الإيضاح

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري

الإيضاح

المؤلف:

الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري


المحقق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

دخلنا مكّة و (١) نزلنا وغطّ (٢) النّاس خرجت من رحلى وأنا أريد عمر فلقينى فى طريقى إليه (٣) المغيرة بن شعبة فرافقنى (٤) ثمّ قال : أين تريد يا با موسى (٥) فقلت : اريد أمير المؤمنين عمر فهل لك فيه؟ ـ فقال : نعم ؛ مع المتعة بحديثك (٦) فانطلقنا نريد رحل عمر فانّا لفى (٧) طريقنا اذ ذكرنا فضل (٨) عمرو قيامه بما هو فيه وحيطته (٩) على الاسلام ونهوضه بما قبله من ذلك ثمّ خرجنا من ذلك الى ذكر أبى بكر [ ثمّ قال (١٠) : ] فقلت للمغيرة : يا لك

__________________

(١) « دخلنا مكة و » ليست فى غير نسخ الكتاب.

(٢) م : « عطن » ح : « فض » وسائر النسخ : « عظ » ( بالعين المهملة والطاء المعجمة ) وهو قطعا مصحف : « غط » ( بالغين المعجمة والطاء المشددة المهملة ) وأما سائر الكتب من الشافى وتلخيصه وشرح ابن أبى الحديد والبحار فهى : « عظم » فالمتن من غط النائم يغط غطا وغطيطا اذا نخر وتردد نفسه صاعدا الى حلقه حتى يسمعه من حوله قال ابن الاثير فى النهاية : « فيه : انه نام متى سمع غطيطه ؛ الغطيط الصوت الّذي يخرج مع نفس النائم وهو ترديده حيث لا يجد مساغا وقد غط يغط غطا وغطيطا ومنه حديث نزول الوحى فاذا هو محمر الوجه يغط » أقول : ومنه ما يجرى مجرى المثل بين الادباء عند وصفهم للسفر وحضهم عليه : « ألا ان الرفعة فى أطيط الراحل لا فى غطيط النائم ، وان صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم » فالمعنى أن الناس قد استراحوا فناموا حتى سمع غطيطهم.

(٣) « فى طريقى إليه » ليس فى غير نسخ الكتاب.

(٤) هذا فى الشافى وغيره لكن فى نسخ الكتاب : « فوافقى » ( من وفق بالواو ).

(٥) « يا با موسى » فى نسخ الكتاب فقط وهو مخفف « يا أبا موسى ».

(٦) ما بعد « نعم » فى نسخ الكتاب فقط.

(٧) كذا فى الشافى وغيره لكن فى نسخ الكتاب : « فى ».

(٨) فى الشافى وغيره مكانه : « تولى ».

(٩) فى الشافى وغيره « حياطته ». فليعلم أن عبارة كتاب المسترشد فى هذا الحديث لما كانت مغايرة فى اللفظ لعبارة هذا الكتاب لم نشر إليه هنا لئلا يكبر حجم الكتاب.

(١٠) فى الشافى فقط.

١٤١

الخير (١) لقد كان أبو بكر مسدّدا فى عمر كأنّه ينظر الى قيامه [ من بعده (٢) ] وجدّه واجتهاده وعناءه فى الاسلام فقال المغيرة : لقد كان كذلك (٣) وان كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها (٤) عنه وما كان لهم فى ذلك لو كان (٥) [ من (٦) ] حظّ فقلت له : لا أبالك ما ترى القوم الّذين كرهوا ذلك من عمر أرادوا؟ (٧) فقال لى المغيرة : لله أنت! كأنّك [ فى غفلة (٨) ] [ و ] لا تعرف هذا الحىّ من قريش وما قد خصّوا به من الحسد فو الله ان (٩) لو كان الحسد شيئا يرى فيحسب أو (١٠) يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشار الحسد (١١) وللنّاس [ كلّهم (١٢) ] عشر بينهم ، قال : فقلت له : مه يا مغيرة فانّ قريشا قد بانت بفضلها على النّاس فلم نزل فى هذا الذّكر (١٣) حتّى انتهينا الى رحل عمر فلم نجده فسألنا عنه فقيل : [ قد (١٤) ] خرج آنفا يريد المسجد فمضينا جميعا (١٥) نقفو أثره حتّى دخلنا المسجد فاذا عمر يطوف بالبيت ؛ فطفنا معه ، فلمّا فرغ دخل بينى وبين المغيرة فتوكّأ على المغيرة ثمّ قال (١٦) :

__________________

(١) قال المجلسى فى بيانه : « وبالك الخير بالباء أى قلبك وشأنك ؛ ويحتمل الياء حرف النداء بحذف المنادى أى يا هذا لك الخير أو يا من لك الخير ، وفى بعض النسخ : ما لك الخير ».

(٢) فى الشافى وغيره.

(٣) فى الشافى وغيره « ذلك ».

(٤) ح : « ليذودوها » ( بالذال المعجمة ) يقال : « زوى الشيء عنه أى منعه ، وكذا يقال : زاد عن الشيء طرده ودفعه ».

(٥) « لو كان » ليس فى سائر الكتب.

(٦) فى شرح النهج فقط.

(٧) « أرادوا » فى نسخ الكتاب فقط.

(٨) فى الشافى والبحار فقط.

(٩) « ان » فى نسخ الكتاب فقط.

(١٠) « يرى فيحسب أو » فى نسخ الكتاب فقط.

(١١) شرح ابن أبى الحديد : « تسعة أعشاره ».

(١٢) فى شرح ابن أبى الحديد فقط.

(١٣) فى الشافى وتلخيصه « فى ذلك » وفى شرح النهج والبحار « فى مثل ذلك ».

(١٤) فى شرح ابن الحديد فقط.

(١٥) فى نسخ الكتاب فقط.

(١٦) شرح ابن الحديد : « وقال ».

١٤٢

من أين والى أين أنتما (١)؟ ـ فقلنا : يا أمير المؤمنين خرجنا نريدك فأتينا (٢) رحلك فقيل لنا : خرج يريد المسجد ؛ فاتّبعناك ، فقال : اتّبعكما الخير. ثمّ انّ المغيرة نظر إليّ فتبسّم ، فنظر (٣) إليه عمر فأقبل عليه (٤) فقال : ممّ تبسّمت أيّها العبد؟ ـ فقال : من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا فى طريقنا أليك فقال : وما ذاك (٥) الحديث؟ ـ فقصصنا عليه الخبر حتّى بلغنا ذكر حسد قريش وذكر من أراد منهم (٦) صرف أبى بكر عن ولاية (٧) عمر فتنفّس عمر الصّعداء (٨) ثمّ قال : ثكلتك أمّك يا مغيرة وما تسعة أعشار الحسد؟! انّ (٩) فيها لتسعة (١٠) أعشار الحسد كما ذكرت وتسعة أعشار العشر وفى النّاس كلّهم (١١) عشر العشر وقريش شركاؤهم (١٢) فى عشر العشر أيضا ثمّ مكث مليّا (١٣) وهو يتهادى (١٤) بيننا ثمّ قال : أولا (١٥) أخبر كما بأحسد

__________________

(١) م وشرح ابن أبى الحديد والشافى وغيرها : « من أين جئتما؟ » وسائر نسخ الكتاب : « من أين بكما؟ ».

(٢) م : « فأردنا ».

(٣) فى نسخ الكتاب : « ونظر ».

(٤) هذه الجملة فى نسخ الكتاب فقط.

(٥) ح : « وما ذلك ».

(٦) م : « منها » وهذه الكلمة فى نسخ الكتاب فقط.

(٧) شرح ابن أبى الحديد : « عن استخلاف » وكذا فى البحار الا أنه جعل فى الهامش « ولاية عمر » بدلا منه.

(٨) غير م : « صعداء » بلا الف ولام لكن فى م وجميع سائر الكتب كما فى المتن ؛ قال المجلسى فى بيانه : « والصعداء بضم الصاد وفتح العين والمد تنفس ممدود ».

(٩) ليس فى م.

(١٠) فى بعض النسخ والكتب : « تسعة » وعبارة شرح النهج : « بل وتسعة ».

(١١) فى شرح النهج فقط.

(١٢) فى غالب النسخ : « شركاؤها ».

(١٣ و ١٤) قال المجلسى : « وسكت مليا أى طائفة من الزمان ، ويتهادى بيننا أى يمشى بيننا معتمدا علينا ».

(١٥) فى بعض النسخ والكتب : « ألا ».

١٤٣

قريش كلّها؟ ـ قلنا بلى يا أمير المؤمنين فقال : أو عليكما (١) ثيابكما؟ ـ قلنا : نعم قال : فكيف بذلك وأنتما ملبسان (٢) ثيابكما ، فقلنا له : يا أمير المؤمنين وما بال الثّياب؟ (٣) قال : خوف الاذاعة (٤) من الثّياب يا ابن قيس قال : قلت له : أتخاف الاذاعة من الثّياب؟! فأنت والله من ملبسى (٥) الثّياب أخوف وما الثّياب أردت ، فقال : هو ذاك فانطلق وانطلقنا معه حتّى انتهينا الى رحله فخلّى (٦) أيدينا من يديه (٧) وقال : لا تريما (٨) [ كونا قريبا حيث أبتغيكما (٩) ] فأخبركما (١٠) ثمّ دخل رحله فقلت للمغيرة : لا أبالك لقد عثرنا (١١) بكلامنا (١٢)

__________________

(١) بعض النسخ والكتب : « وعليكما ».

(٢) م : « تلبسان » وح : « لابسان » وباقى النسخ : « متلبسان ».

(٣) ح : « فقلنا له يا أمير المؤمنين ومم ذلك؟ ».

(٤) قال المجلسى : « الاذاعة الافشاء ».

(٥) غير م : « من متلبسى ».

(٦) ح : « فحل » ( بالحاء المهملة واللام المشددة ).

(٧) م وسائر الكتب : « من يده ».

(٨) ح : « لا تبرحا » ؛ قال المجلسى : « لا تريما ؛ اى لا تبرحا ؛ يقال : رام يريم اذا برح وزال عن مكانه ».

(٩) ما بين المعقفتين ليس فى م.

(١٠) كذا فى ح أما سائر النسخ ففيها « فآخذ كما » الا نسخة م فليست الكلمة فيها أصلا.

(١١) فى شرح نهج البلاغة : « أثرنا » ( بالهمزة ).

(١٢) قال المجلسى : « العثرة الزلة وعثرنا بكلامنا أى أخطأنا فى حكاية كلامنا » أقول : لم يصب المجلسى ـ أعلى الله درجته ـ فى بيان معنى هاتين الكلمتين لان « عثر » هنا مستعملة مع كلمة على لان « على دفينة لعمر » صلة « عثر » وتتعلق بها والمعنى أنا اطلعنا ووقفنا بكلامنا مع عمر على سر من أسراره ، وهذا الاستعمال من قول العرب : « عثر فلان على السر وغيره ـ اطلع عليه وعلمه » الا أن عذر المجلسى ـ جزاء الله عن الاسلام وأهله خير الجزاء ـ فى هذا الاشتباه واضح لان عبارة « على دفينة لعمر »

١٤٤

[ معه (١) ] وما كنّا فيه من (٢) حديثنا على دفينة لعمر (٣) وما أراه حسبنا الاّ ليذاكرنا (٤) ايّاها (٥) فما ترى [ فى ] ذلك ظنّ ظنّك (٦) قال : انّا لبذلك (٧) اذ خرج آذنه إلينا فقال : ادخلا ؛ فدخلنا ، فاذا عمر مستلق (٨) على برذعة (٩) الرّحل فلمّا دخلنا أنشأ يتمثّل بشعر (١٠) كعب بن زهير (١١) :

__________________

ليست فى نسخة البحار كما أنها ليست فى الشافى وتلخيص الشافى وشرح نهج البلاغة فكأنها كانت ساقطة من جميعها بشهادة وجودها فى جميع نسخ هذا الكتاب أعنى « الايضاح » ويؤيد سقوطها من سائر الكتب ضمير « اياها » فى ذيل العبارة « ليذاكرنا اياها » مضافا الى أن المعنى معها يستقيم وبدونها لا يستقيم الا مع تكلف كما هو ظاهر للمتأمل.

__________________

(١) فى شرح النهج والبحار فقط.

(٢) فليعلم أن نسخة م ناقصة من هنا أعنى من كلمة « حديثنا » الى تلك العبارة : « غضبا شديدا وقال : أبت قلوبكم يا بنى هاشم » وستأتى ونشير إليها فى موضعها ان شاء الله تعالى.

(٣) « على دفينة لعمر » فى نسخ هذا الكتاب فقط.

(٤) كذا فى سائر الكتب وفى نسخ الكتاب : « لمذاكرتنا ».

(٥) هذا الضمير ينادى بأعلى صوته أن هنا ساقطة فى سائر النسخ لانه موجود فيها ولا مرجع له فالساقطة هى ما هو موجود فى نسخ الكتاب من قوله : « على دفينة لعمر » كما ذكرناه مفصلا.

(٦) اى أعمل فكرك وأمعن نظرك فى ذلك فقل ما بدا لك فيه.

(٧) فى سائر الكتب : « فانا لكذلك ».

(٨) من قولهم : « استلقى على قفاه ـ نام ».

(٩) البرذعة باهمال الدال واعجامها الحلس يلقى تحت الرحل ».

(١٠) فى سائر الكتب : « ببيت » أو « بقول ».

١٤٥

لا تفش سرّك الاّ عند ذى ثقة

أو ، لا (١)؛ فأفضيل (٢) ما استودعت أسرارا

صدرا (٣) رحيبا وقلبا واسعا (٤) قمنا (٤)

أن لا تخاف متى (٥) أودعت (٦) اظهارا.

فلمّا سمعناه يتمثّل بشعر علمنا أنّه يحبّ (٧) أن نضمن له كتمان حديثه فقلت أنا له (٨) : يا أمير المؤمنين أكرمنا وخصّنا وفضّلنا (٩) فقال : بما ذا يا أخا الأشعر (١٠)؟ قلت : بايداعنا

__________________

١١ ـ ذكرهما عباس عبد القادر وهو الّذي كتب مقدمة وتعليقات على شرح ديوان كعب للسكرى فيما أنشد للكميت ولم ينشر فى ديوانه ( انظر ص ٢٥٧ من شرح ديوان كعب لابى سعيد السكرى من طبع دار الكتب سنة ١٣٦٩ ه‍ ).

__________________

(١) ح : « ولى » وسائر النسخ والتلخيص : « ولا » والشافى فى المتن : « ولا » وفى الهامش بعنوان بدل النسخة : « ولى » والبحار وشرح النهج : « أولى ».

(٢) نسخ الكتاب : « بأفضل » وكذا الشافى والتلخيص أما شرح النهج والبحار : « وأفضل » حتى يكون عطفا على « أولى » على ما فى نسختيهما من كون كليهما بصيغة أفعل التفضيل.

(٣) قال عباس عبد القادر فى ذيل الصفحة : « كذا بالنصب هو وما بعده ؛ وحقها ان تكون بالرفع خبرا لا فضل وقد قال الاستاذ الميمنى : أخاف عليهما النحل ».

(٤) كذا فى شرح نهج البلاغة وفى نسخ الكتاب « صمتا » ( بالصاد المهملة والتاء ) وكذا فى غرر الخصائص الواضحة لابى اسحاق برهان الدين ابراهيم الوطواط ( انظر ص ١٨١ من طبع بولاق ) وكذا نقل عن ذلك الكتاب فى ذيل شرح ديوان كعب كما أشرنا إليه ( انظر ص ٢٥٧ ) وكذا فى غالب سائر الكتب وفى بعضها « ضمنا » ( بالضاد المعجمة والنون ).

(٥) كذا فى شرح نهج البلاغة ، وفى نسخ الكتاب : « لا تخش منه لما » وفى بعضها مكان « لما » : « اذا ».

(٦) فى بعض النسخ والكتب : « استودعت ».

(٧) فى سائر الكتب ( بدلها ) : « فعلمنا أنه يريد ».

١٤٦

سرّك (١) واشراكنا فى همّك فنعم المستسرّان (٢) نحن لك فقال : انّكما لكذلك فاسألا عمّا بدا لكما ثمّ قام الى الباب ليغلقه فاذا آذنه الّذي أذن لنا عليه فى الحجرة فقال له عمر : امط (٣) عنّا لا أمّ لك ؛ فخرج وأغلق الباب خلفه. ثمّ أقبل إلينا (٤) فجلس معنا وقال : سلا تخبرا ، قلنا : نريد أن تخبرنا بأحسد قريش الّذي لم تأمن ثيابنا على ذكره (٥) لنا ، فقال : سألتما عن معضلة وسأخبركما فلتكن عندكما فى ذمّة منيعة وحرز ما بقيت ؛ فاذا أنا متّ فشأنكما وما أحببتما من اظهار أو كتمان ، قلنا : فانّ لك عندنا ذلك ، قال أبو موسى : وأنا أقول فى نفسى (٦) : ما أظنّه يريد الاّ الّذين كرهوا [ من أبى بكر استخلافه لعمر وكان طلحة أحدهم فأشاروا عليه أن لا يستخلفه لأنّه فظّ غليظ (٧) ] ثمّ قلت فى نفسى : قد عرفنا اولئك

__________________

٨ ـ فى الشافى والتلخيص والبحار : « فقلنا له ».

٩ ـ فى الشافى وشرح النهج والبحار : « صلنا ».

١٠ ـ فى غير نسخ الكتاب : « الاشعريين ».

__________________

(١) مج : « بايداعنا سرك » ح : « بايداعنا لسرك » والشافى والتلخيص والبحار وشرح ـ النهج : « بافشاء سرك إلينا ».

(٢) فى نسخ الكتاب : « فنعم المستشرين » الا فى ح ففيها : « المستشيرون » وفى شرح النهج : « المستشاران ».

(٣) « ح مث » وسائر الكتب : « امض ».

(٤) فى سائر الكتب : « علينا ».

(٥) الشافى : « عليه أن تذكره ».

(٦) فى نسخ الكتاب والشافى : « وأنا أظنه ».

(٧) هذه عبارة الشافى والبحار ، وعبارة شرح النهج هكذا : « كرهوا استخلاف أبى بكر له كطلحة وغيره فإنهم قالوا لابى بكر : أتستخلف علينا فظا غليظا » وأما عبارة نسخ الكتاب فهى : « كرهوا استخلافه عمر وأشاروا عليه أن لا يستخلفه ».

١٤٧

القوم بأسمائهم وعشائرهم وعرفهم النّاس فما يكتم من ذكرهم واذا هو يريد غير ما نذهب إليه منهم (١) فعاد عمر الى التّنفّس صعداء فقال : من تريانه؟ فقلنا : والله ما ندرى الاّ ظنّا قال : فمن (٢) تظنّان؟ قلنا : نراك تريد [ القوم (٣) ] الّذين صدّوا أبا بكر عن صرف هذا الأمر أليك (٤) [ قال : كلاّ والله (٥) ] بل هو كان أغشّ (٦) وأظلم وهو الّذي سألتما عنه كان والله أحسد قريش كلّها ، ثمّ أطرق طويلا فنظر إليّ المغيرة ونظرت إليه وأطرقنا [ مليّا (٧) ] لاطراقه وطال السّكوت منّا ومنه حتّى ظننّا أنّه قد ندم على ما بدا منه ثمّ قال : والهفاه (٨) على ضئيل (٩) بنى تيم بن مرّة لقد تقدّمنى ظالما وخرج إليّ منها (١٠) آثما فقال له المغيرة : هذا تقدّمك ظالما قد عرفناه (١١) فكيف خرج أليك منها آثما؟ قال : ذاك لانّه (١٢) لم يخرج إليّ منها الاّ بعد اليأس (١٣) منها ، أما والله لو كنت أطعت زيد (١٤) بن الخطّاب وأصحابه لما

__________________

(١) شرح النهج : « يذهب الى غير ما فى نفسى ».

(٢) كذا فى الشافى وشرح النهج وغيرهما اما النسخ ففيها : « ما ».

(٣) فى غير نسخ الكتاب.

(٤) فى غير نسخ الكتاب : « أرادوا أبا بكر على صرف هذا الامر عنك ».

(٥) فى شرح النهج وغيره.

(٦) فى الشافى وغيره : « أعق ».

(٧) فى شرح النهج فقط.

(٨ و ٩ و ١٠) كذا فى سائر الكتب وأما النسخ فهى : « والهفتاه » قال المجلسى : « وا لفهاه كلمة يتحسر بها ، والضئيل الحقير النحيف ، وخرج الى منها اى تركها لى وسلمها الى ».

(١١) فى شرح النهج والبحار : « فأما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالما فقد عرفناه ».

(١٢) فى غالب النسخ والكتب « أنه ».

(١٣) فى غير النسخ : « بعد يأس ».

(١٤) فى شرح النهج : « يزيد » وهو تصحيف بالقطع واليقين لان عمر يريد به أخاه زيد بن الخطاب وكان صحابيا بدريا احديا ؛ وترجمته مذكورة فى كتب التراجم والسير والتواريخ فمن أرادها فليراجعها.

١٤٨

تلمّظ (١) من حلاوتها بشيء أبدا ولكنّى قدّمت وأخّرت وصعّدت وصوّبت ونقضت وأبرمت فلم أجد الاّ الاغضاء (٢) على [ ما نشب (٣) فيه (٤) منها [ والتّلهّف على نفسى (٥) ] وأمّلت انابته ورجوعه [ فو الله ما فعل حتّى فرغ منها بشيما (٦) ] فقال له المغيرة : فما منعك منها [ يا أمير المؤمنين (٧) ] وقد عرّضك لها (٨) يوم السّقيفة بدعائه ايّاك إليها (٩) ثمّ أنت الآن تنقم

__________________

(١ و ٢ و ٣) فى غير نسخ الكتاب : « لم يتلمظ » قال المجلسى : « والتلمظ تتبع بقية ـ الطعام فى الفم باللسان والمعنى لم يذق من حلاوتها أبدا ، والتصوب النزول والمراد قلبت هذا الامر ظهرا لبطن وتفكرت فى جميع شقوقه ، والاغضاء فى الاصل ادناء الجفون ونشب ( فى ح : « وتشعب » ) أى علق والمعنى لم أجد بدا من الصبر على الشدة كما يصبر الانسان على قذى فى عينه او شجا فى حلقه » فيظهر من بيان المجلسى أن الكلمة كانت فى نسخته : « تصوبت ».

(٤) فى البحار وشرح النهج : « به ».

(٥) كذا فى شرح النهج والتلخيص واما عبارة النسخ والبحار والشافى فمشوشة ففى غالب النسخ : « والتلف على نفسى فلم تجبنى نفسى الى ذلك » وفى بعضها : « وتلف فلم تجبنى ؛ الى آخرها » وفى البحار عبارة المتن فى المتن وعبارة « فلم تجبنى نفسى الى ذلك » فى الحاشية ، وعبارة الشافى بعد كثرة الخط والمحو والاثبات صارت كالبحار.

(٦) كذا فى البحار أما سائر الكتب كالنسخ فمشوشة ففى غالب النسخ : « فو الله ما فعل حتى بعرمالسما « ( من دون نقطة ) وفى ح : « فو الله ما فعل بعدها سهلا » وفى مث : « فو الله ما فعل حتى بعرها سما » وفى ج : « ما فعل بعربها بشما » وكتب بعدها : « كذا » وفى شرح النهج : « حتى بغربها لئيما » وقال المجلسى : « قوله : حتى فرغ منها فى بعض النسخ « فغربها » أى فتح فاه والبشم بالباء الموحدة والشين المعجمة التخمة والسأم أى لم يسلمها الى الا بعد استيفاء الحظ والسأم منها. وقال مصحح التلخيص بعد أن نقل المتن : « حتى فغربها بشما » ما نصه : « فغرفاه : فتحه. وبشم بشما من الشيء : سئم منه ».

(٧) فى البحار وشرح النهج فقط.

(٨) كذا فى جميع النسخ وشرح النهج والتلخيص لكن فى الشافى والبحار : « وقد عرضها عليك ».

(٩) فى شرح النهج والبحار : « بدعائك إليها ».

١٤٩

وتتأسّف (١) [ عليها (٢) ]؟ فقال عمر : ثكلتك أمّك يا مغيرة انّى كنت لأعدّك من دهاة (٣) العرب كانّك كنت غائبا عمّا هناك انّ الرّجل ماكرنى فماكرته وألفانى أحذر من قطاة (٤) انّه لمّا رأى شغف النّاس [ به (٥) ] واقبالهم بوجوههم (٦) إليه (٧) أيقن أنّهم لا يريدون به بدلا فاحبّ لمّا (٨) رأى من حرص النّاس عليه وشغفهم (٩) به ان يعلم ما عندى وهل تنازعنى إليها نفسى (١٠) فأحبّ أن يبلونى (١١) باطماعى فيها والتّعريض لى بها وقد علم وعلمت أنّى لو قبلت ما عرض (١٢) عليّ لم يجب (١٣) النّاس (١٤) الى ذلك [ وكان أشدّ النّاس إمالة الّذين كرهوا ردّه

__________________

(١) كذا فى شرح النهج والبحار لكن فى النسخ : « ثم أنت الآن متعقب بالتأسف عليه » وفى الشافى والتلخيص أيضا كذا الا أن بدل « متعقب » فيهما « تنقم » أو « منتقم » وقال المجلسى (ره) : « وتقم أى كره كراهة بالغة حد السخط ».

(٢) كذا فى ح لكن باقى النسخ « عليه ».

(٣) قال المجلسى (ره) : « الدهاء النكر وجودة الرأى ».

(٤) يستفاد من العبارة أنها مثل لكنى لم أجدها فى مجمع الامثال وحياة الحيوان فراجع غيرهما ان شئت.

(٥) فى غير نسخ الكتاب من الشافى وغيره.

(٦) ح : « بوجهه » وباقى النسخ : « بوجههم » والمتن موافق لسائر الكتب.

(٧) فى البحار وشرح النهج وغيرهما : « عليه » وهو الاولى.

(٨) كذا فى غير النسخ وأما النسخ ففيها : « مع ما ».

(٩) فى شرح النهج : « وميلهم إليه » ؛ قال المجلسى : « والشغف بالعين المعجمة والمهملة شدة الحب ».

(١٠) فى شرح النهج : « وهل تنازعنى نفسى إليها » وفى غيره : « وهل تنازع » ( من دون نون الوقاية والياء ).

(١١) قال المجلسيّ : « ويبلونى اى يمتحننى ويخبرنى ».

(١٢) فى شرح النهج والبحار : « عرضه ».

(١٣) فى الشافى : « لم يجبه ».

١٥٠

ايّاها إليّ عند موته (١) فألفانى قائما على أخمصى (٢) مستوفزا (٣) حذرا ولو أجبته الى قبولها لم يسلّم النّاس [ إليّ (٤) ] ذلك واختبأها (٥) ضغنا عليّ (٦) فى قلبه ثمّ لم آمن اتّباعه لى بها (٧) ولو بعد حين مع ما بدا لى من كراهة (٨) النّاس لما عرض عليّ منها (٩) أو ما سمعت (١٠) نداءهم ايّاه (١١) من كلّ ناحية عند عرضه ايّاها عليّ (١٢) : لا نريد سواك يا با بكر أنت (١٣) لها أنت

__________________

١٤ ـ فليعلم أن هنا فى هامش نسخة مث بعد كلمة « الناس » هذه العبارة : « الى هنا » يعنى أن الساقط من النسخة المشار إليها فيما سبق ( عند قوله : « قد استقمت » وقد مر فراجع ص ١٢٩ ) كان الى هنا فتم الساقط هنا.

__________________

(١) من قوله : « وكان أشد » الى هنا أعنى « عند موته » ليس فى غير نسخ الكتاب.

(٢) قال المجلسى : « الاخمص ما لم يصب الارض من القدم ».

(٣) كذا صريحا فى نسخة ح وكذا فى شرح النهج أما سائر نسخ الكتاب : « فتسورنا » وفى الشافى : « متشوزنا » وفى التلخيص : « متوريا » وكذا فى هامش الكلمة من البحار لكن فى متن البحار : « مستوفرا » مع أن المجلسى (ره) قال فى بيانه : « الوفز العجلة والمستوفز الّذي يقعد قعودا منتصبا غير مطمئن أى وجدنى متهيئا للاقدام والنهوض منتظرا للفرصة غير غافل ».

(٤) فى الشافى وشرح النهج والبحار والتلخيص فقط.

(٥) قال المجلسى : « اختبأها أى ادخرها ».

(٦) فى النسخ : « على ضغنا ».

(٧) كذا فى جميع النسخ ومعنى العبارة ما فى سائر الكتب بهذا اللفظ : « ولم آمن غائلته » ومن ثم قال المجلسى فى بيانه « الغائلة الداهية ».

(٨) فى الشافى : « كراهية ».

(٩) فى شرح النهج : « من كراهة الناس لى ».

(١٠) فى غير نسخ الكتاب : « أما سمعت ».

(١١) فى نسخ الكتاب فقط.

(١٢) فى غير نسخ الكتاب : « عند عرضها على ».

(١٣) كذا مكررا فى نسخة ق مج.

١٥١

لها ، فرددتها إليه عند ذلك فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سرورا.

ولقد (١) عاتبنى مرّة على شيء كان (٢) بلغه عنّى انّه لمّا قدم بالأشعث بن قيس الكندىّ (٣) أسيرا فمنّ عليه وأطلقه وزوّجه [ اخته (٤) ] أمّ فروة بنت أبى قحافة قلت (٥) للأشعث وهو [ قاعد (٦) ] بين يديه : يا عدوّ الله أكفرت بعد اسلامك وارتددت [ ناكصا على عقبيك (٧) ] فنظر إلى الأشعث نظرا حديدا (٨) علمت أنّه يريد كلاما ثمّ أمسك (٩) فلقينى (١٠) بعد ذلك فى بعض (١١) سكك المدينة فرافقنى (١٢) ثمّ قال : أنت صاحب الكلام (١٣) يا ابن الخطّاب؟ فقلت : نعم ولك عندى شرّ من ذلك فقال : بئس الجزاء هذا لى منك ، فقلت له : علام (١٤) تريد منّى حسن الجزاء؟ قال : لأنفتى (١٥) لك من اتّباع (١٦) هذا الرّجل

__________________

(١) فى المسترشد : « ولقد والله ».

(٢) فى الشافى : « على شيء » وفى شرح النهج والبحار « على كلام ».

(٣) « ابن قيس الكندى » فى نسخ الكتاب فقط.

(٤) فى شرح النهج والبحار والشافى والتلخيص فقط.

(٥) فى غير نسخ الكتاب والمسترشد : « فقلت ».

(٦) فى غير نسخ الكتاب والمسترشد.

(٧) كذا فى الشافى وشرح النهج والبحار ، وفى النسخ « كافرا » وفى التلخيص : « كافرا ناكصا على عقبيك ».

(٨) فى الشافى والتلخيص والبحار : « نظرا شزرا » وقال المجلسى فى بيانه : « النظر الشزر النظر بمؤخر العين ».

(٩) ح : « فأمسك » وفى الشافى والبحار : « يريد أن يكلمنى بكلام فى نفسه ».

(١٠) فى شرح النهج والبحار : « ثم لقينى ».

(١١) فى المسترشد : « فى سكة من ».

(١٢) كذا فى الشافى والبحار لكن فى نسخ الكتاب والتلخيص : « فوافقنى » ( بالواو من وفق ).

١٥٢

يريد أبا بكر [ والله (١) ] ما حدانى (٢) على الخلاف عليه الاّ تقدّمه عليك وتخلّفك عنها ولو كنت صاحبها لما رأيت (٣) منّى خلافا عليك فقلت : قد كان ذاك (٤) فما تأمر (٥) الآن؟ فقال : ما هذا وقت أمر وانّما (٦) وقت صبر (٧) حتّى يأتى الله بمخرج (٨) فمضى ومضيت ، ولقى الأشعث الزّبرقان بن بدر السّعدىّ (٩) فذكر له ما جرى بينى وبينه من الكلام فنقل ذلك الزّبرقان الى أبى بكر فأرسل إليّ فأتيته فذكر ذلك لى ثمّ قال : انّك لمتشوّف (١٠) إليها يا ابن الخطّاب؟ فقلت : وما يمنعنى التشوّف (١١) الى ما كنت أحقّ به ممّن غلبنى عليه

__________________

١٣ ـ فى المسترشد : « انت صاحب الكلمة يومئذ ».

١٤ ـ فى المسترشد : « على ما ذا ».

١٥ ـ قال المجلسى : « الانفة الاستنكاف وكراهة الشيء للحمية والغيرة ».

١٦ ـ ح : « أن تبايع » وفى المسترشد مكان الجملة : « فقال : أما تأنف من اتباع هذا الرجل؟! ».

__________________

(١) « والله » فى البحار وشرح النهج لكن فى غيرهما « و » فقط.

(٢) فى الشافى وشرح النهج والبحار : « ما جرأنى ».

(٣) كذا فى الشافى وغيره أما النسخ ففيها : « فقدما » أو « تقدما ».

(٤) فى شرح النهج وغيره : « لقد كان ذلك ».

(٥) فى المسترشد : « فما تأمرنى ».

(٦) ح : « ولكن ».

(٧) فى المسترشد : « قال : هذا وقت صبر » وفى شرح النهج : « قال انه ليس بوقت أمر بل وقت صبر ».

(٨) فى المسترشد : « حتى يفرج الله ويأتى بمخرج » وأما سائر الكتب فليست العبارة فيها.

(٩) « السعدى » ليس فى شرح النهج.

(١٠) ق ج ح : « لمتشوق » ( بالقاف ) وكذا فى الشافى لكن فى المسترشد والبحار : « لتشوق ».

(١١) فى غالب النسخ والكتب : « التشوق » ( بالقاف ) أو « من التشوق ».

١٥٣

أما والله (١) لتكفّنّ او لأقولنّ كلمة بالغة بى وبك فى النّاس ما بلغت (٢) ؛ وان شئت لتستديمنّ ما أنت فيه عفوا ما أمكنك (٣) ذلك ، قال : اذا أستديمه (٤) وهى صائرة أليك الى أيّام (٥) فما ظننته تأتى عليه جمعة بعد ذلك القول حتّى يردّها إليّ ، فو الله ما ذكر لى منها حرفا بعد ذلك (٦). ولقد مدّ فى أمدها (٧) عاضّا على نواجذه (٨) حتّى كان عند يأسه منها وحضره الموت فكان ما رأيتما ، ثمّ قال : احفظا ما قلت لكما وليكن منكما بحيث أمرتكما [ قوما ] اذا شئتما على بركة الله وفى حفظه ، فنهضنا وكلّ واحد منّا متعجّب الى صاحبه من قوله وما خرج ذلك الخبر من واحد منّا حتّى مات عمر (٩).

__________________

(١) فليعلم أن العبارة فى شرح ابن أبى الحديد بدل ما فى المتن « من أرسل الى فأتيته » الى هنا هكذا : « فأرسل الى بعتاب مؤلم فأرسلت إليه : أما والله ».

(٢) فى شرح النهج بدل « ما بلغت ». « تحملها الرّكبان حيث ساروا » وكذا فى البحار والشافى والتلخيص.

(٣) مج مث ق س : « أكنك » وفى ح : « أليك ».

(٤) فى الشافى وشرح النهج والبحار والتلخيص بدل الجملة هكذا : « وان شئت استدمنا ما نحن فيه عفوا ، قال : بل نستديمه ( أو نستديمها ) ». وعبارة المسترشد : « فان شئت استدمت ما أنت فيه عفوا ، قال : بل أستديمه ».

(٥) فى سائر الكتب : « وانها لصائرة أليك بعد أيام ».

(٦) عبارة الشافى وشرح النهج هكذا : « فما ظننت أنه لا يأتى عليه جمعة حتى يردها على فتغافل والله فما ذكرنى بعد ذلك المجلس حرفا حتى هلك » وكذا البحار والتلخيص.

(٧ و ٨) قال المجلسى : « وأمد الشيء غايته والنواجذ أقاصى الاسنان والعض عليها كناية عن شدة التعلق والتمسك بالشيء ».

(٩) فليعلم أن مؤلف الكشكول فيما جرى على آل الرسول وهو على ما حقق فى محله السيد حيدر الآملي من علماء القرن الثامن الهجرى قد ذكر فى كتابه المذكور تحت عنوان « عجائب روايات العوام » هذه الرواية فقال ما نصه : « ومما رواه

١٥٤

وروى سفيان بن عيينة والحسن بن صالح بن حىّ وأبو بكر بن عيّاش وشريك بن عبد الله وجماعة من فقهائكم أنّ أبا بكر أمر خالد بن الوليد فقال : اذا أنا فرغت من

__________________

أبو موسى الأشعرى قال : حججت مع عمر بن الخطاب فخرجت يوما من رحلى أريد عمر ( فساق الرواية الى آخرها وهو ) « فليكن منكما بحيث أمرتكما ، فمضينا ونحن نتعجب من كشفنا من قوله ، فو الله ما أفشينا سره حتى هلك ؛ فاعتبروا يا أولى الالباب » فمن أراد أن يلاحظها أو مقابلتها مع عبارة الحديث فى هذا الكتاب فليراجع ص ١٤٨ ـ ١٤٤ من الطبعة الاولى سنة ١٣٧٢ فى مطبعة الحيدرية بالنجف.

ثم ليعلم أن آخر عبارة الرواية بعد : « عاضا على نواجذه » فى الشافى وتلخيصه وشرح ـ النهج والبحار الى آخرها أعنى « حتى مات عمر » هكذا : « حتى حضره الموت وأيس منها فكان منه ما رأيتما فاكتما ما قلت لكما عن الناس كافة وعن بنى هاشم خاصة وليكن منكما بحيث أمرتكما قوما اذا شئتما على بركة الله. فقمنا ونحن نعجب من قوله فو الله ما أفشينا سره حتى هلك ».

أقول : قال علم الهدى بعد نقله الاخبار فى الشافى ما نصه ( ص ٢٤٣ من النسخة المطبوعة ) :

« فكأنى بهم عند سماع هذه الاخبار يستغرقون ضحكا تعجبا واستبعادا ويقولون : كيف نصغى الى هذه الاخبار ومعلوم ضرورة تعظيم عمر لابى بكر ووفاقه له وتصويبه لامامته وكيف يطعن عمر فى إمامة أبى بكر وهى أصل لامامته وقاعدة لولايته؟!

وليس هذا بمنكر ممن طمست العصبية على قلبه وعينه فهو لا يرى ولا يسمع الا ما يوافق اعتقادات مبتدأة قد اعتقدها ومذاهب فاسدة قد انتحلها فما بال هذه الضرورة تخصهم ولا تعم من خالفهم ونحن نقسم بالله على أنا لا نعلم ما يدعونه ونزيد على ذلك بأنا نعتقد أن الامر بخلافه وليس فى طعن عمر على بيعة أبى بكر ما يؤدى الى فساد إمامته لانه يمكن ان يكون ذهب الى ان إمامته لم تثبت بالنص عليه وانما ثبتت بالاجماع من الامة والرضا فقد ذهب الى ذلك جماعة من الناس ويرى أن إمامته أولى من حيث لم تقع بغتة ولا فجأة ولا اختلف الناس فى أصلها ولا امتنع منهم كثير من الدخول فيها حتى اكرهوا وتهددوا وخوفوا

١٥٥

صلاة الفجر وسلّمت فاضرب عنق عليّ فلمّا صلّى بالنّاس فى آخر صلاته ندم على ما كان منه فجلس فى صلاته مفكّرا حتّى كادت الشّمس أن تطلع ثمّ قال : يا خالد لا تفعل ما أمرتك [ به (١) ] ؛ ثلاثا ؛ ثمّ سلّم (٢) وكان عليّ يصلّى الى جنب خالد يومئذ ؛ فالتفت

__________________

فأما الفلتة ( الى آخر ما قال ) ».

وأما ابن أبى الحديد فقد قال فيما قال بعد نقل شيء من كلام السيد بالنسبة الى هذه الاخبار ما نصه ( ص ١٢٧ ج ١ طبعة مصر سنة ١٣٢٩ ه‍ ) :

« وأما الاخبار التى رواها عن عمر فأخبار غريبة ما رأيناها فى الكتب المدونة وما وقفنا عليها الا من كتاب المرتضى وكتاب آخر يعرف بكتاب « المسترشد » لمحمد بن جرير الطبرى وليس هو محمد بن جرير صاحب التأريخ بل هو من رجال الشيعة وأظن أن أمه من بنى جرير من مدينة أهل طبرستان وبنو جرير الآمليون شيعة مستهترون بالتشيع فنسب الى أخواله ويدل على ذلك شعر مروى له وهو :

فآمل مولدى وبنو جرير

فأخوالى ويحكى المرء خاله

فمن يك رافضيا عن أبيه

فانى رافضى عن كلالة

وأنت تعلم حال الاخبار الغريبة التى لا توجد فى الكتب المدونة كيف هى؟! »

أقول : تفصيل البحث عن هذا الاجمال يأتى فى مجلد « تعليقات الايضاح » ان شاء الله تعالى.

(١) فى ح فقط وعبارة سائر الروايات وأسلوب الكلام تؤيد وجود الكلمة هناك.

(٢) هذه القضية معروفة مذكورة فى كتب الفريقين الا أن الشيعة مدعية أن القضية قد وقعت فمن موارد نقلها فى كتب الشيعة علل الشرائع للصدوق والاحتجاج للطبرسى وتفسير على بن ابراهيم وكتاب سليم بن قيس وكتاب المجلى لابن أبى جمهور الاحسائى وغاية المرام للسيد هاشم البحرانى والبحار للمجلسى الى غير ذلك فالاولى أن

١٥٦

عليّ الى خالد فاذا هو مشتمل على السّيف تحت ثيابه فقال له : يا خالد أو كنت فاعلا؟ ـ قال : اى والله اذا لوضعته فى أكثرك شعرا فقال عليّ صلوات الله عليه : كذبت ولؤمت (١) أنت أضيق حلقة من ذاك ، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة لو لا ما سبق به القضاء لعلمت أىّ الفريقين شرّ مكانا وأضعف جندا (٢) فقيل. لسفيان وابن حىّ ولوكيع (٣) : ما تقولون

__________________

نشير الى ما ذكره صاحب الاستغاثة فى ذلك الموضوع وهو قوله فى أوائل كتابه المذكور ( ص ١٩ من طبعة النجف ) : « ومما ابتدعه كلامه بالصلاة بعد التشهد وقبل التسليم حين قال : لا يفعلن خالد ما أمرته به ، حتى احتج بذلك قوم من فقهاء العامة بشهرته منه فقالوا : يجوز الكلام بعد التشهد وقبل التسليم فان أبا بكر فعل ذلك للضرورة. وقال آخرون : لا يجوز ذلك فان أبا بكر قال ذلك بعد أن سلم فى نفسه ، وتنازعوا فى اختلافهم فى هذا المعنى فقلنا لهم : أما تجويزكم فى الصلاة فانا غير محتاجين الى منازعتكم فيه لانا غير آخذين بفعل أبى بكر ولا متبعين له فيه ولكن عرفونا ما الّذي دعا أبا بكر الى ان قال : لا يفعلن خالد ما أمرته به ؛ قبل تسليمه؟ وما هو؟ ولم هو؟ فكانوا فى ذلك صما بكما عميا.

فقالت شيعة آل محمد عليهم‌السلام : قد علمنا وعلم كل ذى فهم أنه نهاه عن أمر منكر بعد أن أمره به وجهلكم بذلك منه دليل على صحة ما رواه مشايخنا عن ائمتنا ـ عليهم‌السلام ـ فانهم قالوا : ان أبا بكر كان قد أمر خالدا بقتل أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ » ( الى آخر ما قال فمن أراده فليراجع الكتاب المشار إليه ص ٢١ ـ ١٩ ).

ومن أراد البحث عن القضية تفصيلا فليراجع مظانه كتشييد المطاعن واحقاق الحق وغيرهما فان المقام لا يسع البحث عن ذلك.

(١) غير ح : « لمت ».

(٢) ذيل آية ٧٥ سورة مريم و ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ) أيضا مأخوذ من آية ٧٣ من تلك السورة.

(٣) ح : « ووكيع ».

١٥٧

فيما كان من أبى بكر فى ذلك؟ ـ فقالوا جميعا : كانت سيّئة لم تتمّ (١) ؛ وأمّا من يجسر من أهل المدينة فيقولون : وما بأس بقتل رجل فى صلاح الأمّة ؛ إنّه إنّما أراد قتله لأنّ عليّا أراد تفريق الأمّة وصدّهم عن بيعة أبى بكر.

فهذه روايتكم على أبى بكر الاّ أنّ منكم من يكتم ذلك ويستشنعه فلا يظهره وقد جعلتم هذا الحديث حجّة فى كتاب الصّلاة فى باب من أحدث قبل أن يسلّم وقد قضى التّشهّد انّ صلاته تامّة وذلك أنّ أبا بكر أمر خالد بن الوليد بأمر فقال : اذا أنا سلّمت من صلاة الفجر فافعل كذا وكذا ؛ ثمّ بدا له فى ذلك الأمر فخاف ان هو سلّم أن يفعل خالد ما أمره به فلمّا قضى التّشهّد قال : يا خالد لا تفعل ما أمرتك [ به (٢) ] ثمّ سلّم.

وقد حدّث به أبو يوسف القاضى ببغداد فقال له بعض أصحابه : يا با يوسف

__________________

(١) نظير ما نقلناه عن كتاب الاستغاثة ما نقله المجلسى عن ارشاد القلوب للديلمى ( انظر المجلد الثامن من البحار باب المثالب ؛ ص ٢٤٢ من طبعة أمين الضرب ) : « ومنها ( اى من مثالبهم ) قوله ( اى قول أبى بكر ) فى الصلاة : لا يفعل خالد ما أمره فهذه بدعة يقارنها كفر وذلك أنه أمر خالدا بقتل أمير المؤمنين اذا هو سلم من صلاة الفجر فلما قام فى الصلاة ندم على ذلك وخشى ان فعل ما أمر به من قتل أمير المؤمنين ان تهيج عليه فتنة لا يقومون لها فقال : لا يفعلن خالد ما أمر ؛ قبل ان يسلم ، والكلام فى الصلاة بدعة والامر بقتل على كفر ».

أما ابن أبى الحديد فهو أنكر وقوع القضية وأجاب عنها فيما أجاب عن مطاعن أبى بكر بما نصه ( انظر المجلد الرابع من طبعة مصر ص ١٩٠ ) :

« الطعن الثانى عشر ـ قولهم أنه تكلم فى الصلاة قبل التسليم فقال : لا يفعلن خالد ما أمرته قالوا : ولذلك جاز عند أبى حنيفة أن يخرج الانسان من الصلاة بالكلام وغيره من مفسدات الصلاة من غير تسليم وبهذا احتج أبو حنيفة والجواب : هذا من الاخبار التى تنفرد بها الامامية ولم تثبت وأما أبو حنيفة فلم يذهب الى ما ذهب إليه لاجل هذا الحديث وانما احتج ( الى آخر ما قال ) ».

(٢) « به » فى نسخة ح فقط.

١٥٨

وما الّذي أمر أبو بكر خالد بن الوليد [ به (١) ]؟ ـ فانتهره وقال له : اسكت وما أنت وذاك؟!

فو الله لئن كان عليّ سامعا مطيعا لأبى بكر راضيا ببيعته ما فى الأرض جور يوصف به أحد أجور من هذا أن يأمر بضرب عنق رجل قد أقرّ هو وأصحابه أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قد شهد له أنّه من أهل الجنّة وهو [ له (٢) ] سامع مطيع ، ولئن كان غير راض ببيعته انّ الأمر لكما قالت الشيعة فى تقدّمه عليه بغير رضى منه.

وروى زياد البكّائىّ (٣) وكان من فرسان أصحابكم فى الحديث قال : أخبرنا صالح بن كيسان عن إياس (٤) بن قبيصة (٥) الأسدىّ وكان شهد فتح القادسيّة يقول : سمعت أبا بكر يقول : ندمت على أن أكون سألت رسول الله (٦) ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن ثلاث

__________________

(١) « به » فى نسخة ح فقط.

(٢) ليس فى نسخة ح.

(٣) قال ابن حجر فى تقريب التهذيب : « زياد بن عبد الله بن الطفيل العامرى البكائى بفتح الموحدة وتشديد الكاف أبو محمد الكوفى صدوق ثبت فى المغازى ( الترجمة ) » وقال الزبيدى فى تاج العروس : « والبكاء ككتان لقب ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أبى قبيلة منهم زياد بن عبد الله البكائى راوى المغازى عن ابن اسحاق ».

(٤) قال الفيروزآبادي فى القاموس : « اياس ككتاب سبعة عشر صحابيا ».

(٥) قال الجوهرى بعد ذكر معنى القبيصة ( بفتح أوله وكسر الموحدة ) : « وقبيصة أيضا اسم رجل وهو اياس بن قبيصة الطائى » قال الزبيدى فى تاج العروس فى مادة « قبص » بعد ذكر الذين سموا بقبيصة من الصحابة : « واياس بن قبيصة الطائى الّذي ذكره الجوهرى فهو ابن قبيصة بن الاسود الّذي أورده المصنف ـ رحمه‌الله تعالى ـ فى أول هذه الأسماء ».

(٦) أورده المجلسى فى ثامن البحار نقلا عن ارشاد القلوب بهذه العبارة ( انظر باب مثالب

١٥٩

كنت أغفلتهنّ (١) ، ووددت أنّى كنت فعلت ثلاثا لم أفعلهنّ ، ووددت أنّى لم أكن فعلت

__________________

الثلاثة ص ٢٤٢ من طبعة امين الضرب ) : « ومنها أنهم رووا بغير خلاف أنه قال ( أى أبو بكر ) وقت وفاته : ثلاث فعلتها ووددت أنى لم أفعلها ، وثلاث لم أفعلها ووددت أنى أفعلها ، وثلاث وددت أنى أسأل رسول الله (ص) عنها أما الثلاث التى وددت أنى لم أفعلها ؛ ( الحديث فمن أراده فليطلبه من هناك ؛ لانى أنقله بطريق أهل السنة هنا وهو ما يأتى ذكره عن كتاب ابن قتيبة ).

__________________

(١) قال ابن قتيبة الدينورى فى كتاب الامامة والسياسة ناقلا عن أبى بكر عند استخلافه ما نصه ( ص ١٨ ) : « والله ما آسى الا على ثلاث فعلتهن ليتنى كنت تركتهن ، وثلاث تركتهن ليتنى فعلتهن ، وثلاث ليتنى سألت رسول الله عنهن. فأما اللاتى فعلتهن وليتنى لم ـ أفعلهن ، فليتنى تركت بيت على وان كان أعلن على الحرب ، وليتنى يوم سقيفة بنى ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين أبى عبيدة أو عمر ، فكان هو الامير ، وكنت أنا الوزير ، وليتنى حين أتيت بالفجاءة السلمى أسيرا انى قتلته ذبيحا أو أطلقته نجيحا ، ولم أكن أحرقته بالنار ، وأما اللاتى تركتهن وليتنى كنت فعلتهن ، ليتنى حين أتيت بالاشعث بن قيس أسيرا أنى قتلته ولم أستحيه ، فانى سمعت منه وأراه لا يرى غيا ولا شرا الا أعان عليه ، وليتنى حين بعثت خالد بن الوليد الى الشام ، انى كنت بعثت عمر بن الخطاب الى العراق ، فأكون قد بسطت يدى جميعا فى سبيل الله ، وأما اللاتى كنت أود أنى سألت رسول الله عنهن فليتنى سألته لمن هذا الامر من بعده؟ فلا ينازعه فيه أحد ، وليتنى كنت سألته هل للانصار فيها من حق؟ وليتنى كنت سألته عن ميراث بنت الاخ والعمة فان فى نفسى من ذاك شيئا ».

قال المجلسى (ره) فى ثامن البحار فى باب ما أظهر أبو بكر وعمر من الندامة على تصدى الخلافة عند الموت ( ص ٢٠٥ من طبعة أمين الضرب ) :

« قال ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة نقلا عن المبرد فى الكامل عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبى بكر أعوده فى مرضه الّذي مات فيه ( فساق الحديث الى ان قال ) فقال : أما انى لا آسى الا على ثلاث فعلتهن وددت

١٦٠