الرسائل الأحمديّة - ج ٢

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

طهارة حين الاشتغال به أم لا ، كان حكمه البناء على الصحّة ، وإنْ شكّ فيها في أثنائه حكم بالبطلان ؛ لوجوب إحراز الشرط بالنسبة إلى الأجزاء المتأخّرة عن الشكّ.

فأورد عليه في ( المدارك ) (١) بأنّ ما ذكره غير جيّد ، وخلاف الأُصول المقرّرة ، وذكر أنّه إنْ كان شكّه في تحقّق الطهارة حين الطواف من جهة احتمال عروضِ حدثٍ بعد أنْ كان محرزاً للطهارة قبل الشروع في الطواف كان حكمه البناء على عدم عروض الحدث في الحالتين ، أي سواء كان شكّه في أثناء العمل أو بعده ، استصحاباً للطهارة السابقة. وإنْ كان شكّه في الطهارة مع إحرازه الحدث أوّلاً لكنّه يحتمل التطهر بعده قبل الشروع في العمل ، كان حكمه البناء على عدم حصول الطهارة في كلتا الحالتين استصحاباً للحدث السابق.

فالظاهر أنّ مراده بالأُصول المقرّرة البناءُ على قاعدة الاستصحاب ومقتضاه عدم العمل بما دلّ على قاعدة الشك بعد الفراغ في الشك في الشرائط مطلقاً ، لا أنّ مقصوده من كونه خلافها اختصاص قاعدة الشك ، بعد الفراغ بالصلاة ؛ بناءً على ورود أدلّتها في خصوصها ، فلا تجري في غيرها وإنْ جرت في الشكّ في الشرائط أيضاً بالنسبة إلى الصلاة ؛ لتمسّكه بها في غيرها كالحجّ ، فليس مراده من الأُصول المقرّرة إلّا الاستصحابات العدميّة ؛ بناءً على عدم حكومة هذه القاعدة عليها بالنسبة إلى الشكّ في الشرائط.

وذكر أيضاً كاشف اللثام نظير هذا الكلام إلّا إنّه عقَّبه بقوله : إنّما الشكّ في الأفعال (٢). وهو صريح في عدم جريانها في الشرائط.

وقيل : إنّه إنّما يجب إحراز الشرط المشكوك فيه ولا يعمل بقاعدة الشكّ بالنسبة إلى خصوص ما لم يشرع فيه من الأعمال ، وأمّا ما شرع فيه فيبني على صحّته وجامعيّته للشرائط عملاً بقاعدة الشكّ وإنْ وقع الشكّ في أثنائه ، كما اختاره العلّامة

__________________

(١) مدارك الأحكام ٨ : ١٤١.

(٢) كشف اللثام ٥ : ٤١١ ، وفيه : ( ولا يفترق الحال في شي‌ء من الفروض بين الكون في الأثناء وبعده ، وليس ذلك من الشك في شي‌ء من الأفعال ).

٢٢١

في ( التذكرة ).

فصارت أقوال المسألة أربعة :

قول بالصحّة بالنسبة إلى الأعمال الماضية والمستقبلة مطلقاً إذا وقع الشكّ بعد الإتيان ببعض الأعمال المشروطة بالشرط المشكوك ، كما اختاره كاشف الغطاء رحمه‌الله (١).

وقول بالبطلان وعدم العمل بقاعدة الشكّ مطلقاً ، كما عليه صاحب ( المدارك ) (٢) وكاشف اللّثام (٣).

وقول بالبناء على الصحّة بالنسبة إلى ما شرع فيه من الأعمال وإنْ لم يفرغ منه دون ما لم يشرع فيه.

وقول بالبناء على الصحّة بالنسبة الى ما فرغ منه دون ما لم يشرع فيه ، وأمّا ما شرع فيه ووقع الشكّ في أثنائه فيبني على صحّة الأجزاء الماضية السابقة على الشكّ وبطلان الأجزاء اللاحقة المقارنة للشكّ ، وكأنّه الأوجه.

ثمّ إنّ الحكم بالبطلان بالنسبة إلى الأجزاء اللاحقة هل يُبنى عليه وإنْ أمكن إحراز الشرط بالنسبة إليها ، كأنْ شكّ في أثناء صلاته أنّه غسل يده من النجاسة المعلومة سابقاً أم لا ، فأمكن تطهيرها حين الشكّ من غير حصول خلل في الصلاة ، أو أنّه إنْ أمكنه ذلك وجب عليه إحراز الشرط والبناء على صحّة الصلاة؟ وجهان.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من أنّ قاعدة الشكّ بعد الفراغ لا تثبت الشرط المشكوك فيه إلّا من حيث ترتيب صحّة العمل على ذلك ، لا لاقتضائها ثبوته واقعاً لتترتّب عليه جميع الآثار يجري في الجزء أيضاً ، فإنّها لا تثبت الجزء المشكوك فيه إلّا من تلك ، حيث ترتيب صحّة العمل المركّب منه لا لاقتضائها ترتيب جميع آثار الإتيان بالجزء المشكوك فيه. فإذا شكّ في أنّه قرأ السورة بعد الفاتحة أم لا في حال الهُويِّ إلى الركوع لم يلتفت ؛ لأنّه شكّ بعد التجاوز ، لا أنّه يبني على وقوع السورة واقعاً.

__________________

(١) كشف الغطاء : ٦٤.

(٢) مدارك الأحكام ٨ : ١٤١.

(٣) كشف اللّثام ٥ : ٤١١.

٢٢٢

فلو نذر قراءة سورة معيّنة بعد الفاتحة فشكّ عند الهويّ إلى الركوع أنّه أتى بها أم لا ، وجب العود إلى محلّ القراءة والإتيان بها ؛ لأنّ قاعدة الشكّ بعد الفراغ إنّما تقتضي الإتيان بالجزء المشكوك فيه من حيث ترتّب صحّة العمل عليه ، لا أنّها تقتضي ثبوته واقعاً ليترتّب عليه فراغ الذمّة من المنذور. والهُويّ إلى الركوع موجب لتجاوز محلّ السورة من حيث كونها جزءاً للصلاة لا مطلقاً ، فيجب الإتيان حينئذ بالسورة المنذورة ليتحقّق بُرء النذر.

ثمّ إنّ الشكّ في الشي‌ء بعد الفراغ منه قد يكون سببه موجوداً حين الاشتغال بالعمل المشكوك فيه باعتبار ما يتعلّق به من جزئه أو شرطه ، لكن لم يتحقّق الشكّ فيه فعلاً في المحلّ من جهة عدم الالتفات إلى سببه ، كما إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه حرّك خاتمه عند غسل إصبعه حركة خاصّة يذكر كيفيّتها ، لكن يشكّ في إيصالها الماء إلى الجزء الذي تحت الخاتم على وجه لو التفت حين الاشتغال لشكّ هذا الشكّ ، فتجاوُزُ المحلّ لم يؤثّر أثراً بالنسبة إليه ، ولم يتغيّر موضوع بسببه ، فكأنّ الشكّ موجود حال العمل ، فهو وإنْ كان بعد الفراغ بالنظر إلى فعليّته إلّا إنّه يسري إلى حين العمل نظراً إلى وجود سببه وتحقّقه شأناً حين العمل.

فالظاهر عدم جريان هذه القاعدة فيه ، بل يجري عليه حكم الشكّ في المحلّ من الالتفات إلى الشكّ والحكم بأصالة العدم.

وما دلّ على أنّه إذا شكّ في شي‌ء ودخل في غيره فشكّه ليس بشي‌ء (١) وإنْ كان ظاهر لفظه الشمول لهذا الشكّ ؛ لظهور الشكّ في الفعلي دون ما وجد منشؤه ولم يتحقّق فعلاً ، إلّا إنّه بعد ملاحظة أنّ منشأ اعتبار القاعدة الظهور النوعي ؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم الآتي بالفعل بقصد براءة ذمّته ألّا يترك بعض ما اعتبر فيه لا عمداً ولا سهواً ؛ لندور حالة السهو بالنسبة إلى حالة الالتفات ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام : « لأنّه

__________________

(١) انظر : التهذيب : ٣٥٢ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

٢٢٣

حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (١) ، أي : فإذا كان كذلك فلا يترك ما كلّف به.

وأمّا قاعدة ( الفخر ) (٢) على تقدير تسليمها فالظاهر عدم جريانها هنا أيضاً ؛ لأنّ ما نحن فيه نظير الشكّ في صحّة الشي‌ء بعد الفراغ ؛ للشكّ في حكمه الشرعي مع إحراز الموضوع ، كما إذا علم بعد الوضوء أنّه غسل منكوساً ، لكن يشكّ في صحّة وضوئه ؛ للشكّ في جواز النكس ، فإنّه لا إشكال في عدم جريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ. وما نحن فيه كذلك وإنْ لم يكن منشأ الشكّ فيه الشكّ في الحكم الشرعي ، إلّا إنّ منشأه الشكّ في الحكم العادي ؛ لأنّ منشأ الشكّ في المثال الشكّ في اقتضاء الحركة الخاصّة وصول الماء إلى ما تحت الخاتم ، فيكون من قبيل ما أُحرز فيه الموضوع مع الشكّ في حكمه العادي ، فكما أنّ تجاوز المحلّ غير مؤثّر بالنسبة إلى ما أُحرز فيه الموضوع مع الشكّ في الحكم الشرعي كذلك لا يؤثّر بالنسبة إلى الحكم العادي لاتّحاد المناط ، والله العالم.

الشكّ في النيّة

قوله رحمه‌الله : ( إذا تحقّق نيّة الصلاة وشكّ هل نوى ظهراً أو عصراً ) .. إلى آخره.

أقول : المسألة ذات صور ثلاث :

الاولى : أنْ يتمكّن من إتمام صلاته مع الشكّ بنيّة تفصيليّة ، كما إذا لم يصلِّ الظهر وشكّ في أنّ الصلاة المشغول بها دخل فيها بنيّة الظهر لالتفاته إلى أنّه لم يصلِّ الظهر ، أو دخل فيها بنيّة العصر لاعتقاد أنّه صلّى الظهر ، فإنّه يتمكّن حينئذ من إتمام صلاته بنيّة تفصيليّة بأنْ يتمّها بنيّة الظهر ، فإنْ كان قد نواها ظهراً كان استمراراً على ما نوى ، وإنْ كان عصراً كان عدولاً إلى ما يلزم العدول إليه.

الثانية : إلّا يتمكّن من ذلك لكن يتمكّن من إتمامها بنيّة مردّدة ، كأنْ يعلم أنّه قد فاته ظهر من يوم وعصر من آخر فشرع في قضاء أحدهما ، فشكّ في الأثناء أنّه دخل بنيّة

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٧.

(٢) انظر : ص ٢١٢.

٢٢٤

الظهر أو العصر ، فإنّه يتمكّن من إتمام صلاته بنيّة ما نواه حين الشروع ظهراً أو عصراً ، فإنّه لا ريب أنّه قد نوى حين الشروع واقعاً شيئاً ، فإذا أتمّ صلاته بهذه النيّة فقد أحرز المنْويَّ واقعاً ، ومثل هذا الترديد لا ينافي الجزم بما في الواقع ، ثمّ يأتي بعد الفراغ برباعيّة اخرى بنيَّة الفريضة الأُخرى التي لم ينوها ، فإنّ هذه النيّة تحرز الصلاة الأُخرى ولا تنافي الجزم بما في الواقع وإنْ وقع التردّد في العنوان بين كونها ظهراً أو عصراً.

الثالثة : إلّا يتمكّن من ذلك لا بنيَّة تفصيليّة ولا ترديديّة ، كأنْ يعلم أنّه صلّى الظهر فشرع في فريضة وشكّ في أثنائها أنّه شرع فيها بنيّة الظهر لنسيان أنّه صلّاها أم بنيّة العصر لتذكّره ذلك ، فإنّه لا يتمكّن من إتمامها بنيّة تفصيليَّة ولا ترديديَّة :

أمّا الأُولى ؛ فلعدم علمه بالنيَّة التي أوقعها أوّل صلاته ، فقد تكون بالنيَّة التي يتمّ بها صلاته من حين الشكّ مخالفة للنيَّة التي كان الشروع عليها ، فتتركّب صلاته من ظهر وعصر ، ولا دليل على جواز العدول من اللاحق إلى السابق ليتمّها بنيّة الظهر ، كما جاز العدول من السابق إلى اللاحق في الصورة الأُولى.

وأمّا الثانية ؛ فلأنّه لو أتمّ صلاته بنيّة ما شرع فيه أمكن أنْ يكون قد شرع بنيّة الظهر لغفلته عن كونه صلّاها ، فتبطل صلاته حينئذٍ لفراغ ذمّته عن صلاة الظهر.

أمّا الاولى فلا إشكال في الحكم فيها بصحّة الصلاة ؛ لاشتمالها على النيَّة التفصيليَّة وليس فيها ما يوجب البطلان.

وأمّا الثانية فالظاهر فيها أيضاً الصحّة ؛ لأنّ الترديد في النيَّة وعدم إحراز العنوان لا ينافي الجزم بما في الواقع ، وهو كافٍ في تمييز العمل ، إذ لا يعتبر في النيّة أزيد من ذلك ، كما ورد فيمن علم أنّه فاتته فريضة مردّدة بين الخمس : أنّه يصلّي ثنائيّة بنيّة الصبح ، وثلاثيّة بنيّة المغرب ، ورباعيّة مردّدة بين الظهرين والعشاء (١).

وعلّل بأنّه إذا فعل هذا أحرز ما عليه ، فيدلّ على كفاية إحراز العمل بنيّة ما في

__________________

(١) انظر : المحاسن ٢ : ٤٧ / ١١٣٩ ، الوسائل ٨ : ٢٧٦ ، أبواب قضاء الصلوات ، ب ١١ ، ح ٢.

٢٢٥

الواقع .. (١).

إذ لا ريب أنّ مراد الأخبار من الأُوليين ما اشتمل على الركوع والسجدتين وإنْ تحقّق معنى الركعة لغةً بمجرّد الركوع بقرينة ما دلّ على : أنّ الله تعالى شرّع عشراً وليس فيهنّ الوهم ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله زاد سبعاً وفيهن الوهم (٢). فإنّه لا إشكال في أنّ المراد بالركعات ما تضمن الركوع والسجدتين ، فلا إشكال في أنّ الفراغ منهما لا يتحقّق بمجرّد الفراغ من ركوع الثانية ولا بالدخول في السجود الثاني منها ، فيدور الأمر بين تحقّقه بمجرّد الفراغ من ذكر الثانية أو توقّفه على رفع الرأس.

وظاهر كثير من الروايات الأوّل ، كقوله : « إذا سلمت الأُوليان فقد سلمت الصلاة » (٣) ، وما دلّ على أنّه لا تصحّ صلاة المكلّف « حتى تثبتهما » (٤) ، وإنّما لا تصحّ حتى يحفظ أنّه قد أتمّهما ، فإنّ سلامة الأُوليين وإثباتهما وإتمامهما يتحقّق بمجرّد الفراغ من ذكر السجود الثاني لإتيانه حينئذ بجميع واجباتهما ، ولا دخل لرفع الرأس في ذلك وإن توقّف تحقّق التجاوز عنهما عليه ؛ لصدق كونه في سجود الثانية ما دام لم يرفع رأسه.

إلّا إنّه لا ينافي إحرازهما والإتيان بماهيّتهما ، لكن الظاهر من بعضها اعتبار ذلك ، كما دلّ على : أنّ الله شرّع عشراً وليس فيهنّ السهو (٥) ، لصدق وقوع السهو فيهما ما لم يرفع رأسه ، ويمكن أنْ يراد بها بقرينة تلك الأخبار ما يوافق مضمونها ، وأنّ معنى « ليس فيهنّ » ليس في ماهيّتهن لا فردهن.

ولا ريب أنّ الفراغ من الذكر يوجب الفراغ من ماهيّة الأُوليين وإنْ لم يحصل الفراغ من الفرد ، فظهر أنّه إذا وقع الشكّ في أثناء الأُوليين فلا إشكال في بطلان الصلاة ، كما لا إشكال في الصحّة إذا وقع في أثناء الأخيرتين.

__________________

(*) صفحتان نقص في أصل المخطوط.

(١) إشارة إلى ما ورد في : الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٧ ، الوسائل ٦ : ١٢٤ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥١ ، ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠١٠ ، الوسائل ٨ : ١٨٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ٣ ، باختلاف يسير.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٧ / ٧٠٦ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ / ١٣٨٣ ، الوسائل ٨ : ١٩١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ١٥.

(٤) انظر : الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٩ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٣ ، ح ١٢.

٢٢٦

وأمّا إذا فرغ من الأُوليين ولم يدخل في الأخيرتين ، فهل يحكم بالصحّة أو البطلان؟ قد يظهر من قوله عليه‌السلام : « إنّما الشكّ في الأخيرتين » (١) الثاني ، إلّا إنّ الظاهر كون الحصر إضافيّاً قبال « لا سهو في الأُوليين » (٢) ، فالوجه الأوّل.

وقوله عليه‌السلام : « وكذا إذا لم يدرِ كم صلّى » وإنْ دخل في عموم العنوان السابق ؛ لأنّه إذا لم يدرِ كم صلّى لم يحرز الأُوليين ، إلّا إنّ تخصيصه بالذكر لورود النصّ به بخصوصه ، فذكره مستقلا تيمّناً بذكر ما دلّ النصّ عليه بخصوصه ، والله العالم.

تيقّن الأُوليين والشكّ في الزائد عنهما

قوله رحمه‌الله : ( وإنْ تيقّن الأُوليين ) .. إلى آخره.

أقول : قوله : ( وإنْ تيقّن الأُوليين ) يشعر بتحقّق الفراغ منهما بمجرّد الفراغ من ذكر السجود الثاني لتحقّق تيقنهما بذلك.

ثمّ إنّ البناء على الأكثر في هذه الصور خلاف مقتضى الأصل الأوَّلي ، إذ مقتضاه البناء على الأقلّ ؛ لأنّه المتيقّن ، ويُنفى الزائد المشكوك فيه بالأصل.

إلّا إنّ مقتضى القاعدة الثانويّة البناء على الأكثر ؛ لقوله عليه‌السلامألا أجمع لك السهو في كلمتين؟ إذا شككت فابنِ على الأكثر ، فإذا فرغت أتيت بما ظننت أنّك نقصت » (٣) ، « فإنْ كان ما أتيت ناقصاً كان ذلك متمِّماً له » (٤) ، وإنْ كان تماماً كان ذلك نافلة (٥).

وحاصله العمل بالاحتياط لإمكان تدارك الناقص بالإتيان به بعد ، بخلاف الزائد. وهذا وإنْ لم يحرز الواقع على ما هو عليه ؛ لأنّ إحراز الصلاة على تقدير نقصها إنّما يكون بفعل الركعة قبل التشهّد والتسليم ، إلّا إنّه لمّا كان أقرب إلى صورة الواقع كان

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥ / ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٧ / ٧٠٩ ، الإستبصار ١ : ٣٦٤ / ١٣٨٦ ، الوسائل ٨ : ١٩٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ١٠ ، وفيها : « الإعادة في الركعتين الأُوليين ، والسهو في الركعتين الأخيرتين ».

(٢) انظر : الفقيه ١ : ٢٣٨ / ١٠٢٨ ، الوسائل ٨ : ١٨٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٤٣٩ / ١١٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١١ ، ح ١.

(٥) الوسائل ٨ : ٢١٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١١ ، ح ١. بالمعنى.

٢٢٧

احتياطاً بالنسبة إلى غيره.

ولا ريب أنّ مقتضى ذلك العموم أنّه إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث يبني على الثلاث ، وفيه غنى عن الأخبار الخاصّة ، وقد يتمسّك ببعضها بتكلّف ، كخبر زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قلت له : رجل لا يدري : أثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال : « إنْ دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الأُخرى ، ولا شي‌ء عليه » (١).

فإنّ المحكي عن صاحب ( الوسائل ) (٢) الاستدلال بها هنا ، بناءً على أنّ المراد بالأُخرى صلاة الاحتياط ، وأنّ المراد البناء على الثلاث وإتمام الصلاة ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط. لكنّه خلاف الظاهر ، فإنّ ( اللام ) في الأُخرى للعهد ، ولا عهد بصلاة الاحتياط ليشار إليها بلامه.

فالظاهر أنّ المراد من الثالثة في قوله : « بعد دخوله في الثالثة » الركعة التي يُعلم عندها الإتيان بالثالثة وهي المحتمل كونها رابعة. ومعنى ( المضيِّ في الثالثة ) المضيُّ فيها على أنّها ثالثة أخذاً بالمتيقَّن وبناءً على الأقل ، ثمّ صلّى الأُخرى ، أي : الركعة الرابعة ، كما هو ظاهر العهد ، فتكون الرواية واردة للتقيّة ؛ لأنّه مذهب العامة.

إلّا إنّه قد تقرّر أنّه إذا دار الأمر بين حمل اللفظ على كون الداعي إلى التكلّم به من نفس الأمر غير مدلوله الظاهري لوروده تقيَّة ونحوها مع استعماله في حقيقته ، وبين حمله على المعنى المجازي والتصرّف في دلالته ، تعيّن الحمل على الثاني ؛ لبناء أهل اللسان على ترجيح التصرّف في جهة الدلالة على التصرّف في جهة الصدور ، فلا بدّ من تأويلها بما يوافق الخاصّة ، وهو يمكن بوجهين :

الأوّل : أنْ يراد من قوله : « بعد الدخول في الثالثة » المعنى السابق ، إلّا إنّ المراد من قوله : « مضى في الثالثة » أنْ يمضي فيها على أنّها رابعة ، ومعنى : « ثمّ صلّى الأُخرى » صلاة الاحتياط ، فتدلّ على البناء على الأكثر. إلّا إنّه خلاف الظاهر ، مع أنّ مفهومه أنّه إذا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٥٩ ، الإستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ، ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩.

٢٢٨

لم يدخل فيما يحتمل كونها رابعة لا يبني على الأكثر ، وهو خلاف الإجماع ، إلّا أنْ يلغي المفهوم. وإنّ ذكر هذا القيد لفهمه عليه‌السلام من حال السائل عروض الشكّ له بعد الدخول فيما يحتمل كونها رابعة.

الثاني : الأوّل (١) ، إلّا إنّ المراد من الدخول في الثالثة الفراغ ممّا قبلها تنزيلاً له منزلة الدخول في الثالثة ، وكما رواه الطيالسي من أنّه إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث : « يبني على اليقين » (٢) ، فإنّ ظاهره وإنْ دلّ على وجوب البناء على المتيقّن وهو الأقلّ ، إلّا إنّ قوله بعد : فإذا فرغ قام فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب (٣) ، قرينة صريحة على أنّ المراد بالبناء على المتيقّن تنزيل المشكوك فيه وهو الثلاث منزلة المتيقّن وهو معنى البناء على الأكثر ، وهي أوضح من سابقتها.

ثمّ إنّه إذا بنى على الأكثر وأتمّ صلاته فمقتضى الأخبار العامّة الدالّة على الإتيان بعد الفراغ بما يُتيقّن به التمام تعيّن الركعة من قيام ؛ لأنّ الصلاة من قيام لا تتمّ إلّا بها ، مع أنّ بناء المشهور على التخيير بينها وبين الركعتين من جلوس كالشكّ ، ويمكن توجيهه بوجوه ثلاثة :

الأوّل : أنْ يكون جمعاً بين ما دلّ على تعيّنها في هذا المورد كالأخبار العامة وما دلّ على تعيّنهما ، كما في الشكّ بين الثلاث والأربع لتنافيهما ، بعد ملاحظة الإجماع على اتّحاد حكم المسألتين. وطريق الجمع حمل كلّ من الأمر بركعة من قيام فيما نحن فيه والأمر بركعتين من جلوس في الصورة الثانية على التخيير ؛ للإجماع على اتّحادهما حكماً ، إلّا إنّه ليس من الجمع المعتبر ، بل هو طرح لكلا الظاهرين.

الثاني : أنْ يرجع الشكّ في هذه الصورة إلى الصورة الثانية ، فتندرج في موضوعها ، فيجري عليها حكمها من التخيير بين الركعة والركعتين ؛ لأنّه إذا شكّ بعد السجدة الثانية أنّه صلّى ثنتين أو ثلاثاً ، فمعناه أنّه إذا قام من جلوسه كان شكّه بين الثلاث

__________________

(١) يريد أن الوجه الثاني هو كالوجه الأوَّل عينه.

(٢) (٣) قرب الإسناد : ٣٠ / ٩٩ ، الوسائل ٨ : ٢١٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ، ح ٢ ، البحار ٨٥ : ١٧٠ / ١٣ ، بالمعنى.

٢٢٩

والأربع ، والفرض أنّ تكليفه القيام لإحراز الرابعة ، فإذا قام صار ممّن شكّ بين الثلاث والأربع ، فيجري عليه حكمه.

فإن من روايات (١) البناء على الأربع عند الشكّ بينها وبين الثلاث ما تضمّن أنّ الخيار إنّما هو إذا اعتدل وهمُهُ في الثلاث والأربع ، ويصدق على مَنْ شكّ بين الاثنتين والثلاث أنّه ممّن اعتدل وهمُهُ في الثلاث والأربع ؛ لأنّ معنى اعتدال الوهم فيه أنْ يصدق على الصلاة بالنظر إلى مجموعها اشتمالها على هذا النحو من الشكّ ، ويصدق على الرباعيّة المشتملة على الشكّ بين الاثنتين والثلاث اشتمالها على الشكّ بين الثلاث والأربع ؛ لأنّ وقوع الشكّ الأوّل يكون منشأً لوقوع الشكّ الثاني ومستلزماً له.

ولا يستلزم ذلك الحكم بصحّة المشتملة على الشكّ بين الواحدة والاثنتين ؛ لكونه منشأً للشكّ بين الاثنتين والثلاث إذا أتى بركعة أُخرى ، ولا يندرج فيمن اعتدل وهمُهُ بين الثلاث والأربع لو أتى بثنائيّة ؛ لأنّ الحكم بالبطلان هناك لما دلّ على أنّ الأُوليين لا يكونان ظرفاً للشكّ ، فالقياس عليه قياس مع الفارق ؛ ولذا حكموا فيمن شكّ حال القيام بين الأربع والخمس بعدم القيام ورجوع الشكّ إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، فإنّ هذا ليس لدليل خاصّ بل للقاعدة ، نظراً إلى أنّه ممّن شكّ بين الثلاث والأربع ، إلّا إنّه زاد قياماً فيهدمه ويعمل عمل الشكّ بين الثلاث والأربع ؛ لاندراجه فيه. فالشكّ بين الاثنتين والثلاث له اعتباران بأحدهما يندرج في الشكّ بين الثلاث والأربع.

نعم ، لو كان له مورد لا يندرج فيه صحّ جعله عنواناً مستقلا وعدم إجراء ذلك الحكم عليه ، لكنّهما متصادقان مورداً.

الثالث : أنّ الشارع نزَّل ركعتي الجلوس في مثل هذه الموارد منزلة ركعة القيام ،

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٦ ٢١٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠.

٢٣٠

بدليل أنّ مقتضى الأخبار (١) العامّة الدالة على لزوم الإتيان بعد الفراغ بما يتيقّن معه التمام بظاهره ينافي الأخبار (٢) الآمرة بركعتين من جلوس [ تعييناً (٣) ] أو تخييراً ؛ لأنّ مقتضى ظاهرها تعيُّن ركعة القيام عليه.

فتلك الأخبار الخاصة ؛ إمّا أن تخصّص الأخبار العامّة ، وهو بعيد ؛ لأنّ سياقها آبٍ عن التخصيص ؛ لدلالتها على انحصار حكم السهو في الكلمتين ، فإذا فرض تخصيصها في موارد متعدّدة بأدلّة أُخر لم يكن جمعاً لحكم السهو في ذينك الكلمتين ، بل احتيج مع ذلك إلى كلمات أُخر ، وهو خلاف مساقها.

فيستفاد منه أنّ الشارع إنّما خيّر بين ركعة القيام وركعتي الجلوس في موارد التخيير لتنزيله ركعتي الجلوس منزلة ركعة القيام ، فكما تحصل تماميّة الصلاة بركعة من قيام كذا تحصل بركعتين من جلوس.

وقد ورد ما يدل بنحو العموم على تنزيل الشارع إياهما منزلة ركعة القيام. مع ما ورد (٤) في بعض موارد التخيير من أنّ منشأ التخيير بينهما كون ذلك متمّماً للصلاة على فرض النقيصة واقعاً فهو إنّما يدلّ على أنّ تماميّة الصلاة كما تحصل بركعة القيام كذلك تحصل بهما ، وهو معنى تنزيلهما منزلتها في جميع الموارد.

فظهر مساواة الشكّ بين الاثنتين والثلاث للشكّ بين الثلاث والأربع في التخيير ، لكن هل يختصّ بصلاة القائم أو يجزئ أيضاً في صلاة الجالس؟ فصور المسألة أربع :

الأُولى : أنْ يكون قادراً على القيام في أصل الصلاة وصلاة الاحتياط.

الثانية : أنْ يكون قادراً عليه في صلاة الاحتياط دون أصل الصلاة.

الثالثة : العكس.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٤ ٢٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ١١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٦ ٢١٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ١ ٢ ، ٤ ٦ ، ٨ ٩.

(٣) في المخطوط : ( عيناً ).

(٤) الوسائل ٨ : ٢٢٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٣ ، ح ٤.

٢٣١

الرابعة : أنْ يعجز عنه فيهما.

أمّا الأُولى والثانية فلا إشكال في التخيير فيهما بين الأمرين ، وأمّا الثالثة والرابعة ففيهما وجوه ثلاثة :

أوّلها : الحكم بتعين ركعتي الجلوس نظراً إلى تخييره شرعاً قبل العجز بين الأمرين ، فلمّا عجز عن أحدهما تعيَّن عليه الآخر ، كما هو شأن الواجبات التخييريّة ، من أنّه إذا عجز عن شي‌ء منها تعيَّن الباقي.

وهنا شبهة تجري في جميع الموارد التي يتعذّر فيها بعض أفراد الواجب التخييري ويتعيَّن الباقي ، وهي أنّ الحكم بتعين الباقي لا مدرك له ؛ لأنّ الدليل إنّما دلّ على التخيير بينه وبين سائر الأفراد ، وموضوع دليل التخيير هو القدرة على جميع الأفراد ، فإذا ارتفعت ارتفع الموضوع فيرتفع أصل الخطاب المتعلّق بالواجبات التخييريّة ، فالحكم بوجوب الإتيان بالباقي المقدور عليه لا دليل عليه. ولا يمكن القول باستعمال الأمر في القدر المشترك بين التعيين على فرض الانحصار ، والتخيير على فرض عدمه ؛ لعدم الجامع ، ولا استعماله في كلا المعنيين ؛ لعدم جوازه.

وتجري أيضاً فيما إذا تعلّق أمران عينيّان بواجبين متزاحمين ، فإنّهم حكموا بالتخيير ؛ نظراً لوجوب كلّ منهما عيناً ، وأنّ في كلٍّ منهما مقتضى الوجوب ، إلّا إنّه تعذّر الإتيان بهما معاً فوجب الإتيان بما يمكن منهما ، وهو الإتيان بواحد منهما مخيّراً ، ووجه جريانها أنّ الدليل إنّما دلّ على وجوب كلٍّ منهما عيناً ، فالحكمُ بالتخيير بينهما لعدم التمكّن من الجمع أخْذٌ بغير دليل.

والجواب : أنّ المرجع في هذه الأُمور إنّما هو العقل ؛ لأنّ وجوب الطاعة وحرمة العصيان أمران عقليان لا دخل لهما بأمر الشارع إلّا من حيث الإرشاد ، والعقل يحكم باشتراط الطاعة بالقدرة على الامتثال ، ومع عدمها يعذر في المخالفة ، فهي من الشرائط العقليّة للواجبات الشرعيّة ، فيدور وجوب الامتثال مدارها ويقدّر بقدرها ، فإذا تعذّر بعض الواجبات التخييريّة تعيّن الباقي بحكم العقل ؛ لحكمه بوجوب طاعة

٢٣٢

المولى بقدر الإمكان ، ومقتضاه أنّه مع عدم التمكّن من الجمع بين الواجبين العينيَّين يتعيَّن الإتيان بأيّهما شاء أخذاً بالممكن من الامتثال اللازم بحكم العقل. ولذا لو كلّف بكلّيّ ذي أفراد حكم العقل بالتخيير بين كلٍّ من أفراده ، فإذا تعذّر إيجاده في بعضها حكم بوجوب إيجاده في البعض الآخر.

ثانيها : الحكم بالتخيير بين ركعتين من جلوس وركعة من جلوس أيضاً بنيّة النيابة عن ركعة القيام ، نظراً إلى أدلّة التخيير بعد ملاحظة ما دلّ على نيابة الجلوس عن القيام مع تعذّره.

ثالثها : الحكم بتعيّن ركعة من جلوس في حقّه بنيّة النيابة عن ركعة القيام ، وهو الأوجه ؛ لأنّ ما دلّ (١) على وجوب الإتيان بعد الصلاة المشكوك فيها بما يتيقّن به تمام الصلاة يقتضي تعيّن ركعة القيام في حقّه ، وحيث تعذّر القيام ودلّ الدليل على بدليَّة الجلوس عنه عند التعذّر على معنى أنّ الركعة من جلوس بدل عن ركعة القيام ، وركعتي الجلوس بدل عن ركعتي القيام .. وهكذا ، كفت ركعة الجلوس عن ركعة القيام.

وأمّا ما دل على تنزيل ركعتي الجلوس منزلة ركعة القيام فلا يجري فيما هو بدلٌ عن القيام ليجي‌ء التخيير بينه وبين ركعتي الجلوس ؛ لأنّ القدر المتيقّن من ذلك إنّما هو بالنسبة إلى القادر على القيام ، فجوّز الشارع له العدول عن ركعة القيام وتضعيفها بركعتين من جلوس ، وأمّا العاجز عنه فلم يعلم تنزيل ركعتي الجلوس بالنسبة إليه منزلة ركعة القيام.

الشكّ في الأخيرتين

وأمّا الشكّ بين الثلاث والأربع فلا إشكال في صحّة الصلاة فيه والبناء على الأربع ؛ للعمومات (٢) الدالّة على وجوب البناء على الأكثر ، وخصوص ما ورد فيه من

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠.

٢٣٣

أنّه إذا لم تدرِ أنّك صلّيت ثلاثاً أم أربعاً فابنِ على الأربع (١).

وربّما يُدَّعى أنّ هذه الرواية إنّما تدلّ على أنّ البناء على الأربع بعد تمام الركعة المردّدة بين الثلاث والأربع ، لترتيب البناء عليها على كونه صلّى ثلاثاً ، أي : فرغ منها ، كما هو مقتضى الفعل الماضي ، أو أربعاً ، فيرجع في تشخيص الفراغ عن الركعة المردّدة إلى ما مرّ.

إلّا إنّ الظاهر كما دلّت عليه الروايات الأُخر أنّ المدار على مجرّد الدخول في الركعة المردّدة ، كقوله عليه‌السلام في جواب مَنْ قال : أو ليس قد ورد : « لا يعيد الصلاة فقيه »؟ إنّما ذاك في الثلاث والأربع (٢) ، فإنّ الكون فيما يصدق بمجرّد الدخول في الركعة المردّدة.

وقوله عليه‌السلام : « إذا اعتدل وهمُهُ في الثلاث والأربع فهو بالخيار » (٣) ، أي : بين ركعة القيام وركعتي الجلوس ، فإنّ معناه كون الركعة المردّدة ظرفاً لاعتدال الوهم ، ويصدق بكونه في أثناء الركعة المردّدة.

وأمّا قوله عليه‌السلام ما معناه : إذا لم يدرِ أنّه في الثالثة أو الرابعة بنى على الأكثر ، وقام فأضاف إليها ركعة (٤) ؛ فإنّ صدره وإنْ كان ظاهراً في هذا المعنى ، إلّا إنّ قوله : « قام فأضاف » يدلّ على أنّ الشكّ عند الجلوس بعد التشهّد ؛ لأنّ المراد بالركعة المأمور بها ركعة الاحتياط.

وأمّا قوله : إذا لم تدرِ أنّك صلّيت ثلاثاً أم أربعاً (٥) ، فلا ينافي ذلك ؛ إذ يصدق عرفاً على من كان في أثناء الركعة المردّدة بين الأمرين أنّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً.

وأمّا الشكّ بين الاثنتين والأربع فحكمه البناء على الأربع والاحتياط بركعتين مَنْ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ١. بالمعنى.

(٢) معاني الأخبار : ١٥٩ / ١ ، الوسائل ٨ : ١٨٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٩ ، التهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ٢ ، وفيهما : « الوهم » بدل « وهمه ».

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٤٠ ، الإستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ٣.

(٥) انظر هامش ١ من نفس الصفحة.

٢٣٤

قيام ؛ للعمومات (١) وخصوص بعض الروايات (٢).

الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع

وأمّا الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع فهو مركّب من شكوك ثلاثة بسيطة : الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، والشكّ بين الثلاث والأربع ، والشكّ بين الاثنتين والأربع.

وقد قيل : إنّ المرجع في الشكوك المركّبة إلى الشكوك البسيطة المركّب منها.

فإنْ أُريد شمول أدلّة البسيطة للمركّبة لاشتمالها على البسيطة.

ففيه : أنّ ظاهر أدلّة البسيطة الاختصاص بكون الترديد بين طرفين.

وإنْ أُريد جريان حكم البسيطة في المركّبة المشتملة عليها فحسن ؛ لما دلّ (٣) على أنّ المقصود من الإتيان بالركعات الاحتياطيّة إتمام الصلاة على فرض النقيصة ، وهو يجري في الشكوك المركّبة ، إلّا إنّه إنّما يتمّ في المركّبة غير المنصوصة ، وأمّا المنصوص كهذا الشكّ فمرجعه إلى النصّ الوارد فيه ، وقد ورد فيه : أنّه يبني على الأربع ويتمّ الصلاة ثمّ يأتي بركعتين من قيام وركعتين من جلوس (٤) ، فإنْ كانت الصلاة أربعاً كانت الركعتان نافلة ، وإنْ كانت ناقصة فقد تمّت.

وظاهره اختصاص العلاج بما ذكر ، إلّا إنّ ظاهر التعليل الدالّ على أنّ المناط تمام الصلاة على فرض النقصان حصول العلاج بركعتين من قيام وركعتين منه ؛ لأنّه إنْ كانت اثنتين كانت الركعتان متمِّمتين لها ، وإنْ كانت ثلاثاً كانت الركعة متمّمة لها ، وإنْ كانت أربعاً كانت نافلة.

وقد استفيد من اعتبار الركعتين من قيام مع الركعتين من جلوس اعتبار كون

__________________

(١) انظر : الوسائل ٨ : ٢١٩ ٢٢٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١١.

(٢) انظر : الوسائل ٨ : ٢١٩ ٢٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١١ ، ح ١ ، ٣ ، ٤ ، ٦ ، ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ٣.

(٤) انظر : الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٦ ، الوسائل ٨ : ٢٢٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٣ ، ح ٤.

٢٣٥

ما يؤتى به من الركعات احتياطاً مستقلا في التمام على فرض النقصان ، وإلّا اكتُفِيَ بالركعتين من قيام ؛ لأنّ الصلاة إنْ كانت اثنتين فقد تمّت بمجموع الركعتين ، وإنْ كانت ثلاثاً فقد تمّت بركعة وكانت الأُخرى نافلة ، فلمّا اعتبر الشارع كون الركعتين من جلوس أيضاً ، عُلِم أنّه يريد كون ما يؤتى به من الركعات احتياطاً مردّداً بين كونه بتمامه صالحاً للنافلة على فرض التمام ، ومتمّماً على فرض النقصان ، بأنْ يكون له جهة استقلال على كلا الفرضين.

ومنه يعلم عدم جواز الاكتفاء عن ركعتي القيام بأربع ركعات من جلوس ؛ إذ ليس لها جهة استقلال كركعتي القيام ، فهي بمنزلة ركعة من قيام وركعة اخرى منه منفردة عن الاولى ، فكما لا يصحّ الاكتفاء بذلك عن ركعتي القيام كذلك لا يصحّ الاكتفاء عنهما بأربع ركعات من جلوس.

ثمّ إنّ الرواية وإنْ اشتملت على العطف بـ ( ثمّ ) الظاهرة في التراخي ، إلّا إنّ التعليل الدالّ على أنّ الفرض مجرّد إحراز التمام يصرف هذا الظاهر ، ويدلّ على حصول مراد الشارع بكلٍّ من التقديم والتأخير.

وما يقال من أنّ الصلاة إذا كانت ناقصة واقعاً فتمامها إنّما يحصل بركعتي القيام ، فإذا قدّم ركعتي الجلوس عليهما لزم الفصل بين الصلاة وتمامها بالنافلة.

ففيه : أوّلاً : أنّه معارض بمثله ؛ لأنّه على فرض نقصان ركعة واحدة إنّما تتمّ بركعتي الجلوس ، فتقديم ركعتي القيام عليهما يوجب الفصل بين الصلاة وتمامها بالنافلة.

وثانياً : أنّ المستفاد من موارد تخيير الشارع في العلاج بالركعات بين أمرين إلغاء اعتبار الاتّصال بين الصلاة وتمامها.

الشكّ بين الأربع والخمس

وأمّا الشكّ بين الأربع والخمس فتصحّ معه الصلاة في موضعين :

الأوّل : حال القيام في الركعة المردّدة قبل الركوع ، وحكمه هدم القيام وإتمام الصلاة

٢٣٦

ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط ؛ إمّا لعمومات البناء على الأكثر (١) والإتيان بما يحتمل نقصه بعد ، فإنّ مقتضاها البناء على أنّ الركعة التي قام لها خامسة فيجب هدم القيام لزيادته ، إلّا إنّه زيادة غير مبطلة ؛ لكونه ليس ركناً. وإمّا لاندراجه فيمن شكّ أنّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً ؛ لأنّ ما مضى من صلاته مردّد بين الأربع والخمس ، وأمّا الركعة المحتمل كونها خامسة فلا تندرج فيما صلّاهُ ؛ لأنّه في أثنائها ، فيجري عليه حكمه من البناء على الأربع ، فيجب هدم القيام وإتمام الصلاة ثمّ الإتيان بما يحتمل نقصه.

الثاني : بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة ، وقد ورد فيه نصّ بخصوصه بالبناء على الأربع (٢) ، ويدلّ عليه أيضاً أنّه سُئل عمّن لم يدرِ أنّه صلّى العصر خمساً أو ستّاً ، فقال عليه‌السلام : « إنْ كان لا يدري أنّه صلّى خمساً أو ستّاً ، أو لا يدري زاد أو نقص جلس وكبّر ، ثمّ أتى بركعتين » (٣) أي : وهو جالسٌ ، والمراد بهما صلاة الاحتياط ، والغرض منها تدارك احتمال نقص ركعة.

ولا يتّجه إلّا على فرض تحقّق الأربع ليندرج في الشكّ بين الثلاث والأربع ، فيعالج بعلاجه ، وهو الإتيان بركعتين جالساً ؛ لأنّ هذا يكون علاجاً له.

ولو لا هذا الاحتمال أي : احتمال الأربع في الشكّ بين الخمس والستّ لدار الأمر بين الثلاث والأربع ، وهو مبطل لدورانه بين نقص الركن وزيادته ، فيكون هذا من جملة ما دار الأمر فيه بين الأربع والخمس ، وقد حكم الشارع فيه بالصحّة ، فتدلّ على عدم البطلان بالشكّ بين الأربع والخمس ، وعلى عدم البطلان بمجرّد احتمال الزيادة.

وأمّا الصور غير المنصوصة بسيطة ومركّبة ففيها وجوه :

الأوّل : نفي الزائد بأصل العدم والبناء على الأقلّ والعمل بمقتضاه ، من الاكتفاء بالأقلّ على فرض الاشتمال على تمام الصلاة ، وإضافة ما تتمّ به على فرض النقصان.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ ٢٢٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١.

(٢) انظر : الوسائل ٨ : ٢٢٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٤ ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٦١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٤ ، ح ٥ ، بالمعنى.

٢٣٧

وقد يناقش بأنّه أصل عدميّ فلا يحرز الهيئة المعتبرة في الصلاة.

وفيه : أنّ الهيئة أيضاً أمر عدميّ ؛ لأنّها عبارة عن اعتبار ركعات الصلاة بشرط عدم الزيادة عليها ، مع أنّ الشكّ في عروض الهيئة للأقل مسبَّبٌ عن الشكّ في تحقّق الزائد ؛ لأنّه هو الذي يوجب عدم عروض الهيئة للأقلّ ، فإذا نُفيَ بأصل العدم اقتضى عروض الهيئة له ، وقد قرّرنا تعيُّن العمل على الأصل في الشكّ السببيّ عند دوران الأمر بينه وبين الأصل في الشكّ المسببيّ ؛ لأنّه مزيلٌ له وحاكم عليه.

الثاني : البطلان مطلقاً ؛ لحصر الشارع الصحيح في الشكّ في الأخيرتين كالصور الأربع.

الثالث : نفي الزائد على ما اعتبر في الصلاة من الركعات بالأصل والعمل فيما عداه ، أي : الشكّ الراجع إلى الأخيرتين بالأحكام المنصوصة ، فإذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس نُفي احتمال الخمس بالأصل ، وعمل بالنسبة إلى الاحتمالات الأُخر عملها ، وكذا في الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس .. وهكذا.

ووجهه الجمع بين العمل بما دلّ على عدم بطلان الصلاة بمجرّد احتمال الزيادة وأنّ احتمالها لا أثر له ، كقوله عليه‌السلام : « إذا استيقن أنّه زاد في الصلاة المكتوبة لم يعتدَّ بها ، واستقبل صلاته استقبالاً » (١) ، فإنّ مفهومه أنّه إذا لم يستيقن اعتدّ بها ولم يستقبلها ، وكالرواية السابقة الدالّة على صحّة الصلاة المحتمل كونها خمساً أو ستّاً (٢) ، وبين العمل بما دلّ على حكم الشكوك الراجعة إلى الأخيرتين من البناء على الأكثر فيها (٣) ، والإتيان بعد الصلاة بما يحتمل نقصه احتياطاً ؛ إذ لا تنافيَ بين الأمرين فيعمل بكلٍّ منهما.

وما دلّ على وجوب البناء على الأكثر ليس المراد به العموم الشامل للزائد على عدد ركعات الصلاة ، بل المراد به الأكثر المعهود ، وهو الأكثر في الأخيرتين بقرينة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٨ وفيه : « إن » بدل « إذا » ، الوسائل ٨ : ٢٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ١ ،.

(٢) انظر : ص ٢٣٧ هامش ٣.

(٣) سيأتي في ص ٢٣٩ هامش ٢.

٢٣٨

قوله عليه‌السلام : « لا شكّ في الأُوليين ، إنّما الشكّ في الأخيرتين » (١) ، فقوله : « إذا شككت فابنِ على الأكثر » (٢) .. إلى آخره تفصيل لقوله : « إنّما الشكّ في الأخيرتين » ، أي : الشكّ المعهود الذي ذكر أنّه لا يبطل الصلاة وهو الشكّ في الأخيرتين حكمه البناء على الأكثر. وليس المراد بالأكثر العموم الشامل لكلّ ما دار الأمر فيه بين الأقلّ والأكثر ، ليحصل التنافي بينه وبين ما دلّ على عدم الاعتناء باحتمال الزيادة فيما لو أدّى البناء على الأكثر للبطلان ؛ لحكم الشارع بعدم البناء على الأكثر في أكثر الموارد ، فلو حمل الأكثر على عمومه لزم التخصيص بالأكثر.

الرابع : التفصيل بين ما إذا أدّى البناء على نفي الزائد والبناء على الأكثر في الأخيرتين إلى التعريض لاحتمال الزيادة والنقص ، وبين ما إذا لم يؤدِّ إلى ذلك ، فيحكم بالبطلان في الأوّل ؛ لدوران الأمر بين مبطلين ، وبالصحّة في الثاني للوجه المذكور في الوجه الثالث ، كالشكّ بين الثلاث والأربع والخمس بعد السجدتين ، فإنّ نفي الخمس والبناء على الأكثر لا يعرّض للزيادة والنقص ، وهو ظاهر. وقد اختار هذا القول الشهيد الأوّل (٣) والمحقّق الثاني (٤).

ومثال ما إذا أدَّى البناء على الأكثر ونفي الزائد بالأصل للتعريض المذكور ، الشكُّ بين الأربع والخمس بعد الركوع ، فإنّه لا يصحّ نفي الخامسة بأصل العدم والبناء على الأكثر من الأخيرتين ؛ لأنّ مستند البناء على الأكثر قوله عليه‌السلام : « إذا شككت فابنِ على الأكثر » ، يعني : إذا لم تدرِ أنّ الذي وقع من الأخيرتين الأقلّ أو الأكثر فابنِ على الأكثر ؛ لأنّ مقتضاه البناء على تحقّق الرابعة قبل هذه التي لم يتمّها ، ويحتمل أنّها خامسة ؛

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ٤ ، الوسائل ٨ : ١٩٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ١٠ ، وفيها : « الإعادة في الركعتين الأُوليين والسهو في الركعتين الأخيرتين ».

(٢) انظر : الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ١ ، وفيها : « متى ما شككت فخذ بالأكثر ». التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ١٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ٣ ، وفيهما : « إذا سهوت فابن على الأكثر ».

(٣) البيان : ٢٥٤.

(٤) الرسالة الجعفرية ( ضمن رسائل المحقق الكركي ) ١ : ١١٨.

٢٣٩

إذ الفرض أنّه أوقع قبلها ركعات مردّدة بين الثلاث والأربع ، وأدلّة البناء على الأكثر تقضي بوجوب البناء على أنّ الذي وقع منه أربع.

وحينئذٍ ، فتكون الركعة التي بيده خامسة ، والفرض أنّه ركع فيها ، فيلزم زيادة الركوع ، وإنْ أتمّها على أنّها رابعة بأصالة عدم الخامسة كان حكماً بالنقص في الأخيرتين وإتماماً لها بأصالة العدم ، وهو خلاف ما دلّ على وجوب البناء على الأكثر في الأخيرتين وحصر العلاج فيه ، فإنّ مقتضاه أنّه لا علاج لتصحيح الشكّ في الأخيرتين إلّا ذلك.

ولازمه أنّ ما لا يوجد فيه هذا العلاج يحكم فيه بالبطلان ، فيختصّ البناء على الأكثر بما إذا تحقّق منه ركعات تامّة مردّدة بين الأقلّ والأكثر منهما ، وعلاجه البناء على وقوع الأكثر وعدم العمل بأصل العدم ؛ لعدم رضا الشارع بإحراز الأخيرتين به ، فإحرازها به إحراز بغير ما أمر الشارع به ؛ لأنّ المستفاد من أمر الشارع بالبناء على الأكثر في الأخيرتين مع أنّه خلاف مقتضى الاستصحاب وأصل العدم عدم رضاه بالزيادة المحتملة ؛ لأنّه لا تدارك لها ، بخلاف النقيصة فإنّ لها تداركاً.

ولذا أمر الشارع بعلاجها بالإتيان بعد الصلاة بما يحتمل نقصه ، وقال عليه‌السلام : « ألّا أُعلِّمك شيئاً إذا فعلته لم يضرَّك أنْ تكون نقصت أو أتممت؟ » (١) وبيّن ذلك بالبناء على وقوع ما يحتمل عدم وقوعه من الأخيرتين والإتيان بما يحصل تداركه بعد الصلاة. فدلّ ذلك على عدم رضا الشارع بالإتيان بما يحتمل فيه الزيادة ، وأنّه قد أمر بالبناء على وقوع كلّ شي‌ء يحتمل وقوعه ممّا يتعلّق بالأخيرتين ، ولم يجوِّز نفيه بأصل العدم.

فإذا شكّ قبل السجدتين وبعد الركوع بين الأربع والخمس فليبنِ على أنّ ما وقع قبل الركعة التي لم يتمّها أربع ؛ لأنّه قد ردّده بين الثلاث والأربع ، وقد أمر الشارع بالبناء على ما يحتمل وقوعه من الأخيرتين ، ومقتضاه البناء على أنّه أربع ، فيحكم بالبطلان لزيادة الركوع. ولا يصحّ البناء على الصحّة بأصالة عدم الخامسة وإتمام

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ٣.

٢٤٠