تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

يتمكّن منه من الطّهارة والصلاة على فرض وجود الماء ، فلا يبعد القول بوجوب القضاء ؛ إذ تركه في أول الوقت لم يكن لأجل المانع المذكور ، وإنما كان من جهة لزوم القضاء.

ويحتمل إلحاقه بالقسم المتقدم.

والأول أظهر ، فهو كما إذا كان قائما في بعض الوقت بمقدار الطهارة والصلاة مثلا ثم قام ، فعرض المانع ، فإنّ الظاهر عدم تأمل في ثبوت القضاء حينئذ مع انتفاء المكنة حال النوم ؛ نظرا إلى فوات صلاته في بعض الوقت بالنوم ، وفي البعض الآخر بسبب المانع المذكور ، وما ثبت بالدليل هو سقوط القضاء في قسمي الآخر مندرجا تحت العموم ، والظاهر اعتبار اتّساع الوقت الفائت للصلاة التي كانت لكلّ مكلف بها لو كان مسقطا ، فلا عبرة باتّساعه لصلاة المضطر من جهة المقدمات والأفعال في وجه قوي.

ثم الظاهر اختصاص ما ذكرناه لمقدمات الوجود ، وأما مقدمات العلم فلا يجري فيه ما قدّمناه ؛ إذ ليس اعتبارها من جهة توقف نفس الفعل عليها ، بل من جهة العلم بأدائه يصدق فوات الواجب عليه قبل مراعاته في المقام ، وإن كان معذورا بالشرع كما أدّى الصلاة في يوم الغيم ، ثم لتحصيل الظنّ بالوقت ثم اتفق (١) مضي مقدار أداء الفعل ومقدماته ، فلا يسقط عنه القضاء وكذا الحال لو (٢) وجب (٣) عليه تكرار الصلاة كما في صورة اشتباه القبلة أو من جهة دوران الثوب الطاهر بين الثياب العديدة ، فلا يلاحظ اتّساع الوقت للمكرّرات.

هذا ، والمناط في المقام على أقلّ (٤) الواجب كما نصّ عليه جماعة منهم العلامة والشهيد (٥) والمحقق الكركي (٦).

__________________

(١) في ( ب ) : « فاتفق ».

(٢) في ( ألف ) : « وكذا إلى أو ».

(٣) في ( ب ) : « وكذا إلى أوجب ».

(٤) في ( ألف ) « الظاهر » بدل « أقل ».

(٥) الذكرى ٢ / ٣٥١.

(٦) جامع المقاصد ٢ / ٤٥.

٥٦١

وفي الحدائق (١) : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه يستقرّ وجوب الصلاة بإدراك الوقت على صفة الكمال ومضيّ مقدار أدائها مخففة من (٢) الشرائط ، فلو أطال الصلاة حتى طراه المانع لزمه القضاء في سقوط بعض الأجزاء الساقطة حال الاضطرار كالسورة ، يجري ما قدّمناه في الشرائط ويتقوى فيه ما قوّيناه ، ولو كان في مواضع التخيير اعتبر مضيّ وقت القصر لحصول الواجب به. وقد نصّ عليه في المقام بعض الأصحاب.

الثاني : إذا أدرك من الوقت دون ما ذكرناه فلم يسع مقدار أداء الصلاة لم يجب عليه القضاء على الأشهر الأظهر بين الأصحاب وفي الخلاف (٣) حكاية الإجماع عليه. وعزاه في المدارك (٤) إلى معظم الأصحاب.

وفي كشف اللثام أنه المشهور ؛ لما عرفت من كون فوات الصلاة عنه حينئذ بسبب القدر الحادث.

وقد ثبت في موضعه سقوط القضاء لفوتها لذلك ، فكونه في بعض الوقت خاليا عن الحيض لا يقضي بثبوت القضاء عليه.

ويشهد له أنه لو أدرك من الآخر ما لا يفي بالركعة لم يجب عليه الأداء ولا القضاء كما (٥) دلّ عليه صحيحة عبيد بن زرارة ، مع أنه واجد للشرط في بعض الوقت ، بل الخصم يسلّم ذلك إذا لم يدرك أكثر الصلاة.

واحتج عليه في الحدائق بسقوط الأداء عنه حينئذ قطعا ، وإلا لزم التكليف بالمحال (٦) ؛ إذ المفروض عدم اتّساع الوقت له فلا قضاء ؛ إذ وجوبه فرع وجوب الأداء وفيه إلى آخره من التابعية.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٦ / ٢٧٤.

(٢) في ( د ) : « مع ».

(٣) الخلاف ١ / ٢٧٢.

(٤) انظر مدارك الأحكام ٣ / ٩٢.

(٥) في ( ألف ) : « كما إن ».

(٦) في ( ألف ) : « بالحال ».

٥٦٢

كيف ، ولو كان كذلك لم يجب القضاء على النائم والذاهل ونحوهما.

قال في المدارك حكاية (١) عنه : وهو ضعيف جدّا ؛ لأن القضاء فرض مستأنف لا تعلّق له بوجوب الأداء أصلا ، واحتجّ هو بمقتضى الأصل إلى أن يثبت المخرج عنه.

وفيه : أنه لا عبرة بالأصل بعد ورود العمومات بوجوب قضاء الفوائت ؛ لصدق الفوات لغة وعرفا في المقام ، وإن لم يكن عاصيا بل ولا مكلّفا في الواقع أصلا.

وعن الصدوق في الفقيه (٢) والمقنعة والإسكافي والسيد في الجمل اعتبار الخلوّ عن الحيض بمقدار أكثر الصلاة.

قال في المدارك (٣) : ولم يقف لهم على مستند.

قلت : وقد يحتجّ لهم بالعمومات مع ما دلّ على سقوط القضاء مع عدم إدراك الأكثر كالموثّق عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ثمّ إنها طمثت ، وهي جالسة. فقال : « تقوم من مكانها ولا تقضي ركعتين » (٤).

مضافا إلى رواية أبي الورد ، عن الباقر عليه‌السلام : وقد سأله عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم. قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ».

وقال : « فإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين ثمّ رأت الدم قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الركعة » (٥) ؛ بحملها على الصلاة في أول الوقت وإلا وجب القضاء في المقامين كما مرّ.

وقد فصّل فيه بين الظهر والمغرب في وجوب قضاء الباقي وعدمه ، وليس إلا لمضيّ أكثر الصلاة في المغرب دون الظهر.

__________________

(١) في ( د ) : « حكايته ».

(٢) انظر من لا يحضره الفقيه ١ / ٩٣ ، باب احكام الحيض.

(٣) مدارك الأحكام ٣ / ٩٢.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٣٩٤ ، باب الحيض والاستحاضة والنفاس ، ح ٤٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٩٣ ، باب غسل الحيض والنفاس ، ح ١٩٨.

٥٦٣

وأنت خبير بأن العمومات لا تقاوم ما دلّ على السقوط كما مرّ ، ورواية أبي الورد ضعيفة لا معوّل عليها ، مع عدم وضوح دلالتها على المقصود.

مضافا إلى اشتمالها على خصوص قضاء الركعة ، وهو مع مغايرته للمدّعى مخالف لما استقر عليه المذهب وقضت به القواعد.

وفي النهاية (١) والوسيلة (٢) : أنها إذا حاضت بعد دخول الوقت قضت. وظاهر إطلاقهما وجوب القضاء وإن لم يسع الوقت لأكثر الصلاة.

ولا يبعد حملهما على ما إذا أدركت عن (٣) الوقت مقدار أداء الصلاة ، ومع حملها (٤) على الظاهر فلا ريب في ضعفه كما عرفت.

__________________

(١) النهاية : ٢٧.

(٢) الوسيلة : ٥٩.

(٣) في ( د ) : « من ».

(٤) في ( د ) : « حملهما ».

٥٦٤

تبصرة (١)

[ في إدراك آخر الوقت بمقدار ركعة ]

لو أدرك من آخر الوقت مقدار ركعة جامعة لشرائط الصحة وجب عليه الصلاة ، وكان بمنزلة إدراك جميع الوقت على المعروف بين الأصحاب ، بلا خلاف يعرف فيه.

وفي الخلاف (٢) : إذا أدرك مقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات لزمته الصلاتان بغير خلاف ، قال : وكذا الكلام (٣) في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر.

ثم ذكر خلاف العامة. وفيه أيضا : لا خلاف بين أهل العلم في أن واحدا ولا الذين ذكرناهم أعني الصبي والمجنون والحائض والنفساء والكافر إذا أدرك قبل غروب الشمس مقدار (٤) ركعة ، فإنه يلزمه العصر ، وكذلك إذا أدرك قبل طلوع الشمس مقدار ركعة.

وفي المبسوط (٥) : الظاهر (٦) أنه يجب على أصحاب الضرورات عند ذلك صلاة الصبح بلا خلاف.

وفي المنتهى (٧) نفى الخلاف بين أهل العلم من الاكتفاء في آخر الوقت بإدراك ركعة مع الشرائط.

__________________

(١) في ( ألف ) : « الثالث » ، وما في المتن أظهر ؛ إذ المؤلف قدس‌سره صرّح في أول البحث أن الكلام يقع في مقامين ، فلاحظ.

(٢) الخلاف ١ / ٢٧٣.

(٣) في ( د ) : « القول ».

(٤) في ( د ) زيادة : « ما يصلي ».

(٥) المبسوط ١ / ٧٥.

(٦) لفظة « الظاهر » أضفناها من ( ب ).

(٧) منتهى المطلب ١ / ٢٠٩.

٥٦٥

وحكى الإجماع في التذكرة (١).

وفي المدارك (٢) : أنه مجمع عليه بين الأصحاب.

وفي الذكرى (٣) : أنه المشهور.

وعن الشيخ في طهارة المبسوط (٤) والقاضي في المهذب (٥) استحباب الظهرين والعشاءين إذا أدرك خمسا قبل الغروب والفجر.

وعن الشيخ (٦) في كتاب الحديث أنها : إن طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي منه مقدار أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معا ، وإذا طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء العصر لا غير. ويستحب قضاء الظهر إلى أن تغيب الشمس ، وكذلك لا يجب العشاءان (٧) إن طهرت بعد انتصاف الليل بل يستحبان.

ومال إليه صاحب الذخيرة (٨) بل رجّحه حيث نصّ على أنه قوي متّجه ، وجعل ذلك وجه جمع بين أخبار الباب بل قال : إن ما ذكره الشيخ طريقة حسنة في الجمع بين الأخبار ، ويحتمل إيثار ذلك على مسألة الأوقات ، فيكون ذلك ( قولا بخروج وقت الظهر بعد مضي الأقدام الأربعة بالنسبة إلى المختار والمضطر وإن كان من ذلك ) (٩) في غاية من الضعف.

وحينئذ فلا ربط لها بالمقام ، وحينئذ فترجيح (١٠) صاحب الذخيرة غريب مع بنائه على بقاء الوقت.

__________________

(١) التذكرة ١ / ٧٨.

(٢) مدارك الأحكام ٣ / ٩٤.

(٣) الذكرى : ١٢٢.

(٤) المبسوط ١ / ٧٣.

(٥) المهذب ١ / ٣٦.

(٦) الإستبصار ١ / ١٤٤.

(٧) في ( ألف ) : « العشاء » وما في المتن هو الصحيح بقرينة قوله بعده : « يستحبان ».

(٨) ذخيرة المعاد ١ / ٧٣.

(٩) ما بين الهلالين أضفناها من ( د ).

(١٠) في ( ألف ) : « فيترجّح ».

٥٦٦

وكأنّ ذلك هو الوجه أيضا فيما ذكره في المبسوط والمهذب إلا أنه لا يعرف قول بانتهاء وقت المضطر للعصر قبل الغروب ، فلو لم يكتف بإدراك الركعة تعيّن للعصر إلا أن يقال بكون الاستحباب (١) تعبديّا يزاحم به ما يقتضيه الأصل من تعيّن القصر حينئذ لقيام الدليل.

وحينئذ فيكون ذلك إذن مرتبطا بالمقام ، غير أنه إذن خارج عن مقتضى القواعد الشرعية.

وكيف كان ، فظاهر عبارة السرائر والمحكي عن ظاهر الإسكافي هو اعتبار إدراك ( مقدار الطهارة وتمام الفعل من الوقت في وجوب الأداء والقضاء من دون اعتبار لإدراك ) (٢) الركعة ، والمحكيّ (٣) في المختلف عن ظاهر الصدوق وابن الجنيد اعتبار ذلك في أكثر الصلاة ، واختلاف النقل من الإسكافي إما من جهة اختلاف بين عباراته أو من جهة الاختلاف في فهمها.

وفصّل في الحدائق (٤) بين إدراك الركعة من صلاة الصبح وغيرها ، فحكم بإدراك الصلاة بادراكها في الأول ، واستشكل في غيرها من الصلاة ، وألزم مراعاة الاحتياط فيها على كلّ حال.

لنا بعد ما عرفت من الإجماعات الأخبار (٥) المستفيضة المعتضدة بالعمل :

منها : النبوي المروي في الذكرى : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (٦).

وقد روى في المعتبر مرسلا عنه عليه‌السلام : « من أدرك ركعة من أول (٧) الوقت فقد أدرك

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « المذكور ».

(٢) ما بين الهلالين أضفناها من ( د ).

(٣) زيادة : « والمحكي » من ( د ).

(٤) الحدائق الناضرة ٦ / ٢٧٧.

(٥) في ( ب ) : « والأخبار ».

(٦) الذكرى ٢ / ٣٥٢.

(٧) ليس في ( د ) : « أول ».

٥٦٧

الوقت » (١).

وروى أيضا في الذكرى عنه عليه‌السلام : « من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك (٢) العصر » (٣).

وفي الموثق : « فإن صلّى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتمّ وقد جازت صلاته » (٤).

وفي رواية الأصبغ ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة » (٥).

وضعف هذه الأخبار من حيث الإسناد منجبر بما عرفت من عمل الطائفة والإجماعات المنقولة في المسألة ، وكون الروايات الثلاثة الاول من طرق العامة غير معلوم ، فلا وجه لإطراحها بعد ذكرها في كتب الأصحاب ، وانجبارها بما عرفت.

مضافا إلى ظهور المناط من الخبرين الأخيرين وعدم ظهور قول بالفصل ، بل الظاهر إطباق الأصحاب على خلافه.

فظهر بذلك ضعف ما ذكره من الاقتصار في أخبار الخاصة على خصوص إدراك الركعة من الصبح ، وما دلّ على الإطلاق روايات عامّية لا يعدّ بها في إثبات الأحكام الشرعية.

وكذا ما يظهر من الحلي وغيره من عدم العبرة إلا بإدراك وقت يسع تمام الصلاة كما ذكرناه.

وكأن الوجه فيه ضعف الأخبار المذكورة وقضاء الأصل بخلافها.

على أنه قد يناقش في قضاء الأصل ؛ إذ (٦) الميسور لا يسقط بالمعسور ، فغاية الأمر عدم

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٤٧.

(٢) في ( الف ) زيادة : « وقت ».

(٣) الذكرى ٢ / ٣٥٢.

(٤) الإستبصار ١ / ٢٧٦ ، باب وقت صلاة الفجر ح (١٠٠٠) ١١.

(٥) الإستبصار ١ / ٢٧٦ ، باب وقت صلاة الفجر ، ح (٩٩٩) ١٠.

(٦) زيادة : « إذ » من ( د ).

٥٦٨

كونه أداء ، و (١) هو كلام في مقام آخر إلا أن الأظهر خلافه ؛ نظرا إلى اقتضاء الأصل تنزيل إدراك البعض منزلة العدم.

حجة الشيخ موثقة الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام : قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلا العصر ؛ لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج (٢) عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلي الظهر وما طرح الله عنها من الصلاة » (٣) (٤).

وهذه الرواية قد جعلها الشيخ جامعة لأخبار الباب حيث دلّ بعضها على عدم وجوب الظهر على من طهرت عند العصر كما في صحيحة معمّر بن يحيى أو على وجوبها إذا طهرت قبل العصر ، وجوب العصر خاصة إذا طهرت في وقت العصر كما في رواية منصور بن حازم ، أو على عدم وجوب الظهر على من طهرت فاشتغلت بشأنها حتى دخل وقت العصر فيصلّي العصر وحدها كما اشتملت عليه موثقة محمد بن مسلم.

ودلّ بعضها على أن « من طهرت في وقت صلاة ففرطت فيها حتى دخل وقت اخرى أنه يجب عليه قضاءها » كما في صحيحتي عبيد بن زرارة (٥) وأبي عبيدة الحذاء (٦).

ودلّ عدة من الأخبار المشتملة على المعتبرة ممّا تقدمت الإشارة إليها على وجوب الظهرين إذا طهرت قبل الغروب ، والعشاءين إذا طهرت قبل الفجر بحمل هذه على (٧) الاستحباب. وما دلّ على وجوب الظهر وقضائها على ما إذا طهرت قبل مضيّ الأقدام الأربعة ، وما دلّ على عدم وجوب القضاء بعد الدخول في وقت صلاة اخرى على ما يشتمل

__________________

(١) في ( ألف ) : « والصلاة ».

(٢) في ( ألف ) : « خروج ».

(٣) قرب الأسناد : ٣١٣.

(٤) في ( د ) زيادة : « وهي في الدم اكثر ».

(٥) الكافي ٣ / ١٠٣ ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ، ح ٤. نقلا بالمعنى.

(٦) الكافي ٣ / ١٠٣ ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ح ٣.

(٧) زيادة : « على » من ( د ).

٥٦٩

مضيّ المقدار المذكور لدخوله إذن في وقت العصر.

ولا يذهب عليك أن الموثقة المذكورة صريحة في خروج وقت الظهر مطلقا بمضيّ الأقدام الأربعة ، ولو بالنسبة إلى المضطر.

وهو إذن بمكان من الوهن ؛ لدلالة النصوص الصريحة القريبة من التواتر بل المتواترة في الحقيقة أو المقطوع صدورها من الأئمة عليهم‌السلام المعتضدة بالكتاب الموافقة لعمل الأصحاب ببقاء الوقت إلى ما بعد ذلك ، فلا يعقل وجه للعروج على تلك الرواية الشاذّة المعارضة بما ذكرناه ، فلا مناص من تركها وإرجاعها إلى قائلها.

والمعتبرة الأخيرة واضحة الدلالة على لزوم الإتيان بالصلاتين إلا أنها مشتملة على جريان الحكم في العشاءين بالنسبة إلى طلوع الفجر ، وهو خلاف المعروف. وهو لا يوجب ترك الرواية في غيره.

على أنّك قد عرفت قوّة القول بذلك كما اختاره جماعة من الأفاضل.

والروايات الاخر يمكن حملها على ما إذا أدرك الوقت المختصّ بالعصر جمعا بين الأخبار.

ومن الغريب تقوية صاحب الذخيرة لما ذكره الشيخ مع أنه ممّن [ ... ] (١).

فكأنه قال بسقوط صلاة الظهر في وقتها المضروب بمجرّد ورود خبر لا يقول بما اشتمل عليه.

وهو كما ترى بمكان من الفساد.

[ تتمّة ]

هذا ولنتم (٢) الكلام في المرام برسم امور :

أحدها : أنه يعتبر في المقام مع إدراك مقدار الركعة إدراك مقدار أداء الطهارة قطعا. وقد

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) في ( د ) : « لنتمّم ».

٥٧٠

حكم به كثير من الأصحاب بلا خلاف يعرف فيه سوى أنه احتمل في نهاية الإحكام (١) عدم اعتبار وقت الطهارة بناء على عدم اختصاصها بوقت.

وهو ضعيف ، وتعليله أضعف منه ؛ إذ من البيّن توقّف صحة الصلاة مطلقا على الطهارة ، فيكون إدراكه كمقدار الركعة بدونها كعدمه.

وفي الصحيح : « أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة اخرى فليس عليها قضاء » (٢).

ولو ضاق الوقت عن الطهارة الاختيارية انتقل حكمها إلى الاضطرارية ؛ أخذا بإطلاق ما دلّ على البدليّة وما دلّ على أن إدراك الركعة بمنزلة إدراك تمام الصلاة ، وفي ذلك كلام تقدمت الإشارة إليه في بحث التيمّم.

وعن جماعة من الأصحاب منهم السيد والمحقق (٣) وابن فهد والصيمري والمحقق الكركي والشهيد الثاني (٤) في عدة من كتبه وصاحب المستدرك اعتبار إدراك سائر الشروط المفقودة.

وفي الحدائق (٥) بعد الإشارة إلى إطلاق الرواية أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقييد ذلك بإدراك جميع الشرائط من الطهارة وغيرها ، وما ذكروه إن حمل على ظاهره فالظاهر خلافه ، وتلك الشرائط إنما يعتبر حال المكنة ، ومع الاضطرار تصحّ الصلاة من دونها ، وأيّ اضطرار أعظم من فوات الصلاة مع إدراك وقتها؟! بل هو المناط (٦) في الاضطرار الحاصل في الصلاة في كثير من المقامات.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ / ٣١٥.

(٢) الكافي ٣ / ١٠٣ ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ، ح ٤.

(٣) المعتبر ٢ / ٤٧ ، وليس في ( د ) : « والمحقق ».

(٤) الروضة البهية ١ / ٣٨٨.

(٥) الحدائق الناضرة ٦ / ٢٨٠.

(٦) لم ترد في ( ب ) : « بل هو المناط ... اتّساعه ».

٥٧١

وقد يستفاد من الصحيحة المذكورة اعتبار اتّساعه للاغتسال. وكأنها محمولة على الغالب.

ثم إنّ المعتبر في المقام خصوص الاتّساع لأداء الطهارة ، فلو توقف ذلك على تحصيل الماء ولم يتّسع الوقت لها ، فإن تمكن من الطهارة الاضطرارية أتى بها وإلّا سقط الأداء.

ووجوب القضاء إذن مبنيّ على وجوبه على فاقد الطهورين.

ولو ظنّ اتّساع الوقت للاختيارية فاشتغل بها فانكشف عدم اتّساعه إلا للاضطراريّة فقضى اشتغاله بذلك بفوات الركعة ففي لزوم القضاء عليه وجهان أوجههما ذلك.

وكذا الحال إذا ظنّ الاتّساع لسائر المقدّمات الاختيارية ، فمنعه الاشتغال بها عن إدراك الركعة.

وكما ينتقل الحكم من الاختيار إلى الاضطرار بالنسبة إلى الشرائط كذا ينتقل الحكم بالنسبة إلى الأجزاء فيسقط السورة مع ضيق الوقت في وجه قويّ.

ثانيها : أنه يكتفي في الحكم بإدراك الركعة حصول الظنّ به ؛ لعدم إمكان الرجوع فيه إلى العلم في الغالب إلا أن يدرك ما يزيد عليه كثيرا ، مضافا إلى أنّ الأصل بقاء الوقت.

وهل يكفي فيه الرجوع إلى الأصل ولو مع عدم الظنّ؟ وجهان أظهرهما ذلك.

ثالثها : إن المشهور اعتبار الركوع والسجود في مفهوم الركعة ، فلا يكتفي فيها بمجرد الركوع.

وعن الشهيد في الذكرى (١) احتمال الاجتزاء به للتسمية لغة وعرفا ؛ نظرا إلى أن « الركعة » واحدة « الركوع » كالسجدة والسجود ؛ لحصول معظم الأجزاء بحصوله.

وعن المحقق في المسائل البغدادية الحكم به.

وقد نصّ على أنّها تسمّى ركعة بإيقاع الركوع فيها ، وليست التسمية مشروطة بالإتيان بالسجود.

__________________

(١) الذكرى ٢ / ٣٥٦.

٥٧٢

وظاهر الحدائق (١) تقوية ذلك ؛ إذ ليس لقولهم بالصحة في صورة الشك بين الأربع والخمس بعد الركوع وقبل السجود دليل سوى ذلك ؛ ليندرج تحت نصّ المسألة ، وهو متوقّف على حصول تمام الركعة.

وأنت خبير بضعف جميع ما ذكر بمنع حصول التسمية قبل الإتيان بالسجود إلا على سبيل التسامح ، ومجرد مضيّ المعظم لا يدلّ على ثبوت التسمية.

غاية الأمر أن يجوز على نحو من التوسّع. وحكمهم بالصحة في الشك المذكور في الصورة المتقدمة بل الحكم فيه محلّ منع كما سيجي‌ء الكلام في محلّه إن شاء الله.

على أن انحصار المدرك في النصّ المذكور غير مسلّم. ومن الغريب تقوية صاحب الحدائق لذلك بمجرد ما ذكر مع ما هو معلوم من طريقته في محلّ الاتفاق ، فكيف في المقام!

هذا ، والأظهر هو الوجه الأول ؛ أخذا بظاهر عرف المتشرعة ، وللقطع بكونه من أجزاء الركعة ، فكيف يمكن القول بإتمامه قبل الإتيان به.

وهل يتحقّق إتمام السجود بإتمام الذكر الواجب في السجدة الأخيرة أو برفع الرأس عنها؟ وجهان من حصول الواجب بذلك ، ومن أن السجود لا يتمّ إلى برفع الرأس ، فمع بقائه في السجود يكون باقيا في الركعة ، فلا تتمّ إلا بإتمامه.

رابعها : لو نسي إحدى السجدتين لم يمنع ذلك من إدراك الركعة إذا لم يذكرها قبل الدخول في الركوع ، وكذا الحال في نسيان غيرها من الواجبات لإتمام الركعة إذن بذلك.

غاية الأمر أن يعتبر إدراك مقدار الركعة التامة ، والمفروض حصوله في المقام ، وإن نسي الإتيان بالفعل فيه.

ويحتمل القول بأن وجوب قضاء السجدة كاشف عن نقصان الركعة في شأنه ، فلا يكون مدركا للركعة ، وإنما يتمّ ذلك فيما لا يقضي من الأفعال ، ولو ذكرها قبل الركوع بعد مضيّ الوقت أو لم يسع للرجوع لم يحكم بإدراك الركعة ، وكان الفعل قضاء ، ولا يسقط به وجوب القضاء

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٦ / ٢٧٦.

٥٧٣

فيجب عليه الإتمام.

ثم لو تذكر بعد مضيّ محل العود ثم انكشف عدم اتّساع الوقت للركعة لو لا طروّ النسيان ، ففي الحكم بإدراك الركعة وجهان ؛ من أن الركعة في شأن الناسي هو ذلك ، ومن عدم إدراكه لمقدار الركعة التامة كما ينصرف إليها الإطلاق.

ويجي‌ء في نسيان السجدة الإشكال المتقدم أيضا.

خامسها : إنهم اختلفوا في الصلاة الواقعة كذلك ، فعن كثير من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) والفاضلان (٣) والشهيدان (٤) والصيمري والمحقق الكركي (٥) أنها أداء [ و ] عن الخلاف (٦) حكاية الإجماع عليه تارة [ و ] نفي الخلاف عنه اخرى.

وفي جامع المقاصد (٧) أنه المشهور.

وذهب السيد ـ على ما حكاه جماعة ـ إلى كونها قضاء.

وحكاه في المبسوط (٨) عن بعض الأصحاب ، ( وقد حكى منه عن بعض الأصحاب ) (٩) أيضا القول بالتعليق. ولا يعرف له قائل معروف.

ونصّ جماعة بأنه أضعف الوجوه. والظاهر أنه لا ثمرة للنزاع في ذلك ؛ لوجوب الإتيان بها في ذلك الوقت ، وإن تقدمتها فائتة اخرى باتفاق من الجميع.

نعم ، يثمر ذلك في النية ، وهو إنما قيّد بناء على وجوب تعيين الأداء والقضاء. وهو بمكان

__________________

(١) المبسوط ١ / ٧٣.

(٢) الخلاف ١ / ٢٧١.

(٣) قواعد الأحكام ١ / ٢٥٠.

(٤) الذكرى ٢ / ٢٥٦ ، روض الجنان : ١٧٨.

(٥) جامع المقاصد ٢ / ٢٩٧.

(٦) الخلاف ١ / ٢٧٢.

(٧) جامع المقاصد ٢ / ٣٠.

(٨) المبسوط ١ / ٧٣.

(٩) ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ).

٥٧٤

من الوهن.

وكيف كان ، فحجة القول الأول ـ بعد الإجماع المنقول ـ ظاهر قوله : « فقد أدرك الوقت » (١) وقوله : « فقد أدرك الغداة تامة » (٢).

وأنت خبير بأن ذلك إنما يفيد كون ذلك بمنزلة إدراك الركعة في حصول الامتثال. وأما الأدائية المصطلحة فلا معنى لثبوتها إلا إذا قيل بكون جميع الفعل واقعا في الوقت بأن يقال باستمرار الوقت في شأن المدرك للركعة إلى ما بعد الوقت المضروب.

وهو بعيد جدّا مخالف لظاهر الآية وسائر الأخبار المروية ، بل وما روي في [ ال ] باب ؛ إذ المفروض فيها إدراك ركعة من الوقت ، والحكم بأن إدراكها إدراك لكلّ الوقت. وكأن السرّ فيه أن أصل الصلاة هي الركعة الواحدة على ما يستفاد من بعض الأخبار ، والزيادات الحاصلة فيها من جهة تدارك النقص الحاصل في تلك الركعة حتى أنه أضيف إليها النوافل لتدارك ما وقع من النقص.

وبالجملة إن قضية الروايات الواردة كونها بمنزلة الأداء في الأحكام ، وأما تسميته بالأداء فإنما يتبع الاصطلاح. وظاهره اختصاصه بما إذا وقع جميع الفعل في الوقت المضروب.

وبذلك يظهر ضعف القول بالقضائية ، والقول باختصاص آخر الوقت بآخر الصلاة ، فوقوع أولها فيه قاض بوقوعها خارجا عن وقتها ، فيكون الجميع خارجا عن الوقت ، بيّن الوهن ؛ إذ لا يعرف من الشرع اختصاص أبعاض الفعل بأبعاض الوقت.

ويشهد له ما ورد في المقام لدلالته على وقوع تلك الركعة في الوقت ، وإلّا لم يكن إدراكا لشي‌ء من الوقت ، وما دلّ على صحة الصلاة بوقوع آخرها في أول الوقت كما مرّ ؛ إذ لو لا ذلك لم يكن ما ذكر إدراكا لشي‌ء من الوقت بالنسبة إلى ما توقّفه فيه في شي‌ء من المقامين.

ومما ذكرنا يظهر ضعف القول بالتلفيق أيضا ؛ إذ لم يتعرف من اصطلاحهم إطلاق القضاء والأداء على بعض الفعل ؛ وإنما ظاهر الاصطلاح هو اتّصاف جميع الفعل بأحد الوصفين.

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٤٧.

(٢) الإستبصار ١ / ٢٧٥ ، باب وقت صلاة الفجر ح ١٠.

٥٧٥

ويجري احتمال التلفيق بناء على ما وجّه به القول المذكور فيما لو أدرك أقلّ من الركعة.

[ و ] الأظهر كما سيجي‌ء إن شاء الله كونه بمنزلة القضاء ، وإن جرى عليه في التسمية قضاء نحو ما ذكرناه ؛ نظرا إلى وقوع بعضها في الوقت.

والحاصل أنه يجري على الأول حكم الأداء ، وعلى الثاني حكم القضاء ، وإن كان هناك مناقشة في التسمية بالنسبة إلى الأمرين من جهة الاصطلاح.

سادسها : لو قصر الوقت عن إدراك الركعة سقط الوجوب. وعن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والعلامة أنه لا خلاف فيه عندنا. وهو ظاهر الخلاف (١) ومنتهى المطلب حيث حكم بسقوط الوجوب عندنا.

وعن المحقق (٢) الميل إلى الوجوب. قال : لو قيل بذلك لكان مطابقا لمدلول الأخبار.

وعن النهاية (٣) : يلزمها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس.

وقد يحتجّ عليه بإطلاق عدة من الأخبار لدلالتها على وجوب الظهرين بطهرها قبل الغروب ، والعشاءين بطهرها قبل الفجر ؛ لصدق ذلك مع إدراك أقل الركعة أيضا. مضافا إلى الأصل ؛ إذ الميسور ما يؤديه في الوقت لا يسقط بالمعسور ، فيأتي به في الوقت ويكمله بالباقي.

وفيه : أن تلك الإطلاقات منزّلة على صورة إدراك الفعل في الوقت ولو بإدراك الركعة ، كما دلّ عليه غيرها ، كيف ولا قائل في الأصحاب بوجوب (٤) الصلاتين بمحض طهارتها قبل الغروب أو الفجر ، مضافا إلى اعتضادها بالأصل وفتوى الأصحاب بل الإجماع المنقول.

ولزوم مراعاة بعض الوقت ممّا لا دليل عليه.

ودعوى عدم سقوط الميسور بالمعسور على إطلاقه ممّا لا دليل عليه ، والروايات الّتي يستند إليها ضعيفه.

__________________

(١) ليس في ( د ) : « الخلاف ».

(٢) المعتبر ١ / ٢٤٠.

(٣) النهاية ١ / ٢٣٩.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « بوجوب ... وفتوى الأصحاب ».

٥٧٦

ثمّ في شمولها لمثل الصلاة مناقشة ظاهرة.

ثمّ لو قيل بالوجوب حينئذ ففي ثبوت قضاء الجميع خارجا عن الوقت مع تركها فيه ممّا لا دليل عليه ، فحكم الشيخ بلزوم قضاء الفجر ضعيف ، وشمول قوله عليه‌السلام : « من فاتته » لمثل ذلك إشكال.

سابعها : نصّ (١) جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والعلامة (٢) في عدة من كتبهما استحباب القضاء إذا أدركت أقلّ من الركعة. وكأنه لإطلاق الأخبار التي أشرنا إليها.

وهو كما ترى إلّا أن يكتفى (٣) في ثبوت الاستحباب بمجرد قولهم تسامحا في أدلّة السنن.

ثامنها : الظاهر أنه لا يجوز تأخير الصلاة إلى أن يبقى ركعة من الوقت ، بل يتضيّق الفعل بتضييق الوقت ؛ أخذا بظاهر التوقيت الوارد في ظاهر الكتاب في الجملة والأخبار الكثيرة ، [ و ] غاية ما يثبت (٤) من أخبار الباب إدراك الصلاة بإدراك الركعة ، وهو لا يعطي جواز التأخير إليه ، فلا مقيّد لظاهر تلك الأدلّة.

مضافا إلى ما في الإيضاح (٥) : إذا بقي مقدار ثمان تضيّق الوقتان إجماعا.

وقد يحتمل في المقام جواز التأخير لدعوى ظهور الأخبار المتقدمة فيه ؛ إذ ظاهرها كون ذلك بمنزلة إدراك الوقت فيجوز التأخير إليه.

وهو كما ترى.

تاسعها : الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور بالمضطرّ ، فلو تعمّد المختار التأخير إليه فالظاهر ثبوت الحكم ، وكونه بمنزلة إيقاع جميعه في الوقت وإن عصى في التأخير ، على ما أشرنا إليه.

__________________

(١) في ( ألف ) : « فعن ».

(٢) نهاية الإحكام ١ / ٣١٤.

(٣) في ( ألف ) : « يكتفى » بدون « أن ».

(٤) في ( د ) : « ثبت ».

(٥) إيضاح الفوائد ١ / ٧٦.

٥٧٧

عاشرها : لو بلغ الصبي في أثناء الوقت وجب عليه الإتيان بالصلاة إن أدرك منه مقدار ركعة ( حسب ما مرّ. ولو صلّى في أوّل الوقت فهل يجب عليه الإعادة إذا بقي الوقت ولو مقدار ركعة؟ ) (١) وجهان.

وكذا لو كان البلوغ في أثناء الصلاة ، فهل يقيّد بتلك الصلاة ويتمّها أو يجب عليه قطعها مع ضيق الوقت عن الاتمام والإعادة؟ فعن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (٢) والمحقق في الشرائع (٣) والعلامة (٤) والشهيد (٥) في جملة من كتبهما وابن فهد والمحقق الكركي (٦) وصاحب المدارك (٧) وجوب الاستيناف لو بلغ في الأثناء.

وفي المدارك (٨) : أنه مذهب الأكثر.

وقد نصّ بعض هؤلاء على بقاء مقدار الطهارة ( وركعة من الصلاة. وقد يستظهر ذلك من إطلاق النهاية والتحرير حيث اعتبر سعة الوقت للطهارة ) (٩) إذا بلغ بعد الفراغ من الصلاة.

والمصرّح به في التذكرة (١٠) فيمن بلغ في الوقت أن اعتبار اتّساع الوقت للطهارة مقصور على ما إذا لم تكن متطهّرا.

وفي كشف اللثام (١١) : أنه لا وجه له.

والوجه فيه أنه لو قيل بصحة عباداته لزم القول بالصحة في الطهارة والصلاة ، فكيف

__________________

(١) ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).

(٢) الخلاف ١ / ٢٧١.

(٣) شرائع الإسلام ١ / ٤٩.

(٤) مختلف الشيعة ٢ / ٥٦.

(٥) الذكرى ٢ / ٣٥١.

(٦) جامع المقاصد ٢ / ٤٦.

(٧) مدارك الأحكام ٣ / ٩٦.

(٨) مدارك الأحكام ٣ / ٩٦.

(٩) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(١٠) تذكرة الفقهاء ٢ / ٣٣٣.

(١١) كشف اللثام ٣ / ١٢٧.

٥٧٨

نصّ على لزوم إعادة الصلاة ، ولا وجب القول بالفساد فيهما فكيف يكتفى بالطهارة (١) المتقدمة.

وفيه ما سيجي‌ء.

ونصّ في المبسوط (٢) وموضع من التحرير (٣) بأنه يتمّ ما بقي من الصلاة. واحتمله في نهاية الإحكام (٤) وظاهره عدم وجوب الإعادة.

وربما يحتجّ له بحرمة قطع العمل ، فهو مأمور بالإتمام ، وهو يقضي بحصول الامتثال.

وضعفه ظاهر.

وعن التذكرة (٥) : لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المفسد استحب له أن (٦) يتمّ ويعيد بعد ذلك إن كان الوقت متّسعا.

وكأن المقصود فيه استحباب الإتمام بالخصوص إن وجب عنده الإعادة كما هو قضية حكمه بها.

وقد يحمل عليه عبارة المبسوط والتحرير ، فيرجع إلى القول الأول إلا أنّه لا داعي له.

حجة الأول أنه إنما تعلّق به التكليف ( بعد البلوغ فيجب عليه امتثال ما كلّف به وما أتى به أولا إنما كان قبل تعلق الكليف فلا ثمرة له في حصول الامتثال وهو قوي إلا أنا لأظهر ابتناء المسألة على كون عبادات الصبي شرعية مندوبة بحسب الشريعة لتتصف بالصحة الشرعية أو أنها تمرينية محضة فعلى الأول كما هو الأظهر إن كان ما أتى به جامعا لشرائط الصحة قوي الاكتفاء به إذ المطلوب منه إيقاع الصلاة اليومية وقد أتى به على النحو المشروع فصار مسقطا فلا يتعلق به أمر بعد الإتمام حتى يفتقر إلى تحصيل الامتثال لوقوع الفعل منه على الوجه الصحيح ولا يظهر من الشرع مطلوبية إيقاع الصلاة الصحيحة مرتين في المقام ، فالمطلوب منه

__________________

(١) في ( ب ) : « بطهارة ».

(٢) المبسوط ١ / ٧٣.

(٣) انظر تحرير الأحكام ١ / ١٨٢.

(٤) نهاية الإحكام ١ / ٣١٤.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ / ٣٣٢.

(٦) في ألف : « لأن » بدلا من : « له أن ».

٥٧٩

صلاة واحدة يتصف قبل البلوغ بالندب وبعده بالوجوب.

ولو حصل الوجوب في الأثناء اتصف الفعل بالوجوب بعد اتصافه بالندب ولا داعي إلى الإبطال والإعادة. غاية الأمر أن يعدل بالنية إن قلنا بوجوب نية الوجه ولو في مثل المقام.

وعلى الثاني فلا ينبغي التأمل في وجوب الإعادة عليه بل وتركها والاستيناف لو بلغ في الأثناء وليس ذلك من الإبطال.

ولو سلم فلا نسلم شمول ما دل على المنع منه لمثله كما لا يخفى.

وقد ناقش المحقق الكركي (١) في ابتناء المسألة على ذلك وتبعه صاحب المدارك (٢) ، وعلّله في جامع المقاصد (٣) بأنه يجب عليه الاستيناف على القولين أما على التمرين فظاهر وأما على المشروعية فلعدم وجوبه عليه قبل البلوغ فلا يجتزى به عن الواجب مضافا إلى عدم تعلق التكليف به بعد فلا يعقل حصول امتثاله.

ومنه يظهر الوجه في تفصيل التذكرة (٤) بين الطهارة والصلاة لارتفاع الحدث بالطهارة المندوبة ومعه لا يجب إعادة الطهارة.

وقد عرفت ما فيه إذ تعلق الخطاب بالصلاة مع ذلك غير معلوم بل الظاهر خلافه.

وقضية الأصل عدمه مضافا إلى أن الظاهر من الشرع عدم تعلق الخطاب بصلاتين كذلك حسبما قرّرناه.

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ / ٤٦.

(٢) مدارك الأحكام ٣ / ٩٦.

(٣) جامع المقاصد ٢ / ٤٧.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ / ٣٣٢.

٥٨٠