الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

ذكر الرّجعة (١)

ورأيناكم عبتم عليهم شيئا تروونه من وجوه كثيرة عن علمائكم وتؤمنون به وتصدّقونه ؛ ونحن مفسّرون ذلك لكم من أحاديثكم بما لا يمكنكم دفعه ولا جحوده.

__________________

وفاة أبى فقيل : توفى سنة اثنتين وعشرين فى خلافة عمر وقيل : سنة ثلاثين فى خلافة عثمان قال : وهو الصحيح لان زر بن حبيش لقيه فى خلافة عثمان ( الى آخر ما قال ) » وأما بناء على ما قال ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة أبى : « قال أبو عمر : مات أبى بن كعب فى خلافة عمر بن الخطاب قيل : سنة تسع عشر وقيل : سنة عشرين وقيل : سنة اثنتين وعشرين وقال على بن المدينى : مات العباس وأبو سفيان بن حرب وأبى بن كعب قريبا بعضهم من بعض فى صدر خلافة عثمان والاكثر على أنه مات فى خلافة عمر » فلا تستقيم الا بتكلف وتجشم لان أواخر خلافة عثمان كانت زمان اعتراض أمثال أبى على عثمان وأما زمان عمر فلم يكن الوضع مقتضيا لامثال هذه الاعتراضات مع مؤيدات أخرى لذلك لا يسع المقام ذكرها.

__________________

(١) قال الطريحى (ره) فى مجمع البحرين : « والرجعة بالفتح هى المرة فى الرجوع بعد الموت بعد ظهور المهدى ـ عليه‌السلام ـ وهى من ضروريات مذهب الامامية وعليها من الشواهد القرآنية وأحاديث أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ ما هو أشهر من أن يذكر حتى أنه ورد عنهم ـ عليهم‌السلام : من لم يؤمن برجعتنا ولم يقر بمتعتنا فليس منا ؛ وقد أنكرها الجمهور حتى قال فى النهاية : الرجعة مذهب قوم من العرب فى الجاهلية وطائفة من فرق المسلمين وأهل البدع والاهواء ومن جملتهم طائفة من الرافضة. وفلان يؤمن بالرجعة اى بالرجوع الى الدنيا بعد الموت وأما الرجعة بعد الطلاق فتقرأ بالفتح والكسر على المرة والحالة ، وبعضهم يقتصر فيها على الفتح قال فى المصباح : وهو الاصح ».

فليعلم أن الرجعة من العقائد الثابتة الحقة عند الفرقة الناجية أعنى الشيعة الامامية الاثنى عشرية كما صرح بها الطريحى (ره) فيما نقلنا من كلامه ولعلمائهم رضوان الله عليهم

٣٨١

من ذلك ما رويتم عن ابراهيم بن موسى الفرّاء (١) عن ابن المبارك (٢) عن اسماعيل

__________________

فى ذلك رسائل وكتب لا يسع المقام ذكر أساميها فمن أراد البحث عن ذلك فيطلبها وليراجعها الا أن فى المراجعة لباب الرجعة من المجلد الثالث عشر للبحار أو رسالة الرجعة للمجلسى (ره) او كتاب حق اليقين له او كتاب الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملى (ره) كفاية للمكتفى وحسبك فى الدلالة على أهمية هذا الموضوع عند الشيعة الامامية أن للمصنف (ره) وهو أحد علمائهم كتابين فى ذلك الامر واثباته بل ثلاثة كتب قال الشيخ الحر العاملي (ره) فى كتاب الايقاظ من ـ الهجعة بالبرهان على الرجعة فى الباب الثانى الّذي هو فى الاستدلال على صحة الرجعة وامكانها ووقوعها ( انظر ص ٦٢ ـ ٦٣ من طبعة قم سنة ١٣٨١ ) : « وقال النجاشى أيضا : الفضل بن شاذان كان ثقة أجل أصحابنا الفقهاء والمتكلمين وله جلالة فى هذه الطائفة وهو فى فضله أشهر من أن نصفه وذكر الكجّيّ أنه صنف مائة وثمانين كتابا وقع إلينا منها كتاب النقض على الاسكافى ( الى ان قال ) كتاب اثبات الرجعة ، كتاب الرجعة ، كتاب حذو النعل بالنعل ( الظاهر أنه فى مشابهة أحوال هذه الامة لاحوال بنى اسرائيل فى الرجعة وغيرها وقد ألف الراوندى كتابا مختصرا فى ذلك وجعله ملحقا بكتاب الخرائج والجرائح منه رحمه‌الله ( انتهى ) ». وقال الشيخ الطوسى فى الفهرست : « الفضل بن شاذان متكلم جليل القدر له كتب منها كتاب الفرائض ( الى ان قال ) كتاب فى اثبات ـ الرجعة ( انتهى ) » وروى الكشى فى مدحه وجلالته أحاديث بليغة تدل على صحة اعتقاداته والاعتماد على مؤلفاته فانظر الى هذا الشيخ الّذي هو أجل علماء الشيعة ومصنفيهم قد صنف كتابين فى اثبات الرجعة بل ثلاثة فكيف اذا انضم إليه غيره؟! ( انتهى ما أردنا نقله من كلام الشيخ الحر العاملى رحمه‌الله تعالى ) ».

أقول : لى أيضا تأسيا بعلمائنا ـ رضى الله عنهم وأرضاهم وجعل الجنة مسكنهم ومأواهم ـ فى موضوع الرجعة كتاب ممتع يسمى بالايمان والرجعة الا أنه لم يتم ، وفقنا الله لاتمامه بحوله وقوته وفضله ورحمته.

__________________

(١) قال ابن حجر فى تقريب التهذيب : « ابراهيم بن موسى بن يزيد التميمى أبو اسحاق

٣٨٢

[ (١) بن أبى خالد قال : جاء يزيد بن النّعمان بن بشير الى حلقة القاسم بن عبد الرّحمن بكتاب أبيه النّعمان بن بشير الى أمّ عبد الله بنت أبى هاشم ـ يعنى الى أمّه ـ بسم الله الرّحمن الرّحيم من النّعمان بن بشير الى أمّ عبد الله بنت أبى هاشم سلام عليك فانّى أحمد أليك الله الّذي لا إله الاّ هو ( أمّا بعد (٢) ) فانّك كتبت إليّ لأكتب أليك بشأن زيد بن خارجة (٣) ] وأنّه كان من أمره (٤) أنّه أخذه وجع فى كتفه (٥) وهو يومئذ من أصحّ (٦) أهل

__________________

الفراء الرازى يلقب بالصغير ثقة حافظ من العاشرة مات بعد العشرين ومائتين / ع » ويريد برمز « ع » أنه ممن أخرج حديثه فى جميع الاصول الستة.

(٢) قال ابن حجر فى تقريب التهذيب فى باب الكنى : « ابن المبارك هو عبد الله مشهور » وقال فى ترجمته : « عبد الله بن المبارك المروزى مولى بنى حنظلة ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير من الثامنة مات سنة احدى وثمانين وله ثلاث وستون / ع » يريد بالرمز أنه ممن أخرج حديثه فى الاصول الستة.

__________________

(١) ما بين المعقفتين من البداية والنهاية لابن كثير وبدله فى الاصل : « عن ... قال : كتب النعمان بن بشير الى عبد الله بن رواحة فكتب إليه أما بعد فانك كتبت الى تذكر شأن زيد بن حارثة » وبدل التقاط بياض على قدر كلمة.

(٢) « أما بعد » ليس فى تاريخ ابن كثير.

(٣) فى الاصل : « حارثة ».

(٤) فى تاريخ ابن كثير : « من شأنه ».

(٥) فى تاريخ ابن كثير : « فى حلقه ».

أما القصة فقال ابن عبد البر فى الاستيعاب ( ص ١٩٢ من طبعة حيدرآباد ) : « زيد بن خارجة بن أبى زهير بن مالك من بنى الحارث بن الخزرج روى عن النبي (ص) فى الصلاة عليه (ص) وهو الّذي تكلم بعد الموت لا يختلفون فى ذلك وذلك أنه غشى عليه قبل موته وأسرى بروحه فسجى عليه بثوبه ثم راجعته نفسه فتكلم بكلام

٣٨٣

__________________

حفظ عنه فى أبى بكر وعمر وعثمان ـ رضى الله عنهم ـ ثم مات من حينه ، روى حديثه هذا ثقات الشاميين عن النعمان بن بشير ورواه ثقات الكوفيين عن يزيد بن النعمان بن بشير عن أبيه ، ورواه يحيى بن سعيد الانصارى عن سعيد بن المسيب.

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : أخبرنا اسماعيل بن محمد قال : أخبرنا اسماعيل بن اسحاق قال : أخبرنا على بن المدينى قال : أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال : أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الانصارى ثم من بنى الحارث بن الخزرج توفى زمن عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ فسجى بثوب ثم انهم سمعوا جلجلة فى صدره ثم تكلم فقال : أحمد أحمد فى الكتاب الاول ، صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف فى نفسه القوى فى أمر الله كان ذلك فى الكتاب الاول ، صدق صدق عمر بن الخطاب القوى الامين فى الكتاب الاول ، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع سنين وبقيت اثنتان ، أتت الفتن ، وأكل الشديد الضعيف ، وقامت الساعة وسيأتيكم خبر بئر أريس وما بئر أريس. قال يحيى بن سعيد : ثم هلك رجل من بنى خطمة فسجى بثوب فسمعوا جلجلة فى صدره ثم تكلم فقال : ان أخا بنى الحارث بن الخزرج صدق صدق. وكانت وفاته فى خلافة عثمان ـ رضى الله عنه ـ وقد عرض مثل قصته لاخى ربعى بن حراش أيضا ».

وقال ابن كثير فى البداية والنهاية تحت عنوان « قصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت وشهادته بالرسالة لمحمد (ص) وبالخلافة لابى بكر الصديق ثم لعمر ثم لعثمان رضى الله عنهم » : ما نصه ( ج ٦ ؛ ص ١٥٦ ) :

« قال الحافظ أبو بكر البيهقى : أنا أبو صالح بن أبى طاهر العنبرى ، أنا جدى يحيى بن منصور القاضى ، حدثنا أبو على بن محمد بن عمرو بن كشمرد ، أنا القعنبى ، أنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الانصارى ثم من بنى الحارث بن الخزرج توفى زمن عثمان ( فذكر القصة الى آخرها أعنى الى قوله : ان أخا بنى الحارث بن الخزرج صدق صدق ) وقال : ثم رواه البيهقى عن الحاكم عن أبى بكر بن اسحاق عن موسى بن الحسن عن القعنبى فذكره وقال : هذا اسناد صحيح وله شواهد ».

٣٨٤

المدينة حالا فى نفسه فمات فأتانى آت وأنا أسبّح بعد المغرب فقال لى : انّ زيدا تكلّم بعد وفاته ؛ فجئته وقد حضره ناس وهو يقول :

الأوسط أجلد القوم كان يمنع النّاس أن يأكل قويّهم ضعيفهم عبد الله عمر أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك فى الكتاب الأوّل.

ثمّ قال :

عثمان أمير المؤمنين تعانى النّاس ديون كثيرة (١) خلت اثنتان وبقيت أربعة فانّكم على منهاج عثمان ؛ من تولاّه فلا يهدرنّ دما كان أمر الله قدرا مقدورا ، وهذه الجنّة وهذه

__________________

وقال ابن الاثير فى أسد الغابة ضمن ترجمة زيد بن خارجة :

« وهذا زيد هو الّذي تكلم بعد الموت فى أكثر الروايات وهو الصحيح ، وقيل : ان الّذي تكلم بعد الموت أبوه خارجة ؛ وليس بصحيح فان المشهور فى أبيه أنه قتل يوم أحد وقد ذكرناه. وأما كلام زيد فانه أغمى عليه قبل موته فظنوه ميتا فسجوا عليه ثوبه ثم راجعته نفسه فتكلم بكلام حفظ عنه فى أبى بكر وعمر وعثمان ـ رضى الله عنهم ـ ثم مات ».

(٦) فى الاصل : « أصلح ».

__________________

(١) كذا في الاصل صريحا وفى تاريخ ابن كثير كما يأتى : « وهو يعافى الناس من ذنوب كثيرة » فلو كانت العبارة : « تعانى الناس ديونا كثيرة » لكان المعنى مستقيما بلا تكلف من قولهم : « هو يعانى الشدائد » أى يقاسيها ويكابدها ويعالجها والعبارة فى حديث آخر « يعفو عن ذنوب كثيرة » فلننقل الحديث ، قال السيوطى فى شرح الصدور بشرح حال ـ الموتى والقبور فى باب « زيارة القبور وعلم الموتى بزوارهم ورؤيتهم لهم » ضمن نقله القصة بما وجدها فى الكتب المعتبرة بعباراتها المختلفة ما نصه ( ص ١٤٩ من طبعة الهند ) : « وقال الطبرانى فى الكبير : حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقى ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عمر بن هانى ان النعمان بن بشير حدثه

٣٨٥

__________________

قال : مات رجل منا يقال له زيد بن خارجة بن زيد فسجيناه بثوب وقمت أصلي اذ سمعت ضوضاة فانصرفت فاذا أنا به يتحرك فقال : أجلد القوم أوسطهم عبد الله عمر أمير المؤمنين القوى فى جسمه القوى فى أمر الله ، عثمان أمير المؤمنين العفيف المتعفف الّذي يعفو عن ذنوب كثيرة خلت ليلتان وبقيت أربع واختلف الناس فلا نظام لهم ، يا أيها ـ الناس أقبلوا على إمامكم واسمعوا له وأطيعوا ، هذا رسول الله وابن رواحة ثم قال : وما فعل زيد بن خارجة؟ يعنى أباه ثم قال : أخذت بئر أريس ظلما ثم خفت الصوت ، أخرجه ابن عساكر ».

وقال الحافظ نور الدين على بن أبى بكر الهيثمى فى مجمع الزوائد فى باب الخلفاء الاربعة من كتاب الخلافة ( ج ٥ ؛ ص ١٧٩ ـ ١٨٠ ) ما نصه :

« وعن النعمان بن بشير قال : بينما زيد بن خارجة يمشى فى بعض طرق المدنية اذخر ميتا بين الظهر والعصر فنقل الى أهله وسجى بين ثوبين وكساء فلما كان بين المغرب والعشاء اجتمعن نسوة من الانصار فصرخوا حوله اذ سمعوا صوتا من تحت الكساء يقول : أنصتوا أيها الناس ؛ مرتين ، فحسر عن وجهه وصدره فقال : محمد رسول الله (ص) النبي الامين كان ذلك فى الكتاب ثم قيل على لسانه : صدق صدق أبو بكر الصديق خليفة رسول الله (ص) القوى الامين كان ضعيفا فى بدنه قويا فى أمر الله ؛ كان ذلك فى الكتاب الاول ، ثم قيل على لسانه : صدق صدق ثلاثا ، والاوسط عبد الله أمير المؤمنين رضى الله عنه الّذي كان لا يخاف فى الله لومة لائم ؛ وكان يمنع الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم ؛ كان ذلك فى الكتاب الاول ، ثم قيل على لسانه : صدق صدق ثم قال : عثمان أمير المؤمنين رحيم بالمؤمنين خلت اثنتان وبقى أربع واختلف الناس فلا نظام لهم وانتحبت الاجماء يعنى تنتهك المحارم ودنت الساعة وأكل الناس بعضهم بعضا.

وفى رواية عن النعمان بن بشير قال :

لما توفى زيد بن خارجة انتظرت خروج عثمان فقلت : يصلى ركعتين فكشف الثوب عن وجهه فقال : السلام عليكم ، السلام عليكم ، وأهل البيت يتكلمون قال : فقلت وأنا فى الصلاة : سبحان الله ، سبحان الله ، فقال : أنصتوا أنصتوا.

والباقى بنحوه ؛ رواه كله الطبرانى فى الكبير والاوسط باختصار كثير باسنادين ورجال أحدهما فى الكبير ثقات ».

٣٨٦

النّار يقول النّبيّون والصّدّيقون : يا عبد الله بن عمر ما فعل سعد وخارجة؟ وكانا قتلا يوم احد ( كَلاَّ إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى ) (١) ثمّ خفت الصّوت.

__________________

(١) آيتان من سورة المعارج ( آية ١٥ ـ ١٦ ).

حيث ان القصة نقلت بعبارات مختلفة ومن أحسن موارد نقلها من جهة الجامعية للفوائد تاريخ ابن كثير فالاولى أن ننقل القصة بعبارة نقلها هو فى تاريخه حتى يتبن معنى ما فى المتن كما هو حقه فنقول :

قال ابن كثير فى البداية والنهاية ( ج ٦ ؛ ص ١٥٦ ـ ١٥٨ )

بعد ذكره ما نقلناه عنه آنفا ( ص ٣٨٤ من هذا الكتاب )

من نقل قول البيهقى : « وهذا اسناد صحيح وله شواهد » ما نصه :

« ثم ساقه ( ى البيهقى ) من طريق أبى بكر عبد الله بن أبى الدنيا فى كتاب من عاش بعد الموت :

حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس حدثنا عبد الله بن ادريس عن اسماعيل بن أبى ـ خالد قال : جاء يزيد بن النعمان بن بشير الى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير ـ يعنى الى أمه ـ :

بسم الله الرحمن الرحيم من النعمان بن بشير الى أم عبد الله بنت أبى هاشم سلام عليك فانى أحمد أليك الله الّذي لا إله هو فانك كتبت الى لاكتب أليك بشأن زيد بن خارجة وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع فى حلقه وهو يومئذ من أصح الناس أو أهل المدينة ـ فتوفى بين صلاة الاولى وصلاة العصر فأضجعناه لظهره وغشيناه ببردين وكساء فأتانى آت فى مقامى وأنا أسبح بعد المغرب فقال : ان زيدا قد تكلم بعد وفاته فانصرفت إليه مسرعا وقد حضره قوم من الانصار وهو يقول او يقال على لسانه : الاوسط أجلد الثلاثة الّذي كان لا يبالى فى الله لومة لائم ، كان لا يأمر الناس ان يأكل قويهم ضعيفهم ، عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك فى الكتاب الاول ، ثم قال : عثمان أمير المؤمنين وهو يعافى الناس من ذنوب كثيرة ؛ خلت اثنتان وبقى أربع ، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا فلا نظام وانتجت الا كما ، ثم ارعوى المؤمنين ( فى الهامش : كذا بالاصول التى بأيدينا ولعلها : المؤمنون )

٣٨٧

فسألت القوم عمّا سبق من كلامه قبل أن ألحقه.

قالوا : انّه مات فغمضناه فاستوى جالسا فقال :

محمّد رسول الله ؛ السّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته وقال : أبو بكر

__________________

وقال : كتاب الله وقدره ، أيها الناس أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا ، فمن تولى فلا يعهدن دما وكان أمر الله قدرا مقدورا ، الله أكبر هذه الجنة وهذه النار ، ويقول النبيون والصديقون : سلام عليكم ، يا عبد الله بن رواحة هل أحسست لى خارجة لابيه وسعدا الذين قتلا يوم أحد ( كلا انها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى ) ثم خفت صوته.

فسألت الرهط عما سبقنى من كلامه فقالوا :

سمعناه يقول : أنصتوا أنصتوا ، فنظر بعضنا الى بعض فاذا الصوت من تحت الثياب ، قال : فكشفنا عن وجهه فقال : هذا أحمد رسول الله سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم قال : أبو بكر الصديق الامين خليفة رسول الله كان ضعيفا فى جسمه قويا فى أمر الله صدق صدق وكان فى الكتاب الاول.

ثم رواه الحافظ البيهقى عن أبى نصر بن قتادة عن أبى عمرو بن بجير عن على بن الحسين عن المعافى بن سليمان عن زهير بن معاوية عن اسماعيل بن أبى خالد فذكره وقال هذا اسناد صحيح. [ وقد روى هشام بن عمار فى كتاب البعث عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثنى عمير بن هانى حدثنى النعمان بن بشير قال : توفى رجل منا يقال له خارجة بن زيد فسجينا عليه ثوبا فذكر نحو ما تقدم ].

قال البيهقى : وروى ذلك عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير وذكر بئر أريس كما ذكرنا فى رواية ابن المسيب. قال البيهقى : والامر فيها أن النبي ( صلعم ) اتخذ خاتما فكان فى يده ثم كان فى يد أبى بكر من بعده ثم كان فى يد عمر ثم كان فى يد عثمان حتى وقع منه فى بئر أريس بعد ما مضى من خلافته ست ستين فعند ذلك تغيرت عماله وظهرت أسباب الفتن كما قيل على لسان زيد بن خارجة.

قلت : وهى المرادة من قوله : مضت اثنتان وبقى أربع ، أو مضت أربع وبقى اثنتان ؛

٣٨٨

الصّدّيق كان ضعيفا فى جسمه قويّا فى [ أمر ] الله ؛ صدق صدق كان ذلك فى الكتاب الاوّل.

ورويتم عن يزيد بن الحباب (١) عن يحيى بن سعيد الأنصارىّ عن أنس بن مالك : قال : لمّا مات زيد بن خارجة (٢) نافست (٣) الأنصار فى غسله حتّى كان بينهم منازعة ثمّ

__________________

على اختلاف الرواية والله أعلم.

وقد قال البخارى فى التاريخ : زيد بن خارجة الخزرجى الانصارى شهد بدرا ، توفى زمن عثمان وهو الّذي تكلم بعد الموت. قال البيهقى : وقد روى فى التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة ؛ والله أعلم.

قال ابن أبى الدنيا : حدثنا خلف بن هشام البزار ، حدثنا خالد الطحان عن حصين عن عبد الله بن عبيد الانصارى أن رجلا من بنى سلمة تكلم فقال : محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق ، عثمان اللين الرحيم ، قال : ولا أدرى ايش قال فى عمر ، كذا رواه ابن أبى الدنيا فى كتابه.

وقد قال الحافظ البيهقى : أخبرنا أبو سعيد بن أبى عمرو ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا يحيى بن أبى طالب أنبأنا على بن عاصم أنبأنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبيد الانصارى قال : بينما هم يثورون القتلى يوم صفين او يوم الجمل اذ تكلم رجل من الانصار من القتلى فقال : محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق ، عمر الشهيد ، عثمان الرحيم ثم سكت.

[ وقال هشام بن عمار فى كتاب البعث ... ] ».

أقول : نقل السيوطى فى شرح الصدور فى « باب زيارة القبور وعلم الموتى بزوارهم ورؤيتهم لهم » أمثال ما نقله ابن كثير فى تاريخه فمن أراد البحث عن المطلب أكثر مما خضنا فيه فليراجع مظان التفصيل فان المقام لا يسع أكثر من ذلك.

__________________

(١) كذا فى الاصل صريحا ولم أجده فيما عندى من كتب الرجال.

٣٨٩

استقام رأيهم على أن يغسّله الغسلتين الأوّلتين الّذين كانوا يلون (١) غسله ثمّ يدخل عليه من كلّ فخذ سيّدها فيصبّون [ عليه ] الماء صبّة واحدة يعنى فى الغسلة الثّالثة قال أنس : فأدخلت فيمن دخل فلمّا ذهبنا لنصبّ عليه الماء تكلّم فقال : مضت اثنتان (٢) وبقيت أربع يأكل غنيّهم فقيرهم فارضوا لرضاهم لكم (٣) أبو بكر الصّدّيق ليّن رحيم بالمؤمنين ، عمر شديد على الكفّار لا يأخذه فى الله لومة لائم ، عثمان ليّن رحيم فاسمعوا له وأطيعوا فانّكم على منهاج عثمان.

ثمّ خمد صوته فاذا اللّسان يتحرّك والجسد ميّت (٤).

_________________

٢ ـ فى الاصل : « زيد بن حارثة » ولا يستقيم بوجه فان زيد بن حارثة قد استشهد فى غزوة موتة باتفاق من أهل التاريخ والسير مضافا الى أن آخر القصة يشهد أن المراد زيد بن خارجة المتكلم بعد الموت على زعمهم.

ويؤيد ذلك بل يعينه ما نقله السيوطى فى شرح الصدور فى أواخر باب زيارة القبور وعلم الموتى بزوارهم ورؤيتهم لهم ( ص ١٤٩ من طبعة الهند ) بهذه العبارة :

« وأخرج ابن عساكر عن أنس قال : لما مات زيد بن خارجة دخلنا عليه نغسله فلما ذهبنا نصب عليه تكلم فقال : مضت ثنتان وغير أربع فأكل غنيهم فقيرهم فانفضوا لا نظام لهم ، أبو بكر لين رحيم بالمؤمنين ، وعمر شديد على الكفار لا يخاف فى الله لومة لائم ، وعثمان لين رحيم بالمؤمنين وأنتم على منهاج عثمان فاسمعوا وأطيعوا ؛ ثم خفت صوته فاذا اللسان يتحرك واذا الجسد ميت ».

٣ ـ فى الاصل : « نفست ».

__________________

(١) فى الاصل : « يكون » ؛ يقال : « ولى الامر اذا قام به ».

(٢) فى الاصل : « اثنان ».

(٣) فى الاصل : « فارضوا لارضائهن لكم ».

(٤) فى الاصل : « فاذا الجسد واللسان ميت ».

٣٩٠

[ (١) ورويتم عن اسماعيل بن أبى خالد عن عبد الملك بن عمير عن ربعى بن حراش (٢) قال : كنّا أربع (٣) إخوة ] [ وكان الرّبيع أخونا أصومنا فى اليوم (٤) الحارّ وأطولنا صلاة (٥) فخرجت فقيل لى : انّه قد مات ؛ فاسترجعت (٦) ثمّ رجعت حتّى دخلت عليه

__________________

(١) فليعلم أن هذه العبارة التى بين المعقفتين أعنى : « ورويتم عن اسماعيل بن أبى خالد عن عبد الملك بن عمير عن ربعى بن حراش قال : كنا أربع اخوة » من اضافاتنا على الكتاب وذلك لما ستعلم أن هذا صدر الحديث المنقول فى المتن بشهادة الكتب التى روى فيها الحديث.

(٢) قال الجوهرى فى الصحاح فى فصل الحاء المهملة من باب الشين : « والحرش الاثر والجمع الحراش ومنه ربعى بن حراش ولا تقل خراش ( اى بالخاء المعجمة ) » وقال الفيروزآبادى فى القاموس : « والحرش الاثر والجماعة ج حراش وربعى والربيع ومسعود بنو حراش ككتاب تابعيون » وقال ابن حجر فى التقريب : « ربعى بن حراش بكسر المهملة وآخره معجمة أبو مريم العبسى الكوفى ثقة عابد مخضرم من الثانية مات سنة مائة وقيل : غير ذلك / ع ( أى هو ممن أخرج حديثه فى جميع الاصول الستة ) ».

(٣) هذا التعبير بناء على ما فى غالب الروايات وفى بعضها « ثلاث » كما يتضح لك ذلك بنقلنا هنا طرفا منها.

(٤) ح : « فى النهار ».

(٥) فليعلم أنا قد ذكرنا فيما تقدم من تعليقات الكتاب ( انظر ص ١٧٩ ) أن بعد قول المصنف (ره) : « ورويتم أنه رأى أن يجعل الخمس الّذي أمر الله به فى » فى نسخ ج ح س ق مج مث ضياعا وسقطا ولذا تركت الكتاب والمنتسخون هنا بياضا حتى يكون أمارة لهذا السقط والضياع وعلامة لذلك التلف الموجب للاسف حتى أن بعضهم ككاتب نسخة مكتبة المشهد المقدس الرضوى التى جعلنا حرف « ق » رمزا لها صرح فى هامش الورقة بهذا المطلب بهذه العبارة « قد سقط شيء هناك لم نعرف قدره » فبعد البياض فى النسخ المشار إليها هذه العبارة : « وكان أصومنا فى اليوم الحار وأطولنا صلاة » الى آخر ما يأتى فى المتن فما ذكرناه فى خلال ذلك أى أثناء القسمتين الموجودتين من تلك النسخ فهو مأخوذ من الموارد المختلفة

٣٩١

__________________

من هذه النسخ وقد جعلنا الملاك فى التصحيح نسخة م لعدم سقوط شيء منها فى هذا الموضع وفى جميع هذه الموارد قد أشرنا الى الاختلاف فتفطن.

فينبغى أن نشير هنا الى أمرين ؛ أحدهما ـ أن ما بين المعقفتين أعنى من قوله « وأصومنا فى اليوم الحار وأطولنا صلاة » الى ما يأتى بعد ذلك من قوله : « وأنتم تنحلون الشيعة ذلك جرأة على الله وقلة رعة وقلة حياء لا تبالون ما قلتم » ليس فى نسخة م بل هو فى نسخ ج ح س ق مج مث. وثانيهما ـ ينبغى أن نذكر ما يدل على أن ما أضفنا على المتن أعنى « ورويتم عن اسماعيل » الى « وكنا أربع اخوة » فهو صحيح قد ضاع وسقط من الكتاب فنقول قال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهانى فى حلية الاولياء

( ج ٤ من النسخة المطبوعة بمصر سنة ١٣٥٤ ؛ ص ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ) :

« ربعى بن خراش ـ قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ : ومنهم المفارق للبزة والرياش ، المهاجر للوطاء والفراش ، العابد العبسى ربعى بن خراش ؛ حدثنا القاضى أبو أحمد محمد بن أحمد بن ابراهيم ، حدثنا على بن العباس البجلي ، حدثنا جعفر بن محمد بن رباح الاشجعى حدثنى أبى عن عبيدة عن عبد الملك بن عمير عن ربعى بن خراش قال : كنا أربع اخوة وكان الربيع أخونا أكثرنا صلاة وأكثرنا صياما فى الهواجر وأنه توفى فبينا نحن حوله وقد بعثنا من يبتاع لنا كفتا اذ كشف الثوب عن وجهه فقال : السلام عليكم ، فقال القوم : وعليكم السلام يا أخا بنى عبس أبعد الموت؟ قال : نعم انى لقيت ربى عز وجل بعدكم فلقيت ربا غير غضبان واستقبلنى بروح وريحان واستبرق ، ألا وان أبا القاسم ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ينتظر الصلاة على فعجلونى ولا تؤخرونى ، ثم كان بمنزلة حصاة رمى بها فى طست فنمى الحديث الى عائشة ـ رضى الله عنها ـ فقالت : أما انى سمعت رسول الله (ص) يقول : يتكلم رجل من أمتى بعد الموت.

قال على : وكان محمد بن عمر بن على الانصارى حدّثنا به عن جعفر ثم سمعناه من جعفر هذا حديث مشهور رواه عن عبد الملك جماعة منهم اسماعيل بن أبى خالد وزيد بن أبى أنيسة والثورى وابن عيينة وحفص بن عمرو ، والمسعودى [ ولم يرفعه أحد الا عبيدة بن حميد عن عبد الملك ورواه المسعودى نحوه ( هذه الزيادة فى مغ ) ] نحوه فى الرفع.

٣٩٢

__________________

حدثناه أبو على محمد بن أحمد بن الحسن قال : حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان قال : حدثنا عاصم بن على قال : حدثنا المسعودى عن عبد الملك بن عمير عن ربعى بن خراش قال : مات أخ لى فسجيناه ؛ فذهبت فى التماس كفنه فرجعت وقد كشف الثوب عن وجهه وهو يقول : ألا انى لقيت ربى بعدكم فتلقانى بروح وريحان ورب غير غضبان وانه كسانى ثيابا خضرا من سندس واستبرق ، وان الامر أيسر مما فى أنفسكم فلا تغتروا ، ووعدنى رسول الله (ص) أن لا يذهب حتى أدركه ؛ قال : فما شبهت خروج نفسه الا كحصاة ألقيت فى ماء فرسبت.

فذكر ذلك لعائشة فصدقت بذلك وقالت : قد كنا نتحدث أن رجلا من هذه الامة يتكلم بعد موته. قال : وكان أقومنا فى الليلة الباردة وأصومنا فى اليوم الحار.

حدثنا عثمان بن محمد العثمانى ، حدثنا محمد بن الحسين بن مكرم ، حدثنا محمد بن بكار ( فى مغ : محمد بن بكر بن الريان ؛ وهو خطأ ) بن الريان ، حدثنا حفص بن عمر عن عبد الملك بن عمير عن ربعى بن خراش قال : كنا اخوة ثلاثة وكان أعبدنا وأصومنا وأفضلنا الاوسط منا فغبت عنه الى السواد ثم قدمت فقالوا : أدرك أخاك فانه فى الموت ؛ فذكر نحوه ».

وقال أيضا الحافظ أبو نعيم الاصبهانى فى آخر الفصل الثانى والثلاثين من كتابه دلائل النبوة والفصل المذكور فى ذكر ما جرى على يدى أصحاب النبي (ص) بعده كعبور جيش سعد دجلة المدائن وكلام من تكلم بعد موته مما يدخل فى هذا الباب ونص عبارته ( انظر ص ٢١٣ من الطبعة الاولى فى حيدرآباد الدكن سنة ١٣٢٠ ، أو ص ٥١١ من الطبعة الثانية من الكتاب أيضا بحيدرآباد سنة ١٣٦٩ ) هكذا : « قصة ربيع أخى ربعى بن حراش ـ حدثنا القاضى أبو أحمد محمد بن أحمد بن ابراهيم ( فساق القصة وأسنادها فمن أرادها منه فليراجع الكتاب المذكور ).

وقال ابن سعد فى الطبقات فى ترجمة ربعى بن حراش بعد ذكر اسمه واسم أخيه مسعود بن حراش ما نصه ( ج ٦ من طبعة بيروت ؛ ص ١٢٧ ) : « وأخوهما ربيع بن حراش الّذي تكلم بعد موته ».

٣٩٣

__________________

وقال فى ترجمة الربيع ما نصه ( ج ٦ طبعة بيروت ص ١٥٠ ) :

« الربيع بن حراش الّذي تكلم بعد موته ومات قبل ربعى بن حراش.

قال : أخبرنا محمد بن عبيد قال : حدثنا اسماعيل بن أبى خالد عن عبد الملك بن عمير قال : أتى ربعى بن حراش فقيل له : قد مات أخوك ؛ فذهب مستعجلا حتى جلس عند رأسه يدعو له ويستغفر له فكشف عن وجهه ثم قال : السلام عليكم ، انى قدمت على ربى بعدكم فتلقيت بروح وريحان ورب غير غضبان وكسانى ثياب سندس واستبرق وانى وجدت الامر أهون مما تظنون ، ولكن لا تتكلموا احملونى فانى قد واعدت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يبرح حتى ألقاه.

أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسى قال : حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن ربعى بن حراش أن أخاه الربيع مرض مرضا شديدا فثقل ، قال : وقمت الى حاجة لى ثم رجعت فقلت : ما فعل أخى؟ ـ قالوا : قد قبض أخوك ، فقلت : انا لله وانا إليه راجعون ، قال : فدخلت فاذا هو قد سجى بثوب وأنيم على ظهره كما يصنع بالميت ، فأمرت بحنوطه وكفنه فبينما أنا كذلك اذ قال بالثوب هكذا ، فكشف عن وجهه ثم عاد كأصح ما كان وقد مرض قبل ذلك مرضا شديدا فقال : السلام عليكم قال : قلت : وعليك ورحمة الله. قال : قلت : سبحان الله أبعد الموت يا أخى؟ ـ فقال : انى لقيت ربى بعدكم فتلقانى بروح وريحان ورب غير غضبان وكسانى أثوابا خضرا من سندس واستبرق ووجدت الامر أيسر مما فى أنفسكم ، ولا تغتروا فانى استأذنت ربى لا بشركم فاحملونى الى رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ـ فانه وعدنى ان لا يسبقنى حتى أدركه فو الله ما شبهت موته بعد كلامه الا [ ب ] حصاة قذفتها فى ماء فتغيبت ».

أقول : الى مفاد هذه العبارات يشير كلام ابن عبد البر فى الاستيعاب فى آخر ترجمة زيد بن خارجة الانصارى بعد ذكر كلامه بعد الموت ما نصه : « وقد عرض مثل قصته لاخى ربعى بن حراش أيضا ».

وقال ابن الجوزى فى صفة الصفوة ( ج ٣ ؛ ص ١٩ ) : « أخو ربعى بن حراش ولم يسم لنا ـ عن عبد الملك بن عمير عن ربعى بن حراش قال : كنا اخوة ثلاثة وكان أعبدنا

٣٩٤

فاذا هو مسجّى عليه (١) واذا أهله عنده وهم يذكرون الحنوط ؛ فجلست ، فما أدرى أجلوسي كان أسرع أم كشف الثّوب عن وجهه ثمّ قال : السّلام عليك فأخذنى ما تقدّم وما تأخّر من الذّعر ثمّ قلت : وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته أبعد الموت؟! قال : نعم ؛ انّى لقيت ربّى بعدكم فتلقّانى بروح وريحان وربّ غير غضبان فكسانى ثياب السّندس والاستبرق وانّ الأمر أيسر ممّا فى أنفسكم (٢) ولا تغترّوا (٣) ، وانّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أقسم عليّ أن (٤) لا يسبقنى حتّى أدركه فاحملونى الى رسول الله (ص).

فما شبّهت موته الاّ بحصاة رمى بها فى ماء ثمّ ذكرت ذلك لعائشة فقالت : ما سمعت (٥) بمثل حديث صاحبكم فى هذه الامّة ؛ ولقد صدقكم.

__________________

وأصومنا وأفضلنا الاوسط ( فساق القصة الى آخرها قريبا مما مر ) » وقال الزبيدى فى تاج العروس فى شرح قول الفيروزآبادي : « وربعى بالكسر بن حراش تابعى » ما نصه : « يقال : أدرك الجاهلية وأكثر الصحابة تقدم ذكره فى ح ر ش وكذا ذكر أخويه مسعود والربيع وروى مسعود عن أبى حذيفة وأخوه ربيع هو الّذي تكلم بعد الموت فكان الاولى ذكره عند أخيه والتنويه بشأنه لاجل هذه النكتة وهو أولى من ذكر مربع بأنه كان منافقا ؛ فتأمل ».

أقول : نقل أقوال علماء الرجال فى هذه القضية يفضى الى طول لا يسعه المجال فمن أرادها فيطلبها من مظانها.

(٦) قال الطريحى (ره) فى مجمع البحرين : « استرجعت منه الشيء اذا أخذت منه ما دفعت إليه ، واسترجعت عند المصيبة قلت : انا لله وانا إليه راجعون فقولك : انا لله ، اقرار منك بالملك ، وقولك : انا إليه راجعون ، اقرار منك بالهلك ، والاسترجاع أيضا ترديد الصوت فى البكاء ».

(١) كلمة « عليه » ليست فى ح.

(٢) ح : « نفوسكم ».

(٣) ق : « ولا تفتروا » ( بالفاء ).

(٤) كلمة « أن » فى ح فقط.

(٥) كذا فى النسخ.

٣٩٥

وروى جرير بن عبد الحميد قال : أخبرنى من كان يحرس شجرة زيد بن عليّ قال :

كنّا أربعين رجلا نحرسه فلمّا ذهب من اللّيل ثلثه أو نحوه جاء النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فأنزل زيدا عن الخشبة ثمّ قال : يا زيد ، قال : لبّيك بأبى وأمّى ، قال : خذلوك وقتلوك وصلبوك؟ قال : نعم ، قال : ليخذلنّهم الله وليقتّلنّهم (١) وليصلّبنّهم (٢) ، فحدّثه طويلا ثمّ سقاه ضياحا (٣) من لبن ثمّ قال : اصعد الخشبة فلمّا كانت القابلة قال لرجل من أصحابه ممّن فى الحرس (٤) : لا تنم ؛ فلم ينم حتّى كانت تلك السّاعة ، فرأى (٥) مثل ذلك ، فلما كانت الثّالثة (٦) قال لآخر : لا تنم ؛ فلم ينم ؛ فرأى مثل ذلك ؛ حتّى

__________________

(١ و ٢) انما ضبطنا الكلمتين هنا بالتشديد تبعا للقرآن المجيد فان الله تعالى نقل فى موارد فيه قول فرعون للسحرة الذين آمنوا بالتشديد فقال تعالى فى سورة الاعراف : ( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) ( آية ١٢٤ ) ونظيرها آية ٧١ سورة طه وآية ٤٩ سورة الشعراء وصرحت علماء الادب والتفسير بأن التشديد فى « قطع » و « صلب » للتكثير وهو احد معانى باب التفعيل ونظيرها قوله تعالى فى آخر آية ٦١ من سورة الاحزاب : ( وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ).

(٣) قال ابن الاثير فى النهاية : « فى حديث عمار : ان آخر شربة تشربها ضياح ؛ الضياح والضيح بالفتح اللبن الخاثر يصب فيه الماء ثم يخلط ؛ رواه يوم قتل بصفين وقد جيء بلبن ليشربه » وقال الجوهرى : « الضيح والضياح اللبن الرقيق الممزوج ».

(٤) قال الفيومى فى المصباح المنير : « حرسه يحرسه من باب قتل حفظه والاسم الحراسة فهو حارس والجمع حرس وحراس مثل خادم وخدم وخدام ، وحرس السلطان أعوانه جعل علما على الجمع لهذه الحالة المخصوصة ولا يستعمل له واحد من لفظه ولهذا نسب الى الجمع فقيل : حرسى ، ولو جعل الحرس هنا جمع حارس لقيل : حارسى ، قالوا : ولا يقال : حارسى الا اذا ذهب به الى معنى الحراسة دون الجنس ».

(٥) ح : « فرأيا » وكذا الكلمة فى تلك النسخة فى المورد الآتي.

(٦) غير ح : « فلما كان فى الثالث ».

٣٩٦

شاع ذلك فى النّاس ، فبلغ يوسف بن عمر (١) فأمر صاحب شرطته (٢) حراش بن حوشب (٣)

__________________

(١) قال اليافعى فى مرآة الجنان ضمن ذكره حوادث سنة احدى وعشرين ومائة ( ج ١ ؛ ص ٢٥٧ ) : « وفيها قتل زيد بن على بن الحسين بن على بالكوفة وكان قد بايعه خلق كثير وحارب متولى العراق يومئذ الامير يوسف بن عمر الثقفى فقتله يوسف المذكور وصلبه.

قلت : وقد يتوهم بعض الناس أن يوسف بن عمر الثقفى هذا أبو الحجاج وليس كذلك بل الحجاج بن يوسف عم أبيه فانه يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف هكذا ذكر بعض المورخين نسبه ».

(٢) ج ق س : « صاحب شرطه » قال الفيومى فى المصباح المنير : « والشرط بفتحتين العلامة والجمع أشراط مثل سبب وأسباب ومنه أشراط الساعة والشرطة وزان غرفة وفتح الراء مثال رطبة لغة قليلة وصاحب الشرطة يعنى الحاكم ؛ والشرطة بالسكون والفتح أيضا الجند والجمع شرط مثل رطب والشرط على لفظ الجمع أعوان السلطان لأنهم جعلوا لانفسهم علامات يعرفون بها للأعداء ؛ الواحد شرطة مثل غرف جمع غرفة ، واذا نسب الى هذا قيل : شرطى بالسكون ؛ ردا الى واحده ، وشرط المعزى بفتحتين رذالها ؛ قال بعضهم : واشتقاق الشرط من هذا لانهم رذال ».

(٣) قال الطبرى وابن الاثير فى تاريخيهما ضمن ذكرهما مقتل زيد بن على فى حوادث سنة اثنتين وعشرين ومائة :

« وقيل : كان خراش بن حوشب بن يزيد الشيبانى على شرط يوسف بن عمر فهو الّذي نبش زيدا وصلبه ؛ فقال السيد الحميرى :

بتّ ليلى مسهّدا

ساهر الطّرف مقصدا

ولقد قلت قولة

وأطلت التّبلّدا

لعن الله حوشبا

وخراشا ومزيدا

ويزيدا فانّه

كان أعتى وأعندا

٣٩٧

أخا (١) العوّام بن حوشب (٢) فأنزله وجمع قصبا (٣) فأحرقه ثمّ ذرى فى الفرات رماده (٤).

قال جرير (٥) : شهدته (٦) حين أحرق.

__________________

ألف ألف وألف ألف

من اللّعن سرمدا

إنّهم حاربوا الإل

ه وآذوا محمّدا

شركوا فى دم المطهّ

ر زيد تعنّدا

ثمّ عالوه فوق جذ

ع صريعا مجرّدا

يا خراش بن حوشب

أنت أشقى الورى غدا

__________________

(١) غير ج : « أخو » فالرفع بناء على أنه خبر مبتدأ كما هو القاعدة عند القطع عن الوصفية ؛ قال ابن مالك :

« وارفع او انصب ان قطعت مضمرا

مبتدأ او ناصبا لن يظهرا »

(٢) قال ابن الاثير فى الكامل ضمن ذكره حوادث سنة ثمان وأربعين ومائة : « وفيها توفى عوام بن حوشب بن يزيد بن رويم الشيبانى الواسطى » وقال ابن العماد فى شذرات الذهب : « وفيها ( اى سنة ١٤٨ ) توفى العوام بن حوشب شيخ واسط روى عن ابراهيم النخعى وجماعة قال يزيد بن هارون : كان صاحب أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ».

(٣) هذا عبارة ح وأما فى غيرها فكذا : « فجمع قريش » ولم أجد له معنى.

(٤) كلمة « رماده » فى ح فقط.

(٥) « قال جرير » ليس فى ح.

(٦) ح : « فشهدته ».

أما قصة الاحراق فذكرها جمهور المورخين وأرباب السير فقال الطبرى بعد ذكره استخراجهم اياه من قبره ما نصه ( ج ٨ ؛ ص ٢٧٧ ) : « فقطعوا رأسه وصلبوا جسده ثم أمروا بحراسته لئلا ينزل فمكث يحرس زمانا وقيل : انه كان فيمن يحرسه زهير بن معاوية

٣٩٨

__________________

أبو خيثمة وبعث برأسه الى هشام فأمر به فنصب على باب مدينة دمشق ثم أرسل به الى الى المدينة ومكث البدن مصلوبا حتى مات هشام ثم أمر به الوليد فأنزل وأحرق ».

وقال ابن الاثير فى الكامل بعد أن ذكر قصة دفن زيد واجراء أصحابه الماء على مدفنه حتى لا يظفر بجسده أعداؤه ما نصه ( ج ٥ ؛ ص ٩٠ ) : « ثم ان يوسف بن عمر تتبع الجرحى فى الدور فدله السندى مولى زيد يوم الجمعة على زيد فاستخرجه من قبره وقطع رأسه وسير الى يوسف بن عمر وهو بالحيرة سيره الحكم بن الصلت فأمر يوسف أن يصلب زيد بالكناسة هو ونصر بن خزيمة ومعاوية بن اسحاق وزياد النهدى وأمر بحراستهم وبعث الرأس الى هشام فصلب على باب مدينة دمشق ثم أرسل الى المدينة وبقى البدن مصلوبا الى أن مات هشام وولى الوليد فأمر بانزاله واحراقه ».

وقال ابن كثير فى البداية والنهاية ( ج ٩ ؛ ص ٣٣١ ) :

« وتتبع يوسف بن عمر الجرحى هل يجد زيدا بينهم وجاء مولى لزيد سندى قد شهد دفنه فدل على قبره فأخذ من قبره فأمر يوسف بن عمر بصلبه على خشبة بالكناسة ومعه نصر بن خزيمة ومعاوية بن اسحاق بن زيد بن حارثة الانصارى وزياد النهدى ويقال : ان زيدا مكث مصلوبا أربع سنين ثم أنزل بعد ذلك وأحرق فالله أعلم ( ثم ذكر كلاما عن الطبرى وقال فى آخره ) : فلما ظهر على قبره حز رأسه وبعثه الى الشام وقام من بعده الوليد بن يزيد فأمر به فأنزل وحرق فى أيامه قبح الله الوليد بن يزيد ».

وقال أبو الفرج الاصبهانى فى مقاتل الطالبيين : « قال أبو مخنف : حدثنى موسى بن أبى حبيب : انه مكث مصلوبا الى أيام الوليد بن يزيد فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد الى يوسف : أما بعد فاذا أتاك كتابى هذا فانظر عجل أهل العراق فأحرقه وانسفه فى اليم نسفا والسلام. فأمر به يوسف ـ لعنه الله ـ عند ذلك خراش بن حوشب فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار ثم جعله فى قواصر ثم حمله فى سفينة ثم ذراه فى الفرات ».

وقال اليعقوبى فى تاريخه ضمن ذكره حوادث أيام هشام بن عبد الملك بن مروان ( ج ٣ ؛ ص ٦٦ من طبعة مطبعة الغرى سنة ١٣٥٨ ) :

٣٩٩

__________________

« ثم قتل زيد بن على وحمل على حمار فأدخل الكوفة ونصب رأسه على قصبة ثم جمع فأحرق وذرى نصفه فى الفرات ونصفه فى الزرع وقال ( أى يوسف بن عمر ) : والله يا أهل الكوفة لادعنكم تأكلونه فى طعامكم وتشربونه فى مائكم ، وكان مقتل زيد سنة ١٢١ ».

أما وقوع القضية المذكورة فى المتن أى مجىء النبي (ص) وانزاله زيدا عن الخشبة فى اليقظة كما هو صريح عبارة المصنف (ره) نقلا عن كتب العامة فلم أجدها فى كتاب نعم وقوعها فى المنام فنقلها جماعة من أعلام الفريقين منهم ابن عساكر فانه قال فى تاريخه فى ترجمة زيد ما نصه ( ج ٧ ؛ ص ٢٣ ) : « وبعث هشام إليه قوما فقتلوه وصلبوه على خشبة فقال الموكل بخشبته : رأيت النبي (ص) فى النوم وقد وقف على الخشبة وقال : هكذا تصنعون بولدى من بعدى؟! يا بنى يا زيد قتلوك قتلهم الله ، صلبوك صلبهم الله ، فخرج هذا فى الناس وكتب يوسف بن عمر الى هشام : أن عجل أهل العراق قد فتنهم فكتب إليه : أحرقه بالنار ؛ فأحرقه رحمة الله عليه ». ومنهم أبو الفرج الاصفهانى فانه قال فى مقاتل الطالبيين فى أواخر ترجمة زيد ( ص ٥٨ من طبعة ايران سنة ١٣٠٧ ) ما نصه : « حدثنا على بن الحسين قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عفير قال : حدثنا أبو حاتم الرازى قال : حدثنا عبد الله بن أبى بكر العتكى عن جرير بن حازم قال : رأيت النبي (ص) فى المنام وهو متساند الى جذع زيد بن على (ع) وهو مصلوب وهو يقول للناس : أهكذا تفعلون بولدى » ومنهم السيد عليخان المدنى (ره) فانه قال فى أوائل رياض ـ السالكين ضمن ذكره مقتل زيد بن على ما نصه : « وعن حريز بن أبى حازم قال : رأيت النبي (ص) فى المنام كان مستندا الى خشبة زيد بن على وهو يقول : هكذا تفعلون بولدى؟! » ومنهم الفاضل المامقانيّ (ره) فانه قال فى تنقيح المقال ضمن ترجمة زيد ما نصه ( ج ١ ؛ ص ٤٦٩ ) « ووجدت عن بعضهم أنه قال : لما قتل زيد بن على وصلب رأيت رسول الله (ص) تلك الليلة مستندا الى خشبته ويقول : انا لله وانا إليه راجعون ؛ أيفعلون هذا بولدى؟! وقال أيضاً ( لكن فى ص ٤٧٠ ) : « وروى الناصر الكبير الطبرستانى وأبو الفرج فى كتاب المقاتل عن رجاله عن جرير بن حازم قال : رأيت ( فذكر ما نقلناه عن مقاتل الطالبيين ) ».

أقول : لا يسع المقام أكثر من هذا مضافا الى أن فيما ذكرناه كفاية للمكتفى.

٤٠٠