تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

وفي وجوب مراعاة الأخفّ من أحواله مع اختلافها وجه.

والأولى بل الأحوط مراعاته.

رابعها : لو فاجأ المبطون الحدث في أثناء الصلاة فعن الأكثر أنّه يتطهّر. ويبنى على صلاته ، وفصّل في المختلف (١) بين ما إذا كان له فترة تسع الطهارة والصلاة وعدمه ، فعلى الأوّل يفسد صلاته ؛ إذ لا ضرورة معها فيشملها إطلاق ما دلّ على فسادها بالحدث ، وعلى الثاني تصح من غير حاجة إلى التطهير للعفو.

وعن جماعة من المتأخرين التفصيل بين ما إذا استمرّ حدثه بحيث لا يمكنه الدخول في الصلاة من دونه ، وما إذا أمكنه الدخول بغير الإتمام ، وما إذا كان له فترة يتمكّن معها من الإتمام أيضا.

فعلى الأوّل يتمّ الصلاة من دون إعادة الطهارة.

وعلى الثاني فالمشهور وجوب التطهير متى (٢) فاجأه في الأثناء ويبني على صلاته.

وعلى الثالث يجب عليه الانتظار. وهذا هو الأقرب ؛ إذ ذاك هو المستفاد من الأخبار الواردة فيه كالصحيح : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته » (٣).

وفي الموثق (٤) : عن المبطون؟ فقال : « يبني على صلاته » (٥).

وفي أخرى : « صاحب البطن يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي » (٦).

وظاهر (٧) هذه أصرح ما في الباب ؛ لعدم اشتمال الأوّلين صريحا على كون الطهارة المأمور بها في الأثناء ، فالظاهر من هذه الأخبار فرض الحكم فيمن دخل متطهّرا أو عرض له الحدث

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ / ٣١١.

(٢) في ( ألف ) : « حتّى ».

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٦٣ ، باب صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون ، ح ١٠٤٣.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « وفي الموثّق ... صلاته ».

(٥) تهذيب الأحكام ٣ / ٣٠٦ ، باب صلاة المضطر ، ح ١٩.

(٦) تهذيب الأحكام ١ / ٣٥١ ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح ٢٨.

(٧) لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « ظاهر ».

٦١

في الأثناء. وكأنّه الفرد الشائع فيه (١) منه بخلاف المسلوس ، ولذا لم يرد الحكم بالبناء فيه مع اشتراكه له في العلّة.

وأمّا مع مشروعيّة الدخول في الصلاة مع الحدث فالظاهر مشروعيّة الاستمرار ؛ إذ لا ثمرة ظاهرا للتطهير ثانيا مع خروجه عن ظاهر الأخبار ، بل ودلالة بعض تعليلات المسلوس على مضيّه عليه.

نعم ، لو تكرّر منه الحدث في الأثناء فالظاهر وجوب تكرار الطهارة إلّا أن يوجب العسر أو الخروج عن وضع الصلاة.

وحينئذ فهل يستمرّ على الفعل أو يتطهّر أو لا يبنى عليه من غير التفات إلى الأحداث إلّا دفعة؟ وجهان أحوطهما الأخير.

هذا ، وفي جريان الحكم على التفصيل المذكور بالنسبة إلى المسلوس وجه قويّ ، وإن لم يذكر في الأخبار وخلا عنه كلام كثير من الأصحاب.

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « فيه ».

٦٢

البحث السادس

في اللواحق

تبصرة

[ في الشك في أفعال الوضوء ]

لو شكّ في شي‌ء من أفعال الوضوء فإن كان في حال الوضوء وجب العود إليه سواء انتقل من ذلك الفعل إلى غير من أفعاله أو لا ، وإن لم يكن في حال الوضوء فلا يلتفت على المعروف بين الأصحاب في المقامين.

بل الظاهر إطباقهم على الحكمين في الجملة.

ويدلّ على الأوّل بعد اتفاقهم عليه ظاهرا وقضاء الأصل به حيث إنّ الشك في العمل يوجب الشك في الامتثال الموجب لبقاء الشغل ، خصوص الصحيح : « إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليها ، وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله ممّا سمّى الله ما دمت في حال الوضوء » (١).

يخصّص بذلك ما دلّ من العمومات على عدم العبرة بالشك مع فوات المحلّ كالصحيح : « اذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (٢) كما هو الشأن في العموم والخصوص المطلق.

نعم ، في الموثّق : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ١٠٠ ، باب صفة الوضوء ، ح ١١٠ ، خلاصه حديث.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ / ٣٥٢ ، باب أحكام السهو ، ح ٤٧.

٦٣

بشي‌ء إنّما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » (١).

فيدل على عدم العبرة بالشك مع فوات المحلّ في خصوص الوضوء ؛ لظهور رجوع الضمير في « غيره » إلى « الشي‌ء » كما يفصح عنه قوله « إنّما الشك في شي‌ء لم تجزه » فيتدافع الخبران.

ولا شك في ترجيح الأوّل ؛ لصحته مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط وعمل الأصحاب وإن كان ذاك أيضا مؤيّدا بالعمومات إلّا أنّه لا يقاوم ما ذكروه ، مضافا إلى عدم صراحته في المطلق ؛ لإمكان رجوع الضمير إلى الوضوء.

وقوله « إنّما الشك .. » إلى آخره ، ليس صريحا في خلافه ولا دالّا بنفسه كذلك على الحكم ؛ لإمكان رجوع الضمير إلى الوضوء كلّه ؛ نظرا إلى قلّة أفعاله شيئا واحدا.

وقد يقال بأنّ الخبر الأخير أخصّ من الأوّل لدلالته على وجوب العود مع بقائه على حال الوضوء ، وقد قيّده الأخير بصورة عدم الفوت من محلّ الفعل ، فقضيّة القواعد إذن تخصيصه به.

ويدفعه أوّلا : أنّه كالصريح في عدم الفرق بين القسمين ، مضافا إلى فهم الأصحاب وإطباقهم عليه ، فهو مقدّم على الآخر قطعا ؛ إذ لا عبرة بالصحاح في مقابلة الإجماع فكيف بالموثقة المذكورة.

ثمّ إنّ المدار في وجوب الرجوع إلى المشكوك هل هو حال الاشتغال بالأفعال أو يثبت مع بقائه في المحلّ وإن فرغ من الوضوء إذا لم يشتغل بغيره من الأفعال؟ قولان.

ويعتبر على الثاني عدم حصول الفصل الطويل. والظاهر إلحاق الجفاف به بناء على ذلك القول في وجه قوي.

والأظهر الأوّل ، وهو المشهور كما في الحدائق (٢) ؛ أخذا بعموم ما دلّ على عدم العبرة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ١٠١ ، باب صفة الوضوء ، ح ١١٢.

(٢) الحدائق الناضرة ٢ / ٣٩١.

٦٤

بالشك بعد الفراغ كقوله عليه‌السلام في الموثق : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » (١) ، وخصوص ما دلّ على عدم العبرة بالشك في الوضوء بعد الإتمام ، ففي موثقة بكير : قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ؟ قال : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك » (٢).

بل ذلك هو الظاهر من الصحيحة المذكورة ، ولا ينافيه ما بعده من قوله عليه‌السلام : « إذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك فيه وضوء لا شي‌ء عليك » (٣) ؛ إذ الظاهر أنّ ذكر خصوص المقام مبنيّ على الغالب كما يومي إليه تعيينه بالفراغ وصيرورته في حال أخرى.

نعم ، لو تلبّس بفعل من الأفعال أوّلا والتمثيل بالصلاة لا يخصّه بذلك ، ولو فرض ظهوره في اعتبار ذلك لمفهوم معارض بمفهوم التعسّر السابقة ، وبملاحظته يحصل الاحتمال المانع من الاستدلال ؛ مضافا إلى أنّ ظاهره اعتبار القيام ، فلو انتقل عن المحلّ من دونه لزم بقاء حكم الشكّ.

ولو قام من دون انتقال جرى حكمه. وظاهر القائل به خلافه.

وأيضا ظاهره اعتبار الأمرين من الانتقال والدخول في فعل آخر ، وظاهر المنقول عنهم الاكتفاء بأحد الأمرين.

وممّا ذكرنا ظهر الوجه في الاشتراط وضعفه.

وهاهنا إشكال فيما إذا عرض الشك بالنسبة إلى آخر الأجزاء ؛ لعدم تحقّق الفراغ المقتضي للإجزاء ، والوجه فيه الرجوع فيه إلى نفسه فإن وجد ماء على حال الفراغ وإكمال الأفعال فالظاهر صدق كون الشك بعد الفراغ.

ولو حصل الفصل الطويل أو الجفاف فالحكم أظهر وأولى منهما لو اشتغل بعبادة مشروطة بها.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ٣٤٤ ، باب أحكام السهو ، ح ١٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ١٠١ ، باب صفة الوضوء ، ح ١١٤.

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ١٠٠ ، باب صفة الوضوء ، ح ١١٠.

٦٥

وفي الصحيح ـ على الأصحّ ـ : فيمن شكّ في مسح رأسه ورجليه حال تلبّسه بالصلاة أنّه « يتناول من لحيته لو كانت مبتلّة ويمسح به رأسه وكان أمامه ماء تناول ماء جديدا ومسح به » (١). وهو صريح في صحّة الوضوء ، وإلّا لوجب عليه استيناف الصلاة ، فالرجوع إلى المسح كأنّه محمول على الندب إن عمل به.

[ تنبيهات ]

وينبغي هنا بيان أمور :

أحدها : لو جفّ جميع ما تقدّم على العضو المشكوك لزمه فساد الوضوء ؛ للحكم طاهر [ ا ] بعدم غسل المشكوك ، ومعه بفوت الموالاة المعتبرة.

وهو ظاهر كلام الأصحاب ، بل عزاه في الحدائق (٢) إليهم مشعرا باتفاقهم عليه.

وتأمّل فيه صاحب الحدائق ، بل ظاهره عدم الفساد ؛ أخذا بإطلاق ما دلّ في المقام على الرجوع إلى العضو المشكوك من غير تفصيل بين الوجهين ، مع عدم شمول ما دلّ على اشتراط عدم الجفاف لمثله ؛ لاختصاصه بصورة الجفاف الحاصل من جهة نفاد الماء وطروّ الحاجة.

ويضعّفه أنّ ما دلّ على (٣) اعتبار الموالاة بالمعنى المذكور وإن ورد في خصوص المقام المفروض لا يقضي بتخصيص الحكم ، بل الظاهر عدم الفرق كما مرّ.

فإنّ الظاهر منه بمعونة فهم الأصحاب دوران الحكم مدار الجفاف ، والأحكام الوضعيّة لا يفرق فيها بين المتعمّد وغيره ، والاقتصار على خصوص مورد الخبرين الواردين في الموالاة من دون تقديمه عنه أصلا لا يعرف قائل به من الأصحاب ، بل الظاهر انّه خلاف ما أفتى به هناك ، وإن صرّح في المقام بالاقتصار على مدلولهما ؛ لنصّه هناك على حصول الفساد بالجفاف من التفريق. وهو حاصل في المقام بناء على الظاهر من الحكم ؛ لعدم الإتيان بالمشكوك إذا أتى

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٠١ ، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة ح ٨٨.

(٢) الحدائق الناضرة ٢ / ٣٩١.

(٣) زيادة في ( ب ) : « اشتراط عدم الجفاف ».

٦٦

بما بعده ، والإطلاق الوارد في المقام بالرجوع إلى المشكوك منزّل على الغالب من بقاء الرطوبة ، فيظهر بذلك قوة القول المشهور. مضافا إلى تأيّده بالشهرة والاحتياط.

ثانيها : حكم كثير الشكّ في الوضوء كالصلاة في عدم الالتفات وإن ورد الأخبار (١) في خصوص الصلاة ؛ لدلالة فحواها على عموم الحكم لكلّ العبادات ، ففي الصحيح : « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطيعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك » ثمّ قال عليه‌السلام : « إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم » (٢).

فهو كالصريح في التعميم وشمول الحكم لسائر المقامات ، مضافا إلى لزوم العسر والحرج مع البناء على وجوب الرجوع.

ويومي إليه في خصوص الوضوء ظاهر قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان حيث ذكر له ابتلاء رجل بالوضوء والصلاة ووصف عقله : وأي عقل له وهو مطيع الشيطان؟! فقال له : « وكيف يطيع الشيطان؟ فقال : سله هذا الّذي يأتيه من أي شي‌ء هو؟ فإنّه يقول لك : من عمل الشيطان » (٣).

فإنّه وإن كان الظاهر وروده في الوسواس إلّا أنّ ظاهر إطلاقه يعمّ ذلك ، بل لا يبعد اندراج كثير منها في الوسواس.

ثمّ إنّ قضية عدم الالتفات إلى الشكّ هو البناء على الإتيان بالفعل المشكوك هل هو رخصة من الشرع أو عزيمة فيحرم الرجوع؟ وجهان أوجههما الأخير ؛ لظاهر الأخبار.

وعموم أدلّة الاحتياط معارض بما يستفاد من النهي في المقام سيّما إذا وصل إلى حدّ الوسواس.

وحكم بعض المتأخرين بكونه من قبيل الرخصة ، ولا مانع من الفعل أخذا بعمومات

__________________

(١) في ( د ) : « الأخيار » ، وفي ( ألف ) : « الاضمار ».

(٢) الإستبصار ١ / ٣٧٥ ، باب من شك فلم يدر صلى ركعة أو ثنتين ، ح ٥.

(٣) الكافي ١ / ١٢ ، كتاب العقل والجهل ، ح ١٠.

٦٧

الاحتياط الموجب للمشي على الصراط.

ولا يخفى ضعفه.

ثالثها : المدار في كثرة الشكّ وقلّته على العرف. وربّما يجده في الصلاة بتوالي الشك في ثلاث ، وربّما يدلّ عليه بعض المعتبرة إلّا أنّ الأظهر حمله على بيان مصداق من مصاديقه كما هو الظاهر من الرواية ، ثمّ بعد ثبوت الكثرة يستصحب حكمها إلى أن يعلم الزوال ، ويرجع فيه أيضا إلى العرف.

وهل يسقط اعتبار الشك في خصوص ما تكثر فيه وقوعه فيه أو يعمّ غيره من سائر الأفراد الّتي يقع فيها الشكّ وإن لم يكثر فيها بالخصوص أو يعمّ الشكوك الواقعة في سائر الأفعال؟ وجوه أظهرها الثاني إلّا أن تحصل (١) الكثرة لحصول الشك بالنسبة إلى كثير من الأفعال ، فالظاهر إذن تعميمه بالنسبة إلى الجميع.

ويحتمل البناء على الثالث لما يستفاد من النهي عن تقوية الخبيث ويمكّنه من نفسه. وهو يحصل بالاعتناء بالشك مع الكثرة وإن كان بالنسبة إلى الأفعال المتعدّدة.

رابعها : الظاهر أنّ حكم الظن في المقام كالشكّ ؛ لعدم قيام دليل على حجّية الظن فيه ، وبعض العمومات الدالّة على حجيّته لم ينقل بطريق صحيح.

وفي مرسلة أبي يحيى الواسطي : « فيمن شكّ في غسل ذراعيه ويده انّه إذا وجد برد الماء على ذراعه فلا يعيد » (٢).

وفيه إشارة إلى اعتبار الظن فيه إلّا أنّها لضعفها وعدم وضوح دلالتها لا ينهض حجّة.

وهل يجري فيه حكم الشكّ بعد فوات المحلّ؟ وجهان ؛ من أنّه بمنزلته بعد عدم حجيّته ، وأنّ الرجوع بعد فوات المحلّ خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النصّ ، وهو صورة الشكّ.

والأظهر الأوّل لما عرفت من أنّ الأصل الأصيل وجوب الرجوع ؛ نظرا إلى أنّ عدم

__________________

(١) في ( د ) : « تحصيل ».

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٣٦٤ ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح ٣٣ مع اختلاف.

٦٨

العلم بإتيان الجزء كعدم العلم بإتيان الكلّ ، فلا يحصل اليقين بالبراءة ، غاية الأمر إخراج حكم الشكّ مع فوات المحلّ في غير الوضوء ، فيتبعه الظنّ الأولى. وأمّا في الوضوء فلمّا وجب الرجوع في صورة الشكّ بقي الظنّ فيه على مقتضى الأصل.

والقول بأنّ قضيّة تلك الإطلاقات عدم الرجوع بعد فوات المحلّ مطلقا ، فبعد خروج صورة الشكّ المتعلّق بأبعاض الوضوء يبقى غيره على مقتضاها موهون بأنّ دلالتها على الظنّ إنّما هي من باب الأولويّة ، فبعد ثبوت التخصيص في المنطوق لا يبقى فيها دلالة على المفهوم بالنسبة إلى ما خصّص به المنطوق كما لا يخفى.

مضافاً إلى احتمال شمول الشكّ في المقام للظنّ أيضا.

ثمّ إنّه يجري فيه حكم كثير الشكّ مع تحقّق الكثرة فيه ، ولو كثر منه الشكّ خاصّة ففي عدم اعتنائه بالاحتمال الحاصل في الظن أيضا وجه قويّ.

وفي عكسه وجهان ، وكذا إذا كثر منه الشكّ فطرء له الظن بالترك ، والأحوط فيهما الرجوع.

خامسها : لو تعلّق الشك بشرط الوضوء جرى فيه حكم الشك في الأفعال مع بقاء المحلّ ، ومع فواته ففيه وجهان ؛ من رجوع الشكّ في الشرط إلى الشك في نفس الفعل ، ومن أنّ ظاهر الرواية الشك في إيقاع أصل الفعل ، فيبقى غيره تحت الإطلاقات.

والأحوط الرجوع.

ولو شكّ في فوات الموالاة فإن شكّ في حصول الجفاف قوي البناء على البقاء ، ولو تيقّن بالجفاف وشكّ في تأخره عن الشروع في اللاحق وتقدّمه عليه فإن علم وقت الشروع أو الجفاف قوي البناء على أصالة تأخّر الآخر ، وإلّا ففيه الوجهان السابقان.

سادسها : (١) لو شكّ في الحدث بعد تيقّن الطهارة فلا عبرة به كما أنّه لا عبرة بالطهارة المشكوكة بعد اليقين بالحدث بلا خلاف في المقامين.

__________________

(١) في ( ب ) و ( د ) : « تبصرة » بدل « سادسها ».

٦٩

نعم ، يستثنى منه خروج بالشكّ في بوليته بعد البول قبل الاستبراء ، فإنّه يحكم بنقضه الوضوء على المعروف بين الأصحاب ، على ما مرّ تفصيل القول فيه.

ويمكن أن يقال : إنّه محكوم شرعا ببوليته ، وكذا (١) يحكم بنجاسة عينه كما مرّ ، فلا استثناء.

ثمّ إنّ الروايات بما ذكرنا مستفيضة منها : الصحيح بعد حكمه بعدم انتقاض الوضوء إلّا باليقين بالعدم « وإلّا فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ولكن ينقضه بيقين آخر » (٢).

وفي الموثق « إيّاك أن تحدث وضوء أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت » (٣).

والأخبار الدالّة على عدم نقض اليقين بالشكّ قريبة من التواتر بل متواترة.

وربّما يستشكل فيه بأنّ الشك ضدّ اليقين ، فلا بقاء له مع الشك ، فكيف يصحّ القول بعدم نقض اليقين بالشك مع أنّها منتفضة بطروّه قطعا.

واندفاعه ظاهر ؛ فإنّ المراد باليقين حكمه ، والمقصود أنّه يجب البقاء على حكمه حتّى يتيقّن بانتقاضه.

وبتقرير آخر لا اتّحاد بين زماني العلم والشك ، بل المقصود عدم نقض اليقين الحاصل في السابق إلّا باليقين الحاصل برفعه ، فالمقصود الحكم ببقاء حكمه إلى أن يعلم المزيل.

وفي الذكرى (٤) بعد دفعه الإشكال بما ذكرنا ، وتعليله الحكم بأصالة بقاء ما كان قال : فيؤول إلى اجتماع الظن والشك في الزمان الواحد فيرجح (٥) الظنّ عليه كما هو مطّرد في العبادات ويتراءى أي من ظاهر كلامه بخبرين اجتماع الظنّ والشك في الزمان الواحد مع أنّه

__________________

(١) في ( د ) : « لذا ».

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٨ ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح ١١.

(٣) الكافي ٣ / ٣٣ ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح ١.

(٤) الذكرى ٢ / ٢٠٧.

(٥) لم ترد في ( ب ) : « فيرجح ... في الزمان الواحد ».

٧٠

بديهيّ الفساد كالأوّل ، لكن الظاهر أنّه وجود الظن والشك الفعليين كما يتوهّم ، وإنّما عني حصول الشكّ مع عدم النظر عن الاستصحاب ليس على ما ينبغي ؛ إذ الظاهر عدم دوران الحكم فيه مدار الظن كما فصّل في محلّه مستقصى.

وقد يجاب أيضا بأنّ المقصود من الحدث نفس السبب لا الأمر الحاصل منه ، واليقين بحصوله بهذا المعنى لا ينافي الشكّ في وقوع الطهارة بعده وإن اتّحد وقتهما.

وهذا الجواب يرجع إلى بيان اختلاف متعلّقي اليقين والشكّ ، فلا مانع من ثبوتهما في زمان واحد.

ثمّ إنّ حمل العبارة على المعنى الأخير لم يصحّ الاستناد إليها في الحكم بالطهارة عند طروّ الشكّ في مطابقة اليقين للواقع ؛ لعدم بقاء اليقين ، فلا يقين إذن بالطهارة لئلا يرتفع إلّا باليقين كما قد يتوهّم بناء على أنّ (١) حملها على المعنى الأوّل ؛ نظرا إلى أنّ قضية إطلاقه عدم انتفاض حكم اليقين السابق إلّا بيقين آخر سواء عرض الشك في عروض الناقض أو نقض العارض أو مطابقة اليقين للواقع.

وقضيّة عدم تعيّن (٢) حمل العبارة على المعنى المذكور لإمكان حملها على المعنى الآخر ، ومع حملها عليه فالمنساق منها بمقتضى المقام عدم نقضه بالشكّ في الانتقاض كما لا يخفى.

ثمّ إنّه كما لا عبرة بالشكّ بعد اليقين لا عبرة بالظنّ أيضا ؛ لعدم قيام دليل على حجيّته ؛ ولأن الظاهر من مقابلة الشك باليقين أنّ المقصود به المعنى الأعم ، بل الظاهر أنّه معنى الشك في اللغة كما نصّوا عليه ، وقد اختصّ في الاصطلاح ببعض أقسامه ، والأخبار ناطقة بإرادته في المقام كما دلّ عليه المعتبرين المذكورين وغيرهما.

وربّما يظهر من بعض المتأخرين التأمّل في الحكم ، بل الحكم بخلافه ، وكلامه مبنيّ على ظنّ دوران حجيّة الاستصحاب مدار الظن ؛ نظرا إلى عدّة من الأدلّة الظنيّة ، فمع انتفاء الظنّ لا يبقى له حجية ، فعلى ما ذكرناه يرجع الحكم على قضية الأصل ، فيبقى بناؤه في المقامين على

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « انّ ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « تعيّن ... المقام عدم ».

٧١

لزوم الطهارة عملا بما يقتضيه اليقين بالشغل.

وضعفه بناء على عموم حجيّة الاستصحاب كما هو المحقّق في محلّه واضح.

كيف وقد صرّح في الأخبار بعدم الحكم بانتقاض الوضوء إلّا مع اليقين بطروّ الحدث ، بل وفي بعضها المنع من إحداث الوضوء بدون اليقين كما عرفت.

وفصّل بعضهم فحكم في صورة اليقين بالطهارة والظنّ بالحدث بعدم الانتقاض ، واستشكل في عكسه لصراحة (١) الأخبار في الأوّل لعموم الحكم كما مرّ ، وأمّا الثاني فلا يظهر دليل عليه.

وقوله في صحيحة زرارة « ولكن تنقضه بيقين آخر » كما يمكن أن يستدلّ بمفهومه على عدم اعتبار الظنّ كذلك يمكن أن يستدلّ بها على اعتباره بمفهوم « لا تنقض اليقين بالشكّ » مع أنّ الأصل براءة الذمّة.

قلت : ضعف ما ذكره أوضح من أن يخفى.

ومن الغريب ميله إلى عدم وجوب الوضوء كما يومي إليه استناده إلى أصالة البراءة مع أنّه (٢) من الواضح أنّه (٣) بعد تسليم عدم قيام الدليل على حجيّة الاستصحاب في المقام ، فلا دليل أيضا على حجيّة الظن المذكور وجواز العمل به ، مع أنّ قضية اليقين بالشغل اليقين بالفراغ ، فالمعيّن (٤) على ما ذكره لزوم الطهارة ، فلا ثمرة إذن للتفصيل المذكور.

__________________

(١) في ( ب ) : « إخراجه » بدل « لصراحة ».

(٢) في ( د ) : « انّ ».

(٣) زيادة : « أنّه » من ( د ).

(٤) في ( د ) : « فالمتعيّن ».

٧٢

تبصرة

[ في الشك في تأخّر الطهارة أو الحدث ]

لو تيقّن الحدث والطهارة معا وشكّ في المتأخر منهما فلهم فيه أقوال :

أحدها : وجوب الطهارة ، وهو المعروف من مذهب القدماء. وبه نصّ جماعة من المتأخرين. وعزاه في المختلف (١) إلى الأصحاب مؤميا إلى اتّفاقهم عليه.

ثانيها : الأخذ بضدّ الحالة السابقة على الشك إن علمها (٢) وإلّا يطهر. وعزي القول به إلى المحقّقين الحلّي (٣) والكركي (٤).

ثالثها : الأخذ بمثل السابقة. اختاره الفاضل في جملة من كتبه.

رابعها : التفصيل بين ما علم فيه وقت الحدث وغيره ، فيحكم بطهارته على الأول ؛ أخذا بأصالة تأخر الطهارة ، ويجب عليه الطهارة في الثاني. ويندرج فيه صورة جهالة تاريخهما أو تاريخ الحدث. ذهب إليه بعض المحققين من متأخري المتأخرين.

والأظهر الأوّل ؛ تحصيلا للبراءة اليقينيّة بعد اليقين بالشغل ، وأيضا المفروض تكافؤ احتمالي الطهارة والحدث فيتساقطان ، ويكون الطهارة مجهولة ، ويبقى عموم ما دلّ على وجوب الوضوء عند فعل الصلاة خاليا عن المعارض.

وما يتخيّل للأخذ بضدّ الحالة السابقة من انتقاض تلك الحالة قطعا وعدم العلم برفع الناقض لاحتمال تعاقب الحدثين أو الطهارتين مدفوع بحصول اليقين لوجود المماثل له أيضا مع

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ / ٣٠٨.

(٢) في ( د ) : « علمهما ».

(٣) في المعتبر ١ / ١٧٠.

(٤) في جامع المقاصد ١ / ٢٣٥.

٧٣

عدم اليقين بارتفاعه ، فيتعارض الاستصحابان فيتساقطان ، ويبقى أصالة الاشتغال بحاله.

فإن قلت : لو كان الحدث أو الطهارة واقعا عقيب مثله لم يفد حكما جديدا بخلاف الصورة الأخرى ؛ لاستلزامه رفع الحالة السابقة ثمّ ارتفاعه بطروّ الآخر ، ومن الظاهر أنّ كلّا من الأمرين خلاف الأصل ، فقضية الأصل البناء على الأوّل ، فيتعيّن الأخذ بضدّ الحالة السابقة.

قلت : لا وجه لكون أصل العدم مثبتا (١) لشي‌ء ، وما يتراءى من تفريع الأحكام المثبتة عليه مدفوع بعدم استنادها إليه في تلك المقامات ، بل إنّما يستند الحكم هناك إلى الأدلّة الشرعيّة كما إذا حكمنا بوجوب الوضوء بماء شكّ في ملاقاته للنجاسة ، فإنّه بعد رفع الملاقاة بالأصل يكون الماء غير ملاق للنجاسة ، فيثبت وجوب الوضوء بمقتضى الأدلّة الدالّة على وجوب الوضوء لمثله.

وليس المقام من ذلك القبيل ؛ إذ المفروض تساوي احتمالي وقوع الطهارة والحدث عقيب الطهارة والحدث ، غاية الأمر أن يتفرع على أحدهما ممّا يخالف الأصل أكثر من الآخر ، فلا وجه إذن لترجيح أحدهما بالنظر إلى قلّة فروعه.

ألا ترى أنّه لا يمكن الحكم بترجيح نجاسة إحدى الإنائين المشتبهين لكون الملاقي له أكثر من الآخر نظرا إلى أصالة الطهارة فيها.

وإن (٢) قلت : قضية أصالة تأخّر الحادث يعطي تأخير ما يوجب رفع السابقة لأصالة بقائها وتأخّر ارتفاعها ، فيجب الأخذ بضدّه (٣).

قلت : قد ظهر الجواب عنه بما مرّ للزوم كون الأصل مثبتا ، وليس شأنه إلّا الحكم ببقاء الحالة السابقة لو علم طروّ ضدّه مثلا.

نعم ، إن تفرّع عليه حكم من الخارج اتّبع ، وهنا ليس كذلك ؛ إذ الحكم ببقاء الحالة

__________________

(١) في ( ألف ) : « شيئا ».

(٢) في ( د ) : « فإن ».

(٣) في ( ب ) : « يفيده » وفي ( ألف ) : « بعيده ».

٧٤

السابقة لا يقضي بتأخّر ما يرفعه ، وإنّما يتوقف عليه البقاء.

والحاصل أنّه لا يمكن إثبات تأخير الطهارة بمجرّد ذلك مع مساواتها لوقوع الحدث ، وما ذكر ليس إلّا من قبيل ما قدّمنا من ترجيح وقوع أحد الحادثين لقلّة مخالفة فروعه للأصل.

نعم ، يصحّ إجراء الأصل بالنسبة إلى نفس الحالة السابقة لإثبات ما يتفرع عليها كما لو علم أنّ أوّل الزوال كان متطهّرا ثمّ تيقّن (١) وقت العصر بوقوع حدث وطهارة مع الجهل بتاريخهما حكم على نفسه بالطهارة إلى وقت لا يحتمل تأخّر الحدث عنه ، فيثبت له حكم الطهارة إلى الوقت المذكور ، وذلك لا يقضي بالحكم بتأخّر الحدث ليثبت على نفسه حكم الحدث بعد ذلك ، بل ذاك باق على الاجمال.

وهذا هو الشأن في الأحكام الظاهريّة كما في سائر المقامات.

ويبقى الكلام في المقام فيما إذا تعيّن عنده وقت الحدث ، فإنّ قضية الأصل فيه تأخر الطهارة ، ويتبعه الحكم بطهارته عند الشك.

لكن يضعّفه أن (٢) البناء على الأصل المذكور هنا مطروح بين الأصحاب ؛ لاطباقهم ظاهرا على خلافه ؛ إذ لا يظهر قائل من متقدّميهم ومتأخّريهم (٣) سوى ما ذهب إليه بعض المتأخرين.

بل الظاهر عدم ابتنائهم به في نظائره كما إذا لاقى يده القذرة آنية من الأواني المرتبة من المرور عليها وشكّ في خصوص الملاقي لها ، فإنّه لا يحكم قطعا بتعين الأخيرة لذلك ، مع أنّه قضية الأصل المذكور واشتبه شي‌ء في غسله ما إذا تيقّن بنجاسة يده مثلا في زمان معيّن كالزوال وتيقّن بإدخالها في الكرّ في ذلك النهار مطلقا ، فإنّ قضية الأصل المذكور فيه الطهارة ، والحكم بها مشكل جدّا.

ولا يظنّ فتوى الأصحاب به مع أنّه بعينه كالمسألة المفروضة ، بل الأمر فيه أسهل من

__________________

(١) في ( ب ) : « يتقين ».

(٢) في ( ألف ) : « عند ».

(٣) زيادة في ( د ) : « بذلك ».

٧٥

المقام.

والحاصل فإعراضهم عن الأصل المذكور ممّا (١) يوهن الاعتماد عليه سيّما فيما تيقّن فيه بالشغل اليقيني المقتضي للفراغ.

وقد يقال بأنّ عدم اعتبار الأصل في هذه المقامات من جهة كونه متعلّقا بالأمور العادية (٢) أعني إيقاع الطهارة بعد الحدث المفروض أو إيصال المطهّر إلى النجس ونحوهما ، فإنّ مجرّد الأصل قد (٣) لا يكفي في إثبات ذلك.

ويؤيّده ملاحظة ما يشبه ذلك من موارد الشكّ ، بل هذا وما يذكر وجها للأخذ بمثل الحالة السابقة من أنّ الطهارة رافعة لحكم الحدث ، والحدث رافع لحكمها ، فإذا تيقّن الأمرين فلا بدّ من وقوع الطهارة بعد الحدث المقطوع لو كان متطهّرا في الحالة السابقة.

ووقوعه بعدها لو كان محدثا موهون بأنّه خروج للعلم بالترتيب في الصورة المفروضة بأدنى التفات للنفس.

والمفروض في المقام بيان الحكم هنا مع فرض استمرار الجهل ، والمراد بالطهارة والحدث نفس الوضوء والأحداث الواقعة سواء كان كلّ منهما (٤) رافعا لحكم الآخر أو واردا على مثله. وهو ظاهر.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بين اتّحاد كلّ من الطهارة والحدث أو تعدّدهما أو اختلافهما ولا بين العلم بكون كلّ من الطهارة والحدث أو أحدهما رافعا لحكم الآخر بالفعل أو لا إلّا أن يؤول ذلك إلى ارتفاع الشكّ ؛ لخروجه عن المتنازع كما عرفت.

ولو علم في الصورة المفروضة بخروج الحدث الناقض مع الشكّ في تعدده جرى عليه حكم الطهارة أيضا ؛ لرجوعه إلى الشك في الحدث بعد اليقين بالطهارة كما يحكم في عكسه

__________________

(١) في ( ألف ) « ما ».

(٢) في ( ب ) : « النادبة ».

(٣) زيادة : « قد » من ( د ).

(٤) في ( ألف ) : « منها ».

٧٦

بحدثه لرجوعه إلى الشكّ في الطهارة بعد اليقين بالحدث.

٧٧

تبصرة

[ في الشك في كون الناقض أصغر أو اكبر ]

لو تيقّن بانتقاض طهارته وشكّ في كون الناقض أصغر أو أكبر ففيه وجهان.

أحدهما : الاكتفاء بالطهارة الصغرى ؛ إذ هي القدر المتيقّن بالانتقاض ، والطهارة الكبرى مستصحبة ، ومع الحكم ببقائها شرعا يتعيّن عليه ما قلناه.

ثانيهما : لزوم الإتيان بالطهارتين معا ؛ إذ هو من موارد الاحتياط الواجب ؛ للعلم بورود تكليف من الشرع ودورانه بين معنيين ، فيجب الاتيان بهما لتحصيل اليقين بالفراغ.

أو يقال : قد حصل العلم بطروّ حالة مانعة من الدخول في الصلاة فيستصحب إلى أن يعلم الرافع ولا يحصل إلّا بالجمع.

وفيه : أنّه إنّما يتمّ إذا لم يقم دليل من الشرع على انتفاء أحد الأمرين ، وليس كذلك لدلالة الاستصحاب على بقاء الطهارة الكبرى وعدم انتقاضها ، فيتعيّن بعض الصغرى ، وهو إنّما يرتفع بالصغرى بعد الحكم شرعا بخلوّه من الأكثر.

ألا ترى أنّه لو شكّ في خروج الأكبر وتيقّن بوقوع الأصغر اكتفى بما يرفع لحكمه شرعا من جهة الاستصحاب لخلوّه عن الأكثر. ومنه يظهر ضعف الوجه الأوّل أيضا ؛ لتعيّن التكليف بمقتضى الأدلّة الشرعيّة ، ولا اشتباه.

واعلم أنّ ما ذكرناه من الوجهين إنّما هو فيما إذا تيقّن أوّلا بخصوص الخارج ثمّ نسي بعد ذلك وشكّ في التعيين ، وأمّا إذا شكّ في الخارج أنّه بول أو مني فإن كان قبل البول حكم عليه بوجوب الغسل كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله ، وإن كان بعده اكتفى بالوضوء من غير حاجة إلى الغسل بلا خلاف فيه ، والروايات ناصّة به.

ومنه يظهر قوّة ما قلناه وضعف الوجه الآخر كما لا يخفى.

٧٨

تبصرة

[ في الخلل ]

لو توضّأ وضوءين ثمّ ذكر حدوث خلل في أحدهما فلا تأمّل عندنا في كونه متطهّرا (١) ؛ لصحة إحدى طهارتيه قطعا. ولو صلّى بينهما فالأظهر صحّتهما لحصول الشكّ فيها بعد الفراغ ، فلا يعتدّ به.

وعن الشيخ في المبسوط (٢) القول بفساده ؛ لعدم اليقين بوقوعها بطهارة صحيحة لاحتمال أن يكون الأولى هي الفاسدة.

وهو قضيّة فتوى الحلي والفاضل.

وأمّا على القول باعتبار قصد الرفع أو الاستباحة في الوضوء الرافع فيجي‌ء احتمال وجوب إعادة الطهارة إذا لم ينو أحد الأمرين في باقي الوضوءين كما إذا قصد التجديد ؛ لاحتمال كون الخلل في السابقة فيفسد الأخيرة أيضا.

وبه أفتى الحلي والفاضل ، وحكما بوجوب إعادة الصلاتين لو صلّى بعد الثانية أيضا.

والأظهر على القول المذكور أيضا عدم وجوب إعادة شي‌ء من الصلاتين إذا كان الشك بعدهما ؛ لعدم العبرة إذن بالشك.

وفي الحكم بوجوب إعادة الطهارة أيضا وجهان ممّا دلّ على عدم العبرة بالشكّ بعد الفراغ من الوضوء ، ومن أنّ المتيقّن منه ما إذا حصل الشك المجرد لا (٣) مع اليقين بحصول الخلل والشكّ في تعيين المحلّ.

__________________

(١) في ( ألف ) : « مظهرا ».

(٢) المبسوط ١ / ٢٥.

(٣) في ( ألف ) : « ولا ».

٧٩

والمحكيّ عن السيد جمال الدين والفاضل والشهيد البناء على الأوّل ، وظاهر بعض المتأخرين البناء على الأخير مع الحكم بعدم وجوب إعادة شي‌ء من الصلاتين أيضا ؛ لما عرفت.

ولو تيقّن بإخلاله بأمرين وشكّ في اجتماعهما في أحد الوضوءين أو تفريقهما في الفعلين وجهان (١) أجودهما البناء على الأوّل ؛ لرجوعه إلى الشكّ بعد العمل ؛ إذ ليس المقطوع بفساده سوى أحد الفعلين.

ولو ذكر حدوث حدث بين الطهارتين فعلى المختار لا إشكال في طهارته ، وعلى القول الآخر لا تأمّل في كونه محدثا مع عدم قصده أحد الأمرين ، فلو صلّى بين الطهارتين وشكّ في كونه بعد الحدث وقبله بنى على الصحّة قطعا.

ولو تيقّن إذن بحصول خلل في إحدى الطهارتين فالّذي قطع به (٢) الأفاضل وجوب التطهير لرجوع الحال إلى اليقين بالحدث والشكّ في الطهارة ؛ نظرا إلى شكّه في صحّة الطهارة الأخيرة.

ويحتمل ـ بناء على ما قدّمناه من احتمال شمول الشكّ بعد الفراغ لمثل ذلك كما اختاره أولئك الأفاضل ـ عدم وجوبها أيضا إلّا أنّ الأظهر خلافه.

ولو صلّى بعد الأخيرة قبل اليقين بحصول الخلل فلا تأمّل في صحّتها.

ولو صلّى بين الطهارتين فإن علم كونه بعد الحدث فظاهر ، وإلّا بنى على الصحّة.

ولو صلّى بعد كلّ من الطهارتين فرضا مع القطع بحصول الخلل في أحدهما وجب عليه إعادة أحد الفرضين ، وكذا لو تيقّن بحصول الحدث بعد أحدهما مع العلم بوقوع الصلاة بعده ، وإلّا بنى على أصالة الصحّة.

__________________

(١) في ( ألف ) : « وجهين ».

(٢) زيادة في ( د ) : « بعض ».

٨٠