الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

ثلاثا قد كنت فعلتهنّ ، فقيل له : وما هنّ؟ ـ فقال : ندمت أن لا أكون سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن هذا الأمر لمن هو من بعده؟ ـ وأن لا أكون سألته عن الحدّ ، وأن لا أكون سألته عن ذبائح أهل الكتاب.

وأمّا الثلاث اللاتى فعلتهن وليتنى لم أفعلهنّ فكشفى بيت فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ وتخلّفى عن بعث اسامة ، وتركى الأشعث بن قيس ألاّ أكون قتلته فانّى لا أزال أراه يبغى للإسلام عوجا ، وأمّا الثّلاث اللاّتى لم أفعلهنّ وليتنى كنت فعلتهنّ ؛ فوددت أنّى كنت أقدت من خالد بن الوليد بمالك بن نويرة ، ووددت أنّى لم أتخلّف عن بعث اسامة ، ووددت أنّى كنت قتلت عيينة بن حصين وطلحة بن خويلد (١).

فكلّ هذا تروونه على أبى بكر أنّه ترك حقّا وعمل بباطل وأنتم تنسبون الشّيعة الى الوقيعة فيه.

__________________

أنى لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وددت أنى فعلتهن ، وثلاث وددت سألت رسول الله (ص) عنهن ، ( فساق الحديث قريبا مما ذكر فى المتن ونقل فى الذيل عن الامامة والسياسة ) فخاض المجلسى فى بيان لغاته والبحث عما يستفاد منه تفصيلا فمن أراده فليراجع ( ص ٢٠٦ ).

__________________

(١) قال مؤلف كتاب الاستغاثة بعد بحثه الاستدلالي عن كلام أبى بكر فى الصلاة بعد ـ التشهد وقبل التسليم على سبيل التفصيل ما نصه ( انظر ص ٢١ من طبعة النجف ) :

« ثم رووا جميعا بخلاف تلك الرواية أنه قال فى وقت وفاته : ثلاث فعلتها ووددت أنى لم أفعلها ، وثلاث لم أفعلها ووددت أنى فعلتها ، وثلاث أهملت السؤال عنها ووددت أن أسأل رسول الله (ص) عنها ، ثم اختلف أولياؤه فى تأويل ما فعل ولم ـ يختلفوا فى السؤال فأهملنا ذكر ما اختلفوا فيه وقصدنا ذكر ما أجمعوا عليه طلبا للنصفة وتحريا للحق فزعموا أنه قال : وددت أنى سألت عن رسول الله (ص) عن الكلالة ما هى؟ وعن الجد ؛ ماله من الميراث؟ وعن هذا الامر لمن هو؟ فكان لا ينازع فيه ( فخاض فى البحث عنها والتحقيق فيها فمن أراده فليراجع الكتاب ( ص ٢٢ ـ ٢١ ).

١٦١

وروى زياد البكّائىّ عن هشام بن عروة عن أبيه (١) عروة بن الزّبير قال : وجّه أبو بكر يعلى بن منية (٢) على قضاء اليمن وخراجها فالتوى عليه قوم من أهل حضرموت فبعث إليهم يعلى جيشا فقتل وسبى منهم ثلاث مائة ونيّفا (٣) رجالا ونساء فقدم بهم على أبى بكر فباعهم ثمّ قدم بعد ذلك قوم من أهل اليمن على أبى بكر فشهدوا بالله أنّهم كانوا مسلمين وأنّ يعلى ظلمهم فأسقط فى يديه (٤) وشاور فيهم المسلمين فأعتقوهم وقد وطئت الفروج ومات منهنّ من مات مسترقّا.

وروى زياد البكّائىّ عن صالح بن كيسان عن ابن عبّاس قال : انّى لأطوف بالمدينة مع عمرو يده على جنحى (٥) إذ زفر زفرة كادت تطير بأضلاعه فقلت : سبحان الله

__________________

(١) قال فى خلاصة تذهيب الكمال : « هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الاسدى أبو المنذر أحد الاعلام عن أبيه ( الترجمة ) : ».

(٢) قال ابن حجر فى تقريب التهذيب : « يعلى بن منية هو ابن امية ، تقدم » ويشير به الى ما ذكره فى الكتاب قبيل ذلك بقوله : « يعلى بن أمية بن أبى عبيدة بن همام التميمى حليف قريش ، وهو يعلى بن منية ( بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة ) وهى أمه ؛ صحابى مشهور ، مات سنة بضع وأربعين ».

(٣) غير ح : « ونيف ».

(٤) قال الطريحى فى مجمع البحرين : « قوله تعالى ( وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ) بالبناء للمفعول والظرف نائبه يقال لكل من ندم وعجز عن الشيء : قد سقط فى يده وأسقط فى يده لغتان ، ومعنى : ( سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ) ندموا على ما فاتهم ، وفى الصحاح وقرأ بعضهم : سقط بالفتح كأنه أضمر الندم ». أقول : ويشير بما نقل عن الجوهرى الى هذه العبارة « وسقط فى يديه أى ندم ومنه قوله تعالى : ( وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ) وقال الاخفش : وقرأ بعضهم سقط كأنه أضمر الندم وجوز أسقط فى يديه ، وقال أبو عمرو : لا يقال : أسقط بالالف على ما لم يسم فاعله وأحمد بن يحيى مثله ».

(٥) هذا الحديث قد نقل بطرق كثيرة وعبارات متفاوتة بل صدر فى أوقات مختلفة

١٦٢

والله ما أخرج هذا منك الاّ همّ شديد قال : اى والله همّ شديد قلت : ما هو؟ ـ

__________________

ونكتفى هنا بما نقله الزمخشرى فقال فى الفائق فى مادة « كلف » ما نصه : « عمر ـ رضى الله تعالى عنه ـ دخل عليه ابن عباس حين طعن فرآه مغتما لمن يستخلف بعده فجعل ابن عباس يذكر له أصحابه فذكر عثمان فقال : كلف بأقاربه وروى أخشى حفده وأثرته ، قال : فعلى قال : ذاك رجل فيه دعابة ، قال : فطلحة قال : لو لا بأو فيه وروى أنه قال : الاكنع ان فيه بأوا ونخوة ، قال : فالزبير قال : وعقة لقس وروى : خرس ضبيس او قال : ضمس ، قال : فعبد الرحمن قال : اوه ذكرت رجلا صالحا لكنه ضعيف وهذا الامر لا يصلح له الا اللين من غير ضعف والقوى من غير عنف وروى : لا يصلح ان يلى هذا الامر الا حصيف العقدة قليل الغرة ، الشديد فى غير عنف اللين فى غير ضعف ، الجواد فى غير سرف ، البخيل فى غير وكف ، قال : فسعد بن أبى وقاص قال : ذلك يكون فى مقنب من مقانبكم ».

أقول : فخاض فى بيان لغاته وتفسير كلماته فمن أراد ما ذكره فليراجع الفائق فان المقام لا يسعه ونقله المجلسى بتمامه فى ثامن البحار فى باب الشورى ( انظر ص ٣٥٧ من طبعة أمين الضرب ) وأورد الحديث فى الباب المذكور نقلا عن كتب أخرى منها العدد القوية لدفع المخاوف اليومية تأليف الشيخ الفقيه رضى ـ الدين على بن يوسف بن المطهر الحلى ( انظر ص ٣٥٢ من الكتاب المشار إليه ) ونص عبارته : « د ـ عن ابن عباس قال : بينا أنا أمشى مع عمر يوما اذ تنفس نفسا ظننت أنه قد قصمت أضلاعه فقلت : سبحان الله والله ما أخرج منك هذا الا أمر عظيم فقال : ويحك يا ابن عباس ما أدرى ما أصنع بأمة محمد ( فساق الحديث الى آخره قائلا بعده : ) هذا آخر ما نقلت من كتاب الاستيعاب ) » فأورد المجلسى بيانا لتفسير لغات الحديث فمن أراده فليراجع هناك فان ذكره هنا يفضى الى طول لا يناسب المقام.

أقول : قد علم من كلام ابن المطهر (ره) فى آخر الحديث أنه مذكور فى كتاب الاستيعاب وقد أخذه منه وهو كذلك ونص عبارته فى ترجمة أمير المؤمنين على بن أبى ـ

١٦٣

قال : هذا الأمر ؛ لا أدرى فيمن أضعه؟ ـ ثمّ نظر إليّ فقال : لعلّك تقول : انّ عليّا صاحبها ، قال : قلت : اى والله انّى لأقول ذاك وأنّى به؟! وأخبر به النّاس (١) فقال : وكيف ذاك؟ ـ قال : قلت : لقرابته من رسول الله (ص) وصهره وسابقته وعلمه وبلائه فى الاسلام ، فقال : إنّه لكما تقول ولكنّه رجل فيه دعابة قال : قلت : فأين أنت عن عثمان؟ ـ فقال : اجتمع حبّ الدّنيا والآخرة فى قلبه والله لو وليته أمر ـ النّاس لحمل آل أبى معيط (٢) على رقابهم ثمّ لمست (٣) إليه العرب حتّى تقتله ، وأيم الله

__________________

طالب ـ عليه‌السلام ـ هكذا ( انظر ص ٤٦٧ من طبعة حيدرآباد الدكن ) : « حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة منى عليه فى كتابى وهو ينظر فى كتابه قال : حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ حدثنا أبو عبيد بن عبد الواحد البزار حدثنا محمد بن أحمد بن أيوب قال قاسم : وحدثنا محمد بن اسماعيل بن سالم الصائغ حدثنا سليمان بن داود قالا : حدثنا ابراهيم بن سعد حدثنا محمد بن اسحاق عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن ـ عباس قال : بينا أنا أمشى مع عمر يوما ؛ الحديث » وفى آخره : « قال ابن عباس : كان والله عمر كذلك ».

__________________

(١) كذا فى غير ح لكن فيها : « انى لاقول ذاك وانى به أخير الناس » ولعل الاصل قد كان : « انى لاقول ذاك واخبر به الناس ».

(٢) قال الفيروزآبادي : « وأبو معيط كزبير أبان والدعقبة » وقال الزبيدى فى شرح الكلام : « وأبو معيط كزبير اسمه أبان بن أبى عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الاموى أخو مسافر وأبى وجزة وهو والدعقبة وبنوه الوليد وعمارة وخالد اخوة عثمان بن عفان لامه ».

(٣) كذا فى الاصل فلعله « وثبت » كما فى الاستيعاب ( ص ٤٦٧ من طبعة حيدرآباد ) ونص العبارة فيه هكذا : « فقلت : فعثمان ، قال : فو الله لو فعلت لحمل بنى أبى معيط على رقاب الناس يعملون فيهم بمعصية الله والله لو فعلت لفعل ، ولو فعل لفعلوه ؛ فوثب الناس

١٦٤

لو فعلت لفعل ، ولو فعل لفعلوا ، فلم أزل أتوقّعها من قوله حتّى فعل ما فعل وفعلوا به ما فعلوا. قلت : أين أنت عن الزّبير؟ ـ فقال : اللّعقة (١) والله اذا لظلّ يضارب على الصّاع والمدّ ببقيع الغر قد (٢) قال : قلت : فأين أنت عن طلحة؟ ـ فقال : المزهوّ ما زلت أعرف فيه الزّهو منذ أصيبت كفّه مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال :

__________________

عليه فقتلوه » ونقله هكذا المجلسى فى ثامن البحار فى باب الشورى ( ص ٣٥٢ من طبعة أمين الضرب ) الا أنه نقل مكان « على » كلمة « الى » وقال المجلسى فى الباب المشار ـ إليه من المجلد المذكور نقلا عن أرباب السير والمحدثين من المخالفين ما نص عبارته ( ص ٣٥٧ ) : « ثم أقبل عمر على عثمان فقال : هيها أليك كأنى بك قد قلدتك قريش هذا الامر لحبها اياك فحملت بنى أمية وبنى أبى معيط على رقاب الناس وآثرتهم بالفيء فسارت أليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا » الى غير ذلك مما يفيد هذا المعنى فالعبارة اما « لمشت إليه العرب » بأن تكون اللام لام الجواب للو وفعل « مشت » مأخوذا من المشى حتى يكون المعنى مثل ما نقله المجلسى فى عبارته المشار إليها « فسارت أليك الناس » واما أن يكون الفعل مأخوذا من متت ، قال الزبيدى فى تاج العروس نقلا عن المحكم : « مت إليه بالشيء يمت متا توسل فهو مات ( الى أن قال ) وفى حديث على ـ كرم الله وجهه ـ لا تمتان الى الله بحبل ولا تمدان إليه بسبب » الا أن الاحتمال الاخير يحتاج الى تكلف وتجشم كما هو واضح وحيث ان المعنى صار واضحا بسبب ما نقلناه فلا حاجة الى الاطناب فيه بأكثر من ذلك فالمعنى « لو ثبت إليه العرب » أو « لسارت إليه العرب ».

__________________

(١) كذا فى النسخ وكأنه محرف وصحيحه : « الوعقة » او « الوعقة اللعقة » قال ابن ـ الاثير فى النهاية نقلا عن الهروى : « فى حديث عمر وذكر الزبير فقال : « وعقة لقس ؛ الوعقة بالسكون الّذي يضجر ويتبرم يقال : رجل وعقة ووعقة أيضا ووعق بالكسر فيهما ».

(٢) قال الفيروزآبادي : « الغرقد شجر عظام أو هى العوسج اذ اعظم واحده غرقدة وبها سموا : وبقيع الغرقد مقبرة المدينة على ساكنها الصلاة والسلام لانه كان منبتها ».

١٦٥

قلت : فأين أنت عن سعد؟ ـ قال : ليس هناك هو صاحب فرس وقنص وكان يقال : انّ سعد ارجل من عذرة (١) وليس من قريش ، قال : قلت : فعبد الرّحمن بن عوف؟ فقال : نعم الرّجل ذكرت غير أنّه ضعيف انّ هذا الأمر والله يا ابن عبّاس ما يصلحه الاّ القوىّ فى غير ضعف يعنى عليّا ، والجواد فى غير سرف يعنى طلحة ، والبخيل فى غير امساك يعنى الزّبير ، واللّيّن فى غير ضعف يعنى عبد الرّحمن (٢).

فهل بقى منهم أحد لم يغمزه؟ ثمّ صيّر الأمر شورى بينهم بعد قوله فيهم ما قال (٣)؟! فهل تكون الوقيعة الاّ هكذا؟!

ورويتم عمّن حكاه ورواه من فقهاء أهل المدينة (٤) قال : بينا عمر بن الخطّاب

__________________

(١) قال الفيروزآبادي : « عذرة بلا لام قبيلة فى اليمن » فمن أراد التفصيل فليراجع تاج العروس او سائر مظانه.

(٢) فليعلم أن الزمخشرى قد خاض فى بيان الالفاظ المشكلة التى وردت فى الحديث بعباراته المختلفة وكلماته المتغايرة وبينها بما لا مزيد عليه ولو لا أن المقام لا يسع ذكر كلامه لذكرته هنا بطوله لانه مفيد جدا ، وأشرنا إليه هنا مع أنا قد نقلنا متن الحديث عن الفائق فيما سبق ( ص ١٦٣ من الكتاب الحاضر ) وذكرنا هناك أن الزمخشرى قد فسر غرائبه وأوضح مشكلاته لاهمية كلامه النفيس وذكرناه بتمامه فى المجلد الّذي سميناه « بالتعليقات على الايضاح » وفقنا الله لطبعه ونشره.

(٣) فليعلم أن هذا الامر من أهم ما طعن به على الخليفة الثانى وتفصيله فى كتب الكلام الاستدلالي وكتب المطاعن المفصلة فمن أراد أن يستقصى البحث عنه ويستوفى الحظ منه فليراجع مظانه من الاستغاثة والطرائف وتشييد المطاعن واحقاق الحق وما يضاهيها ولعل فى المراجعة الى باب الشورى من ثامن البحار كفاية لمن تدبر ( راجع ٣٦٠ ـ ٣٤٤ من طبعة أمين الضرب ). وبحث المجلسى أيضا عن هذا المطلب فى ثامن البحار تحت عنوان « الطعن الثامن عشر من مطاعن عمر » ( انظر ص ٣١٠ ـ ٣٠٦ من طبعة أمين الضرب ).

(٤) كأن المراد به عبد الله بن عمر كما يعلم من سند القصة فى الكتب التى رويت فيها.

١٦٦

وبعض أصحابه يتذاكرون الشّعراء فقال بعضهم : فلان أشعر ، وقال بعضهم : فلان أشعر ؛ اذ طلع عليهم ابن عبّاس فقال عمر : قد جاءكم ابن بجدتها وأعلم النّاس [ بها ] فقال عمر : يا ابن عبّاس من أشعر الشّعراء؟ ـ فقال ابن عبّاس : أشعر الشّعراء يا أمير المؤمنين زهير بن أبى سلمى فقال : هلمّ من شعره ما نستدلّ به على ما ذكرت قال : امتدح قوما من بنى عبد الله بن غطفان فقال (٢) :

__________________

(١) قال ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة عند ذكره شيئا من سيرة عمر وسياسته ( ج ٣ من طبعة مصر سنة ١٣٢٩ ؛ ص ١٠٧ ).

« وروى عبد الله بن عمر قال : كنت عند أبى يوما وعنده نفر من الناس فجرى ذكر الشعر فقال : من أشعر العرب؟ ـ فقالوا : فلان وفلان فطلع عبد الله بن عباس فقال عمر : قد جاءكم الخبير ( القصة الى آخرها ) » وقال الطبرى ضمن حوادث سنة ٢٣ ( وهى سنة فوت عمر ) ما نصه : « حدثنى ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن مجد بن اسحاق عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال : بينما عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر ( الحكاية الى آخرها ؛ راجع ج ٥ ص ٣١ ) » وابن الاثير ضمن ما ذكره فى احوال عمر ما نصه ( ج ٣ ص ٢٤ ضمن حوادث سنة ٢٣ ) : « قال ابن عباس : بينما عمر بن الخطاب ( القصة الى آخرها ) » وقال أبو العباس ثعلب فى شرح ديوان زهير بن أبى سلمى ما نصه ( ص ٢٧٨ من طبعة دار الكتب ) : « قال عبد الله بن محمد البصرى : حدثنا ابراهيم بن عبد الله السدوسى عن محمد بن خداش الاسدى عن نوح بن دراج عن حبيب بن زادان عن أبيه قال : دخلت على عمر بن الخطاب ـ رحمه‌الله ـ وعنده نفر من أصحاب رسول الله (ص) فذكروا الشعر فقال لهم عمر : من كان أشعر العرب؟ ـ فاختلفوا فبيناهم كذلك اذ طلع عليهم عبد الله بن عباس ( الحكاية الى آخرها ) » وقال السيوطى فى شرح شواهد المغنى ( ص ٦٣ من طبعة ايران سنة ١٢٧١ ) : « وأخرج أى أبو الفرج الاصبهانى فى الاغانى « عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر جالسا مع قوم يتذاكرون أشعار العرب اذ أقبل ابن عباس ( فساق القصة ) الى غير ذلك من الموارد التى تفضى الاشارة إليها الى طول.

(٢) قال ابن عبد ربه فى عقد الفريد عند ذكره أجواد أهل الجاهلية ( ج ١ ص

١٦٧

لو كان يقعد فوق الشّمس من كرم

قوم بأوّلهم او مجدهم قعدوا

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم

طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا

إنس اذا أمنوا ، جنّ اذا فزعوا

مرزّءون (١) بها ليل اذا جهدوا

محسّدون على ما كان من نعم

لا ينزع الله منهم ما له حسدوا

فقال عمر : أحسن ؛ وما أجد أولى بهذا الشّعر من هذا الحىّ من بنى هاشم

__________________

٢٠٠ من الطبعة الثانية بتحقيق محمد سعيد عريان ) :

« وكان سنان أبو هرم سيد غطفان وماتت أمه وهى حامل به وقالت : اذا أنا مت فشقوا بطنى فان سيد غطفان فيه ، فلما ماتت شقوا بطنها فاستخرجوا منها سنانا ، وفى بنى ـ سنان يقول زهير :

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم

طابوا وطاب من الاولاد ما ولدوا

لو كان يقعد ( فذكر الابيات الى قوله : ) ماله حسدوا ».

أقول : هذه الابيات من أواخر قصيدة لزهير تشتمل على اثنين وثلاثين بيتا والبيت الاول من هذه الابيات الاربعة مصدر فى القصيدة بكلمة « أو » فان البيت الّذي قبله هناك مصدر بكلمة « لو » وهو :

« لو كان يخلد أقوام بمجدهم

او ما تقدم من أيامهم خلدوا »

وبعد الابيات المذكورة هذا البيت وهو آخر القصيدة

« لو يوزنون عيارا او مكايلة

مالوا برضوى ولم يعدلهم أحد »

فان أردت ان تلاحظ القصيدة فراجع شرح ديوان زهير بن أبى سلمى أعنى شرح أبى ـ العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيبانى المعروف بثعلب ( ص ٢٨٢ ـ ٢٧٩ من طبعة دار ـ الكتب ).

أقول : فى كلمات الابيات اختلاف فمن أراد التحقيق فليخض بنفسه فيه.

(١) قال الجوهرى : « ورجل مرزه ( بصيغة المفعول من التفعيل ) أى كريم يصيب الناس خيره ».

١٦٨

لفضل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقرابتهم منه ، فقال له ابن عبّاس : وفّقت يا أمير المؤمنين ولم تزل موفّقا ، فقال : يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ؟ ـ فقال ابن عبّاس وكره أن يجيبه : ان لم أكن أدرى فانّ أمير المؤمنين يدرينى (١) فقال : كرهوا (٢) أن تجتمع لكم الخلافة والنّبوّة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا (٣) فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت ، فقال ابن عبّاس : يا أمير المؤمنين إن تأذن لى فى الكلام وتمط الغضب تكلّمت؟ فقال : تكلّم يا ابن عبّاس فقال : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : اختارت لأنفسها فأصابت ووفّقت ؛ فلو أنّ قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله تعالى لها لكان الصّواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأمّا قولك : انّهم كرهوا أن تكون (٤) لنا النبوّة والخلافة فانّ الله تبارك وتعالى وصف قوما بالكراهية فقال : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ ) (٥) فقال عمر : هيهات يا ابن عبّاس والله لقد كانت تبلغنى (٦) عنك أشياء أكره

__________________

(١) قال المجلسى فى ثامن البحار ضمن ذكره الطعن الثامن عشر من مطاعن عمر ( ص ٣٠٨ ـ ٣٠٧ من طبعة أمين الضرب ) : « وروى ابن أبى الحديد فى الشرح وابن الاثير فى الكامل عن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال يوما لابن عباس : أتدري ما منع الناس منكم؟ ـ قال : لا يا أمير المؤمنين قال : ولكنى أدرى قال : ما هو يا أمير المؤمنين؟ ـ قال كرهت قريش ان تجمع لكم النبوة والخلافة ( الى آخر الحديث ) »

أقول : هناك مطالب مفيدة بالنسبة الى حديث المتن ونظائر له وتحقيقات من المجلسى (ره) فمن أراده فليراجع هناك.

(٢) فى النسخ : « أكره » وفى بعضها : « كره » وفى تاريخ الطبرى : « كرهوا ان يجمعوا لكم النبوة والخلافة ».

(٣) أى تتكبرون وتتعظمون وتفتخرون.

(٤) فى بعض النسخ : « يكون ».

(٥) آية ٩ سورة محمد ( ـ القتال ).

(٦) فى بعض النسخ : « يبلغنى ».

١٦٩

أن أفرك عنها (١) لتزيل منزلتك منّى فقال ابن عبّاس : وما هي يا أمير المؤمنين؟ ـ فان كانت حقّا فما ينبغى أن تزيل منزلتى منك ، وان كانت باطلا فمثلى أماط الباطل عن نفسه ، فقال عمر : يبلغنى أنّك تقول : انّما صرفوها عنّا حسدا وظلما ، فقال ابن عبّاس : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : ظلما ؛ فقد تبيّن الجاهل والحكيم أنّ هذا الأمر انّما استحقّ برسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فكان أولى النّاس برسول الله أحقّ به من غيره ، وأمّا قولك : حسدا ؛ فانّ ابليس حسد آدم ـ صلوات الله عليه ـ فنحن ولده المحسودون ، [ فغضب عمر ] غضبا شديدا (٢) وقال : هيهات هيهات (٣) أبت والله قلوبكم يا بنى هاشم الاّ حسدا ما يحول وغشّا ما يزول ، قال ابن عبّاس : فقلت : مهلا يا عمر (٤) لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا بالحسد والغشّ (٥) فانّ قلب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ من قلوب بنى هاشم فقال عمر : أليك عنّى (٦) يا ابن عبّاس ، فقلت : أفعل ؛ فذهبت أقوم (٧) فقال : يا ابن ـ عبّاس مكانك ؛ فو الله انّى لراع لحقّك ومحبّ لما يسرّك ، قال ابن عبّاس :

__________________

(١) اى أكشف عنها ؛ يقال : « فرك الثوب دلكه ؛ وفركه عن الثوب حتى تفتت وتقشر قال فى اللسان : الفرك دلك الشيء حتى ينقلع قشره عن لبه كالجوز ».

(٢) من هاتين الكلمتين يبتدأ الموجود من نسخة م فان ما بعد هذه العبارة « فقلت للمغيرة : لا أبا لك قد عثرنا بكلامنا وما كنا فيه من » الى ما ذكر الى هنا من المطالب المنقولة فى المتن كان ساقطا من تلك النسخة كما أشرنا إليه وصرحنا به سابقا ( انظر ص ١٤٥ ) ومن هنا أعنى من كلمتى « غضبا شديدا » يبتدأ الموجود من النسخة ثانيا فنشرع فى مقابلتها مع سائر النسخ من هنا أيضا كالسابق.

(٣) « هيهات هيهات » ليس فى م كما أن « غضبا شديدا » ليس فى سائر النسخ.

(٤) عبارة غير م هكذا « الا حسدا وشرا ما يزول فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين »

(٥) غير م : « بالحسد والشر ».

(٦) غير م : « عنا ».

(٧) غير م : « فلما ذهب ليقوم استحيى منه عمر فقال : يا ابن عباس ».

١٧٠

فقلت (١) : انّ لى عليك حقّا وعلى كلّ مسلم ؛ فمن حفظه فحظّه أصاب ، ومن أضاعه فحظّه أخطأ ؛ ثمّ قام ومضى. قال ابن عبّاس (٢) : فما زلت أعرف الغضب فى وجهه حتّى هلك.

ورويتم (٣) عن يزيد (٤) بن هارون عن العوّام بن حوشب عن ابراهيم التّيمىّ (٥) قال : قال لى ابن عبّاس يوما ونحن بالجابية (٦) : ما رأيت كمقال قاله لى (٧)

__________________

(١) غير م : « فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين ».

(٢) من هنا الى « هلك » فى م فقط.

(٣) غير م : « وروى ».

(٤) م : « عن زيد » وهو مصحف قطعا قال الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال : « يزيد بن هارون السلمى أبو خالد الواسطى أحد الاعلام الحفاظ ( الترجمة ) » وصرح ابن ـ حجر فى تهذيب التهذيب بأنه يروى عن العوام بن حوشب وكذا صرح فى ترجمة العوام بن حوشب بأنه ممن روى عنه يزيد بن هارون فراجع ترجمتهما هناك ان شئت.

(٥) قال ابن حجر فى تهذيب التهذيب : « ابراهيم بن يزيد بن شريك التيمى تيم الرباب أبو أسماء الكوفى كان من العباد ( الى ان قال فى آخر الترجمة ) وقال ابن المدينى لم يسمع من على ولا ابن عباس » وقال الخزرجى فى ترجمته بعد وصفه بأنه العابد القدوة : « يرسل ويدلس ».

(٦) م : « بالحديبية » ؛ قال ياقوت فى معجم البلدان : « الجابية بكسر الياء وياء مخففة وأصله فى اللغة الحوض الّذي يجبى فيه الماء للابل قال الاعشى : كجابية الشيخ العراقى تفهق فهو على ذا منقول وهى قرية من أعمال دمشق ( الى ان قال : ) وفى هذا الموضع خطب عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ خطبته المشهورة وباب الجابية بدمشق منسوب الى هذا الموضع ( الى آخر ما قال ) » فعلم من هذا أن عمر قد ورد هذا الموضع.

(٧) فليعلم أن أبا جعفر الشيعى الطبرى قد نقل هذه الرواية فى أواخر كتاب المسترشد وأفاد بعد نقله ما يناسب ذكره هنا وذلك أنه قال بعد ذكره الحديث

١٧١

أمير المؤمنين (١) عمر اليوم (٢)! قلت : فما ذاك؟ ـ (٣) قال : شكا إليّ عليّا (ع) فقال لى : ألم تر الى ابن عمّك لم يخرج معنا فى هذا الوجه (٤)؟! قال : قلت : لا إله الا الله (٥)

__________________

المعروف المشهور بين الفريقين من ان النبي قال فى مرض موته : ايتونى بدواة وصحيفة أكتب لكم ما لا تضلون معه بعدى وبعض الكلام فيه ما نصه ( ص ٢٠٨ من طبعة مطبعة الحيدرية فى النجف ) : « قال عبيد الله : وكان ابن عباس يقول : ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم كتابا من أجل اختلافهم ولغطهم فأى أمر أوضح من قول الثانى : حسبنا كتاب الله ولا حاجة بنا الى ما يدعونا إليه الرسول ولا شاهد أعدل من ابن عباس وقد كانت منه فى مخاطبته ما فيه من التصريح ببغض بنى هاشم رواه سفيان بن عينية عن النهدى عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر قال : كنا عند الثانى ذات يوم اذ قال : من أشعر الناس؟ ( فذكر الحديث الى آخره بهذه العبارة : ومن ضيعه فقد أخطأ حظه ثم طواه فمضى ) وزاد عليه ما نصه : فالتفت الثانى الى جلسائه فقال : واها لابن عباس فو الله ما رأيته لاحن أحدا قط الا خصمه فقد اعترف بأنه انقطع مخصوما فهذه روايتكم عن أئمتكم فمن كان هذا قوله لابن عباس وهو رهبانى هذه الامة ومن دعا له النبي (ص) فقال : اللهم فقهه بالدين وعلمه التأويل وعلمه التنزيل ، ومن رأى جبرئيل مرتين ، ومن قال النبي فيه وفى أبيه الّذي هو عمه وصنو أبيه ما رواه داود بن عطاء ( الى آخر ما ذكره ) » فمن أراده فليراجع المسترشد ( ص ٢١٠ ـ ٢١٢ ) ونقلناه فى تعليقاتنا على الايضاح وفقنا الله لطبعها ونشرها بحوله وقوته وفضله ورحمته.

__________________

(١) « أمير المؤمنين » ليس فى م.

(٢) فى م فقط.

(٣) غير م : « فما قال لك؟ ».

(٤) غير م : « الى هذا الموضع ».

(٥) كلمة التهليل ليست فى م.

١٧٢

أليس (١) قد اعتذر أليك فقبلت (٢) عذره وما خالفك الى يومنا هذا (٣) فقال : وما كفى ما قال لى أبوك؟! (٤)

قال : فقلت لابن عبّاس :

وما قال له أبوك؟ ـ قال : لقيه رجل من أهل الشّام فقال : السّلام عليك يا أمير المؤمنين فقال العبّاس : لست للمؤمنين بأمير ؛ هو (٥) ذاك وأنا والله أحقّ بها منه فسمعه عمر فقال : أحقّ والله بها منّى ومنك رجل خلّفناه بالمدينة أمس (٦) ؛ يعنى عليّا (٧) عليه‌السلام.

__________________

(١) فى م فقط.

(٢) غير م : « وقبلت ».

(٣) غير م : « فما خالف الى هذا ».

(٤) غير م : « وكما قال لى أبوك ».

(٥) غير م : « وهو ».

(٦) « أمس » ليس فى م.

(٧) قال المجلسى فى ثامن البحار فى باب المثالب والمطاعن ( ص ٢١٧ من طبعة أمين الضرب ) :

« شف ( يعنى كشف اليقين للعلامة ) أحمد بن مردويه فى كتاب المناقب عن أحمد بن ابراهيم بن يوسف عن عمران بن عبد الرحيم عن محمد بن على بن حكيم عن محمد بن سعد عن الحسن بن عمارة عن الحكيم بن عتبة عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال : خرج عمر بن الخطاب الى الشام وأخرج معه العباس بن عبد المطلب قال : فجعل الناس يتلقونه ويقولون : السلام عليك يا أمير المؤمنين ؛ وكان العباس رجلا جميلا ، فيقول : هذا صاحبكم ، فلما كثر عليه التفت الى عمر فقال : ترى أنا والله أحق بهذا الامر منك ، فقال عمر : اسكت ، أولى والله بهذا الامر منى ومنك رجل خلفته أنا وأنت بالمدينة على بن أبى ـ طالب ». فليعلم أن الطبرى أبا جعفر الشيعى ذكر هذا الجزء من الحديث فى كتابه المسترشد ( ص ١٨٨ من طبعة النجف ).

« وروى عثمان بن أبى شيبة قال : حدثنا حريز عن الاعمش عن طارق بن شهاب قال :

١٧٣

[ وروى يزيد بن هارون (١) عن حريز (٢) بن عثمان عن (٣) عوف بن مالك الزّبالىّ (٤) قال : جاء رجل الى عمر بن الخطّاب فقال (٥) : عليّ نذر أن أعتق نسمة من ولد

__________________

لما قدم عمر الشام لقيه أساقفتها ورؤساؤها وقد تقدمه العباس بن عبد المطلب على فرس وكان العباس جميلا بهيا فجعلوا يقولون : هذا أمير المؤمنين ويقولون له : السلام عليك يا أمير المؤمنين فيقول : لست بأمير المؤمنين وأمير المؤمنين ورائى وأنا والله أولى بالامر منه فسمعه عمر فقال : ما هذا يا أبا الفضل؟ قال : هو الّذي سمعت ، فقال : لكن أنا واياك قد خلفنا بالمدينة من هو أولى بها منى ومنك قال العباس : ومن هو؟ ـ فقال : على بن أبى طالب قال : فما الّذي منعك وصاحبك ان تقدماه؟ ـ فقال : خشية أن يتوارثها عقبكم الى يوم القيامة وكرهنا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة قال له العباس : من حسدنا فانما يحسد رسول الله (ص) ».

فليعلم : أن نظائر هذا الخبر كثيرة منها ما رواه ابن أبى الحديد فى الجزء الثانى عشر من شرحه على نهج البلاغة عند ذكره سيرة عمر ( انظر ص ٩٧ من ج ٣ من طبعة مصر وكذا ص ١١٤ ) أو راجع ثامن البحار فان المجلسى (ره) ذكر طرفا منها عند بحثه عن الطعن الاول من مطاعن عمر ( انظر ص ٢٧٨ من طبعة أمين الضرب ).

__________________

(١) فليعلم أن العبارة المشتملة على هذه الرواية وتاليتها أعنى من قوله : « وروى يزيد بن هارون » الى قوله : « لانه هو أدخله بيته » ( وهو آخر الرواية التالية لهذه الرواية ) ليست فى نسخة م فهى فى نسخ ج ح س ق مج مث فقط ؛ ولهذا وضعناها بين المعقوفتين.

(٢) ج ق : « جرير ».

(٣) ح ( بدل : « عن » ) : « بن ».

(٤) ق س : « الزيالى » ج : « الزبانى » أما ح فليست الكلمة فيها أصلا ، ولم أتمكن من تحقيق السند فمن أراده فليخض فيه.

(٥) نقل أبو جعفر الطبرى الشيعى هذه الرواية واستدل بها على الامامة

١٧٤

اسماعيل فقال : والله ما أصبحت أثق لك به الاّ ما كان من حسن وحسين فانّهما

__________________

فلا بأس بنقل ما ذكره هناك حتى يستفيد منه المستفيد ونص عبارته فى كتابه المسترشد هكذا ( انظر ص ١٩٩ ـ ١٩٧ من طبعة المطبعة الحيدرية بالنجف ) : « وهو ممن وصفه الله حيث يقول : واجنبنى وبنى أن نعبد الاصنام ، ثم قال : ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( بعد ما قال ) : لا ينال عهدى الظالمين ، فنظرنا فى أمر الظالم فاذا الآية قد فسروها بأنه عابد الاصنام فان من عبدها فقد لزمه اسم الظلم فقد نفى الله للظالم ان يكون إماما وقال رسول الله (ص) : أنا دعوة أبى ابراهيم ، وليس لاحد أن يقول : أنا ابن ابراهيم الا رسول الله وقد جرى معه من صلب ابراهيم الى عبد المطلب فانه قال رسول الله (ص) : نقلت من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات لم يمسسنى سفاح أهل الجاهلية ، وأهل الجاهلية كانوا يسافحون وأنسابهم غير صحيحة وأمورهم مشهورة عند أهل المعرفة. وروى حميد قال : جاء رجل الى النبي (ص) فقال : يا رسول الله من أبى؟ ـ قال : أبوك الذي ولدت على فراشه فقام عمر بن الخطاب فأخذ مقدم رسول الله (ص) ثم قال : رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن كتابا لا نسأل عما سبقنا ونؤمن بما أنزل علينا لا تبدين علينا سوآتنا واعف عنا عفا الله عنك فقال : فهل أنتم منتهون؟ ـ قال : انتهينا يا رسول الله.

فهذا عمر بن الخطاب لم يثق بنسبه وأمر الناس ان لا يزيدوه على الخطاب روى محمد بن فضيل عن أبى لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن ربيعة بن لقيط عن مالك قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : تعلموا أنسابكم تصلوا أرحامكم ألا ولا يسألنى أحد عما وراء الخطاب. وهذا عمر سئل عن عتق رقبة من ولد اسماعيل سأله رجل عن ذلك فلم يثق الا بما كان من رسول الله (ص) وعبد المطلب روى ذلك زيد بن هارون عن جرير بن عثمان عن عوف بن مالك قال : جاء رجل الى عمر بن الخطاب فقال : ان على نذرا أن أعتق نسمة من ولد اسماعيل فقال : والله ما أصبحت أثق لك بأحد الا ما كان من حسن وحسين وعلى بنى عبد المطلب فانهم من شجرة رسول الله (ص) وانى سمعت رسول الله (ص) يقول : هم ولد أبى ، فانظروا كيف لم يعرف عمر الا ولد عبد المطلب ولم يثق

١٧٥

من ابنة رسول الله ومن عليّ بن أبى طالب فانّى سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

__________________

فى النسب الا بهم. ومن لا يصح له نسبه كيف يجوز ان ينتسب الى ابراهيم عليه السلام ، ومن لا ينتسب الى ابراهيم كيف يصلح للامامة فان الله يقول : ملة أبيكم ابراهيم سماكم المسلمين من قبل ، فالذى لا يصحح نسبته الى ابراهيم فليس ممن سماه ابراهيم مسلما ومن لم يسمه ابراهيم مسلما فليس بمسلم ، وهذا أمر جليل يجب على الامة أن تفهمه وتنظر فيه فان من نظر وفحص رشد ان شاء الله ».

قال الحافظ نور الدين على بن أبى بكر الهيثمى فى مجمع الزوائد فى أواخر باب عقده لذكر فضل أهل البيت ـ : ـ ( ج ٩ ؛ ص ١٨٥ ) : « وعن عبد الله بن عمر قال : كان رسول الله (ص) اذا أتاه رجل يقول على رقبة من ولد اسماعيل يقول : عليك بحسن وحسين ؛ رواه الطبرانى ورجاله ثقات » أقول : مما يؤيده من بعض الجهات ما ذكره الهيثمى أيضا لكن فى المجلد الرابع من الكتاب بهذه العبارة ( ص ٢٤٢ ) : « باب العتق من ولد اسماعيل ؛ عن عائشة : أنه كان عليها رقبة من ولد اسماعيل فجاء سبى من اليمن من خولان فأرادت أن تعتق منهم فنهاها رسول الله (ص) ثم جاء سبى من مضر من بنى العنبر فأمرها النبي (ص) أن تعتق منهم ، رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم ، وفى المناقب أحاديث من هذا النحو » وفى حواشى منتخب ـ كنز العمال ( انظر حاشية ج ٥ من مسند الامام ابن حنبل ، ص ٣٠٥ ) : « بنو العنبر ؛ الاكمال : من كان عليه تحرير رقبة من ولد اسماعيل فليعتق نسمة من بلعنبر ، الباوردى سمويه ( ط ، ض ) عن شعيب بن عبد الله بن زينب عن ثعلبة عن جده » وقال ابن حزم الاندلسى فى كتاب جمهرة أنساب العرب فى باب الكلام فى انقسام أجذام العرب جملة ( ص ٧ ) : « جميع العرب يرجعون الى ولد ثلاثة رجال وهم عدنان وقحطان وقضاعة ، فعدنان من ولد اسماعيل بلا شك الا أن تسمية الاباء بينه وبين اسماعيل قد جهلت جملة وتكلم فى ذلك قوم بما لا يصح فلم نتعرض لذكر ما لا يقين فيه وأما كل من تناسل من ولد اسماعيل ـ عليه‌السلام ـ فقد غبروا ودثروا ولا يعرف منهم أحد على أديم الارض أصلا ؛ حاشا ما ذكرنا

١٧٦

يقول : هو ابن عمّى.

فانظروا ما تروون عنه انّه لا يثق فى النّسب الصّحيح الاّ بهم ثمّ اخراجه ايّاهم من الأمر!

وروى أبو بكر بن عيّاش وهشيم والحسن اللّؤلؤىّ وهو يومئذ قاض أنّ رجلا أقطع اليمين ضافه (١) أبو بكر فكان يقوم اللّيل ويصوم النّهار فقال له أبو بكر :

__________________

من أن بنى عدنان من ولده فقط ، وأما قحطان فمختلف فيه من ولد من هو؟ فقوم قالوا : هو من ولد اسماعيل ـ عليه‌السلام ـ وهذا باطل بلا شك اذ لو كانوا من ولد اسماعيل لما خص رسول الله (ص) بنى العنبر بن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بأن تعتق منهم عائشة ؛ اذ كان عليها نذر عتق رقبة من بنى اسماعيل ، فصح بهذا أن فى العرب من ليس من ولد اسماعيل ، واذ بنو العنبر من ولد اسماعيل فآباؤه بلا شك من ولد اسماعيل فلم يبق إلا قحطان وقضاعة ( فخاض فى ترجمة قضاعة ) » وقال أيضا عند ذكر بنى بهراء بن عمرو بن الحافى بن قضاعة : ( ص ٤٤١ ) وقال قوم : ان العنبر بن عمرو بن تميم هو العنبر بن عمرو بن تميم بن بهراء ، وهذا خطأ لان رسول الله (ص) أخبر أن بنى العنبر من ولد اسماعيل بن ابراهيم ( صلى الله عليهما وسلم ) وقد أنى الى بنى العنبر رجل شاعر من بهراء اسمه الحكم بن عمر يمت إليهم بهذا النسب فطردوه من جميع بلادهم حتى خرج منها ورحل عنهم » وأما اختصاص النذر بالعتق من ولد اسماعيل فكأنه لفضلهم وعلو شأنهم وذلك يستفاد من كثير من الاخبار كقول الصادق (ع) : « شبع أربعة من المسلمين تعدل محررة من ولد اسماعيل » ( انظر ثواب الاعمال ص ٧٥ من طبعة ايران سنة ١٢٩٩ ) وكقول ابن عباس فى حديث طويل عند ذكره ثواب صيام شهر رمضان ( ص ٣٩ من الكتاب المذكور ) : « ويعطى كل واحد منكم ثواب ألف مريض وألف غريب خرجوا فى طاعة الله ، وأعطاكم ثواب عتق ألف رقبة من ولد اسماعيل ) فالتقييد بكون المعتق من ولد اسماعيل كتقييد النسمة أو الرقبة بكونها مؤمنة أو صالحة أو نظائرهما مما يدل على الفضل وعلو الشأن.

(١) ح : « أضافه ».

١٧٧

يا هذا ما ليلك بليل سارق ولا نهارك بنهار سارق وأراك أقطع ؛ فمن قطعك؟ ـ قال : قطعنى يعلى بن منية (١) باليمن ظلما وتعدّيا عليّ قال : أما لأسألنّ عن ذلك فلئن كان قطعك سالما (٢) لأقطعنّه (٣) فبيناهم كذلك اذ فقدت قلادة لأسماء بنت عميس فلم تجد (٤) لها أثرا (٥) فأتاهم طلحة بن عبيد الله فقال : فتّشتم الأقطع؟ ـ فقال له أبو بكر : مه ؛ فما ليله بليل سارق ولا نهاره بنهار سارق قال : والله لا أدعه حتّى أفتّشه ففتّشه فاستخرجها من حجزته فقطع أبو بكر يده اليسرى فبقى لا يدله.

فقال ابراهيم بن داود والحسن اللّؤلؤىّ حين حدّثهم (٦) بهذا الحديث : يا با عليّ (٧) فكان عليه أن يقطع يساره؟ ـ فقال : أىّ بدّ أن أقول لك : انّ أبا بكر أخطأ.

ولا خلاف بين الأمّة أنّ رجلا لا تقطع يده بعد اليد ؛ فان عاد فلا قطع عليه ويحبس وينفق عليه من بيت مال المسلمين بقدر ما يكفّ عنهم شرّه ، وأخرى بأنّ الضّيف مأمون بمنزلة أهل البيت ولا قطع على مؤتمن لأنّه هو أدخله بيته (٨) ].

[ ورويتم أنّ أبا بكر رأى (٩) أن يجعل الخمس الّذي جعله الله عزّ وجلّ (١٠) لذى ـ

__________________

(١) قال ابن حجر فى تقريب التهذيب : « يعلى بن منية هو ابن أمية ؛ تقدم » وقال فيما تقدم : « يعلى بن أمية بن أبى عبيدة بن همام التميمى حليف قريش وهو يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة وهى أمه صحابى مشهور مات سنة بضع وأربعين ».

(٢) ح : « مسلما ».

(٣) ح : « لاقطعن يده ».

(٤) ح : « فلم يكن ».

(٥) غير ج : « أثر ».

(٦) كذا صريحا بصيغة الجمع فى جميع النسخ.

(٧) كذا فى بعض النسخ وفى بعضها : « يا أبا على ».

(٨) هنا تمت العبارة التى كانت فى النسخ الست المشار إليها أعنى ج ح س ق مث مج ولم تكن فى نسخة م كما صرحنا به فى صدر رواية قد ذكرت قبل هذه الرواية ( انظر ص ١٧٤ ) ولذا وضعناها بين المعقوفتين.

(٩) غير م : « أنه رأى ».

(١٠) غير م : « أمر الله تعالى به ».

١٧٨

القربى فى (١) الكتاب فى الكراع (٢) والسّلاح ردّا على الله تبارك وتعالى اذ يقول : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ ـ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا ) ؛ الآية (٣).

فخالف كتاب الله ونقل ما سمّاه الله تعالى لهؤلاء الى الكراع والسّلاح وعطّل (٤) سهام القوم فما أبقيتم شيئا من العيب الاّ وقد نسبتموه الى أئمّتكم بروايتكم وأنتم تنسبون الشّيعة الى الوقيعة فى الصّحابة!

وروى (٥) اسماعيل بن أميّة (٦) وهو من فرسان أصحابكم فى الحديث عن أيّوب

__________________

(١) فليعلم أن فى نسخ ح ج س ق مج مث هنا سقطا ونقصا فلذا وضع المنتسخون والكتاب بعد هذه العبارة : « ورويتم أنه رأى أن يجعل الخمس الّذي أمر الله تعالى به فى » بياضا فى النسخ حتى يكون اشارة الى النقص والسقط ؛ وفى بعضها كما فى نسخة مكتبة المشهد المقدس الرضوى المشار إليها برمز « ق » تصريح بذلك بهذه العبارة « قد سقط شيء هناك لم نعرف قدره » وأوضح من التصريح بذلك انقطاع الربط بين ما ذكر فى المتن وبين ما يأتى بعد البياض المشار إليه فى النسخ المشار إليها وهو قوله : « وكان أصومنا فى اليوم الحار وأطولنا صلاة » كما يأتى ، فما يذكر فى المتن من نسخة م فقط فان العبارة فيها متصلة مرتبطة من دون نقص وسقط فان وصلنا الى آخر النقص ان شاء الله تعالى أشرنا إليه بأنه هناك يتم النقص والسقط.

(٢) قال ابن الاثير فى النّهاية : « وفى حديث ابن مسعود : وكانوا لا يحسبون الا الكراع والسلاح ؛ الكراع اسم لجميع الخيل » أقول : هو بضم الكاف على زنة غراب.

(٣) آية ٤١ سورة الانفال.

(٤) فى الاصل : « وعطلت » وعلى هذا فلتقرأ بصيغة المجهول حتى يكون السهام نائبا عن الفاعل.

(٥) روى الطبرى الامامى هذا الحديث فى المسترشد هكذا ( ص ١٥٢ من طبعة النجف ) :

١٧٩

السّختيانىّ (١) عن عكرمة بن خالد المخزومىّ (٢) عن مالك بن أوس بن الحدثان (٣) قال :

__________________

« وروى عمر بن رافع عن إسماعيل عن أيوب السجستانى عن عكرمة بن خالد المخزومى عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قدم نصر بن عبد الله الثقفى على عمر من الطائف ومعه ناس من أصحابه فقال : ( فساق الحديث الى آخره قائلا بعده : ) فقال هذا المحتج : كيف جاز أن يحكم فى دماء المسلمين وأموالهم وهو لا يدرى أصاب أم أخطأ؟! وكيف استحل ذلك واستجازه؟! ؛ ( الى آخر ما قال ).

(٦) قال الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال : « اسماعيل بن أمية بن عمرو ابن سعيد بن العاص الاموى المكى أحد العلماء والاشراف عن أبيه وأيوب بن خالد ( الترجمة ) ».

__________________

(١) فى الاصل : « السجستانى » قال ابن حجر فى تقريب التهذيب : « أيوب بن أبى تميمة كيسان السختيانى بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون أبو بكر البصرى ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد ( الترجمة ) » وصرح فى تهذيب التهذيب فى ترجمته بأنه روى عن عكرمة. وقال ابن الاثير فى اللباب فى تهذيب الانساب : « السختيانى بفتح السين المهملة وسكون الحاء المعجمة وكسر التاء المثناة من فوقها وفتح الياء آخر الحروف وبعد الألف نون ؛ هذه النسبة الى عمل السختيان وبيعه وهو الجلود الضأنية ليست بأدم ، والمشهور بهذه النسبة أبو بكر أيوب بن أبى تميمة السختيانى واسم أبى تميمة كيسان بصرى روى عن ابن سيرين وأبى قلابة وغيرهما ؛ ولد سنة ثمان وستين ، ومات سنة احدى وثلاثين ومائة » وقال الفيروزآبادي : « والسختيان ويفتح جلد الماعز اذا دبغ معرب ومنه أيوب السختيانى » وقال الزبيدى فى شرحه : « السختيان بالكسر وحكى قوم فيه التثليث وجزم شراح البخارى بأن الفتح هو الاكثر الافصح واقتصر الشهاب فى شرح الشفاء على كسر السين وحكى فى التاء الفتح والكسر و

١٨٠