تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

تبصرة

[ في وقت المغرب ]

لا خلاف بين الأصحاب في أن (١) أول وقت المغرب غروب الشمس ، واختلفوا في آخره.

فالمشهور أنه يمتدّ إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات يعني مقدار أداء العشاء.

وعن الغنية (٢) والسرائر (٣) حكاية الإجماع عليه.

وفي المختلف (٤) : أن كلّ من قال باشتراك الوقت بعد الزوال بمقدار أداء الظهر بينها وبين العصر قبل الغيبوبة بمقدار أداء العصر ، قال باشتراك الوقت بين المغرب والعشاء بعد مضيّ وقت المغرب إلى ما قبل انتصاف الليل بمقدار أداء العشاء. والفرق خرق الإجماع.

وقد حكي القول به عن السيد (٥) (٦) وابن ادريس (٧) والفاضلين (٨) وسائر المتأخرين (٩). وعن الكليني والشيخ في عدة من كتبه والطوسي (١٠) أن وقت المختار إلى غيبوبة الشفق ووقت

__________________

(١) ليس في ( ب ) : « أن ».

(٢) غنية النزوع : ٧٠.

(٣) السرائر ١ / ١٩٥.

(٤) مختلف الشيعة ٢ / ٧.

(٥) الناصريات : ١٩٣.

(٦) في ( د ) : « السيدين ».

(٧) السرائر ١ / ١٩٥.

(٨) المعتبر ٢ / ٤٠ ، تحرير الأحكام ١ / ١٧٨.

(٩) الدروس ١ / ١٣٩.

(١٠) نقل عنهم في كشف اللثام ٣ / ٤٢.

٥٠١

المضطر إلى ربع الليل إلا أنه (١) ذكر الكليني أنه روي أيضا امتداد وقته إلى نصف الليل » (٢). وظاهره الميل إلى الأول.

وعن الشيخين في المقنعة (٣) والنهاية (٤) أنه رخّص التأخير للمسافر إلى ربع الليل. وذكر الديلمي (٥) أنه قد روي جواز تأخير المغرب للمسافر إذا جد به السير إلى ربع الليل.

وتفصيل القول في ذلك أن ذهاب الشفق هو آخر ( وقته الأول أعني وقت الفضيلة على ما اخترناه في أول الوقتين ، وعلى القول الآخر يكون ذلك آخر ) (٦) وقت المختار ، فلا يجوز له التأخير.

وعليه يبتني القول المذكور ، وآخر وقته الثاني إذا بقي لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء. وقد خالف فيه الجماعة المذكورون ، فبنوا على تحديده بربع الليل.

فالكلام هنا في مقامين :

الأول : انتهاء وقت الفضيلة بذهاب الحمرة المغربية. ويدلّ عليه أن ثبوت الخصوصية لذلك ورجحان إيقاع الفعل فيه في الجملة مما لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في خروج وقت (٧) المختار به ، فكونه وقتا لأحد الأمرين مما لا كلام فيه.

ويدلّ على كونه للفضيلة ما دلّ على جواز تأخيرها عن ذلك حسبما مرّ القول فيه ، مع ما عرفت من المؤيّدات.

حجة القول الآخر : ظواهر عدّة من الأخبار ـ زرارة والفضيل ـ « وقت فوتها سقوط

__________________

(١) في ( ب ) : « أنّ ».

(٢) الكافي ٣ / ٢٨١ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح ١٣.

(٣) المقنعة : ٩٥.

(٤) النهاية : ٥٩.

(٥) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٥ / ٩١.

(٦) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(٧) زيادة : « وقت » من ( د ).

٥٠٢

الشفق » (١).

وفي حديث آخر : « آخر (٢) وقتها سقوط الشفق » (٣).

وفي رواية اسماعيل بن مهران : « آخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب » (٤).

وفي رواية زيد الشحام : « من أخّر المغرب حتى تشبّك (٥) النجوم من غير علّة فإنا إلى الله منه بري‌ء » (٦).

وفي الصحيح : « وقت المغرب حين تغيّب الشمس إلى أن تشبّك (٧) النجوم » (٨).

وفي [ خبر آخر ] أن « جبرئيل عليه‌السلام أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الوقت الثاني في المغرب قبل سقوط الشفق » (٩).

وفي الموثق : « إن أبا الخطاب أفسد (١٠) أهل الكوفة فصاروا لا يصلّون المغرب حتى يغيب الشفق ، ولم يكن ذلك إنما ذلك للمسافر وصاحب العلة » (١١) .. إلى غير ذلك من الأخبار.

وهي محمولة على الفضل والاستحباب لما عرفت.

وفي عبيد بن زرارة : « إذا غربت (١٢) الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٨٠ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح ٨.

(٢) لفظة « آخر » لم ترد في ( ألف ).

(٣) الكافي ٣ / ٢٨٠ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ٨.

(٤) الكافي ٣ / ٢٨٢ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ١٦.

(٥) في ( د ) : « تشتبك ».

(٦) الأمالي للصدوق : ٤٧٦.

(٧) في ( د ) : « تشتبك ».

(٨) الإستبصار ١ / ٢٦٣ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ٩.

(٩) الإستبصار ١ / ٢٦٣ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ١٠.

(١٠) في ( ب ) : « انسد ».

(١١) وسائل الشيعة ٤ / ١٩٢ ، باب تأكد استحباب تقديم المغرب في أول وقتها ، ح ٢٢.

(١٢) في ( ب ) : « غرب ».

٥٠٣

هذه قبل هذه » (١).

وفي مرسلة داود بن فرقد : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلى المصلي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب » (٢).

وإن ثبت القول به كذلك ففي غاية الوهن.

الثاني : انتهاء وقت الثاني إلى مقدار أداء العشاء من نصف الليل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المنقول ـ بسيطا ومركبا ـ ظاهر الكتاب بملاحظة تفسيره في الصحيح في غير واحد من الروايات ، ففي صحيحة عبيد بن زرارة في تفسير الآية الشريفة :

« منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل » (٣).

وقد تقدم (٤) روايته الأخرى ومرسلة داود بن فرقد.

وفي مرسلة الكافي أنه « ورد أن وقت المغرب في السفر إلى نصف الليل » (٥).

مضافا إلى تأيّده بالشهرة ، وإطلاق ما دلّ على جواز التأخير عن الشفق لعلة فإنه يعمّ ما بعد الربع.

حجة القائل بانتهائه إلى ربع الليل قوله عليه‌السلام في رواية عمر بن يزيد : « فإنك في وقت إلى ربع الليل » (٦) ، بحملها على المعذور كما قد يستفاد من صدرها.

وفي صحيحة : « وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل » (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٧.

(٢) الإستبصار ١ / ٢٦٣ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ٢٥.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « وقد تقدّم ... نصف الليل ».

(٥) الكافي ٣ / ٤٣١ ، باب وقت الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين ، ح ٥.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ / ٣٠ ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ح ٤٢.

(٧) الكافي ٣ / ٢٨١ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ١٤.

٥٠٤

وفي روايته الأخرى : « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل » (١).

وهي لا يقاوم ما ذكرناه من الأخبار المؤيّدة بعمل الأصحاب ، فهي محمولة على شدّة مرجوحية التأخير بعد ذلك ، ومع ذلك فهي معارضة بأخبار أخر ، ففي صحيحة أخرى لعمر بن يزيد : « وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل » (٢).

وفي رواية أبي جعفر (٣) : « أنت في وقت من المغرب في السفر إلى خمسة أميال من بعد غروب الشمس » (٤).

وورد في رواية اخرى الرخصة في تأخيره إلى ستة أميال ، وذلك قد يزيد في بعض الأحيان على ربع الليل. فهي محمولة على تأكّد المرجوحية في التأخير عن ذلك. ولا يبعد القول باختلاف الحال في ذلك مع اختلاف الأعذار والأحوال ، فيندرج مراتب المرجوحيّة بملاحظتها.

__________________

(١) الإستبصار ١ / ٢٦٧ ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح ٢٥.

(٢) الكافي ٣ / ٤٣١ ، باب وقت الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين ، ح ٥ ؛ وسائل الشيعة ٤ / ١٩٣ باب جواز تأخير المغرب حتى يغيب الشفق ، ح ١.

(٣) في ( د ) : « بصير ».

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٤٧.

٥٠٥

تبصرة

[ في وقت العشاء ]

أول وقت العشاء بعد مضي مقدار أداء المغرب بعد الغروب ، على المشهور بين الأصحاب كما هو المعلوم من ملاحظة فتاويهم ، والمحكي في كلام جماعة من محقّقيهم كالمحقق الكركي (١) والشهيد الثاني (٢).

وحكى الإجماع عليه في الغنية (٣) والسرائر (٤).

وفي المختلف (٥) : إنه لا فارق بين الظهرين والعشاءين ، فمن قال بالاشتراك عند الفراغ من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب.

وعزاه في غاية المرام إلى المتأخرين.

وفي المدارك (٦) إلى سائر المتأخرين موذنا باتفاقهم عليه.

وقد عزي القول به إلى الإسكافي والسيدين (٧) والقاضي (٨) والحلبي (٩) والطوسي (١٠)

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ / ١٨.

(٢) روض الجنان : ١٧٩.

(٣) غنية النزوع : ٦٩.

(٤) السرائر ١ / ١٩٦.

(٥) مختلف الشيعة ٢ / ٢١.

(٦) مدارك الأحكام ٣ / ٥٧.

(٧) الناصريات : ١٩٧.

(٨) المهذب ١ / ٦٩.

(٩) الكافي للحلبي : ١٣٧.

(١٠) الوسيلة : ٨٣.

٥٠٦

والحلي (١) والفاضلين (٢) والشيخين (٣) والشهيدين (٤) والمحقق الكركي (٥) وغيرهم.

وعن الصدوق في الهداية (٦) والمفيد في المقنعة (٧) والشيخ (٨) في عدة من كتبه والديلمي أن أوله سقوط الشفق المغربي. وجعله بعضهم أحد قولي السيد. وحكاه في المختلف (٩) عن العماني إلا أنّه حكى عنه في المنتهى (١٠) القول بالأول.

وظاهر ذلك عدم دخول الوقت إلا بذلك ، فيكون تقديمه عليه كتقديم الظهر على الزوال.

ولذا استدلّ في المدارك (١١) على بطلانه ببعض ما دلّ على جواز التقديم لبعض الأعذار إلا أن المصرّح به في المقنعة جواز التقديم للمعذور.

وقد نصّ في النهاية (١٢) بجواز تقديم العشاء قبل سقوط الشفق في السفر وعند الأعذار. قال : ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

وجوّز في تهذيب الأحكام (١٣) تقديمها إذا علم أو ظنّ أنه إن لم يصلّ في ذلك الوقت لم يتمكن منه بعده.

وجعل في المراسم (١٤) جواز التقديم للمعذور رواية. فمقتضى ذلك حينئذ دخول وقت

__________________

(١) السرائر ١ / ١٩٥.

(٢) المعتبر ٢ / ٤٢ ، تذكرة الفقهاء ٢ / ٣١١.

(٣) ليس في ( د ) : « والشيخين ».

(٤) الذكرى ٢ / ٣٤٣ ، روض الجنان : ١٧٩.

(٥) جامع المقاصد ٢ / ١٨.

(٦) الهداية : ٣٠.

(٧) المقنعة : ٩٣.

(٨) المبسوط ١ / ٧٥ والخلاف ١ / ٢٦٢.

(٩) مختلف الشيعة ٢ / ٢٤.

(١٠) منتهى المطلب ٤ / ٦٨.

(١١) مدارك الأحكام ٣ / ٥٩.

(١٢) النهاية : ٥٩.

(١٣) تهذيب الأحكام ٢ / ٣٤.

(١٤) المراسم العلوية : ٦٢.

٥٠٧

الاختيار بسقوط الشفق دون (١) وقت المعذور ، فيدخل وقته بعد أداء المغرب ، فيكون إذن للمعذور عندهم وقتان.

وحكى في الخلاف (٢) عن بعض الأصحاب قولا ثالثا في المقام ، وهو الحكم باشتراك وقت الصلاتين بغروب الشمس ، نظير ما مرّ حكايته عن الصدوق في الظهرين ، وقد دلّ عليه في المقام عدة من الروايات.

وهي كما مرّ محمولة على بيان الاشتراك فيما بعد وقت الاختصاص.

وما في بعضها من أنّ « هذه قبل هذه » إشارة إليه.

مضافا إلى أنّه لا يعرف القائل به في المقام.

وربما يحمل كلامه على ما يرجع إلى المشهور ، فيرتفع الخلاف على نحو ما مرّ نظيره.

بقي القولان الأولان ، والأظهر منهما الأول للنصوص المستفيضة المتكثرة الدالّة عليه بالإطلاق والتنصيص. وقد مرّت الإشارة إليه في جملة منها.

وفي الموثق : « صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ، وصلّى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة ، وإنما فعل ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليتّسع الوقت على امته » (٣).

وفي خبر إسحاق بن عمار : تجمع بين المغرب والعشاء الآخرة قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟ قال : « لا بأس » (٤).

وفي زرارة ، عن الباقرين عليهما‌السلام ، عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟

فقال : « لا بأس به ».

وفي [ رواية : ] « كنا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق

__________________

(١) في ( ب ) : « ومن » ، بدلا من : « دون ».

(٢) الخلاف ١ / ٢٦١.

(٣) الكافي ٣ / ٢٨٦ ، باب الجمع بين الصلاتين ، ح ١.

(٤) الإستبصار ١ / ٢٧١ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ٤٣.

٥٠٨

وكان منا من يضيق لذلك صدره (١) ، فدخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ قال : « لا بأس بذلك ». قلنا : وأي شي‌ء الشفق؟ فقال : « الحمرة » (٢).

وفي مرسلة الفقيه ، قال الصادق عليه‌السلام : « إذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » (٣).

حجة القول الآخر بعد الأصل ـ إذ المتفق من الوقت ما كان بعد ذهاب الشفق ـ صحيحة محمد بن بكر (٤) بن محمد : « وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة » (٥).

وصحيحة الحلبي متى (٦) تجب العتمة؟ قال : « إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة » (٧).

مضافا إلى ما اشتمل عليه عدة من الأخبار من الحكم بجواز التأخير مقيّدا لعلّة أو سفر كموثّقة جميل : فالرجل يصلي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ قال : « لعلّة لا بأس » (٨) بأنه (٩) يستفاد منها المنع مع انتفاء العذر.

وبذلك يقيّد الإطلاقات المتقدمات (١٠) ، بل يجعل ذلك جامعا بين أخبار الباب.

وأنت خبير بأنه لا صراحة لهذه الروايات في عدم دخول الوقت قبل سقوط الشفق ، فلا تقاوم النصوص المتقدمة ، والظواهر البيّنة المتقوّية مع كثرتها وشهرتها واعتضاد بعضها بالبعض بعمل الطائفة ، سيّما مع ملاحظة مخالفتها للعامة ، وموافقة هذه لمذهبهم ، بل وما اتفقوا

__________________

(١) في ( ألف ) هنا زيادة واو العطف.

(٢) الإستبصار ١ / ٢٧١ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، مع اختلاف يسير ح ٤٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٢١.

(٤) في ( د ) : « صحيحة بكير بن محمد ».

(٥) الإستبصار ١ / ٢٦٤ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ١٤.

(٦) في ( ألف ) : « حتى ».

(٧) الكافي ٣ / ٢٨١ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ١١.

(٨) تهذيب الأحكام ٢ / ٣٣ وفيه : « فيسقط الشفق؟ فقال : لعلة لا بأس ».

(٩) في ( د ) : « فانّه ».

(١٠) في ( د ) : « إطلاقان المتقدمان ».

٥٠٩

عليه.

فحمل الصحيحين المذكورين على التقيّة من أقرب المحامل ، ولا يبعد حملها على إرادة بيان الفضيلة كما يستفاد مما أشرنا إليه.

ثم إنه يمتدّ وقته إلى انتصاف الليل على المعروف بين الأصحاب ، و (١) عن الغنية (٢) والسرائر (٣) حكاية الإجماع عليه. وحكى الشهرة عليه جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان في الذكرى (٤) والمسالك (٥).

واختاره السيد والديلمي والفاضلان (٦) والشهيدان (٧) وابن فهد (٨) والصيمري والمحقق الكركي (٩) وغيرهم.

وعن الشيخ في كتاب (١٠) الحديث والمبسوط (١١) والطوسي (١٢) أن الثلث للمختار والنصف للمضطر ، وعزي (١٣) إلى الكليني أيضا. وعن الحلبي : إن الربع للإجزاء والنصف للمضطر.

وعن النهاية (١٤) : إن آخر وقت المعذور ثلث الليل ، ثم جعل النصف رواية ، قال : والأحوط ما قدّمناه.

__________________

(١) زيادة واو العطف من ( د ).

(٢) غنية النزوع : ٧٠.

(٣) السرائر ١ / ١٩٥.

(٤) الذكرى : ١٢٠.

(٥) مسالك الإفهام ١ / ١٤٧.

(٦) المعتبر ٢ / ٤١ ، تذكرة الفقهاء ٢ / ٣١١.

(٧) الذكرى ٢ / ٣٤٠ ، مسالك الإفهام ١ / ١٣٩.

(٨) المهذب البارع ١ / ٢٩٦.

(٩) جامع المقاصد ٢ / ١٩.

(١٠) في ( د ) : « كتابي ».

(١١) المبسوط ١ / ٧٥.

(١٢) الوسيلة : ٨٣.

(١٣) في ( د ) زيادة : « ذلك ».

(١٤) النهاية : ٥٩.

٥١٠

وعن الصدوق في الهداية (١) والمفيد في المقنعة والشيخ في الخلاف (٢) والمصباح (٣) والجمل والاقتصاد (٤) وعمل اليوم والليلة والقاضي (٥) إطلاق إن أخّره ثلث الليل إلّا أنّه (٦) في الخلاف والمصباح والجمل والاقتصاد جعل (٧) النصف رواية. وحكاه القاضي قولا.

وعن العماني (٨) إطلاق (٩) آخره ربع الليل.

وتوضيح المقام أن الكلام هنا في مقامين :

أحدهما : في بيان آخر وقته الأول ، فالمعروف أنه ثلث الليل ، وحكي الشهرة عليه في المسالك (١٠) وكشف اللثام (١١).

وفي كشف الرموز (١٢) أنه مذهب الأكثر.

وعن الحلبي (١٣) والشهيد (١٤) والمحقق الكركي (١٥) أنّه إلى ربع الليل.

وكأنه مذهب القائل بكون آخره الثلث مطلقا ؛ إذ لا يتعيّن لذلك سواه ، وإن لم يصرّح به في المقام.

__________________

(١) الهداية : ١٣٠.

(٢) الخلاف ١ / ٢٦٥.

(٣) مصباح المتهجد : ٢٦.

(٤) الاقتصاد : ٢٥٦.

(٥) المهذب ١ / ٦٩.

(٦) في ( د ) : « إلى أنّه » ، وفي ( ب ) : « ألّا أن ».

(٧) في ( ب ) : « وجعل ».

(٨) فقه ابن أبي عقيل العماني : ١٥٨.

(٩) في ( د ) زيادة : « أنّ ».

(١٠) مسالك الإفهام ١ / ١٤٩.

(١١) كشف اللثام ٣ / ٤٦.

(١٢) انظر كشف الرموز ١ / ١٢٦.

(١٣) الكافي للحلبي : ١٣٧.

(١٤) الذكرى : ١٢٠.

(١٥) جامع المقاصد ٢ / ١٨.

٥١١

والأظهر الأول ؛ للروايات المستفيضة الدالّة على أن آخر وقته ثلث الليل ( وفي عدّة منها دلالة على عدم مرجوحيّة التأخير كالمستفيضة الدالّة على أنّ آخر وقته ، ثلث الليل ) (١) (٢) ، منها ما رواه (٣) في الصحيح (٤) [ من ] بيان مجي‌ء جبرئيل بالأوقات ، وفيها إشارة إلى كونه آخر الفضيلة حيث اشتمل على (٥) آخر وقت غيرها من الصلاة (٦). وليس بآخر وقت الإجزاء بالنسبة إليها كالصحيح : « إنّ وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل » (٧).

وفي الموثق : « العتمة إلى ثلث الليل [ أو ] (٨) إلى نصف الليل وذلك التضييع » (٩) بجعل ذلك إشارة إلى الأخير.

وفي الخبر : « آخر وقت العشاء ثلث الليل » (١٠).

وفي كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى أمراء البلاد المروي في نهج البلاغة : « وصلاة العشاء الآخرة حتى يتوارى الشفق إلى ثلث الليل » (١١).

وفي الموثق ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لا أن أشقّ على امتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة إلى نصف الليل ، وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل ، فلا رقدت عيناه » (١٢).

__________________

(١) ما بين الهلالين لم تنقل في ( ألف ).

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢١٩.

(٣) في ( د ) : « ورد ».

(٤) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٥٣.

(٥) في ( ب ) : « أنّ » بدل « على ».

(٦) في ( د ) : « صلوات ».

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢١٩.

(٨) الزيادة من المصدر.

(٩) الإستبصار ١ / ٢٧٣ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح ٤٩.

(١٠) الإستبصار ١ / ٢٦٩ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ٣٤.

(١١) نهج البلاغة ٣ / ٨٢ الخطبة ٥٢ نقلا بالمعنى.

(١٢) الإستبصار ١ / ٢٧٣ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ٤٧.

٥١٢

وفي رواية اخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لا نوم الصبي وعليه الضعف لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل » (١).

وجملة من هذه الأخبار كما ترى لا تفيد المنع من التأخير ، بل دلّ غير واحد منها على جوازه إلى نصف الليل كما دلّت عليه أخبار كثيرة يأتي الإشارة إليها.

فمقتضى الجمع أن يحمل هذه على الوقت الأول.

وفي بعضها دلالة على أنه للفضيلة كالموثقة الأخيرة ، ويشير إليه الموثقة الأولى ، ويقدّم ذلك وغيره شاهدا على الجمع ، مضافا إلى ما عرفت من كون الوقت الأول للفضيلة لا الاختيار.

حجة القول الآخر مرسلة الكافي حيث قال بعد ذكر الموثقة ( الأخيرة إلى قوله (٢) « ثلث الليل » ، وروي « إلى ربع الليل ».

وفي الفقه الرضوي : « ووقت عشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم إلى ربع الليل وقد رخّص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل » (٣).

وأنت خبير بأن الأول لا دلالة فيها على انتهاء وقت الفضيلة بذلك ، والثاني مع عدم صراحته في ذلك لا تقاوم الأخبار المذكورة. وكأنها حجة القول بكونه وقت الاختيار إذ لم نجد ذلك فيما سواه من الأخبار ، إلا أن يستند فيه إلى بعض العمومات.

ثانيهما : في بيان آخر وقته الثاني. والمشهور أنه إلى انتصاف الليل. وقد عرفت الإجماع المحكي عليه في الكتابين.

وقد تقدم حكاية إجماع المختلف (٤) على عدم الفصل. وظاهر جماعة كما عرفت أن آخره ثلث الليل من غير بيان لآخر وقته الأول. وكأنه لظاهر جملة من الأخبار المذكورة.

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٣٦٧.

(٢) من قوله « الأخيرة .. » إلى قوله « في المعتبر أيضا وقوّاه » لم ترد في ( ألف ) ، وأدرجناه من ( د ).

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٣.

(٤) مختلف الشيعة ٢ / ٢٥.

٥١٣

ولا يخفى وهنه بعد صراحة المستفيضة المستكثرة على خلافه كصحيحة زرارة (١) ورواية ابنه عبيد (٢) الواردتان في تفسير الآية وصحيحة بكر بن محمد (٣) ومرسلة الصدوق (٤) المتقدمتان ورواية المعلى : « آخر وقت العتمة إلى نصف الليل » (٥) ورواية أبي بصير : « للا أن أشق على أمتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل » (٦) .. إلى غير ذلك مما ورد وقد مرت الإشارة إلى بعضها.

هذا ، واعلم أنه قد ورد في عدة من النصوص المستفيضة المشتملة على غير واحد من المعتبرة بقاء وقت العشاءين إلى الصبح للمضطر كالحائض والنائم والساهي ونحوها إذا زالت أعذارهم قبل الصبح فيختص بالعشاء مقدار أدائها والثاني مشترك بين الصلاتين ، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « إن نام رجل أو نسي أو سهى أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء » (٧).

وفي موثقة زرارة : « إذا صليت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك » (٨) مع استفاضة الأخبار عنهم عليهم‌السلام بعدم وجوب الإعادة بعد خروج الوقت إذا صلّى إلى غير القبلة ثم علم به بعد خروج الوقت.

وأيضا ظاهرها عدم وجوب الإعادة لو علم به بعد الصبح ، فحملها على صورة الاستدبار في غاية البعد ، فهي ظاهرة الدلالة على ما ذكرناه.

وفي رواية أبي بصير : « إن نام الرجل ول يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٧١ ، باب فرض الصلاة ح ١.

(٢) الإستبصار ١ / ٢٦١ ، باب آخر وقت الظهر والعصر ح ١٣.

(٣) الاستبصار ١ / ٢٦٤ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح ١٤.

(٤) معاني الأخبار : ٣٣٢.

(٥) الإستبصار ١ / ٢٧٣ ، باب وقت صلاة الفجر ح ٤٨.

(٦) الكافي ٣ / ٢٨١ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح ١٣.

(٧) الإستبصار ١ / ٢٨٨ ، باب من فاتته الفريضة ودخل عليه وقت صلاة أخرى فريضة ح ٤.

(٨) الإستبصار ١ / ٢٩٧ ، باب من صلى إلى غير القبلة ثم تبين بعد ذلك قبل انقضاء الوقت بعده ح ٥.

٥١٤

استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وإن خشي أن يفوته أحدهما فليبدأ بالعشاء الآخرة » (١).

وفي رواية عبيد بن زرارة : « لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ولا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (٢) فإن الظاهر من صلاة الليل بقرينة المقام بلّه هي الصلاة الواجبة وحملها على النوافل كما ذكره الشيخ بعيد.

وفي رواية داود الزجاجي عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وإن طهرت في آخر الليل صلّت المغرب والعشاء » (٣).

وفي رواية عمر بن حنظلة : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر » (٤).

ونحوها رواية أبي الصباح الكناني (٥) عن الصادق عليه‌السلام.

وقد أفتى بمضمونها صاحب المدارك (٦) واستحسنه صاحب المفاتيح ، وقوّاه في البحار (٧) واختاره الشريف الأستاد ـ أسكنه الله فراديس الجنان ـ ، وهو ظاهر الشيخ في كتابي الأخبار حيث ذكر بعض الأخبار المتقدمة وحمله على الضرورة ، فعلى هذا يكون للعشاءين أوقات ثلاثة.

وقد نصّ عليه في الخلاف (٨) بالنسبة إلى صلاة العشاء ، وحكى الإجماع عليه قال : إنه لا

__________________

(١) الإستبصار ١ / ٢٨٨ ، باب من فاتته الفريضة ودخل عليه وقت صلاة أخرى فريضة ح ٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٥٦ ، باب المواقيت ح ٥٢.

(٣) الإستبصار ١ / ١٤٣ ، باب الحائض تطهر عند وقت الصلاة ح ٨ وفيه : والعشاء الآخرة.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٣٩١ ، باب الحيض والاستحاضة والنفاس ح ٢٩.

(٥) الإستبصار ١ / ١٤٣ ، باب الحائض تطهر عند وقت الصلاة ح ٦.

(٦) انظر مدارك الأحكام ٣ / ٤٠.

(٧) بحار الأنوار ٨٠ / ٥٣.

(٨) الخلاف ١ / ٢٧١.

٥١٥

خلاف بين أهل العلم في أن أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة أنه يلزمه العشاء الآخرة ولم يتعرض للمغرب.

وقد نصّ على الحكم بالنسبة إلى العشاء في المعتبر (١) أيضا.

وقوّاه ) (٢) صاحب المعالم في الرسالة.

وعن الذكرى (٣) أنه يظهر من الصدوق في الفقيه.

والظاهر جريان الحكم في المغرب ؛ إذ من البعيد توهّم الفرق (٤) بينهما في ذلك مع ما عرفت من اندراجهما في الأخبار ، وقد اختاره أيضا جماعة من المتأخرين.

ولا يخلو القول به عن قوة ؛ لاستفاضة النصوص به ، وصراحتها فيه ، واعتبار أسانيد جملة منها. وليس هناك في النصوص ما فيه دلالة صريحة على خلافه ؛ إذ لا شكّ في أن الوقت الموظف الذي يجوز التأخير إليه ولو مع عذر يسير إنما هو نصف الليل ، وهو الوقت الذي قرّره الشارع لهما ، ودلّت عليه الآية ، وسائر الروايات الواردة.

وأما هذا الوقت وهو (٥) مشارك لخارجه في وقوع العصيان بالتأخير إليه مع الإمكان.

غاية الأمر عدم خروجه عن الوقت المحدود بالمرة ، بمعنى أن الشارع أجراه مجرى ذلك الوقت في لزوم الفعل على إدراكه ، فهو خارج عن وقته المجعول للمختار الذي هو المنظور في (٦) تلك الأخبار ، فحمل الروايات الدالّة على خروجه عن الوقت على إرادة الوقت المذكور أي الوقت المحدود الذي يجوز التأخير إليه مطلقا أو يأتي في عذر قريب جدّا. ولا يأباه ظاهر الآية ولا شي‌ء من تلك الروايات المأثورة كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

وإطلاق الأمر بقضاء العشاء بعد انتصاف الليل ـ كما ورد في بعض الأخبار ـ ليس

__________________

(١) انظر المعتبر ٢ / ٤٢.

(٢) إلى هنا لم ترد في ( ألف ) كما أشرنا إليه.

(٣) الذكرى : ١٢١ وفيه : « ونقله في المبسوط عن بعض الأصحاب ، ويظهر من الصدوق ... ».

(٤) في ( ألف ) : « العرف ».

(٥) في ( د ) : « فهو ».

(٦) في ( ألف ) : « وفي ».

٥١٦

بصريح في خلافه ؛ لوضوح إطلاق القضاء على ما يعمّ الأداء ، سيّما مع مشابهته لخارج الوقت في حصول العصيان بالتأخير إليه.

وما ورد من أن المنع من تأخير الصلاة عن نصف الليل وأنّ من نام عنه فلا رقدت عيناه ، فهو ممّا لا ظهور له في خلافه أصلا إذا قضى ما يدلّ عليه حصول العصيان بسببه ، وهو مما لا كلام (١) فيه.

وخلو سائر الأخبار عن بيان ذلك لا يدلّ على عدمه ؛ إذ هي مسوقة لبيان وقت الاختيار الذي يجوز التأخير إليه ، ولو مع أدنى الاقدار ، دون مثل ذلك.

فلا يمكن أن يحكم بالمعارضة بينها وبين صريح هذه الأخبار المروية عن العترة الأطهار.

نعم ، قد يشكل الحال فيها من جهة موافقتها لمذاهب العامة ، فقد حكي إطباق فقهائهم الأربعة عليه ، وإن اختلفوا في كونه وقت المختار أو المضطرّ مع مخالفة ظواهر تلك الأخبار لمذاهبهم. مضافا إلى موافقة تلك لظواهر الكتاب ومخالفة هذه لها وموافقة تلك لظاهر المشهور بين الأصحاب ومخالفتها.

وقطع بذلك صاحب الحدائق (٢) حاملا للأخبار المذكورة على التقية.

وهو كما ترى ؛ إذ الحمل على التقية إنما يصح مع حصول المعارضة بحيث لا يكون وجه ظاهر للجميع (٣) سواه ، والمفروض أن المعارضة الحاصلة في المقام إنما هي بين النصّ والظاهر ؛ إذ ليس في تلك الأخبار خصوصية على انتفاء ذلك ، بل ولا ظهور تامّ فيه.

فقضية فهم العرف من ملاحظة مجموع الأخبار تقييد تلك الإطلاقات بذلك ، والبناء على خروج وقت الاختيار ، وبناء (٤) وقت الاضطرار ، فمع قضاء العرف بمثل ذلك لا داعي إلى الحمل على التقية ، ولا للتمسك في تركها إلى مخالفة الكتاب كما لا يخفى.

__________________

(١) في ( د ) : « مما كلام ».

(٢) الحدائق الناضرة ٦ / ١٢٢.

(٣) في ( ب ) : « لجميع ».

(٤) في ( د ) : « وبقاء ».

٥١٧

على أنه مخالف لما حكي عنهم في المقام ؛ إذ المعزى إليهم وجوب الصلاتين معا بإدراك مقدار ركعة قبل طلوع الفجر.

وقد ورد في أخبارهم ما يدلّ عليه ، بل اكتفى بإدراك بعضهم التكبيرة فقط. وقد (١) نصّ في الصحيحة المتقدمة وغيرها بخلافه.

وهل يختصّ ذلك بحال الاضطرار أو يجري أيضا في حق المختار بحيث لو عصى وتعمّد التأخير بقي الوقت بالنسبة إليه وكان مؤديا؟ وجهان ؛ من خروجه عن منطوق الأخبار ، ومن أن قضية اندراجه في الوقت حال الاضطرار عدم خروجه بالمرة عن الوقت المضروب ، فيجري في شأن المختار ، وإن ترتب عليه العصيان على تأخيره.

ولا يخلو ذلك عن قوة ، وقد أفتى به بعض الأجلة.

وقد تحصل ما قرّرناه للعشاء أوقات أربعة : اثنان منها للإجزاء ، وآخران للفضيلة ورابع للاضطرار ، وللمغرب أوقات ثلاثة.

ولا ينافي ذلك ما دلّ من أن لكلّ صلاة وقتين ، كما لا يخفى.

__________________

(١) زيادة : « وقد » من ( د ).

٥١٨

تبصرة

[ في وقت الفجر ]

أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الصادق أي البياض المستطير في الافق ، بالإجماع المعلوم والمنقول في كلام جماعة كما في المعتبر (١) ومنتهى المطلب (٢) والتذكرة (٣) والذكرى (٤) والمدارك (٥) وغيرها. ونفى عنه الخلاف في (٦) الخلاف (٧) وكشف الالتباس وغاية المرام.

والروايات به مستفيضة. واختلفوا في آخر وقته ، فالمشهور بين الأصحاب أن آخر وقت الإجزاء طلوع الشمس. وحكي القول به عن الإسكافي والمفيد (٨) والسيدين والشيخ في المصباح (٩) والديلمي والقاضي (١٠) والحلبي (١١) والحلي (١٢) والفاضلين (١٣) والشهيدين (١٤)

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٤٤.

(٢) منتهى المطلب ٤ / ٧٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ / ٣١٦.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « والذكرى ».

(٥) مدارك الأحكام ٣ / ٦١.

(٦) في ( ب ) : « وفي ».

(٧) الخلاف ١ / ٢٦٧.

(٨) المقنعة : ٩٤.

(٩) مصباح المتهجد : ١٧٩.

(١٠) المهذب ١ / ٦٩.

(١١) الكافي للحلبي : ١٣٨.

(١٢) السرائر ١ / ١٩٥.

(١٣) شرائع الإسلام ١ / ٤٧ ، ارشال الاذهان ١ / ٢٤٣.

(١٤) البيان : ٤٩ ، روض الجنان : ١٨٠.

٥١٩

والسيوري وابن فهد (١) والصيمري والمحقق الكركي (٢) وغيرهم.

وحكي الإجماع عليه في الغنية (٣) والسرائر (٤) والشهرة في المسالك (٥) ومجمع البرهان (٦) والحدائق (٧) وغيرها.

وعن العماني (٨) : أن آخر الوقت للمختار ظهور الحمرة المشرقية ، وللمضطر طلوع الشمس. وحكي ذلك عن الشيخ في المبسوط (٩) والخلاف (١٠) وكتابي (١١) الحديث والطوسي في الوسيلة (١٢) إلا أن الموجود في كلام الشيخ اعتبار الإسفار للمختار.

وقد فهم منه جماعة ظهور الحمرة المشرقية. ولا بعد فيه.

وربما يومي عبارة الخلاف (١٣) إلى حكاية الإجماع عليه حيث قال : إن الإسفار آخر وقت المختار عندنا إلا أنه لم يستند فيه إلا إجماع الفرقة.

وفيه دلالة على عدم تحققه للإجماع ، وإلّا صحّ امتداد وقت الإجزاء إلى طلوع الشمس للمختار ، ووقت الفضيلة إلى الإسفار المتحد عندهم مع الحمرة المشرقية.

ويدلّ على الأول عدّة من الأخبار ، ففي رواية زرارة : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع

__________________

(١) المهذب البارع ١ / ٢٩٧.

(٢) جامع المقاصد ٢ / ٢٢.

(٣) غنية النزوع : ٧٠.

(٤) السرائر ١ / ١٩٥.

(٥) انظر مسالك الإفهام ١ / ١٣٩.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان ٢ / ٢٤.

(٧) الحدائق الناضرة ٦ / ٢٠١.

(٨) فقه ابن أبي عقيل العماني : ١٥٩.

(٩) المبسوط ١ / ٧٥.

(١٠) الخلاف ١ / ٢٦٦.

(١١) انظر الإستبصار ١ / ٢٧٦.

(١٢) الوسيلة : ٨٣.

(١٣) الخلاف ١ / ٢٦٧.

٥٢٠