الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

قدم سفيان بن عبد الله الثّقفىّ من الطّائف على عمر (١) ومعه أناس من أصحابه فقال لهم : لا تبدءوا أمير المؤمنين بشيء الاّ أن يسائلكم ، فجاءه رجلان يختصمان فقضى بينهما ؛ فقالوا : أصبت ـ أصاب الله بك ـ فقال عمر : وما يدريكم فو الله ما يدرى عمر أصاب أم أخطأ؟!

__________________

اقتصر ابن التلمسانى فى حواشى الشفاء على ضم السين وحكاية الوجهين فى التاء وقال : انه بالخاء والجيم قال شيخنا : وأغرب الضبط فيه ما قاله التلمسانى ولا سيما حكاية الجيم فانها لا تعرف ( الى آخر ما قال ) ».

(٢) فى الاصل : « عن خالد المخزومى » وكلمة « عن » تصحيف « بن » بالقطع واليقين ؛ قال ابن حجر فى تهذيب التهذيب : « عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشى روى عن أبيه وأبى هريرة وابن عباس وابن عمر وأبى ـ الطفيل ومالك بن أوس بن الحدثان وسعيد بن جبير وجعفر بن المطلب بن أبى وداعة وغير واحد ، روى عنه أيوب وابن جريج ( الى آخر ما قال ) ».

(٣) قال ابن حجر فى تقريب التهذيب : « مالك بن أوس بن الحدثان بفتح المهملة والمثلثة النصرى بالنون أبو سعيد المدنى له رؤية وروى عن عمر ( الترجمة ) ».

أقول : يأتى شرح حاله مبسوطا فى تعليقاتنا على الكتاب ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) قال ابن عبد البر فى الاستيعاب : « سفيان بن عبد الله بن ربيعة معدود فى أهل الطائف له صحبة وسماع ورواية كان عاملا لعمر بن الخطاب على الطائف ولاه عليها اذ عزل عثمان بن العاص عنها ( الى آخر ما قال ) » وقال الجزرى فى أسد الغابة : « سفيان بن عبد الله بن أبى ربيعة بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف الثقفى الطائى كذا نسبه أبو أحمد العسكرى له صحبة ورواية وكان عاملا لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ على الطائف ، استعمله عليه اذ عزل عثمان بن أبى العاص عنها ونقل عثمان الى البحرين ( الى آخر ما قال ) » ونظيرهما فى تهذيب التهذيب للعسقلانى.

١٨١

وروى جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع (١) عن عبد الله [ بن (٢) ] أبى ـ قتادة (٣) عن أبيه قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : لا تسبّوا الدّهر فانّ الله هو الدّهر (٤).

فانظروا كيف لم يرضوا بالشّرك بالله حتّى نسبوه الى رسول الله (ص) وانّما الدّهر أيّام قال الله عزّ وجلّ : ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) (٥) فتعالى الله عمّا يصفون.

ورويتم حديثا نسبتموه الى الشّعبىّ أنّه قال : لا يخرج أحدا من الايمان [ الاّ ] الجحود بالله وبرسوله ، وانّ الذّنوب لا تخرج أحدا من الايمان.

فهذه روايتكم ثمّ أوجبتم على أهل اليمامة الرّدّة وانّما منعوا الصّدقة وصلّوا بأذان واقامة ثمّ شنّها (٦) عليهم غارة فقتل (٧) منهم وسبى (٨) فلم ينكر ذلك أبو بكر على خالد وصوّب رأيه و [ كذلك ] فعل أمير المؤمنين ومولى المسلمين [ فى ] ما جعله [ الله ] له حين قاتل طلحة والزّبير بعد أن نكثا بيعته وامتنعا من دفع صدقة البصرة وأموالها وخراجها ، وكذلك

__________________

(١) صرح ابن حجر فى تهذيب التهذيب فى ترجمة جرير بن عبد الحميد بأنه روى عن عبد العزيز بن رفيع وقال فى تقريب التهذيب « عبد العزيز بن رفيع بفاء مصغرا » وصرح فى تهذيب التهذيب فى ترجمته بأنه روى عن عبد الله بن أبى قتادة وفى ترجمة ابن أبى قتادة بأنه روى عن أبيه أبى قتادة وروى عنه عبد العزيز بن رفيع.

(٢) قد علم بما ذكرناه من كيفية السند أن كلمة « ابن » سقطت من هنا.

(٣) قال فى تقريب التهذيب فى باب الكنى : « أبو قتادة الانصارى هو الحارث » وقتادة بفتح القاف كسحابة.

(٤) الحديث مشهور وتأويله أيضا معروف وليس محمولا على ظاهره ( انظر ص ٩ ).

(٥) اوّل آية من سورة الدهر.

(٦ و ٧ و ٨) كذا فى الاصل فكأن مرجع الضمير حيث كان معلوما لم يذكره كما فى قوله تعالى : ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ).

١٨٢

عند ما (١) منعه معاوية خراج الشام وصدقاتها فلم يلزموا هؤلاء الرّدّة عن الاسلام اذ كان أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ المتولّى لذلك نقضا (٢) منكم له (ع) ، وألزمتم أهل اليمامة الرّدّة اذ كان أبو بكر المتولّى له فعبتم [ فعل عليّ ] وصوّبتم قتال أبى بكر أهل الرّدّة.

هذا وقد قال عمر بن الخطّاب فى عامّة المهاجرين فى أبى بكر وخالد ما قال ، فأمّا عمر فلم يصوّب رأيه ونقض جميع ما كان امضاؤه فيه وزعمتم أنّ أبا بكر قال : والله لو منعونى عقالا (٣) أو عناقا (٤) لقاتلتهم [ عليه ] وأموال البصرة وصدقاتها وخراجها أكثر من عقال او عناق.

__________________

(١) فى الاصل : « وكذلك عندنا ما ».

(٢) كذا صريحا بالضاد المعجمة ولعل كونه بالصاد المهملة هنا أنسب للمقام فتدبر.

(٣) قال ابن الاثير فى النهاية : « وفى حديث أبى بكر : لو منعونى عقالا مما كانوا يؤدونه الى رسول الله (ص) لقاتلتهم عليه ؛ أراد بالعقال الحبل الّذي يعقل به البعير الّذي كان يؤخذ فى الصدقة لان على صاحبها التسليم وانما يقع القبض بالرباط. وقيل : أراد ما يساوى عقالا من حقوق الصدقة. وقيل : اذا أخذ المصدق أعيان الابل قيل : أخذ عقالا ، واذا أخذ أثمانها قيل : أخذ نقدا. وقيل : أراد بالعقال صدقة العام يقال : أخذ المصدق عقال هذا العام أى أخذ منهم صدقة ، وبعث فلان على عقال بنى فلان اذا بعث على صدقاتهم ؛ واختاره أبو عبيد وقال : هو أشبه عندى بالمعنى.

وقال الخطابى : انما يضرب المثل فى مثل هذا بالاقل لا بالاكثر وليس فى لسانهم أن العقال صدقة عام وفى أكثر الروايات : لو منعونى عناقا وفى أخرى جديا ؛ قلت : قد جاء فى الحديث ما يدل على القولين فمن الاول حديث عمر أنه كان يأخذ مع كل فريضة عقالا ورواه فاذا جاءت الى المدينة باعها ثم تصدق بها ، وفى حديث محمد بن مسلمة انه كان يعمل على الصدقة فى عهد رسول الله (ص) فكان يأمر الرجل اذا جاء بفريضتين ان يأتى بعقاليهما وقرانيهما. ومن الثانى حديث عمر أنه أخر الصدقة عام الرمادة فلما

١٨٣

ثمّ وقعتم فى عمر وزعمتم أنّ أبا بكر لم يجز قوله فى خالد بن الوليد بتزكيتكم (١) قول عمر ثمّ نقضتم هذا كله ورويتم أنّ أبا بكر ندم ان لا يكون أقاد من خالد وألزمتموه الخطأ فى ترك [ الاقادة منه وترك الزامه دية من (٢) ] قتل وسبى فأىّ وقيعة أشدّ من هذه الوقيعة لجميع أصحاب رسول الله (ص) وأنتم تنسبون الشّيعة الى الوقيعة فى الصّحابة وتروون فيهم عيوبا كثيرة جمّة سنفسّرها فى كتابنا هذا بما لا يمكنكم دفع شيء منها اذا كانت الاحاديث أحاديثكم ورواية علمائكم وأوجبتم أنّ كلّ من جرت عليه سهام العرب من السبى [ و ] لم يخرج خمسه الى أهله انّ ذلك حرام.

فانظروا الى ما نسبتم إليه أولاد السّبايا وما منع أن يقسم الخمس على يدى أبى ـ بكر وعمر بمنعهما الخمس (٣).

__________________

أحيا الناس بعث عامله فقال : اعقل عنهم عقالين فاقسم فيهم عقالا وائتنى بالآخر ؛ يريد صدقة عامين.

وفى حديث معاوية : أنه استعمل ابن أخيه عمرو بن عتبة بن أبى سفيان على صدقات كلب فاعتدى عليهم فقال ابن العداء الكلبى :

سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا

فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

نصب عقالا على الظرف أراد مدة عقال ».

(٤) قال ابن الاثير فى النهاية : « لو منعونى عناقا مما كانوا يؤدونه الى رسول الله (ص) لقاتلتهم عليه ؛ فيه دليل على وجوب الصدقة فى السخال وأن واحدة منها تجزئ عن الواجب فى الاربعين منها اذا كانت كلها سخالا ولا يكلف صاحبها مسنة ، وهو مذهب الشافعى وقال أبو حنيفة : لا شيء فى السخال ؛ وفيه دليل على أن حول النتاج حول الامهات ولو كان يستأنف لها الحول لم يوجد السبيل الى أخذ العناق ».

__________________

(١) كذا فى الاصل.

(٢) فى الاصل بدل ما بين الحاصرتين : « فى ترك الا يقيد منه ... وفى زنة ما ».

(٣) كذا فى الاصل صريحا ففى العبارة تشويش.

١٨٤

ورويتم عن شريك عن أبى الزّبير المكّىّ (١) أنّ نجدة الحرورىّ (٢) كتب الى ابن عبّاس يسأله عن اليتيم ؛ متى ينقضى يتمه؟ وعن النّساء هل كان النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يغزو بهنّ؟ [ ويقسم لهنّ؟ ] وعن الأطفال [ هل كان النّبيّ (ص) يقتلهم؟ ] وعن الخمس لمن هو؟.

فكتب إليه ابن عبّاس :

أمّا اليتيم فانقضاء يتمه أو ان حلمه ، وأمّا النّساء فانّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ [ كان ] يرضخ لهنّ (٣) ولا يقسم لهنّ ، وأمّا الأطفال فانّ الخضر ـ عليه‌السلام ـ

__________________

(١) قال ابن حجر فى تقريب التهذيب فى حرف الزاى من باب الكنى : « أبو ـ الزبير المكى هو محمد بن مسلم » وقال عند ذكر اسمه : « محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء الاسدى مولاهم أبو الزبير المكى صدوق ( الى آخر ما قال ) ».

(٢) قال الفيروزآبادي : « وحروراء كجلولاء وقد تقصره بالكوفة ، وهو حرورى بين الحرورية وهم نجدة وأصحابه » قال الزبيدى فى شرحه : « الحروراء بالمد وقد تقصر بلدة بالكوفة على ميلين منها نزل بها جماعة خالفوا عليا ـ رضى الله عنه ـ من الخوارج ويقال : هو حرورى بين الحرورية ينتسبون الى هذه القرية وهم نجدة الخارجى وأصحابه ، ومن يعتقد اعتقادهم يقال له الحروى ، وقد ورد أن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت لبعض من كانت تقطع أثر دم الحيض من الثوب : أحرورية أنت؟ تعنيهم ؛ كانوا يبالغون فى العبادات » وقال فى « ن ج د » : « ونجدة بن عامر الحنفى خارجى ، وأصحابه النجدات محركة » وقال الزبيدى فى شرحه : « وهو الحرورى من بنى حنيفة الخارجى من اليمامة وأصحابه النجدات قوم من الحرورية ويقال لهم أيضا النجدية ». أقول : من أراد التفصيل فى ذلك فليراجع أحوالهم فى الملل والنحل للشهرستانى فانه ذكر ما يتعلق بترجمتهم تحت عنوان « النجدات العاذرية أصحاب نجدة بن عامر الحنفى » عند ذكره فرق الخوارج ( انظر ص ٥٦ من النسخة المطبوعة بايران سنة ١٢٨٨ ).

(٣) قال ابن الاثير فى النهاية : « فى حديث عمر : وقد أمرنا لهم برضخ فاقسمه

١٨٥

كان يقتل كافرهم ويدع مؤمنهم ، وأمّا الخمس فزعمنا أنّه لنا وزعم قوم (١) أنّه ليس لنا ؛ فصبرنا ، وانّى اخبرك أنّ جميع النّاس فى حرج (٢) من خمسنا الاّ شيعتنا (٣) الطّيّبين

__________________

بينهم ؛ الرضخ العطية القليلة ومنه حديث على ـ رضى الله عنه ـ ويرضخ له على ترك الدين رضيخة ؛ هى فعيلة من الرضخ أى عطية » وقال الطريحى فى مجمع البحرين : « والرضخ العطاء اليسير المشروط من الوالى فنحو الراعى والحافظ يقال : رضخته رضخا من باب نفع ، أعطيته شيئا ليس بالكثير ومنه الخبر : أمرت له برضخ ، والرضائخ جمع رضيخة وهى العطية قيل : والّذي رضخ له أبو سفيان وابنه معاوية حين كانا من المؤلفة قلوبهم ليستمالوا الى نصرة الدين » فيوافق معناه معنى « يحذيهن » المذكور بذلك اللفظ فى حديث الخصال المشار إليه قال ابن الاثير فى النهاية : « وفيه مثل الجليس الصالح مثل الدارى ان لم يحذك من عطره علقك من ريحه اى ان لم يعطك يقال : أحذيته أحذيه احذاء وهى الحذيا والحذية ومنه حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة أى يعطين ( الى آخر ما قال ) ».

__________________

(١) فى الاصل : « قومنا ».

(٢) فى الاصل : « جرح ».

(٣) هذه العبارة لا تشبه كلام ابن عباس بل تقتضى صدورها عن الائمة فتدبر وراجع مظانها.

اذا عرفت ذلك فاعلم أن الحديث مما أطبق على نقله الفريقان فلا بد من الاشارة الى موارده فنقول : قال السيوطى فى الدر المنثور فى تفسير قول الله تعالى : « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ؛ الآية » ( ج ٣ ؛ ص ١٨٦ ) : « وأخرج الشافعى وعبد الرزاق فى المصنف وابن أبى شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى سننه عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوى القربى الذين ذكر الله فكتب إليه

١٨٦

فانّا أحللنا [ ه‍ ] لهم.

__________________

انا كنا نرى أنا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : قريش كلها ذوو قربى. وأخرج ابن أبى ـ شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن نجدة الحرورى أرسل إليه يسأله عن سهم ذى القربى الذين ذكر الله؟ فكتب إليه انا كنا نرى أنا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : ويقول : لمن تراه؟ فقال ابن عباس : هو لقربى رسول الله (ص) قسمه لهم رسول الله وقد كان عمر ـ رضى الله عنه ـ عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا فرددناه عليه وأبينا ان نقبله ، وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم ، وأن يقضى عن غارمهم ، وأن يعطى فقيرهم ، وأبى أن يزيدهم على ذلك » أقول : هو مذكور فى كثير من غير ما ذكره السيوطى من الكتب المعتبرة عند العامة أيضا منها كتاب الاموال لابى عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة ٢٢٤ فانه أورده فى كتابه المذكور ضمن ما ذكره تحت عنوان « باب سهم ذى القربى من الخمس » بثلاثة أسانيد ( انظر ص ٣٢٢ ـ ٣٣٥ ) والخوض فى ذلك يقتضي مجالا واسعا فنكتفى ببعض ما نقله مسلم فى صحيحه فى « باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم ، والنهى عن قتل صبيان أهل ـ الحرب » بهذه العبارة : « حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا سليمان ( يعنى ابن بلال ) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب الى ابن عباس يسأله عن خمس خلال فقال ابن عباس : لو لا أن أكتم علما ما كتبت إليه كتب إليه نجدة أما بعد فأخبرنى هل كان رسول الله (ص) يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضى يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن ـ عباس : كتبت تسألنى هل كان رسول الله (ص) يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة ؛ وأما بسهم فلم يضرب لهن ، وان رسول الله (ص) لم يكن يقتل الصبيان فلا تقتل الصبيان ، وكتبت تسألنى : متى ينقضى يتم اليتيم؟ فلعمرى ان الرجل لتثبت لحيته وانه لضعيف الاخذ لنفسه ضعيف العطاء منها فاذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم ، وكتبت تسألنى عن الخمس لمن هو؟ وانا كنا نقول : هو لنا

١٨٧

__________________

فأبى علينا قومنا ذاك. حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة واسحاق بن ابراهيم كلاهما عن حاتم ابن اسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب الى ابن عباس يسأله عن خلال بمثل حديث سليمان بن بلال غير ان فى حديث حاتم وان رسول الله (ص) لم ـ يكن يقتل الصبيان فلا تقتل الصبيان الا ان تكون تعلم ما علم الخضر من الصبى الّذي قتل. وزاد اسحاق فى حديثه عن حاتم : وتميز المؤمن فتقتل الكافر وتدع المؤمن ». فذكره بأربعة أسانيد أخر وفى عبارات متن الحديث أيضا اختلاف يسير فمن أراد ما تركناه فليراجع ج ٥ من طبعة قسنطينية سنة ١٣٣٢ ؛ ص ١٩٧ ـ ١٩٩ ).

وأما كتب الشيعة فممن نقل الحديث منهم فى كتابه الشيخ أبو جعفر الصدوق فانه أورد الحديث فى باب الاربعة من الخصال ( انظر ص ١١١ ـ ١١٢ من الطبعة الاولى أو ص ٢٣٥ من طبعة مكتبة الصدوق ) ونص عبارته هكذا : « حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد وعبد الله ابنى محمد بن عيسى عن محمد بن أبى عمير عن حماد بن عثمان الناب عن عبيد الله بن على الحلبى عن أبى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : ان نجدة الحرورى كتب الى ابن عباس يسأله عن أربعة أشياء هل كان رسول الله (ص) يغزو بالنساء؟ وهل كان يقسم لهن شيئا؟ ، وعن موضع الخمس ، وعن اليتيم ؛ متى ينقطع يتمه؟ وعن قتل الذرارى فكتب إليه ابن عباس : أما قولك فى النساء فان رسول الله (ص) كان يحذيهن ولا يقسم لهن شيئا ، وأما الخمس فانا نزعم أنه لنا وزعم قوم أنه ليس لنا ؛ فصبرنا ، وأما اليتيم فانقطاع يتمه أشده وهو الاحتلام الا ان لا تؤنس منه رشدا فيكون عندك سفيها أو ضعيفا فيمسك عليه وليه ، وأما الذرارى فلم يكن النبي (ص) يقتلها وكان الخضر ـ عليه‌السلام ـ يقتل كافرهم ويترك مؤمنهم فان كنت تعلم منهم ما يعلم الخضر فأنت أعلم » ونقله المجلسى عن الخصال فى المجلد العشرين من البحار فى باب أصناف مستحقى الخمس ( انظر ج ٢٠ من طبعة أمين الضرب ص ٥١ ).

وروى العياشى فى تفسيره عند تفسيره الآية عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ( ص ٦١ ؛ ج ٢ ) قال : سمعته : أن نجدة الحرورى كتب الى ابن عباس

١٨٨

وأجمعوا (١) على أنّهم لم يقسموا بين المؤلّفة قلوبهم حتّى مضوا جميعا ، وزعموا أنّهم لا يعرفونهم فأبطلوا سهما فرضه الله بأنّهم لا يعرفون أربابه ، فهل يكون الجهل الاّ لمن لم يعرف من فرض الله [ له ] سهما فضيّعوا.

وأجمعوا أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ترك النّاس بلا امام ليختاروا لأنفسهم إماما فاختاروا ، ثمّ زعمتم أنّ أبا بكر لم يرض أن يصنع ما صنع رسول الله (ص) فجعلها لعمر ، ثمّ زعمتم أنّ عمر بن الخطّاب لم يرض بما صنع رسول الله (ص) ولا بما صنع أبو بكر حتّى جعلها فى ستّة.

ثمّ رويتم أنّ المسلمين قالوا لأبى بكر : ما ذا تقول لربّك اذا قدمت [ إليه ]

__________________

يسأله عن موضع الخمس لمن هو؟ ـ فكتب إليه أما الخمس فانا نزعم أنه لنا ويزعم قومنا أنه ليس لنا ؛ فصبرنا » ونقله المجلسى عن تفسير العياشى فى باب أصناف مستحقى الخمس من المجلد العشرين من البحار ( انظر ص ٥٢ من طبعة أمين الضرب ) وكذا السيد هاشم البحرانى فى تفسير البرهان فى تفسير آية الخمس ( ج ١ ص ٤٠٠ من الطبعة الاولى ).

قال علم الهدى فى الشافى فيما اعترض به على القاضى عبد الجبار ضمن البحث عن الخمس ما نص عبارته ( ص ٢٥٥ من طبعة ايران ) : « وروى يزيد بن هرمز قال : كتب نجدة الى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو؟ قال : فكتب إليه : كتبت تسألنى عن الخمس لمن هو؟ وانا كنا نزعم أنه لنا فأبى قومنا علينا بذلك فصبرنا عليه » وذكره الشيخ الطوسى فى تلخيص الشافى ( انظر ص ٤٣٧ من طبعة ايران أو طبعة النجف ج ٤ ؛ ص ١٨ ) وقال ابن ابى الحديد فى شرح نهج البلاغة بعد نقل كلام السيد معترضا عليه ما نصه ( ج ٣ طبعة مصر ؛ ص ١٥٥ ) : « والرواية المذكورة عن ابن عباس فى كتابه الى نجدة الحرورى صحيحة ثابتة وليس فيها ما يدل على مذهب المرتضى من أن الخمس كله لذوى القربى لان نجدة انما سأله عن خمس الخمس لا عن الخمس كله ».

__________________

(١) فى الاصل : « واجتمعوا ».

١٨٩

وقد ولّيت علينا فظّا غليظا يعنون عمر؟ فقال لهم : أتخوّفوني بربّى؟! أقول له : خلّفت عليهم خير أهلك ثمّ قال : أفأترك [ أمّة ] محمّد كالنّعل الخلق؟!

فان كان ترك أبى بكر النّاس بلا خليفة عصيانا لله فلقد تركهم [ النّبيّ (ص) بلا خليفة ] فطعنكم على رسول الله اذا قلتم وادّعيتم أنّه توفّاه الله تعالى وترك أمّته بلا خليفة.

ثمّ زعمتم أنّ من زنى أو سرق أو قتل النّفس الّتي حرّم الله أو أتى كلّ كبيرة نهى الله عنها انّه لا يكفر ولا يخرج عن الملّة ولا يقال له : عصى الله ورسوله وانّما أتى ذنبا ، ثمّ رويتم عن علمائكم أنّ من عصى خليفته فقد كفر ، ويحكم اعقلوا ما تقولون وما تتكلّمون فو الله ما شنّع الملحدون فى الاسلام أقبح من هذا ، ولو عقلتم ما تتكلّمون به وعرفتم حكمه لأقمتم أصحابكم على (١) التّوبة فمن تاب ورجع قبلت توبته منه ، ومن لجّ فى طغيانه وبهتانه عرض على السّيف.

ما يذكر من رجوع عمر الى قول عليّ ـ عليه‌السلام ـ فى الاحكام

ومن رواياتكم (٢) الّتي تذكرونها (٣) ولا ينكرها مخالف ولا موافق (٤) ما روى عن جرير بن [ ال ] مغيرة (٥) عن ابراهيم النّخعىّ أنّ عمر بن الخطّاب دعا بامرأة أراد أن

__________________

(١) فى الاصل : « الى ».

(٢) فى الاصل : « ومن روايتكم ».

(٣) فى الاصل : « تنكرونها ».

(٤) فى الاصل بعد كلمة « موافق » هذه العبارة : « هو اقراركم واحكامكم وإليه ترجعون وعن رأيه تصدرون » وحيث لم يكن لها معنى هناك وضعناها هنا فلعل متأملا وجد الى تصحيحها سبيلا.

(٥) كذا فى الاصل بلا لام صريحا فلعل فى السند أيضا تشويشا واضطرابا.

١٩٠

يرجمها (١) قد ولدت لستّة أشهر من زوجها وأنكر زوجها ذلك وقد حضر عليّ بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ فقال : يا عمر ان خاصمتك بكتاب الله خصمتك ، قال عمر : وكيف ذلك يا أبا الحسن؟ ـ قال : انّ عذرها فى كتاب الله عزّ وجلّ ( [ وَحَمْلُهُ ] وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (٢) قال عمر : وما فى هذا؟ ـ قال : قوله : ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ) (٣) فاذا كان (٤) الرّضاعة أربعة وعشرين شهرا فلم يبق للحمل الاّ ستّة أشهر فقال عمر : انّا لله ؛ لو لا عليّ لهلك عمر ، ثمّ أمر بتخلية سبيلها (٥).

__________________

(١) فليعلم أن عبارة المتن من هذا الموضع أعنى من قوله : « ان عمر بن الخطاب دعا بامرأة أراد أن يرجمها » الى ما يأتى من قوله : « مع موافقة الكتاب لفتياهم فى الحلال والحرام » موجودة فى جميع النسخ الا أنها مذكورة فى نسخ ج ح س ق مج مث فى أواخر الكتاب ولشهرة هذه الروايات ومعروفيتها لا نذكر اختلاف عبارات النسخ بل نكتفى من صدر العبارة الى آخرها بعبارة نسخة م الا ان يكون فيها نقص كقصة امرأة مجنونة بغت فانها ليست فيها فذكرناها من غير نسخة م كما أشرنا إليها عند نقلها.

(٢) من آية ١٥ سورة الاحقاف.

(٣) صدر آية ٢٣٣ سورة البقرة.

(٤) كذا فى الاصل فتذكير الفعل لكون الرضاعة مصدرا من قبيل ان رحمة الله قريب من المحسنين.

(٥) قال المجلسى فى تاسع البحار فى باب قضاياه نقلا عن بشارة المصطفى للطبرى ما نصه ( انظر ص ٤٨٣ من طبعة أمين الضرب ) : « وروى عن يونس بن الحسن أن عمر أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها فقال له أمير المؤمنين : ان خاصمتك بكتاب الله خصمتك ؛ ان الله تعالى يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) ويقول ـ جل قائلا ـ : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، فاذا تممت المرأة الرضاعة سنتين وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا كان الحمل منه ستة أشهر فخلى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه الى يومنا هذا ».

١٩١

ورويتم عن يزيد بن هارون عن الأشعث عن الحسن أنّ عمر بن الخطّاب أتى بامرأة حبلى وقد زنت فأمر برجمها ؛ قال : فمرّوا بها على عليّ بن أبى طالب فقال : يا هذا [ ان كان ] سبيلك عليها بذنبها فما سبيلك على الّذي فى بطنها؟! قال عمر : فكيف أصنع؟ ـ قال : تربّص بها حتّى تضع ، قال : فتركها ثمّ وضع يده على رأسه وقال : لو لا عليّ لهلك عمر ؛ وخلّى عنها (١).

__________________

(١) قال المجلسى فى تاسع البحار فى باب قضاياه نقلا عن مناقب ابن ـ شهرآشوب وبشارة المصطفى للطبرى ( ص ٤٨٣ من طبعة أمين الضرب ) : « وروى أنه أتى بحامل قد زنت فأمر عمر برجمها فقال له أمير المؤمنين (ع) : هب أن لك سبيلا عليها فأى سبيل لك على ما فى فى بطنها؟ ـ والله تعالى يقول : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) فقال عمر : لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن ، ثم قال : فما أصنع بها؟ ـ قال : احتط عليها حتى تلد فاذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم عليها الحد ، فسرى ذلك عن عمر وعول فى الحكم به على أمير المؤمنين (ع) » أقول : قال الجزرى فى النهاية : « العضل المنع والشدة يقال أعضل بى الأمر اذا ضاقت عليك فيه الحيل ؛ ومنه حديث عمر : أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن وروى معضلة أراد المسألة الصعبة او الخطبة الضيقة المخارج من الاعضال والتعضيل ويريد بأبى الحسن على بن أبى طالب (ع) » وقال نجم ـ الائمة الرضى فى شرح الكافية لابن الحاجب فى مبحث لا التى لنفى الجنس ( ص ١١١ من طبعة تبريز سنة ١٣٧٤ ). « واعلم أنه قد يؤول العلم المشتهر ببعض الخلال بنكرة فينتصب وينزع منه لام التعريف ان كان فيه نحو : لا حسن فى الحسن البصرى ، وكذا لا صعق فى الصعق ، او مما أضيف إليه نحو لا امرأ قيس ولا ابن زبير ، ولا يجوز هذه المعاملة فى لفظى عبد الله وعبد الرحمن اذ الله والرحمن لا يطلقان على غيره تعالى حتى يقدر تنكيرهما قال : لا هيثم الليلة للمطى وقال :

أرى الحاجات عند أبى حبيب

نكدن ولا أمية فى البلاد

ولتأويله بالمنكر وجهان اما أن يقدر مضاف هو مثل فلا يتعرف بالإضافة

١٩٢

[ ورويتم أنّه اتى بامرأة مجنونة (١) قد بغت فأمر برجمها فاستقبلها عليّ ـ صلوات

__________________

لتوغله فى الابهام وانما يجعل فى صورة النكرة بنزع اللام وان كان المنفى فى الحقيقة هو المضاف المذكور الّذي لا يتعرف بالإضافة الى أى معرف كان لرعاية اللفظ واصلاحه ومن ثم قال الاخفش : على هذا التأويل يمتنع وصفه لانه فى صورة النكرة فيمتنع وصفه بمعرفة وهو معرفة فى الحقيقة واما ان يجعل العلم باشتهاره بتلك الخلة كأنه اسم جنس موضوع لافادة ذلك المعنى لان معنى : قضية ولا أبا حسن لها ؛ لا فيصل لها اذ هو عليه‌السلام كان فيصلا للحكومات على ما قال النبي (ص) : أقضاكم على ، فصار اسمه كالجنس المفيد لمعنى الفصل والقطع كلفظ الفيصل ، وعلى هذا يمكن وصفه بالمنكر وهذا كما قالوا : لكل فرعون موسى اى لكل جبار قهار ؛ فيصرف فرعون وموسى لتنكيرهما بالمعنى المذكور ، وجوز الفراء اجراء المعرفة مجرى النكرة بأحد التأويلين فى الضمير واسم الاشارة أيضا نحو : لا اياه هاهنا أولا هذا ؛ وهو بعيد غير مسموع » أقول : انما نقلنا هذا الكلام هنا بطوله لكثرة فائدته ومناسبته للمقام.

__________________

(١) هذه القضية ليست فى نسخة م لكنها ذكرت فى غيرها من النسخ فلهذا وضعناها بين المعقوفتين وأما أصل القضية فهى مسلمة بين حملة الاخبار ونقلة الآثار فقال المجلسى فى تاسع البحار فى باب قضاياه نقلا عن بشارة المصطفى للطبرى ( ص ٤٨٣ من طبعة أمين الضرب ) : « وروى أن مجنونة على عهد عمر فجر بها رجل فقامت البينة عليها بذلك فأمر عمر بجلدها فمر بها على أمير المؤمنين (ع) لتجلد فقال : ما بال مجنونة آل ـ فلان تعتل؟ فقيل له : ان رجلا فجر بها وهرب وقامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها فقال لهم : ردوها إليه وقولوا له : أما علمت بأن هذه مجنونة آل فلان وأن النبي قد رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ؛ انها مغلوبة على عقلها ونفسها ، فردت الى عمر وقيل له ما قال أمير المؤمنين (ع) ، فقال : فرج الله عنه لقد كدت أن أهلك فى جلدها ودرأ عنه الحد ( فقال المجلسى : ) قب ( يريد به مناقب ابن شهرآشوب ) : الحسن وعطاء وقتادة وشعبة وأحمد مثله قال : وأشار

١٩٣

الله عليه ـ فقال : أين تريدون بهذه؟ ـ قالوا : بغت فأمر أمير المؤمنين برجمها ؛ فقال : ردّوها ، ثمّ دخل على عمر فقال له : أمرت برجم هذه المجنونة؟ ـ قال : نعم ، فقال له عليّ (ع) : أما سمعت قول رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : رفع القلم عن ثلاث ؛ عن النّائم حتّى يستيقظ ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن الغلام حتّى يحتلم؟ ـ قال : نعم ، قال : فلم أمرت برجمها؟ فخلّى سبيلها ، ثمّ قال : لو لا عليّ لهلك عمر ].

ورويتم عن عبد الأعلى عن سعيد بن قتادة أنّ عمر بن الخطّاب خطب للنّاس فقال : ألا لا أعلم رجلا تزوّج على أكثر من أربعمائة درهم الاّ أنهكته عقوبة قال : فأتته امرأة فقالت : ما لنا ولك يا عمر؟! قول الله أعدل من قولك وأولى أن يتّبع ، فقال عمر : ما قال الله تعالى؟ ـ قالت : قال الله عزّ وجلّ : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ

__________________

البخارى الى ذلك فى صحيحه ؛ بيان ـ عتلت الرجل وأعتله وأعتله اذا جذبته جذبا عنيفا ؛ ذكره الجوهرى » أقول : من أراد أن يستوفى البحث عن هذه القضية فليراجع باب مطاعن عمر من الكتب المبسوطة كثامن البحار فان المجلسى جعل هذه القضية الطعن العاشر من مطاعن عمر وأطال البحث عنها كما يقتضيه تحقيقه ( ص ٢٩٦ ـ ٢٩٧ من مطبعة أمين الضرب ) أو يراجع تشييد المطاعن فان القضية ذكرت فيه مبسوطة تحت عنوان جهل عمر للاحكام الشرعية ( ج ١ ؛ ص ٥٢٥ ـ ٥٢٠ ) الا أنا نشير هنا الى ما ذكره ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة أمير المؤمنين وهو قوله ( ص ٤٦١ من طبعة حيدرآباد سنة ١٣٣٦ ) : « قال أحمد بن زهير حدثنا عبيد الله بن عمر القواريرى حدثنا مؤمل بن اسماعيل حدثنا سفيان الثورى عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن وقال فى المجنونة التى أمر برجمها وفى التى وضعت لستة أشهر فأراد رجمها فقال له على : ان الله تعالى يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) ؛ الحديث ، وقال له : ان الله رفع القلم عن المجنون ؛ الحديث ، فكان عمر يقول : لو لا على لهلك عمر وقد روى مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس وعن على أخذها ابن عباس والله أعلم ».

١٩٤

مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ ) ؛ الآية (١) والقنطار الدية (٢) وهو أكثر من أربعمائة درهم فقال عمر : كلّ أحد أفقه من عمر ثمّ عاد الى المنبر فخطب فقال : أيّها النّاس انّى كنت نهيت ان يتزوّج الرّجل على أكثر من أربعمائة درهم وانّ امرأة أفقه من عمر جاءتني فحاجتنى بكتاب الله فحجّت (٣) وفلجت (٤) وأنّ المهر ما تراضى به المسلمون (٥).

ورويتم أنّه أتى بقدامة بن مظعون (٦) وقد شرب الخمر فأمر بجلده فقال قدامة :

__________________

(١) آيتا ٢٠ و ٢١ من سورة النساء.

(٢) كذا فى الاصل.

(٣) أى « فحجتنى » اى غلبتنى فى الحجة ، ويمكن ان يكون الاصل : « فحججت » ( بصيغة المجهول وتاء المتكلم ) اى صرت محجوجا اى مغلوبا فى الحجة.

(٤) فى الاصل : « وأفلحت » فيمكن ان يكون مصحف « أفلجت » ( بالجيم وصيغة المجهول المؤنث ) أى حكمت لها بغلبتها على فى الحجة.

(٥) هذه القضية مما ثبت عند الفريقين وأطالوا البحث عنه فى كتب الحديث والكلام ولا سيما فى مبحث الامامة وجعل المجلسى هذا الامر فى ثامن البحار الطعن السادس من مطاعن عمر وخاض فى البحث عنه ونقل شيء من أقوال علماء العامة فى ذلك كابن أبى الحديد والفخر الرازى وغيرهما فمن أراد ان يراجع فليراجع ثامن البحار ( ص ٢٩٤ من طبعة أمين الضرب ) أقول : من أراد البحث عن ذلك مستوفى فليراجع تشييد المطاعن ص ٧٠٠ ـ ٨١٤.

(٦) قدامة بضم أوله والتخفيف كثمامة ومظعون بالظاء المعجمة على زنة مفعول صحابى معروف قال ابن الاثير فى اسد الغابة : « قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشى الجمحى يكنى أبا عمرو وقيل : أبو عمرو هو أخو عثمان بن مظعون وخال ـ حفصة وعبد الله ابنى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ وكان تحته صفية بنت ـ الخطاب وهو من السابقين الى الاسلام ، هاجر الى الحبشة مع أخويه عثمان وعبد الله ابنى ـ مظعون ، وشهد بدرا وأحدا وسائر المشاهد مع رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ؛ قاله عروة وابن شهاب وموسى وابن اسحاق ( الى آخر الترجمة ) ».

١٩٥

يا أمير المؤمنين ليس عليّ جلد انّما أنا من أهل هذه الآية : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ .. ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١) فأراد عمر تركه فقال عليّ ـ عليه‌السلام ـ : انّ أهل هذه الآية لا يأكلون ولا يشربون الاّ ما أحلّ الله لهم وهم إخواننا الماضون فان أقام على أنّها حلال فاقتله وان أقرّ أنّها حرام فاجلده ، قال عمر : وكم جلدة؟ ـ قال عليّ ـ عليه‌السلام ـ : انّ الشّارب اذا شرب سكر ، واذا سكر هذا (٢) ، واذا هذا افترى ؛ فاجلده حدّ المفترى ، قال : فجلد ثمانين جلدة (٣).

__________________

(١) آية ٩٣ سورة المائدة.

(٢) قال فى مجمع البحرين : « هذا فى منطقه ويهذى ويهذ وهذوا وهذيانا اذا تكلم بكلام لا ربط له ، والهذيان للمريض مستلزم لشدة الوجع ».

(٣) قال المجلسى فى تاسع البحار فى باب قضاياه (ص) نقلا عن المناقب لابن شهرآشوب وبشارة المصطفى للطبرى ما نصه ( انظر ص ٤٨٣ من طبعة أمين الضرب ) : « فصل فى ذكر ما جاء من قضاياه فى إمرة عمر بن الخطاب فمن ذلك ما جاءت به العامة والخاصة فى قصة قدامة بن مظعون وقد شرب الخمر فأراد عمر أن يحده فقال له قدامة : لا يجب على الحد لان الله تعالى يقول : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) ؛ فدرأ عنه عمر الحد ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع) فمشى الى عمر فقال له : لم تركت اقامة الحد على قدامة فى شرب الخمر؟ ـ فقال : انه تلا على الآية ؛ وتلاها عمر ، فقال له أمير المؤمنين (ع) : ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله فى ارتكاب ما حرم الله ، ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراما ، فاردد قدامة واستتبه مما قال ، فان تاب فأقم عليه الحد ، وان لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملة ، فاستيقظ عمر لذلك وعرف قدامة الخبر فأظهر التوبة والاقلاع فدرأ عمر عنه القتل ولم يدر كيف يحده فقال لامير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : أشر على فى حده فقال : حده ثمانين ؛ ان شارب الخمر اذا شربها سكر ، واذا سكر هذا ، واذا هذا افترى ، فجلده عمر ثمانين وصار الى قوله فى ذلك كا ـ ( يريد به الكافى للكلينى ) على بن ابراهيم عن

١٩٦

فهل رأيتم سنّة عجز عنها أصحابكم الاّ وقد رأيتم بيانها عند صاحبنا ـ صلوات الله عليه ـ يضطرّون الى قبول ذلك منه ولم يسألهم هو قطّ عن شيء ، وكذا الشّيعة الى اليوم

__________________

محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله (ع) مثله بتغيير ما ».

أقول : هذا المطلب مما ذكره المجلسى فى ثامن البحار من مطاعن عمر ( انظر الطعن التاسع ص ٢٩٦ من طبعة أمين الضرب ) او الطعن الرابع من مطاعنه من تشييد المطاعن ( ج ١ ؛ ص ٥٠٤ ـ ٥٩٤ ) ولا يخفى على طالب التحقيق أن هذا الامر وما تقدمه من القضايا المذكورة فى المتن من الامور التى أجمع على نقلها وثبوت وقوعها الفريقان وكيف لا وقد عنونها القاضى عبد الجبار فى المغنى بعنوان « شبهة لهم أخرى : وأحد ما طعنوا به على عمر أنه أمر برجم حامل ؛ الى آخر ما قال » وبعنوان « شبهة لهم أخرى : وأحد ما طعنوا به فى ذلك خبر المجنونة ( الى آخر ما قال ) » وأجاب عنهما علم الهدى فى الشافى ( انظر ص ٢٥٣ من طبعة طهران سنة ١٣٠١ وذكر هما العلامة فى نهج الحق وكشف الصدق ( انظر ص ٢٣٩ من احقاق الحق للقاضى نور الله التسترى فانه شرح له واعتراض على ابطال الباطل للفاضل روزبهان ) وأوردهما ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة عند بحثه عما طعن به على عمر ( انظر ج ٣ من طبعة مصر ص ١٥٠ ـ ١٥١ ) وقال العلامة فى منهاج الكرامة مشيرا به الى ما هو مورد البحث والى نظائره ( ص ٤٥ ـ ٤٦ من النسخة المطبوعة ) : « وكان قليل المعرفة بالاحكام وأمر برجم حامل فقال على ـ عليه‌السلام ـ : ان كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما فى بطنها فأمسك ، وقال : لو لا على لهلك عمر ، وأمر برجم مجنونة فقال له على ـ عليه‌السلام ـ ان القلم رفع عن المجنون حتى يفيق فأمسك وقال :لو لا على لهلك عمر ، وقال فى خطبة له : من غالى فى مهر امرأته جعلته فى بيت المال فقالت له امرأة : كيف تمنعنا ما أعطانا الله فى كتابه حين قال : وآتيتم احداهن قنطارا ؛ فقال : كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات ، ولم يحد قدامة بن مظعون فى الخمر لانه تلا عليه : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ؛ فقال له على ـ عليه‌السلام ـ : ليس

١٩٧

وهم أتباعه يكتفون بالسّنّة عن الرّأى فى كلّ صغيرة وكبيرة. فهل رأيتم أحدا منهم اضطرّ الى رأيكم مع موافقة الكتاب لفتياهم بالحلال والحرام (١).

ما نذكر من صاع رسول الله (ص) ومدّه

ورويتم أنّ عمر بن الخطّاب زاد فى مدّ النّبيّ (ص) ثمّ زعمتم ذلك فضيلة (٢) لعمر ، وسنّة رسول الله أولى أن يتّبع من سنّة عمر لأنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ [ كان عليها ] الى أن مضى والنّاس عليها فى اخراج الصّدقة فى كفّارة اليمين والفطرة بصاع النّبيّ (ص) ومدّه فيما (٣) يزكّى من الطّعام ؛ والاعتبار بمدّ رسول الله (ص) وصاعه ، فزعمتم أن الزّيادة فيه فضيلة لعمر.

وممّا يوجب عليكم أن تأخذوا ببدعتكم الّتي زعمتم أنّها سنّة من قوم لستم من

__________________

قدامة من أهل هذه الآية وأمره بحده ، فلم يدر كم يحد فقال أمير المؤمنين (ع) : حده ثمانين لان شارب الخمر اذا شربها سكر واذا سكر هذا واذا هذا افترى ( الى آخر ما قال ) » وبالجملة جعل المجلسى الامر برجم الحامل والامر برجم المجنونة الطعن التاسع والطعن العاشر من مطاعن عمر وخاض فى البحت عنهما فمن أرادهما فليراجع ثامن البحار ( ص ٢٩٦ و ٢٩٧ من طبعة أمين الضرب ) وأطال البحث عنهما وعن نظائرهما صاحب تشييد المطاعن ( انظر ج ١ ص ٥٠٤ ـ ٥٩٤ ).

__________________

(١) فليعلم أن هذه الفقرة أعنى : « مع موافقة الكتاب لفتياهم بالحلال والحرام » آخر العبارة التى ذكرنا فيما سبق أعنى فى ذيل هذا الكلام : « ان عمر بن الخطاب دعا بامرأة أراد ان يرجمها » ( انظر ص ١٩٠ من الكتاب ) أنها موجودة فى جميع النسخ الا أنها مذكورة فى غير نسخة م ( وهى نسخ ج ح س ق مج مث ) فى أواخر الكتاب ونشير الى موضع ذكرها فى تلك النسخ اذا وصلنا إليه ان شاء الله تعالى.

(٢) فى الاصل : « فى فضيلة ».

(٣) فى الاصل : « وما ».

١٩٨

تزكيتهم على يقين وهو قول الله عزّ وجلّ : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (١) وقد علمت الأمّة قاطبة أنّه لم يكن أحد أشدّ نكاية فى أعداء الله ولا أشدّ جهادا فى الحرب ولا أبلغ فيها من عليّ بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ فانّه لم يخف فى الله لومة لائم فى جهاد الكفّار ثمّ أكّد هذه الآية بقوله : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٢) ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) (٣) ثمّ أكّد ذلك بقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ ) (٤) فمن الّذي نجا منهما ممّن كان كافرا أو ممّن اتّخذ آيات الله هزوا ولعبا؟! والأمّة مجمعة (٥) على أنّ عليّ بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ لم يشرك بالله عزّ وجلّ طرفة عين قطّ ، ولم يتّخذ دين الله عزّ وجلّ هزوا ولعبا.

ذكر الوصيّة

وأجمعوا (٦) على أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لم يوص وترك (٧) الوصيّة ترك فريضة من فرائض الله عزّ وجلّ وذلك قوله لنبيّه (ص) : ( [ كُتِبَ عَلَيْكُمْ ] إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٨)

__________________

(١) آية ٥٤ سورة المائدة.

(٢ و ٣) آيتا ٥٥ و ٥٦ من سورة المائدة.

(٤) صدر آية ٥٧ سورة المائدة وذيلها : ( وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ).

(٥) فى الاصل : « مجتمعة ».

(٦) فى الاصل : « واجتمعوا ».

(٧) فى الاصل : « ولم ترك » ولعله كان : « ومن ترك ».

(٨) آية ١٨٠ سورة البقرة.

١٩٩

وكان رسول الله من المتّقين ولم يك (١) فيما يوصى به النّاس شيء (٢) أعظم حظّا فى الاسلام من الوصيّة فى الخلافة الّتي بها تحقن الدّماء وبها تنفذ الأحكام وتقام الحدود ويجبى الفيء ويجاهد العدوّ وتقسم الصّدقات بين من سمّاه [ الله ] وتقسم المواريث على من أمر الله فى كتابه ويقرع الظّالم وينصف المظلوم والله عزّ وجلّ يقول : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٣).

فتركتم كتاب الله وراء ظهوركم وأخذتم بروايتكم الكاذبة فزعمتم أن النّبيّ ترك الحقّ الّذي افترضه (٤) الله عليه وعلى جميع المتّقين ثمّ تزعمون وتنسبون الشّيعة الى أنّهم يقعون فى أصحاب رسول الله ويطعنون عليهم ولو كنتم صادقين لكانت الشّيعة أحسن قولا وأقلّ اثما منكم بزعمكم لأنّكم تطعنون على رسول الله وليس الطّعن على رسول الله كالطّعن على الصّحابة لأنّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بيّن لأمّته ذلك فقال : من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار (٥).

__________________

(١) حذف النون من المضارع لكان عند كونه منجزما جائز بالاتفاق ؛ قال ابن مالك فى ألفيته :

« ومن مضارع لكان منجزم

تحذف نون وهو حذف ما التزم ».

(٢) فى الاصل : « شيئا ».

(٣) آيتا ١٨١ و ١٨٢ سورة البقرة.

(٤) فى الاصل : « أفرضه » قال الجوهرى : « وفرض الله علينا كذا وافترضه اى أوجب ، والاسم الفريضة » وفى القاموس : « وافترض الله أوجب » وشرحه الزبيدى بقوله : « كفرض والاسم الفريضة وهذا أمر مفترض عليهم كفرض ومفروض ».

(٥) قال ابن الاثير فى النهاية : « وفيه : من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ؛ قد تكررت هذه اللفظة فى الحديث ومعناها فلينزل منزله من النار يقال : بوأه الله منزلا أى أسكنه اياه وتبوأت منزلا اى اتخذته » وقال الطريحى فى مجمع البحرين

٢٠٠