الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

وهو يريد الجمعة فقلت له : رحمك الله ؛ صلّيت قبل أن تروح (١)؟ فقال : من أنت؟ فقلت : أنا رجل من المسلمين فقال : مرحبا بالمسلمين ؛ نعم ، ورويتم أنّ عامّة العلماء والفقهاء كانوا يصلّون الظّهر والعصر (٢) فى منازلهم ثمّ يأتون الجمعة فيصلّون مع الحجّاج فزعمتم أنّهم انّما فعلوا ذلك لأنّ الحجّاج كان يؤخّر الصّلاة فاذا صلّى الفاجر الصّلاة فى وقتها فلا بأس بالصّلاة خلفه. وأنتم تروون أنّ عبد الله بن مسعود بالكوفة صلّى الظّهر فى بيته بالأسود وعلقمة أربعا وقال : صلاتنا هذه هى الفريضة وصلاتنا معهم سبحة (٣). وذلك فى زمن عثمان والوليد بن عقبة والى عثمان على الكوفة.

ثمّ رويتم عن النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه قال لعلىّ ـ صلوات الله عليه ـ : إنّه يأتى من بعدى [ قوم لهم نبز (٤) يقال لهم الرّافضة ] فاذا لقيتهم فاقتلهم فانّهم

__________________

(١) ق : « تتروح » ح مج مث : « تتزوج » ( بالزاى المعجمة والجيم ) والمتن من : « راح يروح » ففى النهاية : « وفيه : من راح الى الجمعة فى الساعة الاولى فكأنما قرب بدنة أى مشى إليها وذهب إليها ولم يرد رواح آخر النهار ( الى آخر ما قال ) ».

(٢) س ح مث : « العصر والظهر ».

(٣) قال ابن الاثير فى النهاية : « ويقال أيضا للذكر ولصلاة النافلة سبحة يقال : قضيت سبحتى ، والسبحة من التسبيح كالسخرة من التسخير وانما خصت النافلة بالسبحة وان شاركتها الفريضة فى معنى التسبيح لان التسبيحات فى الفرائض نوافل فقيل لصلاة النافلة : سبحة ، لانها نافلة كالتسبيحات والاذكار فى أنها غير واجبة ، وقد تكرر ذكر السبحة فى الحديث كثيرا فمنها الحديث ( الّذي ذكره الهروى فى غريب الحديث ) : اجعلوا صلاتكم معهم سبحة اى نافلة ( الى آخر ما قال ) ».

(٤) قال ابن حجر الهيتمى المكى فى المقدمة الاولى من الصواعق المحرقة ضمن ما قال : ( ص ٣ من طبعة القاهرة ) وأخرج الدار قطنى عن على عن النبي (ص) قال : سيأتى من بعدى قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة فان أدركتهم فاقتلهم فانهم

٣٠١

مشركون ؛ وآية ذلك أنّهم يشتمون أبا بكر وعمر ، فوصفتم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه حكم بغير ما أنزل الله وانّما على من قذف رجلا مسلما جلد ثمانين فزعمتم أنّ على من سبّه القتل ، جرأة منكم على الله وكذبا (١) على رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأنتم تروون عنه أنّه قال : من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار (٢)

__________________

مشركون. قال : قلت يا رسول الله ما العلامة فيهم؟ قال : يقرظونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف. وأخرجه عنه من طريق أخرى نحوه وكذلك من طريق أخرى وزاد عنه : ينتحلون حبنا أهل البيت وليسوا كذلك وآية ذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر رضى الله عنهما. وأخرج أيضا من طرق عن فاطمة الزهراء وعن أم سلمة رضى الله عنهما نحوه قال : ولهذا الحديث عندنا طرق كثيرة ».

أقول : ونظيره فى سائر كتب أهل السنة ، ونقل ترجمة الحديث مؤلف « بعض فضائح الروافض » واستدل به على أن النبي قد أمر عليا (ع) بأن يقتل الرافضة كما يستفاد منه هذا المعنى على تسليم صدوره وأجاب عنه صاحب « بعض مثالب النواصب » فى أوائل الكتاب فمن أرادهما فليراجع الكتاب ( ص ٨ ).

__________________

(١) كذا فى ح وهو الاصح فالعطف على « جرأة » وأما مج مث س ق ج ففيها جميع « والكذب » فهو عطف على لفظة « الله ».

(٢) قال المامقانيّ فى مقباس الهداية فى آخر المبحث المربوط بالمتواتر ( ص ٣١ ) من النسخة المنضمة فى الطبع بتنقيح المقال ) ما نصه : « تذييل ـ لا شبهة فى تحقق التواتر كثيرا فى أخبار الاصول والفروع كوجوب الصلاة اليومية وأعداد ركعاتها والزكاة والحج ونحو ذلك الا أن مرجع ذلك الى التواتر المعنوى دون اللفظى وأما تحقق التواتر اللفظى فى الاحاديث الخاصة المنقولة بألفاظ مخصوصة فقد قيل : انه قليل لعدم اتفاق الطرفين والوسط فيها وان تواتر مدلولها فى بعض الموارد بل عن ابن الصلاح وهو من العامة أن

٣٠٢

وأنتم تزعمون أنّ من شهد أن لا إله الاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله ؛ مؤمن كامل ـ الايمان لا يخرجه من ايمانه ذنب صغير ولا كبير ثمّ زعمتم أنّ من شتم رجلا مسلما من أصحاب رسول الله (ص) كان مشركا حلال الدّم وانّما رأينا الشّيعة الّذين تسمّونهم أنتم الرّافضة انّما خالفوكم فى تفضيل عليّ ـ صلوات الله عليه ـ على أبى بكر وعمر ولم يقولوا : انّ أبا بكر وعمر تركا الصّلاة ولا زنيا ولا لاطا ولا شربا الخمر ولا استحلاّ (١) الحرام ولا الظّلم ؛ انّما قالوا : عليّ ـ عليه‌السلام ـ أفضل منهما ومن غيرهما بسابقته وقرابته وصهره (٢) ونكايته فى المشركين وعلمه بكتاب الله وسنن

__________________

من سئل عن ابراز مثال للمتواتر اللفظى فيها أعياه طلبه وان أكثر ما ادعى تواتره من قبيل متواتر الاخير والوسط دون الاول والمدعى للتواتر ينظر الى تحققه فى زمانه او هو قبله من غير استقصاء جميع الازمنة فى ذلك وادعى وجود المتواتر بكثرة وهو غريب ؛ نعم حديث : من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار يمكن ادعاء تواتره فقد نقله عن النبي (ص) اثنان وستون صحابيا ولم يزل العدد الراوى له فى ازدياد وظاهر أن التواتر يتحقق بهذا العدد بل بما دونه ».

أقول : قد صرح غير واحد من علماء الفريقين بثبوت تواتر هذا الحديث فمنهم الشهيد الثانى ومنهم ابن الجوزى فى أوائل كتاب الموضوعات فانه عقد بابا لبيان ذلك الحديث بعنوان « الباب الثانى فى قوله ـ عليه‌السلام ـ من كذب على متعمدا » فمن أراده فليراجع الكتاب ( ج ١ ص ٥٥ ـ ٩٢ ) وبحث عنه بما يفيد أهل التحقيق فى ذيله ( ص ٩٢ ـ ٩٨ من المجلد المذكور ) وقد أشرنا الى بعض ما يتعلق بهذا الحديث فيما تقدم ( ص ٢٠٠ ـ ٢٠٣ ) فراجع ان شئت.

__________________

(١) ج س مث مج : « ولا يستحلان ».

(٢) ح : « وجهده » قال ابن الاثير فى النهاية : « يقال : صهره وأصهره اذا قربه

٣٠٣

رسوله (ص) فاذا تفضيل عليّ (ع) على أبى بكر وعمر عندكم أعظم من نكاح ـ الأمّهات والأخوات والبنات والزّنا واللّواط وشرب الخمر (١) وأكل الرّبا (٢) فاذا (٣) تفضيل عليّ (ع) عليهما عندكم (٤) شرك يقتل من قال به كما يقتل المرتدّ عن الاسلام أو من قتل مؤمنا فيقتل به ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقول : لا يحلّ دم امرئ مسلم الاّ فى احدى (٥) ثلاث ؛ المرتدّ عن الاسلام ، أو من قتل مؤمنا فيقتل به ، أو محصن زنى بعد إحصانه ؛ فأنتم تزيدون على ما قال رسول الله (ص) فهذه صفتكم الّتي اخترتموها ؛ فلا عدمتموها.

ورويتم أنّ أبا كنف العبدىّ (٦) طلّق امرأته وهو عنها غائب وأشهد على طلاقها وكتب بذلك إليها لتعلم ثمّ بدا له فراجعها وأشهد على رجعتها وكتب إليها يعلمها ذلك فوصل إليها كتاب الطّلاق ولم يصل إليها كتاب الرّجعة حتّى تزوّجت فأتى عمر فأخبره بذلك فقال : ان كان الزّوج الثّاني دخل بها فهو أملك بها ، وان لم يكن دخل بها

__________________

وأدناه ومنه حديث على قال له ربيعة بن الحارث : نلت صهر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فلم نحسدك عليه ، الصهر حرمة التزويج والفرق بينه وبين النسب أن النسب ما رجع الى ولادة قريبة من جهة الاباء والصهر ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج » فيستشم أن السماوى (ره) بدل لفظة « وصهره » بكلمة « وجهده » لتصوره أن الصهر بمعنى الزوج فقط فلا يناسب المقام لوقوعه بين كلمات تدل على اسم المعنى لا اسم العين كالزوج فبقرينة السياق يحمل على معنى ذكره ابن الاثير.

__________________

(١) قد تقدم الاشارة منا الى هذه العبارة فيما تقدم ( انظر ص ١٠٢ ).

(٢) « وأكل الربا » ليس فى ح مث.

(٣) غير ح : « واذا ».

(٤) غير ح : « عندهم ».

(٥) غير ح : « الا فى أحد ».

(٦) هذا الرجل لم أجد ذكره فى كتاب من كتب الرجال والصحابة والتابعين نعم

٣٠٤

خيّر أبو كنف بين امرأته والصّداق فأىّ ذلك اختار دفع إليه.

وأنتم اليوم منكرون لهذا لا تأخذون به.

__________________

ذكر أبو سعد فى الطبقات رجلا بهذه الكنية ونص عبارته : « أبو كنف روى عن عبد الله » فكأن المراد بعبد الله هو ابن مسعود وذلك لكثرة اطلاق علماء العامة هذه اللفظة مجردة عن القرائن عليه ، وكيف كان ؛ لا يستفاد من العبارة معنى يعبؤ به ( فان شئت العبارة فراجع المجلد السادس من طبعة بيروت ؛ ص ٢٠١ ) وصرح غيرى أيضا بعدم ظفره بذكره فى كتب الرجال وسيأتى كلامه وأما حديثه هذا مصدرا بكنيته هذه فهو مذكور فى كتب العامة والخاصة ؛ أما الاول فقد قال قاضى القضاة أبو المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمى المتوفى سنة خمس وستين وستمائة فى جامع مسانيد الامام الاعظم أبى حنيفة النعمان بن ثابت فى الباب الرابع والعشرين ( ج ٢ ؛ ص ١٥٨ ) :

« أبو حنيفة عن حماد عن ابراهيم أن أبا كنف طلق امرأته تطليقة ثم غاب عنها وأشهد على رجعتها فلم يبلغها ذلك حتى تزوجت فجاء وقد هيئت لتزف الى زوجها ؛ فأتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فكتب الى عامله أن أدركها فان وجدتها ولم يدخل بها فهو أحق بها ، وان وجدتها وقد دخل بها فى امرأته.

قال : فوجدها ليلة البناء فوقع عليها ، فغدا الى عامل عمر ـ رضى الله عنه ـ فأخبره فعلم أنه جاء بأمر بين ؛ أخرجه الامام محمد بن الحسن فى الآثار فرواه عن أبى حنيفة ».

وقال مصحح الكتاب فى ذيل الصفحة بالنسبة الى أبى كنف الّذي طلق امرأته ما نصه : « كذا فى الاصل وقد راجعنا فى القاموس والخلاصة والميزان والتجريد والتقريب فما وجدناه » وأما الثانى فقد قال المفيد (ره) فى الاختصاص تحت عنوان « مناظرة مؤمن الطاق مع أبى حنيفة فى الطلاق » ما نصه ( ص ١٠٩ ـ ١١١ من النسخة المطبوعة بطهران سنة ١٣٧٩ وهى من انتشارات مكتبة الصدوق ) : « يعقوب بن يزيد البغدادى عن

٣٠٥

ورويتم أنّ عمر قضى بالمفقود أن تربّص امرأته أربع سنين فان جاء زوجها والاّ تزوّجت ، فان قدم الزّوج الأوّل وقد تزوّجت خيّر بين امرأته وبين الصّداق.

وهذا عندكم مأخوذ فهل تكون الوقيعة فى الرّجل بأكثر من أن ترغبوا عن قوله

__________________

محمد بن أبى عمير قال أبو حنيفة لابى جعفر مؤمن الطاق : ما تقول فى الطلاق الثلاث؟ قال أعلى خلاف الكتاب والسنة؟ ـ قال : نعم ( فساق المناظرة الى ان قال : )

قال أبو جعفر : ان عمر كان لا يعرف أحكام الدين قال أبو حنيفة : وكيف ذلك؟ ـ قال أبو جعفر : ما أقول فيه ما تنكره ؛ أما أول ذلك فانه قال : لا يصلى الجنب حتى يجد الماء ولو سنة ؛ والامة على خلاف ذلك.

وأتاه أبو كيف العائذى ( فى بعض النسخ أبو كنف العابدى ) فقال : يا أمير المؤمنين انى غبت فقدمت وقد تزوجت امرأتى؟ فقال : ان كان قد دخل بها فهو أحق بها ، وان لم يكن دخل بها فأنت أولى بها.

وهذا حكم لا يعرف ؛ والامة على خلافه.

وقضى فى رجل غاب عن أهله أربع سنين أنها تتزوج ان شاءت.

والامة على خلاف ذلك ؛ انها لا تتزوج أبدا حتى تقوم البينة أنه مات أو كفر أو طلقها » ونقله المجلسى (ره) فى رابع البحار فى باب احتجاجات أصحاب الصادق أبى عبد الله جعفر بن محمد ـ عليه‌السلام ـ عن اختصاص المفيد كما نقلناه هنا ( فمن أراده فليراجع ص ٥٤٥ من طبعة أمين الضرب ) وذكر هناك بدل « العائذى » فى الهامش : « المعاندى » ونقله المحدث النورى (ره) فى مستدرك الوسائل فى كتاب الطلاق فى باب حكم طلاق زوجة المفقود وعدتها وتزويجها ( انظر ج ٣ ؛ ص ١٦ ) ونص عبارته : « الشيخ المفيد فى كتاب الاختصاص عن يعقوب بن زيد عن ابن أبى عمير قال : قال مؤمن الطاق فيما ناظر به أبا حنيفة : ان عمر كان لا يعرف أحكام الدين أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين انى غبت ( الحديث الى قوله : أو طلقها » ) ونسب الحكم فى كنز العمال ( ج ٩ ؛ ص ٤١٣ ـ ٤١٦ ) وفى سنن البيهقى ( ج ٧ ؛ ص ٤٤٤ ـ ٤٤٦ ) الى عمر فراجع ان شئت.

٣٠٦

وأنتم تروون أنّه لمّا مات ذهب تسعة أعشار العلم معه (١) ؛ وتروون عن ابن مسعود أنّه قال : ما كنّا نبعّد أصحاب محمّد أنّ السّكينة تنطق على لسان عمر (٢) وكان ملك

__________________

(١) قال ابن حجر الهيتمى فى الصواعق المحرقة تحت عنوان « ثناء الصحابة والسلف على عمر » ( انظر الفصل الخامس من الفصول المرتبة لترجمة عمر وخلافته ؛ ص ٩٦ من طبعة مصر سنة ١٣٧٥ ) : « أخرج الطبرانى والحاكم عن ابن مسعود قال : لو أن علم عمر يوضع فى كفة ميزان ووضع علم أحياء الارض فى كفة لرجح علم عمر بعلمهم ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم ».

(٢) قال ابن الاثير فى النهاية : « وحديث ابن مسعود : السكينة مغنم وتركها مغرم ، وقيل : أراد بها هاهنا الرحمة ومنه حديثه الاخر : ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر وفى رواية : كنا أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تتكلم على لسان عمر ، قيل : هو من الوقار والسكون ، وقيل : الرحمة ، وقيل : أراد السكينة التى ذكرها الله فى كتابه العزيز قيل فى تفسيرها : انها حيوان له وجه كوجه الانسان مجتمع وسائرها خلق رقيق كالريح والهواء ؛ وقيل : هى صورة كالهرة كانت معهم فى جيوشهم فاذا ظهرت انهزم أعداؤهم ، وقيل : هى ما كانوا يسكنون إليه من الآيات التى أعطيها موسى عليه‌السلام ـ والاشبه بحديث عمر أن يكون من الصورة المذكورة » وقال ابن حجر فى الصواعق المحرقة فى ترجمة عمر فى الفصل الرابع الّذي عقده لذكر فضائله ( ص ٩٥ من طبعة مصر سنة ١٣٧٥ ) : « الحديث الثامن والاربعون أخرج ابن ماجة والحاكم عن أبى ذر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : ان الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ، الحديث التاسع والاربعون أخرج أحمد والبزار عن أبى هريرة قال : قال رسول الله (ص) : ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وأخرجه الطبرانى من حديث عمر بن الخطاب وبلال ومعاوية أبى سفيان وعائشة ، وأخرج ابن منيع فى مسنده عن على قال : كنا أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر » ونقله السيوطى فى تاريخ الخلفاء فى الفصل الّذي عقده لذكر الاحاديث الواردة فى فضل

٣٠٧

__________________

عمر » وكذا نقله على المتقى الهندى فى كنز العمال ( ج ١٤ ؛ ص ٢٣٦ عدد ٤٤٢ ) وقال بعد نقله ما نصه : « مسدد وابن منيع والبغوى فى الجعديات وحلية أبى نعيم والبيهقى فى الدلائل » وقال أيضا السيوطى فى تاريخ الخلفاء فى الفصل المذكور وعلى المتقى فى كنز العمال ( ج ١٤ ؛ ص ٢٤٧ ؛ عدد ٥٣٤ ) : « وقال على رضى الله عنه ـ اذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ، ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ( أخرجه الطبرانى فى الاوسط ) » الى غير ذلك من موارد نقله.

أقول : يستفاد من كلمات علماء العامة ومراجعة كتبهم أن الرواية مسلمة عندهم فلا حاجة بنا الى استقصاء موارد نقلها بعد كونها مقبولة لديهم.

أما علماء الشيعة فلا يقبلونها بل يزيفونها ويكذبونها ويستدلون على بطلانها بدلائل عقلية وشواهد نقلية فقال السيد المرتضى فى الشافى ضمن رده على قاضى القضاة ما نصه : « وأما ما رواه من قوله : ان الحق ينطق على لسان عمر فهو مقتض ان كان صحيحا عصمة عمر والقطع على أن أقواله كلها حجة وليس هذا مذهب أحد فى عمر لانه لا خلاف فى أنه ليس بمعصوم وأن خلافه سائغ وكيف يكون الحق ناطقا على لسان من يرجع فى الاحكام من قول الى قول ويشهد على نفسه فى الخطاء ويخالف فى الشيء ثم يعود الى قول من خالفه فيوافقه عليه ويقول : لو لا على لهلك عمر ولو لا معاذ لهلك عمر؟! وكيف لم يحتج بهذا الخبر هو لنفسه فى المقامات التى احتاج الى الاحتجاج فيها؟! وكيف لم يقل أبو بكر لطلحة لما قال له : ما تقول لربك اذ وليت علينا فظا غليظا؟ أقول له : وليت من شهد الرسول بأن الحق ينطق على لسانه ( الى آخر ما قال فمن أراده فليراجع الشافى ؛ ص ١٧٩ ـ ١٨٠ ) وسلك مسلكه شيخ الطائفة فى تلخيص الشافى ( ص ٢٤٧ من الجزء الثانى من طبعة النجف ) وقال صاحب الاستغاثة بعد تكذيبه حديثا نقله العامة فى كتبهم من « أن الشيطان كان يهرب من عمر ويهاب منه ويخاف من حسه » ما نصه : « ومثله فى الكذب والمحال روايتهم أن السكينة تنطق على

٣٠٨

بين عينيه يوفّقه ويسدّده (١).

[ ذكر ما لم يوجد فى كتاب الله عزّ وجلّ

رويتم عن بشر المريسىّ (٢) عن أبى يوسف القاضى (٣) ] عن مجالد بن سعيد عن

__________________

لسان عمر فهل يظن ذو فهم من كانت السكينة تنطق على لسانه يخطئ ويزل حتى ينادى على نفسه لو لا فلان لهلك فلان ( الى آخر ما قال ؛ فمن أراده فليراجع ص ١٤٧ ـ ١٤٩ من طبعة النجف ) » وأيضا تصدى لتزييفها السيد المرتضى الرازى فى تبصرة العوام فى الباب الثالث والعشرين ( انظر الحديث الثانى عشر ) » الى غير ذلك ممن يفضى ذكر أساميهم الى طول لا يسعه المقام.

__________________

(١) قال الهيثمى فى مجمع الزوائد فى باب قوة عمر فى ولايته ( ج ٩ ؛ ص ٧٢ ) :

« وعن أبى وائل قال : ما رأيت عمر قط الا وبين عينيه ملك يسدده ؛ رواه الطبرانى بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح ؛ ويأتى قول ابن مسعود كذلك فى وفاة عمر » وقال فى باب وفاة عمر بعد نقل كلام عن عبد الله بن مسعود ما نصه ( ص ٧٨ ) : وعن عبد الله أيضا قال : كان اذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ان اسلام عمر كان نصرا ؛ وان إمارته كان فتحا ، وأيم الله ما أعلم على وجه الارض أحدا الا وجد فقد عمر حتى العضاة ، وأيم الله انى لا حسب بين عينيه ملكا يسدده ( الى آخر الحديث ) ».

(٢) قال الفيروزآبادي : « ومريسة كسكينة بلدة منها بشر بن غياث المريسى »

__________________

(٣) غير م ( بدل ما بين المعقفتين ) : « وروى أبو يوسف » فليعلم أن هنا تم ما لم يكن فى نسخة م كما صرحنا به آنفا عند هذه الفقرة من عبارة المتن : « وأجمعتم على أن الصلاة جائزة خلف كل بر وفاجر ( انظر ص ٣٠٠ من الكتاب ) » ؛ فمن هنا عبارة المتن مذكورة فى جميع النسخ.

٣٠٩

عامر الشّعبىّ أنّ عمر بن الخطّاب أتى النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ومعه صحيفة قد كتب فيها التّوراة بالعربيّة وقرأها على رسول الله (ص) فغضب النّبيّ (ص) حتّى

__________________

قال الزبيدى فى شرحه : « هو من المتكلمين ؛ هكذا ضبطه الصاغانى وضبطه غيره فقال : مريس كأمير من بلدان الصعيد وقال أبو حنيفة ـ رحمه‌الله تعالى ـ : مريس أدنى بلاد النوبة التى تلى أرض اسوان هكذا حكاه مصروفا وخالفه الصاغانى فقال : المريسة جزيرة ببلاد التوبة يجلب منها الرقيق والصواب ما قاله أبو حنيفة وهى التى منها بشر بن غياث على الصحيح فتأمل » وقال ابن خلكان فى وفيات الاعيان : « ابو عبد ـ الرحمن بشر بن غياث بن ابى كريمة المريسى الفقيه الحنفى المتكلم هو من موالى زيد بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أخذ الفقه عن القاضى أبى يوسف الحنفى الا أنه اشتغل بالكلام وجرد القول بتجريد القرآن وحكى عنه فى ذلك أقوال شنيعة وكان مرجئا ؛ وإليه تنسب الطائفة المريسية من المرجئة ( الى ان قال ) وروى الحديث عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة وأبى يوسف القاضى وغيرهم ـ رحمهم‌الله تعالى ـ والمريسى بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها سين مهملة ؛ هذه النسبة الى مريس وهى قرية بمصر هكذا ذكره الوزير أبو سعد فى كتاب النتف والطرف وسمعت أهل مصر يقولون : ان المريس جنس من السودان ( الى آخر ما قال ) » وقال ابن حجر العسقلانى فى لسان الميزان فى آخر ترجمته المبسوطة : « والمريسى نسبة الى المريس بفتح الميم وو كسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة نسبة الى مريسة بالصعيد وللمشهور بالخفة وضبطها الصغانى بتثقيل الراء » وقال فى أثناء ترجمته : « وقد سرد أبو بكر الخطيب ترجمة بشر فى ست ورقات فلم أنشط لا يرادها بكمالها وكان من أبناء سبعين سنة » أقول : يريد به أن الخطيب البغدادى أورد ترجمته فى تاريخ بغداد مبسوطة وهو كذلك فمن أرادها فليراجع الكتاب ( ج ٧ ؛ ص ٥٦ ـ ٦٧ ) وقال ياقوت فى معجم البلدان : « مريسة بالفتح ثم الكسر والتشديد وياء ساكنة وسين مهملة قرية بمصر وولاية بالصعيد ( الى أن قال : ) ينسب إليها بشرين غياث المريسى صاحب الكلام مولى زيد بن الخطاب

٣١٠

عرف الغضب فى وجهه فقال عمر : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ثمّ صعد (ص) المنبر فخطب النّاس فقال : أيّها النّاس لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فانّهم لن يهدوكم وقد أضلّوا أنفسهم ، وعسى أن يحدّثوكم بباطل فتصدّقوهم ، أو بحقّ فتكذّبوهم ، ولو كان موسى ـ عليه‌السلام ـ حاضرا بين أظهركم ما حلّ له الاّ أن يتّبعنى (١).

[ و (٢) رويتم عن وكيع عن ابن مسعود بن كرام (٣) عن أبى اسحاق عن الحارث

__________________

( الى آخر ما قال ) » وقال ابن الاثير فى اللباب : « المريسى بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء تحتها نقطتان وفى آخرها سين مهملة هذه النسبة الى مريس وهى قرية بمصر هكذا ذكره أبو سعد الابى الوزير فى كتاب النتف والطرف ، قال السمعاني : وإليها ينسب بشر المريسى وهو أبو عبد الرحمن بشر بن غياث المريسى مولى زيد بن الخطاب ( الى آخر ما قال ) » أقول : ترجمته مذكورة فى كتب الملل والنحل أيضا فمن أرادها فليراجعها هناك أيضا ، وكذلك فى غالب كتب تراجم الحال وردت ترجمته مبسوطة.

__________________

(١) قال ابن كثير فى البداية والنهاية فى باب بيان الاذن فى الرواية والتحديث عن بنى اسرائيل ( ج ٢ ؛ ص ١٣٣ ) : « قال الامام أحمد : حدثنا شريح بن النعمان حدثنا هشيم أنبأنا مجالد عن الشعبى عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي (ص) قال : فغضب وقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والّذي نفسى به لقد جئتكم به بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به او بباطل فتصدقوا به ، والّذي نفسى به لو أن موسى كان حيا ما وسعه الا ان يتبعنى ( تفرد به أحمد واسناده على شرط مسلم ) » أقول : له نظائر من أرادها فليراجع مظانها.

(٢) ما بين المعقفتين أعنى من هنا الى قوله : « ذى تجاوز وتفاقم فليس عنى » فى م فقط وليس فى سائر النسخ.

(٣) كذا صريحا فى الاصل.

٣١١

عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ قال قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : يا أيّها النّاس لا تمسّكوا عليّ بشيء يخالف القرآن فانّى لا أحلّ الاّ ما أحلّ الله ولا أحرّم الاّ ما حرّم الله وكيف أقول بخلافه وبه هدانى الله عزّ وجلّ؟!

ورويتم عن بشر أيضا عن سليمان العامرىّ عن عمرو بن دينار عن محمّد بن عليّ عن النّبيّ (ص) : قال : اذا جاءكم الحديث عنّى فرأيتموه مضيّا (١) ليس بذى تجاوز ولا تفاقم فهو عنّى ، واذا رأيتموه ليس بذى مضىّ (٢) ذى تجاوز وتفاقم فليس عنّى (٣) ].

ورويتم عن أصحابكم عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : انّ الحديث سيفشو عنّى فاعرضوه على القرآن فما ليس يوافق القرآن فليس عنّى (٤).

[ رجعنا الى ذكر المواريث (٥) ]

ومن أعجب العجب تسميتكم (٦) المواريث فرائض وأنتم فيها مختلفون فان كان الله فرضها فلا يجوز أن تتقدّموا (٧) فرض الله عزّ وجلّ ، وان كنتم أنتم (٨) تفرضون فقد صيّرتم

__________________

(١ و ٢) الكلمتان فى الاصل كما فى المتن صريحا ؛ فليعلم أن عبارة الحديث مشوشة وحيث لم أتمكن من تصحيحها صورتها فى المتن كما كان فى الاصل.

(٣) هنا تم ما كان فى م فقط.

(٤) عبارة المتن عبارة نسخة م وعبارة سائر النسخ بدلها هكذا : « ورويتم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : ما أتاكم عنى من حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو عنى وما خالف كتاب الله فليس عنى وصدق ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ما يخالف حديثه كتاب الله ».

(٥) اكتفى من العنوان فى غير م بكلمة : « المواريث ».

(٦) م : « قسمتكم ».

(٧) غير م : « ان تتعدوا ما ».

(٨) غير م : « أنتم الذين ».

٣١٢

لكلّ من قال برأيه فرضا أوجبتموه على عباد الله تنتقلون فيه من حكم الى حكم والله عزّ وجلّ يقول : ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) (١) فقد أخبرنا الله أنّه قد فرض المواريث وبيّنها فقال : نصيبا مفروضا ؛ فمن أحلّ لكم أن تجيزوا (٢) اختلاف الصّحابة والتّابعين من بعدهم فيما قد جعله (٣) الله نصيبا مفروضا ؛ والنّصيب المفروض لا يزاد فيه ولا ينقص [ (٤) منه لأنّه قد قال الله عزّ وجلّ : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) (٥) فهل يجوز أن يتقدّم ما جعل الله له وسمّاه (٦) ] [ الاّ بتقدّمكم بين يدى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وتجاوزكم أمره والله تعالى يقول : ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) (٧) فو الله ما جوّزتموه (٨) له من قبل ولا من بعد حتّى اعترضتم لنقض ما وكّد (٩) الله عزّ وجلّ فيه فنقضتموه عروة عروة سنفسّر لكم من ذلك ما لا يخفى على ذى لبّ بعون الله وقوّته والله الموفّق وايّاه نستعين على أرشد الأمور فأوّل ما ننقم عليكم من ذلك ما رويتموه عن علمائكم (١٠) ] أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : انّ

__________________

(١) آية ٧ من سورة النساء.

(٢) غير م : « أن تجوزوا ».

(٣) م ح : « فيما جعله ».

(٤) ما بين المعقفتين فى م فقط.

(٥) صدر آية ٣٣ من سورة النساء.

(٦) فى الاصل : « جعل الله له رسما ».

(٧) من آية ٤ سورة الروم.

(٨) فى الاصل : « جوزتموهم » وكان الاولى ان يعبر المصنف (ره) عن مقصوده بلفظ « تركتموه » فكأنه (ره) تساهل فى التعبير.

(٩) فى الاصل : « وكل ».

(١٠) غير م بدل ما بين المعقفتين هكذا : « فلما جهلتم ما فرض الله تعالى من ذلك تقدمتم بين يدى الله ورسوله فقلتم بآرائكم وأمرتم الناس بأمر دون أمر الله وتجاوزتم ما قال فى كتابه اذ يقول واذا قيل لهم : تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ، فهل يصد عنه الا من ترك أمره ورضى بغيره وزعمتم ».

٣١٣

زيدا (١) أفرضكم وعليّ (٢) أقضاكم وأبىّ أقرؤكم (٣) ومعاذ أعلمكم بالحلال والحرام وقد علمتم أنّ القاضى لا يكون قاضيا حتّى يعرف هذه الخلال كلّها لا شكّ فيه [ اذ ] [ لا يكون أقضاهم حتّى يعرف الفرائض فيكون عالما بما أمر الله به (٤) ] منها فى كتابه وسنّة نبيّه (ص) ، ولا يكون أعلمهم بالحلال والحرام حتّى يعرف الفرائض لأنّها هى من الحلال والحرام (٥) [ فلا قراءة ابىّ قبلتم ولا فرائض زيد ، ولا قضاء عليّ ، ولا علم معاذ بالحلال والحرام (٦) ] فأمّا القضاء [ فقد رددتم قول عليّ (ع) فى رقّ أمّهات

__________________

(١) غير م : « زيد » ( من دون « ان » ).

(٢) هكذا فى جميع النسخ فعلى العطف على زيدا بناء على وجود « ان » كما فى نسخة م أيضا يجوز الرفع فى المعطوف بعد مضى الخبر كما قال ابن مالك :

« وجائز رفعك معطوفا على

منصوب ان بعد ان تستكملا »

(٣) فليعلم ان لهذا الحديث صدرا وذيلا وطرقا كثيرة فى كتب العامة قال ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة أبى ( ص ٢٧ من طبعة حيدرآباد سنة ١٣٣٧ ) : « وروى من حديث أبى قلابة عن أنس ومنه من يرويه مرسلا وهو الاكثر من رسول الله (ص) قال : أرحم أمتى بأمتى أبو بكر ، وأقواهم فى دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقضاهم على بن أبى طالب ، وأقرأهم أبى بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغيراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح ، وقد ذكرنا لهذا الحديث طرقا فيما تقدم من هذا الكتاب وقد روى من حديث أبى محجن الثقفى مثله سواء مسندا وروى أيضا من وجه ثالث وروينا عن عمر من وجوه أنه قال : أقضانا على وأقرأنا أبى وانا لنترك أشياء من قراءة أبى ».

(٤) غير م : « ولا يكون يعرف الفرائض حتى يعرف ما أمر الله به ».

(٥) م هنا « وقال : ابى أقرأكم ».

(٦) ما بين المعقفتين فى م فقط.

٣١٤

الأولاد وغير ذلك (١) ] [ و (٢) أمّا معاذ فلا نراكم تروون عنه حلالا ولا حراما الاّ الحرف والحرفين (٣) ] ، وأمّا فرائض زيد فلم يبق أحد من الصّحابة الاّ وقد اعترض عليه فيما (٤) فرض ، وأمّا أبىّ بن كعب فقد نبذتم قراءته ؛ وكذلك قراءة ابن مسعود (٥)

[ فيما (٦) تروون منها (٧) عن النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فلئن كان الّذي رويتموه عن رسول الله حقّا لقد خالفتم النّبيّ فيما قال فى هؤلاء النّفر ، ولئن كان باطلا لقد كذب من رواه عن رسول الله وقد قال (ص) ـ : من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار (٨) ].

ثمّ (٩) زعمتم أنّ زيد بن ثابت قال فى ابنة وأخت : للابنة (١٠) النّصف وللأخت النّصف ، فقيل لكم : لم أعطيتم الأخت النّصف مع الابنة؟ ـ فقلتم : لأنّ الله ـ تعالى ـ قال فى كتابه : ( وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) ، فقلنا لكم : اتلوا الآية من أوّلها

__________________

(١) غير م بدل ما بين الحاصرتين : « فقد رويتم قول على فى أمهات الاولاد وغير ذلك فقد خالفتموه فيما قضى فيهن ».

(٢) ما بين المعقفتين ليس فى م.

(٣) كذا فى جميع النسخ غير م.

(٤) غير م : « له فيما ».

(٥) قال المحدث النورى (ره) فى فصل الخطاب فى ضمن الدليل السادس الّذي فى ذكر أن هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما كان فى مصحف أبى بن كعب ( انظر ص ١٤٨ ) : « ومما يؤيد صحة قراءته مخالفته لزيد بن ثابت وطعنه عليه فى قراءته وهجر القوم قراءته قال فضل بن شاذان فى الايضاح : وأما أبى فقد نبذتم قراءته وكذلك قراءة ابن مسعود فيما تروون منهما ( فساق الكلام الى قوله : ) فى هؤلاء النفر ».

(٦) ق ج س مج : « وفيما ».

(٧) فى فصل الخطاب : « منهما ».

(٨) ما بين الحاصرتين ليس فى م ؛ فليعلم أنه قد تقدم الكلام منا فى هذا الحديث ( انظر ص ٢٠٠ ـ ٢٠٣ ).

(٩) فى غير م : « و ».

(١٠) م : « فللابنة ».

٣١٥

قال الله : [ (١) ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) (٢) فهذه الابنة ولد أم غير ولد؟

قلتم : وهى ولد ولكن هذه سنّة الصّحابة ، قلنا : فسنّة الصّحابة خلاف قول الله تعالى؟ ـ قلتم : ليس لنا [ أن ] نردّ على الصّحابة ، قلنا لكم : بل أن تردّوا على الله.

قلنا : وان كان مكان الأخت أخ؟ ـ قلتم : فله النّصف ، قلنا : قسم الله للأخت النّصف اذا لم يكن [ له ] ولد وقسمتم لها النّصف كملا (٣) مع الولد وكان يجب فى قياس قولكم أن تعطوا الأخ المال (٤) كلّه كملا لأنّه قال : وهو يرثها ان لم يكن لها ولد ؛

__________________

(١) فليعلم أن هنا نقصا فى غير م فى جميع النسخ الا ان فى نسخ مث ج س بياضا على قدر صفحة ونصف ورقة فى كل واحدة منها حتى يكون علامة للنقص لكن البياض لم يوضع فى نسخ ج ق مج الا أن كاتب نسخة ج قد التفت الى عدم تلائم العبارة هنا وكتب فوق هذه العبارة « قال الله لها : ثلث ما ذا أعطيتموها » كلمة : « كذا » حتى يتوجه القارى الى أن النسخة المكتوب منها قد كانت مشوشة ولا يتوجه الطعن إليه بأنه قد ارتكب خطاء واشتباها فى كتابة النسخة ، وأما نسختا ق مج فالعبارة فيهما جارية على حالها من دون اشارة الى النقص والتفطن له ، فعبارة المتن مطابقة لنسخة م فقط الى موضع نشير فيه الى تمام النقص وانقضاء ما هو فى م فقط.

(٢) صدر آخر آية من سورة النساء وهى آية ١٧٦.

(٣) قال الفيروزآبادى : « وأعطاه المال كملا محركة أى كاملا » وقال الزبيدى فى شرحه : « هكذا يتكلم به فى الجمع والوحدان سواء ، ولا يثنى ولا يجمع قال : وليس بمصدر ولا نعت انما هو كقولك أعطيته كله ». قال البستانى فى محيط المحيط يقال : أعطيته المال كملا اى كاملا وافيا ؛ قال الليث هكذا يتكلم به وهو سواء فى الجمع والوحدان وليس بمصدر ولا نعت انما هو كقولك : أعطيته المال الجميع ».

(٤) يشبهه ما نقله الشيخ المفيد (ره) باسناده الى مولانا محمد الباقر ـ عليه‌السلام ـ

٣١٦

فلا بكتاب الله رضيتم ، ولا القياس استعملتم.

__________________

فلا بأس بنقله وذلك أنه قال السيد المرتضى (ره) فى الفصول المختارة ( انظر الجزء الاول ص ١٣٣ ـ ١٣٤ من الطبعة الاولى ) ما نصه : « ومن حكايات الشيخ ـ أدام الله عزه ـ أيضا فى الميراث وحديثه : حدثنى الشيخ ـ أيده الله تعالى ـ قال : أخبرنى أبو الحسن أحمد بن محمد بن الوليد عن أبيه ـ رحمه‌الله ـ عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبى عمير عن عمر بن اذينة عن بكير بن أعين قال : جاء رجل الى أبى جعفر محمد بن على الباقر ـ عليه‌السلام ـ فقال له : يا أبا جعفر ما تقول فى امرأة تركت زوجها وأخويها لامها وأختا لابيها؟ ـ فقال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : للزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة أسهم وللاخوة من الام الثلث سهمان من ستة وللاخت من الأب ما بقى وهو السدس سهم من ستة ، فقال له الرجل : فان فرائض زيد وفرائض العامة والقضاة على غير ذلك يا أبا جعفر ، يقولون : للاخت من الأب ثلاثة أسهم من ستة تعول الى ثمانية فقال له أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : ولم قالوا ذلك؟ ـ قال : لان الله تعالى يقول : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) قال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : فان كانت الاخت أخا؟ ـ قال : ليس له الا السدس فقال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : فما لكم نقصتم الاخ ان كنتم تحتجون فى النصف للاخت بأن الله تعالى قد سمى لها النصف فان الله تعالى قد سمى للاخ أيضا الكل والكل أكثر من النصف ؛ قال الله سبحانه : ( فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) ، فلا تعطون الّذي جعل الله له الجميع فى بعض فرائضكم شيئا وتعطونه السدس فى موضع ، وتعطون الّذي جعل الله له النصف ذلك تاما ، فقال له الرجل : فكيف تعطى الاخت ـ أصلحك الله ـ النصف ولا يعطى الاخ شيئا؟ فقال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ يقولون فى أم وزوج واخوة لام وأخت لاب ؛ فيعطون الزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة تعول الى تسعة ، والام السدس ، والاخوة

٣١٧

وزعمتم أنّ زيدا قال فى الأكدريّة (١) امرأة ماتت وتركت زوجا وأختا

__________________

من الام الثلث ، والاخت من الأب النصف ثلاثة يرتفع من ستة الى تسعة قال : كذلك يقولون قال : فان كانت الاخت أخا لاب؟ ـ قال : ليس له شيء فقال الرجل لابى جعفر عليه‌السلام ـ فما تقول أنت؟ ـ رحمك الله ـ فقال : ليس للاخوة من الأب والام ولا للاخوة من الام ولا للاخوة من الأب مع الام شيء ».

__________________

(١) قال الجوهرى فى الصحاح وابن منظور فى لسان العرب : « والاكدرية مسألة فى الفرائض وهى زوج وأم وجد وأخت لاب وأم » وقال الفيومى فى المصباح المنير : « والاكدرية من مسائل الجد ؛ قيل : سميت بذلك لان عبد الملك ألقاها على فقيه اسمه او لقبه أكدر ، وقيل غير ذلك » وقال صاحب معيار اللغة : « والاكدرية كأحمر بياء النسبة وهاء مسألة فى الفرائض وهى زوج وأم وجد وأخت لاب وأم لقبت بها لانها سئل رجل عنها اسمه او لقبه أكدر فلم يعرفها وقيل غير ذلك » وقال البستانى فى محيط المحيط : « والاكدرية مسألة فى الفرائض وهى زوج وأم وجد وأخت لاب وأم ؛ لقبت بها لان عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا يقال له : أكدر فلم يعرفها ، أو كانت الميتة تسمى أكدرية ، أو لانها كدرت على زيد ».

أقول : أخذه البستانى من القاموس بعين عبارة الفيروزآبادي وقال الزبيدى فى تاج العروس مازجا شرحه بالمتن ما نصه :

« ( والاكدرية فى الفرائض ) مسألة مشهورة وهى ( زوج وأم وجد وأخت لاب وأم ) وأصلها من ستة وتعول لتسعة وتصح من سبعة وعشرين ؛ قاله شيخنا ( لقبت بها لان عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا يقال له أكدر فلم يعرفها ، أو كانت الميتة تسمى أكدرية ، أو لانها كدرت على زيد ) بن ثابت مذهبه لصعوبتها وقد استفتيت فيها شيخنا الفقيه المحدث أبا الحسن على بن موسى بن شمس الدين بن النقيب حفظه الله تعالى فأجاب

٣١٨

__________________

ما نصه : للزوج النصف ثلاثة ، وللام الثلث اثنان ، وللجد واحد ، وأصلها من ستة والقياس سقوط الاخت بالجد لانها عصبة بالغير ولكن فرض لها النصف ثلاثا لنص الله تعالى وبالنص يترك القياس فتصير المسألة من تسعة ثم يعود الجد والشقيقة الى المقاسمة أثلاثا للذكر مثل حظ الانثيين فانكسرت السهام الاربعة على ثلاثة مخرج الثلث ثلاثة من تسعة فى ثلاثة بتسعة وللام الثلث عائلا اثنان فى ثلاثة بستة والباقى اثنا عشر للجد ثمانية تعصيبا بالجد ومن هنا حصل التكدير على الاخت لكون فرضها عاد تعصيبا وحصل أيضا للجد لكونه كالاب يحجب الاخوة والاخوات فعاد انفراده بالتعصيب الى المقاسمة فشاركته الاخت فى التعصيب له الثلثان ولها الثلث ؛ فهذا وجه تلقيبها بالاكدرية ( انتهى ) ».

وفى هامش الكتاب :

« قوله : مخرج الثلث ثلاثة من تسعة ( الى آخره ) كذا بخطه وهى عبارة غير محررة والصواب ان يقول : فانكسرت سهامهما الاربعة على ثلاثة عدد رءوسهما فيضرب ثلاثة عدد رءوسهما فى أصل المسألة وعولها وهو تسعة يحصل سبعة وعشرون ومنها تصح للزوج من أصل المسألة وعولها ثلاثة تضرب فى جزء السهم الّذي هو ثلاثة عدد رءوس الجد والاخت يحصل تسعة فهى له وللام الثلث عائلا اثنان ( الى آخره ) ».

وقال أبو عبد الله موفق الدين محمد بن على الرحبى فى بغية الباحث عن جمل الموارث وهو اسم أرجوزة فى الفرائض ؛ قال مؤلف إيضاح المكنون : هذه الارجوزة منظومة لابى عبد الله محمد بن على بن محمد الرحبى المعروف بابن المتفننة المتوفى سنة ٥٧٧ سبع وسبعين وخمسمائة » ( انظر مجموع المتون العربية ص من النسخة المطبوعة سنة ) :

باب الاكدرية :

« والاخت لا فرض مع الجد لها

فيما عدا مسألة كملها »

« زوج وأم وهما تمامها

فاعلم فخير أمة علامها »

٣١٩

وأمّا (١) وجدّا : انّها من تسعة أسهم ؛ [ للزّوج ثلاثة أسهم (٢) ] وللأمّ سهمان ، وللأخت ثلاثة أسهم ، وللجدّ سهم. قال زيد (٣) : ثمّ تردّ الأخت نصيبها فيضاف الى نصيب الجدّ ثمّ يقسم بينهما للذّكر مثل حظّ الأنثيين. قلنا : هذه الفريضة خلاف قول الله عزّ وجلّ فى محكم كتابه لأنّ الله جعل للزّوج النّصف من جميع تركة امرأته ألا تراه يقول لمّا استثنى بالولد : ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ) (٤) فلم جعلتم له ثلاثة أسهم من تسعة وانّما هى الثّلث فأين النّصف الّذي فرض الله

__________________

« تعرف يا صاح بالاكدرية

وهى بأن تعرفها حرية »

« فيفرض النصف لها والسدس له

حتى تعول بالفروض المجملة »

« ثم يعودان الى المقاسمة

كما مضى فاحفظه واشكر ناظمه »

أقول : قد علم مما ذكرنا أن المسألة معروفة جدا بين علماء العامة بل معركة للآراء فمن أرادها فليطلبها من مظانها من كتبهم وأما عندنا معشر الخاصة فلا مورد للبحث عنها لانه لا يجوز أن ترث الاخت التى من الطبقة الثانية مع وجود من ذكر وفرض وجوده وهو من الطبقة الاولى فى المسألة وانما ذكرنا شيئا مما ذكرناه هنا ليصير القارئ لهذا الكتاب مطلعا على هذا الامر بما يكفى فى هذا المقام.

__________________

(١) فى الاصل : « ابنا » وهو غلط قطعا بدليل تصريح علماء اللغة وغيرهم بأن المفروض فى المسألة الام لا الابن.

(٢) ما بين المعقفتين من اضافاتنا لما يدل عليه قرينة السياق صدرا وذيلا ..

(٣) فى الاصل : « قال زيد ثم زيد ».

(٤) صدر آية ١٢ سورة النساء وما بعده : « فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ، ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ( الآية الى آخرها ).

٣٢٠