الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

العبد (١)؟ وأنتم تزعمون أنّ الرّأى مباح لكم اذا ورد عليكم ما لا تجدونه فى الكتاب ولا ـ فى السّنّة فهل الرّأى الاّ إلهام يلقيه الله فى قلب الرّجل فيقول به؟! وكذلك الالهام يلهمه الله الرّجل فيقول به.

مع أنّ الشّيعة لا تقول بذلك (٢) ولا تؤمن بما تقولون به (٣) من الرّأى والالهام والدّليل على ذلك قول عليّ بن أبى طالب ـ صلوات الله عليه ـ ؛ ما عندنا الاّ ما فى كتاب الله أو (٤) ما فى الصّحيفة وصدق عليّ ـ عليه‌السلام ـ ما كان عنده الاّ ما فى كتاب الله لأنّ كتاب الله يجمع العلم كلّه الّذي يحتاج إليه النّاس فى أمر دينهم فكلّ ما كان فى الصّحيفة فهو تفسير لما فى كتاب الله.

وأنتم تنفرون (٥) أن يقال : عند آل محمّد صحيفة فيها علم الحلال والحرام بخطّ عليّ واملاء رسول الله (٦) ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فان كان ما رووه عنهم حقّا انّهم قالوا

__________________

(١) قال ابن الاثير فى النهاية : « فيه : أسألك رحمة من عندك تلهمنى بها رشدى ؛ الالهام أن يلقى الله فى النفس أمرا يبعثه على الفعل او الترك وهو نوع من الوحى يخص الله به من يشاء من عباده وقد تكرر فى الحديث ».

(٢) غير ح : « ذلك ».

(٣) فى النسخ : « بما تقولونه ».

(٤) كذا صريحا بلفظة « أو » وتقدم أن بدلها فى رواية صحيح البخارى « و ».

(٥) ح : « تتنفرون ».

(٦) يستفاد من هذه العبارة صريحا أن ليس مراد الفضل بن شاذان من الصحيفة هنا صحيفة كانت فى قراب سيف أمير المؤمنين (ع) وكانت مشتملة على أحكام قليلة أو وصايا معدودة بل مراده صحيفة ورد ذكرها فى أخبار كثيرة وتشتمل على جميع ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش فالاولى أن نذكر طرفا مما يدل على ذلك فنقول والله المستعان :

قال الطريحى (ره) فى مجمع البحرين : « والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه ومنه صحيفة فاطمة ـ عليها‌السلام ـ روى أن طولها سبعون ذراعا فى عرض الاديم فيها كل ما يحتاج الناس إليه حتى أرش الخدش سئل ـ عليه‌السلام ـ : وما مصحف فاطمة؟ قال : ان فاطمة مكثت بعد رسول الله خمسة وأربعين يوما وكان دخلها حزن شديد على أبيها

٤٦١

ذلك فليس بعظيم ولا منكر أن يكون عليّ بن أبى طالب ـ صلوات الله عليه ـ

__________________

فكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها فى ذريتها وكان على (ع) يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة ، وفى رواية أخرى عن الصادق (ع) : مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ؛ ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد وليس فيه من حلال ولا حرام ولكن فيه علم ما يكون ».

قال العلامة المجلسى ـ رفع الله درجته ـ فى سابع البحار فى باب جهات علومهم عليهم‌السلام وما عندهم من الكتب ( ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠ من طبعة أمين الضرب ) ما نصه :

« ير ( يريد به بصائر الدرجات للصفار ) الحسن بن على بن النعمان عن أبيه على بن النعمان عن بكر بن كرب قال : كنا عند أبى عبد الله عليه‌السلام فسمعناه يقول : أما والله ان عندنا ما لا نحتاج الى الناس ، وان الناس ليحتاجون إلينا ، ان عندنا الصحيفة سبعون ذراعا بخط على (ع) واملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أولادهما فيها من كل حلال وحرام ، انكم لتأتوننا فتدخلون علينا فنعرف خياركم من شراركم. ير ـ محمد بن الحسين عن ابن محبوب عن على بن رئاب عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الجامعة قال : تلك صحيفة سبعون ذراعا فى عرض الاديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية الا هى فيها حتى أرش الخدش بيان ـ الاديم الجلد أو أحمر أو مدبوغه ، والفالج الجمل الضخم ذو السنامين يحمل من السند للفحل. ير ـ أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابن أبى عمير عن محمد بن حمران عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان عندنا لصحيفة سبعون ذراعا املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط على بيده ؛ ما من حلال والا حرام الا وهو فيها حتى أرش الخدش ير ـ أحمد بن محمد عن الاهوازى عن بعض رجاله عن أحمد بن عمر الحلبى عن أبى بصير قال : قال أبو عبد الله (ع) : يا با محمد ان عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة قال : قلت : جعلت فداك وما الجامعة؟ ـ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (ص) أملا من فلق فيه وخطه على (ع) بيمينه

٤٦٢

كتب ما سمع من رسول الله فأثبته وورّث العلم ولده وأنتم الفقيه منكم يورث ولده المائة

__________________

فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الارض فى الخدش بيان ـ قال الجوهرى : كلمنى من فلق فيه بالكسر ويفتح أى من شقه. ير ـ ابن يزيد عن ابن أبى عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد وأبى المعزى عن حمران بن أعين عن أبى جعفر (ع) قال : أشار الى بيت كبير وقال : يا حمران ان فى هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا بخط على عليه‌السلام واملاء رسول الله (ص) لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما فى هذه الصحيفة. ير ـ ابن يزيد عن الوشاء عن ابن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ان عندنا صحيفة من كتب على عليه‌السلام طولها سبعون ذراعا فنحن نتبع ما فيها لا نعدوها. وسألته عن ميراث العلم ما بلغ أجوامع هو من العلم أم فيه تفسير كل شيء من هذه الأمور التى يتكلم فيه الناس مثل الطلاق والفرائض؟ فقال : ان عليا (ع) كتب العلم كله القضاء والفرائض فلو ظهر أمرنا لم يكن شيء الا فيه سنة نمضيها. ير ـ ابن يزيد عن محمد بن أبى ـ عمير عن محمد بن حمران عن سليمان بن خالد قال : سمعته يقول : ان عندنا لصحيفة يقال لها الجامعة ما من حلال ولا حرام الا وهو فيها حتى أرش الخدش. ير ـ أحمد بن محمد عن على بن الحكم عن على بن أبى حمزة عن أبى بصير عن أبى جعفر (ع) قال : أخرج الى أبو جعفر عليه‌السلام صحيفة فيها الحلال والحرام والفرائض قلت : ما هذه؟ قال : هذه املاء رسول الله (ص) وخطه على عليه‌السلام بيده قال : قلت : فما تبلى؟ قال : فما يبليها؟! قلت : وما تدرس؟ قال : وما يدرسها؟! قال : هى الجامعة أو من الجامعة. بيان ـ قوله (ع) : فما يبليها؟! أى أى شيء يقدر على ابلائها والله حافظها لنا ، أو لا تقع عليها الايدى كثيرا حتى تبلى أو تدرس وتمحى. ير ـ يعقوب بن اسحاق الرازى الحريرى عن أبى ـ عمران الارمنى عن عبد الله بن الحكم عن منصور بن حازم وعبد الله بن أبى يعفور قالا : قال أبو عبد الله (ع) : ان عندنا صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها ما يحتاج إليه حتى أن فيها أرش الخدش. ير ـ أحمد بن الحسن عن أبيه عن ابن بكير عن محمد بن عبد الملك قال : كنا

٤٦٣

جلد أو أكثر أو أقلّ (١) ممّا قد سمع وكتب فلا ينكر ذلك بعضكم على بعض ، وتنكرون

__________________

(١) س ق مج مث : « وأكثر وأقل » ج : « أو أكثر وأقل » ح : « والاكثر والاقل ».

__________________

عند أبى عبد الله عليه‌السلام نحوا من ستين رجلا قال : فسمعته يقول : عندنا والله صحيفة طولها سبعون ذراعا ما خلق الله من حلال أو حرام الا وهو فيها حتى أن فيها أرش الخدش. ير ـ محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل بن جميل عن جابر بن يزيد عن أبى جعفر (ع) قال : قال أبو جعفر (ع) : ان عندى لصحيفة فيها تسعة عشر صحيفة قد حباها رسول الله (ص). ير ـ محمد بن عيسى عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن زرارة قال : دخلت عليه وفى يده صحيفة فغطاها منى بطيلسانه ثم أخرجها فقرأها على ان ما يحدث بها المرسلون كصوت السلسلة أو كمناجاة الرجل صاحبه. بيان ـ قوله : ان ما يحدث ؛ الى آخرها ، هو الّذي قرأه عليه‌السلام من تلك الصحيفة. ير ـ محمد بن عبد الحميد عن يعقوب بن يونس عن معتب قال : أخرج أبو عبد الله (ع) صحيفة عتيقة من صحف على (ع) فاذا فيها ما نقول اذا جلسنا لنتشهد. ير ـ ابراهيم بن هاشم عن يحيى بن أبى عمران عن يونس عن حماد بن عثمان عن عمرو بن أبى المقدام عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول وذكر ابن شبرمة فقال أبو عبد الله (ع) : أين هو من الجامعة املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط على عليه‌السلام فيها الحلال والحرام حتى أرش الخدش. ير ـ عبد الله بن محمد بن الوليد أو عمن رواه عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب عن منصور بن حازم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ان عندنا صحيفة فيها ما يحتاج إليه حتى أن فيها أرش الخدش. ير ـ على بن اسماعيل عن على بن النعمان عن سويد عن أبى أيوب عن أبى بصير عن أبى جعفر (ع) قال : كنت عنده فدعا بالجامعة فنظر فيها جعفر فاذا هو فيها : المرأة تموت وتترك زوجها ليس لها وارث غيره؟ قال : فله المال كله. ير ـ محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن أبان عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ان فى البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا [ فيها ] ما خلق الله من حلال ولا حرام

٤٦٤

على أن يكون عليّ ـ صلوات الله عليه ـ كتب عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

__________________

حتى أرش الخدش. ير ـ ابن معروف عن القاسم بن عروة وعبد الله بن جعفر عن محمد بن عيسى عن القاسم بن عروة عن أبى العباس عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : والله ان عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش أملى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وكتبها على بيده صلوات الله عليه ».

وقال فى تاسع البحار فى باب جوامع الاخبار الدالة على إمامته من طرق الخاصة والعامة ( انظر ص ٢٩١ من طبعة أمين الظرب ) : « ير ( أى بصائر الدرجات للصفار ) عمران بن موسى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن عيسى بن عبيد الله عن أبيه عن جده عن عمر بن أبى سلمة عن أمه عن أم سلمة قال : قالت : أقعد رسول الله (ص) عليا فى بيتى ثم دعا بجلد شاة فكتب فيه حتى ملا كارعه ثم دفعه الى وقال : من جاءك بعدى بآية كذا وكذا فادفعيه إليه فأقامت أم سلمة حتى توفى رسول الله (ص) وولى أبو بكر أمر الناس بعثتنى فقالت : اذهب وانظر ما صنع هذا الرجل فجئت فجلست فى الناس حتى خطب أبو بكر ثم نزل فدخل بيته فجئت فأخبرتها فأقامت حتى اذا ولى عمر بعثتنى فصنع مثل ما صنع صاحبه فجئت فأخبرتها ثم أقامت حتى ولى عثمان فبعثتنى فصنع كما صنع صاحباه فأخبرتها ثم أقامت حتى ولى على فأرسلتنى فقالت : انظر ما يصنع هذا الرجل فجئت فجلست فى المسجد فلما خطب على (ع) نزل فرآنى فى الناس فقال : اذهب فاستأذن على أمك قال : فخرجت حتى جئتها فأخبرتها وقلت : قال لى : استأذن على أمك وهو خلفى يريدك قالت : وأنا والله أريده فاستأذن على فدخل فقال : أعطينى الكتاب الّذي دفع أليك بآية كذا وكذا كأنى أنظر الى أمى حتى قامت الى تابوت لها فى جوفه تابوت لها صغير فاستخرجت من جوفه كتابا فدفعته الى على ثم قالت لى أمى : يا بنى الزمه فلا والله ما رأيت بعد نبيك إماما غيره أقول : قد مضى مثله بأسانيد فى باب جهات علومهم عليهم‌السلام ».

أقول : هذا طرف يسير من الاخبار فمن أراد الكثير منها فليراجع الباب المذكور من

٤٦٥

ما سمع منه ويعظم ذلك عندكم وأنتم تروون عنه أنّه كان يقول : كنت والله أسأل فأعطى ،

__________________

سابع البحار بل سائر كتب الاخبار أيضا ولا سيما الكافى للكلينى ـ قدس الله تربته ـ فانه عقد بابا فى أصول الكافى لنقل أخبار تلك الصحيفة وعنون الباب بقوله « باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها‌السلام » فيستفاد من تسميته الباب بهذا الاسم أن الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة كلها من سنخ واحد ومن جهة واحدة ويستفاد ذلك أيضا مما تقدم فى الاخبار المذكورة فان الامام عليه‌السلام أطلق فى بعضها الجامعة على الصحيفة فالاولى أن نذكر شيئا من طرف الباب فنقول : من أراد أن يلاحظ أخبار الكافى فى بيان هذا الامر فليراجع الباب المشار إليه ( انظر المجلد الاول من مرآة العقول ص ١٧٥ ـ ١٧٦ ).

فممّن صرح بهذا المطلب المحقق الشريف الجرجانى فانه قال فى مبحث العلم من شرح المواقف عند ذكر الماتن أعنى القاضى عضد الدين الايجى الجفر والجامعة ( انظر ص ٢٧٦ من طبعة بولاق سنة ١٣٦٦ ) ما نصه :

« وهما كتابان لعلى ـ رضى الله عنه ـ قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التى تحدث الى انقراض العالم ، وكانت الائمة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما وفى كتاب قبول العهد الّذي كتبه على بن موسى ـ رضى الله عنهما ـ الى المأمون : انك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك وقبلت منك عهدك الا أن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم.

ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه الى أهل البيت ورأيت أنا بالشام نظما أشير فيه بالرموز الى أحوال ملوك مصر وسمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابين ».

وقال الشيخ الاجل بهاء الملة والدين محمد بن الحسين العاملى (ره) فى شرح الاربعين حديثا عند شرحه الحديث الحادى والعشرين ما نصه :

٤٦٦

وأسكت فأبتدى وبين الجوانح منّى علم جمّ فاسألونى (١).

__________________

(١) لا مجال لى الآن للمراجعة الى مظان هذا الحديث الا أن ما ذكره السيد الرضى (ره) فى نهج البلاغة بهذه العبارة : « ها ان هاهنا لعلما جما لو أصبت له حملة » ( انظر حديث كميل فى الكلم القصار من الكتاب ( ص ٢٧٨ طبعة تبريز سنة ١٢٦٧ ) ونظيره قوله (ع) ضمن خطبة فى باب الخطب من نهج البلاغة : « وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ودعا لي بأن يعيه صدرى وتضطم عليه جوانحى » ( انظر ص ١٠٦ من طبعة المشار إليها ) ومن أراد الحديث بعين عبارته فليراجع مظانه.

__________________

« وقد تظافرت الاخبار بأن النبي (ص) أملى لعلى (ع) كتابى الجفر والجامعة وأن فيهما علم ما كان وما يكون الى يوم القيامة ونقل الشيخ الجليل عماد الاسلام محمد بن يعقوب الكلينى فى كتاب الكافى عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) أحاديث كثيرة فى أن ذينك الكتابين كانا عنده وأنهما لا يزالان عند الائمة عليهم‌السلام يتوارثونه واحدا بعد واحد وقال المحقق الشريف فى شرح المواقف فى مبحث العلم الواحد بمعلومين : ان الجفر والجامعة ( فنقل ما نقلناه الى آخره وقال : ) الى هنا كلام الشريف ».

وقال الدميرى فى حياة الحيوان فى باب الجيم تحت عنوان « الجفرة » ما نصه :

« فائدة ـ قال ابن قتيبة فى كتابه أدب الكاتب : وكتاب الجفر جلد جفر كتب فيه الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام لآل البيت كل ما يحتاجون الى علمه وكل ما يكون الى يوم القيامة والى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرى بقوله :

لقد عجبوا لاهل البيت لما

أتاهم علمهم فى مسك جفر

ومرآة المنجم وهى صغرى

أرته كل عامرة وقفر

والمسك الجلد وقيل : ان ابن تومرت المعروف بالمهدى ظفر بكتاب الجفر فرأى فيه ما يكون على يد عبد المؤمن صاحب المغرب وقصته وحليته واسمه فأقام ابن تومرت مدة يتطلبه حتى وجده وصحبه وكان يكرمه ويقدمه على سائر أصحابه وينشد اذا أبصره :

٤٦٧

ثمّ تروون عن الحسن والحسين ـ صلوات الله عليهما ـ أنّهما كانا يكتبان علم

__________________

تكاملت فيك أوصاف خصصت بها

فكلنا بك مسرور ومغتبط

السن ضاحكة والكف مانحة

والنفس واسعة والوجه منبسط

ولم يصح أن ابن تومرت استخلف عبد المؤمن عند موته وانما راعى أصحابه اشارته فى تقديمه واكرامه فتم له الامر ( الى آخر ما قال ) ».

وقال الشبلنجى فى نور الابصار فى ترجمة مولانا أبى عبد الله جعفر الصادق (ع) ما نصه :

« وفى حياة الحيوان الكبرى : فائدة ـ قال ابن قتيبة فنقل كلامه الى آخر البيتين لابى ـ العلاء المعرى وقال : وفى الفصول المهمة نقل بعض أهل العلم أن كتاب الجفر الّذي بالغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن بن على من كلام جعفر الصادق وله فيه المنقبة السنية والدرجة التى فى مقام الفضل علية » والمراد من الفصول المهمة تأليف ابن الصباغ والعبارة مذكورة فى ترجمة الصادق عليه‌السلام ( راجع الفصل السادس من الكتاب ص ٢٣٥ من النسخة المطبوعة بايران سنة ١٣٠٣ ) ونقل عبارة الشبلنجى بتمامها المحدث القمى فى سفينة البحار فى مادة « ص د ق » ( راجع ج ٢ ص ٢٠ ).

أقول : ذكر ابن خلكان هذه الحكاية فى ترجمة أبى محمد عبد المؤمن بن على القيسى الكومى الّذي قام بأمره محمد بن تومرت المعروف بالمهدى ونص عبارته هناك هذه ( راجع ج ١ من طبعة بولاق سنة ١٢٩٩ ) :

« ورأيت فى بعض تواريخ المغرب أن ابن تومرت قد كان ظفر بكتاب يقال له الجفر وفيه ما يكون على يده وقصة عبد المؤمن وحليته واسمه ( الى ان قال ) وأما كتاب الجفر فقد ذكره ابن قتيبة فى أوائل كتاب اختلاف الحديث فقال بعد كلام طويل : وأعجب من هذا التفسير تفسير الروافض للقرآن الكريم وما يدعونه من علم باطنه بما وقع إليهم من الجفر الّذي ذكره سعد بن هارون العجلى وكان رأس الزيدية ثم قال :

٤٦٨

عليّ (ع) عن (١) الحارث الأعور ؛ فو الله لئن كان عليّ يبذل علمه للنّاس ويبخل به عن ولده فلقد رميتموه بالعظيم وما لا يمكن أنّه كان يخصّ النّاس بعلمه ويكتمه (٢) ولده وهم رجال قد بلغوا وولد لهم وشهدوا معه حروبه.

وأخرى أنّكم تروون (٣) عن الشّعبىّ أنّه كان يقول اذا حدّث عن الحارث

__________________

ألم تر أن الرافضين تفرقوا

فكلهم فى جعفر قال منكرا

فطائفة قالوا امام ومنهم

طوائف سمته النبي المطهرا

ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم

برئت الى الرحمن ممن تجفرا

والابيات أكثر من هذا فاقتصرت منها على هذا لانه المقصود بذكر الجفر ثم قال ابن ـ قتيبة بعد الفراغ من الابيات : وهو جلد جفر ادعوا أنه كتب لهم فيه الامام كل ما يحتاجون إليه وكل ما يكون الى يوم القيامة والله أعلم قلت : وقولهم : الامام يريدون به جعفر الصادق ـ رضى الله عنه ـ وقد تقدم ذكره والى هذا الجفر أشار ابو العلاء المعرى بقوله من جملة أبيات ( فذكر البيتين وقال ) وقوله : فى مسك جفر المسك بفتح الميم ( الى آخر ما قال ) ».

أقول : البيتان من لزوميات أبى العلاء وما قبلهما ثلاثة أبيات فمجموع القطعة خمسة أبيات فان أردت أن تلاحظها فراجع ج ٢ من طبعة مكتبة صادر بيروت ص ٢٤٩ وأما الكتاب المنقول عنه الكلام فالصحيح أنه تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة كما صرح به ابن خلكان واشتبه الامر على الدميرى فانا راجعنا ادب الكاتب لابن قتيبة فلم نجد هذا المطلب فيه وأما تأويل مختلف الحديث فالقصة مذكورة فيها ( انظر ص ٨٥ ) وأما ما ذكره السيد الجرجانى فيما تقدم من كلامه عن الرضا عليه‌السلام : « الا ان الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم » فهو مأخوذ من كتاب الفخرى لابن الطقطقى فان شئت فراجع الكتاب المشار إليه.

(١) فى النسخ : « على ».

(٢) غير ح : « كتمه ».

(٣) س ح مث : « تزعمون ».

٤٦٩

الأعور : حدّثني الحارث الأعور ، وكان والله كذّابا ؛ فلئن صدق الشّعبىّ عن الحارث أنّه كان كذّابا لقد نسبتم ابنى رسول الله وسيّدى شباب أهل الجنّة أنّهما كانا يأخذ ان العلم عن الكذّاب ، ولئن كان الشّعبىّ كذب على الحارث انّكم لتأخذون علمكم عنه وهو كذّاب يكذب على العلماء ، ولئن كان ما رويتم عن الشّعبىّ باطلا ولم يقله (١) لقد كذبتم عليه ورميتموه بالكذب والزّور فلستم تخلصون من إحدى (٢) هذه الثلاث ؛ وأنتم تزعمون أنّكم أهل السّنّة والجماعة.

ثمّ تروون أنّ عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ وكان من أعلم آل رسول الله فى زمانه وأشدّهم (٣) عبادة واجتهادا أنّه سأل رجلا من أهل العراق فقال : ما فعل سعيد بن جبير؟ قال : قلت : صالح قال : ذلك رجل كان يمرّ بنا فنسأله عن أشياء من أمر ديننا (٤).

__________________

(١) س ق مج مث : « باطلا لم يقله » ( من دون عاطف ).

(٢) غير ح : « من أحد ».

(٣) فى بعض النسخ : « من أسدهم » ( بالسين المهملة ).

(٤) هذه الحكاية نقلها ابن سعد فى الطبقات فى ترجمة سعيد بن جبير هكذا ( ج ٦ من طبعة بيروت ؛ دار صادر سنة ١٣٧٧ ه‍ و ١٩٥٧ م ؛ ص ٢٥٨ ) فقال ما نصه :

« قال : أخبرنا معاوية الضرير قال : حدثنا الاعمش عن مسعود بن مالك قال قال لى على بن الحسين : ما فعل سعيد بن جبير؟ ـ قال : قلت : صالح ، قال : ذاك رجل كان يمر بنا فنسائله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها ، انه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء وأشار بيده الى العراق » ويقرب منه ما نقله الحافظ أبو نعيم فى حلية الاولياء فى ترجمة مولانا زين العابدين على بن الحسين بهذه العبارة ( انظر ج ٣ ص ١٣٧ ـ ١٣٨ ) : « حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان قال : حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد قال : حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا بشر بن بكر والخصيب بن ناصح قالا : حدثنا عبد الله بن جعفر عن عبد الرحمن بن

٤٧٠

فزعمتم أنّ عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ [ كان ] يحتاج أن يسأل سعيد ابن جبير (١) وأنتم تروون عن سعيد بن جبير أنّه كان يفتى النّاس بمتعة النّساء ويقول : هى

__________________

حبيب بن أزدك قال : سمعت نافع بن جبير يقول لعلى بن الحسين : غفر الله لك أنت سيد ـ الناس وأفضلهم تذهب الى هذا العبد فتجلس معه يعنى زيد بن أسلم؟! فقال : انه ينبغى للعلم أن يتبع حيثما كان ، حدثنا أبو حامد بن جبلة قال : حدثنا محمد بن اسحاق قال : حدثنا أبو يحيى صاعقة قال : حدثنا سعيد بن سليمان قال : حدثنا هشيم عن محمد بن عبد الرحمن المدينى قال : كان على بن الحسين يتخطى حلق قومه حتى يأتى زيد بن أسلم فيجلس عنده [ سقط من هنا شيء فكأن مفاده : فاعترض عليه ] فقال : انما يجلس الرجل الى من ينفعه فى دينه ».

__________________

(١) يقرب من هذا على زعم العامة ما ذكره أبو جعفر الطبرى الشيعى فى أوائل كتاب المسترشد طاعنا به على أهل السنة ( ص ١١ من طبعة النجف ) :

« ومن رواتكم وجلة فقهائكم سعيد بن المسيب الّذي زعمتم أنه لم يقم للوليد بن عبد الملك وهو أشد بنى أمية تجبرا حتى جاء ووقف عليه وسلم وعددتم ذلك فضيلة له ويموت على بن الحسين (ع) ولا يصلى عليه ويقول : ركعتين أصليهما أحب الى من حضور ابن ـ رسول الله (ص) رواه الواقدى قال : حدثنا أبو معشر عن سعد المقرى قال : لما وضعت جنازة على بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ ليصلى عليه اتسع الناس الى جنازته داخل المسجد فقال حسوم مولى النخع لسعيد بن المسيب : ألا نشهد هذا الرجل فى البيت الصالح؟ وسعيد لم يخرج قال سعيد : ركعتين أصليهما فى بيتى أحب الى من أن أشهد هذا الرجل الصالح فى البيت الصالح فهذا سعيد بن المسيب فقيه أهل الحجاز يمتنع أن يشهد ابن ـ رسول الله (ص) فليت شعرى أى دين هذا؟! ابن ناقل هذا الدين يموت فلا يشهده؟! وعلى بن الحسين عليه‌السلام عند جميع الامة من جملة العباد وهذا فعل سعيد به والله المستعان ».

٤٧١

أحلّ من شرب الماء وأنتم تروون أنّ المتعة الزّنا وقد نهى عنها رسول الله (ص) فتزعمون أنّ عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ كان يسأل رجلا عن دينه والرّجل مستحلّ للزّنا عندكم تعالى الله عمّا تقولون علوّا كبيرا.

__________________

أقول : أكبر من هذا وأمثاله بمراتب ما صدر من البخارى فى حق مولانا أبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق ـ عليه‌السلام ـ وهو مذكور فى كثير من الكتب ونحن نكتفى هنا بما ذكره السيد محمد العلوى فى كتاب النصائح الكافية لمن يتولى معاوية فانه قال بعد ذكره جماعة ممن عده أصحاب الاصول الستة من العدول وليسوا منهم ما نصه ( ص ٩٢ من الطبعة الثانية ببغداد سنة ١٣٦٧ ) :

« وأكبر من هذا كله جرح بعضهم الامام جعفر الصادق على آبائه وعليه أفضل الصلاة والسلام وتسورهم على سمى مقامه.

أرادت عرارا بالهوان ومن يرد

عرارا لعمرى بالهوان فقد ظلم

وأليك بعض ما ذكروا عنه قال فى تهذيب التهذيب : قال ابن المدينى : سئل يحيى بن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال : فى نفسى منه شيء ومجالد أحب الى منه ، وقال سعيد بن أبى مريم : قيل لابى بكر بن عياش : ما لك لم تسمع من جعفر وقد أدركته؟ قال : سألته عما يحدث به من الاحاديث أشيء سمعته؟ ـ قال : لا ؛ ولكنها رواية رويناها عن آبائنا. وقال ابن سعد : كان جعفر كثير الحديث ولا يحتج ويستضعف ؛ سئل مرة : هل سمعت هذه الاحاديث عن أبيك؟ ـ قال : نعم ، وسئل مرة فقال : انما وجدتها فى كتبه. قال الحافظ ابن حجر : يحتمل أن يكون السؤالان وقعا عن احاديث مختلفة فذكر فيما سمعه : أنه سمعه ، وفيما لم يسمعه : أنه وجده ، وهذا يدل على تثبته ( انتهى ).

قلت : احتج الستة فى صحاحهم بجعفر الصادق الا البخارى فكأنه اغتر بما بلغه عن ابن سعد وابن عياش وابن القطان فى حقه على أنه احتج بمن قدمنا ذكرهم وهنا يتحير

٤٧٢

ثمّ ما رواه وكيع عن الفضيل بن مرزوق (١) عن الحسن بن الحسن بن عليّ (٢) أنّه قال : مرقت علينا الرّافضة كما مرقت الخوارج على عليّ ـ صلوات الله عليه ـ وان أمكننا (٣) الله منهم لا نقبل منهم توبة ، وذلك أنّهم ادخلوا باب التّقيّة (٤) فاذا شاءوا أن يكونوا ؛ كانوا ، وانّما التّقيّة باب رخصة للمسلم يدرأ بها عن نفسه اذا خاف ، والفضل فى القيام بأمر الله.

فانظروا ما تروون وما تنسبون إليه ولد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأنّهم

__________________

العاقل ولا يدرى بما ذا يعتذر عن البخارى ـ رحمه‌الله ـ وقد قيل فى هذا المعنى شعرا :

قضية أشبه بالمرزئة

هذا البخارى امام الفئة

بالصادق الصديق ما احتج فى

صحيحه واحتج بالمرجئة

ومثل عمران بن حطان أو

مروان وابن المرأة المخطئة

مشكلة ذات عوار الى

حيرة أرباب النهى ملجئه

وحق بيت يممته الورى

مغذة فى السير أو مبطئه

ان الامام الصادق المجتبى

بفضله الآي أتت منبئه

أجل من فى عصره رتبة

لم يقترف فى عمره سيئه

قلامة من ظفر ابهامه

تعدل من مثل البخارى مائة »

( انتهى ما أردنا نقله )

(١) قال ابن حجر فى تهذيب التهذيب : « فضيل بن مرزوق الاغر الرقاشى ويقال الرواسى الكوفى أبو عبد الرحمن مولى بنى عنزة ( الى ان قال ) وروى عنه زهير بن معاوية ووكيع ».

(٢) « ابن على » فى غير ح ومث.

(٣) فى النسخ : « أمكن ».

(٤) كذا ولم أتبين معناه.

٤٧٣

يخالفون الله ورسوله ويزعمون أنّهم لا يقبلون توبة ممّن تاب والله يقول : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ) (١) فى آيات كثيرة فى كتاب الله يخبر عباده أنّه يقبل توبتهم اذا تابوا من الشّرك ومن الذّنوب.

وقد قبل عليّ بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ توبة الخوارج يوم خرجوا عليه بحر وراء (٢) ورئيسهم يومئذ ابن الكوّاء فلمّا كلّمهم وحاجّهم رجعوا وتابوا ؛ فقبل منهم. ثمّ قد رويتم عنه ـ صلوات الله عليه ـ أنّه كان يخطب النّاس على منبر الكوفة فحكمت عليه الخوارج من نواحى المسجد يقولون : لا حكم الاّ لله ؛ فقطع خطبته ثمّ أقبل عليهم فقال : حكم الله أنتظر فيكم كلمة حقّ يلتمس بها باطل (٣) أما انّ لكم عندنا يا معشر (٤) الخوارج ثلاثا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولن نقاتلكم حتّى تبدءونا ، ثمّ خرجوا عليه يوم النّهروان فخرج إليهم فحاجّهم فرجع منهم أقوام وتابوا ؛ فقبل توبتهم وكفّ عنهم ، وأبى الآخرون أن يتوبوا ؛ فقاتلوه ؛ فقتلهم أجمعين الاّ نفرا منهم يسيرا أصابهم جراحات فأتوه فتابوا ؛ فقبل منهم وخلّى سبيلهم.

فزعمتم فى روايتكم عن الحسن بن الحسن أنّه قال : إن أظفرنى (٥) الله بمن يخالفنى

__________________

(١) آية ٢٥ سورة الشورى.

(٢) قال ياقوت فى معجم البلدان : « حروراء بفتحتين وسكون الواو وراء أخرى والف ممدودة قرية بظاهر الكوفة وقيل : موضع على ميلين منها نزل به الخوارج الذين خالفوا على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ فنسبوا إليها. وقال ابن الانبارى : حروراء كورة. وقال أبو منصور : الحرورية منسوبة الى موضع بظاهر الكوفة نسبت إليه الحرورية من الخوارج وبها كان أول تحكيمهم واجتماعهم حين خالفوا عليه قال : ورأيت بالدهناء رملة وعثة يقال لها : رملة حروراء ».

(٣) كذا فى النسخ منكرا.

(٤) ح : « يا معاشر ».

(٥) مج : « ان ظفرنى ».

٤٧٤

فتاب من مخالفته قتلته ولم أقبل توبته ، والرّافضة عند الحسن بن الحسن ان كان قال هذا القول هم الّذين لا يرون قتال أحد من المسلمين الاّ مع إمام عدل عالم بما يأتى ويذر ؛ فان كان لا يقبل التّوبة من هؤلاء فهو والله منكم ومن توبتكم ان ظفر بكم أجدر أن لا يقبل لأنّكم الطّاعنون عليه والرّادّون لقوله وهو يرى سفك دمائكم ودماء أئمّتكم قربة الى الله واستباحة (١) أموالكم ، أما تسمعون الى قوله : وانّما الفضل فى القيام بأمر الله أى تجريد السّيف وقتل من خالفه ، ولو جعلتم للّذين تسمّونهم الرّافضة ما فى الارض من ذهب أو فضّة على أن يستحلّوا قتل رجل مسلم أو أخذ ماله ما استحلّوا ذلك الاّ مع امام مثل عليّ ـ صلوات الله عليه ـ فى علمه بما يأتى وما يذر ، وهو المهدىّ الّذي تروون أنّه يعدل بين النّاس ، فان كذبتم على الحسن أنّه قال : لا أقبل من مذنب توبة ؛ فقد كذبتم على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وكذبتم على أصحابه ، وإن كنتم صدقتم عليه فانّ الحسن بن الحسن رجل من أهل بيت رسول الله ـ (ص) ـ يخطئ ويصيب ليس هو بنبىّ ولا وصىّ نبىّ انّما هو رجل غضب فتكلّم فى غضبه بكلمة قد علم حين رضى أنّه قد أخطأ.

ثمّ ما رويتم عن أبى جعفر محمّد بن عليّ ـ صلوات الله عليه ـ أنّه قال : لو (٢) قد قام قائمنا بدأ بالّذين ينتحلون حبّنا ؛ فيضرب أعناقهم فانّما عناكم أبو جعفر بذلك لانّكم تنتحلون حبّهم وتزعمون أنّكم أنتم شيعتهم.

وانّما المنتحل الّذي ينتحل الشّيء وليس هو عليه وينسب نفسه إليه وليس هو منه ، فأمّا من خلصت مودّته لآل محمّد ـ عليهم‌السلام ـ ونيّته فصار بذلك عند العامّة مهجورا لا تقبل له شهادة ، ولا يزوّج إن خطب ، ولا يصلّى خلفه ، ولا يعاد إن مرض ، ولا يصلّى عليه إن مات ، وهو عند السّلطان مضروب ومحبوس ومقتول (٣) فاذا

__________________

(١) ج س ق مج مث : « واستباح ».

(٢) ج مج ق س : « انه لو ».

(٣) ح : « مضروب محبوس مقتول » ( من دون حرف عطف ).

٤٧٥

قام القائم (ع) [ على ما ] زعمتم بدأ بهم فقتلهم فهذا غير حكم الله وحكم رسوله فهذا ما تنسبون إليه آل رسول الله ـ عليهم‌السلام ـ وانّما تريدون بذلك عيبهم وتهجينهم وأنتم تروون أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال لعلىّ ـ عليه‌السلام ـ : يا عليّ أنت وشيعتك فى الجنّة ، وتروون عن أمّ سلمة زوج النّبيّ ـ رضى الله عنها ـ أنّها قالت : سمعت رسول الله ـ (ص) ـ يقول : شيعة عليّ هم الفائزون فالويل لمن كفر بالله ، أما ـ تعقلون ما تروون (١) وما تحكمون؟ هل يكون شيعة عليّ الاّ من تولاّه ، وعادى من عاداه ، وأطاع أمره ، ورضى بحكمه ، وتولّى صالح ولده ...!؟

فان زعمتم أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال له : إنّ قوما ينتحلون حبّك يقال لهم الرّافضة فان لقيتهم فاقتلهم فانّهم مشركون ؛ وآية ذلك أنّهم يسبّون أبا بكر وعمر (٢) فالويل لمن كفر بالله وكذب على رسول الله ، هل يشرك أحد بسبّ أحد أو يقتل أحد بسبّ أحد الاّ من سبّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ.

__________________

(١) س مج مث : « ترون ».

(٢) قال ابن حجر الهيتمى المكى فى الصواعق المحرقة فى المقدمة الاولى فيما قال :

« وأخرج الذهبى عن ابن عباس مرفوعا : يكون فى آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الاسلام فاقتلوهم فانهم مشركون. وأخرجه أيضا عن ابراهيم بن حسن بن حسين ابن على عن أبيه عن جده ـ رضى الله عنهم ـ : قال على بن أبى طالب : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : يظهر فى أمتى فى آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الاسلام. وأخرج الدارقطنى عن على عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال سيأتى من بعدى قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة فان أدركتهم فاقتلهم فانهم مشركون قال : قلت : يا رسول الله ما العلامة فيهم؟ قال يقرظونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف. وأخرجه عنه من طريق أخرى نحوه وكذلك من طريق اخرى وزاد عنه : ينتحلون حبنا أهل البيت وليسوا كذا وآية ذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر رضى الله عنهما. وأخرج أيضا من طرق عن فاطمة الزهراء وعن أم سلمة ـ رضى الله عنهما ـ نحوه قال : ولهذا الحديث عندنا طرق كثيرة.

٤٧٦

وتروون أنّ عبد الله بن سبأ اتى به الى عليّ بن أبى طالب (١) وشهدوا عليه أنّه يشتم أبا بكر وعمر فلم يقتله وسيّره الى المدائن ؛ فلو كان النّبيّ يقتل من سبّ أبا بكر وعمر هذا الّذي نسبتموه الى رسول الله خلاف حكم الله وأنتم تروون أنّه لا يقتل أحد (٢).

وروى شريك (٣) وغيره أن عمر أراد بيع أهل السّواد (٤) فقال عليّ ـ صلوات الله

__________________

(١) ج مج ق : « اتى به على ابن أبى طالب ».

(٢) فليعلم أن هنا سقطا ونقصا فى جميع النسخ الست وجعل فى ح ق س ج بياض حتى يكون علامة لذلك الا أن عبارة الكتاب حيث كانت مستقيمة مربوطا بعضها ببعض بحيث لم يكن مجال لاحتمال السقط والنقص فى نسخة م بنينا الامر على تلك النسخة وجرينا فى أمر التصحيح على ذلك وأول الموجود من تلك القسمة التى كانت فى تلك النسخ بعد النقص هذه العبارة « ويتوب الله على من تاب ولقد نزلت علينا سورة كنا نشبهها بالمسبحات » وهى التى أشار إليها المحدث النورى (ره) فى فصل الخطاب فى أوائل الدليل الثامن ( انظر ص ١٧٣ ) : « ه‍ ـ الشيخ الجليل فضل بن شاذان فى الايضاح فيما رواه عنهم وقد سقط من نسختى سطور وهذا لفظ الباقى : ويتوب الله على من تاب ولقد نزلت علينا سورة كنا نشبهها بالمسبحات ( فساق العبارة الى قوله ) فتسألون عنها يوم القيامة » ( انظر فى الكتاب مبحث القرآن ؛ ص ٢٢٨ ) وآخر الموجود من تلك القسمة المشار إليها المتصل بسقط آخر ونقص آخر هو « فلا طعن على رجل » وقد أشرنا إليه فى موضعه من ـ الكتاب هدانا الله واياكم الى الصواب.

(٣) ما قبل العبارة قد نقلناه فيما سبق لكونه فى نسخة م فى ذلك الموضع ( انظر ص ١٩٨ ).

(٤) قال الطريحى فى مجمع البحرين : « سواد الكوفة نخيلها وأشجارها ومثله سواد العراق سمى بذلك لخضرة أشجاره وزروعه ، حد طولا من حديثة الموصل الى

٤٧٧

عليه ـ انّ هذا مال أصبتموه ولم تصيبوا مثله فان بعتهم بقى من يدخل فى دين الله لا شيء له قال : فما أصنع؟ ـ قال : دعهم سكرة (١) للمسلمين فتركهم على أنّه عبيد.

__________________

عبادان وعرضا من العذيب الى حلوان وهو الّذي فتح على عهد عمر وهو أطول من العراق بخمسة وثلاثين فرسخا ؛ كذا نقلا عن المغرب وفى الحديث : سئل عن السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين » وقال ياقوت فى معجم البلدان : « السواد موضعان أحدهما ـ نواحى قرب البلقاء سميت بذلك لسواد حجارتها فيما أحسب. والثانى ـ يراد به رستاق العراق وضياعها التى افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ سمى بذلك لسواده بالزروع والنخيل والاشجار لانه حين تاخم جزيرة العرب التى لا زرع فيها ولا شجر كانوا اذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزرع والاشجار فيسمونه سوادا كما اذا رأيت شيئا من بعد قلت : ما ذلك السواد؟ وهم يسمون الاخضر سوادا والسواد أخضر ( الى أن قال ) وحد السواد من حديثة الموصل طولا الى عبادان ومن العذيب بالقادسية الى حلوان عرضا فيكون طوله مائة وستين فرسخا وأما العراق فى العرف فطوله يقصر عن طول السواد وعرضه مستوعب لعرض السواد لان أول العراق ( فخاض فى بيانه الى ان قال ) وقال الاصمعى : السواد سوادان سواد البصرة دستميسان والاهواز وفارس ، وسواد الكوفة كسكر الى الزاب وحلوان الى القادسية ... ( الى آخر ما ذكره فمن أراده فليراجع كتابه ».

__________________

(١) كذا ولم أظفر بالحديث فى مورد آخر حتى أصححه فيمكن أن تكون الكلمة مما ذكره ابن منظور فى لسان العرب بما نصه : « وسكر النهر يسكره سكرا سدّ فاه وكل شق سد فقد سكر ، والسكر ما سد به والسكر سد الشق ومنفجر الماء ، والسكر اسم ذلك السداد الّذي يجعل سدا للشيء ونحوه وفى الحديث انه قال للمستحاضة لما شكت إليه كثرة الدم : اسكريه اى سديه بخرقة وشديه بعصابة تشبيها بسكر الماء » فيراد منه دعهم حتى يكونوا سكرة للمسلمين أى وسيلة تسد خللهم وتزيح علتهم وأنت خبير بأن القلب لا يطمئن بهذا المعنى

٤٧٨

ثمّ قال ـ صلوات الله عليه ـ : فمن أسلم منهم فنصيبى منه حرام.

__________________

الا أن العلماء قد نقلوا هنا أحاديث يستفاد منها معنى الكلمة تقريبا فقال البلاذرى فى فتوح البلدان تحت عنوان « يوم جلولاء الوقيعة » ضمن ما نقله : « حدثنى الحسين بن الاسود قال : حدثنا يحيى بن آدم عن اسرائيل عن أبى اسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر بن الخطاب أراد قسمة السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجد الرجل منهم نصيبه ثلاثة من الفلاحين فشاور أصحاب رسول الله (ص) فى ذلك فقال على : دعهم يكونوا مادة للمسلمين ، فبعث عثمان بن حنيف الانصارى فوضع عليه ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنى عشر ». وقال ياقوت فى معجم البلدان تحت عنوان « السواد » ضمن ما قال : « وقيل : أراد عمر قسمة السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجدوا الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين فشاور أصحاب رسول الله (ص) فى ذلك فقال على (رض) : دعهم يكونوا مادة للمسلمين ، فبعث عثمان بن حنيف الانصارى فمسح الارض ووضع الخراج ووضع على رءوسهم ما بين ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين درهما واثنى عشر درهما ، وشرط عليهم ضيافة المسلمين وشيئا من بر وعسل ووجد السواد ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا » وقال البلاذرى فى فتوح البلدان تحت عنوان « جلولاء الوقيعة » ما نصه : « حدثنى الحسين بن الاسود قال : حدثنى يحيى بن آدم قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى ـ حبيب قال : كتب عمر بن الخطاب الى سعد بن أبى وقاص حين فتح السواد أما بعد فقد بلغنى كتابك تذكر أن الناس سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء الله عليهم فاذا أتاك كتابى فانظر ما أجلب عليه أهل العسكر بخيلهم أو ركابهم من مال أو كراع فاقسمه بينهم بعد الخمس واترك الارض والانهار لعمالها ليكون ذلك فى أعطيات المسلمين فانك ان قسمتها بين من حضر لم يكن لمن يبقى بعدهم شيء » وقال ياقوت فى معجم البلدان : « قالوا : وكتب عمر بن الخطاب الى سعد بن الوقاص ( فذكر الحديث مثله ) ». وقال ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة ضمن ذكره الطعن العاشر من المطاعن التى طعن بها على عمر وهو

٤٧٩

و (١) أنتم اليوم تدعون لهم المواشى وتقولون : لا صدقة عليها وانّما مال المملوك لمولاه ؛ وله من الغنم والبقر والطّعام والحمير ما ليس للمسلمين لا ترون (٢) عليهم أكثر من

__________________

(١) حرف العطف فى ح فقط.

(٢) غير ح : « لا تردون » ( بالدال مضارعا من رد المضاعف ).

__________________

قولهم انه أبدع فى الدين ما لا يجوز كالتراويح وما عمله فى الخراج الّذي وضعه على السواد وفى ترتيب الجزية ( انظر آخر الجزء الثاني عشر المنطبق على ص ١٨٠ من المجلد الثالث من طبعة مصر سنة ١٣٢٩ ) : « فأما حديث الخراج فقد ذكره أرباب علم الخراج والكتاب وذكره الفقهاء أيضا فى كتبهم وذكره أرباب السيرة وأصحاب التاريخ قال قدامة ابن جعفر فى كتاب الخراج : اختلف الفقهاء فى أرض العنوة فقال بعضهم : تخمس ثم تقسم أربعة أخماس على الذين افتتحوها ، وقال بعضهم : ذلك الى الامام ان رأى ان يجعلها غنيمة ليخمسها ويقسم الباقى كما فعل رسول الله (ص) بخيبر فذلك إليه ، وان رأى أن يجعلها فيئا فلا يخمسها ولا يقسمها بل تكون موقوفة على سائر المسلمين كما فعل عمر بأرض السواد وأرض مصر وغيرهما مما افتتحوا عنوة ( الى آخر كلامه الطويل الذيل فمن أراده فليراجع الكتاب المذكور ) ».

أقول : البسط فى المطلب والخوض فى بيانه على سبيل الاستيفاء يقتضي تأليف كتاب مستقل لان المسألة من المسائل التى هى معركة للآراء فمن أراد البحث عنه فليراجع كتاب المغنى للقاضى عبد الجبار فان علم الهدى (ره) قال فى الشافى ( ص ٢٦١ من النسخة المطبوعة ) : « قال صاحب الكتاب ( ويريد به القاضى المذكور ) : شبهة اخرى لهم وربما قالوا : انه أبدع فى الدين ما لا يجوز كالتراويح وما عمله فى الخراج الّذي وضعه على السواد وفى ترتيب الجزية وكل ذلك مخالف للقرآن والسنة ( الى آخر الكلام ) وخاض القاضى والسيد كل فى اثبات مدعاه ونقض خلافه وكذا خاض فى البحث عنه شيخ الطائفة فى تلخيص الشافى ( انظر آخر مطاعن

٤٨٠