تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

الباب الثالث

في الغسل

وهو غسل متعلّق بجميع البشرة أو ما نزل منزلته مشروط بالقربة ، وهو واجب ومندوب ، ويندرج في المندوب أقسام كثيرة يأتي الكلام فيها.

والواجب منه ستّة : غسل الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومسّ الأموات ، وغسلهم.

ووجوب ما عدا الخامس ممّا قام عليه إجماع الفرقة بل الضرورة ، والظاهر أنّه ممّا اتّفقت عليه الأمّة.

وأمّا الخامس فالقول بوجوبه هو المعروف من المذهب.

وعن السيد القول باستحبابه ، وهو مذهب العامة ، بل ذهب إليه جماعة من المتأخرين.

والأول هو الصحيح للأخبار المستفيضة القريبة من التواتر الآمرة بالغسل لأجله ، ولا معارض لها في الأخبار سوى بعض الإشعارات ، وهي بعد الكلام عن (١) سندها ساقطة الدلالة ، فكيف يعامل بتلك الأخبار المصرّحة المعتضدة بعمل الطائفة ومخالفة العامّة.

ومن الغريب تشكيك بعض المتأخرين في الحكم المذكور مع غاية وضوحه بما لا ينبغي الإصغاء إليه ، والكلام في تفاصيل الأغسال المذكورة يورد في فصول :

__________________

(١) في ( د ) : « على ».

٨١

الفصل الأوّل

في غسل الجنابة

والكلام في سببه وغايته وكيفيّته وشرائطه ولواحقه ، فهاهنا مباحث :

البحث الأوّل

في بيان ما يتحقّق به الجنابة

وهو أمران : الإنزال ، وإدخال الحشفة.

تبصرة

[ في تحقق الجنابة بالإنزال ]

يتحقّق الجنابة في الرجل بخروج المني على جميع الأحوال من النوم واليقظة مع العمد (١) في إخراجه بالملاعبة ونحوها أو غيره بلا خلاف فيه بين الطائفة.

ويدلّ عليه الروايات المستفيضة.

وكذا الحال في المرأة على المعروف من المذهب.

و (٢) في الحدائق (٣) أنّه لم ينقل فيه خلاف سوى ما يظهر من كلام الصدوق في المقنع (٤) حيث

__________________

(١) في ( د ) : « التعمد ».

(٢) زيادة الواو من ( د ).

(٣) الحدائق الناضرة ٣ / ١٤.

(٤) المقنع : ٤٢ ، وفي ( ب ) : « العلل » بدلا منه.

٨٢

يظهر منه (١) القول بعدم وجوب الغسل عليها بالاحتلام.

وقد حكى الإجماع على المسألة جماعة من الأجلّة.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك الصحاح المستفيضة وغيرها كصحيح الحلبي عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال : « إذا نزل فعليها الغسل » (٢).

وفي الخبر : « إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها في نوم كان أو يقظة فإنّ عليها الغسل » (٣).

وهناك عدّة روايات مشتملة على الصحاح صراح في عدم وجوب الغسل عليها بالإنزال قد اشتمل بعضها على عدم وجوب الغسل عليها بالإنزال في اليقظة وبعضها على عدمه بالاحتلام إلّا أنّها مطرحة بين الأصحاب ، وتلك معتضدة بالعمل والاحتياط والإجماعات المحكيّة ، مضافا إلى ظهور اشتراكها للرجل في الأحكام.

وفي بعض الأخبار الحكم بوجوب الغسل عليهنّ بذلك مع النهي عن إعلامهنّ بالحكم ، فقد يستفاد منه وجه جمع بين الأخبار المذكورة بأن يكون المقصود من هذه عدم الوجوب عليهن ؛ نظرا إلى جهلهنّ بالمسألة وعدم وجوب إعلامهنّ به ولو متعلّق عنه بناء على سقوط التكليف به من جهة المفسدة المترتبة عليه كما قد يسقط وجوب الإعلام في غيرها من جهة ترتّب الفساد.

والمراد بتلك الأخبار بيان ما هو الواقع من وجوب ذلك عليهنّ بأصل الشرع ، فيجب عليهنّ القيام به لو علمن به بالحال.

[ تنبيهات ]

هذا ، وفي المقام أمور ينبغي الإشارة إليها :

__________________

(١) في ( ألف ) : « من ».

(٢) الكافي ٣ / ٤٨ ، باب احتلام الرجل والمرأة ، ح ٥ وفيه : إذا أنزلت.

(٣) الإستبصار ١ / ١٠٦ ، باب أن المرأة إذا أنزلت وجب عليها الغسل ، ح (٣٤٧) ٥.

٨٣

أحدها : المدار في الجنابة على خروج المني فلا جنابة قبل خروجها عن المحل وإن نزل من الصلب كما إذا أمسك على حشفته بعد الإنزال وقبل الخروج ؛ إذ المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب إناطة الحكم به ، فعلى هذا يجب عليه الإمساك مع أمنه من الضرر إذا حرم الحدث عليه كما إذا كان في الصلاة أو في القيام أو في المسجدين فلا حرمة إذن في تحريك الشهوة وإنزال الماء من الصلب لعدم حصول الجنابة المحرّمة بمجرده إذا قصد الإمساك.

وفيه تأمّل.

وهل يعتبر الخروج من الموضع المعتاد أو يعمّ غيره أيضا؟ قولان ذهب إلى الأوّل منهما الشهيد في الذكرى.

وفي البيان (١) أنّه كالحدث الأصغر في اعتبار العادة وعدمها ، وهو بمعناه.

وإلى الثاني العلّامة في جملة من كتبه. والوجه فيها إطلاق الروايات وانصراف الإطلاق إلى المتعارف. وقد مرّ نظيره في خروج الحدث الأصغر. والمسألتان من باب واحد ، فالأظهر هنا ما مرّ هناك ، فتأمّل.

ثانيها : لو تيقّن كون الخارج منيّا حكم بالجنابة سواء اعتبر أوصافه أو لا ، وحدث (٢) فيه الأوصاف أو لا. وما ورد في عدّة أخبار من اعتبار الشهوة أو غيرها فإنّما هي وارد مورد الغالب أو روعي فيها التقيّة حيث إنّ الاعتبار ببعض الأوصاف من مذهب العامّة.

ثالثها : إنّما يحكم بالجنابة مع العلم بكون الخارج منيّا ، فلو ظنّه أو شكّ فيه لم يحكم به.

وعن ظاهر جماعة من الأصحاب الرجوع فيه مع الاشتباه إلى الصفات ، وهي الشهوة والدفع وفتور الجسد في الصحيح ، والأول والأخير خاصّة في المريض.

ويدلّ على الأوّل الصحيح : « إذا جاءت الشهوة والدفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ».

وعلى الثاني في جملة من الأخبار الدالّة على عدم اعتبار الدفع (٣) فيقيّد بها إطلاق الأوّل.

__________________

(١) البيان : ١٤.

(٢) في ( د ) : « لا وجدت ».

(٣) زياده في ( د ) : « في المريض ».

٨٤

وقد يستشكل فيه مع بقاء الشكّ معها بما دلّ عليه المستفيضة بعدم (١) انتقاض اليقين بالشكّ ، واحتمال ورود الصحيحة المذكورة مورد الغالب من حصول العلم أو التقيّة من جهة محض خروج المني في السؤال أو وقوع التفصيل المذكور في الجواب مع أن إطلاق حصول الانتقاض إذن من المعلوم بالإجماع ، فهو إنّما ملائم ما ذهب إليه بعض المخالفين من اعتبار الوصف منه.

وقد يقال بإفادتها اعتبار العلم وعدم الاعتناء بالشكّ والظن ، لوضوح حصول القطع الخالي عن شوائب الشك مع وجود الأوصاف الثلاثة ، فالقول بإناطة الحكم بالعلم في الصحيح هو الأصحّ.

وأمّا في المريض فالأظهر الاكتفاء فيه بالخروج عن الشهوة كما صرّح به جماعة من الأصحاب منهم المحقّق والشهيد.

ويدلّ عليه غير واحد من الصحاح ففي صحيحة زرارة : « إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربّما كان هو الدافق لكنّه يجي‌ء مجيئا ضعيفا ليس له قوّة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل به » (٢).

فيقيّد به ما دلّ على عدم نقض اليقين بغيره ، مضافا إلى اعتضاد هذه بالعمل حتّى ذكر بعض المحققين أنّ الظاهر من الأصحاب الاتفاق على العمل بما دلّت عليه هذه الأخبار وعدم الرادّ فيها.

وفي الدروس (٣) : إنّه يعتبر المني مع الاشتباه برائحة الطلع والعجين رطبا وبياض البيض جافّا ، ويقارنه الشهوة وفتور الجسد والدفق غالبا إلّا في المريض ، فيكفي الشهوة.

وذكر في البيان (٤) في أوصافه بعد الثلاثة الغلظ في مني الرجل أكثريا والرقة في مني الرجل

__________________

(١) في ( د ) : « من عدم » بدل « بعدم ».

(٢) الكافي ٣ / ٤٨ ، باب احتلام الرجل والمرأة ح ٣.

(٣) الدروس ١ / ٩٥.

(٤) البيان : ١٣.

٨٥

ورائحة الطلع ، وما ذكر من الاعتبار لم نجده في شي‌ء من النصوص وكأنّه أراد بذلك بيان استكشاف الحال ليحصل اليقين بالحال.

هذا في الرجل ، وأمّا المرأة فيعتبر فيها بمجرّد الشهوة كما يدلّ عليه عدّة من الأخبار. وهل تحكم بها بمجرّدها وإن خلت عن اليقين؟ وجهان أحوطهما ذلك.

رابعها : اعتبار اليقين بالجنابة أو الرجوع إلى الصفات عند الشك إنّما هو في الإنزال المبتدأ ، وأمّا إذا أنزل واغتسل وخرج منه البلل حكم عليه بالجنابة وإن شكّ في كونه منيّا.

وهو خروج عن قاعدة البقاء على اليقين بالدليل أو حكم من الشرع بمنويّة الخارج ، فلا تخصيص في القاعدة المذكورة كما مرّ نظيره.

وتفصيل القول في ذلك أنّه إمّا أن يكون قد بال بعد الإنزال و (١) استبرأ بالاجتهاد أو لم يفعل شيئا منهما أو اقتصر على أحدهما ، وعلى الأخير فإمّا أن يكون قادرا على البول أو لا ، فهاهنا مسائل :

الأولى : أن يكون قد بال بعد إنزاله واستبرأ بالاجتهاد.

ولا خلاف إذن في عدم انتقاض طهره ، فليس عليه غسل ولا وضوء. ويدلّ عليه بعد الأصل والإجماع الأخبار المستفيضة الواردة في المسألة ، وفيما مرّ في الوضوء.

ثانيها : أن ينتفي الأمران. والمعروف من المذهب فيه وجوب الغسل. وعن المبسوط (٢) والصدوق الاكتفاء فيه بالوضوء.

وعن جماعة من المتأخرين عدم انتقاض الغسل به ، وإنّما يستحب له الإعادة. ويظهر من الشيخ التفصيل بين نسيان البول وتعمّد تركه ، فأوجب الغسل في الأخير خاصّة.

والأقوى الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المحكي عليه في السرائر (٣) وغيره المعتبرة المستفيضة المشتملة

__________________

(١) في ( ألف ) : « أو ».

(٢) المبسوط ١ / ٢٩.

(٣) السرائر ١ / ١١٨.

٨٦

على الصحاح الصراح كصحيحة الأقطع عن رجل اجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء؟ قال : « يعيد الغسل » (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله » (٢).

وموثقة سماعة عن الرجل يجنب ثمّ يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل ، قال : « يعيد الغسل » (٣).

إلى غير ذلك ، وهناك أخبار مستفيضة تدلّ على عدم انتقاض الغسل بذلك إلّا أنّها لا يقاوم الأخبار المذكورة لعدم سلامة إسنادها ، فالاستناد إليها مع قطع النظر عن المعارض لا يخلو عن الإشكال ، فكيف مع معارضتها بتلك الصحاح المعتضدة بالاحتياط وعمل الاصحاب.

وفي حسنة جميل : عن الرجل يصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال : « لا قد تعصرت ونزل من الحبائل » (٤).

ورواية أحمد بن هلال : سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : « إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا فلا يعيد » (٥).

وهاتان الروايتان حجة التفصيل ، مضافا إلى كونه وجه جمع بين الأخبار.

وفيه بعد ضعف الإسناد للتأمل على أنّ السندي الواقع في إسناد الأوّل ، وإن كان الأظهر الاعتماد عليه ، وضعف أحمد بن هلال الواقع في إسناد الأخير مع عدم خلوه عن الاضطراب ؛ لوقوع السؤال فيه بالقول ظاهرا والجواب بالكتابة وإعراض جمهور الأصحاب عن العمل

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤٩ ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي‌ء بعد الغسل ، ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ٢٨٣ ، باب حكم البلل المشتبه الخارج بعد البول والمني ، ح ٥ مع اختلاف.

(٣) الكافي ٣ / ٤٩ ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي‌ء بعد الغسل ، ح ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٢ / ٢٥٢ ، باب حكم البلل المشتبه بعد الغسل ، ح ١١.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ١٤٥ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح ١٠١.

٨٧

بهما ، مع كون الحكم المذكور من الأحكام الوضعيّة الّتي قد تختلف الحال فيها بالنسبة إلى الناسي وغيره.

الثالثة : أن يكون ذلك بعد البول قبل الاستبراء. ولا يجب عليه إذن إعادة الغسل أيضا بلا خلاف يظهر كما مرّ. ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة المتقدمة لكن يجب عليه الوضوء لما مرّ في بابه.

الرابعة : أن يكون بعد الاستبراء بالاجتهاد من دون البول مع إمكانه. والمعروف فيه أيضا وجوب الغسل ؛ لإطلاق الأخبار المذكورة.

وربّما يظهر من إطلاق المحقق عدم الوجوب.

وهو ضعيف ؛ إذ لا شاهد على تقييد الأخبار ، ومجرد الاعتبار لا يصلح حجّة في الشرع.

الخامسة : أن يكون ذلك مع عدم إمكان البول. وفيه قولان ، فذهب الشيخ (١) وجماعة إلى عدم وجوب الغسل ، وعزي إلى الأكثر وظاهر جماعة من المتأخرين القول بوجوب الاعادة.

وكأنّه الأظهر ؛ لخلوّ أخبار الاستبراء عن ذلك ، بل لم نجد في شي‌ء من الأخبار ذكر الاجتهاد في الاستبراء عن المني ، وإنّما ورد ذلك في البول ، وقياس المني عليه ممّا لا وجه له.

فربّما يتأمّل في مشروعيّة فعله بقصد الوظيفة فضلا عن ترتّب حكم الاستبراء عليه.

ولو سلّم ذلك فانّما يسلّم في المقام الأوّل للتسامح في أدلّة السنن ، وأمّا الثاني فلا وجه للقول به مع دلالة الإطلاقات السابقة على لزوم الغسل.

نعم ، لو قيل بأنّ المناط في الاستبراء على حصول الظن بعدم تخلف شي‌ء من المني في مجراه ، وهو كما يحصل (٢) بالبول يحصل بالاجتهاد اتّجه ما قالوه إلّا أنّه لا وجه إذن للترتيب المذكور ، فلا بدّ من القول بترتّب الحكم عليه مع إمكان البول أيضا. ولا يتوقّف حصوله على الاجتهاد المعروف ، بل يحصل بكثرة المني وطول المدة.

__________________

(١) في ( ب ) : « الشيخان ».

(٢) في ( ب ) : « ترى ».

٨٨

والقول به كذلك مع أنّه مخالف لظاهر المذهب لا يوافق ظاهر أخبار الباب ، وإن وافق قاعدة عدم انتقاض اليقين بالشكّ.

واحتجّوا على عدم وجوب الغسل بخروج البلل مع عدم البول ؛ حملا لها على تلك الصورة جمعا بين الأخبار.

ويضعّفه أنّ حمل تلك الإطلاقات على الفرد النادر لو كان هناك خبر مقيّد في غاية البعد ، فكيف مع عدمه. ومجرد كونه وجه جمع بين الأخبار لا يوجب الحمل عليه سيّما بعد ما عرفت.

وهل يثبت الحكم المذكور بالنسبة إلى المرأة أيضا ، قولان : فظاهر ما ذكره جماعة من الأصحاب من عدم استحباب الاستبراء في شأنها انتفاء الحكم بالنسبة اليها ، ونصّ بعض المتأخرين على استحباب الاستبراء لها ، وعلى جريان الحكم المذكور بالنسبة إليها (١) هو ظاهر الشيخ في النهاية حيث سوّى بين الرجل والمرأة في الاستبراء.

والأظهر الأوّل لاختصاص ما دلّ على استحباب الاستبراء ، والحكم بانتقاض الغسل بالخارج قبله بالرجل وقد فرض الحكم بالانتقاض فيه فيما رأيناه من الأخبار المتعلّقة به.

وعدم ذكر الرجل بخصوصه في الجواب لا يقضي بالإطلاق بعد فرضه في الرجل في السؤال ورجوع الضمير عليه في الجواب.

قيل (٢) : وفي بعض الأخبار وقع السؤال والجواب عامّا.

قلت : لم أجد ذلك في شي‌ء من الأخبار ، بل الموجود فيها مشتمل على خصوص السؤال عن خصوص الرجل مع رجوع الضمير في إليه ، فلا يمكن أن يعم الجواب.

نعم ، في صحيحة محمّد بن مسلم : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله » (٣) الخبر.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « و ».

(٢) زيادة : « قيل » من ( د ).

(٣) وسائل الشيعة ١ / ٢٨٣ ، باب حكم البلل المشتبه الخارج بعد البول والمني ، ح ٥.

٨٩

ولا يبعد استظهار حملها على الرجل سيّما بمعونة سائر الأخبار بل خيرة (١) الآخر المرويّ قبله.

ويؤيّده التعليل الوارد في آخر الرواية حيث علّل عدم نقض الغسل بعد البول بأن البول لم يدع شيئا ؛ إذ من الظاهر أنّه لا دخل للبول بالنسبة إليها في إخراج المتخلّف من منيّها لاختلاف مخرجها.

وذلك أيضا إشارة تامّة إلى اختصاص الحكم بالرجل ، فلو سرينا الاستبراء إليها تعيّن الاجتهاد. واحتمال أن يكون لخروج البول من مخرجه تأثيرا في تنظف الآخر كما قيل بعيد جدّا. وحينئذ فقاعدة عدم انتقاض اليقين بالشك محكمة في شأنها ، فلا يحكم عليها بالنقض إلّا مع العلم بكون الخارج منيّا ، وأنّه من منيّها. فلو تيقنت بخروج المني وكان في فرجها من مني الرجل بنت على أصالة الطهارة.

ويدلّ عليه موثقة الأقطع : عن رجل اجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء؟ قال : « يعيد الغسل » ، قلت : فالمرأة يخرج منها شي‌ء بعد الغسل؟ قال : « لا تعيد » ، قلت : فما الفرق (٢) بينهما؟! قال : « لأنّ ما يخرج (٣) من المرأة من مني الرجل » (٤).

ونحوها صحيحة منصور ، وفيهما أيضا إشارة إلى ما قلناه.

هذا ، واعلم أنّ الحكم بنقض البلل المشتبه مع اشتباه ذاته ظاهر ، وأمّا مع العلم بعدم صدق المني عليه واحتمل استهلاك جزء من منيّه فيه كما إذا بال واحتمل حصول جزء من المني مستهلك فيه ، ففيه وجهان من حصول الاشتباه ، ومن خروجه عن ظاهر الأخبار ؛ لعدم صدق البلل المشتبه عليه في العرف وإن كان الثاني أظهر ؛ أخذا بأصالة بقاء الطهارة ، والأحوط الاعادة.

__________________

(١) في ( ألف ) : « حتّى ».

(٢) زيادة في ( د ) : « ما ».

(٣) في ( ب ) زيادة : « إنّما هو ماء ».

(٤) الكافي ٣ / ٤٩ ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي‌ء بعد الغسل ، ح ١.

٩٠

خامسها : لو احتلم فلمّا انتبه لم يجد في ثوبه وبدنه شيئا أو وجد وشك في كونه منيّا لم يحكم بالجنابة ، للأصل والأخبار.

ولو وجد في بدنه وثوبه المختصّ به منيّا رطبا أو يابسا حكم بجنابته مع العلم بخروجه منه بلا خلاف فيه.

وفي موثقة سماعة : عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنّه احتلم ، فيجد في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال : « نعم » (١).

ونحوها موثقته الأخرى.

ولو لم يعلم بخروجه منه لم يحكم بجنابته ؛ للأصل وظاهر حسنة أبي بصير : عن الرجل يصيب بثوبه منيّا ولم يعلم أنّه احتلم؟ قال : « يغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ » (٢).

وفي أمره بالوضوء إشارة إلى الاكتفاء فيه برفع الأصغر ، ولا فرق في الحكم بين ما إذا قضى أصالة التاخّر بوقوعه منه كما إذا لم يحتمل مع تأخّر وقوعه من غيره أو لا ، وكذا لا فرق في صورة العلم بين ما إذا تيقّن بخروجه بعد غسله أو احتمل وقوعه قبله لرجوعه في الأخير إلى اليقين بالطهارة والحدث والشك في التاريخ.

ثمّ إنّه مع الحكم بجنابته إنّما يجب عليه اعادة ما أتى به من الصلاة بعد النوم الأخير ؛ لعدم العبرة بالشكّ بعد الفراغ ، مضافا إلى أصالة التأخر.

وعن الشيخ في المبسوط (٣) القول بوجوب قضاء كلّ ما أتى به من الصلوات بعد الغسل الأخير الواقع (٤). وكأنّه نظر إلى مراعاة الاحتياط.

وهو كما ترى ؛ لعدم دليل على وجوب الاحتياط في مثله سيّما بعد قيام الدليل على عدم العبرة بالشك بعد الفعل أو خروج الوقت ، ولانتفاء الاحتياط في الصلاة المتوسط بين الغسل

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤٩ ، باب احتلام الرجل والمرأة ، ح ٧.

(٢) الإستبصار ١ / ١١١ ، باب الرجل يرى في ثوبه المني ولم يذكر الاحتلام ، ح ٣٣٦٩.

(٣) المبسوط ١ / ٢٨.

(٤) في ( د ) : « الرافع ».

٩١

الأخير والنوم الأوّل.

وكأنّه لا يقول به أيضا ، وإن قضى به إطلاق عبارته ، ولعدم حصول الاحتياط به إذا احتمل تقدّمه على الغسل الأخير ؛ لعدم الاتيان إذن بجميع المحتملات ، وإنّما يتأتى ذلك باعادة كلّ صلاة يحتمل تعقيبه للجنابة المذكورة.

سادسها : لو وجد المني في ثوبه المشترك بينه وبين غيره لم يحكم كل منهما بانتقاض طهارته سواء كانا مجتمعين فيه كالفراش أو اللحاف أو كلّ (١) منهما على سبيل التناوب.

والحكم في الصورة الأولى ممّا لا خلاف فيه ظاهرا ؛ أخذا في كل منهما بأصالة الطهارة.

ومجرد انتقاض إحدى الطهارتين لا يوجب الاحتياط عليهما ؛ لعدم اليقين بحصول التكليف بالنسبة إلى شي‌ء منهما ليجب الخروج عنه كما في مسألة الإنائين.

والقول بأنّ كلا من الاستصحابين حجّة شرعيّة فبعد القطع بحصول النقض لأحدهما يكون بمنزلة التخصيص بالمجمل (٢) مدفوع بقيام كل منهما حجة بالنسبة إلى موضوعه ، فلا تعارض.

ويدلّ عليه أيضا إطلاق حسنة أبي بصير المتقدمة ، وفي الصورة الثانية هو المعروف ، وقد حكم فيه بعضهم بوجوب الغسل على صاحب النوبة.

واختاره المحقق الكركي والشهيد الثاني ؛ أخذا بأصالة تأخر الحادث.

ويدفعه ما عرفت من كون المسألة (٣) في مثله مثبتا (٤) لما لا يتفرع عليه ، فلا يكون حجّة فيه ؛ إذ ليس من مقتضيات تأخّر وقوعه في نفسه وقوعه من الآخر ، وإن استلزمه بملاحظة الخارج. كيف ولو صحّ التمسّك بالأصل في مثله لزمه الحكم بنجاسة بدنه إذا رأى في ثوبه دما ، واحتمل خروجه منه ومن غيره إلّا أنّه لا يحتمل وقوعه من غيره إلّا مع سبقه لقطعه بعدم

__________________

(١) في ( د ) : « كان ».

(٢) في ( ألف ) : « بالجهل ».

(٣) في ( د ) : « الأصل ».

(٤) في ( ألف ) : « مبتنيا ».

٩٢

ملاقاته لغيره في ذلك الوقت وما يقاربه مثلا.

والظاهر أنّ أحدا لا يقول به ، فكذا فيما نحن فيه ؛ إذ هما من قبيل واحد.

مضافا إلى شمول الحسنة المتقدمة له أيضا.

ثمّ إنّه إنّما يحكم بسقوط أحكام الجنب عن كلّ منهما بانفراده بالنسبة إلى نفسه ، وأما بالنسبة إلى غيره وما إذا تعلّق الحكم بالمجموع فهناك تأمّل في جريان الحكم المذكور.

فمن الأوّل ما لو أراد أحد استيجار أحدهما للصلاة عن الميّت أو أراد القدوة به فإنّ فيه وجهين من الحكم شرعا بطهارته ، ويتبعه الحكم بصحّة صلاته ، ومن القطع بفساد صلاة المحدث منهما وعدم جواز استيجاره ، ولا القدوة به.

فمع دورانه بين المحصور يجب التجنب عنهما ؛ لوجوب التحرّز عن المشتبه المحصور كما مرّ (١).

هذا هو الأظهر ، ويحتمل القول بجواز الجمع بينهما أيضا بناء على دعوى إسقاط الشرع لحكم الجنابة المذكورة ، وهو في حيّز المنع.

ومن الثاني جواز قوة (٢) أحدهما بالآخر أو استيجار أحدهما للآخر (٣) لتعيّن ما عليه من الصلاة المستأجر عليها اذا أتى ببعضه الآخر. والأظهر فيه المنع لفساد صلاته على كلّ من التقديرين في الأوّل وعدم فراغ ذمّته من تمام الحق قطعا في (٤) الأخير.

وقيل فيه أيضا بالصحّة للحكم شرعا بطهارة كلّ منهما وسقوط حكم الجنابة المفروضة.

ولا يخفى وهنه بعد عدم نهوض دليل عليه كذلك ، غاية ما يقتضيه الدليل سقوطه بالنسبة إلى كلّ منهما (٥).

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « و ».

(٢) في ( د ) : « قدوة ».

(٣) في ( د ) : « الآخر ».

(٤) لم ترد في ( ب ) : « في الأخير وقيل فيه أيضا ».

(٥) زيادة في ( د ) : « فتأمّل ».

٩٣

تبصرة

[ في تحقق الجنابة بإدخال الحشفة ]

الثاني من موجبي الجنابة الإدخال ، وحصولها بالإدخال في فرج المرأة ممّا أجمعت عليه الفرقة بل هو ممّا أطبقت عليه الأمّة سوى شذوذ منهم.

وقد رجع جماعة من المنكرين إلى القول به كما حكي عنهم.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المعلوم والمنقول ظاهر الكتاب والنصوص المستفيضة ، ويعتبر فيه إدخال الحشفة على ما هو المصرّح به في كلام الأصحاب ، وعبّر عنه في كثير من الأخبار بالتقاء الختانين.

وفي القاموس (١) : إنّ الحشفة ما فوق الختان.

وفي الصحيح : متى يجب الغسل؟ فقال : « إن التقى الختانان فقد وجب الغسل ». فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : « نعم » (٢).

ولا ينافي ذلك ما في القاموس من تفسير الحشفة بما فوق الختان ، بل ينطبق عليه ؛ إذ حصول الالتقاء بغيبوبة الحشفة إنّما يكون بكون (٣) الحشفة ما فوق الختان.

ثمّ إنّ المعروف من المذهب وجوب الغسل بإدخال دبر المرأة ، وقال السيد (٤) : لا أعلم خلافا بين المسلمين في أنّ الوطي في الموضع المكروه من ذكر أو أنثى يجري مجرى الوطي في القبل ، ولا وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا الإماميّة إلّا ذلك ، ولا سمعت ممّن عاصرني

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ / ١٢٨ ( حشف ).

(٢) الكافي ٣ / ٤٦ باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ، ح ٢.

(٣) زيادة : « بكون » من ( د ).

(٤) نقل عنه مختلف الشيعة ١ / ٣٢٨.

٩٤

منهم من شيوخهم نحوا من ستّين سنة إلا يفتي بذلك. فهذا إجماع من الكلّ.

وفي موضع من المبسوط (١) : انّه الظاهر من المذهب.

وذهب الشيخ (٢) في غير واحد من كتبه إلى عدم حصول الجنابة به. وحكاه في المبسوط عن بعض الأصحاب.

وقد يستظهر ذلك من الكليني رحمه‌الله حيث روى في الكافي (٣) مرفوعة البرقي والصدوق حيث روى في الفقيه صحيحة الحلبي الآتية.

وفيه : أنّه لا دلالة في الصحيحة (٤) على الحكم كما ستعرف ، فإسناد القول إليه ممّا لا وجه له. والأقوى هو الأوّل. ويدلّ عليه بعد الإجماع والشهرة العظيمة الاحتياط لوجوه :

منها : إطلاق ما دلّ من المستفيضة على وجوب الغسل بالإدخال كالصحيح : متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : « إذا أدخل (٥) فقد وجب الغسل والمهر والرجم » (٦).

ونحوه صحيحة أخرى ، وفي أخرى : « ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل أمنت أو لم تمن » (٧).

ويؤيّده ذكر المهر والرجم معه ؛ إذ الظاهر عدم تأمّل منهم في ثبوتها بالإدخال في الدبر.

ومنها : ما دلّ على عدم انفكاك وجوب الغسل عن وجوب المهر والرجم كقول عليّ عليه‌السلام في الصحيح حين وقع النزاع بين المهاجرين والأنصار في كون الإدخال سببا للغسل : « أتوجبون عليه الرجم والحدّ ، ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟! » (٨).

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧.

(٢) الخلاف ١ / ١١٦.

(٣) الكافي ٣ / ٤٧ ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ح ٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٥ ، باب صفة غسل الجنابة ح ١٨٦.

(٥) في ( د ) : « أدخله ».

(٦) الكافي ٣ / ٤٦ ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ، ح ١.

(٧) الإستبصار ١ / ١١٢ ، باب الرجل يجامع المرأة في ما دون الفرج ، ح (٣٧٢) ٣.

(٨) وسائل الشيعة ٢ / ١٨٤ ، باب وجوب الغسل على الرجل والمرأة بالجماع في الفرج حتى تغيب الحشفة ، ح ٥.

٩٥

وفي صحيحة أخرى : « كيف لا توجب (١) الغسل والحد يجب عليه؟! » (٢).

فإن ظاهرها أنّ وجوب الغسل والحدّ والرجم من قبيل واحد ، و (٣) إنّ ثبوت الأوّل أولى من الأخيرين ، فإذا ثبتا لزم القول (٤) بثبوته بالأولى ، و (٥) الإدخال من الدبر يوجب الجلد أو الرجم عندهم ، فيلزمه وجوب الغسل.

والقول بأنّ ذلك قياس لا يجوز الاحتجاج به في ثبوت الأحكام مدفوع بأنّ كلام الإمام عليه‌السلام هو الحجّة في ذلك ، وإن كان ذلك تقريبا إلى إفهامهم ، ولم يجز الاحتجاج به بمجرّده ، فإنّ المستند عندنا هو حكم الإمام عليه‌السلام به ، مضافا إلى أنّه لا مانع من الاحتجاج به بعد قيام الأولويّة أو العلم بالمناط. وكأنّه كان المناط في ذلك منقّحا عندهم ، وعدم تنقّحه عندنا لا يستلزم عدمه عندهم.

ومنها : الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن سوقة عمّن أخبره قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها؟ قال : « هو أحد المائين فيه الغسل » (٦).

وضعف الرواية منجبر بالعمل مع صحّتها إلى ابن أبي عمير الّذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

ولا مجال للمناقشة في دلالتها ؛ لصراحتها في المطلوب.

ويؤيّد ذلك أيضا ظاهر الآية الشريفة الدالّة على وجوب الغسل بالملامسة الصادقة به ، وخروج الملامسة بغير الإدخال من أجل الإجماع.

وظاهر الفتوى لا يقضي بخروجه ؛ لصدقه عليه أيضا ، وتفسيرها في الصحيحة بالمواقعة

__________________

(١) في ( د ) : « نوجب ».

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٤ ، باب صفة غسل الجنابة ، ح ١٨٥.

(٣) في ( د ) : « أو ».

(٤) في ( ألف ) : « ثبت النوم فالقول » ، بدلا من « ثبتا لزم القول ».

(٥) زيادة الواو من ( د ).

(٦) الإستبصار ١ / ١١٢ ، باب الرجل يجامع المرأة في ما دون الفرج ، ح (٣٧٣) ٤.

٩٦

في الفرج لا يوجب التخصيص ؛ لصدق الفرج على القبل والدبر كما نصّ عليه أهل اللغة ، وقضى به جملة من الاستعمالات.

وعلى هذا فيما (١) دلّ على وجوب الغسل بالإدخال في الفرج دلالة عليه إلّا أنّ الظاهر منه عرفا هو خصوص القبل ، ففي الاحتجاج بها إشكال.

حجة القول بالثاني بعد الأصل وما دلّ على عدم نقض اليقين إلّا باليقين إلى نوعه في « الرجل يأتي المرأة إلى دبرها وهي صائمة؟ قال : « لا ينقض صومها وليس عليها غسل » (٢).

والمرسلة : « إذا أتى الرجل المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل » (٣).

وإطلاق الصحيح : عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج ، أعليها غسل هو إن أنزل أو لم تنزل هي؟ قال : « ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل » (٤) ؛ لشمول إطلاقها محلّ الكلام.

ويضعف بأنّ الأصل ما دلّ على عدم نقض اليقين لا حجة فيهما بعد قيام الدليل ، والروايتان الأوليان ضعيفتان ، فلا معوّل عليها سيّما في مقابلة الأدلّة المذكورة.

مضافا إلى اطراحها بين الأصحاب وإعراضهم عن العمل بها من الصدر الأول كما حكاه السيّد.

مضافا إلى اختصاصهما بالمرأة ، والصحيحة لا دلالة فيها بناء على شمول الفرج للدبر ، ولو سلّم الاختصاص فانصراف إطلاقها إلى صورة الدخول محلّ تأمّل ، فلا معوّل عليها.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بالجنابة بذلك بين الرجل والمرأة كما هو الظاهر من الملازمة بين

__________________

(١) في ( د ) : « ففيما ».

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ٣١٩ ، باب الزيادات ، ح ٤٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٧ / ٤٦٠ ، باب من الزيادات في فقه النكاح ، ح ٥١.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٤ باب صفة غسل الجنابة ، ح ١٨٦.

٩٧

الأمرين في ذلك ؛ لقضاء جملة من الأدلّة المذكورة (١) ، وتردّد فيه العلّامة.

وليس في محلّه. قال بعض المتأخرين : لم نجد على وجوبه عليها حديثا إلّا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أتوجبون .. » إلى آخره.

قلت : هو كاف في ذلك ، مضافا إلى غير واحد من الأخبار المذكورة هناك كإطلاقات (٢) الدالّة على وجوب الغسل بالإدخال سيّما الصحيحة الأخيرة لورودها في خصوص المرأة.

ثمّ إنّ الخلاف في دبر الغلام كالخلاف في دبر المرأة ، وحكى السيّد الإجماع فيها على نحو سواء كما عرفت (٣) أو على القول بالفصل بينه وبين دبر المرأة كما في المختلف (٤). مضافا إلى الشهرة العظيمة والاحتياط والاعتبار.

وفي حسنة الحضرمي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من جامع غلاما صار جنبا يوم القيامة لا ينقّيه ماء الدنيا » (٥).

وفي إطلاقها تأييد تامّ لما ذكرنا ، بل الأدلّة عليه.

وقد يستشكل في جنابة الطفل بذلك لارتفاع الحد منه ، ولا يشمل الرواية المذكورة.

ويضعّفه أنّ ذلك من الأحكام الوضعيّة الّتي لا يختلف فيه المكلّف وغيره ، مع أنّ الظاهر عدم فرق أحد بين كونه مكلّفا وغيره. مضافا إلى تنقيح المناط فيه.

ولو أولج في فرج الخنثى لم يجب الغسل عليها لاحتمال الزيادة ، وقد يحتمل الوجوب لصدق الفرج عليه.

وهو ضعيف.

وكذا لو أولج الخنثى في الرجل والمرأة أو في مثلها.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « به ».

(٢) كذا ، والظاهر : « كالإطلاقات ».

(٣) زيادة في ( ب ) : « إلّا أنّه خارج عن مدلول النصوص سوى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام وكفى به حجّة بعد الإجماع عليه مطلقا كما عرفت ».

(٤) مختلف الشيعة ١ / ٣٢٩.

(٥) الكافي ٥ / ٥٤٤ ، باب اللواط ، ح ٢ وفيه وفي روايات اخر : جاء جنبا.

٩٨

ولو أولج كلّ في فرج الآخر وجب عليهما بخلاف ما لو أولج كلّ في دبر الآخر فلا يجب على شي‌ء منهما. وأمّا الايلاج في فرج البهيمة ففيه قولان : فذهب الشيخ (١) في غير واحد من كتبه إلى عدم حصولها به ، واستحسنه المحقق (٢) وجماعة.

وفي الحدائق (٣) : الظاهر أنّه المشهور.

وذهب العلّامة في المختلف (٤) إلى حصول الجنابة به. وربّما يعزى إلى السيد (٥) حكاية الإجماع عليه أيضا.

والظاهر عدم شمول ما دلّ على حصول الجنابة بالإدخال لذلك.

والقول بتنقيح المناط فيه بحيث يشمل ذلك غير ظاهر ، فالبناء فيه على حصول الجنابة مشكل جدّا ، وطريق الاحتياط فيه ممّا لا يخفى.

ويجري الوجهان في دبر البهيمة أيضا ، وملازمة الاحتياط فيه أولى.

__________________

(١) الخلاف ١ / ١١٧.

(٢) المعتبر ١ / ١٨١.

(٣) الحدائق الناضرة ٣ / ١٢.

(٤) مختلف الشيعة ١ / ٣٣٠.

(٥) نقل عنه مختلف الشيعة ١ / ٣٣٠.

٩٩

البحث الثاني

في غايات غسل الجنابة

وهي أمور يرجع كلّها إلى رفع المنع الحاصل بالجنابة ، ولذا يذكر المعالم منها أحكام الجنابة ، ونحن نجري على ذلك في المقام جريا على طريقة أولئك الأعلام.

تبصرة

[ فيما حرّم على الجنب ]

يحرم على الجنب فعل الصلاة والطواف الواجبين والمندوبين وإن لم نقل باشتراط الطهارة في الطواف المندوب ، فإنّه يجي‌ء المنع هنا من جهة الدخول في المسجد الحرام ، واشتراط الصلاة مطلقا والطواف الواجب به ظاهر ممّا مرّ في الوضوء بالأوّل.

ويشمله بعض الإطلاقات المذكورة هناك كقوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلّا بطهور » (١) ، والحكم ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب وكذا يحرم الصوم الواجب.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٣ ، باب وقت وجوب الطهور ، ح ٦٧.

١٠٠