الرسائل الأحمديّة - ج ٢

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

الأحاديث النبويّة وعدَّ منها النسخ ، حيث قال فيه : « ورجل سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شي‌ء ثمّ أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ». إلى أن قال عليه‌السلام : « فإنّ أمرَ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ » (١).

ومثله ما رواه في الكافي عن محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام ، حيث قال في آخره : « إنّ الحديث يُنسَخ كما يُنسخ القرآن » (٢).

وحينئذٍ ، فلا دلالة لهذا الخبر على الاستمرار ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.

أو نقول : إنّ صوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه لم يكن بعنوان صوم عاشوراء ، بل لموافقته بعض الأيّام المأمور بصومها كيوم النوروز (٣) مثلاً ، أو موافقته عدداً من الأيّام منذوراً.

وأمّا خبر الزهري (٤) ؛ فلاشتماله على ما لا يخفى حالهم من مشايخ العامّة وغيرهم من سائر الأشقياء لا ينبغي الاعتماد عليه والركون إليه ، إلّا فيما اتّفقت فيه الأخبار ولم يكن لدليله معارض من الآثار ، ولعلّ هذا هو السرّ في عدم الاستدلال به في هذا المضمار ، إذ لم أقف على من استدلّ به على هذا الحكم من علمائنا الأخيار مع استدلالهم ببعضه في غيره ، فلعلّه لأظهريّته ولو في خصوص هذا الحكم في موافقته أُولئك الأشرار دون سائر تلك الأخبار.

ألا ترى أنّ الصدوق رحمه‌الله بعد روايته له في باب وجوه الصيام (٥) أورد في باب صوم التطوّع صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم (٦) ، الدالّ على نسخه. وظاهره التنبيه بذلك على عدم العمل به فيما هنالك ، فتأمّل فيه ، والله العالم.

وأمّا خبر كثير النوّاء (٧) ففيه من الوهن ما لا يخفى :

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٢ / ١ ، الخصال : ٢٥٦ / ١٣١ ، الاحتجاج ١ : ٦٣٠ ، ولم يذكر فيه ذيل الحديث. الغيبة ( النعماني ) : ٧٩ / ١٠.

(٢) الكافي ١ : ٦٤ / ٢.

(٣) مصباح المتهجّد : ٧٩٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٨ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٤ ، ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٤٨ / ٢٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٤١١ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٥ ، ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٤٨ / ٢٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٤١١ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٥ ، ح ١.

(٦) الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٩ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢١ ، ح ١.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٠٠ / ٩٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٨ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٠ ، ح ٥.

٢٨١

أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ قُصارى ما فيه الدلالة على بركته وفضيلته ، وأمر نوح عليه‌السلام بصوم ذلك اليوم من معه من خاصّته دون استحباب صومه في دين نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله وشريعته.

بل لا دلالة فيه أيضاً على استمرار صوم عاشوراء في ملّة نوح وسنّته ، لاحتمال أن يُراد بالمُشار إليه بذلك اليوم خصوص اليوم الذي لزقت فيه السفينة على الجودي ، شكراً لنعمة السلامة من الغرق ، لا لخصوصيّة عاشوراء الذي شبّ في قلوب المؤمنين الحَرَق.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ كثير النوّاء بتريّ عامّيّ غويّ ، تنسب إليه البتريّة اللّئام ، وقد تبرّأ منه الصادق عليه‌السلام ، حيث قال عليه‌السلام : « اللهمّ إنّي إليك من كثير النوّاء بري‌ء في الدنيا والآخرة » (١).

وقال عليه‌السلام أيضاً : « إنّ الحكم بن عيينة وسلمة وكثير النوّاء والتمّار يعني : سالماً أضلّوا كثيراً ممّن ضلَّ من هؤلاء ، وإنّهم ممّن قال الله تعالى ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (٢) » (٣).

فإذا كان كثير النوّاء بهذا الحال كيف يركن إليه في صدق الحديث والمقال؟!

فلم يبق للمشهور إلّا خبر مسعدة بن صدقة (٤) والقدّاح (٥) ، وهما لا يعارضان تلك الأخبار الكثيرة الصراح المشتملة على بعض الصحاح.

وأمّا استدلال بعض الفقهاء الفضلاء بخبر حفص بن غياث ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كثيراً ما يتفل يوم عاشوراء في أفواه أطفال المراضع من ولد فاطمة عليها‌السلام من ريقه ، ويقول : لا تطعموهم شيئاً إلى الليل ، وكانوا يروون من ريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : وكانت الوحوش تصوم يوم عاشوراء على عهد داود عليه‌السلام »(٦).

فهو استدلال عجيب لا ينبغي صدور مثله عن مثله ، ولا من لبيب ، ولا رسمُهُ في

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٥٠٩ / ٤٤٠. (٢) البقرة : ٨.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٥٠٩ / ٤٣٩ ، وفيه : ( وكثيراً ).

(٤) التهذيب ٤ : ٥٩٩ / ٩٠٥ ، الإستبصار ٢ : ١٣٤ / ٤٣٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٠ ، ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٠٠ / ٩٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٤ / ٤٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٠ ، ح ٣. (٦) التهذيب ٤ : ٣٣٣ / ١٠٤٥ ، وفيه : ( وكانت الوحش ).

٢٨٢

القرطاس وإظهاره بين سائر الناس.

وأمّا ما جمعوا به بينها من حمل أخبار المنع على ما إذا لم يكن للحزن والفضيلة ، فجمع بعيد وحمل غير سديد :

أمّا أوّلاً : فللقطع بعلم الأئمّة عليهم‌السلام بأنّ الشيعة الكرام لا يتبرّكون بذلك الصيام ، فيصير نهيهم لهم حينئذٍ تحصيل حاصل ونفخاً في غير ضرام.

وأمّا ثانياً : فلتصريح الأئمّة عليهم‌السلام بعدم قبول ذلك اليوم لماهيّة الصيام ، ويكون نفس الصوم موجباً للحشر مع آل زياد ، وسائر ما هو مذكور من المهالك ، كما أنّ التبرّك أيضاً موجب لذلك ، وبأنّ الصوم أيضاً لا يكون للحزن والمصيبة وإنّما يكون شكراً للسلامة ، وكلّ ذلك معلوم من تلك الأخبار السابقة التي هي في الدلالة على المطلوب متطابقة.

ففي خبر عبد الملك : « أفصومٌ يكون ذلك اليوم؟! كلّا وربِّ البيت الحرام ، ما هو يوم صوم ، وما هو إلّا يوم حزن ومصيبة » إلى أنْ قال : « فمن صام أو تبرّك به حشره الله مع آل زياد » (١).

وهو ظاهر في المراد ظهور الشمس في ساعة الراد ، ألا ترى كيف جعل الصيام مُسبِّباً لتلك الأُمور العظام ورتّب عليه ذلك الوعيد كما رتّبه على التبرّك بذلك اليوم النكيد؟

فلا يتمّ حينئذٍ تقييد الصوم المنهيّ عنه بالصوم بقصد التبرّك ، كما لا يخفى على مَنْ كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وفي خبر الحسين بن أبي [ غُنْدُر (٢) ] : « إنّ الصوم لا يكون للمصيبة ، ولا يكون إلّا شكراً للسلامة » (٣) الحديث.

وهو كسابقه في الدلالة ، كما لا يخفى على مَنْ أشرقت عليه شمس الجلالة

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٧ / ٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٩ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢١ ، ح ٢.

(٢) في المخطوط : ( منذر ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) أمالي الطوسي : ٦٦٧ / ١٣٩٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٢ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢١ ، ح ٧.

٢٨٣

والنباهة والنبالة.

فإنّ ظاهر هذه الكلمات الشريفة بل العقود الطريفة تأسيس قاعدة كلّيّة لطيفة ، وهي : إنّ الحزن لم يكن سبباً لاستحباب الصيام في شي‌ء من الأيام ، وإنّ الصوم إنّما يستحبّ في الأيّام التي يتجدّد فيها الفرح والسرور دون الأيام التي يحدث فيها الترح (١) والشرور.

ويؤيّد ذلك الاستقراء التامّ والتتبّع لآثار الأئمّة الأعلام ، فإنّه لم يرد استحباب الصوم في يوم لحزنه ومصيبته ، وإنّما ورد في يوم الفرح لشرفه وفضيلته ، كأيّام ولادات الأئمّة المعصومين والأنبياء والمرسلين ، التي تنكشف عنهم فيها الكرب وينالون فيها المطالب والأُرب. وهكذا سائر الأيّام السعيدة دون أيّام موتهم وأوقات وقوع تلك الآلام بهم وسائر الأيام النكيدة.

حتى إنّه لو اتّفق في اليوم الواحد فرح وتَرح لم يلاحظ في استحباب صومه إلّا سبب الفرح شكراً لما يتجدّد في تلك الأيام من النِّعَم ، أو دفع النِّقَم.

وحيث كان هذا اليوم المشؤوم العبوس ممّا اجتمعت فيه جميع الهموم والغموم والنحوس على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين والشهداء والصالحين إذ صار فيه عَلَم الإسلام منكوساً كان سعده محاقاً وعذبه زعاقاً ، على أنّه سيأتي آنفاً أنّه لم يثبت ورود ما ورد فيه من تلك الفضائل العظائم ، ولم تتحقّق صحّة ما ادّعي فيه من المكارم.

ثمّ إنّ الحصر في قوله عليه‌السلام : « ولا يكون إلّا شكراً للسلامة » ؛ إمّا محمول على الغالب الذي عليه مبنى أكثر الأحكام ، فلا ينافيه ما سمعت من استحباب الصيام في سائر الأوقات والأيام التي يحدث فيها ما يقتضي الشكر على تجدّد الإنعام ، هذا إن جعلت ( اللام ) في الصوم جنسيّة أو استغراقيّة ؛ أو على الإشارة إلى أصل ابتداء صومه من أُولئك اللئام إن جعلت عهديّة ذكريّة ، فقد يقال بجواز صومه حينئذٍ مع مخالفة

__________________

(١) التّرح : الهمّ. القاموس المحيط ١ : ٤٤٤ باب الحاء / فصل التاء.

٢٨٤

تلك النيّة.

إلّا إنّ الظاهر من سياق الخبر الشريف والأثر الطريف ومقتضى ما تضمّنه من الزجر الشديد والوعيد الأكيد هو إرادة المبالغة في الفرار عن صومه من بعيد ، وتعليل ذلك بأنّ صومه لمّا كان من سُنَن آل زياد وأتباعهم أهلِ العناد من المخالفين والنصّاب ، ولم تجرِ به سنّة ولا كتاب وكان أصل مشروعيّته عندهم لتلك العلّة العليلة والغاية الملعونة الرذيلة ، كان على شيعتهم أن لا يتلبّسوا بما يصدق عليه اسم ذلك الشعار والكيفيّة ، ولو بالموافقة الصوريّة ، ولم يكتفوا بمخالفة النيّة.

فكان كلّ صوم يقع في ذلك اليوم لتلك الخصوصيّة العاشوريّة يتوهّم منه ذلك الفرد الذي ابتدأ به صيامه ولو اختلفت الطويّة ، مبالغةً في المخالفة ، وبعداً عن صورة المؤالفة ، والله العالم بحقائق مراد خلفائه الأعلام ، فتأمّل في هذا المقام فإنّه حريّ بالتأمّل التامّ.

وأمّا ثالثاً ؛ فلإشعار بعض الآثار بوضع ما دلّ من الأخبار على فضيلة ذلك اليوم المقتضية لاستحباب ذلك الصوم ، وهو ما رواه الصدوق رحمه‌الله في مجالسه مسنداً عن جَبَلَة المكيّة قالت : سمعت ميثم التمّار يقول : ( والله لتقتلنّ هذه الأُمّة ابن بنت نبيّها في المحرّم لعشر مضين منه ، وليتخذّن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وإنّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره ، أعلمُ ذلك لعهد عهده إليّ مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولقد أخبرني أنّه يبكي عليه كلُّ شي‌ء حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطير في جوّ السماء ، ويبكي عليه الشمس والقمر ، والنجوم والسماء والأرض ، ومؤمنو الإنس والجنِّ ، وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالك وحملة العرش ، وتمطر السماء دماً ورماداً.

ثمّ قال : وَجَبَت لعنةُ الله على قتلة الحسين عليه‌السلام كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخراً ، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس.

قالت جَبَلَة : فقلت له : يا ميثم وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه

٢٨٥

الحسين عليه‌السلام يوم بركة؟

فبكى ميثم رضى الله عنه ثمّ قال : سيزعمون بحديث [ يضعونه (١) ] أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم عليه‌السلام ، وإنّما تاب على آدم في ذي الحجّة ، ويزعمون أنّه اليوم الذي قَبِل الله فيه توبة داود عليه‌السلام ، وإنّما قَبِل الله توبته في ذي الحجّة ، ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس عليه‌السلام من بطن الحوت ، وإنّما أخرجه من بطن الحوت في ذي القعدة ، ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه‌السلام على الجودي ، وإنّما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلقَ الله فيه البحر لبني إسرائيل ، وإنّما كان ذلك في ربيع الأوّل ) (٢) .. إلى آخره.

وهو صريح في وضع ما ينقل عن الأئمّة الأعلام في شرف ذلك اليوم الموجب لاستحباب الصيام ، وهذا الحديث وإن كان منقولاً عن ميثم التمّار من غير اتّصال سنده بالنبيّ أو أحد الأئمّة الأطهار ، إلّا إنّ ما هو عليه من الوثاقة والجلالة الظاهرتين ظهور الشمس في رابعة النهار يوجب الاطمئنان ، بل القطع بصدق ما ينقله من الآثار.

بل قد صرّح ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) وهو من متعصّبي الفرقة المتزندقة بالوضع والتزوير لما ورد في شأن هذا اليوم من الفضل الكثير ، حيث قال بعد كلام قدّمه في معرض الرد على الناصبة الذين يتّخذونه عيداً ، ويظهرون فيه الفرح والسرور ، ويجعلونه يوماً سعيداً ، وأنّه لم يرد في ذلك شي‌ء يعتمد عليه ، ولا أثر صحيح يرجع إليه ما هذا لفظه :

( وقد سُئل بعضُ أئمّة الحديث عن الكحل والغسل ، والحِنّاء وطبخ الحبوب ، ولبس الجديد وإظهار السرور يوم عاشوراء. فقال : لم يرد فيه حديث صريح صحيح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عن أحد من الصحابة ، ولا استحبّه أحد من أئمّة المسلمين لا من الأربعة ولا من غيرهم ، ولم يرد في الكتب المعتمدة في ذلك حديث صحيح ولا ضعيف.

__________________

(١) في المخطوط : ( يصنعونه ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الأمالي ( الصدوق ) : ١١٠ / ١.

٢٨٦

وما قيل : إنّ مَن اكتحل يومه لم يرمد ذلك العام ، ومن اغتسل لم يمرض كذلك ، ومن وسّع على عياله فيه وسّع الله عليه سائر سنته ، وأمثال ذلك مثل فضل الصلاة فيه ، وأنّه كان فيه توبة آدم ، واستواء السفينة على الجودي ، وإنجاء إبراهيم عليه‌السلام من النار ، وفداء الذبيح بالكبش ، وردّ يوسف على يعقوب ، فكلّ ذلك موضوع ، إلّا حديث التوسعة على العيال ، لكن في سنده من تكلّم فيه .. ) (١) إلى آخر ما قاله ، ضاعف الله عليه نكاله.

وفيه شفاء صدور المؤمنين في الردّ على أُولئك المتعصّبين ، حيث يجعلونه لفرحهم موسماً وإن أخطأ طريق الردّ على الشيعة لاتّخاذهم إيّاه مأتماً (٢).

 ...............................

وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ

وأمّا رابعاً ؛ فلأنّا لو سلّمنا استقامة الجمع المذكور ، فهي إنّما تتمّ بالنسبة إلى ما سوى صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (٣) ، وخبر [ نجبة (٤) ] ، الدالّين على نسخ الصوم المزبور ، أمّا بالنسبة إليهما فلا وجه له بالأصالة ، بل الوجه بطلانه بلا محالة ، على أنّك إذا تتبّعت كلمات أهل الأُصول في بحث النسخ وجدتها منطبقة على العمل بمضمون هذين الخبرين بصريح المقالة ؛ لأنّهم ينسبون إلى المشهور بين المحقّقين جواز نسخ الأخفّ بالأثقل ، ويمثّلون له بنسخ صوم عاشوراء بصوم شهر رمضان.

وإليه يميل كلام السيّد السند في ( المدارك ) (٥) وبعض المتأخّرين (٦) الأعيان.

فيلزم حينئذٍ ؛ إمّا القول بحرمته ، وإمّا الحكم بعدم النسخ لمشروعيّته.

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٨٣ ١٨٤.

(٢) حيث قال فيه : ( فصار هؤلاء لجهلهم يتّخذونه موسماً ، وأُولئك لرفضهم يتّخذونه مأتماً ، وكلاهما مخطئ ) الصواعق المحرقة : ١٨٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٩ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢١ ، ح ١.

(٤) في المخطوط : ( نخبة ) ، وما أثبتناه من المصدر. الكافي ٤ : ١٤٦ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٠١ / ٩١٠ ، الإستبصار ٢ : ١٣٤ / ٤٤١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦١ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢١ ، ح ٥ ، وقد ورد في الثلاثة الأخيرة : ( نجية ).

(٥) مدارك الأحكام ٦ : ٢٦٩.

(٦) جامع المقاصد ٣ : ٨٦ ، الحدائق الناضرة ١٣ : ٣٧٦.

٢٨٧

فإنْ قلت : لا منافاة بين القولين ولا تدافع بين المسألتين ، لأنّ المنسوخ إنّما هو الوجوب ، والذي حكموا به إنّما هو الاستحباب ، فلا تناقض ؛ لاختلاف الجهتين.

قلت : هذا أوان دفع الإيراد ، إلّا إنّ دونه خرط القتاد ؛ لحكمهم أيضاً في مسألة نسخ الوجوب بعدم بقاء الجواز والاستحباب ، ولم ينقل الخلاف هناك إلّا عن بعض الأصحاب ، فليس إلّا أن يُجاب بأنّ الجواز المحكوم به هنا ليس هو الجواز الواقع جنساً لفصل الوجوب الذي هو المنع من الترك ليلزم من عدم الفصل عدم الجنس ، بل هو مستفاد من الأدلّة الأُخر الواردة بعد نسخ الإيجاب الحاكمة بالاستحباب.

وحيث قد أثبتنا المعارض القويّ بالاستدلال ، صارت تلك الأخبار في حيّز الاضمحلال ، فبقي النسخ بلا دافع وترك صومه بلا رافع.

وحيث قد تمهّد ممّا ذكرناه وثبت ممّا أصّلناه ضعف دليل القول المشهور وكونه في درجة القصور ، فالأوْلى هو اجتناب الصوم المزبور ولو لقاعدة الاحتياط الذي يؤمن به من الاختباط ويسلك به سواء الصراط ؛ لدوران الأمر حينئذٍ بين الندب والكراهة والتحريم ، وعدم القول بالوجوب فيه والتلزيم ، والاقتصار في ذلك على ما تضمّنته صحيحة عبد الله بن سنان المرويّة في ( المصباح ) و ( الإقبال ) عن الصادق عليه‌السلام من الإمساك عن الشراب والطعام ، وسائر المستلذات من غير تبييت نيّة الصيام ، حيث قال فيها :

دخلتُ على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام في يوم عاشوراء فألفيتُه كاسفَ اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّ بكاؤك ، لا أبكى اللهُ عينَيك؟

فقال لي : « أوَفي غفلة أنت؟! أمَا علمت أنّ الحسين بن علي عليهما‌السلام أُصيب في مثل هذا اليوم » فقلتُ : يا سيّدي فما قولك في صومه؟

فقال لي : « صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله صوم يوم كملاً ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم انجلت

٢٨٨

الهيجاء عن آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً من مواليهم يعزّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا حيّاً لكان هو المعزَّى بهم » (١) .. إلى آخر كلامه ، عليه أفضل صلوات الله وسلامه.

ومثلها عنه أيضاً رواية معاوية بن وهب المرويّة في كتاب ( المنتخب ) ، وفيهما من الدلالة على المطلوب ما لا يخفى على ذوي القلوب.

وحينئذٍ ، فيصير التعبير بالإفطار الذي لا يكون إلّا بعد تحقّق الصيام من باب المشاكلة اللفظيّة ، لأنّه لَمّا سُمّي ذلك الإمساك صوماً بناءً على المعنى اللغوي سُمّي ما يُضادّه إفطاراً أيضاً ، كما قال الشاعر :

قالوا اقترح شيئاً نُجِدْ لكَ طبخه

قلتُ اطبخوا لي جبّةً وقميصا

ألا ترى أنّ الطبخ للجبّة والقميص إنّما وقع لمشاكلة ما قبله ، وهو ظاهر لمن تأمّله.

وعلى العمل بمضمون هاتين الروايتين عوّل جمعٌ كثيرٌ وجمٌّ غفيرٌ من المحقّقين ؛ كالشيخ الطوسي قدس‌سره القدوسي في ( المصباح ) (٢) ، إلّا إنّه ذكر الإفطار على التربة الحسينيّة ، وكالمحقّق الشيخ علي بن عبد العالي في حاشيتي : ( الشرائع ) و ( الإرشاد ). وثاني الشهيدين في ( المسالك ) (٣) ، والسيّد السند في ( المدارك ) (٤) والمحدّث الكاشاني (٥) ، والآخوند الملّا محمد باقر المجلسي في ( زاد المعاد ) (٦) ، وجملة من متأخّري المتأخّرين (٧). بل يظهر من عبارتي المحقّق الثاني في حاشية ( الشرائع ) وشهيد ( المسالك ) حمل كلمات الأصحاب الحاكمين باستحباب الصيام على وجه الحزن على الصوم المذكور في الرواتين المذكورتين.

إلّا إنّه بعيدٌ غايةً ومنافٍ لقواعدهم نهايةً ؛ لما تقرّر عندهم من أنّ أسماء العبادات

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧٢٤ ، إقبال الأعمال ٣ : ٦٥ ، ولم يذكر فيه ذيل الحديث.

(٢) مصباح المتهجّد : ٧١٣.

(٣) مسالك الأفهام ٢ : ٧٨.

(٤) مدارك الأحكام ٦ : ٢٦٩.

(٥) مفاتيح الشرائع ١ : ٢٨٤.

(٦) زاد المعاد : ٣٨٧ ٣٨٨.

(٧) رياض المسائل ٣ : ٤٢٦ ٤٢٧.

٢٨٩

حيث تُطلق في لسان المتشرّعة إنّما تحمل على المعاني الشرعيّة دون المعاني اللغويّة ، ولشيوع الخلاف قديماً وحديثاً بين علماء الإماميّة ، فلو صحّ هذا الوجه لانتفى الخلاف من رأسٍ وانهدم من الأساس.

نعم ، يمكن حمل الصيام في كلمات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام الأعلام على هذا المعنى المذكور في تلك الرواية الصحيحة الحسنى ؛ أمّا على القول بعدم ثبوت الحقائق الشرعيّة فظاهر لكلّ ذي رويّة ، وأمّا على القول بثبوتها ؛ فلأنّ الحمل على المعاني الثانويّة المنقولة الشرعيّة مشروط بعدم وجود القرينة المعيّنة للمعاني الأصليّة اللغويّة ، والقرينة هنا موجودة ، وهي وإن لم تكن داخليّة مقاليّة لكنّها خارجيّة حاليّة ، وهي النهي عن الصوم الشرعي في تلك الأخبار القويّة وتبيين كيفيّة الصوم الذي هو وظيفة ذلك اليوم في هاتين الروايتين الدالّتين على المطلوب بالصراحة الجليّة. فتأمّل جيداً في هذا المقام ، فإنّه حريّ بالتأمّل التامّ ، والله العالم بحقائق الأحكام.

ومن تضاعيف ما ذكرناه والتدبّر فيما قلناه يظهر لك حجج باقي الأقوال في المسألة مفصّلة غير مجملة ، ويُستفاد الجواب عن قولكم أيضاً : وما الصوم وما الإمساك؟

فإنْ ارتاح الخاطر العاطر لزيادة الكلام فلا بأس بإرخاء العنان في هذا المقام ، فأقول مستعيناً بالواحد العلّام ـ :

معنى الصوم والإمساك

اعلم : أنّ الصوم في أصل اللغة هو الإمساك في الجملة ، وإنْ اختلفت كلمات اللغويّين في أنّ المراد مطلق الإمساك أو الإمساك عن خصوص الطعام والشراب والكلام والنكاح ، على القولين يظهر كلٌّ منهما من كلٍّ منهما

٢٩٠

ففي ( التنقيح ) : ( يقال : هو قيام بلا عمل ) (١).

وفي ( القاموس ) : ( صام صوماً وصياماً واصطام : أمسك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير ) إلى أن قال : ( والصوم : الصمت وركود الريح ) (٢) انتهى.

وقال أبو عبيدة : ( كلّ ممسك عن طعام أو كلام أو شراب فهو صائم ) (٣) ، وقال ابن دريد : ( كلّ شي‌ءٍ سكنت حركته فهو صائم صوماً ) ، كذا نقله عنهما في ( المدارك ) (٤).

وقال الهروي في ( الغريبين ) : ( قوله تعالى ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً ) (٥) ، أي : صمتاً ، وفي الحديث : « كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم » (٦) قال سفيان : هو الصبر ، يصبّر الإنسان نفسَه من الطعام والشراب والنكاح ، ثمّ قرأ ( إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٧) ) (٨).

وقال غيره : ( قيل [ للصامت : صائم (٩) ] ، لإمساكه عن الكلام ، وقيل للفرس : صائم ، لإمساكه عن العلف مع قيامه ) (١٠). انتهى.

أقول : ومن هذا الباب قول النابغة :

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ

تحتَ العَجاجِ وخيلٌ تَعْلُكُ اللُّجُما (١١)

فهذه الكلمات كما ترى منها ما يدلّ على مطلق الإمساك ، ومنها ما يدلّ على خصوص الإمساك عن أشياء مخصوصة ، ثمّ استعمله الشارع في إمساك مخصوص عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص عن أشخاص مخصوصة على وجه مخصوص.

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٣٤٧ ، كتاب العين ٧ : ١٧١.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ١٩٩ ٢٠٠ باب الميم / فصل الصاد.

(٣) عنه في الصحاح ٥ : ١٩٧٠ ، ومجمع البحرين ٦ : ١٠٣.

(٤) مدارك الأحكام ٦ : ٥.

(٥) مريم : ٢٦.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦٦٣ / ١٦١.

(٧) الزمر : ١٠.

(٨) غريب الحديث ( الهروي ) ١ : ١٩٥ ١٩٦.

(٩) في المخطوط : ( للصائم : صامت ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(١٠) لسان العرب ٧ : ٤٤٦.

(١١) الصحاح ٥ : ١٩٧٠ ، لسان العرب ٧ : ٤٤٦.

٢٩١

وقد اختلفت تعبيرات الفقهاء عن هذا المعنى ، فلهذا عرّفوه بتعريفات متعدّدة وحدّدوه بحدود متبدّدة ، وإنْ كان جلّها أو كلّها غير سالم من الخدش والإيراد ، إمّا في الانعكاس أو الاطّراد ، كما لا يخفى على المتتبّع النقّاد.

إلّا إنّ الظاهر أنّ مراد الفقهاء من التعاريف الفقهيّة ليس هو التحديد بالحدود الحقيقيّة ، بل مطلق التصوير في الجملة بتبديل الأسماء الخفيّة بالأسماء الجليّة ، لوضوح المراد من ألفاظ العبادات الشرعيّة المخترعة في عرف المتشرّعة.

فعلى كون الصوم في اللغة الإمساك مطلقاً تكون النسبة بين المعنى اللغوي وبين المعنى الشرعي العموم والخصوص المطلقين ؛ لصدق الشرعي على ما يصدق عليه اللغوي من دون عكس ، فكلّ صوم شرعيّ صوم لغوي ، ولا كلّ صوم لغوي صوماً شرعيّاً ، بل بعض اللغوي شرعي ، فمرجعهما إلى موجبه كلّيّة من جانب وسالبة جزئيّة من آخر ، فالشرعي حينئذٍ أخصّ مطلقاً واللغوي أعمّ مطلقاً ، وكلّ أخصّ فهو مندرج تحت أعمّ.

وأمّا على كون الصوم لغة الإمساك عن أشياء مخصوصة ، فالنسبة بين المعنيين العموم والخصوص من وجه ، لصدق كلّ منهما على الآخر لا مطلقاً بل من وجه ، فيصدق الشرعي على بعض ما يصدق عليه اللغوي ، كما يصدق اللغوي على بعض ما يصدق عليه الشرعي ، فيجتمعان في الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى الغروب مع النيّة.

وينفرد اللغوي بالإمساك عن الكلام أو النوم أو الطعام في جزء يسير من النهار ، فيصدق اللغوي دون الشرعي.

وينفرد الشرعي بصورة الأكل أو الشرب ناسياً ، على فرض صدق التعريف الاصطلاحي على هذه الصورة بجعلها في حكم الإمساك عن المفطرات في الوقت المخصوص مع النيّة ؛ لصدق الشرعي حينئذٍ دون اللغوي ، لعدم إرادة قيد حال العلم في اللغوي بخلاف الاصطلاحي.

٢٩٢

وحيث كانت هذه الصورة غير خالية من شي‌ء التجأ بعضهم إلى جعل النسبة بين المعنى الثاني اللغوي وبين المعنى الشرعي التساوي ، إلّا إنّ فيه كرّاً على فرّ ؛ للزوم صدق الشرعي في صورة انفراد اللغوي ، فتدبّر.

فعلى فرض كون النسبة العموم والخصوص من وجه يرجعان لسالبتين جزئيّتين وموجبتين كذلك ، إذ يقال : ليس بعض الصوم اللغوي صوماً شرعيّاً ، وليس بعض الصوم الشرعي صوماً لغويّاً ، وهكذا في طرفي الإيجاب.

وعلى فرض التساوي يرجعان لموجبتين كلّيّتين من الطرفين.

فتقرّر من هذا أنّ الصوم اللغوي والإمساك متساويان ، وأنّ الصوم الشرعي والإمساك مختلفان.

نعم ، بقي شي‌ء ينبغي التنبيه عليه ، وهو أنّ استعمال الشارع الصوم في المعنى الشرعي هل هو من باب النقل لحصول المناسبة بين المعنيين التي هي أمارة النقل ، أو من باب التخصيص ؛ لأولويّته من النقل بعدم إخراجه للباقي عن الحقيقة ؛ ولأولويّته من المجاز الذي هو أولى من النقل؟ وجهان ، بل قولان ، أظهرهما ترجيح التخصيص ، كما تقرّر في محلّه.

وبعضُ المحقّقين بنى أولويّة النقل على القول بثبوت الحقائق الشرعيّة ، وأولويّة التخصيص على القول بعدم الثبوت (١).

والذي يختلج في الفهم الكليل والنظر العليل احتمال جريان الوجهين على كلا القولين ؛ لأنّ المراد ملاحظة الوجه في استعمال الشارع الصوم في خصوص هذا المعنى ، أعمّ من كونه حقيقةً أو مجازاً مشهوراً ، والله العالم العاصم.

معنى العصر

وأمّا قوله أصلح الله له الحال والبال ، وبلّغه الآمال في المبدأ والمَآل ـ : ( وما العصر

__________________

(١) مسالك الأفهام ٢ : ٦.

٢٩٣

وما الساعة في قول سليل صاحب الشفاعة « بعد العصر بساعة »؟ ).

فاعلم علّمك الله الخير وأماط عنك الأذى والضير ـ : أنّ المراد بالعصر ما هو ظاهر لفظه الشريف وكلامه المنيف من تحديد وقت الإفطار بمضي ساعة من النهار من بعد أداء صلاة العصر ، التي وقع إجماع الأصحاب واستفاضت الصحاح الصراح عن الأئمّة الأطياب بأنّ أوّل وقتها بمعنى أوّل جزء تصحّ فيه وتفسد قبله هو الفراغ من سابقتها الواقعة في زمان يحكم فيه شرعاً بصحّتها على حسب حالاتها وصفاتها من السفر والحضر ، والأمن والخطر ، وحصول الشرائط وفقدانها فراغاً حقيقيّا فعليّاً ، أو حكميّاً شأنيّاً.

فعلى هذا المعنى السديد لا ينافي ما ذكرناه من التحديد ما دلّ من الأخبار على توقيتها بانقضاء فضيلة الظهر (١).

وما ورد من أنّ ابتداء وقتها القدمان (٢) ، أو الذراعان (٣) ، أو المثلان (٤) ، أو نحو ذلك بعد صلاة الظهر ؛ إذ سبيله ؛ إمّا الحمل على الاستحباب كما نقله في ( المدارك ) (٥) عن جمع من الأصحاب (٦) ؛ أو على إرادة التأخير لأداء النافلة كما في الظهر ، إمّا للمتنفّل خاصّة أو مطلقاً على حسب حال المتنفّلين ؛ أو على التقيّة من أُولئكَ النُّصّاب ، لا سيّما إن أُريد منها الإيجاب ، كما تُشعِر به رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأل إنسانٌ وأنا حاضر ، فقال : ربّما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلّي العصر وبعضهم يصلّي الظهر؟ فقال : « أنا أمرتهم بهذا ، لو صَلَّوا على وقت واحد لَعُرِفُوا ، [ فأُخذوا (٧) ] برقابهم (٨) ».

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٧ / ١٠٢٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٨ ، أبواب المواقيت ، ب ٤ ، ح ١٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٠ / ٦٤٩ ، الوسائل ٤ : ١٤٠ ، أبواب المواقيت ، ب ٨ ، ح ١ ، ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٠ / ٦٥٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢ / ٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٤٨ / ٨٩١ الوسائل ٤ : ١٤٤ ، أبواب المواقيت ، ب ٨ ، ح ١٣.

(٥) مدارك الأحكام ٣ : ٤٥.

(٦) منهم : المفيد في المقنعة ( سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ٩٣ ، والشهيد في الذكرى : ١١٩ ، ونسبه لابن الجنيد.

(٧) في المخطوط : ( فأخذ ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٨) الكافي ٣ : ٢٧٦ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٥٢ / ١٠٠٠ ، الاستبصار : ٢٥٧ / ٩٢١ ، وفيهما : ( فأُخذوا ).

٢٩٤

وهي ظاهرة في المراد ، جامعة بين أخبار الباب ، كما لا يخفى على اولي الألباب.

وكيف كان ، فلا دلالة لشي‌ء منها على بطلان العصر متى أُوقعت بعد الفراغ من صلاة الظهر ، ولو بلا فاصل ما ، وهل المراد بالوقت إلّا هذا؟! لكنّ الظاهر من قرائن المقام أنّ مراده عليه‌السلام هو ما بعد فضيلة الظهر خاصّة من هذا الكلام :

أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ قصده عليه‌السلام منه إنّما هو التحديد ، وهو لا بدّ أن يكون بوقت مخصوص لا يختلف بالقريب والبعيد ، وإيكال الحدّ لما بعد الفراغ من الظهر ناءٍ عن صقع الانضباط نازح عن سواء الصراط لاختلاف الأشخاص في طول الصلاة وقصرها ، وتقديمها وتأخيرها ، والإتيان بالنافلة وتركها ، واختلاف المتنفّلين أيضاً في أحوال النوافل ووظائفها.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ التعليل بقوله عليه‌السلام : « فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم انجلت الهيجاء » (١) .. إلى آخره ، إنّما ينطبق على تأخير العصر بذلك المقدار لوقوع قتل الحسين عليه‌السلام بمقتضى التواريخ بين الظهر والعصر بعد أن صلّى الظهر روحي له الفداء بأصحابه النجباء.

فإنّ انجلاء الغمّة إنّما وقع بعد قتل الحسين عليه‌السلام سراج الظلمة وأصحابه ذوي الشرف القصير (٢) وعلوّ الهمّة ، ورفع الحرج عن النساء والأطفال من أهل بيت العصمة في شرب الماء بعد أن يبست أكبادهم من الظمأ ، وبعد انطفاء نار الحرب العوان ، وفراغ أهل الظلم والعدوان من القتل والتجهيز على حزب الرحمن ، وذلك لا يكون إلّا بعد مضي تلك المدّة والزمان.

وبالجملة ، فلا أرى بحسب الفهم القاصر وجهاً لكلامه النيّر الزاهر سوى هذا

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٧٢٤ ، إقبال الأعمال ٣ : ٦٥ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٨ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٠ ، ح ٧.

(٢) أي : أنّ أنسابهم معروفة ، فذكر الابن يكفي عن الانتماء إلى الجد. لسان العرب ١١ : ١٨٦ ، القاموس ٢ : ١٦٨.

٢٩٥

الوجه الظاهر.

أمّا على ما نقلناه من لفظ ( المصباح ) ، من تصريحه عليه‌السلام بالتقييد بصلاة العصر ، فظاهر ظهور نور الصباح المغني عن نور المصباح ، لأنّ صلاة العصر من الألفاظ المحكمة الصراح.

وأمّا على ما نقلتموه من قولكم : بعد العصر ، من دون تصريح بلفظ المضاف ، فهو غير مُناوِى لما قلناه ، ولا مُنافٍ :

أمّا أوّلاً ؛ فلظهور كون العصر عَلَماً بالغلبة على الصلاة على حدّ غيره من الأوقات ، كالصبح والظهر وسائر الأوقات.

وأمّا ثانياً ؛ فلعدم صلوح شي‌ء من المعاني اللغويّة المذكورة للعصر في هذا المقام ، إذ معانيه التي لها مناسبة ما بالمرام لدلالتها على الزمان دون سائر المعاني الخارجة عن حرم هذا العنوان إنّما هي الدهر ، واليوم والليلة ، والعشي إلى احمرار الشمس ، والغداة ، هكذا في ( القاموس ) (١) الذي هو أبسط كتب اللغات. وأنت خبير بعدم صلوحها للانتظام في سلك الاستدلال ، وببعدها عن دائرة الاعتدال.

أمّا الدهر والليلة والغداة ، فظاهر لكلِّ ذي التفات.

وأمّا اليوم ؛ فلما قرع سمعك من نهيه عليه‌السلام عن جعله صوم يوم كامل ، فلو فسّر العصر به لزم عكس المطلوب الذي هو عن قبلة القبول زائل.

فلم يبقَ إلّا معنى العشيّ الذي هو في اللغة : من بعد زوال الشمس إلى غروبها ، كما في ( مجمع البحرين ) (٢) و ( النهاية ) (٣) و ( الغريبين ) (٤) ، أو ما بين زوالها إلى غروبها كما نقله عن ( المغرب ) في ( مجمع البحرين ) (٥) ، أو آخر النهار كما في ( القاموس ) (٦) ، ونسبه في ( المجمع ) (٧) إلى المشهور ، أو من زوالها إلى الصباح كما نسبه في

__________________

(١) القاموس ٢ : ١٢٩.

(٢) مجمع البحرين ١ : ٢٩٢.

(٣) النهاية ( ابن الأثير ) ٣ : ٢٤٢.

(٤) عنه في النهاية ٣ : ٢٤٢.

(٥) مجمع البحرين ١ : ٢٩٢.

(٦) القاموس المحيط ٤ : ٥٢٤.

(٧) مجمع البحرين ١ : ٢٩٢.

٢٩٦

( النهاية ) (١) إلى القيل.

وعلى كلّ المعاني فهو منطبق على ما قلناه ومؤيّد لما ذكرناه ، ولما سمعت من امتداد العصر إلى ذينك الوقتين قيّده الإمام عليه‌السلام بمضي الساعة فقط احترازاً عن إتمام اليوم الذي يلزم بسببه ولو حصول صورة الصوم الذي فيه ما فيه من الوعيد واللوم.

نعم ، على تفسير العصر بآخر النهار والبقاء على الإمساك إلى مضيّ ساعة بعده يلزم استغراق النهار ، اللهمّ إلّا أن يحمل آخر النهار على النصف الثاني منه ؛ إمّا من باب مجاز المشارفة ، أو من باب تسمية الكلّ باسم البعض ، فلا إشكال.

وعلى كلِّ حال ، فلا بدّ من الإفطار قبل وقت الإفطار من الصيام ليحصل الامتثال ويخرج من الإشكال ، والله العالم بحقيقة الحال.

معنى الساعة

وأمّا الساعة ، فقد تطلق على الجزء القليل من النهار أو الليل ، كما يقال : جلستُ عنده ساعة من النهار ، أي : وقتاً قليلاً ، وقد تطلق على مطلق الوقت والحين طال أم قصر ، وعلى الوقت الحاضر أيضاً ، وقد تطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءاً هي مجموع اليوم والليلة لكلٍّ منهما اثنا عشر ، وتنقسم هذه إلى مستوية ومعوجّة.

فأمّا الساعة المعتدلة : فهي التي يختلف عددها ولا يختلف قدرها وكميّة أجزائها أبداً ، بل أجزاء كلّ ساعة منها خمسة عشر جزءً ، عبارة عن خمس عشرة درجة ، وذلك أنّ قوس الليل والنهار ثلاثمائة وستون درجة ، فإذا قُسّمت على أربعٍ وعشرين ساعة حصل حصّة الساعة خمس عشرة درجة.

قيل : والدرجة ستون دقيقة ، والدقيقة : قدر قولك : سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلّا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ربّ العالمين ، مرتّلاً.

فيكون قدر الساعة من هذه الكلمات سبعمائة مرّة ، وبهذا التقدير يتقدّر جميع

__________________

(١) النهاية ( ابن الأثير ) ٣ : ٢٤٢.

٢٩٧

النهار.

وقيل : إنّ الدقيقة قدر قراءة التوحيد قراءة متوسطة ، وقيل : قدر التسبيحات الأربع خاصّة ، والله العالم.

وأمّا الساعة المعوجة : فهي التي يختلف مقدارها ولا يختلف عددها ، بل لكلٍّ من الليل والنهار منها اثنا عشر ، طالا أم قصرا ؛ وإنّما سُمّيت معوجّة لاختلاف مقاديرها باختلاف الأيّام طولاً وقصراً ، وتُسمّى أيضاً بالساعات الزمانية ؛ لأنّها نصف سدس زمان النهار أو الليل.

قال بعض الفضلاء : وأغلب أحكام أهل النجوم والأوفاق وأهل الشرع مبنيّة على هذا المعنى ، وقال : إنّ المستوية هي المتداولة بين الناس ، والزمانيّة يحتاج إليها أهل الأوفاق ، وتعرف هذه الساعة بنقصان الظلّ وزيادته بحسب الأقدام ، والمراد بالقدم سُبع الشخص ، لأنّ القامة المعتدلة سبعة أقدام من أقدام ذلك الشخص.

فالساعة الاولى : من أوّل طلوع الشمس إلى أن يصير الظلّ ثمانية وعشرين قدماً.

والثانية : منها إلى ثمانية عشر قدماً.

والثالثة : منها إلى تسعة أقدام.

والرابعة : منها إلى ستّة أقدام.

والخامسة : إلى ثلاثة أقدام.

والسادسة : إلى منتهى الظلّ وتمام حدّ النقصان ، وهو الزوال. والنصف الآخر من النهار على حسب زيادة الظلّ من الزوال فتصير السابعة منه إلى ثلاثة أقدام.

والثامنة : منها إلى ستّة أقدام.

والتاسعة : منها إلى تسعة أقدام.

والعاشرة : منها إلى ثمانية عشر قدماً.

والحادية عشرة : إلى ثمانية وعشرين قدماً.

والثانية عشرة منها : إلى تمام غروب الشمس ، فهذه القسمة بهذه النسبة لا تختلف

٢٩٨

بحسب طول النهار وقصره أبداً ، وبهذا القياس أيضاً تتقدّر الساعات الليليّة ، وقد سمّت العرب هذه الساعات بأسماء مشهورة في كتب اللغة مذكورة.

فعن الثعالبي في ( سرّ اللغة ) : ( ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة :

١ ـ الشَّفَق

٥ ـ ثمّ [ الفحمة (١) ]

٩ ـ ثمّ السَّحَر

٢ ـ ثمّ الغَسَق

٦ ـ ثمّ الزُّلَّة

١٠ ـ ثمّ الفجْر

٣ ـ ثمّ العَتمة

٧ ـ ثمّ الزُّلفة

١١ ـ ثمّ الصُّبح

٤ ـ ثمّ السُّدْفَة

٨ ـ ثمّ البُهرَة

١٢ ـ ثمّ الصَّبَاح.

وأوّل ساعات النهار الاثنتي عشرة :

١ ـ الشروق

٥ ـ ثمّ الهَاجرة

٩ ـ ثمّ القَصْر

٢ ـ ثمّ البُكور

٦ ـ ثمّ الظهيرة

١٠ ـ ثمّ الأصيل

٣ ـ ثمّ [ الغُدُوُّ (٢) ]

٧ ـ ثمّ الرَّواح

١١ ـ ثمّ العشاء

٤ ـ ثمّ الضُّحى

٨ ـ ثمّ العصر

١٢ ـ ثمّ الغروب ) (٣).

أقول : وقد تسمّى أيضاً هذه الساعات بغير هذه الأسماء كما لا يخفى ، مع أنّ ما في ( القاموس ) قد لا ينطبق في بعضها على ما هاهنا ، وحيث لا فائدة مهمّة هنا في التطويل فلنرجع إلى ما هو الأحرى بالتحصيل ، فنقول :

قد قدّرت أيضاً ساعات النهار في بعض الأخبار بغير هذا المقدار ، كما ورد من تقسيم النهار اثنتي عشرة ساعة (٤) ، ونسبة كلّ ساعة إلى واحد من الأئمّة الأطهار (٥) :

فالساعة الاولى : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

والثانية : منه إلى ذهاب حمرتها.

والثالثة : منه إلى ارتفاع النهار.

والرابعة : منه إلى الزوال.

والخامسة : منه إلى مضيّ مقدار أربع ركعات.

والسادسة : منه إلى صلاة الظهر.

__________________

(١) في المخطوط : ( الجهمة ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المخطوط : ( الغدوة ) ، وما أثبتناه من المصدر. (٣) فقه اللغة وسرّ العربية : ٣١٥ ٣١٦.

(٤) الخصال : ٤٨٨ / ٦٥ ، ٦٦ ، علل الشرائع ٢ : ٢٢ / ١ ، الوسائل ٤ : ٥٢ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٣ ، ح ٢٠.

(٥) مصباح المتهجّد : ٤٦١ ٤٦٥ ، مصباح الكفعمي : ١٧٨ ١٩٣.

٢٩٩

والسابعة : منه إلى مضيّ مقدار أربع ركعات قبل صلاة العصر.

والثامنة : منه إلى صلاة العصر.

والتاسعة : منه إلى مضيّ ساعتين.

والعاشرة : منه إلى قبيل اصفرار الشمس.

والحادية عشرة : منه إلى اصفرارها.

والثانية عشرة : منه إلى غروبها.

وحيث لم يثبت للشارع في معنى الساعة اصطلاح حقيقي خاصّ فلا محيد عن الحمل على المعنى اللغوي أو العرفي ولا مناص ، والخلاف في ترجيح أحدهما مشهور ، وتقديم العرفي بينهم هو الظاهر المشهور ، وإلى الله ترجع الأُمور.

وبما ذكرنا ظهر الجواب عن قولكم : ( وما وقت الإفطار؟ ) ، فلا وجه لإعادة الكلام ، إذ لا جدوى فيه إلّا التكرار ، كما ظهر الجواب أيضاً عن قولكم : ( وما ثواب الصوم في ذلك اليوم؟ ).

فإن من الأخبار الآمرة بصومه ما تضمّن كون ثوابه كفّارة لذنوب سنة ، كما أنّ من الأخبار الزاجرة عنه ما تضمّن كون ثوابه حشر صائمه مع آل زياد ممسوخاً قلبه مسخوطاً عليه ، وكون حظّه حظّ ابن مرجانة وآل زياد ، وهو النار ، أعاذنا الله من النار ، ومن عملٍ يقرّب إليها وإلى غضب الجبّار.

اللهمّ اجبر وهنَ قلوبنا المنكسرة على شهيد العاشور بتوفيقنا للأخذ بثأره مع وليّه الإمام المنصور الغائب المستور ، وآجرنا على مصيبتنا به أعظم الأُجور ، وأجرنا به وبحقّ جدّه وأبيه وأُمّه وأخيه والتسعة المعصومين من بنيه من كلّ محذور ، واختم لنا بهم بأحسن الخواتم والأُمور ، إنّك على كلّ شي‌ءٍ قدير وبالإجابة جدير.

كتبه بِبَنانه وقاله بجنانه مؤلّفه المفتقر للطف ربّه الأقدس الصمداني ، أحمد بن صالح ابن طعّان البحراني ، أطلعه الله على حقائق الأسرار ودقائق المعاني ، على شدّة استعجال ، وضيق مجال ، واختلال حال ، واضطراب بال ، حامداً للملكِ العلّام ، مصلِّياً مسلِّماً على سادات الأنام ، محمّد وآلِهِ الكرام ، مستغفراً من الذنوب والآثام.

٣٠٠