الرسائل الأحمديّة - ج ٢

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

لذاتها ، بمعنى أنّ ذاتها تقتضي جواز الأكل واشتراط التذكية في ذلك لمنع الميتة من جواز الأكل وإنْ كان المقتضي للحلّ موجوداً في ذاته ، وبالتذكية يندفع ذلك المانع. فاشتراط التذكية لدفع المانع لا لإحراز المقتضي ، فإذا شكّ في حلّيّة شي‌ء حكم بجواز أكله من جهة الأصل إلّا إنّ ذلك لا يوجب صحّة الصلاة به ؛ لأنّها إنّما تصح في ذات ما أحلّ الله أكله من النوع المخصوص ، وأصالة البراءة من حرمة الأكل لا تقتضي كون المشكوك فيه من ذات ما أحلّ الله أكله ليجري عليه الآثار المرتّبة من الشارع على ذات ما أحلّ الله أكله.

نعم ، لو قيل باعتبار الأُصول المثبتة مطلقاً حتى أصل البراءة صحّ ترتيب باقي الآثار ، لكن الحقّ أنّ الأصل المثبت غير معتبر إذا كان من قبيل الاستصحاب ، فضلاً عمّا لو كان من قبيل أصل البراءة التي مرتبتها دون مرتبة الاستصحاب.

والحاصل أنّه ليس في المقام أصل يحرز به الأقدام ، أمّا أصل الحلّ فقد عرفت حاله.

وأمّا الاستصحاب بأنّ يقال : الأصل عدم كوني لابساً لما حرّم الله أكله عند الصلاة فلا يجدي ؛ لأنّه يجب على المصلّي إحراز كون لباسه من غير ما حرّم الله ، وهو لا يمكن إحرازه بالاستصحاب ؛ إذ ليس له حالة سابقة ؛ فإنّه لم يكن هذا اللّباس الذي يشك في كونه من جنس ما يؤكل لحمه ، مما علم كونه من غير ما حرّم الله في زمان ؛ ليستصحب في زمان الشك ، واستصحاب العدم الأزلي بأن يقال : إنّ هذا لم يكن ممّا حرّم الله أكله في الزمان السابق على وجوده ، ولو من جهة عدم وجوده ، إذ السالبة تصدق مع انتفاء الموضوع فيستصحب ذلك إلى زمان وجوده وزمان الشك فتجوز الصلاة فيه لا يجدي هنا ؛ لأنّ عدم كون اللباس من غير مأكول اللحم الذي يجب إحرازه لصحّة الصلاة هو ما أُخذ قيداً للِّباس وصفةً له ومرتبطاً به بأن يحرز كون اللباس مقيّداً بهذا العدم المخصوص.

ولا ريب أنّ العدم الأزلي لا دخل له باللباس ولا ربط له به ، فاستصحابه غير

١٤١

مفيد ؛ إذ لا يوجب تقيّد اللباس بالعدم المخصوص ، كما أنّه لا يصح أن يحكم على الدم المشكوك في كونه حيضاً بأنّه استحاضة ، من جهة استصحاب عدم حيضيّتِهِ الأزلي. نعم لو قيل باعتبار الاستصحاب المثبت ، كان مقتضاه اعتبار مثل هذا الاستصحاب ؛ لأنّ لازم استمرار عدم كون اللباس ممّا حرم الله أكله الأزلي بحسب العادة ، هو كون اللباس المخصوص ليس ممّا حرّم الله ، وكذا الحال في استصحاب عدم الحيضيّة الأزلي ، لكن قد عرفت أنّ الحق عدم اعتبار الأصل المثبت.

وبالجملة ، لا بد أن يحرز المصلي أنّ لباسه من غير ما حرّم الله ، كما هو مقتضى موثقة ابن بكير ، قال : سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الصلاة في [ وبر (١) ] كلّ شي‌ء حرام أكله ، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه ، وكلّ شي‌ء منه فاسدة ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله » (٢) الحديث.

فإنّ مقتضى هذه الرواية أنّه لا بد للمصلّي أنْ يحرز أنّ صلاته ليست في شي‌ء من هذه الأُمور ، والصلاة في الشي‌ء وإنْ كان ظاهره كون ذلك الشي‌ء لباساً للمصلّي وظرفاً له ، إلّا أنّ هذا المعنى وإنْ أمكن في مثل الجلد بأنْ يصنع لباساً ، والشعرِ والوبرِ بأنْ يُنْسجا للّبس ، إلّا إنّه لا يمكن في مثل البول والروث ، فلا بد أنْ يُراد منه معنىً صالحٌ للكل وهو مطلق التلبّس بأحد هذه الأُمور لا خصوص الظرفية الحقيقية. فالتلبّس بالجلد والشعر والوبر يكون على معنى الظرفية الحقيقية ؛ بأنْ يجعل لباساً للمصلّي ، ويدخل في الظرفية الحقيقية لبس الخاتم والقلنسوة. والتلبّس بالبول والروث معناه تلوث لباسه بهما ، فالمصلّي في ثوب فيه أحدهما يصدق عليه الصلاة فيهما ، بمعنى أنّه صلى في ثوب فيه البول والروث.

ومنه يعلم أنّه لو لم يكن نفس الثوب من جلد ما لا يؤكل ولا من شعره ووبره ، لكن

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ٢ ، ح ١.

١٤٢

وضع عليه شي‌ء من هذه ، لا تجوز الصلاة فيه ؛ لأنّ الصلاة فيه صلاة في هذه الأشياء على معنى مطلق التلبّس. لكن لو لم يكن أحدها ثوباً للمصلّي ولا مصاحباً لثوبه ، بل كان محمولاً له غير ملاصق لثوبه ، مع عدم صدق الملبوس عليه ، كالخاتم والقلنسوة جازت الصلاة فيه ، كما لو كان موضوعاً في ظرف معلّق على المصلّي مثلاً ؛ لعدم صدق صلاته فيه ، لا على معنى مطلق التلبّس ، ولا الظرفية الحقيقية.

فالذي يبطل الصلاة إمّا كونه لباساً للمصلّي أو مصاحبته للباسه ، فإنْ عُلم أحدهما فلا إشكال في فساد الصلاة ، وإنْ شكّ ؛ فإنْ كان في أنّ لباسه من جنس ما يحلّ أكله أو لا فلا ريب في فساد الصلاة فيه ؛ لعدم أصل موضوعيّ يحرز به ذلك ، وإنْ كان في أنّه : هل صحب شيئاً ممّا لا يؤكل أو لا؟ فالظاهر جواز الصلاة فيه مع الشك ، بناءً على عدم عروض أحد تلك الأشياء له ؛ لأنّه قد كان سابقاً غير معروض لأحد هذه الأشياء ، فيبني على أصل عدم عروض المانع ويجوز له الدخول في الصلاة.

ولا يختص ما ذكرناه بالشك في كون اللباس من المأكول فقط ، بل يجري في مطلق ما يكون الشكّ في كون اللباس ممّا يصلّى فيه أم لا ، سواء كان من جهة الحريرية أو المأكولية أو غيرهما. إلّا أنّ بعضهم أجاز الدخول في الصلاة مع الشك في كون اللباس حريراً ؛ تمسكاً بالأصل.

والظاهر أنّه لا يريد أصل العدم ؛ لما عرفت من أنّه لا يجري هنا ، بل الظاهر إرادته أصل الإباحة لإثبات جواز مطلق اللبس ؛ لأنّ الحرير قد نهي عن مطلق لبسه للرجال في الصلاة وغيرها ، فإذا شك في كونه حريراً جاز لبسه ؛ لأنّ الشبهة موضوعية لا يجب فيها الاحتياط ، فرتّب على هذا جواز الدخول في الصلاة بناءً على عدم مانعيّة لبس الحرير في نفسه ، كلبس ما لا يؤكل لحمه.

وفيه ما لا يخفى ؛ لأنّ المستفاد من الأخبار أنّ الشارع اعتبر في ماهيّة الصلاة عدم كونها في الحرير في نفس الأمر ، كاعتبار عدم كونها في غير المأكول ، وأنّ كليهما من الشروط الواقعية ، والله العالم.

١٤٣

وأمّا الكلام في المقام الثاني ؛ فالكلام فيه تارة بحسب القاعدة الأوّليّة ، وأُخرى بحسب القاعدة الثانوية :

أمّا الأُولى فمقتضاها وجوب الإعادة والقضاء ؛ لأنّ القول بالإجزاء خلاف مقتضى أدلّة الطرق ؛ لأنّ مقتضاها أنّ اعتبار الطرق ليس إلّا لكونها أمارة على الواقع ، فإذا انكشف مخالفتها له كان مؤدّاها بمنزلة العدم. مع أنّه يرد على القول بالإجزاء إشكال آخر ، وهو أنّ مقتضى القول بالإجزاء ، جعل الشارع مؤدّى الطرق بدلاً من الواقع وقائماً مقامه ، فإذا امتثله المكلّف فكأنّه امتثل الواقع ، فكما أنّ امتثال الواقع يُسقط الأمر فكذا امتثال مؤدّى الطرق. فلا وجه حينئذ للأمر بالأمارة في بعض الموارد المنكشف فيها فقدان ما أتى به المكلّف لبعض ما اعتبر فيه بعد أنْ دخل فيه بأمر من الشارع ، كالخَمس التي أمر الشارع بإعادة الصلاة بنسيان أحدها. ويمكن توجيهه بأحد أُمور :

الأول : أنْ يقال : إنّ الحكم بالإجزاء بناءً على أنّ مقتضى أدلّة الطرق أنّ كلّ ما قامت عليه الأمارة بدل عن الواقع. وهذا الحكم الكلّي قابل للتخصيص ، فيخصّص بالأوامر الدالة على وجوب الإعادة في المواضع الخاصة ؛ لأنّ مقتضاها عدم ثبوت البدليّة لمواردها عن الواقع ، فيخصّص عموم بدليّة مؤدّى الأمارة عن الواقع ، ولا ضير فيه.

وفيه : أنّه يستلزم عدم جواز الدخول في الصلاة ، مع الشكّ في حصول الشرائط التي أمر الشارع بإعادة الصلاة من جهتها ، وإنْ قامت الأمارة على وجودها ؛ لأنّ المفروض أنّه إنّما رخّص في العمل على طبق مؤدّى الأمارة مع عدم إحراز الواقع ، من جهة أنّه جعل مؤدّاها بدلاً عن الواقع. فإذا دلّ الدليل على عدم البدلية في بعض الموارد ، فلا وجه حينئذ للدخول مع عدم إحراز الشرائط في الواقع ؛ لأنّه يدخل فيما لم يكن في نفس الواقع ولا بدله ، مع أنّه لا إشكال في جواز الدخول في مؤدّى الأمارة مطلقاً.

الثاني : أنْ يقال : إنّ الأمر بالإعادة أمرٌ آخر لا ربط له بالأمر الأول ، وإنّ الأوّل حصل

١٤٤

امتثاله بالمأتي به أوّلاً ، فيكون معنى الأمر بالإعادة حينئذ أنّ الشارع أوجب على المكلّف الإتيان بالفعل مرة أُخرى بعد أنْ فعله صحيحاً ، ولا مانع من أمر الشارع بتكرير الفعل. ولعلّ الغرض منه مع فرض وقوعه على الوجه الصحيح تدارك النقصان الواقعي وإنْ وقع صحيحاً ، كما أمر الشارع بإعادة الصلاة فرادى جماعةً على جهة النّدب ، وكما يستحب للإمام إعادة صلاته ليأتم به الغير ، مع أنّ الصلاة في هذين الموضعين وأشباههما وقعت صحيحة ؛ لأجل تحصيلِ غرضٍ لم يحصل في المرة الأُولى ، وكما أذن الشارع لمن ذكر قبل الركوع أنّه نسي الأذان والإقامة في قطع الصلاة للإتيان بهما مع مشروعية الدخول في الصلاة ، وصحة الجزء المأتي به.

وقد ورد في مثل الموارد المأمور بإعادة الصلاة فيها

إنّ الله يختار أحبّهما إليه (١)

مع أنّه لا ريب في أنّ كلّاً منهما وقع صحيحاً ، فلعلّ ما نحن فيه من هذا القبيل. ونظير ذلك من الواجبات الحجّ إذا أُفسد في الأثناء فإنّ الشارع أوجب إتمامه ثمّ الإتيان به مرّة أُخرى ، وقد جنح بعضٌ إلى أنّ الأوّل فرضه والثاني عقوبة ، فيكون نظيراً لما نحن فيه.

وفيه : أنّ الالتزام بإرادة الشارع في موارد الإعادة صلاتين مستقلتين كل منهما تكليف مستقل بعيد جدّاً ؛ لأنّ الظاهر من الأمر بالإعادة كون الإتيان بالفعل ثانياً لبقاء الأمر الأوّل لا لأمر جديد ، وإنّ الأوّل سقط ، مع أنّه يلزم على ذلك التقدير أنّه إذا احتاجت الصلاة الثانية إلى الإعادة وكذا الثالثة والرابعة أنْ يكون المكلّف مأموراً بخمس فرائض ظهر ، وهو كما ترى.

الثالث : أنْ يقال : لا منافاة بين الأمر بالإعادة والقول بالإجزاء ليرتكب التخصيص أو غيره ؛ لأنّ ظاهر القائلين باقتضاء الأمر الظاهري الإجزاء ، البناء على أنّ الأصل في الشرائط أنْ تكون علمية ، بمعنى أنّ ذاتها ليس شرطاً في صحة العبادة بحيث لو لم تتحقق في الواقع لم تكن العبادة صحيحة ، بل الشرط في صحة العبادة إنّما هو عدم

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٠ / ٧٧٦ ، الوسائل ٨ : ٤٠٣ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٥٤ ، ح ١٠ ، باختلاف.

١٤٥

العلم بانتفائها ، وأنّ العلم بانتفائها مانع من صحتها. وكأنّ مستندهم إطلاق الأوامر وأصل البراءة ، بمعنى أنّ الأمر إنّما تعلق بالعبادة على وجه الإطلاق ، فيكون مقتضى إطلاقه حصول الامتثال بالجامع والفاقد ، قصارى ما ثبت من أدلّة الشرائط أنّها شرط في صورة العلم ، بمعنى أنّ عدم العلم بانتفائها شرط في صحة المأمور به ، وأنّ ما علم بانتفائها عنه خارج عن الإطلاق لحصول المانع من الصحّة وهو العلم بالانتفاء ، فيبقى ما شك في انتفائها عنه داخلاً في الإطلاق فيكون صحيحاً واقعاً لحصول شرط صحّته ، ويكون الحكم بعدم الإعادة لو انكشف بعد الفراغ عدم حصولها حين العمل لحصول المأمور به الواقعي.

وأمّا إذا أمر الشارع بإعادة الصلاة من أجل شي‌ء ، فيكون دليلاً على أنّ ذلك الشي‌ء شرط واقعي على خلاف مقتضى الأصل في الشرائط.

فإن قيل : مقتضى ذلك كون الحكم بعدم الإعادة إنّما هو لحصول المأمور به الواقعي ، فيكون الإجزاء مستفاداً من الأمر الواقعي لا الظاهري ، فلا وجه لقولهم : إنّ الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء مع أنّه لا وجه حينئذ للتمسك لإحراز الشرائط بشي‌ء من الأمارات ؛ لأنّ الشرط حينئذ هو عدم العلم بالانتفاء وهو حاصل بدون الرجوع إلى الأمارة.

قلنا : لا نمنع أنّ المقتضي للإجزاء حينئذ الأمر الواقعي ، إلّا إنّه قد يحصل أصل يقتضي حصول المانع من صحة المأمور به ، كما إذا شك في كون الثوب نجساً بعد أن عُلمت نجاسته في السابق ، كان مقتضى الاستصحاب النجاسة ، وهو أمارة شرعية مؤدّاه كالمعلوم. فكما أنّه إذا علم بالنجاسة وجداناً لم يجز له الدخول في الصلاة للعلم بالمانع وهو عدم الطهارة ، كذلك إذا علم بها شرعاً بمقتضى الاستصحاب ، فإذا حصلت أمارة كالبيّنة مثلاً على ارتفاع المانع وحصول الطهارة ، حكم بصحة الصلاة في الواقع لحصول شرطها وهو عدم العلم بانتفاء الطهارة.

لكن حصل ذلك بملاحظة الأمر الظاهري وهو وجوب العمل بمؤدّى البيّنة ،

١٤٦

فالمقتضي للإجزاء في الحقيقة وإنْ كان هو الأمر الواقعي ، إلّا أنّه بمعونة الأمر الظاهري ، لرفعه المانع عن حصول مقتضى الأمر الواقعي ، فجاز استناد الإجزاء إليه وإنْ كان مستنده حقيقةً الأمر الواقعي. ومنه يُعلم وجهُ الاحتياج إلى الأمارات في إحراز الشرائط ، مع القول بأنّها عِلْمية ، واختصاص نسبة الإجزاء إلى الأمر الظاهري بما إذا كان له مدخلية في ذلك ، كما في الصورة المذكورة وإنْ كان المقتضي للإجزاء بالذات الأمر الواقعي.

وأمّا إذا لم يكن له مدخلية في ذلك ، فلا يصحّ نسبة الإجزاء إليه ، كما أنّ القائلين باقتضاء الأمر الظاهري الإجزاء إنّما يثبتون الإجزاء للأمر الظاهري في خصوص تلك الصورة.

ولا يلزم ممّا ذكرنا من رفع الأمر الظاهري المانع الثابت بالاستصحاب أنّ الثابت بالاستصحاب نفس المانع من صحّة الصلاة ، مع أنّ مجرى الاستصحاب ليس إلّا ذات النجاسة ، والنجاسة على مذهب القائلين باقتضاء الأمر الظاهري الإجزاء ليست هي المانع ، وإنّما هو العلم بها ، وهو ليس مجرى الاستصحاب بالضرورة.

لأنّا لا نريد من ثبوت المانع بالاستصحاب كون متعلقه ومجراه نفس المانع ، بل نريد كون الاستصحاب سبباً لوجود المانع وهو العلم بالنجاسة ؛ لأنّ مجراه وإنْ كان نفس النجاسة إلا إنّ إجراءه فيها يوجب حصول العلم الشرعي بها ، والمانع من صحة الصلاة مطلقاً العلم بالنجاسة سواء كان وجدانياً أو شرعياً.

فإنْ قيل : إذا كان نفس النجاسة لا يترتب عليها أثر ، وإنّ الذي يترتب عليه أثر المانعية هو العلم بها لا نفسها ، فإذن لا يصحّ استصحابها ؛ لأنّ معنى الاستصحاب المعتبر شرعاً إبقاء الآثار المترتبة من الشارع الثابتة للمستصحب ، وحيث لا آثار شرعية له لا استصحاب. ولا يصح جعل العلم أثراً للاستصحاب من حيث ترتب الأثر الشرعي عليه ؛ لاستلزام ذلك الدور كما لا يخفى.

قلنا : لانسلم أنّ نفس النجاسة لا يترتب عليها أثر شرعي ؛ إذ لا يلزم من عدم ترتب

١٤٧

أثر شرعي يتعلق بالصلاة عليها من جهة أن المانع من الصلاة العلم بها لا نفسها عدم ترتب أثر شرعي عليها أصلاً ، فإنّ أقلّ ما يترتب عليها من الآثار ، أنّه لو نذر شخص أنْ يجتنب مَنْ صلّى مع النجاسة ، فإنّه إذا استصحب نجاسة شخص قد صلّى ، دخل في موضوع المصلّي معها فيجتنبه.

ويؤيد ما قلنا من أنّ بناء القائلين بالإجزاء على أنّ الأصل في الشرائط كونها علمية ما ذكره في المدارك (١) في الرد على المصنّف ، من أنّ عدم جواز الدخول في الصلاة مع الشك في كون الجلد المطروح ميتة ، إنّما يبتني على القول بحجية الاستصحاب ، وهو غير حجة ؛ فإنّ مقتضاه اختصاص شرطية عدم كون اللباس ميتة بحالة العلم لا مطلقاً.

وكذا ما ذكره الشهيد رحمه‌الله (٢) من أنّه لو ترك الإمام السجدتين سهواً وجب على المأموم الانفرادُ لبطلان صلاة الإمام ، ولو ترك إحداهما سهواً جاز له البقاء على الإتمام ؛ لعدم بطلان صلاة الإِمام. فإنّه يدل على اختصاص جزئيّة الجزء الذي ليس بركن بصورة العلم ، أمّا في صورة الجهل فليست جزءاً في الواقع ؛ لأنّه لا يجوز الائتمام إلّا بمن أحرز صحّة صلاته في الواقع ، بأنْ يعتقد المأموم كون صحة صلاة الإمام واقعاً ، ولا يكفي صحتها في حق الإمام فقط في صحة الائتمام ، والحال في الشروط والأجزاء التي ليست ركناً واحد ؛ إذ هذه الأجزاء شروط وقيود للمأمور به في الحقيقة فالحكم على الكل سواء.

وكذا ما ذكره العلّامة رحمه‌الله (٣) من أنّه لو رأى المأموم النجاسة في ثوب الإمام ؛ فإن قلنا بوجوب الإعادة على الإمام في الوقت ، وجب على المأموم الانفراد ، وإن قلنا بالعدم جاز البقاء على الائتمام ، فإنّ الحكم بعدم وجوب الانفراد لا يتم إلّا مع فرض صحّة صلاة الإمام واقعاً ، لوجوب إحراز صحّة صلاة الإمام كذلك. والحكم بصحّتها كذلك

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٢١٤.

(٢) البيان : ٢٥٠.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٣١٨.

١٤٨

مع وجود النجاسة في ثوبه ، لا يتم إلّا على القول بأنّ طهارة ثوب المصلّي شرط علمي لا شرط واقعي ، والله العالم.

وأمّا القاعدة الثانوية ، فمقتضى قوله عليه‌السلام : « لا تعاد » (١) .. إلى آخره عدم وجوب الإعادة ، إلّا إذا كان ما صلّى فيه نجس العين وقلنا بأنّ المراد بالطهور ما يشمل الطهارة من الخبث ، فإنّه حينئذ يجب الإعادة. لكن قد عرفت أنّ الوجه كون المراد بالطهور خصوص الطهارة الحدثية ، إلّا إنّ مقتضى رواية ابن بكير (٢) السابقة الإعادة مطلقاً ، بناءً على أحد الاحتمالين فيها فإنّها تحتمل وجهين :

الأول : كون المراد منها بيان شرطيّة كون اللباس ممّا أحلّه الله لصحة الصلاة ، على حدّ قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلّا بطهور » (٣) ، فتكون حينئذ رواية : « لا تعاد » حاكمة عليها ، كحكومتها على : « لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب » (٤) ، فيتّجه العمل برواية : « لا تعاد ».

الثاني : كون المراد بيان حكم الصلاة المفروضة الوقوع، وبيان أنّ الصلاة الواقعة فيما حرّم الله لا تقبل حتى تعاد فيما أحلّ الله، وليس المراد أنّ إعادة الصلاة فيما أحلّ الله ، توجب قبول تلك الصلاة الواقعة في المحرّم ؛ لأنّ الصلاة فيه غير صالحة للقبول أصلاً، وإنّما المراد أنّ الشغل بالصلاة لا يرتفع حتى تصلي تلك الصلاة في المحلّل، فيكون ما بعد « حتى » غاية لِلَازم ما قبلها لا لنفسه؛ لأنّ لازم عدم قبول الصلاة في المحرّم بقاءُ الشغل بالصلاة.

وعلى تقدير إرادة هذا المعنى من الرواية تعارض رواية : « لا تعاد » ؛ لأنّ مقتضاها عدم وجوب الإعادة ، ومقتضى تلك الرواية الوجوب ، وهما من قبيل العامتين من وجه ؛ لأنّ رواية : « لا تعاد » أعمّ ؛ لشمولها للصلاة في المحرّم وغيره ، وأخصّ

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١ ، الوسائل ١ : ٣٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٣ ، ح ٨.

(٢) الكافي ٣: ٣٩٧/١، التهذيب ٢: ٢٠٩ /٨١٨ ، الوسائل ٤: ٣٤٥ ، أبواب لباس المصلي، ب ٢، ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، ١ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الوسائل ١ : ٣١٥ ، أبواب أحكام الخلوة ، ب ٩ ح ١ ، و ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ، ح ١ ، ١ : ٣٦٨ / أبواب الوضوء ب ١ ، ح ٣ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٨ ، الوسائل ٦ : ٣٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١ ، ح ١ ، صحيح البخاري ١ : ٢٦٣ / ٧٢٣ ، صحيح مسلم ٤ : ١٠٠ ، بتفاوت يسير في الجميع ، المعجم الأوسط ٣ : ١٣٧ / ٢٢٨٣.

١٤٩

لاختصاصها بصورة السهو ، ورواية ابن بكير أعم ؛ لشمولها العمد والنسيان ، وأخصّ ؛ لاختصاصها بالصلاة في المحرّم ، فيكون حكمهما التساقط والرجوع إلى الأُصول إذا لم يكن مع أحدهما مرجّح.

ويمكن ترجيح رواية ابن بكير على « لا تعاد » بكونها أقلّ أفراداً منها فتجعل مخصصة لها ، أو من جهة دوران الأمر بين تخصيص رواية ابن بكير برواية « لا تعاد » ، فيحكم بعدم الإعادة أو العكس فيحكم بالإعادة ، والعكس أولى ؛ لشيوع التخصيص في « لا تعاد » ، فيكون فيها أهون. إلّا إنّه روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال : « إن كان لم يعلم فلا يعيد » (١). فإنّ هذه أخصّ مورداً من رواية ابن بكير فيجب حملها عليها والحكم بعدم الإعادة من جزء غير المأكول مطلقاً ، إذ لا قائل بالفرق بين الصلاة في عذرة ما لا يؤكل لحمه والصلاة في غيرها من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، فيكون العمل على رواية « لا تعاد » والله العالم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٤ / ٢ عن عبد الله بن سنان ، و ٤٠٦ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ / ١٤٨٧ ، الإستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٣٠.

١٥٠

السهو في الأركان

قوله : ( وأمّا السهو ، فإن أخلَّ بركن أعاد ) .. إلى آخره.

أقول : يقع الكلام أولاً في تحقيق موضوع الناسي ثم في حكمه.

أمّا موضوعه ، فالمراد به مَنْ لم يتمكّن من الإتيان بذات الجزء على أنّه جزءٌ من جهة الغفلة عن ذاته ، فبقولنا : على أنّه جزء ، دخل في الناسي مَنْ شك وهو في السورة أنّه أتى بالفاتحة أم لا ، فمضى ولم يلتفت بأمر الشارع ثم ذكر بعد الفراغ إنّه لم يأتِ بها ، فإنّه يدخل في الناسي ؛ لأنّه وإن تمكّن حين الشك من الإتيان بذات الفاتحة إلّا أنّه لا يتمكن من الإتيان بها على أنّها جزء مع احتماله الإتيان بها ، وعدم التمكن من ذلك نشأ من الغفلة عن ذات الفاتحة.

ونظيره في الشروط مَنْ تيقّن الطهارة ثم أحدث ثم غفل عن حدثه فشكّ في كونه متطهّراً أم لا فاستصحب الطهارة ودخل في الصلاة ثم ذكر بعد الفراغ أنّه كان محدثاً فإنّه يدخل في موضوع الناسي ، لأنّه حين شكّه في كونه متطهّراً لا يتمكن من الإتيان بالطهارة على أنّها شرط ، بل من باب الاحتياط ، وعدم تمكّنه ناشئ عن الغفلة عن ذات الطهارة. وكذا مَنْ علم بطهارة ثوبه ثم تنجس ثم غفل عن نجاسته ، فشكّ فيها فاستصحب الطهارة ثم ذكر نجاسة الثوب بعد الصلاة ، فإنّه يدخل في موضوع ناسي الطهارة الخبثيّة.

وبقولنا : من جهة الغفلة عن ذات الجزء ، خرج مَنْ نسي وجوب السورة فلم يأتِ بها مع الالتفات إليها ، فإنّه وإن لم يتمكّن من الإتيان بالسورة على أنّها جزء ، إلّا إنّه ليس من جهة الغفلة عن ذات السورة ، بل عن الحكم الشرعي ، فيدخل حينئذ في

١٥١

موضوع الجاهل بالحكم ؛ لأنّ ناسي الشي‌ء جاهل به وإنْ كان جهله مسبوقاً بالعلم.

لكن يبقى الإشكال في مَنْ جهل وجوب السورة ، لكنّه تارة يأتي بها احتياطاً وتارةً لا يأتي بها ، فإذا اتفق غفلته عن السورة أصلاً فلم يأتِ بها ، فهل يدخل في موضوع جاهل الحكم ، أو ناسي الموضوع؟ فقد يقال بالتفصيل ، بأنْ ينظر إلى حال ذلك الشخص بالنسبة إلى الواقعة الشخصيّة ، فإنْ علم من حاله أنّه لو لم يغفل عن السورة لأتى بها احتياطاً دخل في موضوع الناسي ، وإنْ علم أنّه لا يأتي بها دخل في موضوع الجاهل.

والتحقيق دخوله في موضوع الناسي مطلقاً ؛ لأنّ مقتضى الترك الناشئ عن الجهل كون المتروك ملتفَتاً إليه ومع ذلك ترك جهلاً بوجوبه. وأمّا إذا غفل عنه أصلاً فلا يصدق أنّه تُرك للجهل بحكمه ، وحينئذ فيكون تركه من جهة الغفلة ؛ إذ ليس في البين ثالث ، ويدخل حينئذ في موضوع الناسي ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه لم يتمكن من الإتيان بالجزء من جهة الغفلة عن ذاته.

وأمّا حكمه ؛ فأمّا بحسب القاعدة الأوّليّة فمقتضى الأصل بطلان الصلاة بكل جزء منسيٍّ ؛ لأنّ من نسيَ الفاتحة وذكرها في أثناء السورة ، يدور أمره بين المضيِّ وعدم الإتيان بالفاتحة ، وهو يستلزم نقص الصلاة ، وبين الإتيان بالفاتحة مع عدم الإتيان بالسورة وهو يخلّ بالترتيب ، وبين الإتيان بالسورة وهو يستلزم الزيادة ، والثلاثة توجب البطلان بمقتضى الأصل.

ولا منافاة بين هذا وبين المختار في أصل البراءة ، من أنّ الزيادة غير مبطلة بمقتضى الأصل الأوّلي ؛ لعدم الدليل على حرمتها ؛ لأنّ هذا في غير الصلاة. وأمّا فيها فالأصل يقتضي حرمة الزيادة ؛ لأنّ المستفاد من الأدلّة أنّ ما اعتبر فيها من الأجزاء والشرائط قد لوحظ بشرط لا ، أي بشرط عدم انضمام غيره إليه ، مضافاً إلى العمومات الدالة على بطلان الصلاة بمطلق الزيادة ، كما عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا استيقن

١٥٢

أنّه زاد في الصلاة المكتوبة لم يعتدّ بها واستقبل صلاته استقبالاً » (١) ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « مَنْ زاد في صلاته فعليه الإعادة » (٢) فخرج ما خرج بالدليل.

وربما قيل بدوران الأمر بين محذورين فقط ، كما عن ( الذخيرة ) (٣) ؛ لأنّ الإتيان بالفاتحة متعيّن لأصالة بقاء الأمر بها ، فيدور الأمر بين الإتيان بالسورة بعدها وهو زيادة وعدم الإتيان بها وهو إخلالٌ بالترتيب.

وفيه : أنّه لا أمر مستقلا بالفاتحة وإنّما الأمر بها في ضمن الأمر بالإتيان بالصلاة على ما هي عليه ، وقد ارتفع الأمر لعدم التمكّن من ذلك بسبب النسيان فيدور الأمر بين الثلاثة.

وأمّا بحسب القاعدة الثانويّة المستفادة من مثل : « لا تعاد » ، فهو أنّه إن كان المنسيُّ من الخمسة وجب الإعادة وإلّا فلا ، ووجب المضيُّ في الصلاة إذا ذكر في الأثناء ؛ لعدم اختصاص الرواية بصورة عدم الذكر حتى يفرغ ، كما ربّما يتوهّم من لفظ الإعادة بناءً على عدم صدقها إلّا بالإتيان بمجموع الصلاة مرّة ثانية.

والحقُّ صدقها على ما لو أتى بالصلاة بعد الإتيان ببعضها ، كما يظهر من تتبّع الأخبار. فيكون مقتضى الرواية حينئذ أنّ من نسي بعض أجزاء الصلاة ممّا عدا الخمسة وذكر في الأثناء ، لم تبطل صلاته ويتمُّها بدون الإتيان بالجزء المنسي ، لكنّه مع صدق الإخلال بتجاوز محلّ المنسيِّ. وأمّا إذا ذكر عدم الإتيان بالجزء وهو في المحلّ فلا ريب في وجوب الإتيان به ؛ لعدم صدق الإخلال.

ثم إنّ المحلّ الذي يجب الإتيان فيه بالمنسيِّ إمّا عرفي كما إذا ذكر أنّه لم يركع وهو في الهُوِيِّ أو لم يسجد وهو في النهوض ، فإنّ أهل العرف يحكمون عليه بعدم التجاوز ؛ لعدم دخوله في فعل آخر من أفعال الصلاة ، وإنّما دخل في مقدّماته وهي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ، ح ١. بزيادة : « ركعة » بعد قوله : « المكتوبة ».

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٤ ، الإستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ، ح ٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ٣٦١.

١٥٣

ليست من أجزاء الصلاة ليوجب الدخول فيها الخروج عن المحلّ كما يوجبه الدخول في جزء آخر من أجزاء الصلاة ، فهي كالسكون في أثناء الصلاة.

ومعنى كونه محلّاً عرفيّاً أنّ أهل العرف إذا علموا أنّ النهوض مثلاً ليس من أجزاء الصلاة ، وأنّه ملغىً في نظر الشارع يحكمون ببقاء محلّ السجود ، فاندفع ما يقال من أنّ أهل العرف لا دخل لهم في بقاء المحلّ وعدمه ، وأنّ مرجعه إلى الشارع. وكلّ ما كان محلّاً عرفيّاً فهو محلّ شرعي ولا عكس.

والمحلّ الشرعيّ ما يكون محلّاً بسبب حكم الشارع وتنزيله ، وإن لم يكن محلّاً عند العرف ، كما إذا نسي الفاتحة وذكرها بعد قراءة السورة ولم يركع ، فإنّه يصدق عليه عرفاً تجاوز محلّ الفاتحة. لكن لمّا أمره الشارع بالإتيان بالفاتحة علم بقاء المحلّ في نظره ، وأنَّ ما أتى به من السورة لا أثر له ، فهذا محلّ شرعيّ لا عرفيّ. وكذا جميع الموارد التي أمر الشارع بإعادة الجزء المنسي فيها بعد تجاوز المحلّ العرفيِّ ، فإنّه يحكم ببقاء محلّه الشرعي ولا يستلزم التخصيص في : « لا تعاد » من جهة أنّ مقتضاها عدم إعادة المنسي إذا كان من غير الخمسة ؛ لأنّه بعد أنْ علم بقاء المحلّ شرعاً لم يكن إعادة حقيقة بل إتياناً بالشي‌ء في محله الشرعي ، وإنّما تصدق الإعادة بعد تجاوز المحلّ.

وأمّا الموارد التي حصل فيها تجاوز المحلّ العرفي ، ولم يحكم الشارع فيها بالإتيان بالمنسي ، فإنْ كان من غير الخمسة لم يلزم تداركه ووجب المضي في الصلاة ، والحكم بصحّتها بمقتضى : « لا تعاد » ، كما يجب الحكم بمقتضاها بالفساد إذا كان من أحد الخمسة ؛ لصدق الإخلال وتجاوز المحلّ عرفاً ، ولم يجي‌ء من الشارع ما يدلّ على بقاء المحلّ الشرعيّ.

وبهذا اندفع ما أورده في ( مدارك الأحكام ) (١) على المشهور ، حيث قالوا : إنّ من نسي الركوع فسجد سجدة واحدة بطلت صلاته ، ولم يجز له تدارك الركوع ، من أنّه

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٢١٦ ٢١٨.

١٥٤

لا يلزم من الإتيان بالركوع ثم السجود إلّا زيادة سجدة وهي ليست ركناً ، لتُبطل زيادتها الصلاة كما يُبطلها الركن ؛ وذلك لأنّ حكمهم بالبطلان في موارده ليس لخصوص زيادة الركن ، بل لصدق الإخلال به ، ولا ريب في صدق الإخلال بالركوع عرفاً إذا لم يؤتَ به قبل السجود ، ولم يأتِ ما يدلّ على بقاء المحلّ الشرعي ، ليحكم بصحّة الصلاة والإتيان بالركوع ثم السجود. ولا ينافي ما ورد من أنّ الصلاة لا تَبطل بزيادة سجدة وتبطل بزيادة ركعة ، حيث دلّ على إلغاء الشارع زيادة السجدة ، فيكون المحلّ الشرعيّ للركوع باقياً ؛ لأنّ الزيادة قسمان :

أحدهما : ما يتأخّر عن المزيد عليه بأن يؤتى بالمأمور به أوّلاً ثم يزاد عليه شي‌ء ، كما إذا أتى بالسجدتين ثم زاد عليهما ثالثة.

وثانيهما : ما يتقدّم عليه بأن يؤتى بالشي‌ء لا على وجهه فيحكم بلغويّته ووجوب الإتيان به ثانياً على وجهه ، كما إذا أتى بالسورة قبل الفاتحة سهواً فيأمر الشارع بالإتيان بالفاتحة ثم السورة ، فتكون السورة المأتيّ بها أوّلاً لغواً.

والظاهر من الزيادة هو القسم الأوّل ، فتحمل زيادة السجدة المغتفرة من الشارع عليها ؛ لأنّها الفرد الظاهر فلا تشمل ما نحن فيه ، وهو الإتيان بالسجدة قبل الركوع.

والقول بأنّ اللَّغْوية تثبت بحكم العقل من جهة كونها زيادة في غير محلّها والعقل يحكم بلَغْوية ما كان كذلك غير مجدٍ ؛ لأنّا لا نمنع حكم العقل بلغويّته من تلك الجهة ، ولكنّه لا يوجب بقاء محلّ الركوع ؛ لعدم الملازمة بين الأمرين.

ولا ريب في مضيِّ محلّ الركوع بحكم العرف ، ولم يثبت بقاؤه بحكم الشارع ليكون محلّاً شرعيّاً ، وإنّما حكمنا ببقاء المحلّ الشرعيّ في تلك الموارد من جهة أمر الشارع فيها بالإعادة ؛ لاقتضاء الإعادة بقاء المحلّ كاقتضائها لغويّة المأتيّ به ، لا أنّ مجرد لغويّة اللاحق تقتضي بقاء محلّ السابق ؛ لعدم المنافاة بين الحكم بلغويّة المأتي به في أثناء العمل والحكم ببطلان العمل.

والمراد بالإعادة هنا ، الإتيان بالصلاة بعد الإخلال بركن من أركانها وإنْ لم يتحقّق

١٥٥

الشروع في الصلاة ، لا ما هو الظاهر من الإعادة من فعل الصلاة ثانياً بعد الإتيان بها أو بشي‌ء منها أوّلاً. فإنّ من أخلّ بالتكبير حتى قرأ لم يتحقّق منه الشروع في الصلاة ؛ لأنّ افتتاحها التكبير ، وجعل النيّة غاية للإخلال بالقيام إنّما يتمّ على تفسير النيّة بالإخطار ، وأمّا على تفسيرها بالداعي فلا ؛ لسبق النيّة حينئذ على القيام وعلى جميع أفعال الصلاة ، فلا يمكن تحقّق الإخلال بالقيام سهواً حتى تحصل النيّة.

الفرق بين الإخطار والداعي في النيّة

ولا بأس بالإشارة إلى الفرق بين الإخطار والداعي في الجملة ، فنقول : لا إشكال في أنّ معنى النيّة هو قصد الفعل على ما هو عليه ، سواءً فسّرت بالداعي أو الإخطار. وإنّما الخلاف في اعتبار مقارنة هذا الأمر للفعل وعدمه ، فمن فسّرها بالإخطار اعتبر ذلك ، ومن لا فلا.

وإنّما اعتبر عدم تخلّل فعل أجنبي عن العبادة بين النيّة والفعل ، وهو المسمّى بالاستدامة الحكميّة ، نظير القول بأنّها الإخطار ، في عدم اشتراط استمرارها باستمرار الفعل ، والاكتفاء بحصول الإخطار أوّل الفعل واستمرار حكمها ما دام الفعل ، بمعنى عدم تخلّل ما ينافي البقاء على مقتضى النيّة السابقة بين أجزاء العبادة.

فالقائل بأنّها الداعي يكتفي بحصول الإخطار بها قبل الفعل ، واستمرار حكمها إلى زمن الفعل ، بألّا يتخلّل بين الإخطار بالنيّة والفعل فعل أجنبي عن العبادة ، فإنّه يزيل حكم النيّة كمن قصد فعل الصلاة امتثالاً لأمر الله ، فقام وتوضّأ لها ثم اشتغل ببعض الأفعال الأجنبيّة عنها ثم أتى بالصلاة من غير تجديد إخطار النيّة ، فإن صلاته باطلة لوقوعها بغير نيّة. والنيّة التي قبل الوضوء زال حكمها بفصل الأجنبيّ بينها وبين الفعل.

وفي حكم فصل الفعل الأجنبيّ ما لو نوى الإتيان بالفعل للامتثال فاشتغل بمقدّماته إلى حين ، لكنّه عند الفعل نوى غير ما نواه أوّلاً غفلةً عن أنّه لم يأتِ بالفعل المقصود أوّلاً ، كمن نوى أنْ يصلّي الظهر فقام وتوضّأ ، فلمّا أراد الصلاة نوى العصر

١٥٦

لاعتقاد أنه صلّى الظهر ، فإنْ صلاته لا تقع ظهراً.

فاتّضح بما ذكرنا من بيان معنى الداعي أنّ جعل القيام غاية للإخلال بالنية إنّما يتمّ إذا فسّرت بالإخطار ، ولا فرق بين ما ذكره رحمه‌الله من بطلان الصلاة بالإخلال بالقيام حتى نوى بين القول بجزئيّتها أو شرطيّتها. أما على الجزئيّة فظاهر ، إذ الظاهر أنّ القيام شرطٌ في صحّة ما كان جزءاً للصلاة لا ما علم عدم ذلك فيه ، كالسجود والتشهّد والتسليم ؛ لما ورد من أنّه « لا صلاة لمن لم يُقم صلبه » (١) ، فإن الظاهر أنه مثل « لا صلاة إلّا بطهور » (٢) ، فيحمل على اعتباره في جميع أجزاء الصلاة إلّا ما خرج. وليس مثل « لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب » (٣) وهو تابع في الركنية وعدمها لما هو شرط له.

ولا ريب في أنّ النيّة ركن تبطل الصلاة بالإخلال بها عمداً وسهواً ، وأمّا على الشرطيّة فلأنّها وإنْ كانت خارجة عن الصلاة فلا يعتبر فيها ما يعتبر في أجزاء الصلاة ، إلّا إنّ معنى قوله (٤) : ( حتى نوى ) حتى تحقّقت النيّة بتمامها. ولا ريب في أنّه على القول بأنّ النية هي الإخطار ، يعتبر مقارنة آخر جزء من النية لأول جزء من التكبير ، فإذا فرض تحقق النية قبل القيام مع فرض اتصال التكبير بالنية ، فلا بد بحسب العادة من تحقق جزء من التكبير في غير القيام. ثم إنّ ما يعتبر في القيام من الاستقرار والطمأنينة هل هو بحكم القيام في أنّ الإخلال به إلى تحقق النية يوجب البطلان أولا؟

قد يقال بأنّ الإخلال به سهواً لا يضر ، كالإخلال ببعض واجبات الركوع ، فإنّه ليس كالإخلال بأصل الركوع في بطلان الصلاة به عمداً وسهواً ، بل هو كسائر الأجزاء التي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٠ / ٧٦ ، وفيه : « لا يقيم » بدل : « لم يقم » ، الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨٨ ، أبواب القيام ، ب ٢ ، ح ١ ، ٢ ، و ٦ : ٣٢١ ، أبواب الركوع ، ب ١٦ ، ح ٢ ، باختلاف.

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، ١ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الإستبصار ١ : ٥٥ / ١٦ ، الوسائل ١ : ٣١٥ ، أبواب أحكام الخلوة ، ب ٩ ، ح ١ ، و ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ، ح ١ ، و ١ : ٣٦٨ ، أبواب الوضوء ب ١ ، ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٨ ، الوسائل ٦ : ٣٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١ ، ح ١ ، صحيح البخاري ١ : ٢٦٣ / ٧٢٣ ، صحيح مسلم ٤ : ١٠٠ ، بتفاوتٍ يسيرٍ في الجميع ، المعجم الأوسط ٣ : ١٣٧ / ٢٢٨٣.

(٤) أي الماتن قدس‌سره.

١٥٧

ليست ركناً ، إلا إنّ الظاهر أنّه كالإخلال بأصل القيام ، للفرق الظاهر بين اعتبار ذلك في القيام واعتبار ما اعتبر في الركوع من الذكر ونحوه ، فإنّه قد اعتبر في الركوع على أنْ يكون الركوع ظرفاً له ، بأنْ يكون واجباً مستقلا في ضمن واجب آخر ، بخلاف ما اعتبر في القيام من الطمأنينة والاستقرار فإنّه قد اعتبر وصفاً للقيام ، وفوات الوصف يوجب فوات الموصوف ، فيجري عليه حكم فوات الموصوف ، والله العالم.

زيادة ركن أو ركعة

قوله : ( ولو زاد ركعة أو ركوعاً أو سجدتين أعاد ).

أقول : قد يقال : إنّ مقتضى الأصل الأوّلي بطلان الصلاة بالزيادة لتغييرها الهيئة المطلقة في الصلاة ، كما حكي عن ظاهر المصنّف في ( المعتبر ) (١) لكنّا لا نعرف له محصّلاً ؛ لأنّ مراده إنْ كان أنّ الزيادة مغيّرة لهيئة الصلاة الفاقدة لها فمُسلَّم ، إلّا أنّه لا يستلزم به البطلان المشتمل على الزيادة ، وإنْ كان أنّها مغيّرة لهيئة نوع الصلاة المخترعة من الشارع فهو عين الدعوى ، وإنْ كان أنّ هيئة الصلاة توقيفيّة كأجزائها الماديّة فيجب أخذها من الشارع ، ومع الشكّ يجب الاحتياط.

ففيه : أنّه منافٍ لمختاره من البناء على البراءة عند الشكّ في بعض ما اعتبر من الأجزاء والشرائط في العبادة ، فالحقّ أنّ مقتضى الأصل الأوّلي عدم البطلان بالزيادة عمداً وسهواً ؛ لأنّ الشكّ يرجع إلى أنّ الشارع هل اعتبر عدمه في ماهيّة الصلاة أو لا؟ ولا ريب أنّ الأصل البراءة من ذلك ، كما لو وقع الشكّ في اعتبار شي‌ء في الصلاة جزءاً أو شرطاً فإنّ الحقّ إجراء أصل البراءة في ذلك.

لكن إذا دلّ الدليل على بطلان الصلاة بزيادة شي‌ء عمداً فمقتضى الأصل الأوّلي بطلانها بزيادته سهواً ؛ لأنّ معنى بطلانها بزيادته عمداً أنّ الشارع اعتبر عدمه في الصلاة ، فإنْ كانت الزيادة بتكرير بعض أجزاء الصلاة كان معنى بطلان الصلاة

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٧٩.

١٥٨

بحصولها عمداً اعتبار الشارع الجزء المزيد عليه بشرط لا ، أي : بشرط عدم الإتيان به ثانياً ؛ لأنّ ذلك يوجب الإخلال بالجزء المزيد عليه وفوات شرطه ، وإنْ كانت بغير تكرير كان معنى البطلان لها إعدام الشارع تلك الزيادة في الصلاة ، فوجودها يخلّ بنفس الصلاة ويوجب فوات شرطها ، فيرجع في الحقيقة إلى النقص.

ولا ريب أنّ مقتضى الأصل الأوّلي البطلان بنقص شي‌ء منها سهواً ؛ لأنّ معناه عدم الإتيان بالمأمور به. بل قد يقال بمطابقة القاعدة الثانويّة المستفادة من الأخبار لمفاد الأصل الأوّلي وهو بطلان الصلاة بمطلق الزيادة السهويّة ، بل مقتضى بعضها البطلان بمطلق الزيادة ، كقوله عليه‌السلام : « من زاد في صلاتِهِ فعليهِ الإعادةُ » (١) ، وهي شاملة للعمد والسهو. وقوله كما ورد في مَنْ أتمّ صلاته في السفر سهواً أن صلاته باطلة ـ : « لأنّه [ قد (٢) ] زاد في فرض الله » (٣) ؛ فإنّ مقتضى التعليل أنّ كلّ مَنْ زاد في فرض الله فصلاته باطلة ، وهو باطل وشامل للعمد والسهو وإنْ كان مورده خصوص السهو ، إذ المورد لا يخصّص الوارد.

وكقوله عليه‌السلام : « إذا استيقن أنّه زاد في صلاتِهِ المكتوبةِ لم يعتدَّ بها واستقبل صلاتَه استقبالاً » (٤) ، وهي ظاهرة في الزيادة السهويّة. وكما ورد في عدم صحّة قراءة سور العزائم في الصلاة لإيجابها زيادة السجدة (٥) ، وما ورد في بطلان الطواف بالزيادة فيه (٦) ؛ لأنّ الزيادة فيه كالزيادة في الصلاة.

لكن هنا أخبار بخلاف هذه الأخبار ، كقوله عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة » (٧) ، فإنّ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٤ ، الإستبصار ١ : ٣٧٦ / ١٤٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ١١ ، بالمعنى.

(٢) من المصدر.

(٣) الخصال : ٦٠٤ / ٩ ، الوسائل ٨ : ٥٠٨ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ١٧ ، ح ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٨ / ٣ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ ، أبواب الركوع ، ب ١٤ ، ح ١ باختلاف فيهما.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٦ / ٣٦١ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٤٠ ، ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢١٧ / ٧٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ١١.

(٧) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١ ، الوسائل ١ : ٣٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٣ ، ح ٨.

١٥٩

مقتضاها عدم بطلان الصلاة بشي‌ء وجوداً أو عدماً إلّا بالإخلال بأحد هذه الخمسة ، وقوله عليه‌السلام : « تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ترد عليك » (١) ، فإنّ مقتضاه أنّه لا شي‌ء من الزيادة والنقيصة موجب لبطلان الصلاة للإجماع (٢) على أنّ ما يوجب سجود السهو لا يبطلها. وهذا هو الظاهر من الرواية ، وإنْ احتمل كون المراد بيان أنّ الزيادة الغير المبطلة للصلاة توجب سجود السهو ، فلا بدّ من ملاحظة هذه الروايات بعضها مع بعض ومعرفة النسبة بينها ليعمل بما يحصل منها.

والنسبة بين الروايات الدالّة على البطلان بمطلق الزيادة أعمّ من العمديّة ، والسهويّة أعمّ مطلقاً من رواية « لكلّ زيادة ونقيصة » ، باعتبار دلالة تلك الروايات على أنّ الإبطال بمطلق الزيادة سهويّة أو عمديّة ، وهذه تدلّ على عدم إبطال الزيادة السهويّة ، واشتمالها على النقيصة لا يوجب أعمّيّتها من تلك الروايات باعتبار اشتمالها على ما لم تشتمل عليه تلك ؛ لأنّ ذكر النقيصة بلفظ مستقل ، ولم تدلّ على النقيصة في ضمن لفظ دالّ عليها وعلى الزيادة بنحو العموم ؛ ليلاحظ النسبة بينه وبين تلك الروايات. فينبغي حينئذٍ ملاحظة النسبة بين مفاد تلك الروايات وخصوص فقرة الزيادة ؛ لأنّ التعارض إنّما حصل من جهتها.

وأمّا فقرة النقيصة فهي مستقلّة لا دخل لها بمحل التعارض لتلاحظ في مقام النسبة ، فإذا ورد : أكرم زيداً وعمراً وبكراً ، ثم ورد : لا تكرم زيداً لم يكن بينهما إلّا التباين ، فلا بدّ من ملاحظة المرجّحات ، لا أنّ الثاني أخصّ من الأوّل ، وإلّا لجرى عليهما حكم الأعمّ والأخصّ مطلقاً ، ووجب العمل على الثاني دون الأوّل ، مع أنّ الأوّل نصّ فيما ينافي الثاني ، وحمل العام على الخاصّ إنّما هو لكون الخاصّ قرينة التجوّز في العامّ وإرادة خلاف ظاهره. فإذا كانت هذه الرواية أخصّ مطلقاً من تلك الروايات وجب حمل تلك الروايات عليها ، وبينها وبين ما كان مختصّاً بالسهو حمل

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨ ، الإستبصار ١ : ٣٦١ / ١٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٥١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣٢ ، ح ٣ ، باختلاف فيها.

(٢) مدارك الأحكام ٤ : ٢٣١.

١٦٠