلجامى ثم قال : لا أفارقك حتى تخرج لى من حقى وغرمه ؛ انى كنت صبورا على سوء معاملته لى ، فقلت له : انى أريد دار اسحاق بن ابراهيم فقال : والله لو جاء اسحاق بن ابراهيم ما فارقتك ، ولو جاء من ولى اسحاق وعنف بى فما صبرت حين عرض بالخلافة ووهن من ذكرها أن قنعته فصاح : وا عمراه ؛ ذهب العدل مذ ذهبت ، فقال للرجل : ما تقول فيما قال خصمك؟ فقال : كذب على وقال الباطل ، فقال خصمه : لى جماعة يا أمير المؤمنين تشهد على مقالته ؛ وان أذن لى أمير المؤمنين أحضرتهم قال : فقال المأمون للرجل : ممن أنت؟ فقال : من أهل فامية فقال : أما ان عمر بن الخطاب ـ رحمه‌الله ـ كان يقول : من كان جاره نبطيا واحتاج الى ثمنه فليبعه فان كنت انما طلبت سيرة عمر فهذا حكمه فى أهل فامية ثم أمر له بألف درهم وأطلقه.

فقال لى الّذي حدثنى بهذا الحديث : فحدثت هذا الحديث بعض مشايخنا

٤٨٦

فان كان قال حقّا فقد خالفوه ، وان كان قال باطلا فقد نسبتم إليه الباطل فقد

__________________

فقال : أما الّذي عندنا فخلاف هذا :

انما مر بعض الزهاد فى زورق فلما نظر الى بناء المأمون وأبوابه صاح : وا عمراه فسمعه المأمون فأمر باحضاره ثم دعا به فلما صار بين يديه قال : ما أحرجك الى أن قلت ما قلت؟ قال : رأيت آثار الاكاسرة وبناء الجبابرة فقال له المأمون : أفرأيت ان تحولت من هذه المدينة فنزلت إيوان كسرى بالمدائن كان لك أن تعيب نزولى هناك؟ قال : لا ، قال : فأراك انما عبت اسرافى فى النفقة؟ قال : نعم ، قال : فلو وهبت قيمة هذا البناء أكنت تعيب ذاك؟ قال : لا ، قال : فلو بنى ذلك الرجل بما كنت أهب له بناء أكنت تصيح به كما صحت بى؟ قال : لا ، قال : فأراك انما قصدتنى لخاص نفسى لا لعلة هى غيرى قال : واسحاق بن ابراهيم حاضر قال : فقال : يا أمير المؤمنين مثل هذا لا يقومه القول دون السوط أو السيف ، قال : هما أرش جنايته. ثم قال له : يا هذا ان هذا أول ما بنيناه وآخره ، وانما بلغت النفقة عليه ثلاثة آلاف ألف وهو ضرب من مكايدتنا الاعداء من ملوك الامم كما ترانا نتخذ السلاح والادراع والجيوش والجموع وما بنا الى أكثرها حاجة الساعة.

وأما ذكرك سيرة عمر ـ رحمه‌الله ـ فانه كان يسوس أقواما كراما قد شهدوا نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن انما نسوس أهل بزوفر وفامية ودستميسان ومن أشبه هؤلاء الذين ان جاعوا أكلوك ، وان شبعوا قهروك ، وان ولوا عليك استعبدوك ، وكان عمر يسوس قوما قد تأدبوا بأخلاق نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ الطاهرة ، وصانوا أحسابهم الشريفة ، وما أثله لهم آباؤهم فى الجاهلية والاسلام من الافعال الرضية والشيم الكريمة ونحن نسوس من ذكرنا لك من هؤلاء الاقوام الخبيثة.

قال : ثم أمر بصلته فقال : لا تعودن الى مثل هذا فتمسك عقوبتى فان الحفظة ربما صرفت رأى ذى الرأى الى هواه فاستعمله وخلى سبيل الحلم ».

٤٨٧

رجعت الوقيعة منكم ومنهم فيه (١).

ورويتم أنّه قضى فى المفقود أن تربّص امرأته أربعة (٢) سنين فان قدم والاّ تزوّجت ؛

__________________

وقال ياقوت فى معجم البلدان بعد أن ذكر أن فامية مدينة كبيرة وكورة من سواحل حمس وذكر ما يرجع الى تعريفها ما نصه :

« وفامية أيضا قرية من قرى واسط بناحية فم الصلح ( الى أن قال ) وذكر أحمد بن أبى طاهر أنه رفع الى المأمون أن رجلا من الرعية لزم بلجام رجل من الجند يطالبه بحق له فقنعه بالسوط فصاح الفامى : وا عمراه ذهب العدل منذ ذهبت ؛ فرفع ذلك الى المأمون فأمر باحضارهما ، فقال للجندى : ما لك وله؟ ـ فقال : ان هذا رجل كنت أعامله وفضل له على شيء من النفقة فلقينى على الجسر فطالبنى فقلت : انى أريد دار السلطان فاذا رجعت وفيتك فقال : لو جاء السلطان ما تركتك فلما ذكر الخلافة يا أمير المؤمنين لم أتما لك فعلت ما فعلت ، فقال للرجل : ما تقول فيما يقول؟ ـ فقال : كذب على وقال الباطل ، فقال الجندى : ان لى جماعة يشهدون ان أمر أمير المؤمنين باحضارهم أحضرتهم فقال المأمون : ممن أنت؟ ـ قال : من أهل فامية قال : أما عمر بن الخطاب كان يقول : من كان جاره نبطيا واحتاج الى ثمنه فليبعه فان كنت انما طلبت سيرة عمر فهذا حكمه فى أهل فامية ، ثم أمر له بألف درهم وأطلقه.

وهذه فامية التى عند واسط بغير شك ».

أقول : حكم ياقوت بكون الرجل من أهل فامية هذه على سبيل القطع لما ذكره أهل ـ الفن فى معنى النبط قال الفيومى فى المصباح المنير : « النبط جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل فى أخلاط الناس وعوامهم والجمع أنباط مثل سبب وأسباب الواحد نباطى بزيادة ألف ؛ والنون تضم وتفتح قال الليث : ورجل نبطى ومنعه ابن الاعرابى ».

(١) ح : « فيهم » وهو اشتباه من طغيان القلم من دون شك.

(٢) ج : « أربع ».

٤٨٨

فان قدم الزّوج الأوّل بعد فيخيّر بين (١) امرأته والصّداق ؛ فأيّهما اختار دفع إليه والأمّة.لا مجمعة على خلاف هذا (٢).

فلا طعن على رجل (٣)

__________________

(١) كلمة « بين » فى ج وق فقط ولم تذكر فى سائر النسخ.

(٢) قال أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الشيعى الطبرى (ره) فى كتاب المسترشد بالنسبة الى هذا المطلب وما سبقه من حكم عمر فى أهل السواد وجزيتهم ضمن ذكره ما نقموا على عمر وطعنوا عليه به ما نصه ( انظر ص ١٤٤ من طبعة النجف ) :

« ومما نقموا عليه ما عمل به فى أمر السواد بالشام والعراق من اقراره ما أقر من غير قسمة فى أيدى أهله ووضعه الخراج على ما فعله المسلمون ومساحته العامر والغامر بدرهم وقفيز حنطة فعل الاكاسرة رغبة عن دين الله تعالى ودين رسوله (ص).

ومما نقموا عليه وضعه عن جماجم أهل العهد على أقدارهم فى اليسار من اثنى عشر درهما الى ثمانية واربعين درهما ؛ والفقهاء مجمعون على أن رسول الله (ص) أخذ عن كل حالم دينارا ومضت به السنة ، فاطرح عمر قول رسول الله (ص) وعمل برأيه.

ومما نقموا عليه حكمه فى امرأة المفقود أن تتربص بنفسها أربع سنين.

أترى لا يمكن أن يغيب الرجل فى موضع لا يقدر على الخروج أربعين سنة فضلا عن أربع سنين حتى أطلق التزويج لامرأة متزوجة فأباح الفروج حتى أن المرأة كانت تتزوج فى أيامه فيقدم الزوج الاول فيخير بين المرأة والصداق خلافا على الله وعلى رسوله وجرأة على أحكام الله عز وجل اقتحاما على حدود الله ثم لا مغير يغير ولا منكر ينكر ثم يزعمون أنه لم يغير ولم يبدل وهذا حكمه.

ثم أورد طامة هى أعظم من هذا نحن نحكيها هنا ( فذكر قضية أخرى فمن أرادها فليراجع المسترشد ) ».

(٣) فليعلم أن هنا سقطا ونقصا فى جميع النسخ الست التى عندى أعنى

٤٨٩

عير الى ثور (١) فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة

__________________

ج ح س ق مج مث ولم يكتف فيها بانقطاع الربط بين السابق واللاحق مما هو موجود فى النسخ من العبارة فى الدلالة على وجود النقص بل جعل بياض هنا فى النسخ حتى يكون أمارة للسقط والنقص وزيد عليها فى بعضها بان كتب فى هامش البياض كنسخة المشهد المقدس الرضوى هذه العبارة : « قد سقط من هنا شيء لم نعرف مقداره » ويتصل هذا الكلام الموجود هنا « فلا طعن على رجل » بما يأتى بعد البياض من قوله : « عير الى ثور » رزقنا الله نسخة كاملة من الكتاب حتى يرتفع النقص منه ببركته.

__________________

(١) فليعلم أن صدر الرواية مع ذيل عبارة « فلا طعن على رجل » اى ما بين العبارتين المذكورتين سقط من جميع النسخ الست التى هى عندى الا أن صدر الرواية معلوم لما ذكر فى الكتب المعتبرة قال ابن الاثير فى النهاية بعد ان ذكر الجبل الّذي بالمدينة اسمه عير : « ومنه الحديث : « انه حرم ما بين عير الى ثور أى جبلين بالمدينة وقيل ثور بمكة ولعل الحديث ما بين عير الى أحد وقيل بمكة جبل يقال له عير أيضا » وقال فى ثور : « وفيه أنه (ص) حرم المدينة ما بين عير الى ثور هما جبلان أما عير فجبل معروف بالمدينة وأما ثور فالمعروف أنه بمكة وفيه الغار الّذي بات به النبي (ص) لما هاجر وفى رواية قليلة ما بين عير وأحد وأحد بالمدينة فيكون ثور غلطا من الراوى وان كان هو الاشهر فى الرواية والاكثر وقيل : ان عيرا جبل بمكة ويكون المراد أنه (ص) حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور من مكة ، أو حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف » وقال ياقوت فى معجم البلدان فى « عير » : وفى الحديث ان النبي (ص) حرم ما بين عير الى ثور وهما جبلان عير بالمدينة وثور بمكة وهذه رواية لا معنى لها لان ذلك باجماعهم غير محرم وقد ذكر فى ثور وقال بعض أهل الحديث : انما الرواية الصحيحة أنه (ع) حرم ما بين عير الى أحد وهما بالمدينة »

٤٩٠

والنّاس أجمعين (١) وأشهد أنّ عليّا قد أحدث فيها فقال له رجل : كذب

__________________

وقال فى ثور ضمن ما ذكر : « وفى حديث المدينة أنه (ص) حرم ما بين عير الى ثور قال أبو عبيد : أهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور وانما ثور بمكة قال : فيرى أهل الحديث أنه حرم ما بين عير الى أحد وقال غيره : الى بمعنى مع كأنه جعل المدينة مضافة الى مكة فى التحريم ، وقد ترك بعض الرواة موضع ثور بياضا ليبين الوهم وضرب آخرون عليه وقال بعض الرواة : من عير الى كدى وفى رواية ابن سلام : من عير الى احد والاول أشهر وأشد ، وقد قيل : ان بمكة أيضا جبلا اسمه عير ويشهد بذلك بيت أبى طالب المذكور آنفا فانه ذكر جبال مكة وذكر فيها عيرا فيكون المعنى أن حرم المدينة مقدار ما بين عير الى ثور اللذين بمكة ، أو حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة بحذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه ووصف المصدر المحذوف ولا يجوز أن يعتقد أنه حرم ما بين عير الجبل الّذي بالمدينة وثور الجبل الّذي بمكة فان ذلك بالاجماع مباح » فمن أراد التفصيل فليراجع وفاء الوفاء او خلاصة الوفاء للسمهودى أو سائر المفصلات.

__________________

(١) الحديث الى هنا وارد فى الصحيحين عن أبى هريرة قال البيهقى فى السنن فى باب ما جاء فى حرم المدينة ما نصه ( انظر ج ٥ ؛ ص ١٩٦ ) : « وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن القاسم الغضائرى ببغداد ، حدثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد بن السماك حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطارى حدثنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : المدينة حرم ما بين عير الى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبى عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار فذكره باسناده مثله وزاد : لا يقبل منه صرف ولا عدل ، أخرجه البخارى ومسلم في

٤٩١

__________________

الصحيح من حديث زائدة وغيره عن الاعمش ».

قال ابن الاثير فى النهاية : « وفى حديث المدينة : من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا ؛ الحدث الامر الحادث المنكر الّذي ليس بمعتاد ولا معروف فى السنة والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول فمعنى الكسر من نصر جانيا او آواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه والفتح هو الامر المبتدع نفسه ويكون معنى الايواء فيه الرضا به والصبر عليه فانه اذا رضى بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه ».

قال السمهودى فى خلاصة الوفاء فى الفصل الثالث من الباب الاول ما نصه :

وفى الصحيحين فى أحاديث تحريم المدينة : فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ، ولفظ البخارى : لا يقبل منه صرف ولا عدل ، والجمهور على أن الصرف الفريضة والعدل النافلة وقيل عكسه وقيل : الصرف التوبة والعدل الفدية أى أتى فيها اثما او آوى من أتاه وحماه فلا يقبل منه فريضة ولا نافلة قبول رضا ولا يجد فى القيامة ما يفتدى به من كافر وقيل غير ذلك ، ولعنه ابعاده عن رحمة الله وطرده عن الجنة أولا لا كلعن الكفار وفيه دلالة على أن ذلك من الكبائر مطلقا اذا للعن خاص بها فيستفاد منها أن الصغيرة بها كالكبيرة بغيرها تعظيما للحضرة النبوية ».

أقول : عقد المجلسى (ره) فى سابع البحار بعد باب وجوب موالاة أولياء الائمة ومعاداة أعدائهم بابا بعنوان « باب آخر فى عقاب من تولى غير مواليه ومعناه » وذكر أخبارا تشتمل على مثل ما تقدم نقله من الصحيحين للبخاري ومسلم ومنها هذا الحديث : « ب ـ ( يريد به قرب الاسناد للحميرى ) ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه قال : وجد فى غمد سيف رسول الله (ص) صحيفة مختومة ففتحوها فوجدوا فيها : ان أعتى الناس

٤٩٢

__________________

على الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن أحدث حدثا او آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، ومن تولى الى غير مواليه فقد كفر بما أنزل على محمد (ص) ». فبعد أن أورد من الاخبار ما أراد نقله نقل ما نقلناه من نهاية ابن الاثير بقوله : وقال الجزرى : فى حديث المدينة فساق كلامه الى آخر ما نقلناه وختمه بقوله : « انتهى » قال ( راجع ج ٧ ؛ ص ٣٧١ من طبعة أمين الضرب ) ونص عبارته هكذا : « أقول : ظاهر أنه أراد ما علم أنهم يبتدعونه فى المدينة من غصب الخلافة وما لحقه من سائر البدع التى عم شؤمها الاسلام أقول : فما رواه الصدوق فى العلل باسناده عن جميل عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنه قال : لعن رسول الله (ص) من أحدث فى المدينة حدثا أو آوى محدثا قلت : وما ذلك الحدث؟ ـ قال : القتل ، لعله خص به تقية لاشتهار هذا التفسير بينهم وروى الصدوق أيضا باسناده عن المخالفين الى أمية بن زيد القرشى قال : قال رسول الله (ص) : من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل منه صرف ولا عدل يوم القيامة فقيل : يا رسول الله ما الحدث؟ قال : من قتل نفسا بغير نفس أو مثل مثلة بغير قود او ابتدع بدعة بغير سنة او انتهب نهبة ذات شرق قال : فقيل : ما العدل يا رسول الله؟ قال : الفدية قال : فقيل : فما الصرف يا رسول الله؟ قال : التوبة ».

ومن الموارد التى عبر فيها بهذا التعبير الحديث المتواتر بين الفريقين عن النبي (ص) « يرد على الحوض يوم القيامة رهط من أصحابى فيحلئون عن الحوض فأقول : يا رب أصحابى فيقال : انه لا علم لك بما أحدثوا بعدك ؛ انهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى » ونظير هذا التعبير ما ورد عن عائشة وذلك قال ابن عبد ربه فى العقد الفريد فى آخر ما ذكره تحت عنوان « قولهم فى أصحاب الجمل » ضمن ذكره وقائع زمان خلافة أمير المؤمنين على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ ما نصه ( انظر ص ١٠٨ ج ٣ من طبعة مصر سنة ١٣٥٣ ) :

٤٩٣

أبو هريرة (١).

فو الله لئن كان أبو هريرة صادقا لقد صارت لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين

__________________

« وماتت عائشة فى أيام معاوية وقد قاربت السبعين وقيل لها : تدفنين مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت : لا ؛ انى أحدثت بعده حدثا فادفنونى مع اخوتى بالبقيع ، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لها : يا حميراء كأنى بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة والحوأب قرية فى طريق المدينة الى البصرة وبعض الناس يسمونها الحوب بضم الهاء وتثقيل الواو ، وقد زعموا أن الحوأب ماء فى طريق البصرة قال فى ذلك بعض الشيعة :

انى أدين بحب آل محمد

وبنى الوصى شهودهم والغيب

وأنا البريء من الزبير وطلحة

ومن التى نبحت كلاب الحوأب »

__________________

(١) قال ابن أبى الحديد عند ذكره من وضع أحاديث فى مذمة على عليه‌السلام ما نصه : ( وقوله هذا فى شرح كلام له (ع) مبدو بهذه العبارة : اما انه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البلعوم مندحق البطن ؛ انظر ص ٣٥٨ ـ ٣٦٠ من المجلد الاول من طبعة مصر سنة ١٣٢٩ ).

« وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافى ـ رحمه‌الله تعالى وكان من المتحققين بموالاة على ـ عليه‌السلام ـ والمبالغين فى تفضيله وان كان القول بالتفضيل عاما شائعا فى البغداديين من أصحابنا كافة الا أن أبا جعفر أشدهم فى ذلك قولا وأخلصهم فيه اعتقادا أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة فى على عليه‌السلام تقتضى الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب فى مثله ما اختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير ( الى ان قال : )

٤٩٤

على معاوية بن أبى سفيان وبطلت الرّوايات الّتي رويت من مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب صلوات الله عليه عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذب من روى فيه

__________________

وروى الاعمش قال : لما قدم أبو هريرة العراق عام جماعة جاء الى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا وقال : يا أهل ـ العراق أتزعمون أنى أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسى بالنار والله لقد سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقول : ان لكل نبى حرما وان حرمى بالمدينة ما بين عير الى ثور فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وأشهد بالله ان عليا احدث فيها فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه أمارة المدينة.

قلت : أما قوله : ما بين عير الى ثور ؛ فالظاهر أنه غلط من الراوى لان ثورا بمكة وهو جبل يقال له : ثور أطحل ؛ وفيه الغار الّذي دخله النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأبو بكر ، وانما قيل : أطحل ؛ لان أطحل بن عبد مناف بن اد بن طابخة بن الياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان كان يسكنه وقيل : اسم الجبل أطحل فأضيف ثور إليه وهو ثور بن عبد مناف والصواب : ما بين عير الى أحد.

فأما قول أبى هريرة : ان عليا ـ عليه‌السلام ـ أحدث بالمدينة فحاش لله كان على ـ عليه‌السلام ـ أتقى لله من ذلك والله لقد نصر عثمان نصرا لو كان المحصور جعفر بن أبى طالب لم يبذل له إلا مثله.

قال أبو جعفر : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضى الرواية ضربه عمر بالدرة وقال : قد أكثرت من الرواية وأحربك ان تكون كاذبا على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وروى سفيان الثورى عن منصور عن ابراهيم التيمى قال : كانوا لا يأخذون عن أبى ـ هريرة الا ما كان من ذكر جنة او نار وروى ابو أسامة عن الاعمش قال : كان ابراهيم صحيح الحديث فكنت اذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه فأتيته يوما بأحاديث من حديث

٤٩٥

تلك المناقب ، ولئن كان أبو هريرة كذب فى قوله وكذّب لقد هلك من يروى عنه الحديث لأنّ الرّجل اذا استحلّ كذبه فقد هلك فى كذبه.

فلمّا بلغ معاوية قوله فى عليّ ـ عليه‌السلام ـ أكرمه وأجازه وولاّه المدينة

__________________

أبى صالح عن أبى هريرة فقال : دعنى من أبى هريرة انهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه.

وقد روى عن على ـ عليه‌السلام ـ انه قال : ألا ان أكذب الناس أو قال : أكذب الاحياء على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو هريرة الدوسى.

وروى أبو يوسف قال : قلت لابى حنيفة : الخبر يجيء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخالف قياسنا فما نصنع به؟ ـ قال : اذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأى فقلت : ما تقول فى رواية أبى بكر وعمر؟ ـ فقال : ناهيك بهما ، فقلت : على وعثمان؟ ـ قال : كذلك فلما رآنى أعد الصحابة قال : والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك وروى سفيان الثورى عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس الناس إليه فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه فقال : يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقول لعلى بن أبى طالب : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقال : اللهم نعم قال : فأشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه ثم قام عنه وروت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان فى الطريق ويلعب معهم وكان يخطب وهو أمير المدينة فيقول : الحمد لله الذي جعل الدين قياما وأبا هريرة إماما يضحك الناس بذلك ، وكان يمشى وهو أمير المدينة فى السوق فاذا انتهى الى رجل يمشى امامه ضرب برجليه الارض ويقول : الطريق الطريق قد جاء الامير يعنى نفسه.

قلت : قد ذكر ابن قتيبة هذا كله فى كتاب المعارف فى ترجمة أبى هريرة وقوله فيه حجة لانه غير متهم عليه ».

٤٩٦

فهذا من كذبكم على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فامّا أن تكونوا قد صدّقتم أبا هريرة وصدق فى قوله فتكونوا قد طعنتم على عليّ (ع) ورميتموه بالعجب ، وامّا أن تكونوا قد كذّبتم عليه وكذب هو فى قوله فقد كذّبتم رجلا من أصحاب رسول الله (ص) تروون عنه الحلال والحرام فلستم تنجون من إحدى الخصلتين.

ثمّ ما رواه يزيد بن هارون عن أبى المعلّى الجريرىّ (١) قال : حدّثنا ميمون بن مهران (٢) قال : قلت لعبد الله بن عمر : حدّثني عن مقتل عمر فقال : لمّا طعن عمر دعا الحارث بن كلدة الثّقفىّ وكان طبيبا فقال : اسقوه لبنا (٣) فأسقوه لبنا فخرج من جراحته محضا فقال له الحارث : اعهد ايّها الرّجل فلست خلوا من أصحاب القبور ، فقال له النّاس : استخلف علينا ، فقال : ما أنا بالذّي أتحمّلها حيّا وميّتا قالوا : فانّ المسلمين يرضون بعبد الله بن عمر فقال : حسب آل عمر منها تحمّل رجل منهم الخلافة (٤) فقالوا : ألا تشير علينا؟! فقال : لا أبالي أن أفضّل (٥) رءوس قريش ومن سمّى رسول الله (ص) من أهل الجنّة سبعة نفر ؛ عليّ بن أبى طالب ، وعثمان بن عفّان ، وطلحة ،

__________________

(١) ح مث مج س : « الجزرى » ج ق : « الحريرى » قال ابن حجر فى تقريب ـ التهذيب فى باب الانساب : « الجريرى بالتصغير سعيد ابن اياس » وقال فى باب الاسماء : سعيد بن اياس الجريرى ، بضم الجيم ، أبو مسعود البصرى ( الترجمة ) وصرح فى تهذيب ـ التهذيب بأنه ممن يروى عنه يزيد بن هارون » ونقل مصحح التهذيب فى ذيل كلمة الجريرى عن المغنى ما نصه : « والجريرى بضم الجيم وفتح راء اولى وكسر الثانية وسكون ياء بينهما نسبة الى جرير بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ».

(٢) صرح ابن حجر بروايته عن ابن عمر ؛ فمن أراد كلامه فليراجع تهذيب التهذيب ( ج ١٠ ؛ ص ٣٩٠ ).

(٣) هذه القصة قد تقدمت ( راجع ص ١٦٣ ـ ١٦٦ و ٢٧٢ ).

(٤) عبارة النسخ مشوشة والتصحيح من رواية ابن قتيبة فى الامامة والسياسة.

(٥) فى بعض النسخ بالصاد المهملة.

٤٩٧

والزّبير ، وسعد ، وعبد الرّحمن بن عوف ، وسعيد بن زيد ؛ وليس من الأمر فى شيء. قالوا : يا أمير المؤمنين قل فيهم فقال : لا يمنعنى من عثمان إلاّ عصبيّته (١) وحبّه لقومه ، ولا يمنعنى من (٢) عليّ بن أبى طالب إلاّ حرصه عليها وأنّه رجل تلعابة (٣) ولا يمنعنى من

__________________

(١) قال ابن الاثير فى النهاية : « وفيه : العصبى من يعين قومه على الظلم ، العصبى هو الّذي يغضب لعصبته ويحامى عنهم ؛ والعصبة الاقارب من جهة الأب لانهم يعصبونه ويعتصب بهم أى يحيطون به ويشتد بهم ، ومنه الحديث : ليس منا من دعا الى عصبية أو قاتل عصبية ، العصبية والتعصب المحاماة والمدافعة وقد تكرر فى الحديث ذكر العصبية والعصبة ».

(٢) فى بعض النسخ : « عن » وكذا فى الموارد الآتية الا أن « منعه منه وعنه » بمعنى وكلاهما واردان فى اللغة.

(٣) قد تكرر نقل المصنف (ره) هذا الكلام المسلم صدوره من عمر فى حق على ـ عليه‌السلام ـ ( منها ما مر فى ص ١٦٣ ـ ١٦٦ ) ولم نذكر شيئا فى بيانه فالاولى ان نذكر هنا ما ذكر ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة عند شرحه قوله (ع) : « عجبا لابن ـ النابغة يزعم لاهل الشام أن فى دعابة وأنى امرؤ تلعابة أعافس وأمارس » فانه قد أطال الكلام هنا فى ترجمة عمرو بن العاص وأجاب عن هذا الامر وقال بالنسبة الى ما نحن بصدده ما نصه ( انظر المجلد الثانى من طبعة دار الكتب العربية بمصر سنة ١٣٢٩ ؛ ص ١١٤ ) : فأما ما كان يقوله عمرو بن العاص فى على ـ عليه‌السلام ـ لاهل الشام أن فيه دعابة يروم أن يعيبه بذلك عندهم فأصل ذلك كلمة قالها عمر فتلقفها منه من تلقفها حتى جعلها أعداؤه عيبا له وطعنا عليه قال أبو العباس يحيى ثعلب فى كتاب الامالى : كان عبد الله بن عباس عند عمر فتنفس عمر نفسا عاليا قال ابن عباس : حتى ظننت أن أضلاعه قد انفرجت فقلت له : ما أخرج منك هذا النفس يا أمير المؤمنين الاهم شديد قال : اى والله يا ابن عباس انى فكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الامر بعدى ثم قال : علك ترى صاحبك لها أهلا؟ قلت : وما يمنعه من ذلك؟ مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه قال : صدقت ولكنه امرؤ فيه دعابة قلت : فأين أنت من طلحة؟ قال : هو ذو البأو

٤٩٨

__________________

باصبعه المقطوعة قلت : فعبد الرحمن؟ قال : رجل ضعيف لو صار الامر إليه لوضع خاتمه فى يد امرأته ، قلت : فالزبير؟ قال : شكس لقس يلاطم فى البقيع فى صاع من بر ، قلت : فسعد بن أبى وقاص؟ قال : صاحب مقنب وسلاح ، قلت : فعثمان قال : أوه أوه ؛ مرارا ، ثم قال : والله لئن وليها ليحملن بنى أبى معيط على رقاب الناس ثم لتنهضن إليه العرب فتقتله ثم قال : يا ابن عباس : انه لا يصلح لهذا الامر الا خصيف العقدة قليل الغرة ، لا تأخذه فى الله لومة لائم ، يكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف ، جوادا من غير سرف ، ممسكا من غير وكف ، قال ابن عباس : وكانت هذه صفات عمر ثم أقبل على فقال : ان أحراهم أن يحملهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم لصاحبك ، والله لئن وليها ليحملنهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم.

واعلم أن الرجل ذا الخلق المخصوص لا يرى الفضيلة الا فى ذلك الخلق ألا ترى أن الرجل يبخل فيعتقد أن الفضيلة فى الامساك ، والبخيل يعيب أهل السماح والجود وينسبهم الى التبذير واضاعة الحزم ، وكذلك الرجل الجواد يعيب البخلاء وينسبهم الى ضيق النفس وسوء الظن وحب المال ، والجبان يعتقد أن الفضيلة فى الجبن ويعيب الشجاعة ويعتقد كونها خرقا وتغريرا بالنفس كما قال المتنبى : يرى الجبناء أن الجبن حزم ؛ والشجاع يعيب الجبان وينسبه الى الضعف ويعتقد أن الجبن ذل ومهانة وهكذا القول فى جميع الاخلاق والسجايا المقتسمة بين نوع الانسان ولما كان عمر شديد الغلظة وعر الجانب خشن الملمس دائم العبوس كان يعتقد أن ذلك هو الفضيلة وأن خلافة نقص حتى لو قدرنا أن خلقه حاصل لعلى ـ عليه‌السلام ـ وخلق على حاصل له لقال فى على : لو لا شراسة فيه فهو غير ملوم عندى فيما قاله ولا منسوب الى أنه أراد الغض من على والقدح فيه ولكنه أخبر عن خلقه ظانا أن الخلافة لا تصلح الا للشديد الشكيمة العظيم الوعورة ( الى أن قال ) ومن تأمل كتب السير عرف صدق هذا القول وعرف أن عمرو بن العاص أخذ كلمة عمر اذ لم يقصد بها العيب فجعلها عيبا وزاد عليها أنه كثير اللعب يعافس النساء ويمارسهن وانه صاحب هزل ، ولعمر الله لقد كان أبعد الناس

٤٩٩

الزّبير إلاّ أنّه مؤمن الرّضا كافر الغضب ، ولا يمنعنى من طلحة إلاّ نخوته وكبره ، ولا يمنعنى من سعد إلاّ فظاظته وعنفه ، ولا يمنعنى من عبد الرّحمن بن عوف إلاّ أنّه قارون هذه الأمّة ، يجمعون فى البيت ثلاثا ، ويصلّى بالنّاس صهيب ، ويحضر عبد الله ابن عمر مشيرا ووزيرا وليس له (١) من الامر شيء فاذا استقام رأى خمسة وأبى واحد فاجلدوا عنقه ، وإن (٢) استقام رأى أربعة وأبى اثنان ؛ فاجلدوا أعناقهما ، وإن استقام ثلاثة (٣) وأبى ثلاثة (٤) فتحاكموا الى عبد الله بن عمر فأىّ الفريقين قضى لهم فاقتلوا الباقين ( فى حديث طويل ).

وفى رواية أخرى : فان مضت ثلاثة أيّام ولم يبايعوا رجلا منهم فاقتلوهم جميعا.

__________________

من ذلك وأى وقت كان يتسع لعلى ـ عليه‌السلام حتى يكون فيه على هذه الصفات فان أزمانه كلها فى العبادة والصلاة والذكر والفتوى والعلم واختلاف الناس إليه فى الاحكام وتفسير القرآن ، ونهاره كله أو معظمه مشغول بالصوم وليله كله أو معظمه مشغول بالصلاة ، هذا فى أيام سلمه فأما أيام حربه فبالسيف الشهير والسنان الطرير وركوب الخيل وقود الجيوش ومباشرة الحروب ولقد صدق ـ عليه‌السلام ـ فى قوله : اننى ليمنعنى من اللعب ذكر الموت ولكن الرجل الشريف النبيل الّذي لا يستطيع أعداؤه أن يذكروا له عيبا أو يعدوا عليه وصمة لا بد أن يحتالوا ويبذلوا جهدهم فى تحصيل أمر ما وان ضعف يجعلونه عذرا لانفسهم فى ذمه ويتوسلون به الى أتباعهم فى تحسينهم لهم مفارقته والانحراف عنه ( الى آخر ما قال فمن أراده فليراجع ذلك الكتاب ) ».

__________________

(١) كذا فى ح لكن فى غيرها : « إليه ».

(٢) ح : « واذا » وكذا فيما يأتى من نظائره فى الحديث.

(٣ و ٤) اى استقام رأى ثلاثة ولم يستقم رأى ثلاثة.

٥٠٠