الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

ذكر الأذان

ورويتم عن أبى يوسف القاضى رواه محمّد بن الحسن عن أصحابه وعن أبى حنيفة قالوا : كان الأذان على عهد رسول الله (ص) وعلى عهد أبى بكر وصدرا من

__________________

بعد نقله وبيان معناه : « وقد بلغ هذا الحديث غاية الاشتهار حتى قيل بتواتره لفظا » وقال الشيخ حسين والد الشيخ البهائى فى وصول الاخيار الى أصول الاخبار ( ص ٧٧ من النسخة المطبوعة ) : « وحديث : من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ؛ متواتر عند العامة لانه نقله عن النبي (ص) الجم الغفير قيل : أربعون وقيل : اثنان وستون ثم لم يزل العدد فى ازدياد على التوالى الى يومنا هذا » وقال الشهيد الثانى فى شرح درايته الموسومة بالبداية ( ص ١٦ من النسخة المطبوعة ) : « نعم حديث : من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ؛ يمكن ادعاء تواتره فقد نقله عن النبي (ص) من الصحابة الجم الغفير أى الجمع الكثير قيل : الرواة منهم له أربعون وقيل : نيف ( بفتح النون وتشديد الياء مكسورة وقد تخفف ما زاد على العقد الى ان يبلغ العقد الاخر والمراد هنا اثنان ) وستون صحابيا ولم يزل العدد الراوى لهذا الحديث فى ازدياد وظاهر أن التواتر يحصل بهذا العدد بل بما دونه » ونقله المامقانيّ فى مقباس الهداية بهذه العبارة ( ص ٣١ من النسخة المنضمة فى الطبع لتنقيح المقال ) : « ونازع بعض المتأخرين فى ذلك وادعى وجود المتواتر بكثرة وهو غريب ثم قال : نعم ( فذكر الكلام الى آخره ) » وقال السيد حسن الصدر فى أوائل الرسالة العزيزة فى شرح الوجيزة ( وهو شرح وجيزة الشيخ البهائى فى علم دراية الحديث ) ضمن بحثه عن معنى المتواتر ونقل الاقوال فيه ما نصه ( انظر ص ١٣ من النسخة المطبوعة ) : « أقول : لا افراط ولا تفريط فان حديثى الغدير والمنزلة متواتران عندنا وحديث من كذب على ( الى آخره ) متواتر بالاتفاق ».

٢٠١

خلافة عمر ينادى فيه : حىّ على خير العمل ؛ فقال عمر بن الخطّاب : إنّى أخاف أن يتّكل النّاس على الصّلاة اذا قيل : حىّ على خير العمل ؛ ويدعوا الجهاد ، فأمر أن يطرح من الأذان « حىّ على خير العمل » وصار عندهم طرحه ايّاها سنّة وصارت السّنّة ما قال

__________________

قال ابن حجر العسقلانى فى نزهة النظر فى توضيح نخبة الفكر ( انظر ص ١٢ من النسخة المطبوعة ) : « ذكر ابن الصلاح أن مثال المتواتر على التفسير المتقدم يعز وجوده الا أن يدعى ذلك فى حديث من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » وأشار السيوطى فى الجامع الصغير الى موارد نقل الحديث فى الكتب المعتبرة ونقل كلامه يفضى الى طول فمن أراده فليراجع الحديث فى الكتاب واهتم بشرحه شرحا مبسوطا شراح الجامع الصغير ولا سيما المناوى فى فيض القدير ( انظر ج ٦ ؛ ص ٢١٦ ـ ٢١٤ ) أقول : بحث عن الحديث وصرح بصحة صدوره وثبوت نقله كل من ألف فى علم الحديث والدراية وأطال البحث عنه بعضهم بما لا مزيد عليه كصاحب كتاب قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث فانه قد عنونه فى كتابه بعنوان « الكلام على حديث : من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » فخاض فى البحث عنه والتحقيق فيه بقوله : « اعلم أن حديث من كذب على ... فى غاية الصحة ونهاية القوة حتى أطلق عليه جماعة أنه متواتر ( الى ان قال ) ولا سيما قد روى هذا الحديث عن جماعة كثيرين من الصحابة فحكى الامام أبو بكر الصيرفى فى شرحه لرسالة الشافعى أنه قد روى عن أكثر من ستين صحابيا مرفوعا وقال بعض الحفاظ : انه قد روى عن اثنين وستين صحابيا وفيهم العشرة المبشرة ولا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرة الا هذا ؛ ولا حديث يروى عن أكثر من ستين صحابيا الا هذا ، وقال بعضهم : انه رواه مائتان من الصحابة ( الى ان قال ) وقال ابن الصلاح : ثم لم يزل عدده فى ازدياد وهلم جرا على التوالى والاستمرار وليس فى الاحاديث ما فى مرتبته من التواتر ، وقيل : لم يوجد فى الحديث مثال للمتواتر الا هذا وقال ابن دحية : قد أخرج من نحو أربعمائة طريق ؛ كذا فى عمدة القارى للعينى ، وهو خلاصة ما قرره الحافظ ابن حجر فى الفتح ( الى آخر ما

٢٠٢

عمر (١) خلافا لما كان عليه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فلمّا اتّبعت الشّيعة أمر رسول الله فصاروا عندكم مبتدعين وصرتم أنتم أصحاب السّنّة وزعمتم أنّ رأى عمر فى

__________________

قال فمن أراده فليراجع ص ١٧٥ ـ ١٧٢ من الكتاب المذكور أعنى قواعد التحديث ) أقول : من أراد أن يستقصى البحث عنه ويستوفى الحظ منه فليراجع أوائل كتاب الموضوعات لابن الجوزى فانه عقد بابا فى ذلك الكتاب للبحث عن هذا الحديث وهو الباب الثانى من أبواب المقدمة فان شئت فراجع ( ج ١ ؛ ص ٩٨ ـ ٥٥ من النسخة المطبوعة ) فانه شاف كاف للمكتفى.

__________________

(١) قال العلامة المجلسى فى ثامن البحار فى باب تفصيل مثالب عمر ص ٢٩٩ من طبعة أمين الضرب ) : « الطعن الرابع عشر أنه أبدع فى الدين بدعا كثيرة » فأخذ فى ذكرها الى ان قال ( ص ٣٠٣ ) : « ومنها التثويب وهو قول : الصلاة خير من النوم ؛ روى فى جامع الاصول مما رواه عن الموطأ عن مالك أنه بلغه المؤذن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال : الصلاة خير من النوم ؛ فأمره عمر أن يجعلها فى الصبح ، ويظهر منها أن ما رووه أن النبي (ص) أمر بالتثويب من مفترياتهم ويؤيده أن رواياتهم فى الاذان خالية عن التثويب » أقول : قال ابن الاثير فى النهاية : « فيه : اذا ثوب بالصلاة فأتوها وعليكم السكينة ؛ التثويب هاهنا اقامة الصلاة والاصل فى التثويب ان يجيء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمى الدعاء تثويبا لذلك وكل داع مثوب ، وقيل : انما سمى تثويبا من ثاب يثوب اذا رجع فهو رجوع الى الامر بالمبادرة الى الصلاة وأن المؤذن اذا قال : حي على الصلاة ؛ فقد دعاهم إليها ، واذا قال بعدها : الصلاة خير من النوم ؛ فقد رجع الى كلام معناه المبادرة إليها ؛ ومنه حديث بلال قال : أمرنى رسول الله (ص) أن لا أثوب فى شيء من الصلاة الا فى صلاة الفجر وهو قوله : الصلاة خير من النوم ؛ مرتين » أقول : مراد المجلسى من رواياتهم المفتراة أمثال ما نقله ابن الاثير عن بلال عن النبي (ص) ».

٢٠٣

هذا أفضل من رأى رسول الله والله يسائلكم (١) عن هذا وقبض رسول الله (ص) والمؤذّنون يؤذّنون بها وفى زمن أبى بكر وصدرا من زمن عمر وقد رأيناكم صنعتم أكثر ممّا أنكرتم وأعجب أنّ منكم من يقول فى أذان الفجر والعشاء الآخرة بين الأذان والاقامة بعد « حىّ على الفلاح » : الصّلاة خير من النّوم ، ومنكم من لا يقول ذلك ولا ينكر بعضكم على بعض؟! ونسبتم الشّيعة حين اتّبعوا رسول الله (ص) الى الخلاف والبدعة وتسمّيتم بالجماعة [ وأهل السّنّة ] حين أجمعتم (٢) على خلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأجمعتم (٣) على غسل الرّجلين والمسح على الخفّين وادّعيتم أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عمل بخلاف ما نزل به القرآن ثمّ رويتم فى ذلك أحاديث أنّ رسول الله (ص) فعل خلاف ما أمره الله [ به ] ، وأنزل عليه به القرآن وقد قال الله جلّ ذكره : ( اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ) (٤) ، وزعمتم أنّه اتّبع غير ما اوحى

__________________

(١) كذا صريحا من باب المفاعلة ؛ قال الزبيدى فى تاج العروس فيما استدركه على مادة « سء ل » من القاموس : « وساءلته مسائلة قال أبو ذؤيب :

أساءلت رسم الدار أم لم تسائل

عن السكن أم عن عهده بالاوائل »

وقال البستانى فى محيط المحيط : « ساءله وسايله وعنه وبه مساءلة ومسايلة بمعنى سأل ومنه قول أبى فراس بن حمدان العدوى :

تسائلنى من أنت وهى عليمة

بحالى وهل حالى على مثلها نكر

وأما قول بلال بن جرير :

اذا ضفتهم او سآيلتهم

وجدت بهم علة حاضرة

فانه جمع بين الهمزة التى فى سأل والياء التى فى سايل فصار وزنه فعايلتهم وهذا مثال لا نظير له ».

(٢) فى الاصل : « اجتمعتم ».

(٣) فى الاصل : « اجتمعتم ».

(٤) صدر آية ٣ سورة الاعراف.

٢٠٤

إليه وذلك أنّ المسح على الرّأس والرّجلين ناطق بهما الكتاب ؛ وكانت روايتكم الكاذبة أوثق عندكم من القرآن النّاطق فصدّقتم بما لا تدرون لعلّه من المنافقين الّذين ذكرهم الله فقال : ( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ * اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (١) فتركتم فرض الوضوء لقولهم ؛ فتركتم ما لا تشكّون (٢) أنّ الله أنزله فلم يوحشكم ذلك ولم ـ يقبح عندكم.

وأجمعتم (٣) على كذبة كذّب بها على أهل الحقّ فجعلتموها إماما وافتتاحا لصلاتكم فى قولكم : وتعالى جدّك ؛ وقد قال الله عزّ وجلّ : ( فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٤) أولم يخبرنا عن ابراهيم ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٥) وقد أمر نبيّنا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقال : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (٦) وحكى الله عزّ وجلّ عن الجنّ حكاية قالوها : ( وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ) (٧) فلا قول ابراهيم ـ عليه‌السلام ـ استحسنتم ولا به اقتديتم ، ولا بقول الله تعالى لنبيّه (ص) رضيتم ، بل اخترتم واستحسنتم واتّبعتم قول الجنّ ؛ هكذا كان استفتاح عمر بن الخطّاب واقتديتم به دون ابراهيم ومحمّد صلّى الله عليهما وآلهما.

وأجمعتم (٨) على السّجدات فى الفرائض فصرتم تسجدون فى الفريضة اذا كانت السّجدة فى وسط السّورة واذا كانت فى آخرها لم تسجدوا وزعمتم أن تسجدوا وتدعوا السجود فاذا كان يجوز أن تسجدوا وتدعوا [ السّجود ] فقد يجوز أن لا تسجدوا فى

__________________

(١) آية ١٤ و ١٥ سورة البقرة.

(٢) فى الاصل : « لا تسألون ».

(٣) فى الاصل : « واجتمعتم ».

(٤) ذيل آية ١٧ وتمام آية ١٨ سورة الزمر.

(٥) آية ٧٩ سورة الانعام.

(٦) آيتا ١٦٢ و ١٦٣ سورة الانعام.

(٧) آية ٣ سورة الجن.

(٨) فى الاصل : « واجتمعتم ».

٢٠٥

السّورة اذا قرأتم عزيمة من عزائم السّجود انّه لا يجوز أن تسجدوا فى وسطها ولا خلاف بين الأمّة فى عدد سجدات الفريضة ؛ فزدتم فى الصّلاة سجدة بلا كتاب ولا سنّة فان زعمتم أنّ فى ذلك سنّة أو حديثا تروونه فما دعواكم مقبولة ولا يجمع أهل السّنّة الاّ يقرءون (١) السّجدة فى الفريضة لأنّ سجود الفريضة معلومة لا يزاد فيها ولا ينقص منها.

وقلتم : انّ من سبقه الامام بركعتين فقد أدرك الجماعة ولا يقرأ فى الرّكعتين اللّتين أدرك ، ويقرأ فى الرّكعتين الأخيرتين فجعلتموها فى الأخيرتين بلا كتاب ولا سنّة ، وكذلك من سبقه الامام بركعة فلم يتشهّد فى وقت قيامه ويقوم فى وقت تشهّده ولم يكن عندكم أكثر من استبشاع الحقّ واستحسان خلافه وهو ما جهلتم من السّنّة.

وقلتم : لو أنّ رجلا صلّى على النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لفسدت الصّلاة وقطعها ؛ فجعلتم الصّلاة على النّبيّ (ص) بمنزلة فرية أو كلام قبيح عندكم يقال فى الصّلاة ، وكذلك اذا حمد الله عند العطسة فى الصّلاة قلتم : انّ صلاته فاسدة فلم يقبح عندكم أن قلتم : انّ ذكر الله عزّ وجلّ والصّلاة على النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقطع الصّلاة ويفسدها.

ورويتم أنّ الجنب لا يقرأ القرآن فى الحمّام ولا فى الخلاء وليس فى القرآن شيء أعلى من ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وأنتم تروون أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كان اذا دخل الخلاء قال : بسم الله وبالله اللهمّ انّى أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبث الشّيطان الرّجيم ، وأحدكم اذا دخل الحمّام او الكنيف وفى خاتمه ذكر الله أو بعض القرآن [ أ ] والدّراهم الّتي فيها اسم الله نحّاه (٢) فاذا أنتم تنكرون على النّاس ما تدخلون فى أكبر منه ليس عندكم فيه معرفة الاّ رواية لا توافق كتابا ولا سنّة فاذا سألتم عن ذلك قلتم : عليه السّنّة والجماعة وأنكرتم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من القرآن الاّ الّتي فى النّمل فطعنتم (٣) بذلك على أبى بكر وعمر فيما أثبتوا فى صدر كلّ سورة فما

__________________

(١) كذا ولعل الصحيح : « أن يقرءوا ».

(٢) فى الاصل : « نجاه » ( بالجيم ).

(٣) فى الاصل : « قطعتم ».

٢٠٦

نراكم نجوتم من الهلاك فى احدى الحالتين فان زعمتم أنّهم أثبتوا فى القرآن ما ليس فيه لقد هلك من زاد فى القرآن ما ليس فيه ، ولئن كان من القرآن لقد كتمتم آية من كتاب الله ولم تظهروها فى صلاتكم فمن أىّ الحالتين نجوتم؟!.

ورويتم أنّ عمر بن الخطّاب قال : لا يصلّى الجنب ولو شهرا والله عزّ وجلّ يقول : ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) والأمّة قاطبة على خلاف قول عمر فهل يعاب أحد بأكثر ممّا نسبتم إليه عمر؟!

ورويتم أنّ ذبائح أهل الكتاب حلال والله عزّ وجلّ يقول : ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ ) ؛ الآية (٢) فوثقتم باليهود وزعمتم أنّهم يسمّون الله على ذبائحم والله عزّ وجلّ يقول : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) (٣) ؛ فوثقتم فى عروة من عرى الاسلام بأشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا وفيما سمّى الله عزّ وجلّ : « مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » شرك وفسق ؛ فانظروا من وقع عليه قول الله فى الشّرك والفسق ومن يجادل فى أكل ذبائحهم غيركم؟!

وكذلك النّصارى انّما يقولون على ذبائحهم باسم المسيح لأنّهم يجعلون المسيح ربّهم ثمّ قلتم تجادلون عن ذبائحهم : انّ الله عزّ وجلّ يقول : ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) (٤) وانّما عنى بذلك وأشباهه الطّعام الّذي ليس فيه روح ؛ فجعلتم

__________________

(١) ذيل آية ٥ سورة المائدة.

(٢) صدر آية ١٢١ سورة الانعام ؛ وذيلها : ( لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. )

(٣) صدر آية ٨٢ سورة المائدة.

(٤) من آية ٥ سورة المائدة وقال المحدث القاسانى فى الصافى فى تفسير الآية :

٢٠٧

أنتم الطّعام الّذي أحلّه الله ذبائحهم وقلتم : قد أحلّ ذبائحهم وهو يعلم ما تقولون جرأة منكم على الله عزّ وجلّ ؛ وهذا أبو بكر يقول : ندمت على أن لا أكون سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن ذبائح أهل الكتاب (١) فلئن كانت حلالا عندكم لقد زعمتم أنّكم أفقه منه وأنّكم علمتم من كتاب الله وسنّة نبيّه (ص) ما لم يعلم أبو بكر ، وان لم تقبلوا منه لقد طعنتم عليه أن شكّ فيما حرّم الله فلم يدر أحلال هو أم حرام؟

وروى يزيد بن هارون وخالد بن عبد الله (٢) الواسطىّ عن أصحابهما عن ابن

__________________

« القمى قال : عنى بطعامهم هاهنا الحبوب والفاكهة غير الذبائح التى يذبحونها فانهم لا يذكرون اسم الله خالصا على ذبائحهم ثم قال : والله ما استحلوا ذبائحكم فكيف تستحلون ذبائحهم؟! فى الكافى وغيره عنهما فى عدة أخبار أن المراد به الحبوب والبقول وفى بعضها لا تأكل من ذبائح اليهود والنصارى ولا تأكل من آنيتهم وفى بعضها : الذبيحة بالاسم ولا يؤمن إليها الا أهل التوحيد ، وفى بعضها : اذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله فكلوا ذبائحهم وان لم تشهدوهم فلا تأكلوا ؛ وان أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سموا فكل ، وفى بعضها : لا تأكله ولا تتركه تقول : انه حرام ولكن تتركه تنزها عنه ؛ ان فى آنيتهم الخمر ولحم الخنزير » أقول : من أراد البحث عن الآية مبسوطا ومستوفى فليراجع « باب ذبائح الكفار من أهل الكتاب وغيرهم والنصاب والمخالفين » من المجلد الرابع عشر من البحار ( ص ٨١١ ـ ٨١٨ من طبعة أمين الضرب ) فان المجلسى قد جمع فيه الاحاديث والاقوال وما أوردوا فيه من الاستدلال بحيث لا مزيد عليه.

__________________

(١) تقدم اسناد الحديث الّذي ما فى المتن جزء منه فراجع ص ١٦١ من الكتاب.

(٢) فى الاصل « عبيد الله » فكأن المراد به خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطى المزنى الّذي قال فى حقه العسقلانى فى تقريب التهذيب بعد ذكر اسمه بما عبرنا به عنه : « مولاهم ثقة ثبت من الثامنة مات سنة اثنتين وثمانين وكان مولده سنة عشر ومائة ».

٢٠٨

سيرين أنّه سئل عن ذبائح النّصارى وهو يقول : إنّهم يقولون عند ذبائحهم : باسم المسيح ، فقال : قد أحلّ الله ذبائحهم وهو يعلم بما يقولون عند ذبائحهم باسم المسيح فقال : قد أحلّ الله ذبائحهم وهو يعلم بما يقولون ، وقد حرّم الله فى كتابه ما أهلّ لغير الله به وما لم يذكر اسم الله عليه ثمّ اتّخذتم هذا القول سنّة ثمّ أنتم تعيبون على الشّيعة الّذين لا يخالفون الكتاب ، ولو أعطى أحدهم الدّنيا أن يأكل ذبيحة يهودىّ أو نصرانىّ ما فعل الاّ أنّ ذبيحة يذكر اسم الله عليها.

ثمّ تأوّلتم قول الله عزّ وجلّ : ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) ؛ انّما عنى به الذّبائح ، ولا خلاف بين الأمّة أنّ الحبوب والعسل واللّوز والجوز والزّبيب وما أشبه ذلك من الطّعام ، فتأوّلتم أنّه بما عنى الذّبائح لثقتكم باليهود والنّصارى فان تأوّلتم أنّ طعام الّذين اوتوا الكتاب حلّ لكم فهم يأكلون لحم الخنزير فهو على تأوّلكم يحلّ لكم ، وان قلتم : انّ الله حرّم لحم الخنزير قلنا : قد حرّم ما أهلّ به لغير الله وما لم يذكر اسم الله عليه فأىّ الفريقين أحقّ بالأمن ممّا يخاف ؛ الّذي يجتنبه أو الّذي يقدم عليه؟

ذكر ما ذهب من القرآن (١)

ورويتم أنّ أبا بكر وعمر جمعا القرآن من أوّله الى آخره من أفواه الرّجال

__________________

(١) قال المحدث النورى (ره) فى فصل الخطاب فى أوائل المقدمة الثالثة ضمن ذكره أسامى القائلين باسقاط بعض الآيات من القرآن ووقوع التغيير فيه والنقصان ما نصه ( ص ٢٨ ـ ٢٩ ) :

« وممن ذهب الى هذا القول الشيخ الثقة الجليل الاقدم فضل بن شاذان فى مواضع من كتاب الايضاح ويظهر من كتابه أن ضياع طائفة من القرآن من المسلمات عند العامة قال ـ رحمه‌الله ـ فى أوائل الكتاب بعد نقل مذهب العامة

٢٠٩

بشهادة شاهدين وكان الرّجل الواحد منهم اذا أتى بآية سمعها من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لم يقبلا منه ، واذا جاء اثنان بآية قبلاها وكتباها.

__________________

الذين سموا أنفسهم بأهل السنة والجماعة فى مأخذ الحلال والحرام وكيفية استنباط الفروع ما لفظه : قيل لهم : ان أكذب الروايات وأبطلها ما نسب الله تعالى فيه الى الجور ونسب نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الى الجهل ( فنقل الكلام الى قوله ) فكيف جاز أن تضيعوا القرآن ولا يجوز ان تضيعوا السنة ولما عجزتم عن جميع السنة كما عجزتم عن جميع القرآن ؛ انتهى موضع الحاجة ويأتى بعض كلماته ورواياته ومنه يظهر أن القول بعدم النقصان فى العامة انما حدث بعده » ( ان أردت الكلام فى الكتاب فراجع ص ١٠٥ ؛ س ٨ ـ ص ١٠٧ ؛ س ١٧ ) وقال أيضا فيه عند خوضه فى أن كل ما وقع فى الامم السابقة خصوصا بنى اسرائيل يقع فى هذه الامة ما نصه ( ص ٣٣ ) : « يو ـ الثقة الجليل فضل بن شاذان فى جملة كلام له : ان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال لامته : أنتم أشبه شيء ببنى اسرائيل والله ليكون فيكم ما كان فيهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه » ويأتى ذكره فى باب الرجعة. وقال أيضا فيه ( ص ٦٧ ) : « وقال الشيخ فضل بن شاذان صاحب الرضا عليه‌السلام فى كتاب الايضاح فى مسألة الرجعة بعد كلام طويل : ولسنا ننكر لله قدرة ان يحيى الموتى ( فساق الكلام الى قوله ) ورجعوا الى الدنيا فأكلوا وشربوا ونكحوا النساء ( الى آخر ما قال ) » ويأتى فى الكتاب. وقال أيضا فيه ( ص ٧٤ ) : « قال الفضل بن شاذان فى الايضاح : وأما فرائض زيد فلم يبق أحد من الصحابة الا وقد اعترض له فيما فرض ؛ ( ونقل شطرا وافيا من قضاياه فى الميراث على خلاف الكتاب والسنة ) » ويأتى ذكره فى الكتاب عند البحث عن الفرائض وقال أيضا فيه عند ذكره الاخبار التى تدل على سقوط شيء من القرآن صريحا وبها تمسك من أثبت وجود منسوخ التلاوة فيه مع عدم اشارة فيها إليه ( ص ٩٣ ) : « لب ـ أحمد بن محمد السيارى فى كتاب القراءات بعد ذكر خبر سنده : البرقى عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان

٢١٠

ثمّ رويتم أنّ عثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن عوف كانا وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصّحيفة الّتي فيها القرآن ؛ فذهب من القرآن

__________________

رفعه إليهم عليهم‌السلام قال : وفى حديث آخر انه كان فى سورة الاحزاب : لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ نظر ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب ؛ لج ـ الثقة الجليل فضل بن شاذان فى الايضاح : فى جملة كلام تقدم بعضه مثله » وقال أيضا فيه ( ص ٩٥ ) : « مح ـ فضل بن شاذان فى الايضاح : ورويتم [ ان ] لم يكن الذين كفروا كانت مثل سورة البقرة قبل أن يضيع منها ما ضاع فانما بقى فى أيدينا منها ثمان آيات أو تسع آيات ( الى آخره ) » وهذا الكلام فى المبحث الّذي نحن الآن فيه. وقال أيضا فيه ( ص ١٤٢ ) : « ويأتى عن الاستغاثة أنه استشهد المهاجرين والانصار على أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : رضيت لامتى ما رضى لها ابن أم عبد ؛ فشهدوا جميعا بذلك ورواه الفضل بن شاذان فى الايضاح من غير حكاية الاستشهاد وهذا أيضا فى المبحث الّذي نحن الآن فيه وقال أيضا فيه ضمن ذكره الدليل الثامن على ما ادعاه ( ص ١٧٦ ) : « لج ـ الشيخ فضل بن شاذان فى الايضاح من طريق العامة عن هشام عن ابن جريح عن عطاء فى حديث قال : سمعت ابن عباس يراها ( أى المتعة ) حلالا وأخبرنى أنه كان يقرأ : فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى. لد ـ وفيه عن بشر بن المفضل قال : حدثنا داود بن أبى هند عن أبى نصرة قال : سألت عن ابن عباس عن متعة النساء فقال : أما تقرأ سورة النساء؟ ـ قلت : بلى قال : وما تقرأ فيها : فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى؟ ـ قال : لو لا قرأتها هكذا لم أسألك عنها قال : فانها كذلك. له ـ وفيه : عن وكيع قال : حدثنا عيسى القارى عن عمر بن مرة عن سعيد بن جبير أنه قرأ : فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى » ويأتى هذه الأحاديث الثلاثة فى مبحث المتعة من الكتاب ان شاء الله تعالى.

أقول : هذه هى بعض الموارد التى صرح فيها المحدث النورى (ره) فى فصل الخطاب بنقله عن كتاب الايضاح للفضل بن شاذان ويأتى الاشارة الى بعضها الاخر فى آخر مبحث القرآن.

٢١١

جميع ما كان فى تلك الصّحيفة (١).

__________________

(١) هذه القضية بهذا الوجه لم أرها الى الآن على ما ببالى فى كتاب ؛ نعم نظيرها فى المعنى مذكور فى الكتب وهى هكذا قال الراغب فى كتاب المحاضرات تحت عنوان « ومما جاء فى مبدأ القرآن ونزوله » ( ج ٢ ؛ ص ٢٥٠ من طبعة مصر سنة ١٢٨٧ أو ص ١٨٩ من ج ٢ من طبعة مصر سنة ١٣٢٦ ) ما نصه : « وقالت عائشة : لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير وكانتا فى رقعة تحت سريرى وشغلنا بشكاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فدخلت داجن فأكلته » وقال الدميرى فى حياة الحيوان : « الداجن الشاة التى يعلفها الناس فى منازلهم وكذلك الناقة والحمام البيوتى والانثى داجنة والجمع دواجن ، وقال أهل ـ اللغة : دواجن البيوت ما ألفها من الطير والشاء وغيرهما وقد دجن فى بيته اذا لزمه قال ابن السكيت : شاة داجن وراجن اذا ألفت البيوت واستأنست ( الى ان قال : ) وفى صحيح ـ مسلم عن ابن عباس أن ميمونة أخبرته أن داجنة كانت لبعض نساء النبي (ص) فماتت فقال رسول الله (ص) : ألا أخذتم اهابها فاستمتعتم به ، وفيه وفى السنن الاربعة عن عائشة : قالت : لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كانت فى صحيفة تحت سريرى فلما مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها » أقول : نص عبارة سنن ابن ـ ماجة فى باب رضاع الكبير من أبواب النكاح هكذا ( ص ١٣٩ ـ ١٤٠ من طبعة كراجى باكستان ) : « حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ، حدثنا عبد الاعلى عن محمد بن اسحاق عن عبد الله بن أبى بكر عن عمرة عن عائشة ، وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان فى صحيفة تحت سريرى فلما مات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها » وقال السيوطى فى الدر المنثور فى تفسير هذه الفقرة « وأمهاتكم التى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة » من آية ٢٣ من سورة النساء ( ج ٢ ؛ ص ١٣٥ ) : « وأخرج ابن ماجة عن عائشة قالت : لقد نزلت آية الرجم ؛ الحديث ». ونقله الامام أحمد بن حنبل فى مسنده هكذا ( انظر ج ٦ ؛ ص ٢٦٩ ) : « حدثنا عبد الله ، حدثنى أبى حدثنا يعقوب قال : حدثنا أبى عن ابن اسحاق قال :

٢١٢

ورويتم أنّ سورة براءة ما منعهم أن يكتبوا أوّلها بسم الله الرّحمن الرّحيم الاّ

__________________

حدثنى عبد الله بن أبى بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت : لقد أنزلت آية الرجم ورضعات الكبير عشرا فكانت فى ورقة تحت سريرى فى بيتى فلما اشتكى رسول الله (ص) تشاغلنا بأمره فدخلت دويبة لنا فأكلتها ».

وقال ابن قتيبة الدينورى فى أواخر تأويل مختلف الحديث تحت عنوان : « قالوا : حديث يدفعه الكتاب وحجة العقل » ما نصه ( انظر ص ٣٩٧ ـ ٤٠٤ من طبعة مصر سنة ١٣٢٦ ه‍ ، أو ص ٣١٠ ـ ٣١٥ من طبعة مصر سنة ١٣٨٦ ه‍ ) : « قالوا : رويتم عن محمد بن اسحاق عن عبد الله بن أبى بكر عن عمرة عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ انها قالت : لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشر فكانت فى صحيفة تحت سريرى عند وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما توفى وشغلنا به دخلت داجن للحى فأكلت تلك الصحيفة. قالوا : وهذا خلاف قول الله تبارك وتعالى : ( وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) فكيف يكون عزيزا وقد أكلته شاة وأبطلت فرضه وأسقطت حجته؟! وأى أحد يعجز عن ابطاله والشاة تبطله؟! وكيف قال : اليوم أكملت لكم دينكم وقد أرسل إليه ما يأكله؟! وكيف عرض الوحى لا كل شاة ولم يأمر باحرازه وصونه؟! ولم أنزله وهو لا يريد العمل به؟!

قال أبو محمد : ونحن نقول : ان هذا الّذي عجبوا منه كله ليس فيه عجب ولا فى شيء مما استفظعوا منه فظاعة ؛ فان كان العجب من الصحيفة فان الصحف فى عصر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلى ما كتب فيه القرآن لانهم كانوا يكتبونه فى الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا ، قال زيد بن ثابت : أمرنى أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ بجمعه فجعلت أتتبعه من الرقاع والعسب واللخاف ، والعسب جمع عسيب النخل ، واللخاف حجارة رقاق واحدها لخفة ، وقال الزهرى : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن فى العسب والقضم والكرانيف ، والقضم جمع قضيم وهى الجلود ؛ و

٢١٣

أنّ صدرها ذهب.

__________________

الكرانيف أصول السعف الغلاظ واحدها كرنافة ، وكان القرآن متفرقا عند المسلمين ولم يكن عندهم كتاب ولا آلات ، يدلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكتب الى ملوك الارض فى أكارع الاديم.

وان كان العجب من وضعه تحت السرير فان القوم لم يكونوا ملوكا فتكون لهم الخزائن والاقفال وصناديق الابنوس والساج وكانوا اذا أرادوا احراز شيء أو صونه وضعوه تحت السرير ليأمنوا عليه من الوطء وعبث الصبى والبهيمة ، وكيف يحرز من لم يكن فى منزله حرز ولا قفل ولا خزانة الا بما يمكنه ويبلغه وجده ومع النبوة التقلل والبذاذة كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه ويخصف نعله ويصلح خفه ويمهن أهله ويأكل بالارض ويقول : انما أنا عبد آكل كما يأكله العبد ، وعلى ذلك كانت الأنبياء عليهم‌السلام ـ وكان سليمان عليه‌السلام وقد آتاه الله من الملك ما لم يؤت أحدا قبله ولا بعده يلبس الصوف ويأكل خبز الشعير ويطعم الناس صنوف الطعام ، وكلم الله موسى عليه‌السلام وعليه مدرعة من شعر أو صوف وفى رجليه نعلان من جلد حما رميت فقيل له : اخلع نعليك انك بالواد المقدس طوى ، وكان عيسى عليه‌السلام يحتبل بحبل من ليف ؛ وهذا أكثر من أن نحصيه وأشهر من أن نطيل الكتاب به.

وان كان العجب من الشاة فان الشاة أفضل الانعام ، وقرأت فى مناجاة عزير ربه أنه قال : اللهم انك اخترت من الانعام الضائنة ومن الطير الحمامة ومن النبات الحبلة ، ومن البيوت بكة وأيلياء ، ومن أيلياء بيت المقدس ، وروى وكيع عن الاسود بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ما خلق الله دابة أكرم عليه من النعجة فما يعجب من أكل الشاة تلك الصحيفة. وهذا الفأر شر حشرات الارض يقرض المصاحف ويبول عليها ، وهذا العثّ يأكلها ، ولو كانت النار أحرقت الصحيفة أو ذهب بها المنافقون كان العجب منهم أقل ، والله تعالى يبطل الشيء اذا أراد ابطاله بالضعيف والقوى فقد أهلك قوما بالذر كما أهلك

٢١٤

ورويتم أنّ عمر بن الخطّاب قال : لقد قتل باليمامة قوم يقرءون قرآنا

__________________

قوما بالطوفان ، وعذب قوما بالضفارع كما عذب آخرين بالحجارة ، وأهلك نمروذ ببعوضة وغرق اليمن بفأرة.

وأما قولهم : كيف يكمل الدين وقد أرسل ما أبطله؟!

فان هذه الآية نزلت عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حجة الوداع حين أعز الله تعالى الاسلام وأذل الشرك وأخرج المشركين عن مكة فلم يحج فى تلك السنة الا مؤمن ، وبهذا أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على المسلمين فصار كمال الدين هاهنا عزه وظهوره وذل الشرك ودروسه لا تكامل الفرائض والسنن لانها لم تزل تنزل الى أن قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهكذا قال الشعبى فى هذه الآية. ويجوز أن يكون الاكمال للدين برفع النسخ عنه بعد هذا الوقت.

وأما ابطاله اياه فانه يجوز أن يكون أنزله قرآنا ثم أبطل تلاوته وأبقى العمل به كما قال عمر ـ رضى الله عنه ـ فى آية الرجم وكما قال غيره فى أشياء كانت من القرآن قبل ان يجمع بين اللوحين فذهبت ، واذا جاز ان يبطل العمل به وتبقى تلاوته جاز ان تبطل تلاوته ويبقى العمل به ، ويجوز أن يكون أنزله وحيا إليه كما كان تنزل عليه أشياء من أمور الدين ولا يكون ذلك قرآنا كتحريم نكاح العمة على بنت أخيها ، والخالة على بنت أختها ، والقطع فى ربع دينار ، ولا قود على والد ولا على سيد ، ولا ميراث لقاتل. وكقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يقول الله تعالى : « انى خلقت عبادى جميعا حنفاء » ، وكقوله يقول الله عزّ وجلّ : من تقرب الى شبرا تقربت منه ذراعا ؛ وأشباه هذا ، وقد قال عليه‌السلام اوتيت الكتاب ومثله معه ؛ يريد : ما كان جبريل عليه‌السلام يأتيه به من السنن وقد رجم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورجم الناس بعده وأخذ بذلك الفقهاء.

فأما رضاع الكبير عشرا ؛ فنراه غلطا من محمد بن اسحاق ولا نأمن أيضا أن يكون الرجم الّذي ذكر أنه فى هذه الصحيفة كان باطلا لان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم

٢١٥

كثيرا لا يقرؤه غيرهم فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النّفر. وزعمتم أنّ عمر

__________________

قد رجم ماعز بن مالك وغيره قبل هذا الوقت فكيف ينزل عليه مرة أخرى؟! ولان مالك بن أنس روى هذا الحديث بعينه عن عبد الله بن أبى بكر عن عمرة عن عائشة ـ رضى الله عنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن فتوفى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهن مما يقرأ من القرآن ، وقد أخذ بهذا الحديث قوم من الفقهاء منهم الشافعى واسحاق وجعلوا الخمس حدا بين ما يحرم وما لا يحرم كما جعلوا القلتين حدا بين ما ينجس من الماء ولا ينجس ، وألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن اسحاق.

قال أبو محمد : حدثنا أبو حاتم قال : نا الاصمعى قال : معمر قال : قال لى أبى : لا تأخذن عن محمد بن اسحاق شيئا فانه كذاب ؛ وقد كان يروى عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير وهى امرأة هشام بن عروة ، فبلغ ذلك هشاما فأنكره وقال : أهو كان يدخل على امرأتى أم أنا؟!

وأما قول الله تبارك وتعالى : ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) فانه تعالى لم يرد بالباطل أن المصاحف لا يصيبها ما يصيب سائر الاعلاق والعروض وانما أراد أن الشيطان لا يستطيع أن يدخل فيه ما ليس منه قبل الوحى وبعده ».

أقول : هذا شرط مما ذكره علماء العامة فى هذا المطلب ولا مجال لنقل أكثر من ذلك هنا الا أن أعجب العجب أنهم مع خوضهم فى نقل ذلك وأمثاله واصرارهم على اثباتها بدلائل وافية عندهم وبيانات شافية على زعمهم اذا تفطنوا بقبحها والتفتوا الى ركاكتها ووقاحتها يرمون بها الشيعة وينسبونها إليهم ، ولعمرى ان تلك اذا قسمة ضيزى ألا ترى الى قول جار الله الزمخشرى وهو من أعاظم العلماء ومفاخر الاسلام فى الكشاف فى أول تفسير سورة الاحزاب ونص عبارته بعد البسملة : « عن زر قال قال لى أبى بن كعب ـ رضى الله عنه ـ : كم تعدون سورة الاحزاب؟ ـ قلت : ثلاثا وسبعين آية

٢١٦

قال (١) : لو لا أنّى أخاف أن يقال : زاد عمر فى القرآن ؛ أثبتّ هذه الآية ، فانّا كنّا نقرأها على

__________________

قال : فو الّذي يحلف به أبى بن كعب ان كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ؛ ولقد قرأنا منها آية الرجم : الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.

أراد أبى ـ رضى الله عنه ـ أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت فى صحيفة فى بيت عائشة ـ رضى الله عنها ـ فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض ».

ونظيره ما اتهم به صاحب بعض فضائح الروافض الشيعة وأجاب عنه الشيخ عبد الجليل القزوينى فى بعض مثالب النواصب فى نقض بعض فضائح الروافض فالاولى أن نذكر كلامهما وهو : « وآنچه گفته است كه : بمذهب شيعه چنانست كه قرآن را بز عايشه بخورد پس چون قائم بيايد بشرح وراستى املا كند ، عجب آنست كه اين مزور انتقالى دعوى كرده است كه بيست وپنج سال رافضى بوده است واين قدر بندانسته است كه اين نه مذهب شيعه است وكسى نگفته است واز عالمى از علماى شيعه مذكور نيست ودر كتابى از كتب ايشان مسطور نه ، وبر اين أصل بد كه نهاده است بارى تعالى را دروغ زن ميدارد بيرون از غفلت رسول (ص) وعايشه ؛ چه نه حق تعالى گفته : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) ؛ معنى آنست كه : ما فروفرستاديم قرآن را وما نگاه دارنده ايم آن را ؛ پس عايشه جاهل باشد ومحمد (ص) غافل وخداى تعالى دروغ زن ، نعوذ بالله من هذا المقال ». فمن أراد ذيل كلامه فليراجع ص ١٠٠ من كتاب النقض المطبوع بتحقيقنا.

وأما بيان معنى رضاع الكبير والخوض فى التحقيق فيه فهو خارج عن موضوع بحثنا ، فمن أراد ذلك فليراجع كتاب أحاديث أم المؤمنين عائشة للناقد البصير مرتضى العسكرى فانه خاض فى التحقيق فيه تحت عنوان « رأيها فى رضاع الكبير » ( راجع ص ٢٨٢ ـ ٢٨٥ ).

__________________

(١) فليعلم أن الخوض فى ذكر أخبار هذا المطلب يحتاج الى بسط لا يسعه المقام

٢١٧

عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : الشّيخ والشّيخة اذا زنيا فارجموهما البتّة

__________________

مضافا الى أنى لا أحب البسط فى هذا الموضوع فأكتفى بما ذكره السيوطى فى الاتقان وذلك أنه قال فى الكتاب المذكور تحت عنوان « النوع السابع والاربعون فى ناسخه ومنسوخه » ضمن ما قال ( ص ٢٥ ـ ٢٦ من الجزء الثانى من طبعة مصر سنة ١٣٦٨ ) فان فيما ذكره كفاية للمكتفى وهو قوله :

« الضرب الثالث ما نسخ تلاوته دون حكمه وأمثلة هذا الضرب كثيرة قال أبو عبيدة : حدثنا اسماعيل بن ابراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : لا يقولن أحدكم : قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله ؛ قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر ، وقال : حدثنا ابن أبى مريم عن ابن أبى لهيعة عن ابن الاسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كانت سورة الاحزاب تقرأ فى زمن النبي (ص) مائتى آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها الاعلى ما هو الآن. وقال : حدثنا اسماعيل بن جعفر عن المبارك بن فضالة عن عاصم بن أبى النجود عن زر بن حبيش قال قال لى أبى بن كعب : كائن تعد سورة الاحزاب؟ ـ قلت : اثنتين وسبعين آية وثلاثة وسبعين آية قال : ان كانت لتعدل سورة البقرة وان كنا لنقرأ فيها آية الرجم ، قلت : وما آية الرجم؟ قال : اذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم وقال : حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن مروان بن عثمان عن أبى أمامة بن سهل أن خالته قالت : لقد أقرأنا رسول الله آية الرجم : الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة. وقال : حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرنى ابن أبى حميدة بنت أبى يونس قالت : قرأ عن أبى وهو ابن ثمانين سنة فى مصحف عائشة : ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعلى الذين يصلون الصفوف الاول ، قالت : قبل أن يغير عثمان المصاحف. وقال : حدثنا عبد الله بن صالح عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى واقد الليثى قال : كان رسول الله (ص) اذا اوحى

٢١٨

بما قضيا من الشّهوة نكالا من الله والله عزيز حكيم. ورويتم أنّ أبا موسى الاشعرىّ

__________________

إليه أتيناه فعلمنا مما اوحى إليه قال : فجئت ذات يوم فقال : ان الله يقول : انا أنزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو أن لابن آدم واديا لاحب ان يكون إليه الثانى ، ولو كان إليه الثانى لاحب ان يكون إليهما الثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب. وأخرج الحاكم فى المستدرك عن أبى بن كعب قال قال لى رسول الله (ص) : ان الله أمرنى أن أقرأ عليك القرآن فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومن بقيتها : لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا ، وان سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا ؛ ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب ، وأن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية والنصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره ، وقال أبو ـ عبيدة : حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أبى حرب بن أبى الاسود عن أبى موسى الاشعرى قال : نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ منها : ان الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب. وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى موسى الاشعرى قال : كنا نقرأ سورة نشبهها باحدى المسبحات نسيناها غير أنى حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة فى أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. وقال أبو عبيدة : حدثنا حجاج بن سعيد عن الحكم بن عتيبة عن عبد بن عدى قال قال عمر : كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم ثم قال لزيد بن ثابت : أكذلك؟ ـ قال : نعم. وقال : حدثنا ابن أبى مريم عن نافع بن عامر الجمحى حدثنى ابن أبى مليكة عن المسور بن مخرمة قال قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم نجد فيما أنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة؟ فانا لا نجدها ، قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن. وقال : حدثنا ابن أبى مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المغافرى عن أبى سفيان الكلاعى أن مسلمة بن مخلد الانصارى قال لهم ذات يوم : أخبرونى بآيتين فى القرآن لم تكتبا فى المصحف فلم يخبروه وعندهم

٢١٩

لمّا ولاّه عمر بن الخطّاب البصرة جمع القرّاء فكانوا ثلاثمائة رجل فقال لهم : أنتم

__________________

أبو الكنود سعد بن مالك فقال ابن مسلمة : الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون * والذين آوواهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم اولئك لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. وأخرج الطبرانى فى الكبير عن ابن عمر قال : قرأ رجلان سورة قرأهما رسول الله (ص) فكانا يقرآن بها فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله (ص) فذكرا ذلك له فقال : انها مما نسخ فالهوا عنها. وفى الصحيحين عن أنس فى قصة أصحاب بئر معونة : الذين قتلوا وقنت يدعو على قاتليهم قال أنس : ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع : أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا. وفى المستدرك عن حذيفة قال : ما تقرءون ربعها يعنى براءة. قال الحسين بن المنارى فى كتابه الناسخ والمنسوخ : ومما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت فى الوتر وتسمى سورتى الخلع والحفد ».

أقول : قد خاض السيوطى فى الدر المنثور فى أوائل تفسير سورة الاحزاب فى نقل أحاديث كثيرة فى خصوص آية الرجم المشار إليها فيما مر من كلمات العلماء الا أن الاخبار كلها من قبيل ما تقدم فى مطاوى الباب فمن أرادها فليراجع ج ٥ ؛ ص ١٧٩ ـ ١٨٠.

وأنت خبير بأن الاعتقاد بمضامين هذه الاخبار الساقطة فى نظر أهل التحقيق عن درجة الاعتبار مما يثلم بنيان الدين ويهدم أركان اليقين ويذهب بهاء الاسلام ويكدر مناهل الاحكام نعوذ بالله من ذلك وخاض فى تحقيق هذا المطلب جماعة من حملة لواء الشيعة وحفظة ناموس الشريعة ومنهم الشيخ جواد البلاغى ـ قدس الله روحه ونور ضريحه ـ فانه أحسن فى التحقيق وأجاد وجاء بما فوق المراد فعليك بتفسيره آلاء الرحمن ؛ والمطلب معنون فيه بعنوان « بعض ما ألصق بكرامة القرآن الكريم » ( انظر ج ١ ؛ ص ١٩ ـ ٢٩ ) فان فيه كفاية للمكتفى.

٢٢٠